كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

فافهم واغتنم (١).

السابع : [عدم ابتناء النزاع على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع]

انّه ربما يتوهّم :

تارة : أنّ النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع. وأمّا الامتناع على القول بتعلّقها بالأفراد فلا يكاد يخفى ، ضرورة لزوم تعلّق الحكمين بواحد شخصيّ ـ ولو كان ذا وجهين ـ على هذا القول (٢).

__________________

ـ الثانية : النزاع في مرحلة الامتثال. بأن يقال : هل يجوز التكليف بالضدّين اللذين لم يقدر المكلّف على امتثاله أم لا يجوز؟ وبتعبير آخر : هل يجوز التكليف بالمحال ـ وهو امتثال الضدّين ـ أم لا؟

ومن المعلوم أنّ القدرة على الامتثال شرط في التكليف ، والمكلّف لا يقدر عليه في المقام إلّا مع وجود المندوحة ، فوجودها في مرحلة الامتثال شرط. ولكنّه خارج عن محلّ البحث في مسألتنا هذه.

(١) والمحقّق الاصفهانيّ ـ بعد ما أورد على المصنّف بإيرادين ـ ذكر وجها آخر لعدم لزوم التقييد بالمندوحة ، فقال : «لو كان تعدّد الوجه مجديا في تعدّد المعنون لكان مجديا في التقرّب به من حيث رجحانه في نفسه ، فإنّ عدم المندوحة يمنع عن الأمر لعدم القدرة على الامتثال ، ولا يمنع من الرجحان الذاتيّ الصالح للتقرّب به ، فكما أنّ تعدّد الجهة يكفي من حيث التضادّ كذلك يكفي من حيث ترتّب الثمرة ـ وهي صحّة الصلاة ـ ، فلا موجب للتقييد بعدم المندوحة ، لا على القول بالتضادّ لكفاية الاستحالة من جهة التضادّ في عدم الصحّة ، ولا على القول بعدم التضادّ لما عرفت من كفاية تعدّد الجهة من حيث التقرّب أيضا». نهاية الدارية ١ : ٥١٤.

(٢) أي : على القول بتعلّق الأحكام بالأفراد.

وتوضيح التوهّم : أنّ للمتوهّم دعويين :

الأولى : جريان النزاع في خصوص ما إذا قلنا بتعلّق الأحكام بالطبائع. إذ عليه تعلّق الأمر بطبيعة والنهي بطبيعة أخرى ، غاية الأمر انطبقا في الخارج على شيء واحد. وحينئذ يقع النزاع في إمكان الاجتماع وامتناعه ، فالقائل بالجواز يرى أنّ تعدّد عنوان الطبيعة يوجب تعدّد المجمع في مورد الاجتماع ، والقائل بالامتناع يرى أنّ تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المجمع في الخارج. ـ

٢١

واخرى : أنّ القول بالجواز مبنيّ على القول بالطبائع ، لتعدّد متعلّق الأمر والنهي ذاتا عليه (١) ، وإن اتّحدا وجودا ؛ والقول بالامتناع على القول بالأفراد ، لاتّحاد متعلّقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا (٢).

وأنت خبير بفساد كلا التوهّمين ، فإنّ تعدّد الوجه إن كان يجدي بحيث لا يضرّ معه الاتّحاد بحسب الوجود والإيجاد لكان يجدي ولو على القول بالأفراد ، فإنّ الموجود الخارجيّ الموجّه بوجهين يكون فردا لكلّ من الطبيعتين ، فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما لا يضرّ وحدة الوجود بتعدّد الطبيعتين ، لا يضرّ بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكلّ من الطبيعتين ، وإلّا لما كان يجدي أصلا حتّى على القول بالطبائع كما لا يخفى ، لوحدة الطبيعتين وجودا واتّحادهما خارجا ؛ فكما أنّ وحدة الصلاتيّة والغصبيّة في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعدّدهما وكونهما طبيعتين ، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيّات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة فيكون مأمورا به ، وفردا للغضب فيكون منهيّا عنه ، فهو ـ على وحدته وجودا ـ يكون اثنين ، لكونه مصداقا للطبيعتين (٣). فلا تغفل.

__________________

ـ الثانية : عدم جريان النزاع فيما إذا قلنا بتعلّق الأحكام بالأفراد ، بل لا مناص من الالتزام بالامتناع ، إذ الفرد عبارة عن الوجود الواحد الشخصيّ الخارجيّ ، ومن الواضح أنّه لا يعقل أن يكون الواحد الشخصيّ مصداقا لحكمين متضادّين ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين.

(١) أي : على القول بالطبائع.

(٢) وحاصل هذا التوهّم هو الالتزام بالتفصيل في مسألة الاجتماع. بأن يقال : الحقّ أنّ اجتماع الأمر والنهي جائز على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع ، وممتنع على القول بتعلّقها بالأفراد. بدعوى أنّه على القول بالطبائع يتعدّد متعلّق الأمر والنهي في مرحلة تعلّق الحكم به ، فلم يجتمعا في واحد وإن اجتمعا في المصداق. وأمّا على القول بالأفراد فبما أنّ متعلّقهما هو الفرد الواحد الشخصيّ فلا يمكن اجتماعهما عليه وتعلّقهما به.

(٣) حاصل الدفع : أنّ أساس النزاع على أنّ تعدّد الوجه هل يكفي في دفع غائلة اجتماع الضدّين أم لا؟ فلو قلنا بأنّ تعدّد الوجه يستلزم تعدّد المعنون فالاجتماع جائز مطلقا. أمّا ـ

٢٢

الثامن : [ملاك باب الاجتماع]

انّه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلّا إذا كان في كلّ واحد من متعلّقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتّى في مورد التصادق والاجتماع ، كي يحكم على الجواز (١) بكونه (٢) فعلا محكوما بالحكمين ، وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى ، كما يأتي تفصيله (٣). وأمّا إذا لم يكن للمتعلّقين مناط كذلك (٤) ، فلا يكون من هذا الباب ، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما إلّا بحكم واحد منهما (٥) إذا كان له مناطه ، أو حكم آخر غيرهما فيما لم يكن لواحد منهما ، قيل بالجواز أو الامتناع (٦). هذا بحسب مقام الثبوت.

__________________

ـ بناء على تعلّق الأحكام بالطبائع فواضح. وأمّا بناء على تعلّقها بالأفراد فلأنّ متعلّق الحكم وإن كان هو الفرد ، إلّا أنّه بما كان ذا وجهين كان مجمعا لفردين من طبيعتين موجودين بوجود واحد ، أحدهما متعلّق الأمر والآخر متعلّق النهي ، فلا يلزم اجتماع الضدّين.

