كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

الأمر الثاني : [صغرويّة المقام لكبرى التزاحم]

قد مرّ في بعض المقدّمات (١) أنّه لا تعارض بين مثل خطاب «صلّ» وخطاب «لا تغصب» على الامتناع ، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ، كي يقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا (٢) ، بل إنّما هو من باب تزاحم المؤثّرين والمقتضيين ، فيقدّم الغالب منهما ، وإن كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه.

هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلّا كان بين الخطابين تعارض ، فيقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، وبطريق الإنّ يحرز به أنّ مدلوله أقوى مقتضيا (٣). هذا لو كان كلّ من الخطابين متكفّلا لحكم فعليّ ، وإلّا فلا بدّ من الأخذ بالمتكفّل لذلك (٤) منهما لو كان (٥) ، وإلّا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الاصول العمليّة.

ثمّ لا يخفى : أنّ ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به (٦) في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا كما هو قضيّة التقييد والتخصيص في غيرها ممّا لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيّته (٧) ليس

__________________

(١) راجع الأمر الثامن ، الصفحة : ٢٤ من هذا الجزء.

(٢) وخالفه المحقّق الخوئيّ وجعل المقام على الامتناع من صغريات كبرى باب التعارض.

راجع المحاضرات ٤ : ٤٠٣.

(٣) لا يخفى : أنّه لا تلازم بين قوّة الدلالة وقوّة المدلول كي تكشف من قوّة الدلالة أنّ المدلول أقوى مقتضيا واقعا ، ضرورة أنّه قد يكون الأقوى دلالة أضعف مدلولا من الدليل الّذي يكون أضعف دلالة.

وأفاد السيّد الحكيم ـ في حقائق الاصول ١ : ٤١٠ ـ ما لفظه : «كان المراد أنّ الأقوى لما كان دالّا على فعليّة مؤدّاه مطابقة فقد دلّ على أقوائيّة ملاكه التزاما ، كما أنّ الأضعف كذلك.

فإذا دلّ دليل الترجيح على حجيّة الأقوى وعدم حجّيّة الأضعف فقد دلّ على ثبوت مدلولي الأقوى المطابقيّ والالتزاميّ معا ، فتثبت أقوائيّة ملاكه ظاهرا».

(٤) أي : للحكم الفعليّ.

(٥) أي : لو كان أحدهما فعليّا.

(٦) أي : وتخصيص الدليل الآخر بالدليل الراجح.

(٧) أي : قضيّة ترجيح أحد الدليلين على الآخر في مسألتنا هذه.

٦١

إلّا خروجه فيما كان الحكم الّذي هو مفاد الآخر فعليّا ، وذلك لثبوت المقتضي في كلّ واحد من الحكمين فيها. فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثّرا لها ـ لاضطرار أو جهل أو نسيان ـ كان المقتضي لصحّة الصلاة مؤثّرا لها فعلا ، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين دالّا على الفعليّة أصلا.

فانقدح بذلك فساد الإشكال في صحّة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما فيما إذا قدّم خطاب «لا تغصب» (١) ، كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أوّل الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا. وذلك (٢) لثبوت المقتضي في هذا الباب ، كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفّلين للحكم الفعليّ. فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقليّ الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا ، المختصّ (٣) بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع ، المقتضي (٤) لصحّة مورد الاجتماع مع الأمر أو بدونه فيما كان

__________________

(١) هذا ما أورده الشيخ الأعظم الأنصاريّ على الحكم بصحّة الصلاة في المغصوب مع العذر ، بناء على الامتناع وترجيح جانب النهي. وتوضيح كلامه : أنّه لا فرق بين العموم من وجه المتحقّق في مثل الصلاة والغصب وبين المتحقّق في قولهم : «اعتق رقبة» و «اعتق رقبة مؤمنة» فكما كان تقييد الرقبة بالإيمان مقتضيا لخلوّ عتق الكافرة عن المصلحة وخروجها من موضوع «اعتق رقبة» حتّى في حال النسيان والجهل ، كذلك ترجيح النهي على الأمر وتقييد الصلاة بالنهي يقتضي خلوّ الصلاة عن المصلحة وبطلانها حتّى في صورة الجهل والنسيان وغيرهما. راجع مطارح الأنظار : ١٢٨.

(٢) أي : فساد الإشكال.

وحاصل الجواب : أنّه فرق بين المقامين ، فإنّ العموم من وجه المتحقّق في مثل الصلاة والغصب يكون من موارد التزاحم ؛ وغلبة النهي على الأمر إنّما توجب خلوّ المورد عن الحكم الفعليّ ؛ وأمّا ملاكه باق على حاله. بخلاف العموم من وجه المتحقّق في مثل «اعتق رقبة» و «اعتق رقبة مؤمنة» ، فإنّه من موارد التعارض ، وتقييد الرقبة بالإيمان يقتضي خلوّ عتق الكافرة عن الملاك ، فضلا عن ثبوت الحكم الفعليّ.

(٣ و ٤) وصفان لقوله : «تقديم». ويحتمل أن يكونا وصفين لقوله : «التخصيص».

٦٢

هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له أو عن فعليّته ، كما مرّ تفصيله (١).

[وجوه ترجيح النهي على الأمر]

وكيف كان فلا بدّ في ترجيح أحد الحكمين من مرجّح. وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها (٢) :

منها : أنّه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد بخلاف الأمر.

وقد أورد عليه : بأنّ ذلك فيه (٣) من جهة إطلاق متعلّقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الاجتزاء بأيّ فرد كان (٤).

وقد اورد عليه (٥) : بأنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدّمات الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل «لا تغصب» في بعض أفراد الغصب حقيقة (٦) ؛ وهذا واضح الفساد (٧). فتكون دلالته على العموم من جهة أنّ وقوع الطبيعة في حيّز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه (٨).

__________________

(١) مرّ تفصيله في الأمر العاشر من الامور المتقدّمة على المقصود. فراجع الصفحة : ٢٨ من هذا الجزء.

(٢) تعرّض لها المحقّق القميّ في القوانين ١ : ١٥٣ ، وصاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٢٧ ، والشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ١٢٥.

