تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٣

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٣

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

الحجّ (١) فنازعه قثم بن العباس فسعى (٢) بينهما أبو سعيد الخدري وغيره ، فاصطلحا على أن يقيم الحجّ شيبة بن عثمان ويصلّي بالناس.

أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ، ابنا البنّا ، أنبأ علي الحنبلي ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار ، حدّثني يعقوب بن محمّد بن عيسى الزهري ، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز الحجبي ، قال : خرج شيبة بن عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان معه حليفه أبو تجراة (٣) في أمر سعد بن طلحة ليفسح عنه الجلد ، وكان قد جلد بمكة فقال شيبة بن عثمان :

تزوج أبا تجراة من تك أهله

بمكة يظعن وهو للظلّ آلف

ويصبر على حرّ الهواجر والسرى

ويدفي القناع وهو أشعث صائف

قال : ونا الزبير ، قال : وسمعت عمي مصعب بن عبد الله ، ومحمّد بن الضحاك وغيرهما من رواة قريش يروونها لعمارة بن الوليد ، ويقولون : ويدفي القناع وهو أشوس كاشف.

ويزيدون فيها :

لعلك يوما أن تقول وقد بدا

من البلد الغور الهام معارف

لفتيان صدق إنني متعجل

على ذات لون والموطئ خواسف

قال : ونا الزبير ، قال : وحدّثني يعقوب بن محمّد بن عيسى ، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز الحجبي ، قال : قال شيبة في ذلك :

وهاجرة قنعت رأسي بحرها

أخاف على سعد هوان المضاجع

أخبرناها أبو غالب ، وأبو عبد الله ، قالا : أنبأ أبو جعفر ، أنا أبو طاهر ، أنا أبو عبد الله أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار (٤) قال : حدّثني يعقوب بن محمّد بن عيسى ، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز الحجبي ، قال : خرج شيبة بن عثمان بن أبي طلحة (٥) إلى معاوية بن أبي سفيان ومعه حليفه أبو تجراة في أمر سعد بن طلحة ليفسح

__________________

(١) عن خليفة ، وبالأصل : الحجاج.

(٢) في خليفة : فسفر بينهما.

(٣) ضبطت عن الإصابة بكسر المثناة وسكون الجيم.

(٤) الخبر نقله ابن حجر في الإصابة ٤ / ٢٦ في ترجمة أبي تجراة باختصار.

(٥) «بن أبي طلحة» مكررة بالأصل.

٢٦١

عنه الحدّ ، وكان قد حدّ بمكّة ، فقال شيبة بن عثمان (١) :

تزوج أبا تجراة من تك أهله

بمكة يظعن وهو للظل آلف

ويصبر على حرّ الهواجر والسرى

ويدفي القناع وهو أشعث صائف

لعلك يوما أن تقول وقد بدا

من البلد الغور التهام عوارف

لفتيان صدق إنّي مستعجل

على ذات لوث والمطي عواصف

وقال أيضا ذلك شيبة بن عثمان :

وهاجرة قنعت رأسي بحرها (٢)

أخاف على سعد هوان المضاجع

والذي كنت أسمع من مشيخة قريش غيرهم أن قائل :

تزوج أبا تجراة من تك أهله

بمكة يظعن وهو للظل آلف

وتصبر على حر الهواجر والسرى

ويدفي القناع وهو أشوس كاشف

عمارة بن الوليد بن المغيرة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، وأبو العزّ الكيلي ، قالا : أنا أبو طاهر الباقلاني ـ زاد الأنماطي : وأبو الفضل بن خيرون ، قالا : ـ أنا محمّد بن الحسن بن أحمد ، أنا محمّد بن أحمد بن إسحاق ، أنا عمر بن أحمد بن إسحاق ، أنا خليفة بن خياط (٣) ، قال : عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ، أمّه امرأة من الأنصار ، وابنه شيبة بن عثمان ، أمّه أمّ جميل ، واسمها هند بنت عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ، هي أخت مصعب بن عمير ، مات بمكة سنة سبع وخمسين.

قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن ، عن أبي تمام علي بن محمّد ، أنا أحمد بن عبيد بن الفضل بن بيري ، أنا محمّد بن الحسين بن محمّد الزعفراني ، نا أبو بكر بن أبي خيثمة ، أنا المدائني ، قال : توفي شيبة بن عثمان سنة ثمان وخمسين.

قرأت على أبي محمّد السلمي ، عن أبي محمّد التميمي ، أنا مكي بن محمّد بن

__________________

(١) البيتان الأول والثاني في الإصابة باختلاف بعض الألفاظ.

(٢) في الإصابة : نحوها.

(٣) طبقات خليفة بن خيّاط ص ٤٤ رقم ٧٣ و ٤٥ رقم ٧٤.

٢٦٢

الغمر (١) ، أنا أبو سليمان بن زبر ، قال : قال الهيثم : ففيها ـ يعني سنة تسع وخمسين ـ مات شيبة بن عثمان ، وجبير بن مطعم ، وذكر ابن زبر أن أباه أخبره عن أحمد بن عبيد بن ناصح ، عن الهيثم بذلك.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى التستري ، أنا خليفة العصفري ، قال : وفيها ـ يعني سنة تسع وخمسين ـ مات شيبة بن عثمان (٢).

وقال في موضع آخر (٣) : شيبة بن عثمان أدرك يزيد بن معاوية (٤).

٢٧٧٧ ـ شيبة بن عثمان

سمع الأوزاعي ، له ذكر.

قرأت بخط أبي القاسم عبد الله بن أحمد السّلمي ، وذكر أنه نقله من خطّ أبي الحسين محمّد بن عبد الله الرازي.