ولو قلنا بأنّ تعدّد الوجه لا يستلزم تعدّد المعنون فالاجتماع محال ، حتّى على القول بتعلّقها بالطبائع ، لأنّ الطبيعتين موجودتان بوجود واحد ، والمطلوب هو وجود الطبيعة ، فيلزم اجتماع المتضادّين في واحد ، وهو محال.

(١) أي : على القول بجواز الاجتماع.

(٢) أي : كون مورد التصادق.

(٣) يأتي في الأمر الآتي.

(٤) بأن لم يكن شيء منهما ذا ملاك أو كان الملاك في أحدهما دون الآخر.

(٥) أي : من الحكمين المجعولين لمتعلّقي الأمر والنهي.

(٦) وأورد عليه السيّد الخوئيّ ـ تبعا لاستاذه المحقّق النائينيّ ـ بما حاصله : أنّ اعتبار ثبوت الملاك في متعلّقي الإيجاب والتحريم يوجب اختصاص النزاع بمذهب الإماميّة القائلين بتبعيّة الأحكام للملاكات الواقعيّة ـ من المصالح والمفاسد ـ ، ومعلوم أنّ البحث عن جواز الاجتماع وامتناعه لا يختصّ بمذهب الإماميّة ، بل يعمّ جميع المذاهب حتّى مذهب الأشعريّ المنكر لتبعيّة الأحكام للملاكات الواقعيّة ، ضرورة أنّ المجمع لمتعلّقي الأمر والنهي إن كان واحدا وجودا وماهيّة فلا مناص من القول بالامتناع حتّى على مذهب الأشعريّ ، لأنّه من التكليف المحال ، وإن كان متعدّدا فلا مناص من القول بالجواز ، بلا فرق بين تبعيّة الأحكام للملاكات الواقعيّة وعدم تبعيّتها لها. المحاضرات ٤ : ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ، أجود التقريرات ١ : ٣٥٦.

٢٣

وأمّا بحسب مقام الدلالة والإثبات : فالروايتان الدالّتان على الحكمين متعارضتان إذا احرز أنّ المناط من قبيل الثاني (١) ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير (٢) ، وإلّا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين. فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا ، فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجّحات الروايات أصلا ، بل لا بدّ من مرجّحات المقتضيات المتزاحمات ، كما تأتي الإشارة إليها (٣).

__________________

(١) يعني : لم يكن للمتعلّقين مناط أحد الحكمين.

(٢) هكذا في النسخ ، والأولى أن يقول : «أو التخيير».

(٣) في التنبيه الثاني من تنبيهات الفصل.

وحاصل ما أفاده المصنّف في المقام : أنّ ملاك التعارض بين الدليلين في مقام الإثبات هو أن يكون مورد الاجتماع مشتملا على مناط أحد الحكمين دون الآخر. وأمّا إذا كان مورد الاجتماع مشتملا على مناط كليهما معا فتقع المزاحمة بين المقتضيين. وحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم من الأهمّيّة وغيرها. ولا وجه للرجوع إلى مرجّحات باب التعارض. وعليه تكون مسألتنا هذه من صغريات باب التزاحم.

ولكن أورد عليه المحقّق النائينيّ من وجهين :

الأوّل : ما مرّ آنفا في التعليقة (٦) من الصفحة المتقدّمة.

الثاني : أنّ ما ذكره يستلزم عدم تحقّق مورد للتعارض أصلا ، لأنّ انتفاء الملاك في أحد الحكمين لا يمكن استكشافه من نفس الدليلين ، فلا بدّ في استكشافه من دليل خارجيّ ، وهو ـ مع ندرته ـ على فرض وجوده لا يوجب التعارض.

ثمّ ذهب إلى أنّ مناط دخول المجمع في باب التعارض أن يكون التركيب بين متعلّقي الأمر والنهي اتّحاديّا وتكون الحيثيّتان تعليليّتين ، لأنّه حينئذ لا مناص عن القول بالامتناع ويتكاذبان. وأمّا إذا كان التركيب بينهما انضماميّا وتكون الحيثيّتان تقييديّتين فيدخل الدليلان في مسألة الاجتماع مع المندوحة ، وفي باب التزاحم مع عدم المندوحة. أجود التقريرات ١ : ٣٥٦ ـ ٣٦١.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئيّ حسّن الإيراد الأوّل ، وأجاب عن الإيراد الثاني بأنّه إذا دلّ دليل على وجوب شيء والآخر على حرمته فالدليلان وإن يكونا متعارضين في اشتمال ذلك الشيء على ملاك الوجوب أو الحرمة ، إلّا أنّه يكفي في دخولهما في باب التعارض ـ أي تعارضهما في مدلوليهما ـ. أجود التقريرات ١ : ٣٥٦.

٢٤

نعم ، لو كان كلّ منهما متكفّلا للحكم الفعليّ (١) لوقع بينهما التعارض (٢) ، فلا بدّ من ملاحظة مرجّحات باب المعارضة لو لم يوفّق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائيّ بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة. فتفطّن.

التاسع : [ما يتعلّق بدليل الحكمين إثباتا]

إنّه قد عرفت أنّ المعتبر في هذا الباب أن يكون كلّ واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهيّ عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتّى في حال الاجتماع.

فلو كان هناك ما دلّ على ذلك من إجماع أو غيره فلا إشكال. ولو لم يكن إلّا إطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل ، وهو : أنّ الإطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائيّ (٣) لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب. ولو كان بصدد الحكم الفعليّ فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين ؛ وأمّا على القول بالامتناع : فالإطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد

__________________

ـ وأنكر السيّد الإمام الخمينيّ وجود أيّ ارتباط بين مسألة التعارض ومسألة اجتماع الأمر والنهي ، لأنّ موضوع باب التعارض هو الخبران المختلفان ، والمناط في الاختلاف هو الفهم العرفيّ ، والجمع هناك عرفيّ لا عقليّ. وأمّا في مسألتنا هذه فالجمع عقليّ والجمع العقليّ ليس من وجوه الجمع في باب التعارض حتّى يشتبه المجمع بين البابين. مناهج الوصول ٢ : ١١٧ ـ ١١٨.

(١) حتّى في حال الاجتماع ، بأن يدلّ دليل وجوب الصلاة ـ مثلا ـ على وجوبها حتّى في الدار المغصوبة ، ويدلّ دليل حرمة الغصب ـ مثلا ـ على حرمته حتّى في حال الصلاة.

