كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

وذلك (١) لأنّ التعبّد بطريق غير علميّ إنّما هو بجعل حجّيّته ، والحجّيّة

__________________

ـ وذكر المصنّف رحمه‌الله وجوها خمسة في التفصّي عنها :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «وذلك لأنّ التعبّد ... مفسدة التفويت أو الإلقاء».

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «نعم ، لو قيل ... متعلّق الحكم الواقعي ، فافهم».

الثالث : ما تعرّض له بقوله : «نعم ، يشكل الأمر ... لأجل مصلحة فيه».

الرابع : ما أشار إليه بقوله : «فانقدح بما ذكرنا أنّه لا يلزم ... مورد الطرق إنشائيّا».

الخامس : ما أشار إليه بقوله : «كما لا يصحّ بأنّ الحكمين ... في هذه المرتبة».

واستشكل فيها بعض من تأخّر عنه من الأعلام ، كما استشكل نفسه في الوجهين الرابع والخامس.

والتحقيق في المقام يستدعي بيان ما ذكر من النقض والإبرام حول ما أفاده المصنّف رحمه‌الله والأعلام. ولكن تركناه إلى المطوّلات خوفا من التطويل المملّ. فنشير إلى بعض أوردوه على المصنّف رحمه‌الله ونكتفى بذكر بعض ما أبدعوه في مقام التفصّي عن المحاذير الثلاثة ذيل إيضاح ما أفاده المصنّف رحمه‌الله في الكتاب.

(١) هذا هو الوجه الأوّل من الوجوه الخمسة. وحاصله : أنّ المجعول في مورد التعبّد بالأمارة هو الحجّيّة التي أثرها التنجيز مع المطابقة والتعذير مع المخالفة ، من دون أن يستتبع حكما تكليفيّا ، فلا يكون في مورد التعبّد بالأمارة حكم ظاهريّ مجعول ، بل ليس المجعول إلّا الحكم الواقعيّ فقط. فليس هاهنا وجوبان كي يلزم اجتماع المثلين ، ولا وجوب وحرمة كي يلزم اجتماع الضدّين أو النقيضين.

وأمّا محذور تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة : فيرتفع بوجود مصلحة في التعبّد بالأمارة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.

وأمّا التصويب : فلا يلزم ، لعدم خلوّ الواقع عن الحكم وعدم استتباع حجّيّة الأمارة للحكم الشرعيّ.

وأورد عليه المحقّقان العلمان : النائينيّ والاصفهانيّ ـ بعد ما حملا كلام المصنّف رحمه‌الله على أنّه يريد به أنّ المجعول نفس المنجّزيّة والمعذّريّة ، لا أنّ المجعول هو الحجّيّة التي تترتّب عليها المنجّزيّة أو المعذريّة ـ. راجع تفصيل كلامهما في أجود التقريرات ٢ : ٧٦ ، ونهاية الدراية ٢ : ١٢٥ ـ ١٢٦.

وأنت خبير : بأنّ ظاهر عبارته في المقام أنّ المجعول في باب الأمارات هو الحجّيّة الّتي أثرها التنجيز والمعذّريّة.

وأورد عليه أيضا المحقّق العراقيّ بأنّه وإن كان يدفع به محذور اجتماع الضدّين ، إلّا أنّه لا يدفع به محذور تفويت المصلحة. فراجع تفصيل كلامه في نهاية الأفكار ٣ : ٧٠.

٢٨١

المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفيّة بحسب ما أدّى إليه الطريق ، بل إنّما تكون موجبة لتنجّز التكليف به إذا أصاب ، وصحّة الاعتذار به إذا أخطأ ، ولكون (١) مخالفته وموافقته تجرّيا وانقيادا مع عدم إصابته ، كما هو شأن الحجّة غير المجعولة ، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدّين ، ولا طلب الضدّين ، ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ، ولا الكراهة والإرادة ، كما لا يخفى.

وأمّا تفويت مصلحة الواقع أو الإلقاء في مفسدته ، فلا محذور فيه أصلا إذا كانت في التعبّد به (٢) مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.

نعم ، لو قيل (٣) باستتباع جعل الحجّيّة للأحكام التكليفيّة ، أو بأنّه لا معنى لجعلها

__________________

(١) معطوف على قوله : «لتنجّز» أي : وتكون موجبة لكون ...

(٢) أي : في التعبّد بالطريق غير العلميّ.

(٣) هذا شروع في بيان الوجه الثاني من الوجوه الخمسة المشار إليها. وتوضيحه يستدعى تقديم امور :

الأوّل : أنّه بناء على وجود الحكم الظاهريّ في مورد الأمارات قد يدّعى أنّ الحجّيّة المجعولة للأمارات تستتبع حكما تكليفيّا ظاهريّا ، وقد يدّعى أنّ المجعول حقيقة في مورد الأمارات هو الحكم التكليفيّ الظاهريّ ، والحجّيّة منتزعة عنه.

الثاني : أنّه لا شكّ في تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، غاية الأمر قد تكون المصالح أو المفاسد في متعلّقات الأحكام فتتبع الأحكام لها ، من دون أن تكون في نفس الأحكام مصلحة أو مفسدة ؛ وقد تكون المصالح أو المفاسد في نفس الأحكام لا في متعلّقاتها. وعليه فالأحكام بعضها ناشئ عن وجود المصلحة أو المفسدة في متعلّقه ، وهي : «الأحكام الواقعيّة» ؛ وبعضها ناشئ عن وجود المصلحة أو المفسدة في نفسه وهي : «الأحكام الظاهريّة».

الثالث : أنّ المعتبر في كون حكم مثلا لحكم آخر أو كون حكم ضدّا لحكم آخر هو وحدة المنشأ فيهما ، بأن يكون منشأ أحدهما نفس منشأ الآخر. فيكون الحكمان مثلين فيما إذا كانا ناشئين عن وجود مصلحة أو مفسدة في متعلّق واحد ، بأن يكون منشأ أحدهما وجود المصلحة في المتعلّق الّذي يكون وجودها فيه منشأ أيضا لصدور الحكم الآخر. ويكون الحكمان ضدّين إذا كان منشأ الوجوب ـ مثلا ـ وجود المصلحة في المتعلّق الذي يكون وجود المفسدة فيه منشأ للحكم بحرمته.

