كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

الأمر السادس

[حجّيّة قطع القطّاع]

لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما رتّب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه ، أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه ـ كما هو الحال غالبا في القطّاع ـ ، ضرورة أنّ العقل يرى تنجّز التكليف بالقطع الحاصل ممّا لا ينبغي حصوله ، وصحّة مؤاخذة قاطعه على مخالفته ، وعدم صحّة الاعتذار عنها بأنّه حصل كذلك ، وعدم صحّة المؤاخذة مع القطع بخلافه ، وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفيّة حصوله.

نعم ، ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا ، والمتّبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كلّ مورد ؛ فربما يدلّ على اختصاصه بقسم في مورد ، وعدم اختصاصه به في آخر ، على اختلاف الأدلّة واختلاف المقامات ، بحسب مناسبات الأحكام والموضوعات وغيرها من الأمارات.

وبالجملة : القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ، ولا من حيث المورد ، ولا من حيث السبب ، لا عقلا وهو واضح ، ولا شرعا ، لما عرفت (١) من أنّه لا تناله يد الجعل نفيا ولا إثباتا وإن نسب إلى بعض الأخباريّين (٢) : «أنّه لا اعتبار بما إذا كان بمقدّمات عقليّة». إلّا أنّ مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ، بل تشهد بكذبها (٣) ، وأنّها إنّما تكون إمّا في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه ، كما ينادي به بأعلى صوته

__________________

(١) في الأمر الأوّل ، الصفحة : ٢٣٣ من هذا الجزء.

(٢) كالمحدّث الأسترآباديّ في الفوائد المدنيّة : ١٢٩ ، والمحدّث الجزائريّ في شرح التهذيب ـ على ما في فرائد الاصول ١ : ٥٤ ـ ، والمحدّث البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١ : ١٣٢.

) لا يخفى : أنّ كلام جملة منهم صريح في عدم جواز العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة. فراجع ما استقصى الشيخ الأنصاريّ من كلماتهم في فرائد الاصول ١ : ٦١ ـ ٦٥.

٢٦١

ما حكي (١) عن السيّد الصدر في باب الملازمة ، فراجع ؛ وإمّا في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدّمات العقليّة ، لأنّها لا تفيد إلّا الظنّ ، كما هو صريح الشيخ المحدّث الأمين الأسترآباديّ (٢) حيث قال ـ في جملة ما استدلّ به في فوائده (٣) على انحصار مدرك ما ليس من ضروريّات الدين في السماع عن الصادقين عليهم‌السلام ـ : «الرابع : أنّ كلّ مسلك غير ذلك المسلك ـ يعني التمسّك بكلامهم عليهم‌السلام ـ إنّما يعتبر من حيث إفادته الظنّ بحكم الله تعالى ، وقد أثبتنا سابقا أنّه لا اعتماد على الظنّ المتعلّق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها».

وقال في جملتها أيضا ـ بعد ذكر ما تفطّن بزعمه من الدقيقة ـ ما هذا لفظه : «وإذا عرفت ما مهّدناه من الدقيقة الشريفة فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيره لم نعصم منه ؛ ومن المعلوم أنّ العصمة من الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا ، ألا ترى أنّ الإماميّة استدلّوا على وجوب عصمة الإمام بأنّه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتّباع الخطأ ، وذلك الأمر محال ، لأنّه قبيح؟ وأنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت أنّ مقتضاه أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّيّ في أحكامه تعالى» (٤). انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وما مهّده من الدقيقة هو الّذي نقله شيخنا العلّامة ـ أعلى الله مقامه ـ في الرسالة(٥).

وقال في فهرست فصولها أيضا : «الأوّل في إبطال جواز التمسّك بالاستنباطات الظنّيّة في نفس أحكامه تعالى ، ووجوب التوقّف عند فقد القطع بحكم الله ، أو بحكم ورد عنهم عليهم‌السلام» (٦) ، انتهى.

__________________

(١) حكاه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ١ : ٥٩ ـ ٦٠.

(٢) وفي بعض النسخ : «هو صريح الأمين».

(٣) الفوائد المدنيّة : ١٢٩.

(٤) الفوائد المدنيّة : ١٣١.

(٥) فرائد الاصول ١ : ٥٢.

(٦) الفوائد المدنيّة : ٣.

٢٦٢

وأنت ترى أنّ محلّ كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقليّ غير المفيد للقطع ، وإنّما همّه إثبات عدم جواز اتّباع غير النقل فيما لا قطع.

وكيف كان فلزوم اتّباع القطع مطلقا ، وصحّة المؤاخذة على مخالفته عند إصابته ، وكذا ترتّب سائر آثاره عليه عقلا ، ممّا لا يكاد يخفى على عاقل ، فضلا عن فاضل. فلا بدّ فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة (١) من المنع عن حصول العلم

__________________

(١) من الأخبار الظاهرة في عدم جواز العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة ، والفروع الفقهيّة الّتي توهّم فيها المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غيرهما.

أمّا الأخبار :

فمنها : قول أبي جعفر عليه‌السلام : «أما لو أنّ رجلا صام نهاره وقام ليله وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله ثواب ولا كان من أهل الإيمان». الوسائل ١٨ : ٢٦ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٣.

ومنها : قوله عليه‌السلام : «من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه التيه يوم القيامة». الوسائل ١٨ : ٥١ ، الباب ٧ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٧.

ومنها : قول أبي عبد الله عليه‌السلام : «أما أنّه شرّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منه».

الوسائل ١٨ : ٤٧ ، الباب ٧ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥.

ومنها : غيرها من الروايات الواردة في لزوم ردّ الأحكام إلى المعصومين عليه‌السلام. فراجع الباب ٧ من أبواب صفات القاضي من الوسائل الشيعة ١٨ : ٤١ ـ ٥١.

وأمّا الفروع الفقهيّة :

فالفرع الأوّل : أنّه لو اختلف المتداعيان في سبب انتقال الشيء بعد اتّفاقهما على أصل الانتقال ، فقال أحدهما : «بعتك الجارية» وقال الآخر : «وهبتني إيّاها» ، تردّ الجارية بعد التحالف إلى مالكها الأوّل ، مع العلم التفصيليّ بخروجها من ملكه.

الفرع الثاني : أنّه لو وجد المني في ثوب مشترك بين شخصين ، حكموا بجواز اقتداء أحدهما بالآخر مع أنّه يعلم ببطلان صلاته إمّا لجنابة نفسه أو لجنابة إمامه.

