كفاية الأصول - ج ٣

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-562-2
الصفحات: ٤٤٣

هذا بناء على حجّيّة الأمارات من باب الطريقيّة ـ كما هو كذلك ـ ، حيث لا يكاد يكون حجّة طريقا إلّا ما احتمل إصابته ، فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجّيّته (١).

[الأصل الأوّليّ بناء على السببيّة]

وأمّا بناء على حجّيّتها من باب السببيّة فكذلك (٢) لو كان الحجّة هي خصوص ما لم يعلم كذبه ، بأن لا يكون المقتضي للسببيّة فيها (٣) إلّا فيه (٤) ، كما هو (٥) المتيقّن

__________________

ـ بالنسبة إلى نفي الثالث فيما إذا لا يلزم منه مخالفة عمليّة للمعلوم بالإجمال. نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٧٦.

ثانيهما : ما ذكره المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة في الوجود ، لا في الحجّيّة ، فإنّ اللازم تابع للملزوم بحسب مقام الثبوت والإثبات ، وليس تابعا له في الحجّيّة كي يكون سقوط شيء عن الحجّيّة في الملزوم موجبا لسقوطه عن الحجّيّة في اللازم. وعليه فإذا سقط الدليلان عن الحجّيّة بالنسبة إلى مؤدّاهما المطابقيّ للمعارضة لا يلزم سقوطهما عن الحجّيّة بالنسبة إلى مدلولهما الالتزاميّ ـ أي نفي الثالث ـ ، لعدم المعارضة بينهما في نفيه. فلو كان مفاد أحد المتعارضين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مفاد الآخر حرمة الدعاء في ذلك الوقت فبالنسبة إلى نفي الكراهة والإباحة والاستحباب عن الدعاء عند رؤيته يتوافقان. فوائد الاصول ٤ : ٧٥٥ ـ ٧٥٦.

الثالث : أنّه يصحّ نفي الثالث بذات الخبرين ، لا بما هما حجّتان. وهذا ما ذهب إليه المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٣ : ٣٣٤.

الرابع : أنّه لا يصحّ نفي الثالث مطلقا ، لا بأحدهما غير المعيّن ولا بهما ، بل يصحّ الالتزام بحكم ثالث بعد تساقط الدليلين ، ولو بالأصل ، فيحكم بالإباحة لأصالة عدم الوجوب والحرمة. وهذا ما ذهب إليه السيّد المحقّق الخوئيّ ـ بعد ما ناقض في كلام المصنّف رحمه‌الله والمحقّق النائينيّ ـ ، فراجع مصباح الاصول ٣ : ٣٦٧ ـ ٣٧٠.

(١) وأورد عليه المحقّق العراقيّ بما مرّ في التعليقة السابقة ، فراجع.

(٢) أي : لم يكن واحد منهما بحجّة في خصوص مؤدّاه ، وإنّما يمكن نفي الثالث بأحدهما.

(٣) أي : في الأمارات.

(٤) أي : فيما لم يعلم كذبه.

(٥) أي : كون الحجّة خصوص ما لم يعلم كذبه.

٣٠١

من دليل اعتبار غير السند منها (١) ، وهو بناء العقلاء على أصالتي الظهور والصدور (٢) ، لا للتقيّة ونحوها ؛ وكذا السند (٣) لو كان دليل اعتباره هو بناءهم أيضا ، وظهوره فيه لو كان هو الآيات والأخبار (٤) ، ضرورة ظهورها فيه (٥) لو لم نقل بظهورها في خصوص ما إذا حصل الظنّ منه أو الاطمئنان (٦).

__________________

(١) مراده من غير السند هو الدلالة وجهة الصدور.

(٢) مراده من الصدور هو حجّيّة الصدور. ومعنى أصالة جهة الصدور هو كون المولى في مقام بيان المراد الجدّيّ.

(٣) أي : وهو المتيقّن أيضا من دليل اعتبار السند لو كان ...

(٤) أي : وهو ـ أي كون الحجّة خصوص ما لم يعلم كذبه ـ ظهور دليل اعتبار السند فيه ، لو كان دليل اعتباره هو الآيات والأخبار.

والأولى أن يقول : «وظاهره لو كان ...».

(٥) أي : في كون الحجّة خصوص ما لم يعلم كذبه.

(٦) والحاصل : أنّ المستفاد من أدلّة حجّيّة الأمارة هو كون الحجّة خصوص ما لم يعلم كذبه ، لا الأعمّ منه وممّا علم كذبه. توضيحه : أنّ كلّ أمارة ذو جهات ثلاث : الصدور والدلالة والجهة. وحجّيّتها تتوقّف على تماميّتها من هذه الجهات ، فلا بدّ من الدليل على اعتبارها من تمام الجهات.

أمّا الدليل على اعتبار الدلالة والجهة ، فهو بناء العقلاء على الأخذ بظاهر الكلام وحمله على بيان المراد الجدّيّ. فيكون الدليل عليه دليلا لبّيّا ، ولا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منه ، وهو ما لم يعلم كذبه.

وأمّا الدليل على اعتبار السند ، فلا يخلو : إمّا أن يكون الدليل عليه بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة. وإمّا أن يكون الدليل عليه إطلاق الآيات والأخبار المتواترة. فعلى الأوّل يؤخذ بالقدر المتيقّن منه ، وهو ما لم يعلم كذبه. وعلى الثاني وإن كان مقتضى إطلاقها حجّيّة كلّ خبر حتّى معلوم الكذب ، إلّا أنّ ظهورها في ترتّب المصلحة على العمل بالخبر الّذي لم يعلم مخالفته للواقع يمنع عن إطلاقها. بل لا يبعد ظهورها في حجّيّة الخبر المفيد للظنّ أو الاطمئنان.