وإمّا إذا اختلف منشؤهما ـ بأن يكون المنشأ في أحدهما وجود المصلحة أو المفسدة ـ

٢٨٢

إلّا جعل تلك الأحكام ، فاجتماع حكمين وإن كان يلزم ، إلّا أنّهما ليسا بمثلين أو ضدّين ، لأنّ أحدهما (١) طريقيّ [ناشئ] (٢) عن مصلحة (٣) في نفسه (٤) موجبة لإنشائه الموجب للتنجّز أو لصحّة الاعتذار بمجرّده ، من دون إرادة نفسانيّة أو كراهة كذلك متعلّقة بمتعلّقه فيما يمكن هناك انقداحهما حيث إنّه مع المصلحة أو

__________________

ـ في متعلّق الحكم ، وفي الآخر وجود المصلحة أو المفسدة في نفس الحكم ـ فلا يكون الحكمان مثلين ولا ضدّين ، كي يكون اجتماعهما محالا.

إذا عرفت هذه الامور ، فاعلم : أنّه لو قلنا بوجود الحكم الظاهريّ التكليفيّ في مورد الأمارات بأحد الوجهين المتقدّمين في الأمر الأوّل ، فاجتماع الحكمين في متعلّق الأمارات وإن كان يلزم ، إلّا أنّه لا محذور في اجتماعهما ، لأنّهما ليسا بمثلين ولا ضدّين. وذلك لأنّ المنشأ في أحدهما غير المنشأ في الآخر ، فإنّ المنشأ في الحكم الظاهريّ الّذي أدّت إليه الأمارة هو وجود المصلحة أو المفسدة في نفس الحكم ، فإنّه يوجب إنشاء الحكم الظاهريّ الموجب للتنجّز وصحّة الاعتذار ، والمنشأ في الحكم الواقعيّ هو وجود المصلحة أو المفسدة في متعلّق الحكم ، فمركز المصلحة أو المفسدة في أحدهما غير مركزها في الآخر ، فلم يتحقّق الحكمان المثلان أو الحكمان الضدّان ، لفقدان ما يعتبر في التماثل أو التضادّ من وحدة المنشأ.

وأمّا نفس الحكمين بما هما إنشاءان قطع النظر عن منشئهما فلا تضادّ ولا تماثل بينهما.

ومن هنا يظهر : أنّه لا يلزم اجتماع الإرادتين أو الإرادة والكراهة في المبدأ الأعلى ، ولا في المبادئ العالية ، لأنّ الإرادة والكراهة تابعة لوجود المصلحة والمفسدة في متعلّق الحكم ، فلا إرادة ولا كراهة إلّا في الأحكام الواقعيّة ، وهذه الإرادة والكراهة إنّما تتحقّق في المبادئ العالية ، وهي النفس النبويّة أو الولويّة إذا يوحى الحكم الناشئ عن المصلحة أو المفسدة في المتعلّق إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يلهم به الولي ، وأمّا المبدأ الأعلى فليس فيه إلّا العلم بالمصلحة والمفسدة.

وناقش فيه المحقّقان : العراقيّ والاصفهانيّ. فراجع نهاية الأفكار ٣ : ٧٠ ، ونهاية الدراية ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨.

(١) وهو الحكم الظاهريّ الّذي أدّت إليه الأمارة. والوجه في تسميته بالطريقيّ أنّه متعلّق بما هو طريق إلى الواقع.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٣) هكذا في لنسخ. والصواب أن يقول : «عن مصلحة أو مفسدة».

(٤) أي : في نفس الحكم الظاهريّ.

٢٨٣

المفسدة الملزمتين في فعل وإن لم يحدث بسببها (١) إرادة أو كراهة في المبدأ الأعلى ، إلّا أنّه إذا اوحي بالحكم الناشئ (٢) من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبيّ أو ألهم به الوليّ (٣) فلا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببها الإرادة أو الكراهة الموجبة للإنشاء بعثا أو زجرا ، بخلاف ما ليس هناك مصلحة أو مفسدة في المتعلّق ، بل إنّما كانت في نفس إنشاء الأمر به طريقيّا ؛ والآخر واقعيّ حقيقيّ [ناشئ] (٤) عن مصلحة أو مفسدة في متعلّقه ، موجبة لإرادته أو كراهته الموجبة لإنشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية ، وإن لم يكن في المبدأ الأعلى إلّا العلم بالمصلحة أو المفسدة ـ كما أشرنا ـ (٥). فلا يلزم أيضا اجتماع إرادة وكراهة ، وإنّما لزم إنشاء حكم واقعيّ حقيقيّ بعثا أو زجرا ، وإنشاء حكم آخر طريقيّ ، ولا مضادّة بين الإنشاءين فيما إذا اختلفا (٦) ؛ ولا يكون من اجتماع المثلين فيما اتّفقا (٧) ؛ ولا إرادة ولا كراهة أصلا إلّا بالنسبة إلى متعلّق الحكم الواقعيّ ، فافهم.

نعم (٨) يشكل الأمر في بعض الاصول العمليّة ، كأصالة الإباحة الشرعيّة ، فإنّ

__________________

(١) أي : بسبب المصلحة أو المفسدة.

(٢) وفي بعض النسخ : «بالحكم الشأنيّ».

(٣) وفي بعض النسخ : «ألهم به الوصيّ الوليّ».

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٥) قبل أسطر ، حيث قال : «وإن لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدأ الأعلى ...».

(٦) كما إذا قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة مع كون الواجب الواقعيّ هو صلاة الظهر.

(٧) كما إذا قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة مع كونها واجبا واقعيّا.