الفرع الثالث : أنّه لو وجد المني في ثوب مشترك بين الشخصين ، حكموا بجواز الاقتداء بهما في صلاتين مترتّبين ، كما إذا اقتدى بأحدهما في صلاة الظهر وبالآخر في صلاة العصر. مع أنّه يعلم تفصيلا ببطلان صلاة الظهر إمّا لجنابة الإمام أو لفوات الترتيب.

الفرع الرابع : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، يحكم بإعطاء العين للمقرّ له الأوّل وإعطاء بدلها من المثل أو القيمة للثاني ، مع العلم الإجماليّ بعدم جواز التصرّف في أحدهما. ـ

٢٦٣

التفصيليّ بالحكم الفعليّ (١) لأجل منع بعض مقدّماته الموجبة له ، ولو إجمالا ، فتدبّر جيّدا.

الأمر السابع

[حجّيّة العلم الإجماليّ]

إنّه قد عرفت (٢) كون القطع التفصيليّ بالتكليف الفعليّ علّة تامّة لتنجّزه ، لا يكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا ، فهل القطع الإجماليّ كذلك (٣)؟

[المقام الأوّل : في ثبوت التكليف بالعلم الإجماليّ وعدمه]

فيه إشكال (٤).

[القول المختار في المقام]

لا يبعد أن يقال (٥) : إنّ التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف ، وكانت مرتبة

__________________

ـ الفرع الخامس : انّه إذا كان لأحد درهم عند الودعي وللآخر درهمان عنده ، فسرق أحد الدراهم ، فيحكم بأنّ لصاحب الدرهمين درهم ونصف ولصاحب الدرهم نصف. مع أنّ الحكم بالتنصيف مخالف للعلم الإجماليّ بأنّ تمام هذا الدرهم لأحدهما ، بل التنصيف يوجب إعطاء النصف لغير مالكه.

(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «من حمله على ما لم يحصل العلم التفصيليّ بالحكم الفعليّ ...» أو يقول : «من المنع عن حصول العلم التفصيليّ بالحكم الفعليّ في تلك الموارد ...».

(٢) في الأمر الأوّل ، الصفحة : ٢٣٣ من هذا الجزء.

(٣) اعلم أنّ البحث عن العلم الإجماليّ يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّ العلم الإجماليّ هل يكون منجّزا ومثبتا للتكليف كما كان العلم التفصيليّ كذلك أم لا؟

المقام الثاني : هل يكون الامتثال الإجماليّ مسقطا للتكليف أم لا؟

(٤) بل فيه أقوال. ولكن المصنّف رحمه‌الله اقتصر على بيان مختاره وبيان ما ينسب إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ ، وإن كان في النسبة نظر ، كما سيأتي.

(٥) وفي بعض النسخ : «ربما يقال».

٢٦٤

الحكم الظاهريّ معه محفوظة ، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالا ، بل قطعا (١).

__________________

(١) والحاصل : أنّ العلم الإجماليّ ليس علّة تامّة لتنجّز التكليف ، بل إنّما يكون مقتضيا للتنجّز بحيث يؤثّر في التكليف لو لم يمنع مانع عن تأثيره. بخلاف الشكّ البدويّ ، فإنّه لا يؤثّر في التنجّز أصلا. وبخلاف العلم التفصيليّ فإنّه يكون علّة تامّة للتنجّز. وعليه يكون العلم الإجماليّ مقتضيا بالنسبة إلى كلّ من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة القطعيّتين ، فيمكن للشارع جعل الترخيص في أطراف العلم الإجماليّ بالتكليف الإلزاميّ من الوجوب والحرمة.

وتوضيح ما أفاده يبتني على تقديم مقدّمتين :

إحداهما : أنّ الحكم الواقعيّ ينكشف بالعلم التفصيليّ تمام الانكشاف ، فيكون تامّ الفعليّة من جميع الجهات ومنجّزا بلا قيد. بخلاف العلم الإجماليّ ، فإنّ الحكم الواقعيّ لم ينكشف به تمام الانكشاف ، فلا يكون الواقع في موارد العلم الإجماليّ تامّ الفعليّة ، بل يكون فعليّا من جهة دون جهة اخرى.

ثانيتهما : أنّه إذا انكشف الواقع تمام الانكشاف فيرتفع مورد الحكم الظاهريّ ، بداهة أنّ الواقع ـ حينئذ ـ لا يكون موردا للأمارة ولا للأصل. وأمّا إذا لم ينكشف تمام الانكشاف ـ كما في موارد العلم الإجماليّ ـ فتكون مرتبة الحكم الظاهريّ محفوظة ، لأنّ في موارد العلم الإجماليّ يكون كلّ من أطراف العلم الإجماليّ مشكوك الحكم ومجهوله ، فيكون موردا للأمارة وموضوعا للأصل.

إذا عرفت هاتين المقدّمتين ، فنقول :

إنّ العلم الإجماليّ مقتض بالنسبة إلى لزوم الموافقة وحرمة المخالفة القطعيّتين ، وحينئذ يمكن للشارع جعل ترخيص المكلّف في مخالفة جميع الأطراف ظاهرا ، لعدم المنافاة بين الحكم المعلوم بالإجمال وبين الترخيص ، لما مرّ من عدم كون المعلوم بالإجمال فعليّا من جميع الجهات ، فتكون مرتبة الحكم الظاهريّ محفوظة مع العلم الإجماليّ ، فلا منافاة بين الحكم الواقعيّ المعلوم بالإجمال وبين الحكم الظاهريّ.

وقد يتوهّم من عبارة المصنّف رحمه‌الله في مبحث الاشتغال أنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة بالنسبة إلى كلا الطرفين ، فيكون ما أفاده هنا منافيا لما أفاده هناك. هذا ما توهّمه العلّامة المحشّي المشكينيّ على ما في حواشيه على الكفاية (المطبوعة بالطبع الحجريّ) ٢ : ٣٥.

ولكن التحقيق : أنّه لا تهافت بين كلاميه ، فإنّه أفاد هنا أنّ العلم الإجماليّ إنّما يكون مقتضيا للتكليف ، بمعنى أنّه يكشف عن الحكم الواقعيّ لو لم يمنع مانع عنه. وأفاد هناك أنّ العلم الإجماليّ علّة للتنجّز فيما إذا تعلّق بالحكم الفعليّ التامّ الفعليّة. وأنت خبير بعدم المنافاة بينهما. وسيأتي مزيد توضيح في مبحث الاشتغال إن شاء الله.

٢٦٥

وليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إلّا محذور (١) مناقضة الحكم الظاهريّ مع الواقعيّ في الشبهة غير المحصورة بل الشبهة البدويّة (٢) ، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعيّ والإذن بالاقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلا ؛ فما به التفصّي عن المحذور فيهما كان به التفصّي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا ، كما لا يخفى. وقد أشرنا إليه سابقا (٣) ويأتي إن شاء الله مفصّلا (٤).