وعليه فيكون أحد الخبرين المتعارضين حجّة لا بعينه ، من باب السببيّة ، بمعنى أنّ المصلحة تكون في العمل بأحدهما ، لعدم العلم بكذب أحدهما غير المعيّن ، وحيث كانت الحجّة أحدهما بلا تعيين لم يكن واحد منهما حجّة في خصوص مؤدّاه ، فيتساقطان. وإنّما يمكن نفي الثالث بأحدهما ، كما مرّ.

٣٠٢

وأمّا لو كان المقتضي للحجّيّة في كلّ واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤدّيين إلى وجوب الضدّين (١) أو لزوم المتناقضين (٢) ، لا فيما إذا كان مؤدّى أحدهما حكما غير إلزاميّ ، فإنّه حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحيّة ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء.

إلّا أن يقال : بأنّ قضيّة اعتبار دليل غير الإلزاميّ أن يكون عن اقتضاء ، فيزاحم به(٣) حينئذ ما يقتضي الإلزاميّ ، ويحكم فعلا بغير الإلزاميّ ، ولا يزاحم بمقتضيه ما يقتضي غير الإلزاميّ ، لكفاية عدم تماميّة علّة الإلزاميّ في الحكم بغيره.

نعم ، يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا لو كان قضيّة الاعتبار هي لزوم البناء والالتزام بما يؤدّي إليه من الأحكام ، لا مجرّد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به.

وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وإن كان واضحا ، ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام ، إلّا أنّه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزاميّة للأحكام الواقعيّة فضلا عن الظاهريّة ، كما مرّ تحقيقه (٤).

وحكم التعارض بناء على السببيّة فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمّيّة أو محتملها في الجملة ، حسبما فصّلناه في مسألة الضدّ (٥) ، وإلّا فالتعيين. وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دلّ على الحكم الإلزاميّ لو لم يكن في الآخر مقتضيا (٦) لغير الإلزاميّ (٧) ، وإلّا

__________________

(١) كما إذا دلّ أحد الدليلين على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، والآخر على وجوب الصلاة.

(٢) كما إذا دلّ أحد الدليلين على حرمة ذبيحة الكتابي ، والآخر على حلّيّتها.

(٣) أي : بغير الإلزاميّ.

(٤) راجع الجزء الثاني : ٢٥٧.

(٥) لا يخفى : أنّه لم يقدّم منه في مسألة الضدّ تفصيل ولا إجمال بالنسبة إلى تقديم محتمل الأهمّيّة.

(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «لو لم يكن في الآخر مقتض ...».

(٧) وفي بعض النسخ : «للغير الإلزاميّ».

٣٠٣

فلا بأس بأخذه والعمل عليه ، لما أشرنا إليه من وجهه آنفا ، فافهم.

هذا هو قضيّة القاعدة في تعارض الأمارات ، لا الجمع بينها بالتصرّف في أحد المتعارضين أو في كليهما ، كما هو (١) قضيّة ما يتراءى ممّا قيل (٢) من «أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» ، إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف ممّا كان المجموع (٣) أو أحدهما قرينة عرفيّة على التصرّف في أحدهما بعينه أو فيهما ، كما عرفته في الصور السابقة ؛ مع أنّ في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين ، ضرورة سقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه.

وقد عرفت (٤) أنّ التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيّين ، وفي السندين إذا كانا ظنّيين. وقد عرفت (٥) أنّ قضيّة التعارض إنّما هي سقوط المتعارضين في خصوص كلّ ما يؤدّيان إليه من الحكمين ، لا بقاؤهما على الحجّيّة بما يتصرّف فيهما أو في أحدهما ، أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل.

فلا يبعد أن يكون المراد ، من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا. ولا ينافيه الحكم بأنّه أولى مع لزومه حينئذ وتعيّنه ، فإنّ أولويّته ، من قبيل الأولويّة في اولي الأرحام ، وعليه لا إشكال فيه ولا كلام.

__________________

(١) أي : الجمع بينهما.

(٢) والقائل هو ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي ٤ : ١٣٦ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٩.

(٣) لا يخفى : أنّ مقتضى سياق عبارة المصنّف رحمه‌الله أنّ قوله : «ممّا كان المجموع» بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «فيما لا يساعد». مع أنّه ليس كذلك ، لأنّ كون المجموع أو أحدهما قرينة عرفيّة على التصرّف ممّا يساعد عليه العرف ، لا ممّا لا يساعد عليه العرف. فالصواب أن يقول : «إذ لا دليل عليه إلّا فيما يساعد عليه العرف ممّا كان المجموع ...».

(٤) لم يذكر المصنّف رحمه‌الله في الفصل السابق حكم تعارض الدليلين فيما كان سنداهما قطعيّين.

(٥) في أوّل هذا الفصل ، حيث قال : «لم يكن واحد منهما بحجّة في خصوص مؤدّاه».

٣٠٤

فصل

[الأصل الثانويّ في المتعارضين]

[الأصل عدم سقوط كليهما ولزوم الأخذ بأحدهما]

لا يخفى : أنّ ما ذكر من قضيّة التعارض بين الأمارات إنّما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها ، وإلّا فربّما يدّعى الإجماع (١) على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار ، كما اتّفقت عليه (٢) كلمة غير واحد من الأخبار (٣).