(٨) استدراك على الوجه الثاني ، وشروع في بيان الوجه الثالث عدولا عن الوجه الثاني ، لعدم كفايته في دفع الغائلة في الاصول التعبّديّة ، كأصالة الإباحة والطهارة والاستصحاب. فلا بدّ في توضيح كلامه من بيان أمرين :

الأوّل : أنّ الوجه الثاني ـ وهو دفع غائلة اجتماع الحكمين بجعل أحد الحكمين حقيقيّا باعتبار كون منشئه وجود المصلحة في متعلّقه وجعل الآخر ظاهريّا طريقيّا باعتبار كون منشئه وجود المصلحة في نفسه ـ يشكل في الاصول التعبّديّة ، كأصالة الإباحة والطهارة والاستصحاب ، لأنّها أحكام شرعيّة فعليّة حقيقيّة ، فالحكم بحلّيّة كلّ شيء ـ الّذي دلّ عليه ـ

٢٨٤

الإذن في الإقدام والاقتحام ينافي المنع فعلا ، كما فيما صادف الحرام ، وإن كان الإذن فيه لأجل عدم مصلحة فيه (١) ، لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه ، فلا محيص في مثله إلّا عن الالتزام (٢) بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا ، كما في المبدأ الأعلى ، لكنّه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعيّ بفعليّ ، بمعنى كونه على صفة ونحو لو علم به المكلّف لتنجّز عليه ، كسائر التكاليف الفعليّة الّتي تتنجّز بسبب القطع بها. وكونه فعليّا إنّما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبويّة أو الولويّة فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة فيه.

فانقدح بما ذكرنا : أنّه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعيّ في مورد

__________________

ـ قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال ...» ـ إباحة فعليّة وترخيص حقيقيّ في الاقتحام في الشبهة من الشارع ، كالترخيص في المباحات الواقعيّة. وعليه فلا يجتمع الإباحة الشرعيّة والإذن في الإقدام مع المنع فعلا ـ كما فيما صادف الحرام ـ ، ولو كان حكم الإباحة عن مصلحة في نفسه ، وإلّا يلزم منه اجتماع الحكمين الفعليّين المتضادّين فيما إذا كان الواقع هو الحرمة ، أو اجتماع الحكمين الفعليّين المتماثلين فيما إذا كان الواقع هو الحلّيّة والإباحة.

وبالجملة : اختلاف المنشأ لا يدفع غائلة الاجتماع في مثل أصالة الإباحة من الاصول التعبّديّة.

الثاني : أنّ الغائلة في المقام يدفع بوجه آخر. وحاصله : أنّ الأحكام الفعليّة على قسمين :

أحدهما : الأحكام الفعليّة المنجّزة. وهي الأحكام الّتي تكون تام الفعليّة من جميع الجهات ، فلا تكون فعليّتها معلّقة على شيء.

ثانيهما : الأحكام الفعليّة التعليقيّة. وهي الأحكام الّتي لا تكون تامّ الفعليّة ، فلا تتعلّق الإرادة بمتعلّقها إلّا معلّقا على أمر.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الحكم الّذي أدّت إليه الاصول التعبّديّة حكم فعليّ منجّز. بخلاف الحكم الواقعيّ ، فإنّه فعليّ معلّق على عدم ثبوت الإذن على خلافه. فإذا كان هناك إذن فعليّ ـ كما في موارد أصالة الإباحة ـ لم يكن الحكم الواقعيّ فعليّا من جميع الجهات ، فلا يكون الواقع مرادا ، إلّا إذا لم يثبت الإذن في الاقتحام في مورده لأجل مصلحة فيه.

وأورد المحقّق الأصفهانيّ على هذا الوجه أيضا. فراجع كلامه في نهاية الدراية ١ : ١٤٧.

(١) أي : في نفس الحكم والإذن.

(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يحذف كلمة «إلّا». وذلك لأنّ المراد أنّه لا بدّ في دفع غائلة اجتماع الحكمين في المقام من الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية ، فلا مفرّ في المقام عن الالتزام المذكور.

٢٨٥

الاصول والأمارات فعليّا (١) ، كي يشكل :

تارة ، بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ، ضرورة عدم لزوم امتثال الأحكام الإنشائيّة ما لم تصر فعليّة ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإتيان به (٢) ممّا لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

لا يقال : لا مجال لهذا الإشكال لو قيل بأنّها (٣) كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائيّة ، لأنّها بذلك تصير فعليّة تبلغ تلك المرتبة (٤).

فإنّه يقال : لا يكاد يحرز بسبب قيام الأمارة المعتبرة على حكم إنشائيّ ـ لا حقيقة ولا تعبّدا ـ إلّا حكم إنشائيّ تعبّدا ، لا حكم إنشائيّ أدّت إليه الأمارة. أمّا حقيقة : فواضح. وأمّا تعبّدا : فلأنّ قصارى ما هو قضيّة حجيّة الأمارة كون مؤدّاها (٥) هو الواقع تعبّدا ، لا الواقع الّذي أدّت إليه الأمارة ، فافهم.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الدليل على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع الّذي صار مؤدّى لها ، هو دليل الحجّيّة بدلالة الاقتضاء (٦). لكنّه لا يكاد يتمّ إلّا إذا لم يكن للأحكام

__________________

(١) إشارة إلى الوجه الرابع للجمع بين الحكم الظاهريّ والحكم الواقعيّ. وهو حمل الحكم الواقعيّ على الإنشائيّ والحكم الظاهريّ على الفعليّ ، ولا تضادّ بين الحكم الإنشائيّ والفعليّ.

وهذا الوجه يستلزم ورود إشكالين عليه. أشار المصنّف رحمه‌الله إلى أوّلهما بقوله : «تارة بعدم ...» ، وإلى ثانيهما بقوله : «وأخرى بأنّه ...».

(٢) أي : والحال أنّ لزوم الإتيان بما قامت الأمارة على وجوبه ...

(٣) أي : الأحكام الواقعيّة.

