كفاية الأصول - ج ٣

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-562-2
الصفحات: ٤٤٣

بهذه القضيّة أو ما يرادفها ، فتأمّل جيّدا. هذا.

مع أنّه لا موجب لاحتماله إلّا احتمال كون اللام في اليقين للعهد ، إشارة إلى اليقين في «فإنّه على يقين من وضوئه» ، مع أنّ الظاهر أنّه للجنس (١) ، كما هو الأصل فيه ؛ وسبق «فإنّه على يقين ...» لا يكون قرينة عليه (٢) مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا ، فافهم.

مع أنّه (٣) غير ظاهر في اليقين بالوضوء ، لقوّة احتمال أن يكون «من وضوئه» متعلّقا بالظرف (٤) ، لا ب «يقين» (٥) ، وكان المعنى : «فإنّه كان من طرف وضوئه على يقين» ، وعليه لا يكون الأوسط إلّا اليقين ، لا اليقين بالوضوء ، كما لا يخفى على المتأمّل(٦).

__________________

(١) لا يخفى : أنّه ينافي ما تقدّم منه في الجزء الثاني : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ من قوله : «فالظاهر أنّ اللام مطلقا تكون للتزيين ، كما في الحسن والحسين. واستفادة الخصوصيّات انّما تكون بالقرائن الّتي لا بدّ منها لتعيينها على كلّ حال».

(٢) أي : على كون اللام في «اليقين» للعهد.

(٣) أي : قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه».

(٤) أي : بالظرف المقدّر ، وهو «كان».

(٥) ولعلّ الوجه في كون «من وضوئه» متعلّقا بالظرف لا باليقين أنّ اليقين إنّما يتعدّى متعلّقه ب «الباء» لا ب «من» ، فيقال : «تيقّن بكذا» ولا يقال : «تيقّن من كذا».

(٦) ولا يخفى : أنّ المحقّق العراقيّ ـ بعد ما أفاد عدم اختصاص الرواية بباب الوضوء ، وأنّ إضافة اليقين إلى الوضوء من جهة كونه موردا لسؤال الراوي لا من جهة خصوصيّة فيه ، واستشهد له بوقوع هذه الجملة كبرى لصغريات متعدّدة في الروايات الأخر ، واستشهد له أيضا بظهور سوق الرواية في كونه في مقام إدراج المورد تحت كبرى ارتكازيّة هي عدم نقض اليقين بالشيء بالشكّ فيه ـ ناقش في دعوى المصنّف قدس‌سره من قوّة احتمال تعلّق «من وضوئه» بالظرف من وجوه :

الأوّل : أنّه مجرّد احتمال لا يجدي شيئا ما لم يبلغ إلى مرتبة الظهور المعتدّ به.

الثاني : أنّ غاية ذلك خروج «من وضوئه» من كونه من الجهات التقييديّة لليقين إلى التعليليّة ، وهو لا يوجب إطلاقا في اليقين المأخوذ في الصغرى ، فإنّ اليقين ـ على العلّيّة ـ وإن لم يكن مقيّدا ب «من وضوئه» ، إلّا أنّه لا إطلاق له أيضا يشمل اليقين المتعلّق بغير الوضوء ، كما هو الشأن في جميع المعاليل بالإضافة إلى عللها. وعليه يكون اليقين متعلّقا بالوضوء عاريا من حيثيّة الإطلاق والتقييد به ، وحينئذ إذا كان الألف واللام في الكبرى ـ

١٨١

وبالجملة : لا يكاد يشكّ في ظهور القضيّة في عموم اليقين والشكّ ، خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها في الأخبار على غير الوضوء أيضا.

[فساد تخصيص الرواية بالشكّ في الرافع] (١)

ثمّ لا يخفى حسن إسناد النقض ـ وهو ضدّ الإبرام (٢) ـ إلى اليقين ، ولو كان متعلّقا

__________________

ـ للعهد تلزمه الإشارة إلى اليقين الناشئ من قبل الوضوء.

الثالث : أنّ استفادة الإطلاق من الكبرى فرع تماميّة مقدّمات الحكمة ، وهي منوط بعدم وجود المتيقّن في مقام التخاطب ، وهو موجود في المقام ، فإنّ المتيقّن هو اليقين المتعلّق بالوضوء. نهاية الأفكار ٤ : ٤٢ ـ ٤٤.

(١) ذهب بعض الأعلام إلى التفصيل بين مورد الشكّ في البقاء لأجل الشكّ في المقتضي وبين الشكّ فيه لأجل الشكّ في الرافع ، فلا يكون الاستصحاب حجّة في الأوّل ، ويكون حجّة في الثاني. ذهب إليه المحقّق الخوانساريّ في مشارق الشموس : ٧٦ ؛ واختاره الشيخ الأعظم في فرائد الاصول ٣ : ٧٨ ؛ وتبعهما المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٤ : ٣٣٣.

وجدير بالذكر ما أفاد الشيخ الأعظم الأنصاريّ في المقام مقدّمة لإيضاح ما أفاد المصنّف قدس‌سره في مقام الإيراد عليه. ومحصّل كلامه : أنّ حقيقة النقض عبارة عن رفع الهيئة الاتّصاليّة ، كما في نقض الحبل ونقض العزل ، وحيث لم يستعمل النقض في النصّ في هذا المعنى فلا بدّ من حمله على أقرب المجازات. فيدور الأمر بين حمله على رفع الأمر الثابت الّذي له اقتضاء الاستمرار ، وبين حمله على مطلق رفع اليد عن الشيء بعد الأخذ به وإن لم يكن في متعلّقه استعداد الاستمرار. والأوّل هو المتعيّن ، لأنّه أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقيّ. وجه الأقربيّة ما تقرّر في محلّه من أنّ الجملة إذا اشتملت على فعل تعلّق بشيء وكان الأخذ بمدلول كليهما متعذّرا ، فيقدّم ظهور الفعل على ظهور متعلّقه ، نظير قول القائل : «لا تضرب أحدا» ، فإنّ ظهور الضرب في العموم يقتضي حمله على الأحياء وغير الأحياء ، والمقرّر في محلّه أنّ الفعل الخاصّ يكون مخصّصا لعموم متعلّقه ، فيكون ظهور الفعل في الخاصّ منشأ لتخصيص «أحد» بالأحياء. وفي المقام أيضا حيث كان إرادة رفع اليد عمّا من شأنه البقاء أقرب إلى المعنى الحقيقيّ للنقض فيتصرّف في عموم متعلّقه ـ أي اليقين ـ ويخصّص بما فيه استعداد البقاء. فرائد الاصول ٤ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

وأورد عليه المصنّف قدس‌سره بما في المتن من بيان ما هو التحقيق في مفاد مادّة النقض وهيئة «لا تنقض». وما أفاده واضح جدّا.