(٢) إذ بناء على الامتناع يستحيل فعليّة الحكمين ، فيعلم إجمالا بكذب أحدهما ، فيجري عليهما حكم التعارض لو لم يمكن الجمع العرفيّ بينهما ـ بحمل أحدهما على الاقتضائيّ ـ ولو بقرينة أهمّيّة أحدهما بالنسبة إلى الآخر.

(٣) أي : دلّ أحدهما على المصلحة في متعلّقة والآخر على المفسدة في متعلّقة.

٢٥

الاجتماع أصلا ، فإنّ انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن أن يكون لأجل انتفائه (١). إلّا أن يقال : إنّ قضيّة التوفيق بينهما هو حمل كلّ منهما على الحكم الاقتضائيّ لو لم يكن أحدهما أظهر ، وإلّا فخصوص الظاهر منهما.

فتلخّص : أنّه كلّما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين كان من مسألة الاجتماع ، وكلّما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا (٢) إذا كانت هناك دلالة على انتفائه (٣) في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز ، وإلّا فعلى الامتناع (٤).

العاشر : [اختلاف حكم المجمع باختلاف الأقوال والحالات]

انّه لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز مطلقا ، ولو في العبادات ، وإن كان معصية للنهي أيضا.

وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الأمر ، إلّا أنّه لا معصية عليه.

وأمّا عليه (٥) وترجيح جانب النهي : فيسقط به الأمر به (٦) مطلقا (٧) في غير العبادات ، لحصول الغرض الموجب له.

__________________

(١) أي : انتفاء المقتضي.

(٢) أي : من غير فرق بين القول بجواز الاجتماع وعدمه.

(٣) أي : انتفاء المقتضي.

(٤) وقال السيّد المحقّق الخوئيّ : «إنّ ما أفاده المصنّف في هاتين المقدّمتين ـ أعني المقدّمة الثامنة والتاسعة ـ جميعا لا يبتني على أصل صحيح». وعلى الطالب المحقّق أن يرجع تفصيل كلامه في المحاضرات ٤ : ٢٠٨ ـ ٢١٦.

(٥) أي : على الامتناع.

(٦) أي : فيسقط بإتيان المجمع الأمر بالمجمع. والأحسن أن يقول : «فيسقط به الأمر مطلقا».

(٧) أي : سواء كان حين الفعل ملتفتا إلى الحرمة أولا ، وسواء كان عدم التفاته عن قصورا وعن تقصير.

٢٦

وأمّا فيها (١) : فلا ، مع الالتفات إلى الحرمة ، أو بدونه تقصيرا (٢) ، فإنّه (٣) وإن كان متمكّنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها ، إلّا أنّه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرّب به أصلا ، فلا يقع مقرّبا ، وبدونه (٤) لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة ، كما لا يخفى.

وأمّا إذا لم يلتفت إليها قصورا وقد قصد القربة بإتيانه : فالأمر يسقط ، لقصد التقرّب بما يصلح أن يتقرّب به (٥) ، لاشتماله على المصلحة ، مع صدوره حسنا (٦) ، لأجل الجهل بحرمته قصورا ، فيحصل به الغرض من الأمر ، فيسقط به قطعا وإن لم يكن امتثالا له ، بناء على تبعيّة الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا ، لا لما هو المؤثّر منها فعلا للحسن أو القبح ، لكونهما تابعين لما علم منهما (٧) ، كما حقّق في محلّه (٨).

مع أنّه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك (٩) ، فإنّ العقل لا يرى تفاوتا بينه(١٠) وبين سائر الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها ، وإن لم تعمّه بما هي مأمور بها (١١) ، لكنّه لوجود المانع ، لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح : أنّه (١٢) يجزئ ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحّة العبادة وعدم كفاية الإتيان بمجرّد المحبوبيّة ، كما يكون كذلك في ضدّ الواجب

__________________

(١) أي : في العبادات.

(٢) فلا يعذر في جهله ، فإنّ الجهل عن تقصير كالعلم.

(٣) أي : غير الملتفت.

(٤) أي : بدون التقرّب.

(٥) هكذا في النسخ. ولكن الصحيح أن يقول : «لأن يتقرّب به».

(٦) أي : مع صدوره بعنوان حسن ، وهو قصد التقرّب.

(٧) أي من المصالح والمفاسد.

(٨) يأتي مزيد توضيح في مبحث التجرّي ومبحث إمكان التعبّد بالأمارة غير العلميّة.

(٩) أي : مع كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة.

(١٠) أي : بين هذا الفرد من المجمع.

(١١) أي : وإن لم تعمّ الطبيعة بما هي مأمور بها ذلك المجمع.

(١٢) أي : المجمع.

٢٧

حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلا.

وبالجملة : مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا (١) أو حكما (٢) يكون الإتيان بالمجمع امتثالا وبداعي الأمر بالطبيعة لا محالة. غاية الأمر أنّه لا يكون ممّا تسعه بما هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعيّة ؛ وأمّا لو قيل بعدم التزاحم إلّا في مقام فعليّة الأحكام لكان ممّا تسعه وامتثالا لأمرها بلا كلام (٣).

__________________

(١) بأن لم يعلم بالغصب في المثال المعروف.

(٢) بأن لم يعلم حرمة الغصب ـ مثلا ـ.

(٣) ومنتقى ما أفاده المصنّف رحمه‌الله إلى هنا أنّ المجمع يختلف حكمه باختلاف الأقوال والحالات.

بيان ذلك : أنّه لا يخلو : إمّا أن نقول في المقام بجواز اجتماع الأمر والنهي ، وإمّا أن نقول بامتناعه. وعلى الثاني إمّا أن يقدّم جانب الأمر ، وإمّا أن يقدّم جانب النهي. وعلى الثاني إمّا أن يكون المجمع توصّليّا ، وإمّا أن يكون عباديّا. وعلى الثانيّ إمّا أن يكون الفاعل ملتفتا إلى الحرمة ، وإمّا أن لا يكون ملتفتا إليها. وعلى الأخير إمّا أن يكون عدم التفاته إليها عن تقصير وإمّا أن يكون عن قصور. ففي المقام ستّة صور :

ولكلّ صورة حكم خاصّ :

أمّا الصورة الاولى : فحكمها سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع مطلقا ، في العبادات والتوصّليّات.

أمّا في التوصّليّات : فلأنّ الغرض منها صرف وجودها في الخارج ، فلا يعتبر فيها كيفيّة خاصّة.

