كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

بالخصوص (١) ، من جهة أنّه من أفراده ، من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص ، فلا بدّ في اعتباره من شمول أدلّة اعتباره له (٢) بعمومها أو إطلاقها.

وتحقيق القول فيه يستدعي رسم امور :

[الأمر] الأوّل : [الملاك في حجّيّة الإجماع]

أنّ وجه اعتبار الإجماع هو القطع برأي الإمام عليه‌السلام.

ومستند القطع به لحاكيه ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ هو علمه بدخوله عليه‌السلام في المجمعين شخصا ولم يعرف عينا (٣) ، أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه‌السلام عقلا من باب اللطف (٤) ، أو عادة (٥) ، أو اتّفاقا من جهة حدس رأيه عليه‌السلام وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة (٦) ، كما هو طريقة المتأخّرين في دعوى الإجماع ، حيث إنّهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقليّة ولا الملازمة العاديّة غالبا وعدم العلم بدخول

__________________

ـ القول بحجّيّة الخبر ، ضرورة أنّه على القول بعدم حجّيّة خبر الواحد لا تصل النوبة إلى البحث عن حجّيّة الإجماع المنقول بخبر الواحد.

(١) أي : بدليل خاصّ ، لا بدليل عامّ كدليل الانسداد.

(٢) أي : شمول أدلّة اعتبار خبر الواحد للإجماع.

(٣) أي : ومنشأ حصول القطع برأي المعصوم عليه‌السلام لمن حكى الإجماع هو علم الحاكي بدخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين ، وإن لم يعرفه تفصيلا.

وهذا هو الطريق الأوّل لاستكشاف رأي المعصوم عليه‌السلام من الإجماع ، ويسمّى : «الإجماع الدخوليّ».

(٤) توضيحه : أنّه يجب على الله تعالى اللطف بعباده بإرشادهم إلى المصالح وتحذيرهم عن المفاسد. وهذا هو الوجه في إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الإمام عليه‌السلام. وحينئذ لو كان الحكم المجمع عليه بين الأمّة على خلاف الواقع يجب عليه تحذيرهم عن المفسدة من طريق الإمام المنصوب وإلقاء الخلاف بينهم ، كي لا يستكشف من عدم الخلاف موافقته لرأي الإمام عليه‌السلام الذي هو الموافق للواقع.

وهذا الإجماع يسمّى : «الإجماع اللطفيّ». واستند به الشيخ الطوسيّ في عدّة الاصول ٢ : ٦٣٠.

(٥) أي : تكون العادة جارية على استكشاف رأي رئيس القوم من اتّفاق مرءوسيه على رأي.

(٦) المراد من الملازمة الاتفاقيّة هو حصول العلم برأي المعصوم عليه‌السلام من الإجماع حدسا.

٣٠١

جنابه عليه‌السلام في المجمعين عادة ، يحكون الإجماع كثيرا.

كما أنّه يظهر ممّن اعتذر عن وجود المخالف بأنّه معلوم النسب ، أنّه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه‌السلام ، وممّن اعتذر عنه بانقراض عصره ، أنّه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك ، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم.

وربما يتّفق لبعض الأوحديّ وجه آخر ، من تشرّفه برؤيته عليه‌السلام وأخذه الفتوى من جنابه عليه‌السلام (١) ، وإنّما لم ينقل عنه بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء (٢).

الأمر الثاني : [اختلاف الألفاظ الحاكية للإجماع]

أنّه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع ، فتارة ينقل رأيه عليه‌السلام في ضمن نقله حدسا ـ كما هو الغالب ـ أو حسّا ـ وهو نادر جدّا ـ ، واخرى لا ينقل إلّا ما هو السبب (٣) عند ناقله عقلا أو عادة أو اتّفاقا. واختلاف ألفاظ النقل أيضا (٤) صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ، أي في أنّه نقل السبب أو نقل السبب والمسبّب (٥).

الأمر الثالث : [حجّيّة الإجماع المنقول الكاشف عن رأي المعصوم]

أنّه لا إشكال في حجّيّة الإجماع المنقول بأدلّة حجّيّة الخبر إذا كان نقله متضمّنا لنقل السبب والمسبّب عن حسّ (٦) ، لو لم نقل بأنّ نقله كذلك (٧) في زمان الغيبة موهون جدّا(٨).

__________________

(١) وهذا يسمّى : «الإجماع التشرّفيّ».

(٢) منها : التقيّة : ومنها : ما ورد في تكذيب من يدّعي رؤيته عليه‌السلام في زمن الغيبة.

(٣) وهو اتّفاق العلماء ، فقال ـ مثلا ـ : «أجمع أصحابنا».

(٤) أي : ولا يخفى اختلاف ألفاظ النقل كاختلاف نقل الإجماع.

(٥) وهو رأي المعصوم عليه‌السلام.

(٦) كما في الإجماع الدخوليّ.

(٧) أي : متضمّنا لنقل السبب والمسبّب عن حسّ.

(٨) لندرة هذا النحو من الإجماع.

٣٠٢

وكذا إذا لم يكن متضمّنا له (١) ، بل كان ممحّضا لنقل السبب عن حسّ ، إلّا أنّه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتّفاقا ، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصّل في الالتزام بمسبّبه بأحكامه وآثاره.

وأمّا إذا كان نقله للمسبّب لا عن حسّ ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه ، دون المنقول إليه (٢) ، ففيه إشكال ، أظهره عدم نهوض تلك الأدلّة (٣) على حجّيّته ، إذ المتيقّن من بناء العقلاء غير ذلك (٤) ؛ كما أنّ المنصرف من الآيات والروايات ـ على تقدير دلالتهما ـ ذلك ، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا فيما انكشف الحال.

وأمّا فيما اشتبه (٥) ، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فإنّ عمدة أدلّة حجّيّة الأخبار هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنّه عن حسّ ، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث إنّه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقّف والتفتيش عن أنّه عن حدس أو حسّ ، بل على العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك.

نعم ، لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك (٦) فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا.

لكنّ الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنيّة على حدس الناقل أو

__________________

(١) أي : لنقل السبب والمسبّب عن حسّ.