(٤) أي : لأنّ الأحكام الواقعيّة ـ الّتي كانت قبل أداء الأمارة إليها إنشائيّة ـ تصير بقيام الأمارة فعليّة وتبلغ مرتبة البعث والزجر ، فيلزم امتثالها ، لصيرورتها فعليّة بقيام الأمارة.

(٥) وفي بعض النسخ «مؤدّاه». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) وهي دلالة مقصودة للمتكلّم ، يتوقّف صدق الكلام وصحّته عقلا أو شرعا على تلك الدلالة.

ومثّلوا للعقليّ بقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يوسف / ٨٢ ، فإنّ صحّته عقلا تتوقّف على تقدير لفظ «أهل» أو تقدير معناه.

ومثّلوا للشرعيّ بقول المتكلّم : «اعتق عبدك عنّي على ألف» ، فإنّ صحّته شرعا تتوقّف على طلب تمليكه أوّلا له بألف ، فيكون التقدير : «ملّكني العبد بألف ثمّ اعتقه عنّي».

٢٨٦

بمرتبتها الإنشائيّة أثر أصلا ، وإلّا لم يكن لتلك الدلالة مجال ، كما لا يخفى.

وأخرى ، بأنّه كيف يكون التوفيق بذلك ، مع احتمال أحكام فعليّة بعثيّة أو زجريّة في موارد الطرق والاصول العمليّة المتكفّلة لأحكام فعليّة؟ ضرورة أنّه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين ، كذلك لا يمكن احتماله.

فلا يصحّ التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعيّ الّذي يكون مورد الطرق إنشائيّا غير فعليّ.

كما لا يصحّ (١) بأنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة ، بل في مرتبتين ، ضرورة تأخّر الحكم الظاهريّ عن الواقعيّ بمرتبتين. وذلك لا يكاد يجدي ، فإنّ الظاهريّ وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعيّ ، إلّا أنّه يكون في مرتبته أيضا (٢) ، وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة.

فتأمّل فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق ، فإنّه دقيق وبالتأمّل حقيق (٣).

[ثالثها : تأسيس الأصل في المسألة]

ثالثها : أنّ الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص (٤) شرعا ولا يحرز التعبّد به

__________________

(١) إشارة إلى الوجه الخامس من وجوه الجمع بين الحكم الواقعيّ والظاهريّ. وتوضيحه : أنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة كي يلزم اجتماع المتنافيين ، بل يكون الحكم الظاهريّ متأخّرا عن الحكم الواقعيّ ، فإنّ موضوع الحكم الواقعيّ هو نفس الشيء بما هو شيء ، وموضوع الحكم الظاهريّ هو الشيء الذي قد شكّ في حكمه الواقعيّ ، فيكون الحكم الظاهريّ متأخّرا عن الحكم الواقعيّ. بمرتبتين : (إحداهما) تأخّره عن موضوع الحكم الواقعيّ. (ثانيتهما) تأخّر موضوعه ـ وهو الشكّ ـ عن الحكم الواقعيّ. وإذا تعدّدت مرتبتهما فلا محذور من اجتماع الحكمين الفعليّين.

(٢) أي : إلّا أنّ الحكم الواقعيّ ثابت في مرتبة الحكم الظاهريّ ، لشموله حال الجهل ، فيجتمع الحكمان في مرتبة واحدة.

(٣) وهاهنا وجوه أخر أفادها الأعلام في الجمع بين الحكم الواقعيّ والحكم الظاهريّ ، تركناها خوفا من التطويل. وعلى المحقّق أن يرجع إلى نهاية الدراية ٢ : ١٥٢ ، ودرر الفوائد ٢ : ٢٥ ـ ٢٦ ، وفوائد الاصول ٣ : ١٠٠ ـ ١١٢ ، أنوار الهداية ١ : ١٩٩ ـ ٢٢١ ، مصباح الاصول ١ : ١٠٨ ، وغيرها من المطوّلات.

(٤) أي : بدليل خاصّ.

٢٨٧

واقعا ، عدم حجّيّته جزما ، بمعنى عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة عليه قطعا ، فإنّها لا تكاد تترتّب إلّا على ما اتّصف بالحجّيّة فعلا ، ولا يكاد يكون الاتّصاف بها إلّا إذا احرز التعبّد به وجعله طريقا متّبعا ، ضرورة أنّه بدونه (١) لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرّد إصابته ، ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها ، ولا تكون مخالفته تجرّيا ، ولا تكون موافقته بما هي موافقته انقيادا ، وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك (٢) إذا وقعت برجاء إصابته. فمع الشكّ في التعبّد به يقطع بعدم حجّيّته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه ، للقطع بانتفاء الموضوع معه. ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

وأمّا صحّة الالتزام (٣) بما أدّى إليه من الأحكام وصحّة نسبته إليه «تعالى»

__________________

(١) أي : بدون الإحراز.

(٢) أي : انقيادا.

(٣) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث استدلّ على نفي حجّيّة المشكوك بما دلّ على عدم جواز الإسناد والاستناد بالشيء مع عدم العلم بحجّيّته. وتوضيحه : أنّ للحجّة أثران :

(أحدهما) صحّة الاستناد إليها في مقام العمل. (ثانيهما) صحّة إسناد مؤدّاها إلى الشارع. وهذا الأثران لا يترتّبان على الشيء مع عدم العلم بحجّيّته ، لأنّ الاستناد إلى مشكوك الحجّيّة في مقام العمل وإسناد مؤدّاه إلى الشارع تشريع عمليّ وقوليّ ، وهو محرّم بالأدلّة الأربعة. فرائد الاصول ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

واستشكل عليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «فليسا من آثارها ...». وحاصله : أنّ إسناد مؤدّى الأمارة إلى المولى والاستناد إليها في مقام العمل ليسا من الآثار المترتّبة على الحجّيّة ، بل بينهما عموم من وجه ، فقد ثبتت الحجّيّة للشيء ولا يجوز إسناد مؤدّاه إلى الشارع كالظنّ على الحكومة ، وقد لا تثبت الحجّيّة له ويجوز إسناده إلى الشارع لو دلّ دليل على صحّة الإسناد حينئذ.