(٢) كما قال في القاموس : «النقض في البناء والحبل والعهد ضدّ الإبرام». القاموس المحيط ـ

١٨٢

بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، لما يتخيّل فيه من الاستحكام (١) ؛ بخلاف الظنّ ، فإنّه يظنّ أنّه ليس فيه إبرام واستحكام وإن كان متعلّقا بما فيه اقتضاء ذلك ؛ وإلّا (٢) لصحّ أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له مع ركاكة مثل «نقضت الحجر من مكانه» ، ولما صحّ أن يقال : «انتقض اليقين باشتعال السراج» فيما إذا شكّ في بقائه للشكّ في استعداده ، مع بداهة صحّته وحسنه.

وبالجملة : لا يكاد يشكّ في أنّ اليقين ـ كالبيعة والعهد ـ إنّما يكون حسن إسناد النقض إليه بملاحظته ، لا بملاحظة متعلّقه ، فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم أو أشبه بالمتين المستحكم ممّا فيه اقتضاء البقاء لقاعدة : «إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات» بعد تعذّر إرادة مثل ذاك الأمر ممّا يصحّ إسناد النقض إليه حقيقة.

فإن قلت : نعم ، ولكنّه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة (٣) ، فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقّن لمّا صحّ إسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا ؛ بخلاف ما إذا كان هناك (٤) ، فإنّه وإن لم يكن معه أيضا انتقاض حقيقة ، إلّا

__________________

ـ ٢ : ٣٤٧.

ولكن المحقّق الأصفهانيّ قال : «الظاهر أنّ النقض نقيض الإبرام ، وتقابلهما ليس بنحو التضادّ ، ولا بنحو السلب والإيجاب ، بل بنحو العدم والملكة ، فهو الإبرام عمّا من شأنه أن يكون مبرما».

ثمّ أفاد أنّ الإبرام ليس بمعنى الهيئة الاتّصاليّة ـ كما زعمه الشيخ ـ ، ولا بمعنى الإتقان والاستحكام ـ كما زعمه المصنّف ـ ، بل بمعنى هيئة التماسك والاستمساك. والنقض أيضا لا يكون بمعنى رفع الهيئة الاتّصاليّة ، ولا بمعنى عدم الإتقان ، بل بمعنى رفع هيئة التماسك. نهاية الدراية ٣ : ٥٣ ـ ٥٤.

(١) قوله : «لما يتخيّل فيه من الاستحكام» تعليل لحسن إسناد النقض إلى اليقين. وضمير «فيه» راجع إلى اليقين.

(٢) أي : وإن لم يكن مصحّح إسناد النقض إلى اليقين ما في اليقين من الإبرام والاستحكام ، بل كان المصحّح له ما في المتيقّن من اقتضاء الدوام والاستمرار.

(٣) إذ اليقين بالحدوث ثابت ، وانّما الشكّ في البقاء.

(٤) أي : بخلاف ما إذا احرز اقتضاء البقاء في المتيقّن.

١٨٣

أنّه صحّ إسناده إليه مجازا ، فإنّ اليقين معه كأنّه تعلّق بأمر مستمرّ مستحكم قد انحلّ وانفصم بسبب الشكّ فيه من جهة الشكّ في رافعه.

قلت : الظاهر أنّ وجه الإسناد هو لحاظ اتّحاد متعلّقي اليقين والشكّ ذاتا وعدم ملاحظة تعدّدهما زمانا ؛ وهو كاف عرفا في صحّة إسناد النقض إليه واستعارته له ، بلا تفاوت في ذلك أصلا في نظر أهل العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن. وكونه (١) مع المقتضي أقرب بالانتقاض وأشبه لا يقتضي تعيينه لأجل قاعدة «إذا تعذّرت الحقيقة» ، فإنّ الاعتبار في الأقربيّة إنّما هو بنظر العرف لا الاعتبار ، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله. هذا كلّه في المادّة.

وأمّا الهيئة : فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء والعمل ، لا الحقيقة ، لعدم كون الانتقاض بحسبها (٢) تحت الاختيار ، سواء كان متعلّقا باليقين ـ كما هو ظاهر القضيّة ـ أو بالمتيقّن أو بآثار اليقين ، بناء على التصرّف فيها بالتجوّز (٣) أو الإضمار (٤) ، بداهة أنّه كما لا يتعلّق النقض الاختياريّ القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين ، كذلك لا يتعلّق بما كان على يقين منه (٥) أو أحكام اليقين ، فلا يكاد يجدي التصرّف بذلك (٦) في بقاء الصيغة على حقيقتها ، فلا مجوّز له ، فضلا عن الملزم كما توهّم(٧).

لا يقال : لا محيص عنه (٨) ، فإنّ النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره ، لمنافاته مع المورد (٩).

__________________

(١) أي : كون النقض.

(٢) أي : بحسب الحقيقة.

(٣) بأن يذكر اليقين ويراد المتيقّن.

(٤) بأن يقدّر الآثار ـ أي آثار اليقين ـ.

(٥) أي : لا يتعلّق بالمتيقّن.

(٦) أي : بالتجوّز أو الإضمار.

(٧) والمتوهّم الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٣ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

(٨) أي : لا محيص عن التصرّف في متعلّق النقض وإرادة نفس المتيقّن.

(٩) أي : مورد النصوص. ـ

١٨٤

فإنّه يقال : إنّما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلاليّ ، لا ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتيّة وبالنظر الآليّ ، كما هو الظاهر في مثل قضيّة «لا تنقض اليقين» ، حيث تكون ظاهرة عرفا في أنّها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبّدا إذا كان حكما ، ولحكمه إذا كان موضوعا ، لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا ، وذلك لسراية الآليّة والمرآتيّة من اليقين الخارجيّ إلى مفهومه الكلّيّ ، فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه مع عدم دخله فيه أصلا ، كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه أو تمام الدخل ، فافهم (١).

__________________

ـ حاصل الإشكال : أنّه لا محيص عن التصرّف في اليقين الّذي تعلّق به النقض بحمله على إرادة المتيقّن ، لأنّ المنهي عنه وإن كان هو النقض عملا لكنّه لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره ، لمنافاته لمورد النصوص ، فلا بدّ من أن يحمل الحديث على نقض المتيقّن بحسب العمل.

(١) لعلّه إشارة إلى ما أفاد المحقّق العراقيّ إيرادا على جعل اليقين مرآة لمتعلّقه. وحاصل ما أفاده وجهان :

الأوّل : أنّه مخالف لأصالة ظهور كلّ عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا ، فهو خلاف ما يقتضيه ظهور القضيّة في كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلّا.