[لزوم الأخذ بالراجح في الدوران بين التعيين والتخيير]

ولا يخفى : أنّ اللازم فيما إذا لم تنهض حجّة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما ، للقطع بحجّيّته تخييرا أو تعيينا ، بخلاف الآخر ، لعدم القطع بحجّيّته ، والأصل عدم حجّيّة ما لم يقطع بحجّيّته ، بل ربما ادّعي الإجماع أيضا على حجّيّة خصوص الراجح (٤).

__________________

(١) قال صاحب المعالم : «لا نعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا ، وعليه أكثر أهل الخلاف».

معالم الدين : ٢٥٠.

(٢) أي : على عدم سقوط كلا المتعارضين.

(٣) هكذا في بعض النسخ ، ولعلّ مراده الأخبار العلاجيّة الّتي دلّت على حجّيّة أحد الخبرين المتعارضين. وفي بعض النسخ : «الأخيار» ، وفي بعض آخر «الأحبار».

(٤) كما قال العلّامة الحلّيّ : «ولأنّ الإجماع من الصحابة وقع على ترجيح بعض الأخبار على البعض». مبادئ الوصول : ٢٣٢.

٣٠٥

[الأخبار العلاجيّة والاستدلال بها على وجوب الترجيح]

واستدلّ عليه (١) بوجوه أخر (٢) ، أحسنها الأخبار.

وهي (٣) على طوائف :

[١ ـ أخبار التخيير]

منها : ما دلّ على التخيير على الإطلاق.

كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام ، قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيّهما الحقّ؟ قال : «فإذا لم نعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(٤).

__________________

ـ هذا كلّه قطع النظر عن نهوض دليل التعيين أو التخيير. وأمّا مع ملاحظة الدليل فسيأتي في السطر الآتي.

(١) أي : على وجوب التعيين والأخذ بالراجح.

واستدلّ عليه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٤ : ٤٨.

(٢) قال الشيخ الأعظم ـ بعد ما نسب القول بوجوب الترجيح إلى المشهور ـ : «ويدلّ على المشهور ـ مضافا إلى الإجماع المحقّق والسيرة القطعيّة والمحكية عن الخلف والسلف وتواتر الأخبار بذلك ـ أنّ حكم المتعارضين من الأدلّة ...». فرائد الاصول ٤ : ٤٨.

وقال في موضع آخر : «وقد يستدلّ على وجوب الترجيح بأنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام الاجتهاد ، بل نظام الفقه». فرائد الاصول ٤ : ٥٣ ـ ٥٤.

ومن هنا يظهر أنّ مراد المصنّف من الوجوه الأخر هو السيرة والأخبار واختلال نظم الاجتهاد وغيرها.

(٣) أي : أخبار باب التعارض مطلقا. ففي الضمير استخدام ، إذ المراد من مرجعه ـ أي الأخبار ـ هي أخبار الترجيح ، والمراد من الضمير مطلق الأخبار الواردة في باب التعارض والعلاج.

(٤) هذا ذيل الحديث. وإليك صدره : «قال : قلت له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، فقال عليه‌السلام : ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله (عزوجل) وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا ...». وسائل الشيعة ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

٣٠٦

وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، [قال] «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّ إليه (١)» (٢).

ومكاتبة عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر ، فروى بعضهم : صلّهما (٣) في المحمل ، وروى بعضهم : لا تصلّهما إلّا على الأرض ، فوقّع عليه‌السلام : «موسّع عليك بأيّة عملت» (٤).

ومكاتبة الحميري إلى الحجّة عليه‌السلام ... إلى [أن] قال في الجواب عن ذلك حديثان ... إلى أن قال عليه‌السلام : «وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» (٥).

إلى غير ذلك من الإطلاقات (٦).

__________________

(١) وفي بعض النسخ : «فترد عليه». وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤١.

(٣) وفي النسخ : «صلّ». وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٤.

(٥) وإليك نصّ المكاتبة على ما رواه في الوسائل : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد. فكتب عليه‌السلام في الجواب : «إنّ فيه حديثين : أمّا (أحدهما) فإنّه إذ انتقل من حالة إلى اخرى فعليه التكبير. وأمّا (الآخر) فإنّه روي : أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا». وسائل الشيعة ٤ : ٩٦٧ ، الباب ١٣ من أبواب السجود ، الحديث ٨.

(٦) منها : ما روي عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمره بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث٥.

ولا يخفى : أنّ دلالة هذا الحديث على التخيير موقوفة على إرادة السعة في العمل من قوله : «في سعة» ، لا السعة في إرجاء الواقعة وعدم العمل بهما إلى زمان لقائه عليه‌السلام ، فإنّه حينئذ دليل على لزوم الاحتياط.

ومنها : ما روي عن فقه الرضا عليه‌السلام ، قال : «والنفساء تدع الصلاة أكثر مثل أيّام حيضها ... ، ـ

٣٠٧

__________________

ـ وقد روي ثمانية عشر يوما ، وروي ثلاثة وعشرين يوما. وبأيّ هذه الأحاديث اخذ من جهة التسليم جاز». فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٠٧.

ومنها : ما في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : «فذلك الّذي يسع الأخذ بهما جميعا ، أو بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٤.

ولا يخفى : أنّه قد تصدّى المحقّق الأصفهانيّ والسيّد الخوئيّ للمناقشة في دلالة هذه الأحاديث على التخيير مطلقا.

أمّا خبر الحسن بن الجهم : فأورد عليه السيّد الخوئيّ سندا ، بأنّها مرسلة لا يعمل بها. مصباح الاصول ٣ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

وأورد عليه المحقّق الأصفهانيّ دلالة ، وحاصله : أنّ صدره ـ الّذي ذكرناه في التعليقة ـ مقيّد بالعرض على الكتاب والسنّة ، فهو لا يدلّ على التخيير على الإطلاق ، بل يدلّ عليه بعد فقدان المرجّح ولو في الجملة. نهاية الدراية ٣ : ٣٦٢.

