الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

عبد العزيز دولتشين

الرحلة السرية للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين إلى الحجاز

المؤلف:

عبد العزيز دولتشين


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٦

١
٢

٣
٤

حياة الرحالة

العقيد الروسي عبد العزيز دولتشين

ولد عبد العزيز دولتشين في ٢٤ حزيران (يونيو) ١٨٦١ في عائلة ضابط في الجيش الروسي. وكانت هذه العائلة التترية المحترمة تتمتع بتأثير كبير بين أبناء قوميتها ؛ وقد شغل والد المؤلف مناصب هامة في إدارة مناطق الاورال الجنوبية في روسيا. إن انتماء الوالد إلى فئة النبلاء ومهنته العسكرية لم يؤثرا في روح التقوى الإسلامية السائدة في العائلة. بعد التخرج من مدرسة الامبراطور بافل العسكرية المتميزة في بطرسبورغ ، خدم عبد العزيز دولتشين خمس سنوات في قلعة دينابورغ غير بعيد عن دفينسك ، وتعلم في سنوات ١٨٨٧ ـ ١٨٩٠ في صفوف اللغات الشرقية لأجل الضباط لدى الدائرة الآسيوية في وزارة الخارجية (١). وهذه الصفوف أعطت الجيش الروسي والديبلوماسية والعلم سلسلة من المستشرقين الممارسين اللامعين.

__________________

(١) راجع قائمة الخدمة لحد أيلول (سبتمبر) ١٨٩٠ للعقيد دولتشين الذي كان يتعلم في سنوات ١٨٨٧ ـ ١٨٩٠ في صفوف اللغات الشرقية لدى دائرة آسيا بوزارة الخارجية (أرشيف الدولة التاريخي العسكري المركزي. المجموعة ٤٠٠ ، الملزمة ٢١ ، الملف ١٦٠٩ ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٦ ؛ المجموعة ٤٠١ ، الملزمة ٤ ، الملف ٢٩ ، الجزآن ١ و ٢ ، سنة ١٨٨٨ ؛ الملف ٢٩ ، سنة ١٨٨٩).

٥

وأمام الضابط المسلم الشاب الذي امتلك في نهاية التعليم ناصية اللغات العربية والتركية والفارسية والانجليزية والفرنسية ، ناهيك عن لغته القومية واللغة الروسية ، انفتحت آفاق رائعة أمامه للترقي في الميدان العسكري والديبلوماسي الروسي. ولكن دولتشين ، بحكم طبعه ، لم يسع وراء الوظائف العالية. فإن هذا الضابط الهادئ ، المتوازن ، الرصين ، العملي ، وحتى المتحذلق نوعا ما ، الذي لا يتميز بالغرور راح بهدوء من بطرسبورغ إلى وظيفة غير كبيرة في أعماق آسيا الوسطى ، في ناحية قره قلعة ، غير البعيدة عن عشق آباد. وأثناء إقامته هناك سبع سنوات ، تفهّم جيدا القضايا التي تشغل بال الناس القاطنين في الأراضي الخاضعة لادارته ، وامتلك ناصية اللهجات المحلية ، ودرس اخلاق السكان المحليين وطبائعهم وعاداتهم وفولكلورهم. وبحكم عمله ، تقابل غير مرة مع رئيس مقاطعة ما وراء قزوين أ. ن. كوروباتكين الذي سرعان ما صار وزيرا للحربية. وقدّر كوروباتكين كفاءة النقيب المسلم. وهناك جملة من الوقائع توحي بانه نشأت بينهما علاقات صداقة ؛ وعندما وردت مسألة ضرورة ترشيح ضابط في الجيش الروسي لأداء فريضة الحج وتفهم ما إذا كانت هذه الممارسة تشكل خطرا على مصالح روسيا العسكرية والسياسية في الشرق ، تذكره كوروباتكين.

حالف الترشيح أقصى التوفيق. فبما أن دولتشين كان مسلما ، فقد اعتبر إمكانية إداء فريضة الحج كمنحة من القدر ، ومهمة المأمورية كفرصة لمساعدة الآلاف من اخوانه في الإيمان ، من المسلمين من رعايا روسيا ، مساعدة فعلية من إداء فريضة الحج ، الأمر الرئيسي على الأغلب في الحياة الروحية لكثيرين منهم ، وادائها في ظروف وشروط لائقة بالبشر. ومع ذلك ظل من رعايا الامبراطورية الاوفياء كليّا ، ظل مخلصا لقسم الضابط. وعن حق وصواب اعتبر تلبية الحقوق المشروعة لأبناء دينه في اداء فريضة الحج انعكاسا لعناية الدولة برعاياها ، الأمر الذي يوطد الدولة نفسها في آخر المطاف.