(٢) والحاصل : أنّه إذا كان نقل الناقل للمسبّب لا عن حسّ ، بل كان بملازمة ثابتة عند الناقل ـ بأن ينقل السبب عن حسّ ويكون نقله المسبّب للملازمة بين اتّفاق العلماء وبين المسبّب عادة ، أو للملازمة الثابتة عند الناقل اتّفاقا ـ لكن لم يكن هذا السبب الّذي نقله الناقل عن حسّ سببا عند المنقول إليه ، فيكون مسبّبه مسبّبا عن حدس ، ففيه إشكال.

(٣) أي : أدلّة حجّيّة الخبر.

(٤) أي : غير النقل عن حدس.

(٥) أي : اشتبه عليه أنّ نقل المسبّب هل يكون عن حسّ أو يكون عن حدس.

(٦) أي : على العمل بدون التفتيش.

٣٠٣

اعتقاد الملازمة عقلا ، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أنّ نقل السبب (١) كان مستندا إلى الحسّ.

فلا بدّ في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل ، فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنّه المحصّل ؛ فإن كان بمقدار تمام السبب (٢) ، وإلّا فلا يجدي ما لم يضمّ إليه ـ ممّا حصّله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ـ ما به تمّ (٣) ، فافهم.

فتلخّص بما ذكرنا : أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي الإمام عليه‌السلام بالتضمّن (٤) أو الالتزام (٥) كخبر الواحد في الاعتبار ـ إذا كان من نقل إليه ممّن يرى الملازمة بين رأيه عليه‌السلام وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والإجمال ـ وتعمّه (٦) أدلّة اعتباره ، وينقسم بأقسامه (٧) ، ويشاركه في أحكامه (٨) ، وإلّا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية.

وأمّا من جهة نقل السبب : فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال الّتي نقلت إليه على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع ، مثل ما إذا نقلت على التفصيل ؛ فلو ضمّ إليه ـ ممّا حصّله أو نقل له (٩) من أقوال السائرين أو سائر الأمارات ـ مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التامّ ، كان المجموع

__________________

(١) وفي بعض النسخ : «نقل المسبّب». وكلتا العبارتين صحيحة ، لأنّه إذا كان نقل السبب مستندا إلى الحسّ يكون نقل المسبّب عن حسّ أيضا بوجه من وجوه الملازمة بينهما.

(٢) أي : فإن كان ذلك المقدار بمقدار تمام السبب للكشف عن رأي المعصوم فهو المطلوب.

(٣) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «وإلّا فلا يجدي ما لم يضمّ إليه ما به يتمّ السبب ممّا حصّله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات». فالمصنّف رحمه‌الله ذكر المبيّن قبل المبيّن.

(٤) كما في الإجماع الدخوليّ.

(٥) كما في الإجماع اللطفيّ والحدسيّ.

(٦) وفي بعض النسخ : «فعليه تعمّه». والأولى أن يقول : «فتعمّه».

(٧) أي : ينقسم الإجماع بأقسام الخبر ، لأنّ الإجماع حينئذ يكون أحد مصاديق الخبر ، فينقسم إلى الصحيح والحسن والموثّق وغيرها.

(٨) فيكون منجّزا عند الإصابة ومعذّرا عند الخطأ ، ويجري أيضا أحكام التعارض في الإجماعين المتعارضين.

(٩) وفي بعض النسخ : «نقل إليه». والأولى ما أثبتناه.

٣٠٤

كالمحصّل ، ويكون حاله (١) كما إذا كان كلّه منقولا ؛ ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان الخبر به تمامه ، أو ما له دخل فيه وبه قوامه ، كما يشهد به حجّيّته بلا ريب في تعيين حال السائل وخصوصيّة القضيّة الواقعة المسئول عنها وغير ذلك ممّا له دخل في تعيين مرامهعليه‌السلام من كلامه.

[تنبيهات مبحث الإجماع المنقول]

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : [بطلان الطرق المتقدّمة لاستكشاف رأي الإمام عليه‌السلام]

أنّه قد مرّ أنّ مبنى دعوى الإجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا لقاعدة اللطف ، وهي باطلة (٢) ، أو اتّفاقا بحدس رأيه عليه‌السلام من فتوى جماعة ، وهي غالبا غير مسلّمة.

وأمّا كون المبنى العلم بدخول الإمام عليه‌السلام بشخصه في الجماعة ، أو العلم برأيه للاطّلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى ، فقليل جدّا في الإجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب ، كما لا يخفى ، بل لا يكاد يتّفق العلم بدخوله عليه‌السلام على نحو

__________________

(١) أي : حال المجموع.

(٢) والوجه في بطلانها امور :

الأوّل : أنّ كلّ ما يصدر من الله تعالى مجرّد فضل ورحمة منه على عباده ، فلا يجب اللطف عليه تعالى بحيث يكون تركه قبيحا يستحيل صدوره منه سبحانه.

الثاني : أنّ قاعدة اللطف إنّما تقتضي تبليغ الأحكام بالطرق المتعارفة ، وقد بلّغها المعصومين عليهم‌السلام للرواة المعاصرين لهم ، فلو لم تصل إلى اللاحقين لمانع من قبل المكلّفين أنفسهم ليس على الإمام عليه‌السلام إيصالها إليهم بغير الطرق المتعارفة.

الثالث : أنّ عدم وقوع اللطف في كثير من المسائل الخلافيّة في الفقه يشهد بعدم وجوب اللطف ، وإلّا للزم عدم اللطف الواجب على الله وأوليائه ، تعالى الله وأوليائه عن ذلك.

الرابع : لو سلّم وجوب اللطف ـ وهو إبلاغ ما هو مقرّب إلى الطاعة وما هو مبعّد عن المعصية ـ فإنّما هو فيما إذا كانت المسألة المجمع عليها من الأحكام الفعليّة المنجّزة ، وأمّا في غيرها من الأحكام الّتي يمنع مانع عن فعليّتها وتنجّزها والأحكام غير الإلزاميّة فلا دليل على وجوب اللطف عليه تعالى وأوليائه.

٣٠٥

الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة ، وإن احتمل تشرّف بعض الأوحديّ بخدمته ومعرفتهعليه‌السلام أحيانا.

