كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

فصل

[أدوات العموم]

لا شبهة في أنّ للعموم صيغة تخصّه لغة وشرعا (١) ، كالخصوص (٢) ، كما يكون ما يشترك بينهما ويعمّهما (٣) ، ضرورة أنّ مثل لفظ «كلّ» وما يرادفه ـ في أيّ لغة كان ـ يخصّه ولا يخصّ الخصوص ولا يعمّه. ولا ينافي اختصاصه به (٤) استعماله في الخصوص عناية بادّعاء أنّه العموم أو بعلاقة العموم والخصوص.

__________________

(١) وقع الخلاف بين الاصوليّين في أنّه هل للعموم صيغة تخصّه أم لا؟ فيه أقوال :

الأوّل : أنّ للعموم صيغة تخصّه وتدلّ على الشمول. وهذا القول منسوب إلى الشافعيّ وجماهير المعتزلة وكثير من الفقهاء العامّة. وذهب إليه الشيخ المفيد وتابعة الشيخ الطوسيّ واختاره كثير من المتأخّرين. راجع الإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٠٠ ، التذكرة باصول الفقه : ٣٣ ـ ٣٤ ، العدّة ١ : ٢٧٩.

الثاني : أنّه ليس للعموم صيغة تخصّه ، فألفاظ الجمع لا يحمل على العموم إلّا بدليل. وهذا القول منسوب إلى الباقلانيّ والمرجئة. راجع الإحكام ٢ : ٢٠٠ ، المعتمد ١ : ١٩٢ ـ ١٩٨.

الثالث : أنّ ما ذكر من صيغ العموم نحو «كلّ» و «جميع» وغيرهما مشترك بين العامّ والخاصّ. وهذا منقول عن أبي الحسن الأشعريّ. واختاره السيّد المرتضى. فراجع الإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٠٠ ، والذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٢٠١.

(٢) أي : كما لا شبهة في أنّ للخصوص صيغة تخصّه كالأعلام الشخصيّة.

(٣) كالمفرد المحلّى باللام ، فإنّه يكون مع العهد للخصوص وبدونه للعموم.

(٤) أي : اختصاص مثل لفظ «كلّ» بالعموم.

١٤١

ومعه (١) لا يصغى إلى أنّ إرادة الخصوص متيقّنة ولو في ضمنه ، بخلافه (٢) ، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقّن أولى ؛ ولا إلى أنّ التخصيص قد اشتهر وشاع حتّى قيل : «ما من عامّ إلّا وقد خصّ» ، والظاهر يقتضي كونه حقيقة لما هو الغالب تقليلا للمجاز. مع أنّ تيقّن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع كون العموم كثيرا ما يراد (٣). واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز ، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازيّة كما يأتي توضيحه (٤) ؛ ولو سلّم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) أي : مع ما ذكر من أنّ الضرورة تقضي باختصاص مثل لفظ «كلّ» بالعموم ، ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص مجازا.

(٢) أي : بخلاف العموم ، فإنّ إرادته غير متيقّنة.

وهذا تعريض بالآمديّ ، حيث قال : «والمختار إنّما هو صحّة الاحتجاج بهذه الألفاظ في الخصوص ، لكونه مرادا من اللفظ يقينا ، سواء اريد به الكلّ أو البعض ، والوقف فيما زاد على ذلك». الإحكام ٢ : ٢٠١.

(٣) هذا جواب آخر عمّا توهّمه الآمديّ. وحاصله : أنّ تيقّن إرادة الخاصّ لا يوجب وضع ألفاظ ـ مثل «كلّ وجميع ومن و...» ـ للخصوص ، بل إنّما يوجب استعمال ما وضع للعموم في الخصوص مجازا ، فإنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

(٤) يأتي في الفصل الآتي ، حيث قال : «والتحقيق في الجواب ...».

١٤٢

فصل

[دلالة العامّ على العموم متوقّف على إطلاقه]

ربما عدّ من الألفاظ الدالّة على العموم النكرة [الواقعة] (١) في سياق النفي (٢) أو النهي (٣). ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا ، لضرورة أنّه لا يكاد تكون طبيعة معدومة إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود ، وإلّا كانت موجودة.