وأمّا في العبادات : فلأنّ المفروض عدم اتّحاد العبادة مع الحرام ، فارتكاب الحرام ـ كالغصب ـ لا يوجب فسادها ، بل تنطبق على المجمع الطبيعة المأمور بها ، غاية الأمر يستلزم معصيته للنهي أيضا.

وأمّا الصورة الثانية : فحكمها سقوط الأمر بإتيان المجمع من دون ارتكاب معصية ، ـ

٢٨

__________________

ـ لأنّ المفروض أنّه لا نهي في المقام حتّى يكون المجمع منهيّا عنه.

وأمّا الصورة الثالثة : فحكمها سقوط الأمر بإتيان المجمع ، لأنّ الغرض منه يحصل بمجرّد وجوده ولو كان في ضمن فعل محرّم.

وأمّا الصورة الرابعة : فحكمها فساد العبادة. وذلك لأنّ صحّة العبادة تتوقّف على امور :

١ ـ أن يكون الفعل في نفسه قابلا للتقرّب. ٢ ـ أن يقصد المكلّف التقرّب به. ٣ ـ أن لا يكون صدوره منه قبيحا ومبغوضا. أمّا الأمر الأوّل وإن كان موجودا في هذه الصورة ، لأنّ الفعل يشتمل على الملاك فيكون في نفسه قابلا لأن يتقرّب به ، إلّا أنّ الأمر الثاني والثالث غير موجودين هنا ، ضرورة أنّ المجمع عندئذ لا يكون مصداقا للمأمور به ، ومع الالتفات إلى الحرمة لا يمكن قصد التقرّب به ؛ مضافا إلى أنّه بما كان عالما بالحرمة فصدوره منه يكون قبيحا ومبغوضا.

وأمّا الصورة الخامسة : فحكمها فساد العبادة. وذلك لأنّ الأمر الأوّل والثاني وإن كانا موجودين هنا ، إلّا أنّ الأمر الثالث من الامور المعتبرة في صحّة العبادة غير موجود ، ضرورة أنّ جهله كان عن تقصير ـ أي يتمكّن من العلم ولم يعلّم ـ ، فيكون صدور الفعل منه قبيحا بل مبغوضا للمولى ، فإذن لا تكون العبادة صحيحة.

وأمّا الصورة السادسة : فحكمها صحّة العبادة وسقوط الأمر بإتيان المجمع. وذلك لتوفّر الامور الثلاثة فيها.

أمّا الأمر الأوّل : فلاشتمال الفعل على ملاك الوجوب ، فيكون قابلا للتقرّب به ؛ والجهل بالحرمة بما أنّه كان عن قصور يمنع عن فعليّة الحرمة ، والحرمة غير الفعليّة لا تمنع عن قابليّة العبادة للتقرّب.

وأمّا الأمر الثاني : فلأنّ المفروض أنّ المكلّف متمكّن من قصد القربة في هذا الحال.

وأمّا الأمر الثالث : فلأنّ جهله كان عن قصور ، فلا يقدر على العلم ويكون صدور الفعل منه حسنا.

فإذا لا مانع من الحكم بصحّة العبادة في هذه الصورة.

وإنّما الكلام في أنّه هل تنطبق الطبيعة المأمور بها على المجمع في هذه أو لا تنطبق؟ وهل يصدق على إتيان المجمع ـ عندئذ ـ امتثال الأمر أو لا يصدق؟

فيه وجوه :

الأوّل : أنّه لا يصدق عليه عنوان امتثال الأمر. وذلك لأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة من دون إناطتها بالعلم بتلك الملاكات. وعليه تكون العبادة حراما ، لتبعيّة ـ

٢٩

وقد انقدح بذلك (١) : الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدّم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا ، حيث لا يكون معه مجال للصحّة أصلا (٢) ، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة ، حيث يقع صحيحا في موارد النسيان وغير مورد من موارد الجهل (٣) ، لموافقته للغرض بل للأمر.

__________________

ـ الحرمة لملاكها النفس الأمريّ ، وهو المفسدة الغالبة على المصلحة ـ كما هو المفروض على القول بالامتناع وترجيح جانب النهي ـ ، حيث إنّ الحكم تابع لأقوى الملاكين. فالطبيعة المأمور بها لا تعمّ المجمع بما هي مأمور بها. وذلك لا يضرّ بصحّته لو كان عبادة ، فإنّ صحّة العبادة لا تتوقّف على الأمر ، بل يكفي فيها ثبوت ملاك الوجوب في الفعل كي يكون قابلا للتقرّب.

وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى هذا الوجه بقوله : «بناء على تبعيّة الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا».

الثاني : أن يصدق عليه عنوان امتثال الأمر. وذلك بأن يقال : «إنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد المؤثّرة في الحسن والقبح الفعليّين». وعليه لا مزاحمة بين جهات المصالح والمفاسد في الواقع ، فلا أثر للملاك الواقعيّ ، بل المؤثّر إنّما هو الملاك الفعليّ الواصل إلى المكلّف ، وهو ما كان ملتفتا إليه. والملاك الواصل إلى المكلّف في المقام هو الوجوب ، لأنّه ملتفت إليه ، دون الحرمة. وعليه فيكون المجمع مصداقا للمأمور به ويصدق على الإتيان به عنوان امتثال الأمر.

وهذا الوجه ذكره المصنّف رحمه‌الله ولم يرتضه ، حيث قال : «لا لما هو المؤثّر منها ...».

الثالث : أنّه يصدق عليه عنوان امتثال الأمر حتّى على القول بتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعيّة. وذلك لأنّ العقل لا يرى تفاوتا بين هذا المجمع الّذي هو فرد من أفراد الطبيعة وبين سائر أفرادها في الوفاء بالغرض القائم بالطبيعة المأمور بها. وعندئذ يحكم العقل بتحقّق الامتثال إذا اتي بهذا الفرد بداعي امتثال الأمر بالطبيعة. نعم ، الطبيعة المأمور بها لا تشمل هذا الفرد ، لكن عدم الشمول ليس لعدم المقتضي ، فإنّ المفروض أنّ المقتضي ـ وهو الوفاء بالغرض ـ موجود فيه ، بل إنّما هو لوجود المانع ـ وهو التزاحم ـ ، فإنّه أوجب عدم شمول الطبيعة بوصف كونها مأمورا بها للفرد المزاحم.

وأشار المصنّف رحمه‌الله إلى هذا الوجه بقوله : «مع أنّه يمكن أن يقال ...».

(١) أي بما ذكر في تصحيح العبادة مع الجهل القصوريّ بالحرمة على القول بالامتناع من اشتمالها على المصلحة.