والمحقّق النائينيّ خالف المصنّف رحمه‌الله في جهة ووافقه في جهة اخرى :

الجهة الأولى : إشكاله على الشيخ الأنصاريّ. فناقش فيه بأنّ معنى حجّيّة الأمارة كونها وسطا في إثبات متعلّقها ، فتكون كالعلم ويترتّب عليها جواز الاستناد كما يترتّب على العلم.

وعليه فجواز الاستناد من لوازم الحجّيّة ، فانتفائه يكشف عن انتفاء الحجّيّة.

الجهة الثانية : أصل المدّعى من أنّ الشكّ في الحجّيّة يلازم القطع بعدم الحجّيّة. وافقه في هذا المدّعى ، لكنّه ذكر أنّه ليس المراد أخذ الحجّيّة في موضوعها بحيث لا تكون حجّة ـ

٢٨٨

فليسا (١) من آثارها ، ضرورة أنّ حجّيّة الظنّ عقلا ـ على تقرير الحكومة في حال الانسداد ـ لا توجب صحّتهما ، فلو فرض صحّتهما شرعا مع الشكّ في التعبّد به (٢) لما كان يجدي في الحجّيّة شيئا ما لم يترتّب عليه ما ذكر من آثارها ، ومعه (٣) لما كان يضرّ عدم صحّتهما أصلا ، كما أشرنا إليه آنفا (٤). فبيان عدم صحّة الالتزام مع الشكّ في التعبّد ، وعدم جواز إسناده (٥) إليه تعالى غير مرتبط بالمقام ، فلا يكون الاستدلال عليه بمهمّ (٦) ، كما أتعب به شيخنا العلّامة (أعلى الله مقامه) بما أطنب من النقض والإبرام ، فراجعه (٧) بما علّقناه عليه(٨) ، وتأمّل.

وقد انقدح بما ذكرنا : أنّ الصواب فيما هو المهمّ في الباب (٩) ما ذكرنا في تقرير الأصل ، فتدبّر جيّدا.

إذا عرفت ذلك ، فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه ، يذكر في ذيل فصول :

__________________

ـ واقعا مع عدم العلم بها ، فإنّه واضح الفساد ، إذ الحجّيّة ـ كسائر الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة ـ لا يدور وجودها الواقعيّ مدار العلم بها ، بل المراد عدم ترتّب آثار الحجّيّة عليها من كونها منجّزة للواقع عند الإصابة ومعذّرة عند المخالفة ، فإنّ التنجّز يتوقّف على العلم بالحكم أو ما يقوم مقامه ، والعذر لا يمكن إلّا إذا استند في العمل إلى الحجّة ، وهو يتوقّف على العلم بها موضوعا وحكما. فوائد الاصول ٣ : ١٢٢ ـ ١٢٣.

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «فليستا».

(٢) الضمير يرجع إلى «الظنّ».

(٣) أي : ومع ترتّب تلك الآثار عليه.

(٤) قبل أسطر ، حيث قال : «ضرورة أنّ حجّيّة الظنّ عقلا ...».

(٥) وفي بعض النسخ : «وعدم جواز الاستناد ...» ، والأصحّ أن يقول : «وعدم جواز الإسناد ...».

(٦) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «فلا يكون الاستدلال به ـ أي بعدم جواز الإسناد والاستناد مع الشكّ في التعبّد ـ عليه ـ أي على عدم الحجّيّة ـ بمهمّ».

(٧) راجع فرائد الاصول ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٨) راجع حاشية المصنّف على فرائد الاصول : ٤١.

(٩) وهو البحث عن الحجّيّة.

٢٨٩

فصل

[حجّيّة الظواهر]

[المختار : حجّيّة الظواهر مطلقا]

لا شبهة في لزوم اتّباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة ، لاستقرار طريقة العقلاء على اتّباع الظهورات في تعيين المرادات ، مع القطع بعدم الردع عنها (١) ، لوضوح عدم اختراع طريقة اخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه ، كما هو واضح.

والظاهر أنّ سيرتهم على اتّباعها من غير تقييد بإفادتها للظنّ فعلا ، ولا بعدم الظنّ كذلك على خلافها قطعا (٢) ؛ ضرورة أنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظنّ بالوفاق ولا بوجود الظنّ بالخلاف.

[رأى المحقّق القميّ : حجّيّة الظواهر في خصوص من قصد إفهامه]

كما أنّ الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه (٣) ، ولذا لا يسمع اعتذار

__________________

(١) أي : مع القطع بعدم ردع الشارع عن طريقة العقلاء.

(٢) خلافا لبعض معاصري الشيخ الأعظم على ما حكاه الشيخ في فرائد الاصول ١ : ١٧٠.

(٣) تعريض بالمحقّق القميّ ، حيث فصّل بين من قصد إفهامه بالكلام وبين من لم يقصد إفهامه ، فالظواهر حجّة بالنسبة إلى الأوّل ، دون الثاني. راجع قوانين الاصول ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠٣ و ٢ : ١٠٣.

٢٩٠

من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمّنه ظاهر كلام المولى من تكليف يعمّه أو يخصّه ، ويصحّ به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج ، كما تشهد به صحّة الشهادة بالإقرار من كلّ من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عمّا إذا لم يكن بصدد إفهامه.

[قول الأخباريّين : عدم حجّيّة ظواهر الكتاب]

ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين ، وأحاديث سيّد المرسلين ، والأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام. وإن ذهب بعض الأصحاب (١) إلى عدم حجّيّة ظاهر الكتاب.

إمّا بدعوى (٢) اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به ، كما يشهد به ما ورد في ردع أبي حنيفة (٣) وقتادة (٤) عن الفتوى به.