لكن لا يخفى : أنّها تفيده إذا اخذت مرسلة (٤) ـ لا مبهمة ـ قابلة للتقييد (٥) ، وإلّا فسلبها لا يقتضي إلّا استيعاب السلب لما اريد منها يقينا ، لا استيعاب ما يصلح لانطباقها عليه من أفرادها.

وهذا (٦) لا ينافي كون دلالتها عليه عقليّة ، فإنّها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها ، لا الأفراد الّتي تصلح لانطباقها عليها. كما لا تنافي دلالة مثل لفظ «كلّ» على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله. ولذا لا ينافيه تقييد المدخول

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس في النسخ.

(٢) نحو : لا رجل في الدار.

(٣) نحو : لا تضرب زيدا.

(٤) أي : تكون الطبيعة مطلقة.

(٥) وإحراز الإرسال فيما أضيفت إليه إنّما هو بمقدّمات الحكمة ، فلولاها كانت مهملة ، وهي ليست إلّا بحكم الجزئيّة ، فلا تفيد إلّا نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها ، فافهم ، فإنّه لا يخلو من دقّة. منه [أعلى الله مقامه].

(٦) أي : عدم إفادة النكرة الواقعة في سياق النفي استيعاب جميع أفرادها فيما كانت مبهمة مهملة.

١٤٣

بقيود كثيرة. نعم ، لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها (١).

وهذا هو الحال في المحلّى باللام ، جمعا كان أو مفردا. بناء على إفادته للعموم. ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره (٢).

__________________

(١) وفي مراد المصنّف رحمه‌الله من هذه العبارة وجوه :

الأوّل : أنّه لا يبعد أن يكون مثل لفظ «كلّ» ظاهرا في استيعاب جميع أفراد مدخوله عند إطلاق مدخوله. وعليه فالصحيح أن يقول : «نعم ، لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقه في استيعاب جميع أفراده».

الثاني : أنّه لا يبعد أن تكون النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهى ظاهرة عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها. وعليه فالصحيح أن يقول : «نعم ، لا يبعد أن تكون ظاهرة ...».

الثالث : أنّه لا يبعد أن يكون لفظ «كلّ» ظاهرا في استيعاب جميع أفرادها عند إطلاق النكرة. وهذا يناسب ظاهر العبارة.

أمّا الثالث : فهو وإن يناسب ظاهر العبارة ، إلّا أنّه غير مقصود قطعا ، لعدم ارتباط بين صدره وذيله.

وأمّا الثاني : فهو لا يناسب ما ذكر آنفا من أنّ النكرة إذا اخذت مطلقة تفيد استيعاب جميع أفرادها قطعا ، فلا معنى لنفي البعد عنه.

فالأقرب هو الوجه الأوّل.

(٢) ونلخّص ما أفاده في هذا الفصل ذيل مطالب :

الأوّل : أنّ النكرة الواقعة في سياق النهي أو النهي إنّما تدلّ على عموم ما يراد منها عقلا. وأمّا دلالتها على العموم سعة وضيقا فتتبّع سعة المدخول وضيقه. فنفي النكرة ونهيها إنّما يدلّان على النفي والنهي عن جميع أفراد المنفي والمنهي عنه ، وأمّا تعيين حدود المنفي أو المنهي عنه يحتاج إلى دليل آخر.

وعليه فدلالة النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي على العموم ـ بمعنى استيعاب جميع ما تصلح لأن تنطبق عليه من أفرادها ـ يتوقّف على أن تكون مطلقة كي تجري مقدّمات الحكمة ويحرز أنّ المراد بها سعة المدخول ، وإلّا فلا تدلّ عليه ، بل تدلّ على نفي المتيقّن منها في إطار الإرادة.