(٢) وإن فرض أنّه كان جاهلا بالحرمة وكان جهله عن قصور ، أو فرض أنّه نسي الحرمة.

(٣) وفي النسخ : «حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد الجهل والنسيان». ولكن العبارة ـ

٣٠

ومن هنا علم : أنّ الثواب عليه من قبيل الثواب على الإطاعة ، لا الانقياد ومجرّد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الأصحاب بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحكم ، إذا كان عن قصور ، مع أنّ الجلّ لو لا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر. فلتكن من ذلك على ذكر (١).

[القول بالامتناع ودليله]

إذا عرفت هذه الامور فالحقّ هو القول بالامتناع ، كما ذهب إليه

__________________

ـ لا يطابق مقصود المصنّف رحمه‌الله في المقام. بيان ذلك : أنّ في قوله : «والنسيان» وجهين :

الأوّل : أن يكون معطوفا على قوله : «موارد الجهل» فيكون معنى العبارة : «يقع المجمع صحيحا في كثير من الموارد ، وهي موارد الجهل وموارد النسيان». وهذا غير مقصود قطعا ، لأنّ المجمع عند المصنّف رحمه‌الله لا يكون صحيحا في تمام موارد الجهل ، بل إنّما يكون صحيحا في موارد الجهل القصوريّ.

الثاني : أن يكون معطوفا على قوله : «غير مورد من موارد الجهل» فيكون معنى العبارة : «يقع المجمع صحيحا في كثير من موارد الجهل وفي كثير من موارد النسيان». وهذا أيضا غير مقصود قطعا ، لأنّ موارد النسيان عبارة عن نسيان الموضوع ونسيان الحكم ونسيان كليهما ، والمجمع صحيح في جميع هذه الموارد ، لاطلاق حديث الرفع ، فلا يصحّ أن يقال : «يقع المجمع صحيحا في كثير من موارد النسيان» ، بل الصحيح ما أثبتناه.

إن قلت : إنّ النسيان أيضا ينقسم إلى قسمين : أحدهما : النسيان عن تقصير ، وهو ما إذا كان النسيان مستندا إلى سوء اختيار المكلّف. وثانيهما : النسيان عن قصور ، وهو فيما إذا لم يكن مستندا إليه. ولا يصحّ المجمع في القسم الثاني. فيصحّ أن يقال : «يقع المجمع صحيحا في كثير من موارد النسيان».

قلت : ظاهر كلام المصنّف رحمه‌الله ـ بعد أسطر ـ : «مع النسيان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحكم ، إذا كان عن قصور» أنّه لم يرتض هذا التقسيم ، وإلّا يقول : «إذا كانا عن قصور».

(١) وناقش المحقّق الخوئيّ فيما أفاده المصنّف رحمه‌الله في هذه المقدّمة من وجوه خمسة ، تركناها خوفا من التطويل. فراجع المحاضرات ٤ : ٢٣١ ـ ٢٤٠.

٣١

المشهور (١). وتحقيقه على وجه يتّضح به فساد ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال يتوقّف على تمهيد مقدّمات :

إحداها (٢) : [تضادّ الأحكام الخمسة]

انّه لا ريب في أنّ الأحكام الخمسة متضادّة في مقام فعليّتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامّة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان. وإن لم تكن بينها مضادّة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة ، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الإنشائيّة قبل البلوغ إليها ، كما لا يخفى (٣). فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة أنّه (٤) بنفسه محال (٥) ، فلا يجوز عند من يجوّز التكليف بغير المقدور أيضا.

ثانيتها (٦) : [تعلّق الأحكام بأفعال المكلّفين]

إنّه لا شبهة في أنّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف وما هو في الخارج يصدر

__________________

(١) منهم صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ١٢٥ ، وصاحب المعالم في معالم الدين : ١٠٧.

ونسبه المحقّق القميّ ـ في القوانين ١ : ١٤٠ ـ إلى الأكثر ، كما وصفه صاحب الفصول بالقول المعروف.

(٢) وفي بعض النسخ : «أحدها». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) لا يخفى : أنّ تضادّ الأحكام وإن كان معروفا بين الاصوليّين ، لكن خالفهم المحقّق الأصفهانيّ والسيّد الإمام الخمينيّ. وحاصل ما أفاداه : أنّ التضادّ من أوصاف الأحوال الخارجيّة للأمور العينيّة الشخصيّة. وأمّا البعث والزجر فليسا من الأحوال الخارجيّة ، بل هما من الامور الاعتباريّة ، كما أنّ متعلّقهما ليس من الامور العينيّة ، بل كان من الامور العنوانيّة. فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّين من البعث نحو الشيء والزجر عنه. فالتضادّ بين الأحكام ممّا لا أساس له. نهاية الدراية ١ : ٥٢٥ ، مناهج الوصول ٢ : ١٣٦ ـ ١٣٨.

(٤) أي : التكليف.

(٥) لأنّ اجتماع الأمر والنهي من اجتماع الضدّين ، وهو محال.

(٦) وفي بعض النسخ «ثانيها». والصحيح ما أثبتناه.

٣٢

عنه وهو فاعله وجاعله (١) ؛ لا ما هو اسمه ـ وهو واضح ـ ؛ ولا ما هو عنوانه ممّا قد انتزع عنه ـ بحيث لو لا انتزاعه تصوّرا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه (٢) شيء خارجا ـ ويكون خارج المحمول (٣) كالملكيّة والزوجيّة والرقيّة والحرّيّة والغصبيّة إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة أنّ البعث ليس نحوه ، والزجر لا يكون عنه (٤) ، وإنّما يؤخذ في متعلّق الأحكام آلة للحاظ متعلّقاتها والإشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله.

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والاولى أن يقول : «وهو ما فاعله وجاعله».

ولا يخفى : أنّ تعلّق الأحكام بفعل المكلّف وما يصدر عنه في الخارج ممنوع ، لأنّه متوقّف على وجوده قبل تعلّق الأحكام ، والبعث إلى إيجاد الموجود تحصيل للحاصل ، كما أنّ الزجر عمّا وجد في الخارج ممتنع. فلا يتعلّق الأحكام بالوجود الخارجيّ.