نعم ، كان العلم الإجماليّ كالتفصيليّ في مجرّد الاقتضاء ، لا في العلّيّة التامّة (٥) ، فيوجب تنجّز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة ، أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر

__________________

(١) وفي بعض النسخ هكذا : «ومحذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إنّما هو محذور ...» والمعنى واحد.

(٢) وفي بعض النسخ زيادة ، هي : «لا يقال : إنّ التكليف فيهما لا يكون بفعليّ. فإنّه يقال : كيف المقال في موارد ثبوته في أطراف غير محصورة أو في الشبهات البدويّة مع القطع به أو احتماله أو بدون ذلك». ولكن ضرب عليها في النسخة الأصليّة قلم المحو. وهو الصحيح ، فإنّها مستدركة ، لاستفادة مضمونها من مطاوي السطور المتقدّمة عليها.

والحاصل : أنّه لا مضادّة بين الحكم الواقعيّ والظاهريّ في المقام ، إذ لو كانت بينهما مضادّة لما أمكن جعل الحكم الظاهريّ في الشبهات غير المحصورة ، بل في الشبهة البدويّة.

(٣) في الأمر الرابع : ٢٥٧ ، حيث قال : «قلت : لا بأس باجتماع الحكم الواقعيّ ...».

(٤) في مبحث حجّيّة الأمارات ، الصفحة : ٢٨٥ ـ ٢٨٧ من هذا الجزء.

(٥) لكنّه لا يخفى : أنّ التفصّي عن المناقضة ـ على ما يأتي ـ لمّا كان بعدم المنافاة بين الحكم الواقعيّ ما لم يصر فعليّا والحكم الظاهريّ الفعليّ كان الحكم الواقعيّ في موارد الاصول والأمارات المؤدّية إلى خلافه لا محالة غير فعليّ ، فحينئذ فلا يجوّز العقل مع القطع بالحكم الفعليّ الإذن في مخالفته ، بل يستقلّ مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو إجمالا بلزوم موافقته وإطاعته ، نعم لو عرض بذلك عسر موجب لارتفاع فعليّته شرعا أو عقلا ، كما إذا كان مخلّا بالنظام ، فلا تنجّز حينئذ ، لكنّه لأجل عروض الخلل في المعلوم ، لا لقصور العلم عن ذلك ، كما كان الأمر كذلك فيما إذا أذن الشارع في الاقتحام ، فإنّه أيضا موجب للخلل في المعلوم ، لا المنع عن تأثير العلم شرعا. وقد انقدح بذلك أنّه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا ، فتأمّل جيّدا. منه [أعلى الله مقامه].

٢٦٦

[قوله عليه‌السلام] (١) : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (٢).

وبالجملة : قضيّة صحّة المؤاخذة على مخالفته (٣) مع القطع به بين أطراف محصورة ، وعدم صحّتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام فيها ، هو كون القطع الإجماليّ مقتضيا للتنجّز ، لا علّة تامّة (٤).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

(٣) أي : مخالفة التكليف.

(٤) ولا يخفى : أنّ الأعلام الثلاثة خالفوه في المقام.

أمّا المحقّق النائينيّ : فأورد على المقدّمة الثانية الّتي ذكرناها توضيحا لما أفاده المصنّف رحمه‌الله في المقام ـ من انحفاظ رتبة الحكم الظاهريّ في أطراف العلم الإجماليّ وإمكان كون كلّ واحد من أطرافه موردا للأمارة وموضوعا للاصول وجواز جعل ترخيص الشارع في مخالفة جميع الأطراف من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة ـ ، فقال ما لفظه : «جريان الأصول العمليّة في كلّ واحد من الأطراف يستلزم الجمع في الترخيص بين جميع الأطراف ، والترخيص في الجميع يضادّ التكليف المعلوم بالإجمال ، فلا يمكن أن تكون رتبة الحكم الظاهريّ محفوظة في جميع الأطراف. نعم ، يمكن الترخيص في بعض الأطراف والاكتفاء عن الواقع بترك الآخر أو فعله». فوائد الاصول ٣ : ٧٧.

وقال في موضع آخر : «لا يجوز الإذن في جميع الأطراف. لأنّه إذن في المعصية. والعقل يستقلّ بقبحها. وأمّا الإذن في البعض فهو ممّا لا مانع عنه ، فإنّ ذلك يرجع في الحقيقة إلى جعل الشارع الطرف الغير المأذون فيه بدلا عن الواقع والاكتفاء بتركه عنه لو فرض أنّه صادف المأذون للواقع وكان هو الحرام المعلوم في البين». فوائد الاصول ٤ : ٣٥.

والحاصل : أنّه ذهب إلى أنّ العلم الإجماليّ مقتض بالنسبة إلى خصوص وجوب الموافقة القطعيّة ، ولا تكون مرتبة الحكم الظاهريّ محفوظة في جميع الأطراف كي يجوز للشارع الترخيص في جميعها ، بل إنّما يمكن الترخيص في بعض الأطراف.

وأمّا المحقّق الاصفهانيّ : فذهب إلى أنّ العلم الإجماليّ منجّز للتكليف مطلقا ، وعلّة تامّة لانكشاف الحكم الواقعيّ تمام الانكشاف ، فيكون الحكم الواقعيّ في موارد العلم الإجماليّ تامّ الفعليّة. وذلك لأنّ حقيقة الحكم الحقيقيّ الفعليّ الّذي عليه مدار الإطاعة والعصيان هو الإنشاء بداعي البعث والتحريك وجعل الداعي. ولا يمكن اتّصاف الإنشاء بهذه الأوصاف ـ

٢٦٧

[القول الثاني وبيان ضعفه]

وأمّا احتمال أنّه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعيّة ، وبنحو العلّيّة بالنسبة إلى الموافقة الاحتماليّة وترك المخالفة القطعيّة (١) ، فضعيف

__________________

ـ إلّا بعد وصوله إلى العبد ، وهو يتحقّق بالعلم الإجماليّ كما يتحقّق بالعلم التفصيليّ ، فإنّ العلم الإجماليّ لا يفارق التفصيليّ في حقيقة انكشاف أمر المولى ونهيه ، ولمّا كان الملاك في استحقاق العقاب هتك حرمة المولى والظلم عليه ـ بالخروج عن رسم الرقّيّة ومقتضيات العبوديّة ـ وهو منطبق على المخالفة للحكم المعلوم ولو لم يعلم طرف المعلوم تفصيلا ، كان العلم الإجماليّ منجّزا للتكليف وعلّة تامّة له. راجع نهاية الدراية ٢ : ٩٢ ـ ٩٨ و ٥٧٨ ـ ٥٨٤.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فذهب أيضا إلى أنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة لانكشاف الحكم الواقعيّ ومنجّز له مطلقا. واستدلّ عليه بأنّ الوجدان يقضي بمناقضة العلم الإجماليّ لجريان الاصول في أطرافه وقبح الترخيص في مخالفته ، وهو أمر مرتكز يكشف عن علّيّة العلم الإجماليّ لإثبات الاشتغال بالتكليف وتنجيزه. نهاية الأفكار ٣ : ٤٦.