وأمّا خبر الحارث بن المغيرة : فأورد عليه السيّد الخوئيّ سندا ودلالة. أمّا سندا : فلإرساله. وأمّا دلالة : فلأنّ مفادها حجّيّة أخبار الثقة إلى ظهور الحجّة (عجّ). مصباح الاصول ٣ : ٤٢٤.

وأورد عليه المحقّق الأصفهانيّ بأنّ موردها التمكّن من لقاء الإمام ، كما في أيّام الحضور ، لا زمان الغيبة. والرخصة في التخيير في مدّة قليلة لا تلازم رخصته فيه أبدا. نهاية الدراية ٣ : ٣٦٣.

وأمّا مكاتبة عبد الله بن محمّد ومكاتبة الحميري : فأوردا عليهما بأنّ موردهما خصوص المستحبّات الّتي أمرها مبنيّ على التخفيف والسهولة. نهاية الدراية ٣ : ٣٦٣ ، مصباح الاصول ٣ : ٥٢٥.

وأمّا رواية سماعة : فأورد عليها المحقّق الاصفهانيّ بما أورد على خبر الحارث بن المغيرة. نهاية الدراية ٣ : ٣٦٣.

وأورد عليها المحقّق الخوئيّ بأنّ موردها دوران الأمر بين المحذورين ، حيث أنّ أحد الخبرين يأمر والآخر ينهى ، والعقل يحكم فيه بالتخيير بين الفعل والترك. مصباح الاصول ٣ : ٤٢٤.

وأمّا ما روي عن فقه الرضا عليه‌السلام : فأورد عليه المحقّق الخوئيّ بأنّ هذا الكتاب لم تثبت حجّيّته ، فلا يمكن الاعتماد على الروايات المذكورة فيه. مصباح الاصول ٣ : ٤٢٣.

وأمّا ما في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : فأورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّه صرّح الإمام عليه‌السلام في خصوص هذه الرواية بالعرض على الكتاب والسنّة في الأمر اللزوميّ والنهي التحريميّ ، فلا إطلاق ـ

٣٠٨

[٢ ـ أخبار التوقّف]

ومنها : ما دلّ على التوقّف مطلقا (١).

[٣ ـ أخبار الاحتياط]

ومنها : ما دلّ على [الأخذ ب] ما هو الحائط منها (٢).

[٤ ـ أخبار الترجيح]

ومنها : ما دلّ على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجّحات منصوصة من

__________________

ـ للتخيير من حيث الشمول الإلزاميّ ومن حيث عدم إعمال المرجّح. نهاية الدراية ٣ : ٣٦٤.

وأورد عليه المحقّق الخوئيّ بأنّها مرسلة. مصباح الاصول ٣ : ٤٢٤.

والحاصل : أنّهما بعد المناقشة في دلالة هذه الأخبار على التخيير على الإطلاق ذهبا إلى التخيير بعد إعمال المرجّحات. وهو مذهب صاحب الفصول والشيخ الأعظم الأنصاريّ والسيّد الطباطبائيّ والمحقّق النائينيّ والمحقّق العراقيّ والسيّد الخمينيّ وغيرهم من المحقّقين. راجع نهاية الدراية ٣ : ٣٦٤ ، مصباح الاصول ٣ : ٤٢٦ ، الحدائق الناضرة ١ : ٩٠ ، الفصول الغرويّة : ٤٤٣ ، فرائد الاصول ٤ : ٧٣ ، مفاتيح الاصول : ٦٨٨ ، فوائد الاصول ٤ : ٧٦٥ ـ ٧٦٦ و ٧٦٩ ـ ٧٧٠ و ٧٧٤ ، نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٨٥ و ١٩٠ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ٢ : ٧٢ ـ ٧٣.

(١) منها : ما رواه ابن إدريس في السرائر من كتاب «مسائل الرجال» : حدّثنا محمّد بن أحمد ابن محمّد بن زياد وموسى بن محمّد بن عليّ بن عيسى ، قال : كتبت إلى الشيخ ـ أي الإمام الكاظم عليه‌السلام ـ أسأله عن الصلاة ... وسألته عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك عليهم‌السلام قد اختلف علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه أو الردّ إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب عليه‌السلام : «ما علمتم أنّه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموه فردّوه إلينا». السرائر ٣ : ٥٨٤.

ومنها : ما عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «انظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه عليكم الأمر فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا». وسائل الشيعة ١٨ : ٨٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٧.

(٢) كما في مرفوعة زرارة : «إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك الآخر». مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

٣٠٩

مخالفة القوم ، وموافقة الكتاب والسنّة ، والأعدليّة والأصدقيّة والأفقهيّة والأورعيّة والأوثقيّة ، والشهرة ، على اختلافها في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها (١).

__________________

(١) منها : مقبولة عمر بن حنظلة. وقد رواها المشايخ الثلاثة على اختلاف يسير في بعض الفقرات. وإليك نصّها ـ على ما في الكافي ـ : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحا كما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ قال : «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا ، إن كان حقّا ثابتا له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) النساء / ٦٠».

قلت : فكيف يصنعان؟

قال عليه‌السلام : «ينظران [إلى] من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله».

قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلف في حديثكم؟ قال عليه‌السلام : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر».

قلت : فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على الآخر؟

فقال عليه‌السلام : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به ، المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه. وإنّما الامور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله ورسوله. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم».

قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال عليه‌السلام : «ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة».