(٣) أي : انتفاء جميع الأفراد في النهي.

(٤) والحاصل : أنّ النهي والأمر متساويان في الدلالة على العموم ، فإنّ دلالة كلّ من الأمر والنهي على العموم تكون بمقدّمات الحكمة ، فلا فرق بينهما إلّا من جهة أنّ العموم في النهي شموليّ وفي الأمر بدليّ ، وهذا يوجب أقوائيّة دلالة النهي من دلالة الأمر.

(٥) أي : على الإيراد المذكور.

(٦) بناء على أنّ استعمال المطلق في المقيّد يكون على نحو الحقيقة.

(٧) لأنّ المتبادر من لفظ النهي هو الإطلاق وعدم الخصوصيّة ، فيكون استعماله في البعض مجازا.

(٨) والحاصل : أنّ النهي يدلّ على العموم بذاته لا بمقدّمات الحكمة. فإذن يتبيّن أقوائيّة دلالة النهي على العموم الاستغراقيّ من دلالة الأمر على العموم البدليّ.

٦٣

قلت : دلالتهما (١) على العموم والاستيعاب ظاهرا ممّا لا ينكر ، لكنّه من الواضح أنّ العموم المستفاد منهما كذلك (٢) إنّما هو بحسب ما يراد من متعلّقهما ، فيختلف سعة وضيقا ؛ فلا يكاد يدلّ على استيعاب جميع الأفراد إلّا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد (٣) ؛ ولا يكاد يستظهر ذلك (٤) ـ مع عدم دلالته عليه (٥) بالخصوص ـ إلّا بالإطلاق وقرينة الحكمة ، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها ـ بأن يكون الإطلاق في غير مقام البيان ـ لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة. وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلّق ، إذ الفرض عدم الدلالة على أنّه المقيّد أو المطلق.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أنّ المراد من المتعلّق هو المطلق ـ كما ربما يدّعى (٦) ذلك في مثل : «كلّ رجل» ـ وأنّ مثل لفظة «كلّ» تدلّ على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة ، بل يكفي إرادة ما هو معناه ـ من الطبيعة المهملة ولا بشرط ـ في دلالته على الاستيعاب ، وإن كان لا يلزم مجاز أصلا لو اريد منه خاصّ بالقرينة ، لا فيه (٧) ، لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول ، ولا فيه (٨) إذا كان بنحو تعدّد الدالّ والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فيما وضع له ، والخصوصيّة مستفادة من دالّ آخر ، فتدبّر.

__________________

(١) أي : دلالة النهي والنفي.

(٢) أي : على نحو الاستيعاب.

(٣) وأورد عليه المحقّق الأصفهانيّ بما لفظه : «لا يخفى عليك : أنّ الإرادة لمجرّد إفادة السلب ، والسلب بما هو لا يدلّ على العموم والاستيعاب». نهاية الدراية ١ : ٥٦٨.

(٤) أي : إطلاق الطبيعة.

(٥) أي : عدم دلالة المتعلّق على الإطلاق. والأولى أن يقول : «مع عدم دلالة عليه بالخصوص».

(٦) راجع الفصول الغرويّة : ١٦١ ، والقوانين ١ : ١٩٧.

(٧) أي : لا في مثل لفظ «كلّ» وغيره من أداة العموم.

(٨) أي : ولا في المدخول.

٦٤

ومنها : أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.

وقد أورد عليه ـ في القوانين (١) ـ : بأنّه مطلقا ممنوع (٢) ، لأنّ في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعيّن (٣).

ولا يخفى ما فيه (٤) ، فإنّ الواجب ـ ولو كان معيّنا ـ ليس إلّا لأجل أنّ في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة. كما أنّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

ولكن يرد عليه (٥) : أنّ الأولويّة مطلقا ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى (٦) ، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرّمات مع ترك بعض الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.

ولو سلّم فهو أجنبيّ عن المقام (٧) ، فإنّه فيما إذا دار بين الواجب والحرام ، ولو سلّم فإنّما يجدي فيما لو حصل القطع.

__________________

(١) قوانين الاصول ١ : ١٥٣.

(٢) أي : أنّ الأولويّة على إطلاقها ممنوعة.

(٣) والحاصل : أنّ الاستدلال بأولويّة دفع مفسدة المنهيّ عنه من جلب منفعة المأمور به على تقديم الأمر على النهي إنّما يتمّ فيما لم يكن في ترك الواجب مفسدة ، كالواجبات التخييريّة ؛ وأمّا في غيرها ـ من الواجبات العينيّة ـ فلا ، فإنّ في تركها أيضا مفسدة. وحينئذ يدور الأمر بين المفسدتين : مفسدة فعل الحرام ـ كالغصب ـ ومفسدة ترك الواجب ـ كالصلاة ـ ، وبما أنّ مفسدة ترك الواجب أهمّ فتقدّم دفعها بفعل الواجب ، وهو معنى تقديم الأمر على النهي.

(٤) أي : فيما أفاد صاحب القوانين. وحاصله : أنّه لا مفسدة في ترك الواجب ، بل إنّما يكون في فعله المصلحة ، كما أنّه لا مصلحة في ترك الحرام ، بل إنّما يكون في فعله مفسدة ، وإلّا لكان اللازم أن ينحلّ كلّ حكم إلى حكمين : أحدهما متعلّق بالفعل والآخر بالترك ، وهو كما ترى.

(٥) أي : يرد على الاستدلال بأولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة.

(٦) أي : قد يكون جلب المنفعة أولى من دفع المفسدة. وهو فيما إذا كانت منفعة المأمور به في غاية القوّة ومفسدة المنهيّ عنه في غاية الضعف.

(٧) فإنّ الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلّف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحكام ، فانّ المرجّح هناك ليس إلّا حسنها أو قبحها العقليّان ، لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما لا يخفى ، تأمّل تعرف. منه [أعلى الله مقامه].

٦٥

ولو سلّم أنّه يجدي ولو لم يحصل (١) فإنّما يجدي (٢) فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال ، كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيّين ، لا فيما يجري ، كما في محلّ الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته ، فيحكم بصحّته ، ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشكّ في الأجزاء والشرائط ، فإنّه لا مانع عقلا إلّا فعليّة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلا ونقلا.