(١) لا يخفى : أنّ المحقّق النائينيّ نسب هذا التفصيل إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ. ولكن المحقّق العراقيّ نسب إليه القول بأنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة للتنجّز مطلقا ، واستشهد على النسبة ببعض كلمات الشيخ. فراجع فوائد الاصول ٢ : ٣٦ ، ونهاية الأفكار ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١.

والتحقيق : أنّ كلمات الشيخ في المقام مضطربة. فيستفاد من بعضها أنّه يرى تأثير العلم الإجماليّ في الموافقة القطعيّة بنحو الاقتضاء ، كقوله : «إذن الشارع في أحد المشتبهين ينافي حكم العقل بوجوب امتثال التكليف المعلوم المتعلّق بالمصداق المشتبه ، لإيجاب العقل حينئذ الاجتناب عن كلا المشتبهين. نعم ، لو أذن الشارع في ارتكاب أحدهما مع جعل الآخر بدلا عن الواقع في الاجتزاء بالاجتناب عنه جاز ...». فرائد الاصول ٢ : ٢٠٤. فإنّ ظهوره في تأثير العلم الإجماليّ بنحو الاقتضاء واضح ، إذ لو كان علّة له لم يصحّ إذن الشارع في ارتكاب بعض الأطراف.

ويستفاد من بعض آخر من كلماته أنّ تأثيره بنحو العلّيّة التامّة ، حيث قال ـ في الجواب عن توهّم جريان أصالة الحلّ في كلا المشتبهين والتخيير بينهما ـ : «قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعيّ مكلّفا بالاجتناب عنه منجّزا ـ على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه ـ ، لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقينيّ بترك الحرام الواقعيّ هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتّى لا يقع في محذور فعل الحرام ... فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما». فرائد الاصول ٢ : ٢١١ ـ ٢١٢. وقال أيضا : «قلت : العلم الإجماليّ كالتفصيليّ علّة تامّة لتنجّز التكليف بالمعلوم ، إلّا أنّ المعلوم إجمالا يصلح لأن يجعل ـ

٢٦٨

جدّا (١) ، ضرورة أنّ احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة ، فلا يكون عدم القطع بذلك معها (٢) موجبا لجواز الإذن في الاقتحام ، بل لو صحّ الإذن في المخالفة الاحتماليّة ، صحّ في القطعيّة أيضا ، فافهم (٣).

__________________

ـ أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر». فرائد الاصول ٢ : ٢٨١. وعليه ففي نسبة ما في المتن إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ نظر. نعم ، هو مذهب المحقّق النائينيّ كما مرّ.

(١) هذا جواب قوله : «وأمّا احتمال ...». وحاصله : أنّ محذور الإذن في ارتكاب جميع الأطراف هو القطع باجتماع المتناقضين أو الضدّين ـ أي الحكم بالترخيص وثبوت التكليف المعلوم إجمالا ـ ، ونفس المحذور بعينه موجود في الترخيص في بعض الأطراف ، لأنّ الإذن في بعض الأطراف يستلزم احتمال اجتماع المتناقضين ، لاحتمال تعلّق الحكم المعلوم بالإجمال بالطرف المرخّص فيه ، والمناقضة محال مطلقا ، سواء كانت مناقضة احتماليّة أو كانت مناقضة قطعيّة.

(٢) أي : عدم القطع بثبوت المتناقضين مع المناقضة الاحتماليّة.

(٣) تتمّة :

وهي في بيان الثمرة المترتّبة على القولين في المقام. وهي تظهر في موارد :

منها : أنّه إذا كان الأصل الجاري في أحد الأطراف العلم الإجماليّ من سنخ الأصل الجاريّ في الطرف الآخر ، مع اختصاص الطرف الأوّل بأصل آخر طوليّ ، وقلنا بتعارض الأصلين الواقعين في رتبة واحدة وتساقطهما ، فعلى القول بأنّ العلم الإجماليّ مؤثّر في الحكم الواقعيّ على نحو الاقتضاء ـ فيمكن للشارع جعل الترخيص في بعض الأطراف وتجري الاصول في أطراف العلم الإجماليّ ما لم يعارضها أصل آخر ـ يمكن إجراء الأصل الواقع في الرتبة اللاحقة في الطرف الأوّل ، لعدم وجود معارض له. وعلى القول بأنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة ـ ولا يمكن الترخيص في تمام الأطراف ولا في بعضه ولا يجرى الاصول في الأطراف ولو لم يكن لها معارض ـ لم يمكن إجراؤه في الطرف الأوّل ، بل يسقط بالعلم الإجماليّ.

مثلا : إذا علم إجمالا بوقوع نجاسة في الماء أو على الثوب ، فيقع الشكّ في الماء من جهتين : (إحداهما) الشكّ في طهارته. و (ثانيتهما) الشكّ في حلّيّته. فيكون من الجهة الأولى مجرى أصالة الطهارة ، ومن الجهة الثانية مجرى أصالة الحلّ الّتي هي في طول أصالة الطهارة. ويقع الشكّ في الثوب من الجهة الأولى ، وهي الشكّ في طهارته ، وأمّا حرمته فلا ، لأنّ العلم بالنجاسة لا أثر له في حرمة لبس الثوب ، بل يجوز لبسه مع العلم التفصيليّ بالنجاسة ، فيكون مجرى أصالة الطهارة فقط. ولا شكّ أنّ أصالة الطهارة الجارية في الطرف الأوّل تعارض أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر ، ويتساقطان ، فلا يجوز التوضّؤ بالماء ـ

٢٦٩

ولا يخفى : أنّ المناسب للمقام هو البحث عن ذلك (١) ؛ كما أنّ المناسب في باب البراءة والاشتغال ـ بعد الفراغ هاهنا عن أنّ تأثيره في التنجّز بنحو الاقتضاء لا العلّية ـ هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا ، وعدم ثبوته ؛ كما لا مجال بعد البناء على أنّه بنحو العلّيّة للبحث عنه هناك أصلا ، كما لا يخفى.

هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجّزه به (٢).

[المقام الثاني : في كفاية العلم الإجماليّ وعدمه]

وأمّا سقوطه به بأن يوافقه إجمالا : فلا إشكال فيه في التوصّليّات (٣).

وأمّا في العبادات (٤) : فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار ، كما إذا تردّد أمر عبادة (٥)

__________________

ـ ولا لبس الثوب في الصلاة. وأمّا أصالة الحلّ في الطرف الأوّل فعلى القول بتأثير العلم الإجماليّ في الحكم الواقعيّ بنحو الاقتضاء وجريان الاصول في أطرافه لو لم يعارضها أصل آخر ، تجري ، لعدم وجود معارض له ؛ وعلى القول بتأثيره على نحو العلّيّة وعدم جريان الاصول في الأطراف ولو لم يعارضها أصل ، لا تجري ، بل تسقط بالعلم الإجماليّ.

ومنها : إذا كان الأصل الجاري في كلّ طرف من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر ، مع اختصاص كلّ منهما بأصل طوليّ آخر. فعلى القول بالاقتضاء يتحقّق التعارض بين الأصلين الحاكمين والأصلين المحكومين وتصل النوبة إلى البحث عن أنّ القاعدة في تعارض الاصول هل هو التساقط أو التخيير؟ وعلى القول بالعلّيّة التامّة لا يتحقّق التعارض ولا مجال للبحث المزبور. ومثاله : ما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين ، فإنّ الأصل الأوّليّ الجاري في كلّ منهما هو أصالة الطهارة ، والأصل الثانويّ هو أصالة الحلّ.

(١) أي : عن تنجيز العلم الإجماليّ بنحو العلّيّة أو الاقتضاء.

(٢) أي : بالعلم الإجماليّ.

(٣) لأنّ الغرض منها مجرّد حصول المأمور به في الخارج بأيّ نحو اتّفق ، ضرورة أنّ المأمور به في التوصّليّات يتحقّق بإتيان جميع محتملاته ، فلو علم أحد بأنّه مديون بدرهم إمّا لزيد أو لعمرو ، وأعطى درهما لزيد ودرهما لعمرو ، حصل له العلم بالفراغ.

(٤) وفي بعض النسخ : «أمّا العباديّات» ، وفي بعضها : «أمّا في العباديّات». والأولى ما أثبتناه.

والأولى منه أن يقول : «وأمّا في التعبّديّات».

(٥) وفي بعض النسخ : «تردّد عبادة». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٠

بين الأقلّ والأكثر (١) ، لعدم الإخلال بشيء ممّا يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها ـ ممّا لا يمكن أن يؤخذ فيها (٢) ، فإنّه نشأ من قبل الأمر بها ، كقصد الإطاعة والوجه والتمييز ـ فيما إذا أتى بالأكثر ؛ ولا يكون إخلال حينئذ (٣) إلّا بعدم إتيان ما احتمل جزئيّته على تقديرها بقصدها (٤) ؛ واحتمال دخل قصدها (٥) في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية.

وأمّا فيما احتاج إلى التكرار (٦) : فربما يشكل من جهة الإخلال بالوجه تارة ، وبالتميّز اخرى ، وكونه لعبا وعبثا ثالثة (٧).

__________________

(١) كتردّد أمر الصلاة بين عشرة أجزاء وتسعة ، فإنّ الاحتياط فيها يتحقّق بإتيان عشرة.

(٢) قوله : «ممّا لا يمكن أن يؤخذ فيها» بيان لقوله : «ما يعتبر أو يحتمل اعتباره». ومعنى العبارة : أنّه إذا أتى بالأكثر احتياطا فلا يوجب الاخلال بما يعتبر ـ قطعا أو احتمالا ـ في حصول الغرض من العبادة. وهو القيود الّتي لا يعقل أن يؤخذ في نفس العبادة ، كقصد القربة الّذي يعتبر في العبادة قطعا ، وقصد الوجه أو التميّز المعتبران احتمالا في حصول الغرض ، فإنّها متأخّرة عن الأمر ، فلا يمكن أخذها في موضوع الأمر.

(٣) أي : حين الإتيان بالأكثر احتياطا.

(٤) أي : لا يلزم إخلال إلّا الإخلال بقصد جزئيّة ما كان مشكوك الجزئيّة على تقدير كونه جزءا واقعا. فالأولى أن يقول : «ولا يكون إخلال إلّا الإخلال بقصد جزئيّة الجزء المشكوك على تقدير جزئيّته ، حيث أتى به من دون قصد الجزئيّة».

(٥) أي : قصد الجزئيّة.

(٦) وتمكّن من العلم التفصيليّ بالواجب ، كتردّد أمر الصلاة الواجبة بين القصر والإتمام ، أو تردّد أمر الصلاة بين إقامته إلى جهتين أو أزيد فيما إذا اشتبهت القبلة ، والمفروض أنّه يقدر على العلم بأحد أطراف الترديد.

(٧) أمّا الإخلال بقصد الوجه : فلأنّ المفروض أنّ كلّ واحد من أطراف الترديد محتمل الوجوب ، ولا علم للمكلّف بالنسبة إلى الواجب الحقيقيّ ، فلا يمكن له قصد الوجوب بالنسبة إلى واحد منها بعينه ، مع أنّ قصد الوجوب دخيل في تحقّق الامتثال.

وأمّا الإخلال بقصد التميّز : فلأنّ تكرار العبادة يوجب عدم إحراز ما ينطبق عليه عنوان المأمور به الواقعيّ.

وأمّا كونه لعبا وعبثا ـ كما ذكره الشيخ الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٤٠٩ ـ : فلأنّ الواجب واحد ، والتكرار لعب بأمر المولى ، فلا وجه لتكريره.

٢٧١

وأنت خبير بعدم الإخلال بالوجه بوجه في الإتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه (١) ، غاية الأمر أنّه لا تعيين له ولا تميّز (٢) ، فالإخلال إنّما يكون به ، واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف ، لعدم عين منه ولا أثر في

__________________

ـ وذكر المحقّق النائينيّ وجها آخر. حاصله : أنّ العقل يحكم بأنّه يعتبر في تحقّق الطاعة أن يكون العبد منبعثا نحو العمل من بعث المولى ، لا عن احتمال بعثه. فالامتثال اليقينيّ مقدّم رتبة على الامتثال الاحتماليّ ، وإذا كان الامتثال التفصيليّ اليقينيّ ممكنا فلا مجال للامتثال الإجماليّ ، فلا يجرى الاحتياط مع التمكّن من العلم بالواقع تفصيلا. فوائد الاصول ٣ : ٧٢ ـ ٧٤.