أخبرني محمّد بن يوسف بن بشر الهروي ، نا محمّد بن مهدي بن جعفر ، نا عمرو ـ يعني ابن أبي سلمة ـ أنا القاسم ، قال : قدمت أنا وشيبة بن عثمان إلى السّاحل فأهدى شيبة للأوزاعي قارورة من بان ، قال : فقبلها منه الأوزاعي ، قال : ثم سأل الأوزاعي أن يعرض عليه الدفتر الذي رفعه عمرو إلى الأوزاعي ، قال : فلما أجابه الأوزاعي إلى ذلك ردّ عليه الهدية القارورة البان.

٢٧٧٨ ـ شيبة بن أبي مالك البيروتي

حدّث عن : عقبة بن أبي علقمة البيروتي ، ومحمّد بن سعيد بن شابور ، والوليد بن مسلم ، وأبي مسهر الدمشقي.

روى عنه : أبو الحسين أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي.

__________________

(١) بالأصل : العز ، خطأ ، والصواب ما أثبت. وقد مرّ هذا السند كثيرا.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط ص ٢٢٦ ، وفي طبقاته ذكر خليفة ص ٤٥ رقم ٧٤ أنه مات سنة سبع وخمسين بمكة.

(٣) انظر تاريخ خليفة ص ٢٥١.

(٤) عن خليفة وبالأصل : عثمان خطأ.

٢٦٣

٢٧٧٩ ـ شيبة بن مساور الواسطي ، ويقال : المكي

روى عن : ابن عباس ، وعبد الله بن عبيد ، وعمر بن عبد العزيز.

روى عنه : عبيد الله بن عمر بن حفص ، وعبد الكريم أبو أمية ، وعبّاد بن أبي علي ، وسفيان بن حسين.

ووفد على عمر بن عبد العزيز ، وسمع خطبته.

أخبرنا أبو المعالي محمّد بن إسماعيل بن محمّد ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، قالا : أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، نا يعقوب بن سفيان (١) ، حدّثني ابن بكير ، حدّثني الليث ، عن عبد العزيز ـ زاد البيهقي : بن أبي سلمة ـ عن عبيد الله بن عمر بن حفص ، عن رجل من أهل واسط يقال له شيبة بن مساور ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يحدّث أن ـ وقال أبو المعالي : يحدث حين ـ وقالا : استخلف وجلس على المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإن الله لم يرسل رسولا بعد رسولكم ، ولم ينزل بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتابا ، فما أحل الله على لسان رسوله فهو حلال إلى يوم القيامة ، وما حرّم على لسان رسوله فهو حرام إلى يوم القيامة ، ألا وإنني لست بمبتدع ، ولكني متبع ، لست بقاض ولكني منفّذ ، ولست بخير من واحد منكم ، ولكني أثقلكم حملا ، ألا وأنه ليس لأحد أن يطاع في معاصي الله ، ألا هل أسمعت ألا هل أسمعت (٢)؟

رواه الثقفي عن عبيد الله .... (٣).

أخبرناه أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الأصبهاني ـ شفاها ـ قالا : أنا منصور بن الحسين ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، أنا أبو عروبة ، نا محمّد بن بشار ، نا عبد الوهاب ، نا عبيد الله بن عمر ، عن عمر بن عبد العزيز أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه.

وقال : أمّا بعد أيّها الناس إنه لم يبعث نبي بعد نبيّكم ، ثم ذكر نحوه.

__________________

(١) الخبر في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٧٤.

(٢) الخطبة وردت في طبقات ابن سعد ٥ / ٣٤٣ باختلاف ، وانظر البداية والنهاية ٩ / ١٩٩ وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص ٦٩.

(٣) كلمة غير مقروءة رسمها : فففسر؟؟.

٢٦٤

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك ، أنا أبو الحسن بن السّقّاء ، نا محمّد بن يعقوب الأصم ، ثنا عباس بن محمّد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : شيبة بن مساور واسطي ، روى عنه سفيان بن حسين ، وعبيد الله بن عمر.

أنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمّد بن علي ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أحمد ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمّد بن سهل ، أنا محمّد بن إسماعيل (١) قال : شيبة بن مساور ، عن عبد الله بن عبيد ، أن (٢) عبيدا (٣) الليثي رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكل خبزا ولحما ثم صلّى ، ولم يتوضأ ، قاله لي زكريا ، عن الحكم بن المبارك.

سمع علي بن عبد الله الرازي ، عن عبد الكريم ، عن شيبة.

قال أبو الغنائم ـ في نسخة غير سماع له ـ أن عبيد الليثي رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ـ في نسخة ما شافهني به أبو عبد الله الخلّال ـ أنا أبو القاسم بن منده ، أنبأ أبو علي ـ إجازة ـ.

ح قال : ونا أبو طاهر ، أنا علي بن محمّد ، قالا : أنا أبو محمّد بن أبي حاتم (٤) ، قال : شيبة بن مساور المكّي ، روى عن عبد الله بن عبيد (٥) أن عبيدا (٦) الليثي رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكل خبزا.

قال : وروى هشام الدستوائي ، عن عبّاد (٧) بن أبي علي ، عن شيبة بن مساور ، عن ابن عباس.

لم يقل : المكي ، إلّا أن ابن أبي حازم (٨).

__________________

(١) التاريخ الكبير ٤ / ٢٤٢.

(٢) بالأصل : أبي ، والمثبت عن البحلية البخاري.

(٣) بالأصل : عبيد.

(٤) عن البخاري وبالأصل : «أن».

وسينبه المصنف إلى رواية لأبي الغنائم في آخر الخبر أن عبيد الليثي رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) الجرح والتعديل ٤ / ٣٣٦.

(٦) بالأصل : «عبيد الله بن عمير» والمثبت عن الجرح والتعديل.

(٧) بالأصل : عبيد.

(٨) كذا العبارة بالأصل.

٢٦٥

٢٧٨٠ ـ شيبة بن الوليد بن سعيد

أبو محمّد العثماني القرشي (١)

حكى عن أبيه وجدّه لأمّه علي بن العجلان ، وعمّه خالد بن سعيد.