فلا يكاد يجدي نقل الإجماع إلّا من باب نقل السبب بالمقدار الّذي احرز من لفظه بما اكتنف به (١) من حال أو مقال ، ويعامل معه معاملة المحصّل.

الثاني : [تعارض الإجماعات المنقولة]

انّه لا يخفى أنّ الإجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منهما أو أكثر ، فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبّب. وأمّا بحسب السبب فلا تعارض في البين ، لاحتمال صدق الكلّ (٢).

لكنّ نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ لا يصلح لأن يكون سببا ولا جزء سبب ، لثبوت الخلاف فيها ، إلّا إذا كان في أحد المتعارضين (٣) خصوصيّة موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه‌السلام لو اطّلع عليها ولو مع اطّلاعه على الخلاف ؛ وهو وإن لم يكن مع الاطّلاع على الفتاوى على اختلافها مفصّلا ببعيد ، إلّا أنّه مع

__________________

(١) أي : مع ما اكتنف به.

(٢) توضيح ما أفاده : أنّه إذا نقل شخص الإجماع على وجوب شيء ، ونقل غيره الإجماع على حرمته ، فالتعارض بينهما إنّما يكون بلحاظ المسبّب ـ أي رأي المعصوم عليه‌السلام ـ ، إذ التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين ثبوتا ، بحيث لا يمكن اجتماعهما في نفس الأمر. ومن المعلوم أنّ مدلول أحد الإجماعين وجوب الصلاة ـ مثلا ـ ومدلول الآخر حرمتها ، ويمتنع تعدّد رأي المعصوم عليه‌السلام في موضوع واحد.

وأمّا بلحاظ السبب ـ وهو نفس نقل الإجماعين ـ فلا تعارض بينهما ، إذ من الممكن أن تذهب طائفة إلى الحكم بمقدار يحقّق الإجماع بنظر ناقله ، وتذهب طائفة اخرى إلى خلافه بمقدار يحقّق الإجماع بنظر ناقل آخر ، فلا يكون النقلان متعارضين.

(٣) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «أحد النقلين» ، لأنّ قوله : «أحد المتعارضين» مشعر بتحقّق التعارض بحسب السبب أيضا ، وهذا ينافي ما صرّح به من حصر التعارض في المسبّب ، حيث قال : «فلا يكون التعارض إلّا بحسب المسبّب ، وأمّا بحسب السبب فلا تعارض في البين».

٣٠٦

عدم الاطّلاع عليها كذلك (١) إلّا مجملا بعيد (٢) ، فافهم.

الثالث : [نقل التواتر بخبر الواحد]

انّه ينقدح ممّا ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر ، وأنّه من حيث المسبّب لا بدّ في اعتباره من كون الإخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به ، ومن حيث السبب يثبت به (٣) كلّ مقدار كان إخباره بالتواتر دالّا عليه ، كما إذا أخبر به على التفصيل. فربما لا يكون إلّا دون حدّ التواتر ، فلا بدّ في معاملته معه معاملته (٤) من لحوق مقدار آخر من الأخبار يبلغ المجموع ذاك الحدّ. نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدلّ على ما بحدّ التواتر من المقدار.

__________________

(١) لا يخفى : أنّ في قوله : «كذلك» وجهين :

الأوّل : أن يكون معناه : «مفصّلا». وعليه يكون وقوله : «إلّا مجملا» عطف بيان لقوله : «كذلك». وكان الأولى أن يقول : «مع عدم الاطّلاع عليها إلّا مجملا بعيد» ، أو يقول : «مع عدم الاطّلاع عليها كذلك بعيد».

الثاني : أن يكون معناه : «على اختلافها». وعليه يكون معنى العبارة : «إلّا أنّه مع عدم الاطّلاع عليها على اختلافها مفصّلا بعيد».

(٢) وتوضيح كلامه : أنّ كلّا من النقلين لا يصلح لأن يكون سببا للمنقول إليه بعد وجود نقل الخلاف على غيره ، بل ولا جزء سبب ، لأنّ كلّا منهما يمنع عن حصول القطع برأى الإمام عليه‌السلام من أحد المنقولين ، إلّا أن يشتمل أحدهما على خصوصيّة توجب الجزم برأي المعصوم عليه‌السلام ولو مع الاطّلاع على الخلاف ، ككون المجمعين من أهل الدقّة أو من القدماء. ولا يبعد العلم بهذه الخصوصيّة في صورة الاطّلاع على الفتاوى المختلفة تفصيلا. وأمّا في صورة الاطّلاع عليها إجمالا فالعلم بها بعيد.

(٣) أي : بالتواتر المنقول.

(٤) أي : فلا بدّ في معاملة المنقول إليه مع المقدار الّذي هو دون حدّ التواتر عنده معاملة التواتر التامّ من لحوق مقدار آخر من الأخبار يبلغ المجموع حدّ التواتر.

فالضمير في قوله : «في معاملته» يرجع إلى المنقول إليه. والضمير في قوله : «معه» يرجع إلى المقدار الّذي هو دون حدّ التواتر. وقوله : «معاملته» مفعول مطلق نوعيّ لقوله : «في معاملته» ، وضميره يرجع إلى التواتر التامّ. وقوله : «من لحوق ...» متعلّق بقوله : «فلا بدّ».

٣٠٧

فصل

[عدم حجّيّة الشهرة الفتوائيّة]

ممّا قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى (١). ولا يساعده دليل.

وتوهّم (٢) «دلالة أدلّة حجّيّة خبر الواحد عليه بالفحوى ، لكون الظنّ الّذي تفيده أقوى ممّا يفيده الخبر» فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظنّ (٣) ، غايته تنقيح ذلك بالظنّ ، وهو لا يوجب إلّا الظنّ بأنّها أولى بالاعتبار ، ولا اعتبار به. مع أنّ دعوى القطع بأنّه (٤) ليس بمناط غير مجازفة (٥).

__________________

(١) لا يخفى : أنّ الشهرة على ثلاثة أقسام :

الأوّل : الشهرة الفتوائيّة : وهي اشتهار الفتوى بحكم بين الفقهاء. وهي المبحوث عنها في المقام.