وناقش فيه المحقّق الاصفهانيّ بوجوه :

الأوّل : أنّ العمل بداعي الموافقة الاحتماليّة انقياد ، وهو عنوان حسن منطبق على فعل كلّ واحد من المحتملين. ومن المعلوم أنّ ما كان حسنا بالذات يكون حسنا بالفعل إلّا إذا انطبق عليه عنوان قبيح. ومعلوم أيضا أنّ مجرّد التمكّن من الامتثال التفصيليّ لا يوجب تعنون الامتثال الإجماليّ بعنوان قبيح.

الثاني : أنّ الداعي الحقيقيّ الموجب لانقداح الإرادة هو صورة البعث الحاضرة في النفس ـ سواء كانت مقرونة بالتصديق العلميّ أو الظنّيّ أو الاحتماليّ ـ ، فإن كان ما في الخارج مطابقا للصورة كان الانبعاث عن شخص الأمر وإطاعة حقيقة ، وإلّا كان انقيادا محضا. وعلى كلا التقديرين يكون الإتيان بالمحتملين متضمّن للانبعاث عن البعث قطعا.

الثالث : أنّ الانبعاث التفصيليّ إمّا أن يحتمل دخله في الغرض أم لا. فعلى الأوّل يكون حاله حال قصد القربة ، فيكون مرفوعا عند الجهل. وعلى الثاني نقطع بسقوط الغرض بمجرّد الموافقة الإجماليّة ، فنقطع بسقوط الأمر. نهاية الدراية ٢ : ١١٣ ـ ١١٤.

(١) أي : لوجوب الواجب. والحاصل : أنّه لا يلزم من التكرار إخلال بقصد الوجه ، لأنّ المكلّف يأتي بكلّ واحد من الأطراف بداعي الأمر المتعلّق بالواجب ، فيكون قاصدا للواجب حين الإتيان بكلّ واحد من الأطراف. غاية الأمر لا يتميّز المأمور به عن غيره ، وهو غير معتبر كما يأتي. هذا كلّه فيما إذا قلنا باعتبار قصد الوجه في حصول الغرض.

وأمّا لو قلنا بعدم اعتباره ـ كما هو الحقّ ، لعدم دليل خاصّ على اعتباره. واحتمال اعتباره يدفع بعدم التنبيه عليه ، لأنّه ممّا يغفل عنه غالبا ، وفي مثله لا بدّ من التنبيه على اعتباره ـ : فيكفي في الجواب عنه أنّ قصد الوجه ممّا لا دليل على اعتباره ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «مع أنّه ممّا يغفل عنه ...».

(٢) هكذا في جميع النسخ. والصحيح أن يقول : «لا تعيّن له ولا تميّز» أو يقول : «لا تعيين ولا تمييز».

٢٧٢

الأخبار ؛ مع أنّه ممّا يغفل عنه غالبا ، وفي مثله لا بدّ من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض ، وإلّا لأخلّ بالغرض ، كما نبّهنا عليه سابقا (١).

وأمّا كون التكرار لعبا وعبثا : فمع أنّه ربّما يكون لداع عقلائيّ ، إنّما يضرّ إذا كان لعبا بأمر المولى ، لا في كيفيّة إطاعته بعد حصول الداعي إليها ، كما لا يخفى.

هذا كلّه في قبال ما إذا تمكّن من القطع تفصيلا بالامتثال.

وأمّا إذا لم يتمكّن إلّا من الظنّ به كذلك (٢) : فلا إشكال في تقديمه (٣) على الامتثال الظنّيّ لو لم يقم دليل على اعتباره إلّا فيما إذا لم يتمكّن منه. وأمّا لو قام على اعتباره مطلقا ، فلا إشكال في الاجتزاء بالظنّيّ ، كما لا إشكال في الإجتزاء بالامتثال الإجماليّ في قبال الظنّيّ بالظنّ المطلق المعتبر بدليل الانسداد ، بناء على أن يكون من مقدّماته عدم وجوب الاحتياط. وأمّا لو كان من مقدّماته بطلانه (٤) ـ لاستلزامه العسر المخلّ بالنظام ، أو لأنّه ليس من وجوه الطاعة والعبادة ، بل هو نحو لعب وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما توهّم (٥) ـ فالمتعيّن هو التنزّل عن القطع تفصيلا إلى الظنّ كذلك (٦) ؛ وعليه فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وإن احتاط فيها (٧) ، كما لا يخفى (٨).

هذا بعض الكلام في القطع ممّا يناسب المقام ، ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال.

__________________

(١) راجع الجزء الأوّل : ١٤٦.

(٢) أي : تفصيلا. فالمفروض أنّه دار الأمر بين الاحتياط والامتثال التفصيليّ الظنّيّ.

(٣) أي : تقديم الامتثال الاحتياطيّ الإجماليّ.

(٤) أي : بطلان الاحتياط.

(٥) هذا ما توهّمه الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٤٠٩.

(٦) وبعبارة اخرى : فالمتعيّن هو التنزّل عن القطع التفصيليّ ـ الّذي يحصل بالامتثال الإجماليّ الاحتياطيّ ـ إلى الظنّ التفصيليّ. وذلك لبطلان الاحتياط.

(٧) أي : في العبادات ، لأنّ المفروض بطلان الاحتياط.

(٨) والحاصل : أنّ الامتثال الإجماليّ الاحتياطيّ يوجب سقوط التكليف بالعبادة في جميع الصور إلّا الصورة الأخيرة.

٢٧٣
٢٧٤

[مباحث الظنّ]

فيقع المقال فيما هو المهمّ من عقد هذا المقصد ، وهو بيان ما قيل باعتباره من الأمارات أو صحّ أن يقال.

٢٧٥

[تقديم امور]

وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم امور :

أحدها : [عدم كون الحجّيّة من لوازم الأمارة]

أنّه لا ريب في أنّ الأمارة غير العلميّة ليست كالقطع في كون الحجّيّة من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلّيّة ، بل مطلقا (١) ؛ وأنّ ثبوتها لها محتاج إلى جعل (٢) ، أو ثبوت مقدّمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها (٣) الحجّيّة عقلا (٤) ـ بناء على

__________________

(١) أي : لا بنحو العلّيّة التامّة ولا بنحو الاقتضاء. والفرق بينهما أنّه إذا كانت الحجّيّة من لوازم الأمارة بنحو العلّيّة فلا تكون قابلة للمنع عن العمل بمؤدّاها ، وإذا كانت بنحو الاقتضاء فتكون قابلة للمنع ، لعدم انكشافها عن الواقع.