أو بدعوى (٥) أنّه لأجل احتوائه على مضامين شامخة ، ومطالب غامضة عالية ، لا يكاد تصل إليها أيدي أفكار اولي الأنظار غير الراسخين العالمين بتأويله ، كيف! ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلّا الأوحديّ من الأفاضل؟ فما ظنّك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم كلّ شيء.

__________________

(١) وهو جماعة من الأخباريّين. راجع الدرر النجفيّة : ١٦٩ ـ ١٧٤ ، والفوائد المدنيّة : ١٧ و ١٢٨.

(٢) تعرّض لها صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٢٤١.

(٣) عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال لأبي حنيفة : «أنت فقيه أهل العراق؟» قال : نعم. قال: «فبم تفتيهم؟» قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه. قال : «يا أبا حنيفة! تعرف كتاب الله حقّ معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟!» قال : نعم. قال : «يا أبا حنيفة! لقد ادّعيت علما ، ويلك ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ...». وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩ ـ ٣٠ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.

(٤) دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه‌السلام ... ، فسأله عن قوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) سبأ / ١٨. فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتّى يرجع إلى أهله ... فقال أبو جعفر عليه‌السلام ، «ويحك يا قتادة! إنّما يعرف القرآن من خوطب به». الكافي ٨ : ٣١١ ـ ٣١٢.

(٥) كما قال المحدّث الأمين الاسترآباديّ : «والسرّ فيه أنّه لا سبيل إلى فهم مراد الله إلّا من جهتهم عليهم‌السلام ، لأنّهم عارفون بناسخه ...». الفوائد المدنيّة : ١٢٨.

٢٩١

أو بدعوى (١) شمول المتشابه الممنوع عن اتّباعه للظاهر ، لا أقلّ من احتمال شموله له ، لتشابه المتشابه وإجماله.

أو بدعوى (٢) أنّه وإن لم يكن منه ذاتا ، إلّا أنّه صار منه عرضا (٣) ، للعلم الإجماليّ بطروّ التخصيص والتقييد والتجوّز في غير واحد من ظواهره ، كما هو الظاهر.

أو بدعوى (٤) شمول الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي (٥) لحمل (٦) الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى.

ولا يخفى : أنّ النزاع يختلف صغرويّا وكبرويّا بحسب الوجوه. فبحسب غير الوجه الأخير والثالث يكون صغرويّا. وأمّا بحسبهما فالظاهر أنّه كبرويّ ، ويكون المنع عن الظاهر ، إمّا لأنّه من المتشابه قطعا أو احتمالا ، أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي.

وكلّ هذه الدعاوى فاسدة :

__________________

(١) هذا ما حكاه الشيخ الأعظم الأنصاريّ عن السيّد الصدر (شارح الوافية). راجع فرائد الاصول ١ : ١٥١ ـ ١٥٣.

(٢) هذا ما جعله الشيخ الأعظم الأنصاريّ ثاني الوجهين اللّذين يتمسّك بهما للأخباريّين.

فرائد الاصول ١ : ١٤٩.

(٣) أي : أنّ ظاهر الكتاب وإن لم يكن من المتشابه ذاتا ، إلّا أنّه من المتشابه عرضا ، فيسقط عن الظهور.

(٤) هذا ما ادّعاه المحدّث البحرانيّ ، حيث قال : «والذي تجتمع عليه الأخبار في المقام وتنتظم انتظاما لا يعتريه الإيهام والإبهام هو حمل الرأي في تلك الأخبار على ما لم يكن بتفسير منهم عليهم‌السلام». الدرر النجفيّة : ١٧٤.

(٥) منها : ما رواه الريّان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال الله عزوجل : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي». وسائل الشيعة ١٨ : ١٣٧ ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٨.

ومنها : ما رواه عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله المجادلين في دين الله على لسان سبعين نبيّا ... ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب». وسائل الشيعة ١٨ : ١٤٠ ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٥.

(٦) متعلّق بقوله : «شمول».

٢٩٢

أمّا الأولى : فإنّما المراد ممّا دلّ على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ، اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته ، بداهة أنّ فيه ما لا يختصّ به ، كما لا يخفى ؛ وردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به ، إنّما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه (١) من دون مراجعة أهله ، لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عمّا ينافيه والفتوى به مع اليأس عن الظفر به ؛ كيف! وقد وقع في غير واحد من الروايات الإرجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته (٢).

وأمّا الثانية : فلأنّ احتواءه على المضامين العالية الغامضة ، لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمّنة للأحكام وحجّيّتها ، كما هو محلّ الكلام.

وأمّا الثالثة : فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه ، فإنّ الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل ، وليس بمتشابه ومجمل (٣).

وأمّا الرابعة : فلأنّ العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر إنّما يوجب الإجمال فيما إذا لم ينحلّ بالظفر في الروايات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال. مع أنّ دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحّص عمّا يخالفه لظفر به ، غير بعيدة ، فتأمّل جيّدا.

وأمّا الخامسة : فبمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير ، فإنّه كشف القناع ، ولا قناع للظاهر. ولو سلّم فليس من التفسير بالرأي ، إذ الظاهر أنّ المراد بالرأي هو الاعتبار الظنّيّ الّذي لا اعتبار به ، وإنّما كان منه حمل اللفظ على

__________________

(١) أي : إلى ظاهر الكتاب.

(٢) منها : رواية عبد الأعلى مولى آل سام الوارد في مسألة المسح على المرارة ، حيث قال عليه‌السلام : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله. ما جعل عليكم في الدين من حرج». وسائل الشيعة ١ : ٣٢٧ ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥.

(٣) أي : وليس لفظ «المتشابه» من الألفاظ المجملة.

٢٩٣

خلاف ظاهره لرجحانه بنظره ، أو حمل المجمل على محتمله بمجرّد مساعدته ذاك الاعتبار من دون السؤال عن الأوصياء. وفي بعض الأخبار : «إنّما هلك الناس في المتشابه ، لأنّهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرّفونهم» (١) هذا.