الثاني : الشهرة الروائيّة : وهي اشتهار رواية بين الرواة. ويبحث عنها في باب التعادل والتراجيح.

الثالث : الشهرة العمليّة : وهي استناد المشهور إلى رواية في مقام الاستنباط.

(٢) انظر مفاتيح الاصول : ٤٨٠ و ٤٩٩ ـ ٥٠١.

(٣) وفي بعض النسخ : «للظنّ».

(٤) أي : إفادة الظنّ.

(٥) هكذا أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٣٢.

٣٠٨

وأضعف منه توهّم دلالة المشهورة (١) والمقبولة (٢) عليه ، لوضوح أنّ المراد بالموصول في قوله عليه‌السلام في الأولى : «خذ بما اشتهر بين أصحابك» ، وفي الثانية : «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به» هو الرواية ، لا ما يعمّ الفتوى ، كما هو أوضح من أن يخفى.

نعم ، بناء على حجّيّة الخبر ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجّيّته (٣) ، بل على حجّيّة كلّ أمارة مفيدة للظنّ أو الاطمئنان ، لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد (٤).

__________________

(١) وهي مرفوعة زرارة. قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ؟

فقال : «يا زرارة! خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر».

قلت : يا سيّدي! إنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم؟

قال : «خذ بما يقوله أعدلهما». عوالي اللئالي ٤ : ١٣٣ ، الحديث ٢٢٩ ؛ ومستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ ، الحديث ٢.

(٢) وهي مقبولة عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ...؟ فقال : «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ...». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ـ ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

(٣) أي : حجّيّة خبر الواحد.

(٤) والحاصل : أنّ المصنّف رحمه‌الله ذهب إلى عدم حجّيّة الشهرة. وتبعه المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٣ : ١٥٣ ـ ١٥٦ ، والمحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٣ : ١٠١ ، والمحقّق الخوئيّ في مصباح الاصول ١ : ١٤٦.

وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أنّ الشهرة بين القدماء إلى زمان الشيخ الطوسيّ حجّة. أنوار الهداية ١ : ٢٦١ ـ ٢٦٢.

٣٠٩

فصل

[حجّيّة خبر الواحد]

[المشهور بين الأصحاب]

المشهور بين الأصحاب حجّيّة خبر الواحد في الجملة (١) بالخصوص (٢).

[إنّ المسألة اصوليّة]

ولا يخفى : أنّ هذه المسألة من أهمّ المسائل الاصوليّة (٣). وقد عرفت في أوّل

__________________

(١) أي : بنحو الإيجاب الجزئيّ في مقابل السلب الكلّي.

(٢) أي : بدليل خاصّ.

ولا يخفى : أنّ الخبر على قسمين : خبر متواتر ، وخبر واحد.

والخبر المتواتر ما يفيد سكون النفس ويحصل به الجزم من أجل إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب.

وخبر الواحد قسمان :

الأوّل : ما لا يبلغ حدّ التواتر ولكن احتفّ بقرائن توجب العلم بصدقه. ولا شكّ في أنّ مثل هذا الخبر حجّة. وهذا خارج عن محلّ البحث.

الثاني : ما لا يبلغ حدّ التواتر ولا يفيد العلم ، بل إنّما يفيد الظنّ بالحكم الشرعيّ. وهذا هو المبحوث عنه في المقام. فذهب بعضهم ـ كالسيّد المرتضى في رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥ ـ إلى عدم حجّيّته ، لعدم الدليل القطعيّ على اعتبار الظنّ الحاصل به. وذهب بعض آخر ـ كالشيخ الطوسيّ في العدّة ١ : ١٠٦ ـ إلى حجّيّته ، لوجود الدليل القطعيّ على اعتباره.

(٣) وذلك لأنّ غالب الأحكام وأجزاء العبادات وشرائطها إنّما يثبت بأخبار الآحاد.

٣١٠

الكتاب (١) أنّ الملاك في الاصوليّة صحّة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ، ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلّة الأربعة ، وإن اشتهر في ألسنة الفحول (٢) كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلّة.

وعليه لا يكاد يفيد في ذلك ـ أي كون هذه المسألة اصوليّة ـ تجشّم دعوى «أنّ البحث عن دليليّة الدليل بحث عن أحوال الدليل» (٣) ، ضرورة أنّ البحث في المسألة ليس عن دليليّة الأدلّة ، بل عن حجّيّة الخبر الحاكي عنها.

كما لا يكاد يفيد عليه تجشّم دعوى «أنّ مرجع هذه المسألة إلى أنّ السنّة ـ وهي قول الحجّة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد أو لا تثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟» (٤) ، فإنّ التعبّد بثبوتها مع الشكّ فيها لدى الإخبار بها ليس من عوارضها ، بل من عوارض مشكوكها ، كما لا يخفى. مع أنّه (٥) لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجّيّة الخبر ، والمبحوث عنه في المسائل إنّما هو الملاك في أنّها من المباحث أو من غيره ، لا ما هو لازمه ، كما هو واضح.

[أدلّة القائلين بعدم حجّيّة خبر الواحد ، والجواب عنها]

وكيف كان فالمحكيّ عن السيّد (٦) والقاضي (٧) وابن زهرة (٨) والطبرسيّ (٩)

__________________

(١) راجع الجزء الأوّل : ٢٢.

(٢) كالمحقّق القميّ في قوانين الاصول ١ : ٩ ، وصاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ١١ ـ ١٢.

(٣) هذا ما أفاده صاحب الفصول جوابا عن إشكال خروج مسألة حجّيّة خبر الواحد من علم الاصول بناء على أن يكون موضوعه خصوص الأدلّة الأربعة. راجع الفصول الغرويّة : ١٢.

(٤) وهذا ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في دفع إشكال خروج مسألة حجّيّة خبر الواحد من علم الاصول بناء على كون موضوعه خصوص الأدلّة الأربعة بما هي أدلّة. راجع فرائد الاصول ١ : ٢٣٨.

(٥) أي : التعبّد بثبوت السنّة.

(٦) الذريعة ٢ : ٥٢٨ ـ ٥٣١ ، رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٧) هو أبو القاسم بن نحرير بن عبد العزيز بن برّاج. حكاه عنه صاحب المعالم في معالم الدين : ١٨٩. وراجع نصّ كلامه في المهذّب (كتاب القضاء) ٢ : ٥٩٨.