ولذا استشكل المحقّق الاصفهانيّ في هذه المقدّمة وذهب إلى أنّ متعلّق الأحكام هو العنوان بما هو مرآة للمعنون وفان فيه ، فيكون فناء العنوان في المعنون مصحّحا لتعلّق التكليف به. نهاية الدراية ١ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

واستشكل فيها السيّد الإمام الخمينيّ أيضا ، وذهب إلى أنّ الأحكام لا يتعلّق بالمعنون بما أنّه موجود في الخارج ، كما لا يتعلّق بالعنوان بما أنّه موجود في الذهن. أمّا الأوّل : فواضح ـ لما مرّ ـ. وأمّا الثاني : فلأنّه غير ممكن الانطباق على الخارج. بل الأحكام تتعلّق بالطبيعة بما هي هي ، وإن كان ظرف تعلّقها بها هو الذهن. فمتعلّق الهيئة في قوله : «صلّ» هو الماهيّة لا بشرط ، ومفاد الهيئة هو البعث والتحريك إلى تحصيلها. مناهج الوصول ٢ : ١٣٠.

وذهب المحقّق النائينيّ إلى أنّ الأحكام تتعلّق بالطبيعة باعتبار مرآتيّتها للوجود الخارجيّ. فوائد الاصول ٢ : ٤٠١.

(٢) أي : بحذاء المعنون.

(٣) والمراد من خارج المحمول في المقام هو ما ينتزع من حاقّ الموضوع ويحمل عليه من دون أن يكون له ما بإزاء في الخارج ، فإنّ عنوان الملكيّة ـ مثلا ـ ينتزع من فعل المكلّف ويحمل عليه من دون أن يكون له ما بإزاء في الخارج.

وقد مرّت الإشارة إلى الفرق بين خارج المحمول والمحمول بالضميمة فيما علّقت على مباحث المشتقّ ، فراجع الجزء الأوّل : ١١٠.

(٤) الضمير في قوله : «نحوه» و «عنه» يرجع إلى العنوان.

٣٣

ثالثتها (١) : [تعدّد العنوان لا يستلزم تعدّد المعنون]

انّه لا يوجب تعدّد الوجه والعنوان تعدّد المعنون ، ولا تنثلم به وحدته ، فإنّ المفاهيم المتعدّدة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الّذي لا كثرة فيه من جهة ، بل بسيط من جميع الجهات ، ليس فيه حيث غير حيث ، وجهة مغايرة لجهة أصلا ، كالواجب تبارك وتعالى ، فهو على بساطته ووحدته وأحديّته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلاليّة والجماليّة. له الأسماء الحسنى والأمثال العليا ، لكنّها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد.

عباراتنا شتّى وحسنك واحد

وكلّ إلى ذاك الجمال يشير (٢)

رابعتها : [الواحد وجودا واحد ماهيّة وذاتا]

انّه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلّا ماهيّة واحدة وحقيقة فاردة ، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلّا تلك الماهيّة ؛ فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كلّ منهما ماهيّة وحقيقة كانت عينه في الخارج ، كما هو شأن الطبيعيّ وفرده ، فيكون الواحد وجودا واحدا ماهيّة وذاتا لا محالة ؛ فالمجمع وإن تصادق عليه متعلّقا الأمر والنهي ، إلّا أنّه كما يكون واحدا وجودا يكون

__________________

(١) وفي بعض النسخ : «ثالثها». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) لا يخفى : أنّ غاية ما برهن عليه المصنّف رحمه‌الله أنّ تعدّد العنوان لا يكشف عن تعدّد المعنون.

ومعلوم أنّ عدم الكشف أعمّ من أن يكون المعنون في الواقع واحدا أو متعدّدا. فلم يبرهن على أنّ المعنون واحد في جميع موارد الاجتماع.

ومن هنا استشكل المحقّق الأصفهانيّ في كليّة هذه الدعوى ، وذهب إلى أنّ تعدّد العنوان قد يستلزم تعدّد المطابق خارجا ، وقد لا يستلزمه ، فإنّ البرهان قد يقوم على استحالة كون الشيء الواحد مطابقا لمفهومين ، فيكونا متقابلين كالعلّيّة والمعلوليّة ؛ وقد لا يقوم عليها ، فلا يمتنع أن يكون الشيء الواحد مطابقا لمفهومين. وهذه المفاهيم إن كان مبدئها في مرتبة الذات فلا يستدعي العنوان ومبدأه مطابقين ، وإن كان في مرتبة متأخّرة عن ذاته فيكون للمبدا وجود مغاير للذات قائم بها ، فيستدعي العنوان ومبدأه مطابقين. نهاية الدراية ١ : ٥٢٩.

٣٤

واحدا ماهيّة وذاتا ؛ ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهيّة.

ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين (١) في تلك المسألة ـ كما توهّم في الفصول (٢) ـ ، كما ظهر عدم الابتناء على تعدّد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدّده ، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له ، وأنّ مثل الحركة في دار ـ من أيّ مقولة كانت ـ لا يكاد تختلف حقيقتها وماهيّتها ويتخلّف ذاتيّاتها ، وقعت جزء للصلاة أو لا ، كانت تلك الدار مغصوبة أولا (٣).

__________________

(١) أي : القول بأصالة الوجود والقول بأصالة الماهيّة.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والأولى أن يحذف قوله : «كما توهّم في الفصول» وأن يقول عقيب قوله : «وعدم تعدّده» : «كما توهّما في الفصول».

وذلك لأنّ الظاهر من كتاب الفصول : ١٢٦ أنّ صاحب الفصول توهّم أمرين :

أحدهما : أنّ القول بالجواز يبتني على القول بأصالة الماهيّة ، لأنّ الماهيّة ـ بناء على أصالتها ـ متعدّدة في مورد الاجتماع ، ضرورة أنّ ماهيّة الصلاة غير ماهيّة اخرى : فإذن كانتا متعدّدتين ؛ ولا مناص من تعلّق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر. والقول بالامتناع يبتني على القول بأصالة الوجود ، لأنّ الوجود في مورد الاجتماع واحد ، والوجود الواحد يستحيل أن يكون مصداقا للمأمور به والمنهي عنه.

وثانيهما : ابتناء القول بالجواز على تعدّد وجود الجنس والفصل ، والقول بالامتناع على اتّحاد وجودهما. وذلك لأنّه إن كان مورد الأمر الماهيّة الجنسيّة ومورد النهي الماهيّة الفصليّة وكانت الماهيّتان موجودتين بوجود واحد فلا مناص من القول بالامتناع ، وإن كانتا متعدّدتين في الوجود فلا مناص من القول بالجواز.

والمصنّف دفع التوهّمين بما ذكره في هذه المقدّمة من أنّه لا يعقل أن يكون لوجود واحد ماهيّتان. فظهر فساد التوهّم الأوّل ، لأنّ المجمع إذا كان له وجود واحد فلا محالة يكون له ماهيّة واحدة ، ولا يعقل أن تكون له ماهيّتان حقيقيّتان ، سواء قلنا بأصالة الوجود أو أصالة الماهيّة.