مع أنّه لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك (٢) ولو سلّم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ، ضرورة أنّه قضيّة التوفيق بينها وبين ما دلّ على جواز التمسّك بالقرآن ، مثل خبر الثقلين (٣) ، وما دلّ على التمسّك به والعمل بما فيه (٤) ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه (٥) ، وردّ الشروط المخالفة له (٦) ، وغير ذلك ممّا لا محيص عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره ، لا خصوص نصوصه ، ضرورة أنّ الآيات الّتي يمكن أن تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو الشروط أو يمكن أن يتمسّك بها ويعمل بما فيها ، ليست إلّا ظاهرة في معانيها ، ليس فيها ما كان نصّا ، كما لا يخفى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٤٨ ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٢.

(٢) أي : لا محيص عن حمل الأخبار الناهية عن التفسير بالرأي على غير الظاهر.

(٣) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض». وسائل الشيعة ١٨ : الباب ٥ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٤) كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «انتفعوا ببيان الله ، واتّعظوا بمواعظ الله ، واقبلوا نصيحة الله ، فإنّ الله قد أعذر إليكم بالجليّة واتّخذ عليكم الحجّة». نهج البلاغة ، الخطبة (١٧٦).

(٥) كما روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.

(٦) ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال سمعته يقول : «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الّذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزوجل». وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١.

٢٩٤

ودعوى العلم الإجماليّ بوقوع التحريف فيه بنحو إمّا بإسقاط أو تصحيف (١) وإن كانت غير بعيدة ، كما يشهد به بعض الأخبار (٢) ويساعده الاعتبار ، إلّا أنّه لا يمنع عن حجّيّة ظواهره ، لعدم العلم بوقوع خلل فيها بذلك أصلا. ولو سلّم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام. والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات ، غير ضائر بحجّيّة آياتها ، لعدم حجّيّة ظاهر سائر الآيات. والعلم الإجماليّ بوقوع الخلل في الظواهر إنّما يمنع عن حجّيّتها إذا كانت كلّها حجّة ، وإلّا لا يكاد ينفكّ ظاهر عن ذلك ، كما لا يخفى ، فافهم.

نعم لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتّصل به لأخلّ بحجّيّته ، لعدم انعقاد ظهور له حينئذ ، وإن انعقد له الظهور لو لا اتّصاله.

[اختلاف القراءة يمنع عن التمسّك بظاهر الكتاب]

ثمّ إنّ التحقيق أنّ الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور ـ مثل «يطهرن» بالتشديد والتخفيف (٣) ـ يوجب الإخلال بجواز التمسّك والاستدلال ، لعدم إحراز ما هو القرآن ، ولم يثبت تواتر القراءات ولا جواز الاستدلال بها ، وإن نسب إلى المشهور تواترها ، لكنّه ممّا لا أصل له ، وإنّما الثابت جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بينهما (٤) ، كما لا يخفى.

ولو فرض جواز الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون

__________________

(١) لم أظفر على من ادّعاه من المحدّثين.

(٢) راجع بحار الأنوار ٨٩ : ٤٠ ، باب ما جاء في كيفيّة جمع القرآن وما يدلّ على تغييره.

(٣) في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (يطهّرن) (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) (تطهّرن) (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) البقرة / ٢٢٢.

فإنّ الظاهر على قراءته بالتشديد من «التطهّر» إرادة الاغتسال من حدث الحيض ، وعلى قراءته بالتخفيف من «الطهر» إرادة النقاء من الدم وانقطاعه ، فيختلف الحكم باختلاف القراءتين.

(٤) أي : بين جواز القراءة وجواز الاستدلال بها.

٢٩٥

الأصل في تعارض الأمارات هو سقوطها عن الحجّيّة في خصوص المؤدّى بناء على اعتبارها من باب الطريقيّة ، والتخيير بينها بناء على السببيّة ، مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الأمارات ، فلا بدّ من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات.

٢٩٦

فصل

[عدم حجّيّة قول اللغويّ]

قد عرفت حجّيّة ظهور الكلام في تعيين المرام ، فإن احرز بالقطع وأنّ المفهوم منه جزما ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو ذا ، فلا كلام.

وإلّا ، فإن كان لأجل احتمال وجود قرينة ، فلا خلاف في أنّ الأصل عدمها. لكنّ الظاهر أنّه معه (١) يبنى على المعنى الّذي لولاها (٢) كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء ، لا أنّه يبنى عليه بعد البناء على عدمها (٣) ، كما لا يخفى ، فافهم.

وإن كان لاحتمال قرينيّة الموجود فهو وإن لم يكن بخال عن الإشكال (٤) ـ بناء على حجّيّة أصالة الحقيقة من باب التعبّد ـ ، إلّا أنّ الظاهر أن يعامل

__________________

(١) أي : مع احتمال وجود القرينة.

(٢) أي : لو لا القرينة.

(٣) أي : لا أنّه يبنى على عدم القرينة أوّلا ثمّ يبنى على المعنى الظاهر فيه لو لا القرينة. فيطرد احتمال وجود القرينة بإجراء أصالة الظهور رأسا ، لا بأصالة عدم القرينة. خلافا للشيخ الأعظم الأنصاريّ ، فإنّه ذهب إلى أنّ احتمال وجود القرينة ينفى بإجراء أصالة عدم القرينة ـ المشروط بالفحص عنها واليأس عن الظفر بها ـ أوّلا ، ثمّ تجري أصالة الظهور ويؤخذ به.

فرائد الاصول ١ : ١٣٥.

(٤) هكذا في بعض النسخ. وفي بعض آخر هكذا : «وإن لم يكن مجال عن الإشكال». والصحيح أن يقول : «وإن لم يكن مجالا للإشكال». وذلك لأنّه ـ بناء على حجّيّة أصالة الحقيقة من باب التعبّد ، لا من باب الظهور ـ لا إشكال في البناء على المعنى الحقيقيّ ، وإن لم ينعقد للكلام ظهور ، لعدم اشتراط الظهور في حجّيّة أصالة الحقيقة بناء على حجّيّتها تعبّدا.