الثاني : أنّه مستلزم لعدم قيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعيّ ، بداهة أنّ قيامه مقامه انّما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيليّ بالواقع ، وهو متفرّع على كون نظر التنزيل في القضيّة إلى نفس اليقين مستقلّا ، لا مرآة إلى المتيقّن. نهاية الأفكار ٤ : ٧٩.

ثمّ إنّه أفاد ـ قبل ذلك ـ في تصحيح إسناد النقض إلى نفس اليقين وجها آخر ، وهو لا يخلو من الغموض ، فراجع نهاية الأفكار ٤ : ٧٨ و ٨٤.

وبالجملة : فالمصنّف قدس‌سره ذهب إلى دلالة الصحيحة الاولى على حجّيّة الاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشكّ في البقاء لأجل الشكّ في المقتضي أو كان لأجل الشكّ في الرافع.

وتبعه المحقّقان الاصفهانيّ والعراقيّ والسيّدان العلمان الخمينيّ والخوئيّ. راجع نهاية الدراية ٣ : ٥٧ ، نهاية الأفكار ٤ : ٨٧ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ٩٦ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٣٥.

١٨٥

[عدم اختصاص الرواية بالشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة]

ثمّ إنّه حيث كان كلّ من الحكم الشرعيّ وموضوعه مع الشكّ قابلا للتنزيل بلا تصرّف وتأويل ، غاية الأمر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه ، وتنزيل الحكم بجعل مثله ـ كما اشير اليه آنفا ـ ، كانت قضيّة (١) «لا تنقض [اليقين بالشك] (٢)» ظاهرة في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة. واختصاص المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها ، خصوصا بعد ملاحظة أنّها قضيّة كلّيّة ارتكازيّة قد اتي بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد ، فتأمّل (٣).

__________________

(١) هذا جواب قوله : «حيث كان». وفي بعض النسخ : «كان قضيّة». والأولى ما أثبتناه.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ ، ولكن لا بدّ من إثباته.

(٣) توضيح ما أفاده ـ من دلالة الرواية على اعتبار الاستصحاب في الموضوعات والأحكام ـ أنّه تارة يستشكل في شمول الرواية للشبهة الموضوعيّة ، واخرى في شمولها للشبهة الحكميّة.

أمّا الأوّل : فبأنّه يعتبر في المجهول الشرعيّ أن يكون قابلا للجعل والتنزيل ، والموضوع الخارجيّ ـ كالعدالة ـ ليس قابلا له ، فلا معنى لأن يتعلّق به الجعل من الشارع بما هو شارع.

وأمّا الثاني : فبأنّ مورد الرواية هو الشبهة الموضوعيّة ، حيث أنّ الشكّ في انتقاض الطهارة نشأ من احتمال تحقّق النوم بالخفقة أو الخفقتين بعد العلم بأصل الحكم ـ أي ناقضيّة النوم لها ـ ، فلا تعمّ الشبهة الحكميّة.

أجاب المصنّف قدس‌سره عن الأوّل : بأنّ التعليل الوارد في الصحيحة ظاهر في كونه تعليلا بأمر ارتكازيّ عقلائيّ ، ومقتضاه إطلاق الرواية وإرادة كلّ يقين تعلّق بالموضوع أو بالحكم ؛ غاية الأمر أنّه إذا تعلّق بالموضوع يكون مقتضى «لا تنقض» جعل حكم مماثل لحكمه ، وإذا تعلّق بالحكم يكون مقتضاه جعل حكم مماثل لنفسه.

وأجاب عن الثاني : بأنّ العبرة بعموم الوارد ، لا بخصوصيّة المورد ، فإنّ مقتضى الاستدلال بكبرى ارتكازيّة هو التعميم.

ولا يخفى : أنّ المحقّق الاصفهانيّ ـ بعد التزامه بأنّ النهي عن نقض اليقين غير مراد جدّا ، بل قوله : «لا تنقض اليقين» قضيّة كنائيّة أمرها دائر بين أن يكون المراد بها النهي عن النقض العمليّ وبين أن يكون المراد بها النقض حقيقة ، وحينئذ تعيّن حملها على النهي عن النقض ـ

١٨٦

[الخبر الثاني : صحيحة زرارة الثانية]

ومنها : صحيحة اخرى لزرارة. قال : قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلمت أثره إلى أن اصيب له الماء (١) ، [فاصبت] (٢) وحضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئا ، وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك؟

قال : «تعيد الصلاة ، وتغسله».

قلت : فإنّي لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر عليه ، فلمّا صلّيت وجدته؟

قال : «تغسله ، وتعيد».

__________________

ـ حقيقة ، إبقاء له على ظاهره ـ قد تصدّى إلى بيان المطلب إشكالا وجوابا ببيان آخر :

أمّا الإشكال : فحاصله : أنّ إسناد نقض اليقين إلى الحكم إسناد إلى ما هو له ، لأنّ الفعل إبقاء لليقين بالحكم عملا ، لباعثيّته عقلا نحوه ؛ وأمّا إسناد نقض اليقين إلى الموضوع فهو إسناد إلى غير ما هو له ، إذا الفعل لا يكون إبقاء لليقين بالموضوع عملا ، فإنّ اليقين بالموضوع لا باعثيّة له بنفسه ، بل بلحاظ أنّه منشأ لليقين بالحكم ، فالنقض لم يسند إلى اليقين بالموضوع حقيقة. وبما أنّ الجمع بين الإسنادين في كلام واحد خلاف الظاهر ، إذ الظاهر من الإسناد الكلاميّ هو الإسناد إلى ما هو له ، كانت أخبار الاستصحاب قاصرة عن شمول الشبهة الموضوعيّة.

وأمّا الجواب : فحاصله : أنّ ما ذكر انّما يلزم على كون مفاد قضيّة «لا تنقض» النهي عن النقض عملا ، فإنّ إبقاء اليقين بالموضوع عملا غير مستلزم لما هو للعمل ، إذ لا باعثيّة له. وأمّا لو كان المراد منها النهي عن نقض اليقين حقيقة وعنوانا ـ كما هو المختار ـ فلا يلزم هذا المحذور ، فإنّ عدم الفعل لازم لعدم اليقين بالموضوع أو بالحكم ، وعليه يمكن أن يراد من «لا تنقض» النهي عن نقض اليقين مطلقا ، سواء تعلّق بالحكم أو بالموضوع ، فيكون قوله : «لا تنقض» كناية عن جعل لازمه من الحكم المماثل له ـ إذا كان المتيقّن حكما ـ أو الحكم المماثل لحكمه ـ إذا كان المتيقّن موضوعا ـ. انتهى ملخّص ما أفاده هذا المحقّق الكبير ، فراجع تمام كلامه وتأمّل في مرامه. نهاية الدراية ٣ : ٧٠ ـ ٧٦.