نعم ، لو قيل بأنّ المفسدة الواقعيّة الغالبة مؤثّرة في المبغوضيّة ولو لم تكن الغلبة بمحرزة(٣) ، فأصالة البراءة غير جارية ، بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب ـ لو كان عبادة ـ محكّمة ، ولو قيل بأصالة البراءة في الأجزاء والشرائط ، لعدم تأتّي قصد القربة مع الشكّ في المبغوضيّة ، فتأمّل (٤).

__________________

(١) أي : ولو لم يحصل القطع بالأولويّة.

(٢) وفي بعض النسخ : «فإنّما يجري» ، والأولى ما أثبتناه ، بل هو الظاهر من المخطوطة الأصليّة.

(٣) كما هو غير بعيد كلّه ، بتقريب : أنّ إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ، ولا يتوقّف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها. ولذا كان العلم بمجرّد حرمة شيء موجبا لتنجّز حرمته على ما هو عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدّتها ، كما لا يخفى.

هذا ، لكنّه إنّما يكون إذا لم يحرز أيضا ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضيّة. وأمّا معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز أنّه ذو مصلحة أو مفسدة ممّا لا يستقلّ العقل بحسنه أو قبحه ، وحينئذ يمكن أن يقال بصحّته عبادة لو اتي به بداعي الأمر المتعلّق بما يصدق عليه من الطبيعة بناء على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل قربيّا في العبادة وامتثالا للأمر بالطبيعة وعدم اعتبار كونه ذاتا راجحا. كيف ويمكن أن لا يكون جلّ العبادات ذاتا راجحات ، بل إنّما يكون كذلك فيما إذا أتي بها على نحو قربيّ؟ نعم ، المعتبر في صحّته عبادة إنّما هو أن لا يقع منه مبغوضا عليه ، كما لا يخفى. وقولنا : «فتأمّل» إشارة إلى ذلك. منه [أعلى الله مقامه].

(٤) وحاصل ما أفاد المصنّف في الوجه الرابع من وجوه الردّ على الاستدلال بأولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة لثبوت ترجيح النهي : أنّه لو سلّمنا أنّ الأولويّة المذكورة يجدي وإن لم يحصل القطع بها وقلنا بكفاية الظنّ بالأولويّة في ترجيح النهي على الأمر ، فالاستدلال إنّما يجدي فيما إذا لم تجر فيه أصل البراءة أو الاشتغال ، كما في دوران الأمر بين الوجوب والتحريم ، حيث لا يجري فيه أصل البراءة ـ للعلم بالإلزام ـ ولا أصل الاشتغال ـ لعدم ـ

٦٦

ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، كحرمة الصلاة في أيّام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإنائين المشتبهين.

وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار الاستقراء ما لم يفد القطع.

ولو سلّم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار.

ولو سلّم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيّام ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام ، لأنّ حرمة الصلاة فيها إنّما تكون لقاعدة الإمكان (١) والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ، فيحكم بجميع أحكامه ومنها حرمة الصلاة عليها ، لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدّعى. هذا لو قيل بحرمتها الذاتيّة في أيّام الحيض ، وإلّا فهو خارج عن محلّ الكلام.

ومن هنا انقدح : أنّه ليس منه (٢) ترك الوضوء من الإنائين ، فإنّ حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيّا ، ولا تشريع فيما لو توضّأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها. فعدم جواز الوضوء منهما

__________________

ـ القدرة على الموافقة القطعيّة ـ ، كالمرأة المردّدة بين من يجب وطؤها ومن يحرم لأجل الحلف.

وأمّا في المقام : فلا يجدي ، لجريان أصل البراءة عن حرمة الصلاة. ومع جريانه لا مانع من الحكم بصحّتها أصلا ، ضرورة أنّ المانع عنه إنّما هو الحرمة الفعليّة ، والمفروض أنّها مرتفعة بأصالة البراءة عن الحرمة ، وهي بعد ارتفاعها قابلة للتقرّب بها ، فتقع صحيحة.

ولمّا كان المقام غير داخل في كبرى مسألة الأقلّ والأكثر فلا يتوقّف جريان البراءة عن الحرمة على جريانها في موارد الشكّ في الأجزاء والشرائط ، بل تجري في المقام ولو قلنا بعدم جريانها في تلك الموارد. والوجه في ذلك أنّه ليس الشكّ هنا في مانعيّة شيء عن المأمور به واعتبار عدمه فيه ، بل الشكّ إنّما هو في حرمة هذه الحركات.

نعم ، لو قلنا بأنّ المفسدة الواقعيّة الغالبة مؤثّرة في المبغوضيّة ولو لم تكن محرزة فلا تجري أصالة البراءة ، بل لا مناص من الالتزام بقاعدة الاشتغال ، لأنّ مع احتمال غلبة المفسدة في الواقع لا يمكن قصد القربة.

(١) ومضمونها : «كلّ دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض».

(٢) أي : من محلّ الكلام. وهو دوران الأمر بين الوجوب والحرمة.

٦٧

ولو كذلك (١) بل إراقتهما ـ كما في النصّ (٢) ـ ليس إلّا من باب التعبّد أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضّئ من الإناء الثانية (٣) إمّا بملاقاتها (٤) أو بملاقاة الاولى وعدم استعمال مطهّر بعده (٥) ولو طهّر بالثانية مواضع الملاقاة بالاولى (٦). نعم ، لو طهرت ـ على تقدير نجاستها ـ بمجرّد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدّد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها (٧) وإن علم بنجاستها حين ملاقاة الاولى أو الثانية إجمالا ، فلا مجال لاستصحابها ، بل كانت قاعدة الطهارة محكّمة.

الأمر الثالث : [إلحاق تعدّد الإضافات بتعدّد الجهات]

الظاهر لحوق تعدّد الإضافات بتعدّد العنوانات والجهات في أنّه لو كان تعدّد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدّد الإضافات مجديا ، ضرورة أنّه (٨) يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب

__________________

(١) أي : احتياطا.

(٢) عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر ، لا يدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره. قال عليه‌السلام : «يهريقهما جميعا ويتيمّم».