٦

تجدر الإشارة إلى أن دولتشين لم يكن يعرف حاجات المسلمين البسطاء القاطنين في أراضي روسيا وحسب. فإن مضمون يومياته يدل على انه كان يعرف أيضا عددا من الشخصيات الإسلامية العائشة في روسيا. ومن معارفه ، الشخصية المحافظة نوعا ما ، حميد الله آخون ، الذي كان يتمتع بجزيل الاحترام بين المسلمين القاطنين في بطرسبورغ ؛ وعطا لله بايازيدوف ، المذكور سابقا ، مؤلف جملة من المطبوعات تشكل بمجملها بيانا فريدا لمسلمي روسيا الذين يشاطرون الأفكار الإصلاحية. ويذكر دولتشين بين معارفه القريبين كبار أصحاب مصانع النسيج التتر من عائلتي اكتشورين ودبردييف ، الذين تبرعوا بمبالغ كبيرة لتلبية الحاجات الدينية ولعبوا دورا ملحوظا في حياة روسيا السياسية ؛ والدكتور دالغات الذي خدم في سنة ١٨٩٩ لدى القنصلية الروسية في جدّة ، والذي صار فيما بعد شخصية إسلامية هامة تقدمية الاتجاه ، واشترك في مؤتمر مسلمي روسيا الذي انعقد في بطرسبورغ في حزيران (يونيو) ١٩١٤.

في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي التي مضى دولتشين إلى مكة بتكليف منها ، كان يوجد تقليد علمي جدي. فقد كانت دراسة بلدان الشرق الأدنى تحظى باهتمام كبير. إن ازدهار النشاط العلمي المتعلق بقيام الضباط الروس بوصف مختلف مناطق الامبراطورية العثمانية كان يرتبط باسم الشخصية العسكرية ورجل الدولة البارز الليبيرالي الاتجاه ن. ن. أوبروتشيف (١٨٣٠ ـ ١٩٠٤) الذي عيّن في سنة ١٨٨١ رئيسا لهيئة الاركان العامة. وبمبادرته شرعت اللجنة العسكرية العلمية لدى هيئة الاركان العامة بإصدار «مجموعات المواد الجغرافية والطوبوغرافية والاحصائية عن آسيا». ونحو بداية الحرب العالمية الأولى صدرت ٨٧ من هذه المجموعات ٨ منها (٤ ، ١١ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٤٩ ، ٦٢ ، ٦٦ ، ٨٤) مكرسة للشرق الأدنى (١).

__________________

(١) لمزيد من التفصيل راجع ب. م. دانتسيغ. دراسة الشرق الأدنى في روسيا.

موسكو ، ١٩٦٨ ، ١٤٩ ـ ١٥١.

٧

وإذا كانت «يوميات» دولتشين تدل على مبلغ عمق الانطباع الذي تركته في شعوره الديني مراسم الحج (١) ، فإن «تقريره» يبيّن إلى أي حد تفهم بدقة واهتمام القضايا المطروحة أمامه.

وقد استفاد دولتشين في عمله من مصادر متنوعة باللغات العربية والتركية والاوروبية ، فضلا عن ملاحظاته ومراقباته الشخصية. وعلاوة على المعلومات المفصلة عن الحج عموما ، بما في ذلك ترجمة آيات من القرآن تتحدث عن الحج إلى مكة ، ووصف المراسم والشعائر بالتفصيل ، حلل دولتشين بدقة وعناية القضايا المتعلقة بحج المسلمين من رعايا روسيا وكذلك بالحجاج من الدول الأخرى ، وتناول الوضع الصحي الوبائي في الحجاز ، وساق قائمة الإجراءات الصحية ، الضرورية برأيه ، وأعطى وصفا مفصلا عن مكة والمدينة وسبل الحجاج. إن باب «معلومات أولية عن الحجاز» ينطوي على معلومات في غاية التنوع من وصف النباتات والحيوانات إلى مواد تتعلق بالميزانية والتقسيم الأداري. وتضمن «التقرير» معلومات طريفة ومفيدة ذات طابع عسكري وسياسي واثنوغرافي وتاريخي واقتصادي تتعلق بالجزيرة العربية والحج في أواخر القرن التاسع عشر. كذلك عكس «التقرير» جملة من القضايا التي اثارت الاضطراب بين المسلمين من رعايا روسيا. ومن هذه القضايا ، الدعاية لنزوح المسلمين من روسيا إلى البلدان الإسلامية. وبتأثير هذه الدعاية نزح ، مثلا ، من القرم إلى تركيا ، مئات الناس.