قلت : جعلت فداك ، فإن وافقهم الخبران جميعا؟

قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ؟

قال عليه‌السلام : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد». ـ

٣١٠

[من استدلّ بأخبار الترجيح على وجوب الترجيح]

ولأجل اختلاف الأخبار (١) اختلفت الأنظار (٢).

__________________

ـ قال عليه‌السلام : «انظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ، ويؤخذ بالآخر».

قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟

قال عليه‌السلام : «إذا كان ذلك فأرجه (وفي بعض النسخ : فأرجئه) ، حتّى تلقي إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات». الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨.

ومنها : مرفوعة زرارة ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟

فقال عليه‌السلام : «يا زرارة! خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر».

فقلت : يا سيّدي إنّهما معا مشهوران مرويّان مأثوران عنكم.

فقال عليه‌السلام : «خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك».

فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان.

فقال عليه‌السلام : «انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه ، وخذ بما خالفهم ، فإنّ الحقّ فيما خالفهم».

فقلت : ربّما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟

فقال عليه‌السلام : «إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط».

فقلت : إنّهما معا موافقين للاحتياط أو مخالفين له ، فكيف أصنع؟

فقال عليه‌السلام : «إذن فتخيّر أحدهما ، فتأخذ به ، وتدع الآخر». عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣.

ومنها : ما عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، حيث قال : «فما ورد عنكم من خبرين مختلفين ، فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا ـ حلالا أو حراما ـ فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...». عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣.

ومنها : ما عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه». وسائل الشيعة ١٨ : ٨٤ ـ ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.

(١) أي : أخبار باب التعارض.

(٢) أي : اختلفت أنظار المستدلّين بها ، فطائفة منهم ذهبت إلى التخيير ، وطائفة اخرى إلى وجوب الترجيح. والطائفة الثانية أيضا اختلفت أنظارهم ، كما سيأتي.

٣١١

فمنهم من أوجب الترجيح بها مقيّدين بأخباره إطلاقات التخيير. وهم بين من اقتصر على الترجيح بها (١) ومن تعدّى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائيّة ذي المزيّة وأقربيّته ـ كما صار إليه شيخنا العلّامة «أعلى الله مقامه» (٢) ، أو المفيدة للظنّ كما ربّما يظهر من غيره(٣).

[القول المختار ، والجواب عن أخبار الترجيح]

فالتحقيق أن يقال : إنّ أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جدّا.

والاحتجاج بهما (٤) على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال ، لقوّة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة ، كما هو موردهما(٥) ، ولا وجه معه للتعدّي منه إلى غيره ، كما لا يخفى.

ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أنّ رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استندا إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلّا

__________________

(١) وهذا منسوب إلى الأخباريّين. قال المحدّث البحرانيّ : «قد ذكر علماء الاصول من وجوه الترجيحات في هذا المقام بما لا يرجع إلى محصول ، والمعتمد عندنا ما ورد عن أهل بيت الرسول». الحدائق الناضرة ١ : ٩٠.

وهو الظاهر أيضا من الوافية في الاصول : ٣٢٤. وصرّح بذلك المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٩٤.

(٢) فرائد الاصول ٤ : ٧٣.

(٣) كما يظهر من السيّد الطباطبائي في مفاتيح الاصول : ٦٨٨.

وذهب المحقّق النائينيّ إلى لزوم الاقتصار على المرجّحات المنصوصة إلّا في صفات الراويّ ، فيصحّ الترجيح بالصفات الّتي لها دخل في أقربيّة صدور أحد المتعارضين. راجع فوائد الاصول ٤ : ٧٧٤ ـ ٧٧٨ و ٧٨٥.

(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «والاحتجاج بها» ليرجع الضمير إلى المقبولة ، فإنّ الجواب مختصّ بالمقبولة ، فيرجع الضمير إليها ، لا إلى المقبولة والمرفوعة.

(٥) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «موردها» لما مرّ في التعليقة السابقة.

٣١٢

بالترجيح (١) ، ولذا أمر عليه‌السلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليه‌السلام في صورة تساويهما فيما ذكر من المزايا (٢) ؛ بخلاف مقام الفتوى (٣).

ومجرّد مناسبة الترجيح لمقامها أيضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه (٤) مطلقا ولو في غير مورد الحكومة ، كما لا يخفى (٥).

وإن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين ، فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا ممّا لا يتمكّن من لقاء الإمام عليه‌السلام بهما ، لقصور المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة ، لاختصاصها (٦) بزمان التمكّن من لقائه عليه‌السلام ، ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح (٧).

__________________

(١) بداهة أنّه لا تنقطع الخصومة بالتخيير ، لإمكان أن يختار كلّ من المتخاصمين غير ما يختاره الآخر.

(٢) هكذا في أكثر النسخ. والمحتمل في النسخة الأصليّة : «في الروايات» وهو أيضا صحيح.

(٣) فإنّ الفتوى لا تتوقّف على الترجيح ، بل للمفتي أن يفتي بأحد الخبرين تخييرا.

والحاصل : أنّه لا وجه للتعدّي عن مقام الحكومة إلى مقام الفتوى والقول بأنّ المناط في المقامين واحد ، فكما كان رفع الخصومة بالحكومة متوقّفا على الترجيح كان الفتوى بالترجيح ، فإنّ الفرق بين المقامين يمنع عن حصول العلم بالمناط.

(٤) أي : وجوب الترجيح.

(٥) غرضه من هذه العبارة هو الإشارة إلى وهم ودفع :

أمّا الوهم فهو : أنّ الفتوى على طبق أحد الخبرين تتوقّف على حجّيّة أحد الخبرين المتعارضين ، وهي تتوقّف على الترجيح بتلك المزايا ، فالترجيح يناسب مقام الفتوى أيضا ، وهذه المناسبة توجب اشتراك الحكومة والفتوى في وجوب الترجيح.