الوسائل ١ : ١١٣ ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٣) والأولى أن يقول : «للإناء الثانية» فإنّ هذه الجملة متعلّقة بقوله : «ملاقاة».

(٤) أي : بملاقاة الثانية لو فرض أنّ مائها متنجّس.

(٥) والأولى أن يقول : «بعد» ، أو «بعدها» أي : بعد ملاقاة الاولى.

(٦) أي : ولو غسل المتوضّئ مواضع الملاقاة بالاولى بماء الثانية لم يستعمل أيضا مطهّر بعد ملاقاته للاولى ، لعدم حصول الطهارة بالماء القليل بمجرّد الصبّ.

(٧) أي : لو طهرت المواضع ـ بعد فرض نجاستها بالملاقاة للآنية الاولى ـ بمجرّد ملاقاة الآنية الثانية بلا حاجة إلى التعدّد وانفصال الغسالة ـ كما إذا كان الماء الموجود في الآنية الثانية كرّا ـ لا يعلم تفصيلا نجاستها ، بل يحتمل نجاستها بالماء الأوّل وطهارتها بملاقاة الماء الثاني ، كما يحتمل عكسها.

(٨) أي : تعدّد الإضافات.

٦٨

المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا. فيكون مثل «أكرم العلماء» (١) و «لا تكرم الفسّاق» من باب الاجتماع ، ك «صلّ» و «لا تغضب» ، لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض ، كما هو الحال أيضا في تعدّد العنوانين.

فما يتراءى منهم ـ من المعاملة مع مثل «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق» معاملة تعارض العموم من وجه ـ إنّما يكون بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع.

__________________

(١) وقال المحقّق الأصفهانيّ : «الصحيح مثل (أكرم العالم) بنحو العموم البدليّ ، وإلّا فلو كان العموم شموليّا ـ كالمثال المذكور في المتن ـ لكان خارجا عن محلّ الكلام ، لأنّ الاجتماع آمريّ ، لا مأموريّ ، حيث لا يتمكّن من امتثالها معا». نهاية الدراية ١ : ٥٧٨.

٦٩

فصل

في أنّ النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا؟

[تقديم امور]

وليقدّم امور :

الأوّل : [الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاجتماع]

انّه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة ، وأنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الاخرى ، وأنّ البحث في هذه المسألة في دلالة النهي ـ بوجه يأتي تفصيله ـ على الفساد ، بخلاف تلك المسألة ، فإنّ البحث فيها في أن تعدّد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع أم لا (١).

الثاني : [الوجه في عدّ المسألة من المسائل اللفظيّة]

انّه لا يخفى أنّ عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ إنّما هو لأجل أنّه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينه وبين

__________________

(١) وذكرت في الفصل السابق ما أفاده بعض المتأخّرين في الفرق بين المسألتين ، فراجع التعليقة (٣) من الصفحة: ١٤ من هذا الجزء.

٧٠

الحرمة الّتي هي مفاده فيها (١). ولا ينافي ذلك أنّ الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنّما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما ، لإمكان (٢) أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة بما تعمّ دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلك المسألة الّتي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمّل جيّدا (٣).

الثالث : [دخول النهي التنزيهيّ والغيريّ في محلّ البحث]

ظاهر لفظ النهي وإن كان هو النهي التحريميّ ، إلّا أنّ ملاك البحث (٤) يعمّ التنزيهيّ(٥).

__________________

(١) والحاصل : أنّ الوجه في عدّ هذه المسألة من المسائل اللفظيّة هو وجود القول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة العقليّة بين الفساد والحرمة الّتي هي مفاد النهي في المعاملات. فلو جعل البحث عقليّا لا تشمل هذا القول. بخلاف ما إذا جعل البحث لفظيّا فتشمله.

(٢) تعليل لعدم المنافاة. وحاصله : أنّه يمكن جعل البحث في دلالة الصيغة على الفساد بما يعمّ الدلالة الالتزاميّة الّتي ترجع في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت الملازمة البيّنة الموجبة لدلالة اللفظ.

(٣) اعلم أنّهم اختلفوا في أنّ هذه المسألة هل تكون لفظيّة ، أو تكون عقليّة أو تكون لفظيّة عقليّة؟ ذهب المصنّف رحمه‌الله إلى الأوّل ، لأجل ما ذكر ، وتبعه المحقّق العراقيّ مستدلّا بأنّ المراد من «الاقتضاء» في عنوان البحث هو الاقتضاء بحسب مقام الإثبات باعتبار كشف النهي عن عدم ملاك الأمر في متعلّقه ، لا الاقتضاء بحسب مقام الثبوت ، ضرورة أنّه لا ملازمة عقلا بين حرمة الشيء وانتفاء ملاك الأمر في متعلّقه. نهاية الأفكار ٢ : ٤٥٢.

وذهب المحقّق النائينيّ إلى الثاني. وتبعه تلميذه المحقّق الخوئيّ. فراجع فوائد الاصول ٢ : ٤٥٥ ، والمحاضرات ٥ : ٣ ـ ٤.

وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى الثالث. ولذا غيّر عنوان البحث من الدلالة والاقتضاء إلى الكشف ، فقال : «إنّ النهي عن الشيء هل يكشف عن فساده؟» كي يعمّ الدلالات اللفظيّة واللوازم العقليّة. مناهج الوصول ٢ : ١٥٠.

(٤) وهو التنافي بين ما يقتضيه النهي ـ من المرجوحيّة ـ وبين الصحّة.

(٥) أي : الكراهة. ووافقه السيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ٢ : ١٥١.

٧١

ومعه لا وجه لتخصيص العنوان (١). واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به ، كما لا يخفى (٢).

كما لا وجه لتخصيصه بالنفسيّ (٣) ، فيعمّ الغيريّ إذا كان أصليّا (٤). وأمّا إذا كان تبعيّا (٥) فهو وإن كان خارجا عن محلّ البحث ـ لما عرفت أنّه (٦) في دلالة النهي ، والتبعيّ منه (٧) من مقولة المعنى ـ ، إلّا أنّه داخل فيما هو ملاكه ، فإنّ دلالته على الفساد ـ على القول به فيما لم يكن للإرشاد إليه ـ إنّما يكون لدلالته على الحرمة

__________________

(١) تعريض للشيخ الأنصاريّ ، حيث خصّ عنوان المسألة بالنهي التحريميّ وقال : «ظاهر النهي المأخوذ في العنوان هو النهي التحريميّ. وإن كان مناط البحث في التنزيهيّ موجودا. وذلك لا يوجب التعميم». مطارح الأنظار : ١٥٧.