بعد العودة ، أعد دولتشين خلال بضعة أشهر «التقرير» للطبع ؛ وفي

__________________

(١) لم يكن دولتشين أول ضابط مسلم في الجيش الروسي يزور مكة. ففي سنة ١٨٤٥ ، قام بفرضية الحج عباس قولي آغا باقي خانوف (الاسم الأدبي المستعار ـ قدسي) المؤرخ والفيلسوف والشاعر الاذربيجاني البارز (١٧٩٤ ـ ١٨٤٦ ، العقيد في الجيش الروسي. في الطريق من مكة إلى المدينة ، مات بسبب الكوليرا ودفن في وادي فاطمة.

٨

سنة ١٨٩٩ ، بحث إمكانية مأمورية جديدة إلى القسطنطينية لأجل مواصلة دراسة المسائل المتعلقة بحج المسلمين من رعايا روسيا (١). ولكن مهمة أخرى كانت بإنتظاره. فقد ارسلوه من جديد إلى آسيا الوسطى ، وهذه المرة للاطلاع على نشاط المحاكم الشعبية. فإن ادراج منطقة ما وراء قزوين ، وأقليم تركستان ، وكازاخستان في قوام الامبراطورية قد تطلب كذلك ادماج النظام القضائي القائم في هذه الإنحاء في النظام القضائي لعامة روسيا. وقد تبدت نواقص النظام القضائي المحلي ، مثلا ، في سياق البحث عن أسباب انتفاضة انديجان وتحليل عواقب تطبيق لائحة سنة ١٨٨٦ بصدد إدارة أقليم تركستان. وقد عهد إلى دولتشين ، الخبير البارع في شؤون هذا الاقليم ، بتفهم مجمل هذه القضايا في مطرحها. وهذه المرة أيضا أدى المهمة بنحو باهر ، الأمر الذي يدل عليه «تقرير النقيب دولتشين عن المأمورية إلى اقليم تركستان ومناطق السهوب للاطلاع على نشاط المحاكم الشعبية» (سانت بطرسبورغ ، سنة ١٩٠١) ؛ وهذا التقرير لا يزال إلى الآن على جانب من الأهمية بوصفه مصدرا تاريخيّا فريدا (٢).

بعد العودة من آسيا الوسطى ، كلفوا دولتشين بوظيفة نقيب تحت

__________________

(١) راجع أرشيف الدولة التاريخي المركزي. المجموعة ١٢٩٨ ، الملزمة ، I الملف ٢٢٨٦ ، ص ١٦٧ ـ ١٦٧ (الظهر).

(٢) راجع كذلك أرشيف المستشرقين في فرع لنينغراد لمعهد الاستشراق لدى أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي. المجموعة ٧٠ ، الملزمةI ، الملف ٣. يتضمن الملف دفترين بمواد عن المأمورية ومنشورات للمؤلف في القضية ، ونصّا مطبوعا «للتقرير» ـ ملاحظات خطية كثيرة. وثائق تتعلق بالنظام القضائي في آسيا الوسطى. راجع كذلك في الملفات ١١ ، ١٢ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ١٨. عن مأمورية دولتشين هذه راجع أرشيف الدولة التاريخي العسكري المركزي. المجموعة ٤٠٠ ، الملزمة ، I الملف ٢٠٨٧ ـ ٢٠٩٠.

٩

١٠

تصرف رئيس هيئة الاركان العامة ، مع استمراره في دراسة قضايا تركستان. وتدل مواد أرشيف المستشرقين في فرع لينينغراد لمعهد الاستشراق لدى اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي (المجموعة رقم ٧٠) على سعة اهتماماته. فإن هذه المجموعة تحتوي تسجيلات مؤلفات فولكلورية (الملف رقم ٤٩) ووثائق تتعلق بخدمة المسلمين في الجيش الروسي (الملف رقم ٧) وبالخدمة الدينية والممارسة الإدارية في المناطق الإسلامية (الملفات رقم ٦ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٦ ، ٢٠ ، ٢٩) ومشاريع الري في تركستان (الملف رقم ٤٠). وهناك عدد كبير من الترجمات ومن المقتطفات من الكتب ، ومن ملاحظات المؤلف الشخصية ، وكلها تتعلق بتاريخ الإسلام والعالم العربي الإسلامي والشعوب الإسلامية القاطنة ضمن حدود روسيا (الملفات رقم ٣٣ ـ ٣٩ ، ٤١ ـ ٤٣). ويحلل دولتشين أعمالا تتحدث عن الإسلام (الملف رقم ٤٧). أما بأي احترام كانت الطائفة الإسلامية في روسيا تعامله ، فتدل عليه الرسالة التذكارية المقدمة له في يوم بلوغه الأربعين من العمر (الملف رقم ٧٩). وهذه الرسالة ننشرها في هذا الكتاب على سبيل التبيان.