(٢) أي : يكون ثبوت الحجّيّة للأمارة محتاجا إلى تعلّق الجعل الشرعيّ بها.

(٣) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «وطروء حالات موجبة للحجّيّة عقلا». وذلك لأنّ الضمير في قوله : «لاقتضائها» إمّا يرجع إلى الأمارات ، وإمّا يرجع إلى المقدّمات والحالات. فعلى الأوّل يلزم كون الحجّيّة من لوازم الأمارات بنحو الاقتضاء ، وهو ينافي ما تقدّم. وعلى الثاني يلزم أن يكون ثبوت المقدّمات موجبة لاقتضائها الحجّيّة ، فتكون الحجّيّة من لوازمها ، وهو خلف.

(٤) فلا تكون حجّيّة الظنّ منحصرة بتعلّق الجعل الشرعيّ بها ، بل العقل أيضا يحكم بحجّيّته بعد تماميّة مقدّمات الانسداد.

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى أنّ حجّيّة الظنّ منحصرة بالجعل الشرعيّ ، غاية الأمر أنّ الكاشف عن حجّيّتها الشرعيّة قد يكون دليلا لفظيّا ـ كظواهر الآيات ـ ، وقد يكون دليلا لبيّا ـ كالإجماع ـ ، وقد يكون العقل ببركة مقدّمات الانسداد. فالعقل إنّما يدرك أنّ الشارع ـ

٢٧٦

تقرير مقدّمات الانسداد بنحو الحكومة ـ. وذلك (١) لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجّيّة بدون ذلك (٢) ثبوتا (٣) ـ بلا خلاف ـ ولا سقوطا (٤) ؛ وإن كان ربما يظهر فيه (٥) من بعض المحقّقين (٦) الخلاف والاكتفاء بالظنّ بالفراغ ؛ ولعلّه لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل (٧) ، فتأمّل (٨).

[ثانيها : إمكان التعبّد بالأمارة غير العلميّة]

[المراد من الإمكان]

ثانيها : في بيان إمكان التعبّد بالأمارة غير العلميّة شرعا ، وعدم لزوم محال منه عقلا(٩) ،

__________________

ـ جعل الظنّ حجّة ، لا أنّه يحكم بحجّيّة الظنّ بعد تماميّة المقدّمات.

(١) أي : عدم كون الحجّيّة من لوازم الأمارة.

(٢) أي : بدون الجعل الشرعيّ أو حكم العقل بعد تماميّة المقدّمات.

(٣) أي : في مقام إثبات الحكم بالظنّ.

(٤) أي : في مقام الامتثال وسقوط الحكم.

(٥) أي : في سقوط الحكم بالامتثال الظنّيّ.

(٦) وهو المحقّق الخوانساريّ ـ في مشارق الشموس : ٧٦ ـ حيث قال : «إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية ـ مثلا ـ فعند الشكّ في حدوث تلك الغاية لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظنّ بالامتثال والخروج عن العهدة ، وما لم يحصل الظنّ لم يحصل الامتثال» ، فإنّ ظاهره الاكتفاء بالظنّ بالفراغ في سقوط الواقع بعد العلم بثبوته ، وإلّا لقال : «لم يحصل القطع بالامتثال والخروج عن العهدة».

(٧) أي : لعلّ الوجه في كفاية الظنّ بالفراغ في سقوط الحكم هو عدم لزوم دفع الضرر المحتمل.

بيان ذلك : أنّ ما يتصوّر دليلا على عدم جواز الاكتفاء بالظنّ بالفراغ هو لزوم دفع الضرر المحتمل ، ودفع الضرر المحتمل غير لازم ، فعدم جواز الاكتفاء بالظنّ بالفراغ غير ثابت.

(٨) لعلّه إشارة إلى أنّ مورد قاعدة «عدم لزوم دفع الضرر المحتمل» هو الشكّ في ثبوت التكليف. وأمّا الشكّ في سقوطه بعد العلم بثبوته فالمرجع فيه قاعدة الاشتغال.

(٩) فيكون المراد من الإمكان في المقام هو الإمكان الوقوعيّ ، أي ما لا يلزم من فرض وقوعه محال. ويقابله الامتناع الوقوعيّ ، وهو ما يلزم من فرض وقوعه محال.

وتبعه كثير من المتأخّرين ، منهم : المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ٣ : ٥٦ ، والمحقّق الحائريّ في درر الفوائد ٢ : ٢٣ ، والسيّد المحقّق البروجرديّ في لمحات الاصول : ٤٦٠ ، والسيّد المحقّق الخوئيّ في مصباح الاصول ٢ : ٩٠. ـ

٢٧٧

في قبال دعوى استحالته للزومه (١).

وليس الإمكان ـ بهذا المعنى ، بل مطلقا ـ أصلا متّبعا (٢) عند العقلاء في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع (٣) ؛ لمنع كونه سيرتهم على ترتيب آثار الإمكان عند الشكّ فيه (٤) ؛ ومنع حجّيّتها لو سلّم ثبوتها (٥) ، لعدم قيام دليل قطعيّ على اعتبارها (٦) ،

__________________

ـ وخالفه المحقّق النائينيّ ، فذهب إلى أنّ المراد من الإمكان هو الإمكان التشريعيّ ، فيكون البحث عن أنّ التعبّد بالأمارات هل يستلزم محذورا في عالم التشريع ـ من تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة أو استلزامه الحكم بلا ملاك وغيرها من التوالي الفاسدة ـ أو أنّه لا يستلزمه؟ فوائد الاصول ٣ : ٨٨.

وخالفه أيضا السيّد الإمام الخمينيّ ، فأفاد أنّ المراد من الإمكان في المقام هو الإمكان الاحتماليّ ، كما هو المراد من الإمكان في قول الشيخ الرئيس : «كلّما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك ...» ـ شرح الإشارات ٣ : ٤١٨ ـ. والمراد من الإمكان الاحتماليّ هو الاحتمال العقليّ وعدم الحكم بأحد طرفي القضيّة بلا قيام البرهان عليه. والإمكان بهذا المعنى من الأحكام العقليّة. وهذا هو الإمكان المحتاج إليه فيما نحن بصدده ، فإنّ رفع اليد عن الدليل الشرعيّ لا يجوز إلّا بدليل عقليّ أو شرعيّ أقوى منه. أنوار الهداية ١ : ١٨٩ : ١٩٠.

هذا كلّه بعد اتّفاقهم على إمكان التعبّد بالظنّ ذاتا.