(٨) غنية النزوع «ضمن الجوامع الفقهيّة» : ٤٧٥.

(٩) مجمع البيان ٩ : ١٩٩.

٣١١

وابن إدريس (١) عدم حجّيّة الخبر.

واستدلّ لهم :

بالآيات الناهية عن اتّباع غير العلم (٢).

والروايات الدالّة على ردّ ما لم يعلم أنّه قولهم عليهم‌السلام أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان ، أو لم يكن موافقا للقرآن ، إليهم (٣) ؛ أو على بطلان ما لا يصدّقه كتاب الله (٤) ؛ أو على أنّ ما لا يوافق كتاب الله زخرف (٥) ؛ أو على النهي عن قبول حديث إلّا ما وافق الكتاب أو السنّة (٦) ... إلى غير ذلك (٧).

والإجماع المحكيّ عن السيّد في مواضع من كلامه ، بل حكي عنه أنّه جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة (٨).

والجواب :

أمّا عن الآيات : فبأنّ الظاهر منها أو المتيقّن من إطلاقاتها هو اتّباع غير العلم في الاصول الاعتقاديّة ، لا ما يعمّ الفروع الشرعيّة (٩) ، ولو سلّم عمومها لها (١٠) فهي

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨.

) منها : قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.) الأنعام / ١١٦.

ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.) يونس / ٣٦ ، والنجم / ٢٨.

ومنها : قوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.) الاسراء / ٣٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٦ ، و ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٨ و ١٩.

وقوله : «إليهم» متعلّق ب «ردّ ما لم يعلم».

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٢ و ١٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١١.

(٧) راجع وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ـ ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٨) حكى عنه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٤٦. وراجع رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣٠٩.

(٩) وفي بعض النسخ : «الفروع الشرعيّة الفقهيّة».

(١٠) أي : عموم الآيات الناهية للفروع الشرعيّة.

٣١٢

مخصّصة بالأدلّة الآتية على اعتبار الأخبار (١).

وأمّا عن الروايات : فبأنّ الاستدلال بها خال عن السداد ، فإنّها أخبار آحاد (٢).

لا يقال : إنّها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى ، إلّا أنّها متواترة إجمالا ، للعلم الإجماليّ بصدور بعضها لا محالة.

فإنّه يقال : إنّها وإن كانت كذلك ، إلّا أنّها لا تفيد إلّا فيما توافقت عليه (٣) ، وهو غير مفيد في إثبات السلب كلّيّا ، كما هو محلّ الكلام ومورد النقض والإبرام ، وإنّما تفيد عدم حجّيّة الخبر المخالف للكتاب والسنّة ؛ والالتزام به ليس بضائر ، بل لا محيص عنه في مقام المعارضة.

__________________

(١) هكذا أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٤٦.

والتزم المحقّق النائينيّ بأنّ نسبة الأدلّة الدالّة على جواز العمل بخبر الواحد إلى هذه الآيات ليس نسبة التخصيص ، بل نسبة الحكومة ، لأنّ تلك الأدلّة تتكفّل جعل الخبر طريقا بتتميم الكشف ومحرزا للواقع ، فيكون خبر الثقة بمنزلة العلم ، ويكون خارجا عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم موضوعا. فوائد الاصول ٣ : ١٦١.

وتبعه تلميذه المحقّق الخوئيّ في مصباح الاصول ١ : ١٥٢.

ولكن السيّد الإمام الخمينيّ ـ قبل ما ناقش في حديث الحكومة بأنّ الأخبار على كثرتها لم يكن لسانها لسان الحكومة ـ أجاب عن الآيات ـ مضافا إلى عدم إبائها عن التخصيص ـ : بأنّ الاستدلال بها مستلزم لعدم جواز الاستدلال بها ، وما يلزم من وجوه عدمه غير قابل للاستدلال به. بيان ذلك : أنّ قوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قضيّة حقيقيّة تشمل كلّ ما وجد في الخارج وكان مصداقا لغير العلم ، مع أنّ دلالة نفسها على الردع عن غير العلم ظنّيّة لا قطعيّة ، فيجب عدم جواز اتّباعها بحكم نفسها. أنوار الهداية ١ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٢) والحاصل : أنّه لا يصحّ الاستدلال بكلّ واحدة منها ، لأنّها أخبار آحاد ، ولا معنى للاستدلال بها على عدم حجّيّة خبر الواحد ، للزوم الدور.

وهذا الجواب أيضا ذكره الشيخ الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٤٦.

(٣) أي : غاية ما تدلّ عليه ـ حينئذ ـ هو عدم حجّيّة الخبر الواحد المخالف للكتاب والسنّة ، لأنّه ممّا توافقت عليه الروايات.

٣١٣

وأمّا عن الإجماع : فبأنّ المحصّل منه غير حاصل. والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة ، كما يظهر وجهه للمتأمّل ؛ مع أنّه معارض بمثله (١) ، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه (٢).

وقد استدلّ للمشهور بالأدلّة الأربعة (٣).

__________________

(١) حيث ادّعى الشيخ الطوسيّ الإجماع على العمل بالأخبار الآحاد. راجع العدّة ١ : ١٢٦.

(٢) وهذا الجواب أيضا ذكره الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٢٥٣.

(٣) ذكر المصنّف رحمه‌الله كلّ واحد منها ذيل فصل خاصّ ، كما سيأتي.

٣١٤

فصل

الآيات الّتي استدلّ بها [على حجّيّة خبر الواحد]

[الدليل الأوّل : آية النبأ]

فمنها : آية النبأ. قال الله تبارك وتعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...) (١).

ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه (٢). أظهرها :

__________________

(١) وإليك تمام الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ.) الحجرات / ٦.

(٢) وهي سبعة ، ذكرها المصنّف رحمه‌الله في حاشيته على الرسائل. والمعروف منها وجهان. وقد تعرّض لهما الشيخ الأنصاريّ :

الأوّل : ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في المتن ، وسيأتي توضيحه.