٢٩٧

معه (١) معاملة المجمل (٢).

وإن كان لأجل الشكّ فيما هو الموضوع له لغة ، أو المفهوم منه عرفا ، فالأصل يقتضي عدم حجّيّة الظنّ فيه ، فإنّه ظنّ في أنّه ظاهر ، ولا دليل إلّا على حجّيّة الظواهر(٣).

نعم ، نسب إلى المشهور (٤) حجّيّة قول اللغويّ بالخصوص في تعيين الأوضاع.

واستدلّ لهم باتّفاق العلماء بل العقلاء على ذلك ، حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج. وعن بعض (٥) دعوى الإجماع على ذلك.

وفيه : أنّ الاتّفاق ـ لو سلّم اتّفاقه ـ فغير مفيد ، مع أنّ المتيقّن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة. والإجماع المحصّل غير حاصل ، والمنقول منه غير مقبول ، خصوصا في مثل المسألة ممّا احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجلّ ـ لو لا الكلّ ـ هو اعتقاد أنّه ممّا اتّفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كلّ صنعة فيما اختصّ بها. والمتيقّن من ذلك إنّما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمئنان (٦) ، ولا يكاد يحصل من قول اللغويّ وثوق بالأوضاع ، بل لا يكون اللغويّ من أهل خبرة ذلك ، بل إنّما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أنّ همّه ضبط موارده ، لا تعيين أنّ أيّا منها كان

__________________

(١) أي : مع الكلام المحفوف بما يصلح للقرينيّة.

(٢) لأنّ أصالة الحقيقة حجّة من باب الظهور ، لا من باب التعبّد.

(٣) أي : ولا دليل إلّا على حجّيّة ما ثبت كونه ظاهرا.

(٤) نسبه الشيخ الأعظم الأنصاريّ إلى المشهور. راجع فرائد الاصول ١ : ١٧٣.

(٥) نقل الشيخ الأعظم الأنصاريّ حكاية دعوى الإجماع عن السيّد المرتضى في بعض كلماته. فرائد الاصول ١ : ١٧٤.

ولم أعثر على دعوى الإجماع في كلماته. نعم ، قال : «إنّ ظاهر استعمال أهل اللغة اللفظ في شيء دلالة على أنّها حقيقة فيه ، إلّا أن ينقلنا ناقل عن هذا الظاهر». الذريعة في اصول الشريعة ١ : ١٣.

(٦) وفي بعض النسخ : «موجبا للوثوق والاطمئنان».

٢٩٨

اللفظ فيه حقيقة ، أو مجازا ، وإلّا لوضعوا لذلك علامة. وليس ذكره أوّلا علامة كون اللفظ حقيقة فيه ، للانتقاض بالمشترك.

وكون موارد الحاجة إلى قول اللغويّ أكثر من أن يحصى ـ لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه وإن كان المعنى معلوما في الجملة ـ لا يوجب اعتبار قوله ما دام انفتاح باب العلم الأحكام ، كما لا يخفى ؛ ومع الانسداد كان قوله معتبرا ـ إذا أفاد الظنّ ـ من باب حجّيّة الظنّ ، وإن فرض انفتاح باب العلم باللّغات بتفاصيلها فيما عدا المورد.

نعم ، لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللّغات موجبا له على نحو الحكمة ، لا العلّة.

لا يقال : على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.

فإنّه يقال : مع هذا لا يكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها ، فإنّه ربما يوجب القطع بالمعنى ، وربما يوجب القطع بأنّ اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفر به وبغيره في اللغة. وإن لم يقطع بأنّه حقيقة فيه أو مجاز ، كما اتّفق كثيرا ، وهو يكفي في الفتوى.

٢٩٩

فصل

[حجّيّة إجماع المنقول]

الإجماع المنقول (١) بخبر الواحد (٢) حجّة (٣) عند كثير ممّن قال باعتبار الخبر

__________________

(١) ولا يخفى : أنّ الإجماع عند الإماميّة غير الإجماع عند العامّة ، فإنّه عند العامّة دليل برأسه في مقابل السنّة ، وعرّفوه بتعاريف. فعن الغزاليّ : «أنّه اتّفاق أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على الحكم» ، وعن الحاجبيّ : «أنّه اتّفاق الفقهاء من المسلمين على أمر» ، وعن الرازيّ : «أنّه اتّفاق أهل الحلّ والعقد من المسلمين على أمر». راجع المستصفى ١ : ٢٧٣ ، شرح العضديّ ١ : ١٢٢ ، المحصول ٢ : ٣ ، نهاية السئول ٣ : ٢٣٧.

وأمّا عند الإماميّة : فالإجماع وإن كان أحد الأدلّة على الحكم الشرعيّ ، إلّا أنّهم لا يعتبرونه دليلا مستقلّا في مقابل الكتاب والسنّة ، بل يعتقدون أنّ الإجماع عبارة عن قول جماعة يستكشف منه قول المعصوم عليه‌السلام أو رضاه. فالحجّة عندهم قول المعصوم الّذي يكشف عنه الإجماع.

ثمّ إنّ الإجماع في الاصطلاح ينقسم إلى قسمين :

الأوّل : الإجماع المحصّل : والمراد به الإجماع الّذي يحصّله الفقيه بنفسه بعد التتبّع والتفحّص عن أقوال أهل الفتوى.

الثاني : الإجماع المنقول : والمراد به الإجماع الذي لم يحصّله الفقيه بنفسه ، بل إنّما ينقله له من حصّله من الفقهاء.

(٢) وإنّما خصّصوا النزاع في المنقول بخبر الواحد لاتّفاقهم على أنّ المنقول بخبر المتواتر كالإجماع المحصّل في الاعتبار ، فلا نزاع في حجّيّته.

(٣) لا يخفى : أنّه كان الأنسب أن يؤخّر هذا البحث عن بحث حجّيّة خبر الواحد ، لترتّبه على ـ

٣٠٠