الثاني : أنّ لفظة «كلّ» وأمثالها وإن كانت موضوعة للعموم ، إلّا أنّها موضوعة لعموم ما يراد من مدخولها. وأمّا دلالتها على سعة مدخولها واستيعاب جميع ما يصلح لأن ينطبق عليه من أفراده فيتوقّف على إطلاق مدخولها وجريان مقدّمات الحكمة.

الثالث : أنّ المحلّى باللام ـ بناء على إفادته العموم ـ إنّما يدلّ على عموم أفراد مدخوله. ـ

١٤٤

وإطلاق التخصيص على تقييده ليس إلّا من قبيل «ضيّق فم الركيّة (١)» (٢).

لكن دلالته على العموم وضعا محلّ منع ، بل إنّما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة اخرى. وذلك لعدم اقتضائه وضع «اللام» ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركّب منهما ، كما لا يخفى. وربما يأتي في المطلق والمقيّد (٣) بعض الكلام ممّا يناسب المقام (٤).

__________________

ـ وأمّا دلالته على سعة مدخوله واستيعاب جميع أفراده تبتني على إثبات إطلاق مدخوله بإجراء مقدّمات الحكمة.

وبالجملة : إنّ العامّ لا يدلّ على العموم ـ بمعنى استيعاب جميع ما يصلح لأن ينطبق عليه من أفراده ـ إلّا بعد جريان مقدّمات الحكمة.

وناقش فيه السيّد الإمام الخمينيّ بوجهين :

الأوّل : أنّ موضوع الإطلاق نفس الطبيعة ، وموضوع الحكم في العامّ هو أفرادها ، لا نفسها.

الثاني : أنّ المتكلّم بالعموم يتعرّض لمصاديق الطبيعة ، ومعه لا معنى لعدم كونه في مقام بيان تمام الأفراد. بخلاف باب الإطلاق ، لإمكان أن لا يكون المتكلّم بصدد بيان حكم الطبيعة ، بل يكون بصدد بيان حكم آخر ، فلا بدّ من جريان مقدّمات الحكمة.

وبالجملة : دخول ألفاظ العموم على نفس الطبيعة المهملة يدلّ على استيعاب أفرادها. مناهج الوصول ٢ : ٢٣٣.

والسيّد المحقّق الخوئيّ ـ بعد ارتضائه بما أفاده المصنّف رحمه‌الله في المطلب الأوّل ـ أورد على المطلب الثاني ـ بما يتضمّنه كلام المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ١ : ٦٣٣ ـ ، وحاصله : أنّ ما أفاده يستلزم لغويّة مثل لفظ «كلّ» ، لأنّه إذا احرز عموم مدخولها بمقدّمات الحكمة فلا يبقى لمثله أيّ أثر. محاضرات في اصول الفقه ٥ : ١٥٨.

(١) الركيّة : البئر.

(٢) جواب عن إشكال مقدّر :

أمّا الإشكال ، فهو : أنّ عدم دلالة المحلّى باللام على العموم إلّا بعد إطلاق المدخول ينافي إطلاق التخصيص عليه بعد تقيّده بقيد ، فإنّ التخصيص فرع ثبوت العموم.

وأمّا الجواب ، فهو : أنّ إطلاق التخصيص عليه من باب المسامحة ، نظير الأمر بالتضييق في قولهم : «ضيّق فم الركيّة» ، حيث يقال قبل إحداث البئر.

(٣) يأتي في الصفحة : ٢٠٩ ـ ٢١٠ من هذا الجزء.

(٤) هكذا في النسخ ، والأولى أن يقول : «وذلك لعدم وضع اللام ولا مدخوله ولا المركّب منهما للعموم».

١٤٥

فصل

[حجّيّة العامّ المخصّص في الباقي]

[المشهور بين الأصحاب]

لا شبهة في أنّ العام المخصّص بالمتّصل أو المنفصل حجّة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصّص مطلقا ولو كان متّصلا ، وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا(١)،

__________________

(١) والأولى أن يقول : «الحقّ أنّ العامّ المخصّص حجّة فيما بقي إذا علم عدم دخوله في المخصّص مطلقا ولو كان متّصلا ، وحجّة فيما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا».