الثاني : ما تعرّض له الشيخ الأعظم في فرائد الاصول ١ : ٢٥٤. وهو يرجع إلى الاستدلال بالآية من جهة مفهوم الوصف. وحاصله : أنّ الآية الشريفة نطقت بوجوب التبيّن عند إخبار الفاسق. وقد اجتمع في إخباره حيثيّتان : (إحداهما) ذاتيّة ، وهي كونه خبر الواحد.(ثانيتهما) عرضيّة ، وهي كونه خبر الفاسق. وقد علّق وجوب التبيّن على العنوان العرفيّ ، فقال تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، فيستفاد منه أنّ العلّة لوجوب التبيّن هو العنوان العرضيّ ـ أي كون خبره خبر الفاسق ـ ، لا العنوان الذاتيّ ـ أي كونه خبر الواحد ـ ، وإلّا لكان العنوان الذاتيّ أولى بالذكر من العنوان العرضيّ ، لأنّ اتّصاف الخبر بكونه خبر الواحد يكون مقدّما بالرتبة على اتّصافه بكونه خبر الفاسق ، فإنّ خبر الواحد بمنزلة الموضوع للفاسق. وعليه فيستفاد انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء هذا العنوان العرضيّ ، وهو كونه خبر الفاسق. فإذا لم يكن المخبر فاسقا بل كان عادلا فإمّا أن يجب قبول خبره بلا تبيّن ، ـ

٣١٥

أنّه (١) من جهة مفهوم الشرط ، وأنّ تعليق الحكم بإيجاب التبيّن عن النبأ الّذي جيء به على كون الجائي به الفاسق يقتضي انتفاءه عند انتفائه (٢).

ولا يخفى : أنّه على هذا التقرير لا يرد أنّ الشرط في القضيّة لبيان تحقّق الموضوع ، فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع ، فافهم (٣).

__________________

ـ وإمّا أن يردّ. ولا سبيل إلى الثاني ، لأنّه مستلزم لأن يكون خبر العادل أسوأ حالا من الفاسق ، وهو ممنوع ، فيتعيّن الأوّل ، وهو المطلوب.

وقد اورد على هذا الاستدلال من وجوه :

منها : أنّ القضيّة الوصفيّة ليست ذات مفهوم. وهذا ما ذكره الشيخ الأعظم في فرائد الاصول ١ : ٢٥٦. وتابعة المحقّقان النائينيّ والخمينيّ ، فراجع فوائد الاصول ٣ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، وأنوار الهداية ١ : ٢٨٨.

ولعلّه لم يذكره المصنّف في المقام ، فإنّه أيضا ذهب إلى عدم ثبوت المفهوم للوصف.

(١) أي : الاستدلال.

(٢) أي : انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء شرطه ، وهو مجيء الفاسق بالنبإ.

(٣) هذا أحد الإيرادين اللّذين ذكرهما الشيخ الأعظم الأنصاريّ وادّعى عدم إمكان دفعهما.

وحاصله : أنّ المفهوم في المقام من باب السالبة بانتفاء الموضوع. وذلك لأنّ الشرط مجيء الفاسق بالنبإ ، ومعلوم أنّ عدم وجوب التبيّن عند عدم مجيء الفاسق بالنبإ من باب عدم ما يتبيّن ، حيث لا خبر كي يتبيّن فيه ، فيكون الشرط في المقام مسوقا لبيان تحقّق الموضوع ، فلا تدلّ الآية على المفهوم ، لأنّ الموضوع فيها خصوص نبأ الفاسق ، وهو منتف بانتفاء مجيء الفاسق. وعليه لا تدلّ الآية على عدم وجوب التبيّن عند مجيء خبر العادل ، إذ عدم وجوب التبيّن عند مجيء خبر العادل ليس مفهوما لوجوب التبيّن عند مجيء خبر الفاسق ، لأنّ المفروض انتفاء نبأ الفاسق ـ وهو الموضوع في المنطوق ـ عند مجيء خبر العادل ، وإذا انتفى الموضوع ينتفي الحكم من باب السالبة بانتفاء الموضوع. فرائد الاصول ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

ودفعه المصنّف رحمه‌الله بما حاصله : أنّه إذا فرضنا أنّ موضوع الحكم بوجوب التبيّن هو النبأ وأنّ الشرط جهة إضافة النبأ إلى الفاسق لا يكون الشرط مقوّما للموضوع ، إذ النبأ كما يضاف إلى الفاسق يضاف إلى غيره. وحينئذ يمكن وجود الموضوع ـ وهو النبأ ـ مع انتفاء الشرط ـ وهو مجيء الفاسق به ـ ، فتكون الآية ذات مفهوم ، لإمكان فرض وجود المشروط بدون الشرط.

ودفعه المحقّق العراقيّ ببيان آخر. توضيحه ـ على ما أفاد السيّد المحقّق الخوئيّ تبعا له ـ : أنّ الشرط قد يكون أمرا واحدا ، وقد يكون مركّبا من أمرين. فعلى الأوّل إن كان الأمر المذكور ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا فلا مفهوم للقضيّة ، وإلّا فتدلّ على المفهوم. وعلى ـ

٣١٦

نعم ، لو كان الشرط هو نفس تحقّق النبأ ومجيء الفاسق به (١) ، كانت القضيّة الشرطيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع (٢).

مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ القضيّة ولو كانت مسوقة لذلك (٣) ، إلّا أنّها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبيّن في النبأ الّذي جاء به الفاسق ، فيقتضي انتفاء وجوب التبيّن عند انتفائه ووجود موضوع آخر (٤) ، فتدبّر.