وفي حياة دولتشين مرحلة خاصة ترتبط ببناء جامع بطرسبرج حيث كان رئيسا للجنة بنائه. وقد جرى ارساء أساس الجامع في ٣ شباط (فبراير) ١٩١٠. إن بناية الجامع التي لا تزال اليوم من أبرز آثار الهندسة المعمارية في لينينغراد كانت محسوبة لأجل ٣٠٠٠ من المصلّين. وقد أخذ دولتشين على عاتقه قسما كبيرا من العمل على تنظيم البناء وجمع الأموال من أجله ؛ وكان قد صار في هذه الأثناء عقيدا. (راجع الملف رقم ٦١ ـ ٦٤). وإلى هذه الحقبة من الزمن ترقي الصورة التي يبدو فيها دولتشين مع خان خوى سيّد اسفنديار والتي التقطها المصور الشهير من بطرسبوغ كارل بولّا على حاجز كاتدرائية بطرس وبولس في بطرسبورغ. وبموجب فرمان من القيصر نيقولاي الثاني ، كان دولتشين قد كوفئ

١١

بوسام ستانيسلاف (الملف رقم ٨٠) ، كما أن أمير بخارى منحه وسام النجمة الذهبية من الدرجة الثالثة.

في سنة ١٩١٦ ، صار دولتشين برتبة لواء أمين سر هيئة الأركان العامة ، وترأس العمل المتعلق بجمع الوثائق التي تهيئها هذه الدائرة البالغة الأهمية في بنية الجيش الروسي. ولكن ، بعد سنة ، في أيار (مايو) ١٩١٧ ، حل محل الفريق ماناكين في منصب رئيس القسم الآسيوي في هيئة الأركان العامة (١). وقد بقي في هذا المنصب بعد ثورة اكتوبر ، وعلى الأقل حتى ٤ آذار (مارس) ١٩١٨ (٢).

بعد ثورة اكتوبر (تشرين الأول) ١٩١٧ ، تعاون دولتشين بهمة ونشاط مع حكومة العمال والفلاحين ، إذ رأى في العديد من تصريحات ممثلي السلطة الجديدة إمكانية تحسين حياة المسلمين في تركستان. واهتم كثيرا بمسائل الري في تركستان ، وساعد في شراء المطبوعات الضرورية (الملف رقم ٥٦ ، ٥٨) ، وقام بدور الخبير ، وعكف على دراسة وحل المسائل المتعلقة بإصدار كتب التعليم باللغات المحلية (الملف رقم ٥٥) ، ووضع خطة من الإجراءات لمكافحة الملاريا في تركستان ، وعمد إلى وضع موجز تاريخي عن القوات المسلحة البشكيرية (الملف رقم ٤٦). وتدل الوثائق على أن دولتشين كان في أواخر سنة ١٩١٩ يشرف على هيئة أركان القسم الشرقي الخاص لدى أكاديمية الأركان العامة (الملف رقم ٥٤).

ومن المؤسف انه لم يتسنّ لنا أن نعثر على مواد تتعلق بمصير العقيد عبد العزيز دولتشين لاحقا.

__________________

(١) راجع أرشيف الدولة التاريخي العسكري المركزي. المجموعة ٤٠٠ ، الملزمة ، I الملف ٤١٤٩ ، ص ٨٤.

(٢) راجع المرجع ذاته ، الملف ٤١٤٩ ، ص ٧٧ ـ ٨٢.

١٢

تمهيد

إن أوصاف المدينتين المقدستين في الجزيرة العربية ، مكة المكرّمة والمدينة المنورة ، تشغل ، لأسباب مفهومة ، مكانا كبيرا في المؤلفات التي وصلت إلينا من أدب التاريخ والجغرافية عند العرب وسائر الشعوب الإسلامية. فإن مؤلفات جغرافية شهيرة عديدة ، ومنها «سفر نامة» تأليف ناصر خسرو (٣٩٤ ـ حوالي ٤٨١ هجرية / ١٠٠٣ ـ ١٠٨٨) قد ظهرت بمثابة أوصاف للحج إلى مكة. كما ظهر نوع خاص من المؤلفات مكرس لفضائل المدينتين المقدستين. وفي هذا الصدد لفت العلماء الأوروبيون من زمان بعيد الإنتباه إلى الامكانية الفريدة التي توفرها المصادر من هذا النوع لبعث تاريخ مكة المكرّمة وجغرافيتها التاريخية. فمن سنة ١٨٥٧ إلى سنة ١٨٦١ أصدر فرديناند فوستنفلد سلسلة من أربعة مجلدات اسمها «أخبار مدينة مكة» (١) ، وختمها بمؤلف النهروالي (توفي سنة ٩٩٠ ه‍ / ١٥٨٢ م). ويحتوي كتاب أوغست رالي «المسيحيون في مكة ...» (٢)

__________________

(١)F. Wustenfel. Die Chroniken der Stadt Mekka ـ ـ ـ I ـ IV. Lpz. ٧٥٨١ ـ ١٦٨١.