(١) وفي بعض النسخ : «من الماء» ، وما أثبتناه موافق للمصدر وبعض النسخ.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في المصدر.

١٨٧

قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا ، فصلّيت ، فرأيت فيه؟

قال : «تغسله ، ولا تعيد الصلاة».

قلت : لم ذلك؟

قال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا».

قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو ، فأغسله؟

قال : «تغسل من ثوبك الناحية الّتي ترى أنّه قد أصابها ، حتّى تكون على يقين من طهارتك».

قلت : فهل عليّ ـ إن شككت في أنّه أصابه شيء ـ أن انظر فيه؟

قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الّذي وقع في نفسك».

قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟

قال : «تنقض الصلاة ، وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة ، وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لا تدري لعلّه شيء اوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» (١).

[تقريب الاستدلال بالرواية]

وقد ظهر ممّا ذكرنا في الصحيحة الاولى تقريب الاستدلال بقوله : «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ» في كلا الموردين (٢) ، ولا نعيد (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، الحديث ١٣٣٥ ؛ الاستبصار ١ : ١٨٣ ، الحديث ٦٤١.

(٢) المورد الأوّل في الجواب عن السؤال الثالث «لم ذلك؟». والمورد الثاني في الجواب عن السؤال عن رؤية النجاسة في أثناء الصلاة.

(٣) حاصل الاستدلال : أنّ اللام في قوله : «اليقين» ظاهر في جنس اليقين بما هو يقين ، ـ

١٨٨

نعم ، دلالته في المورد الأوّل على الاستصحاب مبنيّ على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» اليقين بالطهارة قبل ظنّ الإصابة ، كما هو الظاهر ، فإنّه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده ـ الزائل بالرؤية بعد الصلاة ـ كان مفاده قاعدة اليقين ، كما لا يخفى.

[إشكال ودفع]

ثمّ إنّه اشكل على الرواية (١) بأنّ الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشكّ فيها ، بل باليقين بارتفاعها ، فكيف يصحّ أن يعلّل عدم الإعادة بأنّها (٢) نقض اليقين بالشكّ؟ نعم ، إنّما يصحّ أن يعلّل به جواز الدخول في الصلاة ، كما لا يخفى (٣).

__________________

ـ والإمام عليه‌السلام أشار بقوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» إلى أنّه في مقام التعليل بكبرى ارتكازيّة هي عدم نقض اليقين بالشيء بالشكّ فيه ، وهذا التعليل يقتضي اعتبار الاستصحاب مطلقا ، لا في خصوص موردها.

(١) لا يخفى : أنّ الإشكال مختصّ بالاستدلال بالفقرة الاولى من الرواية ؛ وأمّا الفقرة الثانية ـ الّتي تأتي في آخر الرواية ـ فلم يورد عليه الإشكال ؛ فكان الأولى أن يقول : «ثمّ إنّه اشكل على المورد الأوّل من الرواية ...».

ولا يخفى أيضا : أنّ الشيخ الأعظم الأنصاريّ قد حكى هذا الإشكال عن السيّد الصدر شارح الوافية. راجع فرائد الاصول ٣ : ٦٠.

(٢) أي : الإعادة.

(٣) توضيح الإشكال : أنّ الإمام عليه‌السلام قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» ، ثمّ علّل عدم وجوب إعادة الصلاة بقوله : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» ، فالإمام عليه‌السلام علّل عدم وجوب الإعادة بلزوم الحذر عن نقض اليقين بالشكّ ، كأنّه قال : «إنّ الإعادة نقض لليقين بالشكّ ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ». مع أنّ الإعادة في مورد الرواية ليست نقضا لليقين بالشكّ ، بل هي نقض لليقين باليقين ، كيف! وقد فرض أنّ السائل علم بعد إتمام الصلاة بوقوع صلاته المأتي بها في النجس ، وإن كان غافلا عن النجاسة حال إتيان الصلاة؟ فلا يصحّ أن يعلّل عدم وجوب الإعادة بأنّ الإعادة نقض لليقين بالشكّ.

١٨٩

ولا يكاد يمكن التفصّي عن هذا الإشكال إلّا بأن يقال : إنّ الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة ، لانفسها ، فتكون قضيّة استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها. كما أنّ إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز النقض وعدم حجّيّة الاستصحاب حالها ، كما لا يخفى (١) ، فتأمّل جيّدا (٢).

لا يقال : لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة ، فإنّه إذا لم يكن شرطا لم يكن

__________________

(١) توضيح الجواب : أنّ المكلّف المريد لإتيان الصلاة لا يخلو : إمّا أن يكون غافلا عن الطهارة الخبثيّة ، وإمّا أن يكون ملتفتا إليها ؛ فعلى الأوّل تصحّ صلاته ، وإن انكشف بعد الصلاة وقوعها في النجس ، لعدم اعتبار هذه الطهارة حينئذ ؛ وعلى الثاني فالشرط واقعا هو إحراز الطهارة ، لا وجودها الواقعيّ ، فتكون الصلاة مع إحراز الطهارة واجدة للشرط واقعا ، فيكفى للملتفت أن يحرز الطهارة بعلم أو أمارة أو أصل عمليّ أو قاعدة. وعليه يحسن تعليل عدم وجوب الإعادة بكونها نقضا لليقين بالشكّ ، حيث أنّ الملتفت في حال الصلاة كان شاكّا في بقاء الطهارة بعد ما كان متيقّنا بها قبل الدخول في العبادة ، ثمّ ظنّ إصابة النجاسة ، ولا عبرة بهذا الظنّ ، فيكون شاكّا في بقاءها ؛ وبما أنّه أحرز الطهارة بالاستصحاب حال الصلاة فتكون الإعادة منافية لحكم الشارع بالاستصحاب المحرز للطهارة ، ضرورة أنّه لا مجال للإعادة إلّا بعد الحكم بفقدان شرط الصلاة ، والحكم بفقدانه يبتني على عدم إجراء الاستصحاب ونقض اليقين السابق على الصلاة بالشكّ اللاحق ، وهو ينافي حكم الشارع بإجراء الاستصحاب المحرز.