والمحقّق النائينيّ اختصّ النزاع في المقام بالنهي التحريميّ والنهي التنزيهيّ المتعلّق بذات العبادة. ووافقه تلميذه المحقّق الخوئيّ. فراجع فوائد الاصول ٢ : ٤٥٥ ، والمحاضرات ٥ : ٥ ـ ٦.

(٢) إشارة إلى دفع توهّم.

أمّا التوهّم ، فحاصله : أنّ ملاك البحث وإن كان عامّا ، إلّا أنّ عموم الملاك تختصّ بالعبادات. وأمّا في المعاملات فملاك البحث ـ أي التنافي بين ما يقتضيه النهي وبين الصحّة ـ لا يعمّ التنزيهيّ ، ضرورة أنّه لا تنافي بين الكراهة والصحّة. واختصاص عموم الملاك بالعبادات يقتضي أن يكون المراد من النهي خصوص النهي التحريميّ ، حيث إنّ الصحّة في العبادات ينافي ما يقتضيه النهي من طلب الترك ، سواء كان لزوميّا أو لا ، لتضادّ الأحكام.

وأمّا الدفع ، فتوضيحه : أنّ عدم عموم الملاك في المعاملات لا يقتضي تخصيص النهي بالتحريميّ مع عموم الملاك بالنسبة إلى العبادات ، لأنّ التحفّظ على عموم العنوان الساري في جميع الأقسام ممكن بملاحظة طبيعيّ النهي من دون التقييد بمرتبة خاصّة.

(٣) بخلاف المحقّق النائينيّ وتلميذه السيّد الخوئيّ ، حيث ذهبا إلى أنّ لفظ «النهي» في مسألتنا هذه يختصّ بالنهي التحريميّ النفسيّ ، ولا يعمّ الغيريّ.

(٤) وهو ما يكون مدلولا للخطاب المستقلّ الصادر من الشارع بالدلالة المطابقة. كالنهي عن الصلاة في غير المأكول.

(٥) وهو ما لا يكون مدلولا للخطاب بالدلالة المطابقة ولا يكون مقصودا من اللفظ ، بل يكون لازما للمدلول باللزوم العقليّ ، كالصلاة الّتي تتوقّف على تركها إزالة النجاسة عن المسجد الّتي تعلّق بها الأمر.

(٦) أي : البحث.

(٧) أي : من النهي.

٧٢

من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك ، كما توهّمه القميّ قدس سرّه (١).

ويؤيّد ذلك (٢) أنّه جعل ثمرة النزاع في أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه فساده إذا كان عبادة ، فتدبّر جيّدا.

الرابع : [المراد من العبادة في محلّ النزاع]

ما يتعلّق به النهي إمّا أن يكون عبادة أو غيرها. والمراد بالعبادة هنا ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى ، موجبا بذاته للتقرّب من حضرته لو لا حرمته ، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه ؛ أو ما لو تعلّق الأمر به كان أمره أمرا عباديّا لا يكاد يسقط إلّا إذا اتي به بنحو قربيّ ، كسائر أمثاله ، نحو صوم العيدين والصلاة في أيّام العادة. لا ما امر به لأجل التعبّد به (٣) ؛ ولا ما تتوقّف صحّته على النيّة (٤) ؛ ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيه في شيء (٥) ـ كما عرّفت بكلّ منها العبادة ـ. ضرورة أنّها بواحد منها لا يكاد يمكن أن يتعلّق بها النهي (٦) ؛ مع ما اورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا ، أو بغيره ـ كما يظهر من مراجعة المطوّلات (٧) ـ.

__________________

(١) حيث قال ـ ذيل المقدّمة السادسة من مقدّمات بحث مقدّمة الواجب ـ : «إنّ النهي المستلزم للفساد ليس إلّا ما كان فاعله معاقبا». ثمّ قال في المقدّمة السابعة : «لعدم ثبوت العقاب على الخطاب التبعيّ». راجع قوانين الاصول ١ : ١٠٢.

(٢) أي : تعميم النزاع للنهي الغيريّ التبعيّ.

(٣) هكذا عرّفها الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ١٥٨.

(٤) هكذا عرّفها المحقّق القميّ في قوانين الاصول ١ : ١٥٤.

(٥) هذا تعريف آخر من المحقّق القميّ في المصدر السابق.

(٦) لأنّ المفروض وجود الأمر الفعليّ فيها ، ومعه يستحيل تعلّق النهي بها ، لامتناع اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.

(٧) راجع الفصول الغرويّة : ١٤٠ ، ومطارح الأنظار : ١٥٤.

٧٣

وإن كان الإشكال بذلك (١) فيها في غير محلّه ، لأجل كون مثلها من التعريفات ليس بحدّ ولا برسم ، بل من قبيل شرح الإسم ، كما نبّهنا عليه غير مرّة ، فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض والإبرام في تعريف العبادة ، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.

الخامس : [تحرير محلّ النزاع]

إنّه لا يدخل في عنوان النزاع إلّا ما كان قابلا للاتّصاف بالصحّة والفساد ، بأن يكون تارة تامّا يترتّب عليه ما يترقّب عنه من الأثر ، واخرى لا كذلك ، لاختلال بعض ما يعتبر في ترتّبه.

أمّا ما لا أثر له شرعا ، أو كان أثره ممّا لا يكاد ينفكّ عنه ـ كبعض أسباب الضمان(٢) ـ فلا يدخل في عنوان النزاع ، لعدم طرو الفساد عليه كي ينازع في أنّ النهي عنه يقتضيه أولا.

فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الّذي تقدّم ، والمعاملة بالمعنى الأعمّ ممّا يتّصف بالصحّة والفساد ، عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما (٣) ، فافهم.