(٢) A. Ralli. Christians at Mecca ـ ـ ـ Illustrated. L., ٩٠٩١ حيح أن المؤلف يفس المصادر بشكل اعتباطي ، ولكن كتابه يعطي مع ذلك تصورا واضحا عن طبع وحجم المواد المتوفرة ، ويحتوي معلومات هامة.

١٣

عرضا لانطباعات رحالة أوروبيين زاروا هذه المدينة بدءا من سنة ١٥٠٣ (لودوفيكو بارتيما) وانتهاء بسنة ١٨٩٤ (جرفه ـ كورتيليمون). إن المواد التي استرعت انتباه صاحبي هذين الكتابين ترتبط في المقام الأول بمكة والمدينة مباشرة ، ولكنها تتسم بأهمية خارقة على صعيد دراسة الحج بالذات ، ودوره التاريخي الثقافي والاجتماعي السياسي في المجتمع الإسلامي. إن دراسة مختلف المصادر من هذا النوع بمجملها ، ومنها مثلا الوصف الشعري للحج بلغة «الحميادو» من وضع مؤلف مغربي مجهول في القرنين السادس عشر والسابع عشر (١) تتيح لنا أن نرى في الحج شكلا للوحدة في الإيمان التي توحّد ملايين المسلمين على اختلاف بلدانهم وتقاليدهم القومية والثقافية. وباعتبار الحج عنصرا محوريّا ، تتيح لنا هذه الدراسة أن نرى تاريخ الشعوب الإسلامية في وحدته. وإن المؤلف يود لو يعتبر هذا البحث قسطا في بناء صرح جليل لهذا التاريخ.

وهذا الكتاب الذي نضعه بين أيدي القراء يرتكز على وثائق ومواد فريدة وعسيرة المنال من الارشيفات والمكتبات السوفييتية : أرشيف المستشرقين ومكتبة فرع لينينغراد لمعهد الاستشراق لدى أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي ، أرشيف الدولة العسكري التاريخي المركزي (موسكو) ، أرشيف الدولة التاريخي المركزي (لينينغراد) ، مجموعات المخطوطات والوثائق لدى أكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفييتية (طشقند) ، أرشيف الدولة المركزي للأسطول البحري الحربي (لينينغراد) ، أرشيف سياسة روسيا الخارجية ، أرشيفات مكتبات أخرى في (لينينغراد) ، أرشيف سياسة روسيا الخارجية ، أرشيفات مكتبات أخرى في لينينغراد وموسكو وتبيليسي.

__________________

(١)» LA Coplas del Alhichonte de Puey Monzon «راجع أي. يو. كراتشكوفسكي.

المطبوعات الجغرافية العربية. المؤلفات ، المجلد ٤ ، ص ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

١٤

يعود مكان الصدارة في هذا الكتاب إلى المواد المتعلقة برحلة العقيد في الجيش الروسي ، عبد العزيز دولتشين إلى مكة والمدينة سنة ١٨٩٨. ولكي يحصل القارئ على تصور عن كل طيف الآراء والتقييمات المتواجدة في روسيا على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين بصدد الحج ، جمعنا في الملاحق سلسلة من المواد ، في عدادها انطباعات عن الحج ، أصدرها حجاج بسطاء من منطقة الفولغا والاورال الجنوبي وتركستان تبرز أولوياتهم وإهتماماتهم وتعطي تصورات عن العقائد الشعبية العديدة بصدد الحج ؛ نظرة إلى الحج من كاتب تقدمي إجتماعي إسلامي ومن معاون في القنصلية الروسية في جدّة مفعم بالروح الأوروبية ؛ رأى كاتب إجتماعي مفعم بالشوفينية وروح الدولة الكبرى في حج المسلمين من رعايا دولة روسيا ، وأخيرا ، وثيقة رسمية لوزارة الداخلية في إمبراطورية روسيا تتعلق بتنظيم حج المسلمين.

يعرب المؤلف عن خالص الامتنان لنوريه بكياشيفا على العون الكبير الذي قدمته في مجال دراسة الوثائق ، وكذلك للدكتور عبد الجبار عبد الوحيدوف والدكتور حميد الله حكمت اللايف على العون في إعداد المخطوطات من مجموعة اكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفييتية لأجل النشر.