(٢) وقد يجاب عن الإشكال بوجوه أخر :

منها : ما نقله الشيخ الأعظم من شريف العلماء ـ على ما في ضوابط الاصول : ٣٥٤ ـ ، وسيشير المصنّف رحمه‌الله إلى دفعه. وحاصله : أنّ التعليل يرجع إلى بيان صغرى الإجزاء ، حيث أنّ استصحاب الطهارة في حال العمل يثبت الطهارة الظاهريّة الّتي هي بمنزلة الطهارة الواقعيّة في ترتّب صحّة العمل عليها واقعا ، وإن انكشف خلافها. فرائد الاصول ٣ : ٦٠.

ومنها : ما التزم به المحقّق النائينيّ من أنّه يصحّ تطبيق التعليل على مورد الرواية ، سواء قلنا بأنّ العلم بالنجاسة مانع عن صحّة الصلاة ، أو قلنا بأنّ الشرط في صحّتها هو إحراز الطهارة ، أو قلنا بأنّ الشرط أعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة. راجع تفصيل كلامه في فوائد الاصول ٤ : ٣٤١ ـ ٣٤٨.

١٩٠

موضوعا لحكم (١) ، مع أنّها ليست بحكم ، ولا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم.

فإنّه يقال : إنّ الطهارة وإن لم تكن شرطا فعلا ، إلّا أنّها غير منعزلة عن الشرطيّة رأسا ، بل هي شرط واقعيّ اقتضائيّ ـ كما هو قضيّة التوفيق بين بعض الإطلاقات ومثل هذا الخطاب ـ ، هذا.

مع كفاية كونها من قيود الشرط حيث إنّه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا.

لا يقال : سلّمنا ذلك ، لكنّ قضيّته أن تكون علّة عدم الإعادة حينئذ بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هي إحراز الطهارة حالها باستصحابها (٢) ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع أنّ قضيّة التعليل أن تكون العلّة له هي نفسها لا إحرازها ، ضرورة أنّ نتيجة قوله : «لأنّك كنت على يقين ...» أنّه على الطهارة ، لا أنّه مستصحبها ، كما لا يخفى.

فإنّه يقال : نعم ، ولكنّ التعليل إنّما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ، لنكتة التنبيه على حجّيّة الاستصحاب ، وأنّه كان هناك استصحاب ، مع وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة ، وإلّا لما كانت الإعادة نقضا ، كما عرفت في الإشكال.

ثمّ إنّه لا يكاد يصحّ التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهريّ للإجزاء ، كما قيل (٣) ، ضرورة أنّ العلّة عليه إنّما هو اقتضاء ذلك الخطاب الظاهريّ حال الصلاة

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «فإنّها إذا لم تكن شرطا لم تكن موضوعة لحكم» ، فإنّ الضمائر البارزة والمستترة كلّها ترجع إلى الطهارة.

(٢) أي : حال الصلاة باستصحاب الطهارة.

(٣) إشارة إلى ما مرّ في التعليقة (٢) من الصفحة السابقة من الجواب عن إشكال تطبيق العلّة على المورد بوجه آخر. وهو ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٣ : ٦٠. ـ

١٩١

للإجزاء وعدم إعادتها ، لا لزوم النقض من الإعادة ، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ التعليل به (١) إنّما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهريّ للإجزاء ، بتقريب أنّ الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشكّ في الطهارة قبل الانكشاف وعدم حرمته (٢) شرعا ، وإلّا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لا يخفى ، مع اقتضائه شرعا أو عقلا ، فتأمّل (٣). ولعلّ ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على إجزاء الأمر الظاهريّ.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل.

مع أنّه لا يكاد يوجب الإشكال فيه والعجز عن التفصّي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب ، فإنّه لازم على كلّ حال ، كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين ، مع بداهة عدم خروجه منهما ، فتأمّل جيّدا.

[الخبر الثالث : صحيحة زرارة الثالثة]

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ، ويتمّ على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» (٤).

__________________

ـ وقال المحشيّ التنكابنيّ : «قد نسب ذلك إلى المحقّق شريف العلماء شيخ المصنّف» ، إيضاح الفرائد ٢ : ٥٣٧.

(١) أي : بقوله عليه‌السلام : «لأنّك كنت على يقين ...».

(٢) معطوف على «لنقض اليقين» ، أي : موجبة لعدم حرمة النقض شرعا.

(٣) وجه التأمّل أنّ اقتضاء الأمر الظاهريّ للإجزاء ليس بذاك الوضوح ، كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة ، كما لا يخفى. منه [أعلى الله مقامه].

(٤) لا يخفى : أنّ المصنّف قدس‌سره أسقط صدر الرواية. وإليك نصّها : «علي ابراهيم عن أبيه ، ومحمّد ابن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين ، وقد أحرز الثنتين؟ قال عليه‌السلام : ـ

١٩٢

[تقريب الاستدلال بها]

والاستدلال بها على الاستصحاب مبنيّ على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقا والشكّ في إتيانها (١).

[الإشكال في دلالتها]

وقد اشكل بعدم إمكان إرادة ذلك (٢) على مذهب الخاصّة ، ضرورة أنّ قضيّته (٣) إضافة ركعة اخرى موصولة ، والمذهب قد استقرّ على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة. وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علّمه الإمام عليه‌السلام من الاحتياط بالبناء على الأكثر ، والإتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة (٤).

__________________

ـ «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهّد ولا شيء عليه. وإذا لم يدر ...». وسائل الشيعة ٥ : ٣٢١ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(١) توضيح الاستدلال : أنّ المراد من «اليقين» في قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشكّ» هو يقين المصلّي بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ، فإنّه قبل عرض الشكّ كان متيقّنا بعدم الإتيان بها ، وبعد إحراز إتيان الركعة الثالثة شكّ في وجود الرابعة ، فلا ينقض اليقين بالشكّ ويبني على عدم الإتيان بالرابعة ، فيقوم ويضيف إليها ركعة اخرى.

(٢) أي : إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة.

(٣) أي : قضيّة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة.

(٤) هذا الإشكال أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ. وتوضيحه : أنّ في قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها اخرى» وجهين :

الأوّل : أن يكون المراد منه لزوم الإتيان بركعة متّصلة ، بلا تخلّل التشهّد والتسليم ، فحينئذ يمكن إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ، ويصحّ الاستدلال بها على اعتبار الاستصحاب ، إلّا أنّ مفادها ـ حينئذ ـ مخالف لمذهب الخاصّة الإماميّة وموافق لمذهب العامّة ، فإنّ مذهب الخاصّة هو البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بركعة اخرى منفصلة.