السادس : [المراد من الصحّة والفساد]

إنّ الصحّة والفساد وصفان إضافيّان يختلفان بحسب الآثار والأنظار. فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر ، وفاسدا بحسب آخر.

__________________

(١) أي : بالانتفاض طردا وعكسا.

(٢) كالإتلاف والغصب وغيرهما. وكالملاقاة في تحقّق الطهارة أو النجاسة.

(٣) العقد كالبيع ، والإيقاع كالطلاق ، وغيرهما كالتحجير والحيازة في ثبوت الحقّ أو الملكيّة.

وخالفه المحقّق النائينيّ ، فاختصّ النزاع بالعقود والإيقاعات ، وأخرج غيرهما. فوائد الاصول ٢ : ٤٥٦.

ولا يخفى : أنّ الملاك الّذي يقتضي الفساد في العقود والإيقاعات ـ كما مرّ ـ يقتضيه في مثل الحيازة والتحجير وغيرهما.

٧٤

ومن هنا صحّ أن يقال : إنّ الصحّة في العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فيهما بمعنى واحد وهو «التماميّة» ، وإنّما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار الّتي بالقياس عليها تتّصف بالتماميّة وعدمها.

وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلّم في صحّة العبادة إنّما يكون لأجل الاختلاف ، فيما هو المهمّ لكلّ منهما من الأثر ـ بعد الاتّفاق ظاهرا على أنّها بمعنى التماميّة ، كما هي معناها لغة (١) وعرفا (٢) ـ ، فلمّا كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب فسّر صحّة العبادة بسقوطهما ؛ وكان غرض المتكلّم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسّرها بما يوافق الأمر تارة ، وبما يوافق الشريعة اخرى (٣).

وحيث إنّ الأمر في الشريعة يكون على أقسام ـ من الواقعيّ الأوّليّ (٤)

__________________

(١) لا يخفى : أنّه لم يفسّر كلمة «الصحّة» في كتب اللغة بالتماميّة. فراجع لسان العرب ٢ : ٥٠٧ ، والصحاح ١ : ٣٨١ ، وغيرهما من كتب اللغة.

(٢) وأنكر السيّد الإمام الخمينيّ مساوقة الصحّة والفساد للتمام والنقصان عرفا ، بدعوى : أنّ النقص بحسب الأجزاء غالبا ، فيقال للإنسان الفاقد لبعض الأعضاء : «إنّه ناقص» ، والتمام مقابله. فبينهما تقابل العدم والملكة. بخلاف الصحّة والفساد ، فإنّ الصحّة يستعمل غالبا في الكيفيّات المزاجيّة أو الشبيهة بها ؛ ومقابلها الفساد بمعنى كيفيّة وجوديّة عارضة للشيء منافرة لمزاجه ومخالفة لطبيعته النوعيّة ؛ فبين الصحّة والفساد تقابل التضادّ لو سلّم كون الصحّة وجوديّة.

ثمّ أفاد أنّ الصحّة والفساد وإن استعملا في الشرع في التمام والنقصان ، إلّا أنّه يمكن أن يكون بوضع جديد ـ وهو بعيد عن الصواب ـ ، ويمكن أن يكون باستعمالهما فيهما مجازا ، ثمّ بلغا إلى حدّ الحقيقة. مناهج الوصول ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٣) والحاصل : أنّ تفسيرها بإسقاط القضاء ـ كما عن الفقهاء ـ أو بموافقة الشريعة أو موافقة الأمر ـ كما عن المتكلّمين ـ إنّما هو تفسير بالمهمّ من لوازم التماميّة.

ولا يخفى : أنّ كلامه لا يخلو عن المناقشة ، فراجع التعليقة (١) من الصفحة : ٥٤ من الجزء الأوّل.

(٤) كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.) البقرة / ٤٣.

٧٥

والثانويّ (١) ، والظاهريّ (٢) ـ ، والأنظار تختلف في أنّ الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان ، كان (٣) الإتيان بعبادة موافقة لأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر. فالعبادة الموافقة للأمر الظاهريّ تكون صحيحة عند المتكلّم والفقيه ، بناء على أنّ الأمر في تفسير الصحّة بموافقة الأمر أعمّ من الظاهريّ مع اقتضائه للإجزاء ، وعدم اتّصافها بها عند الفقيه بموافقته ـ بناء على عدم الأجزاء ، وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعيّ ـ وعند المتكلّم (٤) ـ بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعيّ ـ.

__________________

(١) كالأمر بالصلاة متكتّفا تقيّة.

(٢) كالأمر بالصلاة مع الوضوء المستصحب.

(٣) جواب «حيث».

(٤) غرضه من قوله : «وحيث إنّ الأمر في الشريعة ... خصوص الواقعيّ» هو تحقيق ما اشتهر بينهم من أنّ النسبة بين التعريفين المنقولين عن الفقيه والمتكلّم للصحّة عموم مطلق ، لأنّ كلّ ما يسقط الإعادة يوافق الأمر ، ولا عكس ، كما في الصلاة بالطهارة المستصحبة ، فإنّها موافقة للأمر وليست مسقطة للإعادة.

وحاصل ما أفاده في تحقيق ذلك هو المنع عن إطلاق ما عن المشهور.

وتوضيحه : أنّ في المقام صور :

الأولى : أن يكون مراد المتكلّم ب «الأمر» في تعريف الصحّة ما يعمّ الأمر الظاهريّ ، ويكون بناء الفقيه على عدم الإجزاء بموافقة الأمر الظاهريّ. وحينئذ تكون النسبة بين التعريفين عموما مطلقا ، فيصدق «أنّ كلّما يسقط الإعادة والقضاء موافق للأمر» ، إذ المفروض أنّ مراد المتكلّم من الأمر مطلق الأمر ؛ ولا يصدق «إنّ كلّما يوافق الأمر مسقط للإعادة أو القضاء» ، لأنّ المأمور به بالأمر الظاهريّ وإن كان موافقا للأمر عند المتكلّم لكنّه ليس مسقطا للإعادة أو القضاء عند الفقيه.