* * *

إن القرار غير العادي نوعا ما بإرسال الضابط في الجيش الروسي ، المسلم من حيث الأصل والتربية ، العقيد دولتشين ، قد اتخذ في وضع تعاظم فيه كثيرا دور العامل الإسلامي في سياسة روسيا الداخلية والخارجية. وقبل أن نشرع في عرض المواد التي في منالنا والمتعلقة بحياة دولتشين ونشاطه ، نحاول أن نرسم إطار السياسة الخارجية والداخلية الذي اتخذ فيه هذا القرار ، وخصائص العلاقات بين الطوائف

١٥

والعلاقات بين المسلمين في روسيا على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين ، والقضايا الناشئة لمناسبة حج المسلمين من رعايا روسيا.

النصف الثاني من القرن التاسع عشر هو مرحلة تعاظم نفوذ روسيا في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى بسرعة وحدة. وقد شهد عام ١٨٩٨ ضم أقليم تركستان إلى روسيا. فقد التحق بقوام الامبراطورية الروسية ـ علاوة على الشعوب الإسلامية التي كانت تعيش فيها من قبل ـ الملايين والملايين من المسلمين ممن حافظوا على بنية علاقاتهم في إطار العالم الإسلامي. ومع خانة (إمارة) بخاري وخانة (إمارة) خوي ، بلغ عدد الرعايا المسلمين في الإمبراطورية ١٦ مليون نسمة. ومن حيث الجوهر لم يبد السكان المحليون مقاومة بوجه القوات المسلحة الروسية. وفي غضون ٣٥ سنة (١٨٤٧ ـ ١٨٧٩) من العمليات الحربية التي جرت هنا ، خسرت روسيا ، بموجب المعطيات الرسمية ، زهاء ٤٠٠ قتيل (١). إن تخفيض ضريبة الأرض إلى النصف ، وإعفاء السكان من الخدمة العسكرية ، وتوظيفات الرأسمال الكبيرة ، ومستوى احترام الإدارة الروسية لعادات السكان المحليون وتقاليدهم الدينية ، ومنافع التجارة المحلية من اتساع الإتصالات مع روسيا ـ كل هذا خفف كثيرا في عيون السكان المحليين من عواقب توسع القيصرية الاستعماري. وبموجب استنتاجات لجنة التفتيش برئاسة المستشار السري غيرس (سنة ١٨٨٢) ، بدأ في سنة ١٨٨٦ تطبيق لائحة إدارة أقليم تركستان. وقد نصت هذه اللائحة على مساواة حقوق السكان المحليين بالحقوق التي كان يتمتع بها السكان الروس ضمن حدود الامبراطورية ، وعلى تطبيق نظام قضائي مستقل ، وتخفيض عدد موظفي الإدارة في الأقضية ؛ وأخيرا على تطبيق

__________________

(١) راجع ف. ب. سالكوف. إنتفاضة انديجان سنة ١٨٩٨. قازان ، سنة ١٩٠١ ، ص ٩٥. الملاحظة رقم ١.

١٦

«مبدأ الانتخاب» عوضا عن تعيين مدراء النواحي. وكان يبدو أن التهدئة قد تحققت في المنطقة. ولكن نشبت فتنة انديجان في ١٨ أيار (مايو) ١٨٩٨ ؛ وفي سياقها ذبح ٢٠ جنديّا روسيّا وجرح ٢٢ جنديّا ، وقطع رأس مستوطن روسي. قامت هذه الفتنة تحت شعار الجهاد ، وترأسها الزعيم الصوفي المحلي ايشان محمد علي صابر أوغلي ، الذي الذي قام قبل ذاك بقليل بالحج إلى مكة الذي استقبل ، كما بيّن التحقيق ، رسلا من اسطمبول. وفي عداد المشتركين في الفتنة كان خمسة من مدراء النواحي ، وقضاة انتخبهم السكان المحليون. وفي سياق المحاكمة ، ذكر محمد علي صابر أوغلي في عداد دوافعه فساد الأخلاق ، والانحراف عن مقتضيات الشريعة ، والغاء الزكاة وقوانين الأوقاف ، وأخيرا ، منع الحج. وبالفعل وضعت الخزينة يدها على الأراضي المسماة بأوقاف السواد («قره وقوف») التي اعتبرت وثائق ملكيتها غير شرعية ؛ ومرارا منعت السلطات الحج بسبب وباء الكوليرا ووباء الطاعون.