وظهر أيضا فساد التوهّم الثاني ، لأنّ المجمع إذا كان له وجود واحد فلا تكون له ماهيّتان لتكون أحدهما جنسا والآخر فصلا. فما نحن فيه من قبيل القضيّة السالبة بانتفاء الموضوع.

(٣) وقد عرفت أنّ صدق العناوين المتعدّدة لا تكاد تنثلم به وحدة المعنون ، لا ذاتا ولا وجودا ، غايته أن تكون له خصوصيّة بها يستحقّ الاتّصاف بها ، و [يكون] محدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى. وحدوده ومختصّاته لا توجب تعدّده بوجه أصلا ، فتدبّر جيّدا. منه [أعلى الله مقامه].

٣٥

إذا عرفت ما مهّدناه عرفت :

١ ـ أنّ المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلّق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلّقهما به بعنوانين ، لما عرفت (١) من كون فعل المكلّف بحقيقته وواقعيّته الصادرة عنه متعلّقا للأحكام ، لا بعناوينه الطارئة عليه.

٢ ـ وأنّ غائلة اجتماع الضدّين فيه (٢) لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلّق بالطبائع لا الأفراد ، فإنّ غاية تقريبه أن يقال : إنّ الطبائع من حيث هي هي وإن كانت ليست إلّا هي ، ولا تتعلّق بها الأحكام الشرعيّة ـ كالآثار العاديّة والعقليّة (٣) ـ ، إلّا أنّها مقيّدة بالوجود (٤) ـ بحيث كان القيد خارجا والتقيّد داخلا (٥) ـ صالحة لتعلّق الأحكام بها (٦). ومتعلّقا الأمر والنهي على هذا لا يكونان متّحدين أصلا ، لا في مقام تعلّق البعث والزجر ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أمّا في المقام الأوّل : فلتعدّدهما بما هما متعلّقان لهما وإن كانا متّحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك.

وأمّا في المقام الثاني : فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر بالعصيان بمجرّد الإتيان ؛ ففي أيّ مقام اجتمع الحكمان في واحد؟

وأنت خبير : بأنّه لا يكاد يجدي (٧) بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لا يوجب

__________________

(١) في المقدّمة الثانية من المقدّمات الأربع.

(٢) أي : في المجمع.

(٣) أي : كما لا يتعلّق بها الآثار العاديّة والعقليّة.

(٤) قوله : «مقيّدة بالوجود» منصوب على الحاليّة أي : حال كون تلك الطبائع مقيّدة بالوجود.

(٥) أي : تكون الطبيعة بقيد الوجود مأمورا بها ، لا أنّ الطبيعة الموجودة مأمور بها.

والفرق بينهما أنّه على الأوّل يكون القيد ـ وهو الوجود ـ خارجا من المتعلّق ، فلا يلزم اتّحاد متعلّقي الأمر والنهي وجودا. وأمّا على الثاني يكون القيد داخلا في المتعلّق ويلزم اتّحادهما وجودا ، واجتماع الأمر والنهي في موجود واحد محال.

(٦) قوله : «صالحة ...» خبر قوله : «أنّها».

(٧) أي : تعلّق الأحكام بالطبائع لا يجدى في جواز الاجتماع.

٣٦

تعدّد المعنون ، لا وجودا ولا ماهيّة ، ولا تنثلم به وحدته أصلا (١) ؛ وأنّ المتعلّق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات ، وأنّها إنّما تؤخذ في المتعلّقات بما هي حاكيات ـ كالعبارات ـ ، لا بما هي على حيالها واستقلالها.

كما ظهر ممّا حقّقناه : أنّه لا يكاد يجدي أيضا كون الفرد مقدّمة لوجود الطبيعيّ المأمور به أو المنهيّ عنه (٢) ، وأنّه لا ضير في كون المقدّمة محرّمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار. وذلك ـ مضافا إلى وضوح فساده ، وأنّ الفرد هو عين الطبيعيّ في الخارج ، كيف والمقدّميّة تقتضي الاثنينيّة بحسب الوجود ، ولا تعدّد (٣) كما هو واضح ـ أنّه إنّما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهيّة ، وقد عرفت

__________________

(١) مرّ ما فيه.

(٢) لا يخفى : أنّ قوله : «لا يكاد يجدى أيضا كون الفرد مقدّمة لوجود الطبيعيّ المأمور به أو المنهيّ عنه» تعريض لما أفاده المحقّق القميّ في القوانين ١ : ١٤٠ من التفصيل في المقام.

وحاصل التفصيل : أنّ القول بجواز الاجتماع يبتني على القول بأنّ الفرد مقدّمة لوجود الطبيعة ، والقول بالامتناع يبتني على القول بأنّه ليس مقدّمة لوجودها.

وتوضيحه : أنّه بناء على كون الفرد مقدّمة لوجود الطبيعيّ المأمور به أو المنهيّ عنه تعلّق الأمر بوجود الطبيعة بنفسها كما تعلّق النهي بترك المنهيّ عنه بنفسه. فقوله : «صلّ» تعلّق بطبيعة الصلاة ، كما أنّ قوله : «لا تغصب» تعلّق بطبيعة الغصب ، غاية الأمر أنّ الطبيعة توجد بوجود فردها ، فيكون الفرد مقدّمة لوجود الطبيعة المأمور بها أو المنهيّ عنها. وعليه فتكون الصلاة في الدار المغصوبة ـ وهي فرد من أفراد الصلاة والغصب ـ مقدّمة لوجود ما تعلّق به الأمر النفسيّ ـ أي طبيعة الصلاة ـ كما كان مقدّمة لوجود ما تعلّق به النهي النفسيّ ـ أي طبيعة الغصب ـ. وحينئذ فإن قلنا بعدم الملازمة بين المقدّمة وذيها لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في فرد واحد ، بل الحرمة تتعلّق بالمقدّمة ـ أي الفرد ـ والوجوب يتعلّق بذي المقدّمة ـ أي الطبيعة ـ ؛ وإن قلنا بالملازمة بينهما فاجتماع الوجوب والحرمة وإن كان متحقّقا في هذا الفرد ، إلّا أنّه لا بأس به ، لأنّ حرمتها نفسيّ ووجوبها غيريّ ، وحرمة المقدّمة لا تضرّ بتحقّق ذي المقدّمة وامتثال أمره إذا لم يكن الانحصار بسوء الاختيار.