الثاني : أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها اخرى» لزوم الإتيان بركعة منفصلة ، كما هو المذهب الإماميّة. وعليه لا يمكن إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة ، بل يكون المراد من «اليقين» هو اليقين ببراءة الذمّة بالبناء على الأكثر ثمّ الإتيان بركعة اخرى منفصلة. وبعبارة اخرى : يكون المراد من قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ» لزوم ـ

١٩٣

ويمكن الذبّ عنه (١) : بأنّ الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة ، بل كان أصل الإتيان بها باقتضائه ، غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض ، وقد قام الدليل على التقييد في الشكّ في الرابعة وغيره ، وأنّ المشكوكة لا بدّ أن يؤتى بها مفصولة (٢) ، فافهم (٣).

__________________

ـ تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر وإتيان ركعة آخر منفصلة ، ضرورة أنّه يحصل اليقين بالبراءة بالكيفيّة المذكورة ، إذ على تقدير أن يكون المأتي به ثلاث ركعات تكون الركعة المنفصلة متمّمة لها ، وعلى تقدير أن يكون المأتي به أربع ركعات تكون الركعة المنفصلة نافلة. وعليه تكون الصحيحة دالّة على لزوم الاحتياط ، لا على حجّيّة الاستصحاب.

وبالجملة : فعلى الوجه الأوّل يصحّ الاستدلال بها على حجّيّة الاستصحاب ، ولكن يكون مفادها ـ حينئذ ـ مخالفا لمذهب الخاصّة. وعلى الوجه الثاني يكون مفادها موافقا لمذهب الخاصّة ، ولكن لا يصحّ الاستدلال بها على حجّيّة الاستصحاب. فرائد الاصول ٣ : ٦٢ ـ ٦٣.

(١) الضمير يرجع إلى الاستدلال. ومعنى الذبّ هو الدفع ، فيكون المعنى : ويمكن الدفاع والمحافظة عن الاستدلال بالرواية.

ويصحّ أيضا أن يقال : «يمكن ذبّه». وحينئذ يرجع الضمير إلى الإشكال ، أي : يمكن دفع الإشكال.

(٢) حاصل الجواب : أنّ لزوم الإتيان بالركعة مفصولة ـ كما هو مذهب الإماميّة ـ لا ينافي إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة وتطبيق الاستصحاب في المقام ، وانّما ينافي إطلاق دليله ـ أي الصحيحة ـ الّذي يدلّ على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ ولزوم الإتيان بركعة اخرى بلا قيد الاتّصال أو الانفصال. وحينئذ تأخذ قيد الانفصال من روايات أخر دالّة على وجوب البناء على الأكثر والإتيان بالمشكوك منفصلة. فلا مانع من جريان الاستصحاب بمقتضى إطلاق الصحيحة والجمع بين إطلاقها وهذه الروايات بتقييد إطلاقها بها والحكم بوجوب الإتيان بركعة اخرى منفصلة.

) ولا يخفى : أنّ المحقّق العراقيّ صحّح تطبيق الاستصحاب هاهنا ودفع الإشكال المذكور بوجوه أخر :

الأوّل : أنّه يمكن حمل قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشكّ» على التقيّة ، بأن يكون المراد به كبرى الاستصحاب وطبّقها الإمام عليه‌السلام على المورد من باب التقيّة.

الثاني : أنّ مقتضى الاستصحاب ليس إلّا لزوم الإتيان بركعة اخرى ، وأمّا كونها موصولة أو غير موصولة فلا يستفاد من الاستصحاب ولا من إطلاق دليله ، بل المتّبع في ذلك هو الدليل ـ

١٩٤

وربما اشكل أيضا (١) بأنّه لو سلّم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصّة الدالّة عليه في خصوص المورد ، لا العامة لغير مورد ، ضرورة ظهور الفقرات في كونها مبنيّة للفاعل ، ومرجع الضمير فيها هو المصلّي الشاكّ.

وإلغاء خصوصيّة المورد ليس بذاك الوضوح ، وإن كان يؤيّده تطبيق قضيّة «لا تنقض اليقين» وما يقاربها على غير مورد ، بل دعوى «أنّ الظاهر من نفس القضيّة هو أنّ مناط حرمة النقض إنّما يكون لأجل ما في اليقين والشكّ ، لا لما في المورد من الخصوصيّة ، وأنّ مثل اليقين لا ينقض بمثل الشكّ» غير بعيدة.

[الخبر الرابع : خبر محمّد بن مسلم]

ومنها : قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه ، فإنّ

__________________

ـ الدالّ على الحكم الواقعيّ ، وهو في نفسه يقتضي اتّصال أجزاء الصلاة وركعاتها ، فيقتضي كونها موصولة ، إلّا أنّ النصوص الواردة في باب الشكوك تدلّ على لزوم الفصل بالتشهّد والتسليم. ومرجع ذلك في الحقيقة إلى تخصيص دليل الحكم الواقعيّ المجهول ، لا إلى تخصيص الاستصحاب أو تقييد إطلاقه في المورد. وعليه فيطبّق الاستصحاب على المورد بلا محذور.

الثالث : أنّ المتيقّن في المقام ليس عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، كي يتأتّى الحديث السابق ، بل المتيقّن هو الاشتغال بالتكليف بالصلاة ، فشكّ في ارتفاعه بإتيان الركعة المردّدة بين كونها الثالثة والرابعة ، فقال عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها اخرى ، ولا ينقض اليقين بالشكّ». وغرضه عدم نقض اليقين بالاشتغال بالشكّ فيه. وإذا بنى على اشتغال ذمّته بالصلاة يلزم عليه إتيان ركعة اخرى ، غاية الأمر أنّ الصحيحة ساكتة عن كونها متّصلة أو منفصلة ، فيرجع إلى الأدلّة الخاصّة ويستفاد منها لزوم إتيانها منفصلة. راجع نهاية الأفكار ٤ : ٥٩ و ٦٢.

وقد تصدّى بعض آخر من الأعلام أيضا إلى دفع الإيراد بوجوه أخر ، تركناها خوفا من التطويل ، وإن شئت فراجع فرائد الاصول ٣ : ٦٥ ـ ٦٦ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٦٢ ـ ٣٦٤ ، مصباح الاصول ٣ : ٦٣ ، الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ١٠٤ ـ ١٠٦.

(١) هذا الإشكال من الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٣ : ٦٤ ـ ٦٥.

١٩٥

الشكّ لا ينقض اليقين» أو «فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» (١).

وهو وإن كان يحتمل قاعدة اليقين ، لظهوره في اختلاف زمان الوصفين ، وإنّما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ، ضرورة إمكان اتّحاد زمانهما ، إلّا أنّ المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة. ولعلّه (٢) بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقّن من نحو من الاتّحاد ، فافهم. هذا مع وضوح أنّ قوله : «فإنّ الشكّ لا ينقض ... إلخ» هي القضيّة المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (٣).