روى عنه إسماعيل بن أبان بن حويّ ، وأبو داود السّجستاني سليمان بن الأشعث ، وأبو طالب عبد الله بن أحمد بن سوادة ، وأحمد بن المعلّى بن يزيد القاضي.

وقد سبقت له حكاية في هدم الوليد الكنيسة وبنائها مسجدا.

قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني محمّد بن أحمد بن مروان ، نا أحمد بن المعلّى ، نا إسماعيل بن أبان بن حوي ، حدّثني شيبة بن الوليد ، أبو محمّد القرشي ، قال :

لما صار أبو جعفر الخليفة (٢) إلى الرقة ، دعا بعبد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فضرب عنقه وصلبه ، وكانت امرأة عبد الله بن معاوية صفية ابنة إسحاق بن مسلم العقيلي ، فلما فعل ذلك بزوجها ، أتت أباها إسحاق بن مسلم ، وكانت له من [أبي] جعفر ناحية ـ وكان من خاصته ـ فقالت : يا أبة قد فعل بصهرك ما ترى ، وأنه يسمج بك أن يمر المارّ فيرى سوأته على الخشبة بادية ، فقال لها : تريدين ما ذا؟ قالت : تكلم أبا جعفر يهبه لك فتنزله فتدفنه ، قال : ما لي إلى ذلك سبيل ، قال : فلما أبي عليها وجنّها الليل أخذت جواريها وكساء خزّ ثم أتت الخشبة فوضعتها بالأرض ، ثم أخذته فأدرجته في الكساء ، ثم حمّلته جواريها حتى أتت به منزلها ، فحفرت له تحت فراشها ثم دفنته وردّت الفراش مكانه ، فلما أصبح أبو جعفر وفقد عبد الله قيل له فيه ، وأخبر بذهابه فجمع أبو جعفر وجوه أهل الرقة وأشرافهم ثم أعطى الله عهدا لئن لم تجيئوني بخبر عبد الله بن معاوية لأضربن رقابكم ، قال : وجعل جلّ نظره وكلامه إلى إسحاق بن مسلم ، قال : فخرجوا من عنده وقد طارت عقولهم ، قال : فأتى إسحاق بن مسلم ابنته فقال : أي بنية ، إنه قد كان من امر ابني جعفر كيت وكيت وقد حمل عليّ من بينهم ،

__________________

(١) بالأصل : الخليط.

(٢) زيادة منا لازمة.

٢٦٦

واتّهمني لصهره إياي ، فهل عندك له خبر؟ فقالت : أما أنه لو كان حيا لأجابك ، ولو أن روحه في جسده لسمع كلامك هو تحت الفراش ، وأخبرته الخبر ، والذي صنعت ، فلما كان من الغد غدا أشراف أهل الرقّة ولا يشكون في القتل ، فلما دخلوا عليه جثا إسحاق بن مسلم بين يدي أبي جعفر فأخبره خبره وبما صنعت ابنته ، فلما فهم قوله ، قلب وجهه عنه وصرف حديثه إلى غيره ، وتركه وأصحابه ، ولم يعرض لعبد الله ولا لإمرأته.

٢٦٧

ذكر من اسمه شيث

٢٧٨١ ـ شيث ويقال : شبيث بن آدم ، واسمه هبة الله (١)

يقال : إن قبره بالبقاع.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف بن بشر ، نا أبو محمّد حارث بن أبي أسامة ، نا أبو عبد الله محمّد بن سعد (٢) ، أنا هشام بن محمّد ، عن أبيه وغيره ، قال : شيث وهو هبة الله بن آدم.

قال : وأنا هشام بن محمّد ، أخبرني أبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس (٣) قال : خرج آدم من الجنة بين الصلاتين : صلاة الظهر وصلاة العصر ، فأنزل إلى الأرض ، وكان مكث في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة ، وهي خمس مائة سنة من يوم كان مقداره اثني عشر (٤) ساعة ، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا ، فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له : نود (٥) ، وأهبطت حواء بجدّة فنزل آدم معه ريح الجنة تعلق بشجرها وأوديتها ، فامتلأ ما هنالك طيبا ، فمن ثمّ نؤتى بالطيب من ريح آدم ، وقالوا : أنزل معه من طيب الجنة أيضا ، وأنزل معه الحجر الأسود ، وكان أشد بياضا من الثلج ، وعصا موسى ، وكانت من آس

__________________

(١) اسم هبة الله مشتق من هابيل ، ذكر الطبري أن جبريل قال لحواء حين ولدته : هذا هبة الله بدل هابيل.

وهو بالعربية شثّ ، وبالسريانية : شاث ، وبالعبرانية : شيث (الطبري ١ / ١٥٢).

(٢) الخبر في طبقات ابن سعد ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) بالأصل : عياش خطأ والصواب ما أثبت عن ابن سعد.

(٤) كذا بالأصل ، وصوابه : اثنتي عشرة ساعة.

(٥) في ابن سعد : نوذ.

٢٦٨

الجنة ، طولها عشرة أذرع على طول موسى ، ومرّ ولبان ، ثم أنزل عليه بعد : العلاة ، والمطرقة ، والكلبتان (١) ، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال : هذا من هذا ، فجعل يكسر أشجارا قد عتقت ويبست بالمطرقة ، ثم أوقد على ذلك الغصن حتى ذاب ، فكان أول شيء ضرب منه مدية ، فكان يعمل بها ، ثم ضرب التنور ، وهو الذي ورثه نوح ، وهو الذي فار بالهند بالعذاب ، فلما حجّ آدم ، وضع الحجر الأسود على أبي قبيس فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم ، كما يضيء القمر ، فلما كان قبل الإسلام بأربع سنين وقد كان الحيّض والجنب يصمدون (٢) إليه فيمسحونه ، فاسودّ فأنزلته قريش من أبي قبيس ، وحجّ آدم من الهند إلى مكّة أربعين حجّة على رجليه ، وكان آدم حين أهبط يمسح رأسه السماء ، فمن ثمّ صلع ، وأورث ولده الصّلع ، ونفرت من طوله دوابّ البر ، فصارت وحشا من يومئذ فكان آدم وهو على ذلك الجبل فإنه يسمع صوت الملائكة ، ويجد من ريح الجنة ، فحطّ من طوله ذلك إلى ستين ذراعا ، فكان ذلك طوله حتى مات ، ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلّا ليوسف ، وأنشأ آدم يقول : رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ، ولا رقيب دونك ، آكل فيها رغدا ، وأسكن حيث أحببت ، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدّس ، فكنت أسمع أصوات الملائكة ، وأراهم كيف يحفّون بعرشك ، وأجد ريح الجنة وطيبها ، ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا ، فقد انقطع عني الصوت والنظر ، وذهب عني ريح الجنة.