وجه الأولويّة : أنّ قوله : «لا شبهة» ظاهر في نفي الشبهة عند الجميع. وهو ينافي الخلاف الّذي تعرّض له بعد. مضافا إلى أنّ قوله : «بالمتّصل أو المنفصل» مستدرك ، لأنّ قوله : «مطلقا ولو كان متّصلا» مغن عنه.

وحاصل ما أفاده : أنّ المخصّص قسمان :

أحدهما : ما يقترن بالعامّ في جملة واحدة ، كقولنا : «أشهد أن لا إله إلّا الله» ، ويسمّى : «المخصّص المتّصل».

ثانيهما : ما لا يقترن بالعامّ في جملة واحدة ، بل ورد في كلام آخر مستقلّ قبله أو بعده ، كأن يقول المولى : «أكرم العلماء» ثمّ يقول : «لا تكرم النحويّين» ، ويسمّى : «المخصّص المنفصل».

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في المقام صور أربع :

الأولى : أن يعلم عدم دخول الباقي ـ وهو غير ما خرج بالتخصيص ـ في المخصّص وكان المخصّص منفصلا. ـ

١٤٦

كما هو (١) المشهور بين الأصحاب ، بل لا ينسب الخلاف (٢) إلّا إلى بعض أهل الخلاف(٣).

وربما فصّل بين المخصّص المتّصل فقيل بحجّيّته فيه ، وبين المنفصل فقيل بعدم حجّيّته(٤).

[احتجاج النافين والجواب عنه]

واحتجّ النافي (٥) بالإجمال ، لتعدّد المجازات حسب مراتب الخصوصيّات ، وتعيّن الباقي من بينها بلا معيّن ترجيح بلا مرجّح (٦).

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه لا يلزم من التخصيص كون العامّ مجازا :

أمّا في التخصيص بالمتّصل : فلما عرفت من أنّه لا تخصيص أصلا ، وأنّ أدوات

__________________

ـ الثانية : أن يعلم عدم دخول الباقي في المخصّص وكان المخصّص متّصلا.

الثالثة : أن يحتمل دخول الباقي في المخصّص وكان المخصّص منفصلا.

الرابعة : أن يحتمل دخوله في المخصّص وكان المخصّص متّصلا.

فالعامّ المخصّص حجّة في الباقي إلّا في الصورة الرابعة.

(١) أي : كون العامّ حجّة في الباقي.

وتوهّم بعض المحشّين رجوعه إلى الصورة الثالثة ـ أي : كون العامّ حجّة في الباقي فيما احتمل دخوله في المخصّص إذا كان منفصلا ـ. ولكنّه لا يناسب ما يأتي من الإضراب حيث قال : «بل لا ينسب الخلاف ...».

(٢) الخلاف هنا بمعنى المخالفة.

(٣) وهو الغزاليّ وأبو الحسن الكرخيّ وعيسى بن أبان وأبو ثور. راجع الإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٢٧ ، واصول السرخسيّ ١ : ١٤٤ ، واصول الجصّاص ١ : ١٣١ ، والإحكام (لابن حزم) ٣ : ٣٧٣.

(٤) هذا ما ذهب إليه البلخيّ من العامّة على ما في الإحكام (للآمديّ) ٢ : ٢٢.

(٥) راجع اصول الجصّاص ١ : ١٣١.

(٦) توضيحه : أنّ العامّ حقيقة في العموم ، وإذا خصّص كان استعماله في الباقي استعمالا في غير الموضوع له ، فيكون استعماله مجازيّا. وبما أنّ مراتب المجاز ـ أي ما عدا الخاصّ ـ متعدّدة ولا معيّن لإحداها ، فلا يكون العامّ حجّة في إحداها ، وتعيين تمام الباقي ترجيح بلا مرجّح.

١٤٧

العموم قد استعملت فيه وإن كان دائرته سعة وضيقا يختلف (١) باختلاف ذوي الأدوات ، فلفظة «كلّ» في مثل «كلّ رجل» و «كلّ رجل عالم» قد استعملت في العموم ، وإن كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلّة.