__________________

(١) لا يخفى : أنّ ما نقله المصنّف قدس‌سره لا يوافق نصّ الروايتين ، وإليك نصّهما :

محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من كان على يقين فشكّ ، فليمض على يقينه ، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين». الخصال : ٦١٩.

وفي رواية اخرى عنه : «من كان على يقين ، فأصابه شكّ ، فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ». الإرشاد (للمفيد) ١ : ٣٠٢.

(٢) أي : لعلّ التعبير عن الاستصحاب بلفظ يكون ظاهرا في قاعدة اليقين ...

(٣) يلخّص ما أفاده ذيل أمرين :

الأوّل : ما أفاد بقوله : «وهو وإن كان يحتمل ... اتّحاد زمانهما». بيان ذلك : أنّ الروايتين ظاهرتان في قاعدة اليقين ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «فأصابه شكّ» أو «فشكّ» ظاهر في اختلاف زمان حصول وصفي اليقين والشكّ ، فإنّ الفاء العاطفة ظاهرة في التعقيب. ومن المعلوم أنّ اختلاف زمان الوصفين مع اتّحاد متعلّقهما يناسب قاعدة اليقين ، فلا تفيد الاستصحاب ، بل تكون الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه.

وهذا ما استظهره الشيخ الأعظم ، ثمّ أفاد : أنّ قوله عليه‌السلام : «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» ظاهر في الاستصحاب. فرائد الاصول ٣ : ٦٩ ـ ٧٠.

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «إلّا أنّ المتداول ...». وهو أنّه يمكن دعوى دلالة الرواية على الاستصحاب ، لأنّ اليقين طريق إلى المتيقّن ، ومن المتداول في التعبير عن سبق المتيقّن على المشكوك فيه هو التعبير بسبق اليقين على الشكّ. ولعلّ الوجه في التعبير عنه بسبق اليقين على الشكّ هو ما بين اليقين والمتيقّن من نحو الاتّحاد ، فيكون مراده سبق المتيقّن على المشكوك ، وهو يناسب الاستصحاب.

مضافا إلى أنّ ذيل الرواية قرينة على إرادة الاستصحاب ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «فإنّ الشكّ ـ

١٩٦

[الخبر الخامس : خبر الصفّار]

ومنها : خبر الصفّار عن عليّ بن محمّد القاسانيّ. قال : كتبت إليه ـ وأنا بالمدينة ـ عن اليوم الّذي يشكّ فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب : «اليقين لا يدخل فيه الشكّ ، صم للرؤية وافطر للرؤية» (١).

__________________

ـ لا ينقض اليقين» استعمل في كثير من الأخبار واريد منه الاستصحاب.

ولا يخفى : أنّ بعض الأعلام ذكر وجوها أخر في تقريب الاستدلال بها :

منها : أنّ قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه» ظاهر في لزوم المضيّ على اليقين بعد فرض وجوده وانحفاظه في زمان العمل ، وهو لا ينطبق إلّا على الاستصحاب ، ضرورة عدم وجود يقين فعليّ في مورد القاعدة ، كي يؤمر بالبناء عليه ، بل كان يقين وقد زال بالشكّ الساري.

وهذا ما أفاده المحقّقان النائينيّ والعراقيّ والسيّد المحقّق الخوئيّ. راجع فوائد الاصول ٤ : ٣٦٥ ، نهاية الأفكار ٤ : ٦٤ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٧٨.

ومنها : أنّ متعلّق اليقين لا يكون مقيّدا بالزمان ، فيكون معنى قوله عليه‌السلام : «من كان على يقين» هو اليقين بشيء ، لا اليقين بشيء مقيّدا بالزمان. وعليه فيكون الشكّ في الزمان اللاحق متعلّقا بهذا الشيء من غير تقييده بالزمان ، فكأنّه قال : «إذا كنت في الزمان السابق متيقّنا بعدالة زيد ثمّ أصابك شكّ فيها في الزمان اللاحق فلتمض على يقينك». ولا إشكال في ظهور هذا الكلام في الاستصحاب. وهذا ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ في الرسائل ١ : ١٠٨.

ومنها : أنّ اليقين والشكّ المأخوذين في الرواية ظاهران في الفعليّ منهما ، فيكون معنى الرواية : أنّه لا يدفع بالشكّ الفعليّ اليقين الفعليّ ، وهذا يناسب الاستصحاب. وهذا ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ أيضا في الرسائل ١ : ١٠٨.

وناقش السيّد الخوئيّ في الاستدلال بالرواية سندا ، حيث كان في سنده قاسم بن يحيى ، وهو غير موثوق عند أهل الرجال. راجع موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٧٩.

(١) وسائل الشيعة ٧ : ١٨٤ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

وهذا الحديث جعلها الشيخ الأنصاريّ من أظهر روايات الباب في الدلالة على حجّيّة الاستصحاب. فرائد الاصول ٣ : ٧١.

ولكنّ المصنّف قدس‌سره ناقش في دلالتها ـ كما يأتي ـ. وحاصل المناقشة : أنّ دلالتها على الاستصحاب موقوفة على أن يكون المراد من «اليقين» في قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخل فيه الشكّ» اليقين بعدم دخول رمضان وعدم دخول شوّال ، كي يكون مفاده عدم نقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق. ولكن لا يبعد أن يكون المراد به اليقين بدخول رمضان ـ المنوط به ـ

١٩٧

حيث دلّ على أنّ اليقين بالشعبان لا يكون مدخولا بالشكّ في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ، ويتفرّع عليه عدم وجوب الصوم (١) إلّا بدخول شهر رمضان.

وربّما يقال : إنّ مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشكّ تشرف [على] القطع (٢) بأنّ المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان ، وأنّه لا بدّ في وجوب الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأين هذا من الاستصحاب؟! فراجع ما عقد في الوسائل (٣) لذلك من الباب تجده شاهدا عليه.

[الخبر السادس والسابع والثامن : أخبار الحلّ والطهارة]

ومنها قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٤) ، وقوله عليه‌السلام : «الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه نجس» (٥) ، وقوله عليه‌السلام : «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه

__________________

ـ وجوب الصوم ـ أو اليقين بخروجه ودخول شوّال ـ المنوط به وجوب الإفطار ـ. ويؤيّده ورود هذا المضمون في جملة من الأخبار الواردة في يوم الشكّ ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام : «إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، وليس بالرأى ولا بالتظنيّ ، ولكن بالرؤية» ، وقوله عليه‌السلام : «صم للرؤية وافطر للرؤية. وايّاك والشكّ والظنّ». وسائل الشيعة ٧ : ١٨٢ و ١٨٤ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ٢ و ١١.