فأجابه الله : لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك ، فلما رأى الله عزوجل عري آدم ، أمره أن يذبح اثنان من الثمانية الأزواج التي أنزل الله عزوجل من الجنة ، فأخذ آدم كبشا فذبحه ، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجه هو وحواء ، فنسج آدم جبة وجعل لحواء درعا وخمارا فلبساه ، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت جمعا وتعارفا بعرفة فسميت عرفة ، وبكيا على ما فاتهما مائتي سنة ، لم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود ـ الجبل الذي أهبط عليه آدم ـ ولم يقرب حواء مائة سنة ، ثم قربها فحملت أول بطن ، فولدت قابيل وأخته لبود توأمته ، ثم حملت فولدت هابيل وأخته إقليما توأمته ، فلما بلغوا أمر الله آدم أن يزوج البطن الأول البطن الثاني ، والبطن الثاني البطن الأول ،

__________________

(١) بالأصل : والكلبتين ، خطأ.

(٢) ابن سعد : «يصعدون» وفي اللسان : صمده وصمد إليه : قصده.

٢٦٩

تخالف بين البطنين في النكاح ، وكانت أخت قابيل حسنة ، وأخت هابيل قبيحة ، فقال آدم لحواء الذي أمر به ، فذكرته لابنيها فرضي هابيل ، وسخط قابيل ، وقال : لا والله ما أمر الله بهذا قط ، ولكن هذا عن أمرك يا آدم ، فقال آدم : فقرّبا قربانكما (١) كان أحق بها ، أنزل الله عزوجل نارا من السماء فأكلت قربانه ، فرضيا بذلك ، فغدا هابيل وكان صاحب ماشية ، بخير غداء غنمه وزبد ولبن ، وكان قابيل زراعا فأخذ طنا من شرّ زرعه ، ثم صعدا (٢) الجبل ـ يعني نود ـ وآدم معهما ، فوضعا القربان ودعا آدم ربّه وقال قابيل في نفسه : ما أبالي أيقبل مني أم لا ، لا ينكح هابيل أختي أبدا ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، ونخست قربان قابيل لأنه لم يكن زاكي القلب ، فانطلق هابيل ، فأتاه قابيل وهو في غنمه فقال : لأقتلنك ، قال : لم تقتلني؟ قال : لأن الله تقبّل منك ، وردّ علي قرباني ونكحت أختي الحسنة ، ونكحت أختك القبيحة ، وتتحدث الناس بعد اليوم أنك كنت [خيرا](٣) مني فقال له هابيل : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ)(٤).

أمّا قوله : بإثمي ، تقول : تقتلني إذا قتلتني إليّ إثمك الذي كان عليك قبل أن تقتلني ، فقتله فأصبح من النادمين ، فتركه لم يوار جسده ، (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(٥) ، فكان قتله عشية ، وغدا إليه غدوة لينظر ما فعل ، فإذا هو بغراب حيّ يبحث على غراب ميت ، فقال : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)(٦) كما يواري هذا سوأة أخيه ، فدعا بالويل ، وأصبح من النادمين ، ثم أخذ قابيل بيد أخته ثم هبط بها من الجبل ـ يعني نود ـ إلى الحضيض ، فقال آدم إلى (٧) قابيل : اذهب فلا تزال مرعوبا أبدا لا تأمن من تراه ، فكان لا يمرّ به أحد من ولده إلّا رماه ، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له ، فقال للأعمى (٨) ابنه :

__________________

(١) كذا ، وفي ابن سعد : «فقربا قربانا فأيكما كان أحق بها» وهو أظهر.

(٢) بالأصل : صعد.

(٣) زيادة للإيضاح عن ابن سعد.

(٤) سورة المائدة ، الآيتان : ٢٨ ـ ٢٩.

(٥) سورة المائدة ، الآية : ٣١.

(٦) سورة المائدة ، الآية : ٣١.

(٧) كذا بالأصل : إلى قابيل.

(٨) بالأصل : الأعمى ، والمثبت عن ابن سعد.

٢٧٠

هذا أبوك قابيل ، قال : فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله ، فقال ابن الأعمى : يا أبتاه قتلت أباك؟ فرفع يده فلطم ابنه ، فمات ابنه ، فقال الأعمى : ويل لي قتلت أبي برميتي ، وقتلت ابني بلطمتي ، ثم حملت حواء فولدت شيث (١) وأخته عزورا (٢) ، فسمي هبة الله ، اشتق له من اسم هابيل ، فقال لها جبريل حين ولدته : هذا هبة الله لك بدل هابيل ، وهو بالعربية شثّ ، وبالسريانية شيث ، وإليه أوصى آدم ، وكان آدم يوم (٣) ولد شيث ابن ثلاثين ومائة ، ثم تغشّاها آدم فحملت حملا خفيفا ، فمرت به يقول : قامت وقعدت ، ثم أتاها الشيطان في غير صورته فقال : يا حواء ما هذا في بطنك؟ قالت : لا أدري ، قال : لعله بهيمة من هذه البهائم ، قالت : ما أدري ، ثم أعرض عنها حتى إذا هي أثقلت أتاها ، فقال : كيف بحديثك (٤) يا حواء ، قالت : إني لأخاف أن يكون كالذي خوّفتني ، ما أستطيع القيام إذا قمت ، قال : أفرأيت إن دعوت الله فجعله إنسانا مثلك ومثل آدم تسمّيه بي (٥) ، قالت : نعم ، فانصرف عنها ، وقالت لآدم : لقد أتاني آت فأخبرني أن الذي في بطني بهيمة من هذه البهائم ، وإني لأجد له ثقلا وأخشى أن يكون كما قال ، فلم يكن لآدم ولا لحواء همّ غيره ، حتى وضعته فذلك قول الله عزوجل : (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(٦) ، فكان هذا دعاء هما قبل أن تلد ، فلما ولدت غلاما سويا أتاها فقال لها : ألا سمّيته كما وعدتني ، قالت : وما اسمك؟ وكان اسمه عزازيل ولو تسمّى لها لعرفته ، فقال : اسمي الحارث ، فسمته عبد الحارث ، فمات.