إن تحليل هذه الأحداث ، وكذلك الاضطرابات التي وقعت قبل ذاك في سنة ١٨٧٢ (في منطقة نهر قره سو) وفي سنة ١٨٩٢ في طشقند ، قد بيّن الدور الكبير الذي لعبه ذوو المكانات الدينية (الايشانات) في تنظيمها. ولم تستطع السلطات أو لم تشأ أن ترى في هذه الاضطرابات بداية لحركة واسعة معادية للاستعمار تجلت بعد بضعة أعوام فقط في الكثير من التمرد والانتفاضات التي شملت عددا من المراكز الهامة في تركستان.

في أواخر القرن التاسع عشر ، اشتد الصراع بين الدول الاستعمارية على السيطرة في منطقة الخليج العربي وحوض البحر الأحمر (١). أدّى هذا

__________________

(١) من بين أعمال المؤلفين السوفييتيين ، راجع ، مثلا ، غ. بونداريفسكي. طريق بغداد وتسر الامبريالية الالمانية إلى الشرق الأدنى. طشقند ، سنة ١٩٥٥ ؛ بونداريفسكي أيضا : السياسة الإنجليزية والعلاقات الدولية في الخليج العربي. موسكو. سنة ـ

١٧

الصراع ، وعلى الأخص بصدد بناء سكة حديد بغداد ، انجذبت روسيا أيضا. وظهرت في الخليج العربي السفن الحربية والتجارية الروسية (١). وقد حاولت الأطراف المتصارعة هنا الإستفادة في مصلحتها من بأس روسيا ونفوذها. ومن الأدلة الطريفة على محاولات الديبلوماسية الالمانية من هذا النوع رسائل ادوارد غلازر الاختصاصي في تاريخ جنوب الجزيرة العربية وثقافتها ، وعميل المخابرات الالمانية الكبير كما يتضح من هذه الرسائل التي أرسلها في خريف ١٨٩٨ إلى وزير الخارجية في روسيا ميخائيل مورافيوف. وهدف هذه الرسائل ومحورها الرغبة في إستثارة تدخل روسيا في شؤون الجزيرة العربية إلى جانب تركيا ، الأمر الذي كان من شأنه أن يؤدي في آخر المطاف إلى تقارب فرنسي روسي الماني ذي وجهة معادية للانجليز. وفي المانيا كانوا يخشون خارق الخشية من أن توافق روسيا على اقتراح بتقسيم الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ من إحالة جميع الأراضي العربية إلى إنجلترا. هذه المقترحات تقدم بها في كانون الثاني (يناير) سنة ١٨٩٨ رئيس وزراء بريطانيا العظمى سولسبيري. وقد كان من شأن تطبيقها أن يؤدي إلى انهيار سياسة القيصر الالماني «البغدادية» كلها. وقد حسب سولسبيري ، إذ تقدم بإقتراحاته ، أن تحول المانيا دون تعزيز مواقع روسيا في الشرق الأوسط تعزيزا جوهريّا وأن تعود الأراضي العربية إلى إنجلترا. ولكن الديبلوماسية

__________________

ـ ١٩٦٨ ؛ أ. س. سيلين. توسع المانيا في الشرق الأدنى في أواخر القرن التاسع عشر. موسكو ، سنة ١٩٧١ ؛ ل. غ. ايستياغين. التسر الالماني إلى إيران والمواجهة الروسية الالمانية عشية الحرب العالمية الأولى. موسكو ، ١٩٧٩ ؛ يو. أ. بويق. الشرق الأدنى في سياسة فرنسا الخارجية (١٨٩٨ ـ ١٩١٤). لمحات في تاريخ نضال فرنسا الديبلوماسي من أجل الشرق الأدنى. كييف ، سنة ١٩٦٤.

(١) راجع أ. ريزفان. السفن الروسية في الخليج العربي (١٨٩٩ ـ ١٩٠٣). مواد أرشف الدولة المركزي للاسطول البحري الحربي. موسكو ، سنة ١٩٩٠ (باللغة العربية).

١٨

الروسية درست وتفهمت فحوى مقترحات غلازر ، فرفضت تطبيقها (١) ، كما رفضت الموافقة على مقترحات سولسبيري. ومن جراء ذلك ، قامت في الصحافة الإنجليزية وبخاصة في الصحافة الإنجلو ـ هندية حملة واسعة ضد روسيا في خريف سنة ١٨٩٨ وفي ربيع سنة ١٨٩٩ ؛ وقد اتهمت الحكومة الروسية بالإعداد لاحتلال سلطنة تاجورا ، وبارسال العملاء إلى الجزيرة العربية ومنطقة الخليج (٢).