الثانية : أن يكون بناء الفقيه على الإجزاء بموافقة الأمر الظاهريّ ، ويكون مراد المتكلّم ب «الأمر» ما يعمّ الظاهريّ. وحينئذ تكون النسبة بين التعريفين التساوي ، بمعنى أنّ كلّ ما يوافق الأمر مسقط للإعادة أو القضاء وكلّ مسقط لهما موافق للأمر.

الثالثة : أن يكون مراد المتكلّم ب «الأمر» خصوص الأمر الواقعيّ ويكون بناء الفقيه على عدم الإجزاء بموافقة الأمر الظاهريّ. وحينئذ تكون النسبة بينهما هي التساوي أيضا ، إذ العبادة الموافقة للأمر الظاهريّ ـ كالصلاة مع الوضوء المستصحب ـ لا تكون موافقة للأمر ـ

٧٦

تنبيه : [حول مجعوليّة الصحّة والفساد وعدمها]

وهو أنّه لا شبهة في أنّ الصحّة والفساد عند المتكلّم وصفان اعتباريّان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها.

وأمّا الصحّة ـ بمعنى سقوط القضاء والإعادة ـ عند الفقيه : فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّليّ عقلا ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزما. فالصحّة بهذا المعنى فيه (١) وإن كان ليس (٢) بحكم وضعيّ مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ، إلّا أنّه ليس (٣) بأمر اعتباريّ ينتزع ـ كما توهّم (٤) ـ ، بل ممّا يستقلّ به العقل ، كما يستقلّ باستحقاق المثوبة به (٥). وفي غيره (٦) فالسقوط ربما يكون مجعولا وكان الحكم به تخفيفا ومنّة على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما ـ كما عرفت في مسألة الإجزاء (٧) ـ كما ربما يحكم بثبوتهما (٨) ، فيكون

__________________

ـ الواقعيّ ، فلا تكون صحيحة عند المتكلّم ، كما لا تكون مسقطة للقضاء أو الإعادة ، فلا تكون صحيحة عند الفقيه أيضا.

أشار المصنّف إلى الصورة الثانية بقوله : «فالعبادة الموافقة للأمر الظاهريّ تكون صحيحة عند المتكلّم ... مع اقتضائه للإجزاء». وأشار إلى الصورة الثالثة بقوله : «وعدم اتّصافها بها عند الفقيه بموافقته ـ أي الأمر الظاهريّ ـ بناء على عدم الإجزاء وكونه ـ أي كون اتّصافها بها ـ مراعى ـ أي مشروطا ـ بموافقة الأمر الواقعيّ عند المتكلّم ...».

وحقّ العبارة أن يقول : «فالعبادة الموافقة للأمر الظاهريّ تكون صحيحة عند المتكلّم والفقيه إذا كان مراد المتكلّم من الأمر في تفسير الصحّة ما يعمّ الظاهريّ وكان بناء الفقيه على اقتضائه للإجزاء. ولا تكون صحيحة عندهما إذا كان مراد المتكلّم من الأمر خصوص الأمر الواقعيّ وبنى الفقيه على عدم إجزائه».

(١) أي : في الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ.

(٢) هكذا في النسخ : والأولى أن يقول : «وإن ليست» ، لرجوع الضمير إلى الصحّة.

) والأولى أن يقول : «إلّا أنّها ليست».

(٤) راجع مطارح الأنظار : ١٦٠.

(٥) أي : بالإتيان بالمأمور به.

(٦) أي : في غير الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّليّ.

(٧) راجع الجزء الأوّل : ١٧٠ ـ ١٧١.

(٨) أي : ثبوت الإعادة والقضاء.

٧٧

الصحّة والفساد فيه (١) حكمين مجعولين ، لا وصفين انتزاعيّين.

نعم ، الصحّة والفساد في الموارد الخاصّة لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنّما هي تتّصف بهما بمجرّد الانطباق على ما هو المأمور به (٢). هذا في العبادات.

وأمّا الصحّة في المعاملات : فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتّب الأثر على معاملة إنّما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء ، ضرورة أنّه لو لا جعله لما كان يترتّب عليه (٣) ، لأصالة الفساد.

نعم ، صحّة كلّ معاملة شخصيّة وفسادها ليس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه (٤) ، كما هو الحال في التكليفيّة من الأحكام ، ضرورة أنّ اتّصاف المأتيّ به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ليس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام (٥).

__________________

(١) أي : في غير الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ.

(٢) هكذا في النسخ : والأولى أن يقول : «بمجرّد انطباق المأمور به عليها».

(٣) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «عليها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى المعاملة.

(٤) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «لأجل انطباق ما هو المجعول سببا عليها وعدمه» أي : عدم انطباقه على المعاملة.

(٥) والأولى أن يقول : «لانطباق ما هو الواجب أو الحرام عليه». ونلخّص ما أفاده ذيل قوله : «تنبيه» في عدّة نقاط :

الأولى : ما أشار إليه بقوله : «لا شبهة في أنّ الصحّة ...» ، وهو أنّ الصحّة الكلاميّة ـ وهي موافقة الأمر أو الشريعة ـ أمر انتزاعيّ منشؤه انطباق المأمور به على المأتيّ به.

الثانية : ما أشار إليه بقوله : «وأمّا الصحّة عند الفقيه فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به ...». وحاصله : أنّ الصحّة عند الفقيه بالنسبة إلى الأمر الواقعيّ الأوّليّ من الامور الواقعيّة ، فإنّها من اللوازم العقليّة للإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعيّ ، كاستحقاق العقوبة والمثوبة ، فليست مجعولة كما ليست انتزاعيّة ، بل هي أمر واقعيّ يحكم به العقل.

الثالثة : ما أشار إليه بقوله : «وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا ...». وحاصله : أنّ الصحّة الفقهيّة بالنسبة إلى الأمر الواقعيّ الثانويّ أو الأمر الظاهريّ مجعولة فيما إذا لم يكن المأمور به وافيا بملاك الواقع وأمكن تداركه ، فكان مقتضى القضاء أو الإعادة ثابتا ويحكم ـ

٧٨

__________________

ـ الشارع بسقوطهما تخفيفا على العباد.