يقول الله : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٧) ، وأوحى الله إلى آدم إنّ لي حرما بحيال عرشي فانطلق فابن لي بيتا (٨) فيه ، ثم حفّ به كما رأيت ملائكتي يحفّون بعرشي ، استجب لك ولولدك من كان منهم في

__________________

(١) كذا : شيث.

(٢) عن ابن سعد ، وبالأصل : عرورا.

(٣) عن ابن سعد ، وبالأصل : يولد.

(٤) في ابن سعد : تجدينك ، وهي أصوب.

(٥) عن ابن سعد وبالأصل : تسميتي.

(٦) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٩ وفي التنزيل العزيز : «آتيتنا» وقد كانت صحيحة بالأصل ثم شطبت ، وكتبت أتانا على الهامش. وهو خطأ.

(٧) سورة الأعراف ، الآية : ١٩٠.

(٨) تقرأ بالأصل : شيئا ، والمثبت عن ابن سعد.

٢٧١

طاعتي ، فقال آدم : أي رب وكيف لي بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدي له ، فقيّض الله له ملكا فانطلق به نحو مكّة ، فكان آدم إذا مرّ بروضة ومكان يعجبه قال للملك : انزل بنا هاهنا فيقول الملك : مكانك حتى قدم مكّة ، فكان كل مكان نزل به عمرانا ، وكل مكان تعدّاه مفاوز وقفارا ، فبنى البيت من خمسة أجبل : من طور سيناء ، وطور زيتون ، ولبنان ، وجبل الجودي ، وبنى قواعده من حراء ، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك كلها التي يفعلها الناس اليوم ، ثم قدم به مكة ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثم رجع إلى أرض الهند ، فمات على نود ، فقال شيث لجبريل : [صلّ](١) على آدم ، فقال : تقدّم أنت فصلّ (٢) على أبيك ، وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأمّا خمس فهي الصلاة : وأما خمس وعشرون تفضيلا لآدم ، لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا بنود ، ورأى آدم فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد ، فأوصى أن لا يناكح بنو شيث بني قابيل ، فجعل بنو شيث آدم في مغارة ، وجعلوا عليه حافظا لا يقربه أحد من بني قابيل ، وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث ، وكان عمر آدم سبعمائة (٣) سنة وستا وثلاثين سنة ، فقال مائة من بني شيث صباح : لو نظرنا ما فعل بنو عمنا ـ يعنون بني قابيل ـ فهبطت المائة إلى نساء قباح من بني قابيل فاحتبس النساء الرجال ، ثم مكثوا ما شاء الله ، ثم قال مائة آخرون : لو نظرنا ما فعل إخوتنا ، فهبطوا من الجبل إليهم ، فاحتبسهم النساء ، ثم هبطت بنو شيث كلهم فجاءت المعصية ، وتناكحوا واختلطوا ، وكثر بنو قابيل حتى ملئوا الأرض ، وهم الذين غرقوا أيام نوح.

قال أبو عبد الله الصّوري : نود اسم الجبل ، وكذا قال نود ، وفي النسخ : نوذ بالذال معجمة.

قرأت على أبي غالب أحمد بن الحسن عن (٤) أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، قال : أما شيث فهو شيث بن آدم أبي البشر ـ عليه‌السلام ـ.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر علي بن (٥) هبة الله ، قال : أما شيث

__________________

(١) زيادة عن ابن سعد.

(٢) بالأصل : فصلي.

(٣) ابن سعد : تسعمائة.

(٤) بالأصل : «بن» خطأ.

(٥) الاكمال لابن ماكولا ٥ / ٩١.

٢٧٢

بكسر الشين وبعدها ياء ساكنة معجمة باثنين (١) من تحتها : فهو شيث بن آدم ـ صلى الله عليهما ـ.

أخبرنا أبو الحسن علي بن بركات بن إبراهيم الخشوعي ـ في كتابه ـ نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنبأ عثمان بن أحمد بن عبد الله ، وأحمد بن سيدي بن الحسن ، قالا : ثنا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطار ، أنبأ إسحاق بن بشر قال : وأخبرني جويبر ، ومقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال :

ولد آدم أربعون ولدا : عشرون غلاما وعشرون جارية ، فكان ممن عاش منهم : هابيل ، وقابيل ، وصالح ، وعبد الرّحمن ، فالذي كان سمّاه عبد الحارث ، وودّ ، وكان ودّ يقال له شيث ، ويقال : هبة الله ، وكان إخوته قد سوّدوه ، وولد له سواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، قالوا : بإسنادهم إن الله أمره أن يفرّق بينهم في النّكاح ، أخت هذا من هذا ، وأخت هذا من هذا.