وفي روسيا تفاقم الحذر من سياسة المانيا في الشرق الأدنى. وقد قدروا في روسيا كل عمق نفاق «السياسة الإسلامية» التي كان ينتهجها القيصر الإلماني غليوم الثاني الذي أرسل إلى القيصر الروسي نيقولاي الثاني رسالة بتاريخ ٢٠ تشرين الأول (اكتوبر) ١٨٩٨ كتبها أثناء إقامته في القسطنطينية : «تذكر أننا أنت وأنا قد اتفقنا في بيترهوف على ألّا ننسى أبدا أن من الممكن أن يصبح المسلمون ورقة كبيرة للغاية في لعبتنا إذا ما وجدنا أنفسنا فجأة ، أنت وأنا ، في حالة حرب مع دولة معروفة تدس أنفها في كل مكان» (٣). وقد فهموا في بطرسبورغ أن محاولة المانيا لاستغلال الأمزجة الإسلامية ضد إنجلترا موجهة أيضا ضد روسيا التي يعيش فيها الملايين والملايين من المسلمين. وإلى هذا أشار ، مثلا ، نشر الترجمة الروسية في سنة ١٩٠٢ في برلين لكتاب الكاتب الإجتماعي الإسلامي التوحيدي مير علي من الهند «حياة وتعاليم محمد أو روح الإسلام» ؛ وفيما

__________________

(١) أرشيف سياسة روسيا الخارجية. المجموعة السياسية. الملف رقم ٩٩١. ص ١١١ ـ ١١٥. تتضمن رسائل أ. غلازر مواد فريدة في تاريخ الانتفاضات ضد الاتراك في اليمن في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، وبخاصة انتفاضة سنة ١٨٩٨. لمزيد من التفصيل عن هذه المواد راجع بونداريفسكي. الامبريالية الالمانية ، ٤ ـ ١٠.

(٢) راجع ، مثلا ،» Times of India «بتاريخ ٨ ـ ١٠ ـ ١٨٩٨ ، ١٨ ـ ٢ ـ ١٨٩٩ ، ٢٩ ـ ٤ ـ ١٨٩٩. راجع كذلك بونداريفسكي. الإمبريالية الالمانية ، ١٠.

(٣) مراسلات غليوم الثاني مع نيقولاي الثاني. موسكو ـ بتروغراد ، ١٩٢٣ ، ٣٠.

١٩

بعد ، في عشية الحرب العالمية الأولى وفي سياقها ، صدرت في برلين نداءات إلى مسلمي آسيا الوسطى تدعوهم إلى الجهاد.

وبما أن روسيا كانت ترى في الخليفة التركي عدوّا حربيّا دائما ، فقد كانت تنتهج بالطبع حيال الإسلام سياسة حذرة قوامها تأمين حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية لأجل السكان المسلمين ، والاعتماد على رجال الدين المسلمين ذوي التفكير التقليدي ، وتحويل الائمة والمفاتي من حيث الجوهر إلى موظفين حكوميين ، وكذلك الموقف السلبي من أغلبية حركات التجديد في الإسلام ، والنضال ضد الدعاية الإسلامية التوحيدية والدعاية التركية التوحيدية.

في سنة ١٧٨٧ ، صدر في بطرسبورغ نص القرآن بأمر من الامبراطورة ايكاتيرينا الثانية. وهذا النص أعده الملّا عثمان إبراهيم وزوّده بالتعليقات. وقد اعيد طبع النص مرارا عديدة في بطرسبورغ ثم في قازان. وقد صدرت إحدى الطبعات على حساب الخزينة وخصيصا «لأجل التوزيع على الشعب القرغيزي القيساقي». وبموجب فرمان بتاريخ ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ١٨٠٠ ألغيت القيود على إصدار المطبوعات الدينية الإسلامية في روسيا ؛ وفي سنة ١٨٠٢ ، افتتحت في قازان أول مطبعة إسلامية. وفي سنة ١٨٢٩ صادق الامبراطور نيقولاي الأول على نموذج تصميم وواجهة لأجل بناء مساجد كان ينبغي تخصيص امكنة لائقة لها في المقامات السكنية الإسلامية. وفي سنة ١٨٣٣ صدر فرمان يطالب جميع مسلمي روسيا بالتقيد الدقيق بمقتضيات دينهم وعقائده وبمعاقبة المخالفين معاقبة صارمة. ومن السهل مواصلة تعداد الوقائع من هذا النوع ؛ ولكن هذه المتطلبات لم تكن تمنع الدعم الرسمي لرسالة الكنيسة الأرثوذكسية في حقل التبشير والدعوة إلى اعتناق الدين المسيحي شرط عدم جواز أعمال العنف والتطرف التي كان من شأنها أن تؤدي موضوعيّا إلى الاخلال بالاستقرار في الامبراطورية الروسية.

٢٠