وأمّا في المنفصل : فلأنّ إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه (٢) وكون الخاصّ قرينة عليه ، بل من الممكن ـ قطعا ـ استعماله معه (٣) في العموم قاعدة (٤) وكون الخاصّ مانعا عن حجّية ظهوره ، تحكيما للنصّ أو الأظهر على الظاهر ، لا مصادما لأصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصير إلى أنّه قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الإجمال (٥).

لا يقال : هذا مجرّد احتمال ولا يرتفع به الإجمال ، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنّه يقال : مجرّد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاصّ إنّما هو بحسب الحجّيّة ، تحكيما لما هو الأقوى ، كما أشرنا إليه آنفا.

وبالجملة : الفرق بين المتّصل والمنفصل وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الأوّل إلّا في الخصوص ، وفي الثاني إلّا في العموم ، إلّا أنّه لا وجه لتوهّم استعماله مجازا في واحد منهما (٦) أصلا ، وإنّما اللازم الالتزام بحجّيّة الظهور في الخصوص في الأوّل وعدم حجّيّة ظهوره في خصوص ما كان الخاصّ حجّة فيه في الثاني ،

__________________

(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «وإن كانت دائرته ـ سعة وضيقا ـ تختلف ...».

(٢) أي : استعمال العموم في الخصوص.

(٣) أي : مع وجود المخصّص المنفصل.

(٤) أي : من باب جعل القاعدة في ظرف الشكّ.

(٥) والحاصل : أنّ التخصيص بالمنفصل لا ينافي ظهور العامّ في العموم ، بل إنّما يمنع عن حجّيّته ويتقدّم عليه لكونه أظهر منه.

(٦) أي : المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل.

١٤٨

فتفطّن (١).

وقد اجيب عن الاحتجاج بأنّ الباقي (٢) أقرب المجازات (٣).

وفيه : لا اعتبار في الأقربيّة بحسب المقدار ، وإنّما المدار على الأقربيّة بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال.

وفي تقريرات بحث شيخنا الاستاذ قدس سرّه في مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه : «والأولى أن يجاب ـ بعد تسليم مجازيّة الباقي ـ بأنّ دلالة العامّ على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ، ولو كانت دلالة مجازيّة ،

__________________

(١) والأعلام الثلاثة لم يرتضوا بما ذكره المصنّف رحمه‌الله في الجواب عن الاحتجاج ، بل ذكر كلّ واحد منهم وجها آخر غير ما ذكره الآخر. ونكتفي بذكر ما أفاد المحقّق النائينيّ ، لأنّه قريب من مبنى المصنّف رحمه‌الله في الفصل السابق.

وحاصله : أنّ تخصيص العامّ لا يوجب المجازيّة ، لا في أداة العموم ولا في مدخولها.

أمّا في الأداة : فلأنّها لم توضع إلّا للدلالة على استيعاب ما يراد من مدخولها ، وهي تدلّ عليه دائما ، سواء كان ما يراد من مدخولها معنى وسيعا أو معنى ضيقا ، وسواء كان الدالّ على الضيق مخصّصا متّصلا أو مخصّصا منفصلا ، وسواء كان التخصيص أنواعيّا أو أفراديّا.

وأمّا في المدخول : فلأنّ المدخول ـ كالعالم ونحوه ـ لم يوضع إلّا للدلالة على الماهيّة المهملة المعرّاة عن كلّ خصوصيّة ، ولم يستعمل إلّا في الطبيعة المهملة من دون ملاحظة خصوصيّة معها. فلو قيّد المدخول بخصوصيّة توجب ضيق دائرة المدخول لم يستلزم مجازا في المدخول ، لأنّه استعمل أيضا في الطبيعة المهملة ، والخصوصيّة إنّما استفيدت من دالّ آخر. ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المخصّص منفصلا أم متّصلا ، ولا بين أن كون المخصّص ذات عنوان نوعيّ أو يكون ذات عنوان فرديّ ، ولا بين القضايا الحقيقيّة وبين القضايا الخارجيّة.