__________________

ـ الثاني فإن كان كلا الجزءين ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا فلا مفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلا ، كقولك : «إن رزقك الله مولودا وكان ذكرا فاختنه» ؛ وإن كان كلاهما ممّا لا يتوقّف عليه الجزاء عقلا فالقضيّة تدلّ على المفهوم بالنسبة إلى كليهما ـ أي تدلّ القضيّة على انتفاء الجزاء عند انتفاء كلّ واحد منهما ولو مع تحقّق الآخر ـ ؛ وإن كان أحدهما ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا ومحقّقا للموضوع دون الآخر ، كقولك : «إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة فخذ ركابه» ، فتدلّ القضيّة على المفهوم بالنسبة إلى الجزء الّذي لا يتوقّف عليه الجزاء عقلا ـ وهو في المثال يوم الجمعة ـ دون الآخر ـ وهو ركوب الأمير ـ.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الشرط في الآية الشريفة مركّب من جزءين : النبأ ومجيء الفاسق به ، ويكون أحدهما ـ وهو النبأ ـ محقّقا لموضوع الحكم في الجزاء لتوقّفه عليه عقلا ، فلا مفهوم للقضيّة بالنسبة إليه ، ولا يكون الجزء الآخر ـ أي مجيء الفاسق به ـ محقّقا لموضوع الحكم في الجزاء ، لعدم توقّف الجزاء عليه عقلا ، فتدلّ القضيّة على المفهوم بالنسبة إليه ، ومفاده انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء كون الآتي به فاسقا ، فلا يجب التبيّن في النبأ الّذي جاء به العادل. راجع نهاية الأفكار ٣ : ١١١ ـ ١١٣ ، ومصباح الاصول ٢ : ١٥٧ ـ ١٥٨.

ولا يخفى : أنّ ما ذكراه يستلزم استعمال الأداة في معنيين ، وهو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو محال.

(١) بحيث يكون المجيء به دخيلا في الموضوع أيضا ، فيكون الموضوع لوجوب التبيّن مؤلّفا من النبأ ومجيء الفاسق به.

(٢) وذلك لأنّ المفروض أنّ الشرط مركّب من جزءين : (أحدهما) نفس تحقّق النبأ. و (ثانيهما) مجيء الفاسق به. فإذا انتفى أحد جزأي الموضوع ـ وهو مجيء الفاسق به ـ ينتفي الموضوع رأسا ، فلا تكون القضيّة ذات مفهوم ، لأنّها حينئذ من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(٣) أي : مسوقة لتحقّق الموضوع.

(٤) وهو نبأ العادل.

وقال المحقّق الاصفهانيّ : «توضيحه : أنّ أداة الشرط ظاهرة في انحصار ما يقع تلوا لها ـ

٣١٧

[الإشكال الأوّل ، والجواب عنه]

ولكنّه يشكل : بأنّه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلّم أنّ أمثالها ظاهرة في المفهوم ، لأنّ التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك (١) بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنّه ليس لها مفهوم (٢).

ولا يخفى : أنّ الإشكال إنّما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم ، مع أنّ دعوى أنّها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة (٣).

__________________

ـ فيما له من الشأن بالإضافة إلى سنخ الحكم المنشأ ، لأنّ انتفاء شخص الحكم بانتفاء شخص موضوعه أو شخص علّته لا يحتاج إلى دلالة على الحصر ، فالحصر بالإضافة إلى سنخ الحكم. فإن كان الواقع عقيبها معلّقا عليه حقيقة الحكم كانت السببية منحصرة ، ومقتضى انحصار العلّة انتفاء المعلول بانتفائها. وإن كان محقّقا للموضوع كان الموضوع الحقيقيّ منحصرا فيما وقع عقيب الأداة ؛ ومقتضى انحصار موضوع سنخ الحكم في شيء انتفاؤه بانتفائه وإن كان هناك موضوع آخر». نهاية الدراية ٢ : ١٩٨.

(١) وصف لقوله : «التعليل».

(٢) هذا ثاني الإشكالين اللذين تعرّض لهما شيخ الطائفة ، وجعله الشيخ الأعظم الأنصاريّ أحد الإشكالين اللذين لا يمكن دفعهما. فراجع العدّة ١ : ١١٣ ، فرائد الاصول ١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

وتوضيح الإشكال : أنّه لو سلّم ثبوت المفهوم في مثل الآية الكريمة في نفسه وبلحاظ الشرط فلا نسلّم ثبوته لهذه الآية الكريمة قد اخذ الشرط مجيء الفاسق معلّلا بإصابة القوم بجهالة ، ومقتضى التعليل أنّ الشرط يدور مدار العلّة. وعليه يكون الشرط مطلق موارد عدم العلم ، لانطباق الجهالة عليها. ولازمه عدم حجّيّة خبر العادل إذا لم يفد العلم ، لأنّه مشمول للمنطوق.

(٣) توضيحه : أنّ الإشكال المذكور مبنيّ على أن يكون المراد من «الجهالة» في قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) عدم العلم. ولكن الأمر ليس كذلك ، بل المراد منها السفاهة والإتيان بما لا ينبغى صدوره من العاقل ، وليس العمل بخبر العادل سفهيّا ولا غير عقلائيّ ، فإنّ العقلاء يعملون بخبر الثقة فضلا من خبر العادل ولو لم يفد العلم. وعليه فلا تعمّ التعليل (أن تصيبوا قوما بجهالة) العمل بخبر العادل.

ولا يخفى : أنّ هذا الجواب حكاه الشيخ الأعظم الأنصاريّ عن بعض في فرائد الاصول ١ : ٢٦١. وتابعة المصنّف في المقام. وارتضى به المحقّق النائينيّ والسيّد الخوئيّ ، فراجع فوائد الاصول ٣ : ١٧١ ـ ١٧٢ ، ومصباح الاصول ٢ : ١٦٣. ـ

٣١٨

[الإشكال الثاني ، والجواب عنه]

ثمّ إنّه لو سلّم تماميّة دلالة الآية على حجّيّة خبر العدل ، ربما اشكل شمول مثلها (١) للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة أو وسائط (٢) ، فإنّه كيف يمكن

__________________

ـ وناقش فيه السيّد الإمام الخمينيّ بوجهين :

الأوّل : أنّه لم يرد في كتب اللغة تفسير «الجهالة» بالسفاهة.

الثاني : أنّ الآية الكريمة ليست بصدد بيان لزوم عدم الاعتناء بخبر الفاسق مطلقا ، لأنّ مناسبة صدرها وذيلها وتعليلها تجعلها ظاهرة في أنّ النبأ الّذي له خطر عظيم وأنّ الإقدام على طبقه يوجب الندامة ـ كإصابة القوم ومقاتلتهم ـ لا بدّ من تبيّنه والعلم بمفاده ، ولا يجوز الإقدام عليه قبل حصول العلم بالواقع ، خصوصا إذا جاء به الفاسق. وعليه يبقي الظاهر على حاله ، فإنّ الظاهر من التبيّن طلب الوضوح وتحقيق كذب الخبر وصدقه ، والظاهر من الجهالة في مقابل التبيّن هو عدم العلم بالواقع ، فليس معناها السفاهة. راجع هامش أنوار الهداية ١ : ٢٩١.