قرأت على أبي المكارم عبد الواحد بن محمّد بن هلال ، عن أبي الحسن علي بن طاهر السّلمي ، أنا أبو موسى عيسى بن أبي عيسى ـ لفظا ـ أنبأ أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن شاهين ، نا أبي ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا عمرو بن عثمان ، نا بقية ، عن أرطأة ـ يعني ابن المنذر ـ قال :

بلغني أن حواء حملت بشيث الوصي حتى نبتت أسنانه ، وكانت تنظر إلى وجهه من صفائه في بطنها ، وهو الثالث من ولد آدم ، وأنه لما حضرها الطلق ، فأخذها عليه شدة شديدة ، فانتبذت به فلما وضعته أخذته الملائكة ، فمكث معهم أربعين يوما فعلّموه الهزّ ثم ردّ إليها.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمّد بن إسحاق بن سليمان بن حبابة ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمّد الرازي ، نا قدامة بن أحمد ، نا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسّاني ، نا أبي ، عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذرّ قال :

__________________

(١) كذا ، والصواب : باثنتين.

٢٧٣

دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحده ، فجلست إليه ، فذكر الحديث وقال فيه : قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزل الله عزوجل؟ قال : «مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة ، وعلى أخنوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزلت التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان» وذكرنا في الحديث (١) [٥٠٦١].

أخبرناه عاليا بطوله أبو (٢) القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأ أبو سعد الجنزرودي (٣) ، أنا أبو عمرو بن حمدان (٤) ، أنا الحسن بن سفيان بن حامد بن عامر ، نا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي ، نا أبي ، عن جدي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذرّ الغفاري ، قال :

دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحده ، فجلست إليه ، فقال : «يا أبا ذرّ إن للمسجد تحيّة ، وإن تحيّته ركعتان ، قم فاركعهما» ، فقمت فركعتهما ، ثم عدت فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله إنك أمرتني بالصّلاة ، فما الصّلاة؟ قال : «خير موضوع ، استكثر أو استقل» ، قال : قلت : يا رسول الله فأي الأعمال أفضل؟ قال : «إيمان بالله ، وجهاد في سبيله» ، قال : قلت : يا رسول الله فأي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال : «أحسنهم خلقا» ، قال : قلت : يا رسول الله فأي المسلمين أسلم؟ قال : «من سلم الناس من لسانه ويده» ، قال : قلت : يا رسول الله فأيّ الهجرة أفضل ، قال : «من هجر السيئات» ، قال : قلت : يا رسول الله فأيّ الصلاة أفضل؟» ، قال : «طول القنوت» ، قال : قلت : يا رسول الله فما الصيام؟ قال : «فرض مجزيّ وعند الله أضعاف كثيرة» ، قلت : يا رسول الله فأيّ الجهاد أفضل؟ قال : «من عقر جواده وأهريق دمه» ، قال : قلت : يا رسول الله فأي الرّقاب أفضل؟ قال : «أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها» ، قال : قلت : يا رسول الله فإنما (٥) أنزل الله عليك أعظم؟ قال : «آية الكرسي» ، ثم قال : «يا أبا ذرّ ما السّماوات السبع مع الكرسي إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي

__________________

(١) انظر تاريخ الطبري ١ / ١٥٢ ـ ١٥٣ وفي المطبوعة بتحقيقنا ١ / ١٠٩.

(٢) بالأصل : أبي.

(٣) مهملة بدون نقط بالأصل ، والصواب ما أثبت ، وقد مرّ كثيرا.

(٤) ترجمته في سير الأعلام ١٤ / ١٥٧.

(٥) كذا.

٢٧٤

كفضل الفلاة على الحلقة» ، قلت : يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال : «مائة ألف وعشرون ألفا» (١) ، قلت : يا رسول الله كم الرسل (٢) من ذلك؟ قال : «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا» قال : قلت : كثير طيب ، قال : قلت : يا رسول الله من كان أوّلهم؟ قال : «آدم عليه الصّلاة والسّلام» ، قال : قلت : يا رسول الله أنبيّ مرسل؟ قال : «نعم ، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ، سواه قبلا» (٣) ، ثم قال : «يا أبا ذرّ أربعة سريانيون : آدم ، وشيث ، وخنوخ ـ وهو إدريس ـ وهو أول من خط بالقلم ، ونوح ، وأربعة من العرب : هود ، وشعيب ، وصالح ، ونبيّك يا أبا ذرّ» قال : قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزله الله عزوجل؟ قال : «مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وأنزل على خنوخ ثلاثين صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» ، قال : قلت : يا رسول الله ما كان صحف إبراهيم؟ قال : «كانت أمثالا كلّها ، أيها الملك المسلّط المبتلي المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردّها ولو كانت من كافر ، وكانت فيها أمثال على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات يناجي فيها ربّه ، وساعات يحاسب فيها نفسه ، وساعات يفكّر فيها في صنع الله عزوجل ، وساعات يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا (٤) إلّا لثلاث : تزوّد لمعاد ، ومرمّة لمعاش أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه (٥)» ، قال : قلت : يا رسول الله فما كان صحف موسى؟ فقال : «كانت عبرا كلّها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار وهو يضحك ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب ، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها ثم اطمأن إليها ، عجيب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل» قال : قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : «أوصيك بتقوى الله عزوجل ، فإنه رأس الأمر كله» ، قلت : يا رسول الله

__________________

(١) في تاريخ الطبري ١ / ١٥١ مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا.

(٢) الطبري : المرسل.

(٣) أي عيانا.

(٤) بالأصل : طاعنا.

(٥) تقرأ بالأصل : يعينه.

٢٧٥

زدني ، قال : «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله ، فإنه نور لك في الأرض ، وذكر لك في السماء» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «عليك بالصمت إلّا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمّتي» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «أحبّ المساكين وجالسهم» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «انظر فيمن تحتك ، ولا تنظر إلى من فوقك ، فإنه أحذر أن لا تزدري نعمة الله عليك» قال : قلت يا رسول الله زدني ، قال : «يردّك (١) عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما يأتي ، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، وعد عليهم فيما يأتي» ، ثم ضرب يده على صدري فقال : «يا أبا ذرّ لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكفّ ، ولا حسب كحسن الخلق» (٢) [٥٠٦٢].