وأمّا الدفع فهو : أنّ الملاك في استفادة الأحكام من الخطاب هو الظهور العرفيّ. وفي المقام لا توجب المناسبة المذكورة ظهور المقبولة في وجوب الترجيح في كلا المقامين.

(٦) تعليل لقصور المقبولة دلالة.

(٧) وأورد عليه السيّد المحقّق الخوئيّ بأنّ الأخبار الدالّة على الترجيح ليست منحصرة في المقبولة والمرفوعة ، بل هناك روايات أخر صالحة للتقييد. مضافا إلى أن المقبولة وإن كان سندها مخدوشا ، لعدم إثبات وثاقة عمر بن حنظلة ، إلّا أنّ الأصحاب تلقّوها بالقبول وعملوا / بها قديما وحديثا ، ويعلم استنادهم إليها من الإفتاء بمضمون ما ورد فيها من قوله عليه‌السلام : ـ

٣١٣

مع أنّ تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين ـ مع ندرة كونهما متساويين جدّا ـ بعيد قطعا (١) ، بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص (٢) لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب ـ كما فعله بعض الأصحاب (٣) ـ. ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دلّ على الترجيح من الأخبار (٤).

ومنه قد انقدح حال سائر أخباره (٥).

__________________

ـ «ما يحكم له فإنّما يأخذه سحتا ، وإن كان حقّه ثابتا». مع أنّ دلالتها ممّا لا ينبغي الإشكال في تماميّتها ، فإنّ صدرها وإن كان ناظرا إلى ترجيح أحد الحكمين على الآخر إلّا أنّ ظاهر ذيلها هو ترجيح أحد الروايتين على الاخرى ، إذ الترجيح بكون الرواية مجمعا عليها بين الأصحاب وبموافقة الكتاب والسنّة وبمخالفة العامّة قد اعتبر فيها بعد فرض سقوط حكم الحكمين بالمعارضة ، فبعد سقوط الحكم يرجع إلى الروايتين ويؤخذ بالراجح منهما. مصباح الاصول ٣ : ٤٠٩ ـ ٤١٠.

(١) إذ يلزم منه حمل إطلاقات التخيير على الفرد النادر ، وحمل المطلق على الفرد النادر ركيك.

(٢) أي : الاختصاص بزمان التمكّن من لقاء الإمام عليه‌السلام.

(٣) الظاهر أنّه السيّد الصدر في شرح الوافية ، لكنّه ـ على ما في الفرائد ـ حمل جميع أخبار الترجيح على الاستحباب ، لا خصوص المقبولة. راجع شرح الوافية (مخطوط) : ٥٠٠ ، وفرائد الاصول ٤ : ٥٥.

(٤) وأورد عليه السيّد الخوئيّ بأنّ حمل إطلاقات أخبار التخيير على الفرد النادر إنّما يلزم فيما إذا قلنا بجواز التعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى غيرها ، فإنّ تساوي الخبرين المتعارضين من جميع الجهات حينئذ نادر جدّا. وأمّا على القول بالاقتصار على المرجّحات المنصوصة والقول بانحصارها في موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة ـ كما هو الحقّ ـ فلا يلزم المحذور المذكور ، فإنّ موارد تساوي الخبرين المتعارضين من حيث موافقة الكتاب وعدمها أو من حيث مخالفة العامّة كثيرة جدّا. مصباح الاصول ٣ : ٤١٠ ـ ٤١١.

وأورد عليه السيّد الإمام الخمينيّ أيضا بأنّ حمل إطلاقات أخبار التخيير على الفرد النادر إنّما يتمّ بعد اعتبار المرفوعة وكون المقبولة من أخبار العلاج وعدم انحصار المرجّح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة. والتحقيق عدم اعتبارها ، وعدم كونها من أخبار العلاج ، وانحصار المرجّح بهما ، بل أنّ ما دلّ على التخيير هو رواية ابن الجهم. الرسائل ٢ : ٧٢.

(٥) أي : أخبار الترجيح ، فإنّها غير متّفقة على الترجيح بمزيّة معيّنة ، فيدلّ بعضها ـ كخبر العيون ـ

٣١٤

مع أنّ في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا.

وجهه قوّة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجّة ، بشهادة ما ورد في أنّه زخرف وباطل وليس بشيء (١) ، أو أنّه لم نقله (٢) ، أو امر بطرحه على الجدار (٣). وكذا الخبر الموافق للقوم ، ضرورة أنّ أصالة عدم صدوره تقيّة ـ بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لو لا القطع به ـ غير جارية ، للوثوق حينئذ بصدوره كذلك (٤). وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون موهونا بحيث لا يعمّه أدلّة اعتبار السند ، ولا الظهور ، كما لا يخفى. فتكون هذه الأخبار في مقام تمييز (٥) الحجّة عن اللاحجّة ، لا ترجيح الحجّة على الحجّة ، فافهم (٦).

__________________

ـ على الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة فقط ، وبعضها ـ كخبر عبد الرحمن ـ على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، وبعضها ـ كخبر الحسن بن الجهم ـ على الترجيح بمخالفة العامّة فقط.

(١) راجع وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ـ ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٢ و ١٤ ؛ والمحاسن (للبرقي) ١ : ٢٢١ ، الحديث ١٢٨ و ١٢٩.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥ ، والمحاسن (للبرقي) ١ : ٢٢١ ، الحديث ١٣١.