(١) أي : استحالة التعبّد وقوعا للزوم المحال.

والمدّعي هو ابن قبّة (أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبّة الرازيّ) على ما حكى عنه المحقّق في معارج الاصول : ١٤١.

(٢) وفي بعض النسخ : «أصل متّبع». والصحيح ما أثبتناه ـ كما في بعض النسخ ـ ، أو «بأصل متّبع» كما في بعض آخر.

(٣) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث أفاد أنّه إذا لم يقم دليل على إمكان الشيء ولا على استحالته ، بل كان كلّ منهما مشكوكا ، فالأصل لدى العقلاء هو الإمكان ، فإنّهم يرتّبون آثار الممكن على مشكوك الامتناع. راجع فرائد الاصول ١ : ١٠٦.

والمصنّف رحمه‌الله أورد عليه بالوجوه الثلاثة التالية.

(٤) هذا أوّل الوجوه من الوجوه الثلاثة التي أوردها المصنّف رحمه‌الله على الشيخ الأنصاريّ.

(٥) وهذا ثاني الوجوه.

(٦) أي : اعتبار السيرة.

٢٧٨

والظنّ به (١) ـ لو كان ـ فالكلام الآن في إمكان التعبّد بها (٢) وامتناعه ، فما ظنّك به (٣)؟ لكن دليل (٤) وقوع التعبّد بها من طرق إثبات إمكانه ، حيث يستكشف به عدم ترتّب محال ـ من تال باطل ممتنع (٥) مطلقا أو على الحكيم تعالى ـ ، فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى إثبات الإمكان ، وبدونه لا فائدة في إثباته (٦) ، كما هو واضح.

وقد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلّامة ـ أعلى الله مقامه ـ (٧) من كون الإمكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا.

والإمكان في كلام الشيخ الرئيس : «كلّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه (٨) واضح البرهان» (٩) ، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع

__________________

(١) أي : الظنّ باعتبار السيرة.

(٢) أي : بالأمارة الظنّيّة. وفي بعض النسخ : «التعبّد به» ، وعليه يرجع الضمير إلى الظنّ.

(٣) وبتعبير أوضح : أنّه على تقدير تسليم ثبوت السيرة نمنع حجّيتها ، لعدم قيام دليل قطعيّ عليها. وأمّا الظنّ بالحجّيّة ـ لو كان ـ لا يفيد إلّا بعد إثبات إمكان التعبّد بالظنّ ، وهذا أوّل الكلام.

(٤) شروع في بيان الوجه الثالث. وحاصله : أنّه لا فائدة في البحث عن إمكان التعبّد وإثباته ببناء العقلاء ، إذ مع قيام الدليل على وقوع التعبّد بالأمارة لا نحتاج إلى البحث عن إمكان التعبّد بها ، فإنّ وقوعه أدلّ دليل على الإمكان ، ومع عدم الدليل على الوقوع لا فائدة في البحث عن الإمكان.

(٥) وفي بعض النسخ : «فيمتنع».

(٦) أي : لا فائدة في إثبات الإمكان إذا لم يقم دليل على الوقوع ، لعدم ترتّب ثمرة على مجرّد إمكانه.

وقال السيّد المحقّق الخوئيّ : «ولا يرد عليه شيء من هذه الإشكالات. وذلك لأنّ ما ذكر صاحب الكفاية مبنيّ على أن يكون مراد الشيخ هو البناء على الإمكان مطلقا. ولكن الظاهر أنّ مراده هو البناء على الإمكان عند قيام دليل معتبر على الوقوع ، كما إذا دلّ ظاهر كلام المولى على حجّيّة الظنّ. وحينئذ تترتّب الثمرة على البحث عن الإمكان والاستحالة ، إذ على تقدير ثبوت الإمكان لا بدّ من الأخذ بظاهر كلام المولى والعمل بالظنّ ، وعلى تقدير ثبوت الاستحالة لا مناص من رفع اليد عن الظهور للقرينة القطعيّة العقليّة». مصباح الاصول ١ : ٩٠ ـ ٩١.

(٧) فرائد الاصول ١ : ١٠٦.

(٨) أي : لم يمنعك عنه.

(٩) قال في آخر النمط العاشر من الإشارات والتنبيهات : «بل عليك الاعتصام بحبل التوقّف وإن أزعجك استنكار ما يوعاه سمعك ما لم تتبرهن استحالته إليك. فالصواب أن تسرح ـ

٢٧٩

والإيقان. ومن الواضح أن لا موطن له إلّا الوجدان ، فهو المرجع فيه بلا بيّنة وبرهان.

[محاذير التعبّد بالأمارات]

وكيف كان فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبّد (١) بغير العلم ـ من المحال ، أو الباطل ولو لم يكن بمحال ـ امور :

أحدها : اجتماع مثلين ـ من إيجابين ، أو تحريمين مثلا ـ فيما أصاب ، أو ضدّين ـ من إيجاب وتحريم ، ومن إرادة وكراهة ، ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين ـ فيما أخطأ ، أو التصويب وأن لا يكون هناك غير مؤدّيات الأمارات أحكام (٢).

ثانيها : طلب الضدّين فيما إذا أخطأ وأدّى إلى وجوب ضدّ الواجب (٣).

ثالثها : تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فيما أدّى إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما هو حرام ، وكونه محكوما بسائر الأحكام.

[الجواب عن المحاذير الثلاثة]

والجواب : أنّ ما ادّعي لزومه إمّا غير لازم أو غير باطل (٤).

__________________

ـ أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان». راجع شرح الإشارات ٣ : ٤١٨.

(١) هكذا في النسخ. والصواب أن يقول : «ما يلزمه التعبّد» أو «ما يلزم من التعبّد ...» أو «ما يستلزم التعبّد ...».

(٢) والحاصل : أنّ الحكم الواقعيّ إمّا أن لا يكون محفوظا بل ينقلب إلى ما تؤدّي إليه الأمارة ، وإمّا أن يكون محفوظا فيما إذا قامت الأمارة على حكم. فعلى الأوّل يلزم التصويب. وعلى الثاني إمّا أن يكون ما أدّت إليه الأمارة موافقا للحكم الواقعيّ ، وإمّا أن يكون مخالفا له ؛ فعلى الأوّل يلزم اجتماع المثلين ، وعلى الثاني يلزم اجتماع الضدّين.

(٣) كما إذا قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب الواقعيّ هو صلاة الظهر.

(٤) اعلم أنّ الجواب عن المحاذير الثلاثة من المباحث المهمّة. وتصدّى الأعلام للجواب عنها بوجوه مختلفة. ـ

٢٨٠