رواه أبو الحسن بن جوصا ، عن أبي حارثة أحمد بن إبراهيم ، عن هشام ، عن أبيه ، وكذلك رواه عن أبي إدريس الخولاني القاسم بن محمّد الثقفي ، ومولى ليزيد بن معاوية ، ورواه عبد الرّحمن بن عائذ ، عن أبي ذرّ ، قرأته على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن عبد الدائم بن الحسن ، عن عبد الوهاب الكلابي.

وقرأت على أبي محمّد أيضا ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأ علي بن الحسن الربعي ، أنا عبد الوهاب الكلابي ، أنبأ أبو الحسن بن جوصا ، نا علي بن عبد الرّحمن بن المغيرة ، نا أبو صالح عبد الله بن صالح ، نا معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الملك محمّد بن أيوب وغيره من المشيخة ، عن ابن عائذ فذكره ، وروي عن عبيد بن عمير ، عن أبي ذرّ.

أخبرناه أبو العزّ أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ إذنا ومناولة ـ وقرأ عليّ إسناده ، أنبأ أبو علي محمّد بن الحسين ، أنبأ المعافى بن زكريا القاضي (٣) ، نا علي بن محمّد بن أحمد المصري (٤) ، نا الفضل بن جعفر بن همام ، أبو العباس البصري ، ثنا عبد الله بن

__________________

(١) مهملة بدون نقط بالأصل ، ولعل الصواب ما أثبت.

(٢) جزء من الخبر ذكره الطبري في تاريخه بسنده عن أبي ذرّ ١ / ١٥٠ ـ ١٥١.

(٣) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٣٧٥.

(٤) في الجليس الصالح : «البصري» وبهامشه عن نسختين : «المصري» كالأصل.

٢٧٦

سعيد القيسي ، نا يحيى بن سعيد السعيدي (١) ، حدّثني ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير الليثي ، عن أبي ذرّ قال :

دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد وهو جالس وحده ، فاغتنمت خلوته ، فقال : «يا أبا ذرّ إنّ للمسجد تحية» ، قلت : وما تحيته يا رسول الله؟ قال : «ركعتان» ، فركعتهما ثم التفتّ إليه فقلت : يا رسول الله أنت أمرتني بالصّلاة ، فما الصّلاة؟ قال : «خير موضوع ، من شاء أقلّ ، ومن شاء أكثر» ، قلت : يا رسول الله أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال : «الإيمان بالله تعالى ، ثم الجهاد في سبيله» ، قلت : يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال : «أحسنهم خلقا» ، قلت : يا رسول الله فأيّ المؤمنين (٢) أفضل؟ قال : «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، قلت : فأي الهجرة أفضل؟» قال : «من هجر السوء» ، قلت : فأي الليل أفضل؟ قال : «جوف الليل الغابر» (٣) ، قلت : فأي الصلاة أفضل؟ قال : «طول القنوت» ، قلت : فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال : «جهد (٤) من مقلّ إلى فقير في سرّ» ، قلت : فما الصوم؟ قال : «فرض مجزي وعند الله أضعافا كثيرة» ، قلت : أي الرّقاب أفضل؟ ، قال : «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» ، قلت : فأي الجهاد أفضل؟ قال : «من عقر جواده وأهريق دمه» ، قلت : أي آية أنزلها الله عليك أعظم؟ قال : «آية الكرسي» ثم قال : «يا أبا ذرّ ما السموات السبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» ، قلت : يا رسول الله كم النبيّون؟ قال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي» قلت : يا رسول الله كم المرسلون؟ قال : «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّ الغفير» قلت : من كان أول الأنبياء؟ قال : «آدم : «آدم» ، قلت : وكان من الأنبياء مرسلا؟ قال : «نعم ، مكلّما خلقه الله بيده ، ونفخ [فيه](٥) من روحه» ثم قال : «يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون : آدم ، وشيث ، وإدريس ـ وهو أوّل من خط بالقلم ـ ونوح ، وأربعة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول الأنبياء آدم ، وآخرهم [محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأوّل نبي من الأنبياء من بني

__________________

(١) الجليس الصالح : السعدي.

(٢) الجليس الصالح : المسلمين.

(٣) مهملة بدون نقط بالأصل ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٤) تقرأ بالأصل : جهة ، والمثبت عن الجليس الصالح.

(٥) زيادة عن الجليس الصالح.

٢٧٧

إسرائيل موسى وآخرهم](١) عيسى وبينهما ألف نبي» ، قلت : يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال : «مائة كتاب وأربعة كتب ، على شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» قلت : يا رسول الله فما كان صحف إبراهيم؟ قال : «أمثال كلّها ، أيها الملك المبتلى المغرور ، لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكن بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردّها ولو كانت من كافر ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات ، ساعة يناجي ربّه ويحاسب فيها نفسه ويتفكّر فيما صنع ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال ، قال في هذه الساعة عونا لتلك الساعات واستجماما للقلوب وتفريغا لها ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ، فإن من حسب كلامه من عمله أقلّ الكلام إلّا فيما يعنيه ، وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث : مرمّة لمعاش ، أو تزوّد لمعاد ، أو تلذذ في غير محرم» ، قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال : «كانت عبرا كلها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح ، ولم أيقن بالنار ثم يضحك ، ولمن يرى الدنيا وتقلّبها بأهلها ثم يطمئن إليها ، ولمن أيقن بالقدر ثم ينصت (٢) ، ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل» ، قلت : يا رسول الله هل في الدنيا مما أنزل الله عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال : «يا أبا ذر تقرأ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ، إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٣)» ، قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : «أوصيك بتقوى الله ، فإنه زين لأمرك كله» ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ، فإنه ذكر لك في السماء ، ونور لك في الأرض» ، قلت : زدني ، قال : «عليك بطول الصمت ، فإنه مطردة للشيطان ، وعون لك على أمر دينك» ، قلت : زدني ، قال : «إيّاك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه» ، قلت : زدني ، قال : «حبّ المساكين ومجالستهم» ، قلت : زدني ، قال : «قل الحق وإن كان مرّا» ، قلت : زدني ، قال : «لا تخف في الله لومة لائم» ، قلت : زدني ، قال : «ليحجزك (٤)

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل فاختل المعنى ، واستدركت العبارة عن الجليس الصالح الكافي.