(٣) لم أعثر على رواية تدلّ على الأمر بطرحه على الجدار. نعم ، ظاهر كلمات بعض الأجلّة وجود الخبر بهذا المضمون. راجع تفسير التبيان ١ : ٥ ، مجمع البيان ١ : ٨١.

(٤) أي : بصدور الخبر الموافق تقيّة ، فإنّ الوثوق بصدور الخبر المخالف للقوم يوجب الوثوق بأنّ الخبر الموافق لهم إمّا غير صادر أو صدر تقيّة.

(٥) وفي بعض النسخ : «تميّز» ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) لعلّه إشارة إلى ما أفاد السيّد المحقّق الخوئيّ في إثبات كون هذه الأخبار في مقام ترجيح الحجّة على الحجّة. وحاصل ما أفاده : أنّ الأخبار الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب والسنّة طائفتان :

إحداهما : الأخبار الدالّة على أنّ مخالف الكتاب زخرف أو باطل. ولا شكّ أنّ هذه الأخبار تدلّ على عدم حجّيّة ما كان مخالفا للكتاب أو السنّة.

ثانيتهما : الأخبار الواردة في مقام ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر ، ـ

٣١٥

وإن أبيت عن ذلك (١) فلا محيص عن حملها (٢) ـ توفيقا بينها وبين الإطلاقات (٣) ـ إمّا على ذلك (٤) أو على الاستحباب ، كما أشرنا إليه آنفا ، هذا.

ثمّ إنّه لو لا التوفيق بذلك (٥) للزم التقييد أيضا في أخبار المرجّحات ، وهي آبية عنه ، كيف يمكن تقييد مثل «ما خالف قول ربّنا لم أقله أو زخرف أو باطل»؟! ، كما لا يخفى.

__________________

ـ والأخذ بما وافق منهما الكتاب وطرح ما خالفه ، كمقبولة عمر بن حنظلة ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

والمراد من المخالفة في الطائفة الاولى غير المراد منها في الطائفة الثانية ، فإنّ المراد منها في الطائفة الاولى هي المخالفة بنحو لا يمكن الجمع العرفيّ بينها وبين الكتاب والسنّة ، كما إذا كان خبر مخالفا لهما على نحو التباين أو العموم من وجه ، فمثل هذا المخالف لم يمكن صدوره عن المعصوم. وأمّا الأخبار المخالفة لهما على نحو العموم المطلق فليست مشمولة لهذه الأخبار ، لإمكان الجمع العرفيّ بينها وبينهما ، وللعلم بصدور المخصّص لعمومات الكتاب والسنّة والمقيّد لاطلاقاتهما عنهم عليهم‌السلام ، بل هذه الأخبار مشمولة للطائفة الثانية ، فإنّ المراد من المخالفة فيها هي المخالفة بنحو التخصيص والتقييد ، ويكون مفادها أنّه إذا ورد خبران متعارضان وكان أحدهما موافقا لعمومات الكتاب أو إطلاقاته وكان الآخر مخالفا لها ، يجب ترجيح الخبر الموافق على الخبر المخالف.

وعليه فالطائفة الاولى وإن كانت في مقام تمييز الحجّة عن اللاحجّة ، إلّا أنّ الطائفة الثانية ليست في هذا المقام ، بل تكون في مقام ترجيح الحجّة على الحجّة الاخرى. راجع المحاضرات ٣ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، مصباح الاصول ٣ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، دراسات في علم الاصول ٤ : ٣٩١ ـ ٣٩٢.

ولا يخفى : أنّ المصنّف رحمه‌الله أشار إلى التفصيل المذكور في الفصل الآخر من فصول هذا المقصد ، ولكن أصرّ على حمل الروايات على تمييز الحجّة عن اللاحجّة ، لاحظ الصفحة : ٣٤٨ من هذا الجزء.

(١) أي : عن تسليم كون أخبار الترجيح في مقام تمييز الحجّة عن اللاحجّة.

(٢) أي : حمل أخبار الترجيح.

(٣) أي : إطلاقات أخبار التخيير.

(٤) أي : على تمييز الحجّة عن اللاحجّة.

(٥) أي : بحمل أخبار الترجيح على تمييز الحجّة عن اللاحجّة أو على الاستحباب.

٣١٦

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ إطلاقات التخيير محكّمة ، وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.

[الاستدلال على وجوب الترجيح ، وما فيه]

نعم قد استدلّ على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر :

منها : دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين (١).

وفيه : أنّ دعوى الإجماع ـ مع مصير مثل الكلينيّ إلى التخيير ، وهو في عهد الغيبة الصغرى ، ويخالط النوّاب والسفراء ، قال في ديباجة الكافي : «ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير» (٢) ـ مجازفة.

ومنها : أنّه لو لم يجب ترجيح ذي المزيّة لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وهو قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا (٣).

__________________

(١) فرائد الاصول ٤ : ٤٨.

(٢) الكافي ١ : ٩.

ولا يخفى : أنّ في ما نسبه المصنّف رحمه‌الله إلى الكلينيّ من مصيره إلى التخيير مطلقا نظر ، بل يظهر من بعض كلماته القول بالترجيح ببعض المرجّحات ، فإنّه قال : «فاعلم يا أخي! أرشدك الله أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم‌السلام» برأيه ، إلّا ما أطلقه العالم بقوله عليه‌السلام : «فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه» ، وقوله عليه‌السلام : «دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم» ، وقوله عليه‌السلام : «خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسع الأمر فيه بقوله عليه‌السلام : «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم» ...» الكافي ١ : ٨ ـ ٩.