ولقد تصدّى المحقّق النائينيّ للجواب عن الإشكال بوجه آخر. وتابعة تلميذه المحقّق الخوئيّ. وحاصل ما أفاداه : أنّه لو سلّم أنّ المراد من «الجهالة» عدم العلم بالواقع فلا نسلّم أنّ التعليل مانع عن المفهوم ، بل يكون المفهوم حاكما على عموم التعليل. وذلك لأنّ غاية ما يدلّ عليه التعليل هو لزوم التبيّن عن غير العلم وعدم جواز العمل بما وراء العلم ، ولا يتعرّض إلى ما هو علم وما هو غير علم ، والمفهوم ـ على تقدير دلالة القضيّة الشرطيّة عليه بنفسها ـ يقتضي جعل خبر العادل محرزا للواقع وعلما في عالم التشريع ، فيخرجه عن موضوع التعليل ـ وهو الجهالة ـ ، ويتقدّم عليه لحكومته عليه ، فلا يعقل التعارض بين المفهوم وعموم التعليل. فوائد الاصول ٣ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، مصباح الاصول ٢ : ١٦٣.

وناقش فيما أفاداه السيّد الإمام الخمينيّ بوجهين :

الأوّل : ما أفاده المحقّق الاصفهانيّ من أنّ حكومة المفهوم على عموم التعليل مستلزم للدور ، لأنّ الحكومة تتوقّف على ثبوت المفهوم ، والمفهوم يتوقّف على الحكومة.

الثاني : أنّ غاية ما تدلّ عليه الآية جواز العمل على طبق قول العادل أو وجوبه ، وليس لسانها لسان الحكومة ، وليس فيها دلالة على كون خبر العادل محرزا للواقع وعلما في عالم التشريع. راجع نهاية الدراية ٢ : ٢٠٠ ، وأنوار الهداية ١ : ٢٩١ ـ ١٩٢.

(١) إشارة إلى عدم اختصاص هذا الإشكال بالاستدلال بآية النبأ ، بل تعمّ جميع الأدلّة الّتي استدلّ بها على حجّيّة خبر الواحد.

(٢) كالأخبار المتداولة بيننا.

ولا يخفى : أنّ المراد من الواسطة هو الواسطة بين من روى عن الإمام عليه‌السلام وبيننا ، ـ

٣١٩

الحكم بوجوب التصديق الّذي ليس إلّا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعيّ بلحاظ نفس هذا الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ، لأنّه (١) وإن كان أثرا شرعيّا لهما ، إلّا أنّه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض (٢).

__________________

ـ لا الواسطة بين الإمام عليه‌السلام وبيننا ، مثلا : إذا أخبر عمران بن عليّ عن أبي بصير عن أبو عبد الله عليه‌السلام فالمراد من الواسطة هو عمران بن عليّ ومن أخبر عنه لنا ، ولا تشمل أبي بصير ، وإلّا كان الصحيح أن يقول : «بواسطتين أو وسائط» ، وذلك لأنّ المناط في الإشكال ـ كما سيأتي ـ هو عدم ترتّب الأثر الشرعيّ على تصديق الواسطة ، ومعلوم أنّ خبر الواسطة الّتي روى عن الإمام عليه‌السلام ـ كأبي بصير الراوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ ذو أثر شرعيّ ، فإنّ المخبر به في خبره نفس الحكم الشرعيّ الّذي أفاده الإمام عليه‌السلام.

(١) أي : وجوب تصديق العادل.

(٢) توضيح الإشكال ـ على ما قرّبه المصنّف رحمه‌الله في المقام ـ يتوقّف على تقديم مقدّمة.

وهي : أنّه لا يصحّ التعبّد بالاصول والإمارات القائمة على الموضوعات الخارجيّة إلّا باعتبار ما يترتّب عليها من الآثار الشرعيّة ، فلا بدّ من أن تكون الآثار الشرعيّة مترتّبة على تلك الموضوعات بأدلّتها ليصحّ التعبّد بالأمارة أو الأصل بلحاظ تلك الآثار. مثلا : يصحّ التعبّد بخبر العادل القائم على عدالة محمّد ويجب تصديقه باعتبار ما يترتّب على عدالته من الآثار الشرعيّة ـ كجواز الصلاة خلفه ، وصحّة الطلاق عنده ، وغيرهما ـ. فإذا لم يكن ترتّب الأثر الشرعيّ على موضوع محرزا فلا يصحّ التعبّد بالأمارة القائمة على ذلك الموضوع.

إذا عرفت هذه المقدّمة ، فاعلم : أنّ خبر العادل قسمان :

الأوّل : ما لا يكون بينه وبين الإمام عليه‌السلام واسطة ، بل كان المخبر به في خبر العادل قول الإمامعليه‌السلام ، كإخبار «زرارة» عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أو إخبار «الصفّار» عن الإمام العسكريّعليه‌السلام. ولا إشكال في صحّة التعبّد بقول «زرارة» أو «الصفّار» والحكم بوجوب تصديقهما مستدلّا بآية النبأ ، لأنّ ترتّب الأثر الشرعيّ ـ وهو قول الإمام عليه‌السلام من وجوب شيء أو حرمته ـ على الموضوع ـ وهو خبر زرارة أو الصفّار ـ مفروغ عنه.

الثاني : ما يكون بينه وبين الإمام عليه‌السلام واسطة ، كإخبار «الشيخ» عن «المفيد» عن «الصدوق» عن «الصفّار» عن الإمام العسكريّ عليه‌السلام. وحينئذ لا تشمل دليل القائم على حجّيّة خبر العادل ـ وهو آية النبأ وغيرها ـ مثل إخبار الشيخ عن خبر المفيد ، لأنّ المخبر به في خبر الشيخ ليس إلّا خبر المفيد ، وهو ليس حكما شرعيّا ، فلا يترتّب على إخبار الشيخ ـ

٣٢٠