(١) وفي بعض النسخ : «ويتفرّع عدم وجوب الصوم» ، وفي بعض آخر : «ويتفرّع مع عدم وجوب الصوم لا بدخول ...». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ. وفي بعض آخر : «بشرف القطع» ، وفي بعض آخر :

«يشرف على القطع». وما أثبتناه هو الصحيح.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ١٨٢ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٤) هذا مضمون كلامه عليه‌السلام ، وإليك نصّ الرواية : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك». وسائل الشيعة ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

(٥) هذا مضمون الرواية. وإليك نصّها : «كلّ ماء طاهر إلّا ما علمت أنّه قذر». وسائل الشيعة ١ : ٩٩ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

وفي رواية : «الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر». وسائل الشيعة ١ : ١٠٠ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

١٩٨

حرام» (١).

وتقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال : إنّ الغاية فيها إنّما هي لبيان استمرار ما حكم [به] (٢) على الموضوع واقعا ـ من الطهارة والحلّيّة ـ ظاهرا (٣) ، ما لم يعلم بطروء ضدّه (٤) أو نقيضه (٥) ، لا لتحديد الموضوع ، كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شكّ في طهارته أو حلّيّته ؛ وذلك لظهور المغيّى فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها ، لا بما هي مشكوكة الحكم ، كما لا يخفى ؛ فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة (٦) ولا الاستصحاب ، إلّا أنّه بغايته دلّ على الاستصحاب ، حيث إنّها ظاهرة في استمرار ذلك الحكم الواقعيّ ظاهرا ما لم يعلم بارتفاعه بطروء ضدّه أو نقيضه.

كما أنّه لو صار مغيّا لغاية ـ مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة ـ لدلّ على استمرار ذاك الحكم واقعا ، ولم يكن له حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب (٧).

__________________

(١) هذا أيضا مضمون الرواية. وإليك نصّها : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه». وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ. والأولى إثباته.

(٣) وبتعبير أوضح : إنّ الغاية في الرواية انّما هي لبيان استمرار الحكم الواقعيّ الثابت للشيء ـ من الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين ـ ظاهرا.

فقوله : «واقعا» قيد لما حكم به على الموضوع. وقوله : «ظاهرا» قيد للاستمرار.

(٤) كما إذا علم بحرمة شيء بعد العلم بحلّيته ، حيث أنّ الحرمة والحلّيّة ضدّان.

(٥) كما إذا علم بنجاسة شيء بعد العلم بطهارته ، بناء على كون الطهارة أمرا عدميّا ، أي : عدم القذارة.

(٦) أي : قاعدة الطهارة أو قاعدة الحلّيّة.

(٧) لا يخفى : أنّ الاحتمالات المتصوّرة في دلالة مثل هذه الأخبار ستّة :

الأوّل : أن يكون المراد منها قاعدة الطهارة الظاهريّة ، وقاعدة الاستصحاب. وهذا ما ذهب إليه صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٣٧٣.

الثاني : أنّ المراد منها جعل الطهارة الواقعيّة للأشياء ما لم يعلم النجاسة. وهذا مذهب المحقّق البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١ : ١٣٦.

١٩٩

ولا يخفى : أنّه لا يلزم على ذلك (١) استعمال اللفظ في معنيين أصلا (٢) ؛ وإنّما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه ، لتدلّ على القاعدة والاستصحاب من غير تعرّض لبيان الحكم الواقعيّ للأشياء أصلا ، مع وضوح ظهور مثل «كلّ شيء حلال أو طاهر» في أنّه لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأوّليّة ، وهكذا : «الماء كلّه طاهر» ، وظهور الغاية في كونها حدّا للحكم لا لموضوعه (٣) ، كما لا يخفى ، فتأمّل جيّدا.

__________________

ـ الثالث : أن يكون المراد منها جعل الاستصحاب فقط ، بأن يكون معناها : أنّ كلّ شيء طهارته مستمرّة إلى زمان العلم بنجاسته. وهذا ما يدّعيه الشيخ الأنصاريّ في خصوص رواية حمّاد. راجع فرائد الاصول ٣ : ٧٧.

الرابع : أن يكون المراد بها جعل الطهارة والحلّيّة الظاهريّتين. ويعبّر عنهما بقاعدة الطهارة وقاعدة الحلّيّة. وهذا ما ذهب إليه المشهور. وتبعه كثير من المعاصرين ، كالمحقّق النائينيّ والمحقّق العراقيّ والسيّدين العلمين الخمينيّ والخوئيّ. راجع فوائد الاصول ٤ : ٣٦٧ ، نهاية الأفكار ٤ : ٧١ ـ ٧٢ ، الرسائل ١ : ١١٣ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٨٩.

الخامس : أن يكون المراد بها الطهارة الواقعيّة والظاهريّة والاستصحاب. وهذا مختار المصنّف قدس سره في درر الفوائد : ٣١٢.

السادس : أن يكون المراد بها الطهارة الواقعيّة والاستصحاب ، بأن يكون المغيّا إشارة إلى الطهارة الواقعيّة وأنّ كلّ شيء بعنوانه الأوّلي طاهر ، ويكون قوله عليه‌السلام : «حتّى تعلم» إشارة إلى الاستصحاب واستمرار الحكم الواقعيّ ظاهرا إلى زمان العلم بالنجاسة. وهذا مختار المصنّف قدس‌سره في المقام.

وتفصيل البحث حول الاحتمالات المذكورة وبيان المناقشة فيها خارج من المقصود. وسنذكر بعض ما ورد على مختار المصنّف في المقام. وإن شئت الاطّلاع على تفاصيل ما أفاده الأعلام في المقام من النقض والإبرام فراجع فرائد الاصول ٣ : ٧٠ ـ ٧٣ ، درر الفوائد (للمصنّف) : ٣١٢ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٦٦ ـ ٣٧٢ ، نهاية الأفكار ٤ : ٦٧ ـ ٧٥ ، الرسائل ١ : ١١١ ـ ١١٣ ، مصباح الاصول ٣ : ٦٩ ـ ٧٥ ، وغيرها من المطوّلات.

(١) أي : بناء على دلالة المغيّى على الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين ودلالة الغاية على الاستصحاب.

(٢) لأنّ الرواية تدلّ على القاعدتين والاستصحاب بتعدّد الدالّ والمدلول ، فلا يلزم استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى.

(٣) الجملة معطوفة على قوله : «مع وضوح ظهور مثل ...». ومعنى العبارة هكذا : ومع وضوح ـ

٢٠٠