وأنت خبير بأنّه سلّم الترجيح بالإجماع وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة. ولكن اعترف بقلّة الموارد الّتي نعرف فيها وجود تلك المرجّحات.

(٣) هذا الدليل نسبه السيّد الطباطبائيّ إلى النهاية والتهذيب والمبادئ والمنية وغاية البادئ.

راجع مفاتيح الاصول : ٦٨٧.

٣١٧

وفيه : أنّه إنّما يجب الترجيح لو كانت المزيّة موجبة لتأكّد ملاك الحجّيّة في نظر الشارع ، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزيّة بالإضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان ، وكان الترجيح بها بلا مرجّح (١) ، وهو قبيح ، كما هو واضح ، هذا.

مضافا إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من أنّ الترجيح بلا مرجّح في الأفعال الاختياريّة ـ ومنها الأحكام الشرعيّة ـ لا يكون إلّا قبيحا ، ولا يستحيل وقوعه إلّا على الحكيم تعالى ، وإلّا فهو بمكان من الإمكان ، لكفاية إرادة المختار علّة لفعله ، وإنّما الممتنع هو وجود الممكن بلا علّة ، فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح إلّا من باب امتناع صدوره منه تعالى ، وأمّا غيره فلا استحالة في ترجيحه لما هو المرجوح ممّا باختياره.

وبالجملة : الترجيح بلا مرجّح بمعنى «بلا علّة» محال ، وبمعنى «بلا داع عقلائيّ» قبيح ليس بمحال ، فلا تشتبه.

ومنها : غير ذلك (٢) ممّا لا يكاد يفيد الظنّ ، فالصفح عنه أولى وأحسن.

[حكم تخيير المفتي في عمله وعمل مقلّديه]

ثمّ إنّه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلّديه. ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعيّة ، لعدم الدليل عليه فيها.

نعم ، له الإفتاء به في المسألة الاصوليّة (٣) ، فلا بأس حينئذ باختيار المقلّد غير ما اختاره المفتي ، فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الّذي لا شبهة فيه.

__________________

(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «فكان الترجيح بها بلا مرجّح».

(٢) راجع مفاتيح الاصول : ٦٨٧ ، وفرائد الاصول ٤ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) وهي حجّيّة أحد الخبرين تخييرا.

٣١٨

[التخيير استمراريّ]

وهل التخيير بدويّ (١) أم استمراريّ (٢)؟ قضيّة الاستصحاب (٣) لو لم نقل بأنّه قضيّة الإطلاقات (٤) أيضا كونه استمراريّا (٥).

وتوهّم «أنّ المتحيّر كان محكوما بالتخيير ، ولا تحيّر له بعد الاختيار ، فلا يكون الإطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار ، لاختلاف الموضوع فيهما» (٦) فاسد ، فإنّ التحيّر بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله ، وبمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا ؛ كما لا يخفى.

__________________

(١) بمعنى أنّه إذا اختار أحد الخبرين في زمان لم يكن له الأخذ بالآخر في زمان آخر.

(٢) بمعنى أنّه يجوز له اختيار أحد الخبرين في زمان واختيار الآخر في زمان آخر.

(٣) أي : استصحاب بقاء التخيير الثابت قبل الأخذ بأحدهما.

(٤) أي : إطلاقات أدلّة التخيير ، فإنّ مقتضاها ثبوت التخيير ولو بعد الأخذ بأحدهما.

(٥) وذهب الشيخ الأعظم الأنصاريّ إلى كونه بدويّا على القول بالتخيير ، كما سيأتي.

(٦) هذا حاصل ما توهّمه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٤ : ٤٣.

٣١٩

فصل

[الاقتصار على المرجّحات المنصوصة]

هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجّحات المخصوصة المنصوصة ، أو يتعدّى إلى غيرها؟

قيل : بالتعدّي (١) ، لما في الترجيح بمثل الأصدقيّة (٢) والأوثقيّة (٣) ونحوهما ممّا فيه من الدلالة (٤) على أنّ المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربيّة إلى الواقع (٥).

ولما في التعليل (٦) ب «أنّ المشهور ممّا لا ريب فيه» من استظهار أنّ

__________________

(١) والقائل هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ تبعا لجمهور المجتهدين. فراجع معارج الاصول : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، الفوائد الحائريّة : ٢٠٧ ـ ٢١٤ و ٢٢١ ، الفصول الغرويّة : ٤٤٢ ، قوانين الاصول ٢ : ٢٩٣ ، مفاتيح الاصول : ٦٨٨ ، فرائد الاصول ٤ : ٧٥٠.

ونسب إلى الأخباريّين عدم جواز التعدّي عن المرجّحات المنصوصة. راجع الحدائق الناضرة ١ : ٩٠.

(٢) في المقبولة.

(٣) في المرفوعة.

(٤) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يحذف قوله : «ممّا فيه» ، وأن يقول : «ونحوهما من الدلالة ...».

(٥) هذا أوّل ما استدلّ به على القول بالتعدّي. راجع معارج الاصول : ١٥٥ ، وفرائد الاصول ٤ : ٧٦.

وأيّده الشيخ الأعظم الأنصاريّ بأنّ الراوي بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها ، وإنّما سأل عن حكم صورة تساوي الراويين في جميع المزايا المنصوصة وغيرها ، حتّى قال : «لا يفضل أحدهما على الآخر». وهذا يكشف عن أنّه فهم من كلامه كون كلّ هذه الصفات وما شابهها مزيّة مستقلّة توجب الترجيح. فرائد الاصول ٤ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٦) هذا ثاني الوجوه الّتي استدلّ بها الشيخ على القول بجواز التعدّي. راجع فرائد الاصول ٤ : ٧٧.

٣٢٠