الرابعة : ما أفاده بقوله : «نعم ، الصحّة والفساد في الموارد الخاصّة لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنّما هي تتّصف بهما بمجرّد الانطباق على ما هو المأمور به». ومحصّله : أنّ الصحّة الفقهيّة بالنسبة إلى غير الأمر الواقعيّ الأوّليّ لا تكون مجعولة فيما إذا كان المأمور به وافيا بملاك الواقع بحيث ينطبق عليه المأمور به.

ولكن في كلامه هذا وجهان :

الأوّل : أن يكون مراده من عدم مجعوليّتها أنّها انتزاعيّة ، إذ هي تنتزع عن انطباق المأمور به على المأتيّ به ، كما تنتزع الصحّة الكلاميّة عن مطابقة المأتيّ به مع المأمور به.

الثانى : أن يكن مراده أنّها أمر واقعيّ يحكم به العقل. فوزان الصحّة هنا وزان الصحّة في الأمر الواقعيّ الأوّلي في كونها من الامور الواقعيّة واللوازم العقليّة للإتيان بالمأمور به.

والظاهر من كلامه هو الأوّل.

الخامسة : ما أشار إليه بقوله : «وأمّا الصحّة في المعاملات ...». وهو أنّ الصحّة في المعاملات الكلّيّة ـ كالبيع والإجارة والصلح وما شاكلها ـ مجعولة شرعا ، فإنّ الصحّة في المعاملات ـ بمعنى ترتّب الأثر عليها ـ أمر بيد الشارع.

السادسة : ما أفاده بقوله : «نعم ، صحّة كلّ معاملة شخصيّة ...» ، يعني : أنّ الصحّة في المعاملات الشخصيّة الواقعة في الخارج وصف اعتباريّ ينتزع من مطابقة الفرد للطبيعيّ المجعول سببا.

والحاصل : أنّ الصحّة الكلاميّة أمر انتزاعيّ مطلقا. والصحّة الفقهيّة بالنسبة إلى الأمر الواقعيّ الأوّليّ حكم عقليّ واقعيّ ، وبالنسبة إلى غيره قد تكون حكما مجعولا شرعيّا وقد لا تكون حكما مجعولا شرعيّا.

وخالفه كثير من المتأخّرين :

فذهب المحقّق الأصفهانيّ إلى أنّ الصحّة في المعاملات كالصحّة في العبادات ليست من الامور المجعولة للشارع ، بل هي أمر عقليّ انتزاعيّ. نهاية الدراية ١ : ٥٨٦ ـ ٥٨٨.

وذهب المحقّق النائينيّ إلى التفصيل بين الصحّة الواقعيّة والصحّة الظاهريّة ، فالتزم بمجعوليّتها في الثانية دون الاولى. فوائد الاصول ١ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، أجود التقريرات ٢ : ٣٩٨ ـ ٣٩٢.

وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أنّ الصحّة أمر تكوينيّ عقليّ مطلقا ، فلا ينالها يد الجعل. راجع مناهج الوصول ٢ : ١٥٥.

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى التفصيل بين العبادات والمعاملات ، فالتزم بأنّ الحصّة ـ

٧٩

السابع : [الأصل في المسألة]

لا يخفى : أنّه لا أصل في المسألة (١) يعوّل عليه لو شكّ في دلالة النهي على الفساد. نعم ، كان الأصل في المسألة الفرعيّة الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحّة في المعاملة (٢).

وأمّا العبادة فكذلك (٣) ، لعدم الأمر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى (٤).

__________________

ـ والفساد مجعولان شرعا في المعاملات ، وأمران واقعيّان في العبادات. المحاضرات ٥ : ٨ ـ ١٣.

ثمرة المسألة :

وتظهر ثمرة البحث عن هذا المطلب في استصحاب الصحّة مع الشكّ في فقدان الجزء أو حصول المانع في الشبهة الحكميّة ، فإنّ الصحّة إذا كانت من المجعولات الشرعيّة تقبل التعبّد وضعا ورفعا ويجري استصحابها ، وإذا لم تكن من المجعولات الشرعيّة لم تنالها يد الجعل ولا تكون ممّا يقبل التعبّد وضعا ورفعا فلا يجري الاصول فيها.

(١) أي : مسألة دلالة النهي على الفساد وعدمها.

(٢) فلا تجري أصالة الفساد حينئذ ، لحكومة الإطلاق والعموم على أصالة الفساد الّتي معناها أصالة عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة. وأمّا بدونهما فالأصل العمليّ يقتضي الفساد ، لاستصحاب عدم ترتّب الأثر على المعاملة.

(٣) أي : تجري فيها أصالة الفساد الّتي ترجع إلى قاعده الاشتغال.

(٤) وذهب المحقّق الأصفهانيّ إلى تفصيل ، حاصله : أنّه لو كانت المسألة عقليّة ووقع البحث عن الملازمة العقليّة بين النهي والفساد فمقتضى الأصل في العبادة هو الفساد ، إذ يشكّ حينئذ أنّ العمل المأتيّ به مقرّب أو لا؟ فيشكّ في فراغ ذمّته بإتيانه العمل المنهيّ عنه. وقاعدة الاشتغال محكّمة.

وأمّا لو كانت المسألة لفظيّة ـ بأن كان النزاع في أنّ النهي ظاهر في الإرشاد إلى مانعيّة المنهيّ عنه أو هو ظاهر في الحرمة التكليفيّة فقط؟ ـ فالشكّ في العبادة يرجع إلى الشكّ في مانعيّة المنهيّ عنه ، فيكون المورد من موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، والأصل حينئذ هو الصحّة دون الفساد ، والبراءة دون الاشتغال. نهاية الدراية ١ : ٥٩٠.

وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أنّ الشكّ في فساد العبادة إن كان بعد الفراغ عن إحراز الملاك ـ كما في النهي عن الضدّ ـ فليرجع الشكّ إلى مانعيّة النهي عن العبادة ، وهو مجرى البراءة ، فالأصل يقتضي الصحّة. وإن كان الشكّ في تحقّق الملاك فالأصل يقتضي الفساد ، لتوقّف صحّة العبادة على إحراز الأمر أو الملاك ، والأمر لا يجتمع مع النهي في عنوان واحد ، ومع عدمه لا طريق لإحراز الملاك. مناهج الوصول ٢ : ١٥٧ ـ ١٥٨.

٨٠