(٢) كذا ، وفي الجليس الصالح : ينصب.

(٣) سورة الأعلى ، الآيات : ١٤ ـ ١٩.

(٤) عن الجليس الصالح ، وبالأصل : ليحجرك ، بالراء.

٢٧٨

عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما يأتي» ثم قال : «كفى بالمرء عيبا أن يكون فيه ثلاث خصال : أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ، ويستحي لهم مما هو فيه ، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه» ثم قال : «يا أبا ذرّ لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكفّ ولا حسب كحسن الخلق» [٥٠٦٣].

قال القاضي في خبر أبي ذر هذا : أنواع من الحكم وفوائد العلم والأنباء عن الأمور الحالية (١) والإخبار عن الأيام (٢) الماضية ، وفيه اعتبار لأولي البصائر والعقول ، وتنبيه لذوي التمييز والتحصيل.

وقد روينا في كثير من فصوله روايات موافقة لألفاظه ومعانيه ، وأخر مضارعة لما اشتمل عليه من الأغراض فيه. وروينا في بعض فصوله روايات مخالفة لظاهر ما تضمنه إلّا أنها إذا تؤمّلت (٣) رجعت إلى التقارب إذا اقتضت غلطا من بعض الرواة ، فأما ما ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله وأخبر به فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا ريب في صحته ، والقطع على حقيقة مغيّبة (٤).

قال القاضي في (٥) خبر أبي ذر ما دل على أن من الأنبياء من أوتي النبوة فأرسل إلى طائفة ، ومنهم من كان نبيا غير مرسل إلى أحد ، وقد قال الله تعالى ذكره : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)(٦).

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن منكم محدثين» [٥٠٦٤].

وذكر عمر رضوان الله عليه ومن الدعاء المنتشر المستعمل الظاهر على ألسنة خاصة المسلمين وعامتهم : اللهمّ صلّ على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك والمرسلين ، وظاهر هذا يقتضي الفصل بين الفريقين ، وقد أحال هذا بعض المنتسبين إلى علم الكلام ومن يدعي له فريق مفتون به مغرور بمخاريقه ، وأحال أيضا أن لا يختص

__________________

(١) في الجليس الصالح : الخالية.

(٢) الجليس الصالح : «الأمور».

(٣) عن الجليس الصالح وبالأصل : تأملت.

(٤) عن الجليس الصالح وبالأصل : معينة.

(٥) كتبت اللفظة فوق الكلام بين السطرين.

(٦) سورة الحج ، الآية : ٥٢.

٢٧٩

أحد من الأنبياء بشيء من الشريعة مجدد (١) على يده مخالف في الصّورة لما أتى به من تقدمه ، وأن يقتضي به في الدلالة على صدقه وصحة نبوته بخبر نبيّ من الأنبياء بذلك وتعيينه عليه تعيينا لا يشكل ، وكل ما أحاله من ذلك على غير ما قدّره ، ولا حجة له في شيء مما أتى به من ذلك ، ولا شبهة بوقع العذر له ، إذا لم يكن الشرع ولا العقل يحيلانه ، بل يدلان على جوازه ، ويشهدان بصحته ، وقد ثبت الخبر الصّادق به ، وله في إعجاز القرآن ، وصحة شهادته بالصدق للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلام يبعد من إطلاق مثله من صحت فكرته (٢) وسلمت من التعصّب والتحامل والغفلة والتجاهل طريقته ، وكنت (٣) استبعدت هذا حين حكي لي عنه إذ لم يكن عندي ممن بلغ في الذهاب عن النظر الصحيح هذا الحد ، إلى أن رأيته مثبتا بخطّه ، وقد حكيته على جهته في معناه ولفظه في غير موضع ، من ذلك كتابنا المسمى : «التأويل الموجز عن علم القرآن المعجز» ، وليس كتابنا هذا من مواضع البيان عن ذلك والاشتغال بحكايته ، وإيضاح القول فيه وتبيين فساده.

وقد قال بعض أهل العلم : لو سكت من لا يعلم لاسترحنا.

وأنا أقول : لو كان له من (٤) يردعه ، ويكفّه ويمنعه ، ويقبضه ويقدعه ، ويسكته قهرا ، ويصمته قسرا ، أو كان من يصرفه عن شنيع (٥) الجهالات وبديع الضلالات ، بالتأديب والقصب والتثريب ، والتبكيت والتأنيب لرجونا أن يعفي الناس بذلك عما ينالهم الضرر أو كثير منه من جهته ، وإلى الله المشتكى وهو المستعان على [كلّ](٦) حادثة وبلوى.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، نا أبو الحسين (٧) بن المهتدي ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أبي مسلم الفرضي ، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ، نا

__________________

(١) عن الجليس الصالح وبالأصل : محمد.

(٢) بالأصل «فكرية» وفي الجليس الصالح : «فطرته» ولعل الصواب ما ارتأيناه.

(٣) عن الجليس الصالح ، وبالأصل : وكتب.

(٤) في الجليس الصالح : دين يردعه.

(٥) عن الجليس الصالح ، وبالأصل : تشيع.

(٦) زيادة عن الجليس الصالح.

(٧) بالأصل : أبو الحسن خطأ ، والمثبت قياسا إلى سند مماثل.

٢٨٠