وبالجملة : أنّ تخصيص العامّ ـ بجميع أقسامه ـ لا يوجب المجازيّة ، كي يستدلّ على إجمال العامّ المخصّص بتعدّد المجازات بعد التخصيص. فوائد الاصول ٢ : ٥١٨ ، أجود التقريرات ٢ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

وإن أردت الاطّلاع على ما أفاده المحقّق الاصفهانيّ والمحقّق العراقيّ والسيّد الإمام الخمينيّ في مقام الجواب عن الاحتجاج المذكور فراجع نهاية الدراية ١ ـ ٦٣٥ ـ ٦٣٦ ، مقالات الاصول ١ : ٤٣٨ ، مناهج الوصول ٢ : ٢٣٩.

(٢) أي : تمام الباقي.

(٣) هذا الجواب أفاده المحقّق القميّ في القوانين ١ : ٢٦٦.

١٤٩

إذ هي إنّما بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله ؛ فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود ، لأنّ المانع في مثل المقام إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي ، لاختصاص المخصّص بغيره ، فلو شكّ فالأصل عدمه». انتهى موضع الحاجة (١).

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٩٢.

وفي تقريب ما أفاده الشيخ الأعظم وجهان :

الأوّل : أن يحمل كلامه على إرادة الدلالات الضمنيّة كما يظهر من جواب المصنّف عنه.

وتوضيحه : أنّ تخصيص العامّ وإن كان مستلزما لمجازيّة استعماله في الباقي ، ولكن لا يوجب إجمال العامّ ، لأنّ دلالة العامّ تنحلّ إلى دلالات ضمنيّة متعدّدة بتعدّد الأفراد ، بحيث لو كان أفراد العامّ عشرة ـ مثلا ـ تنحلّ دلالته إلى عشرة دلالات ضمنيّة ، ويستعمل العامّ في كلّ فرد ضمنا. فدلالته على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر. فلو ورد التخصيص على العامّ إنّما يلزم خروج بعض أفراده من الموضوع له وانتفاء بعض الدلالات الضمنيّة. وأمّا غيره من الأفراد تماما يبقي تحت العامّ ويدلّ عليها العامّ بدلالات ضمنيّة أخر. فإذن لا إجمال للعامّ بعد التخصيص ، فيمكن التمسّك به فيما إذا شككنا في خروج غير ما خرج منه بدليل مخصّص.

وأورد عليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «قلت ...» : وحاصله : أنّ دلالة العامّ بالدلالات الضمنيّة على كلّ فرد إنّما هي من جهة دلالته على تمام أفراد مدخوله ، فلا استقلال للدلالات الضمنيّة ، بل هي تابعة لدلالة العامّ على تمام أفراد مدخوله ، فترتفع الدلالات الضمنيّة بارتفاع دلالة العامّ على العموم والاستيعاب ، فإذا ورد المخصّص على العامّ ترتفع دلالته على تمام أفراد مدخوله ، وبتبعه ترتفع دلالاته الضمنيّة على كلّ فرد. نعم ، يكون المخصّص قرينة على أنّ العامّ يستعمل في غير معناه الموضوع له مجازا. وأمّا أنّه هل هو تمام الباقي أو سائر مراتب الباقي فلا ظهور للكلام في أحدهما ، بل تعيين تمام الباقي ترجيح بلا مرجّح.

الثاني : ما أفاده المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ العامّ يدلّ على كلّ فرد من أفراده بدلالة استقلاليّة غير مرتبطة بدلالته على فرد آخر. فدلالته على ثبوت الحكم لكلّ فرد غير منوطة بدلالته على ثبوته لغيره ، بل هي منحلّة إلى دلالات عرضيّة لا ترتبط إحداها بالاخرى ، فإذا اسقطت إحداها عن الحجّيّة بقيت الباقية على الحجّيّة. فوائد الاصول ٢ : ٥٢١.

ولا يخفى : أنّ دعوى دلالة العامّ على كلّ فرد مستقلّا ترجع إلى دعوى استعماله في كلّ فرد استقلالا ، وهو من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وهو محال.