وأمّا بناء على عدم كونه مقدّمة لوجود الطبيعة فلا مناص من القول بتعلّق الأمر والنهي بنفس هذا الفرد ، ويلزم اجتماع الأمر والنهي النفسيّين في واحد ، وهو محال.

(٣) أي : ولا تعدّد بين الفرد والطبيعيّ في الخارج.

٣٧

بما لا مزيد عليه (١) أنّه بحسبها أيضا واحد.

[القول بالجواز ودليله]

ثمّ إنّه قد استدلّ على الجواز بامور :

[الأمر الأوّل والجواب عنه]

منها : أنّه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره ، وقد وقع ، كما في العبادات المكروهة ، كالصلاة في مواضع التّهمة (٢) وفي الحمّام ، والصيام في السفر وفي بعض الأيّام(٣).

بيان الملازمة : أنّه لو لم يكن تعدّد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين (٤) في مورد مع تعدّدها ، لعدم اختصاصهما من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضادّ ، بداهة تضادّها بأسرها ، والتالي (٥) باطل ، لوقوع اجتماع الكراهة والإيجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمّام ، والصيام في السفر وفي العاشوراء ـ ولو في الحضر ـ ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار (٦).

__________________

(١) في المقدّمة الرابعة.

(٢) كالمعاطن والمزابل.

(٣) كصوم يوم عاشوراء.

وهذا الدليل هو الدليل الثاني من الأدلّة الّتي استدلّ بها المحقّق القميّ على الجواز. فراجع القوانين ١ : ١٤٢.

(٤) غير الوجوب والحرمة.

(٥) وهو عدم وقوع اجتماع حكمين غير الوجوب والحرمة.

(٦) الصلاة الواجبة في المسجد مثال لوقوع اجتماع الوجوب والاستحباب. والصلاة الواجبة في الدار مثال لوقوع اجتماع الوجوب والإباحة. والصلاة النافلة في المسجد مثال لوقوع اجتماع الاستحباب مع مثله. والصلاة النافلة في الدار مثال لوقوع اجتماع الاستحباب والإباحة.

٣٨

والجواب عنه :

أمّا إجمالا : فبأنّه لا بدّ من التصرّف والتأويل فيما وقع في الشريعة ممّا ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع ، ضرورة أنّ الظهور لا يصادم البرهان. مع أنّ قضيّة ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك ، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين. فهو أيضا لا بدّ له من التفصّي عن إشكال الاجتماع فيها ، لا سيّما إذا لم يكن هناك مندوحة ، كما في العبادات المكروهة الّتي لا بدل لها (١). فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا ، كما لا يخفى.

وأمّا تفصيلا : فقد اجيب عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والإبرام طول الكلام بما لا يسعه المقام (٢).

فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادّة الإشكال ، فيقال ـ وعلى الله الاتّكال ـ :

إنّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تعلّق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له ، كصوم يوم العاشوراء والنوافل المبتدأة (٣) في بعض الأوقات (٤).

ثانيها : ما تعلّق به النهي كذلك (٥) ويكون له البدل ، كالنهي عن الصلاة في الحمّام.

ثالثها : ما تعلّق النهي به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له

__________________

(١) كصوم يوم عاشوراء.

(٢) وعلى الطالب المحقّق أن يرجع مطارح الأنظار : ١٣٠ والفصول الغرويّة : ١٢٨.

(٣) وهي النوافل الّتي لم يرد فيها نصّ بالخصوص بناء على استحبابها.

(٤) كما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس ، وبين صلاة العصر وغروبها ، وعند طلوعها ، وحين غروبها.

(٥) أي : بذاته.

٣٩

خارجا ، كالصلاة في مواضع التّهمة ، بناء على كون النهي عنها لأجل اتّحادها مع الكون في مواضعها.

أمّا القسم الأوّل : فالنهي تنزيها عنه ـ بعد الإجماع على أنّه يقع صحيحا (١) ، ومع ذلك يكون تركه أرجح كما يظهر من مداومة الأئمّة عليهم‌السلام على الترك (٢) ـ إمّا (٣) لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك ـ كالفعل ـ ذا مصلحة موافقة (٤) للغرض ، وإن كان مصلحة الترك أكثر ، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبّين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهمّ في البين ، وإلّا فيتعيّن الأهمّ ، وإن كان الآخر يقع صحيحا حيث إنّه كان راجحا وموافقا للغرض ، كما هو الحال في سائر المستحبّات المتزاحمات بل الواجبات. وأرجحيّة الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا (٥) ، كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة

__________________

(١) ذكر الإجماع عليه في الغنية (الجوامع الفقهيّة : ٥٧٣) ، وجواهر الكلام ١٧ : ١٠٨.

(٢) راجع الوسائل ٧ : ٣٣٩ ، الباب ٢١ من أبواب الصوم المندوب.

(٣) خبر لقوله : «فالنهي تنزيها عنه» ، وشروع في بيان الجواب عن القسم الأوّل من العبادات المكروهة.

وقد أجاب عنه المصنّف رحمه‌الله بوجوه ثلاثة. وهذا أوّلها. وحاصله : أنّ الوجه في النهي التنزيهيّ عن صوم يوم عاشوراء هو انطباق عنوان راجح ذي مصلحة على تركه ـ كعنوان مخالفة بني اميّة ـ ، فيكون تركه ذا مصلحة كما كان فعله ذا مصلحة. غاية الأمر أنّ مصلحة تركه أكثر من مصلحة الفعل ، ولذا يرجّح عليه. وعندئذ يكون الفعل والترك من قبيل المستحبّين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أحدهما أهمّ من الآخر ، وإلّا فيقدّم الأهمّ مع بقاء الآخر على مصلحته اللازمة في صحّة العبادة ؛ فلو صام يوم العاشوراء صحّ.

(٤) هكذا في جميع النسخ. والصحيح إمّا أن يقول : «ذا مصلحة وموافقة ...» ، فيكون قوله : «موافقة» معطوفا على قوله : «مصلحة» ، ومعناه : ويكون الترك ذا موافقة للغرض. وإمّا أن يقول : «ذا مصلحة وموافقا للغرض» كي يكون معطوفا على قوله : «ذا مصلحة» ، ومعناه : ويكون الترك موافقا للغرض.

(٥) ربّما يقال : إنّ أرجحيّة الترك وإن لم توجب منقصة وحزازة في الفعل أصلا ، إلّا أنّه توجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا ، كما لا يخفى. ولذا كان ضدّ الواجب ـ بناء على ـ

٤٠