١٥٠

قلت : لا يخفى أنّ دلالته على كلّ فرد إنّما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول ، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص ـ كما هو المفروض ـ مجازا ، وكان إرادة كلّ واحد من مراتب الخصوصيّات ـ ممّا جاز انتهاء التخصيص إليه واستعمال العامّ فيه مجازا ـ ممكنا (١) ، كان تعيين (٢) بعضها بلا معيّن ترجيحا بلا مرجّح ؛ ولا مقتضي لظهوره فيه (٣) ، ضرورة أنّ الظهور إمّا بالوضع وإمّا بالقرينة ، والمفروض أنّه ليس بموضوع له (٤) ، ولم يكن هناك قرينة (٥) ، وليس له موجب آخر.

ودلالته على كلّ فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه. فالمانع عنه وإن كان مدفوعا بالأصل ، إلّا أنّه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع. نعم ، إنّما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلّا في العموم ، كما فيما حقّقناه في الجواب ، فتأمّل جيّدا.

__________________

(١) أي : وكان استعمال العامّ في كلّ واحد من المراتب ـ مجازا ـ ممكنا.

(٢) وفي بعض النسخ : «تعيّن».

(٣) أي : في بعضها.

(٤) أي : لم يوضع العامّ للدلالة على ثبوت الحكم لبعض المراتب ـ كمرتبة تمام الباقي ـ ، بل إنّما وضع للدلالة على ثبوت الحكم لتمام أفراد مدخوله.

(٥) لأنّ القرينة ـ وهي المخصّص ـ إنّما قامت على أنّ العام استعمل في غير معناه الموضوع له من المراتب المتعدّدة مجازا ، ولا قرينة اخرى على تعيين إحداها.

١٥١

فصل

[هل يسري إجمال المخصّص إلى العامّ]

[الشبهة المفهوميّة (١)]

إذا كان الخاصّ بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائرا بين الأقلّ والأكثر ، وكان منفصلا (٢) ، فلا يسري إجماله إلى العامّ (٣) ، لا حقيقة ولا حكما (٤) ، بل كان العامّ

__________________

(١) وهي فيما إذا فرض الشكّ في نفس مفهوم الخاصّ سعة وضيقا ، نحو قوله عليه‌السلام : «الخمس بعد المئونة» * الّذي خصّص عموم قوله تعالى : (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ...) ** ـ بناء على أنّ المراد من الغنيمة هو مطلق الفائدة ، كما هو الحقّ ـ ، فيشكّ في أنّ المراد من المئونة هل هو خصوص ما يكون مئونة تمام طول السنة أو يشمل ما يخرج من المئونة قبل انتهاء السنة؟

* وسائل الشيعة ٦ : ٣٤٨ ، الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

** الأنفال / ٤١.

(٢) كالمثال السابق. وكما إذا ورد من المولى : «أكرم العلماء» ثمّ قال : «لا تكرم الفسّاق منهم» ، وفرضنا أنّ مفهوم الفاسق مجمل ، حيث لم يعلم أنّ المراد من الفاسق هل هو خصوص مرتكب الكبيرة أو ما يعمّ مرتكب الصغيرة.

(٣) فيصحّ التمسّك بعموم قوله تعالى : (أَنَّما غَنِمْتُمْ ...) على وجوب الخمس فيما يخرج عن المئونة قبل انتهاء السنة ، وبعموم «أكرم العلماء» على وجوب إكرام العالم الّذي يرتكب الصغيرة.

(٤) والفرق بينهما أنّه قد يسري إجمال المخصّص إلى العامّ وسرايته توجب رفع ظهور العامّ ، وحينئذ يقال : «يسرى إجماله إليه حقيقة». وقد يسرى إليه وتوجب رفع حجّيّة ظهوره ، وحينئذ يقال : «يسري إليه إجماله حكما».

١٥٢

متّبعا فيما لا يتّبع فيه الخاصّ ، لوضوح أنّه حجّة فيه بلا مزاحم أصلا ، ضرورة أنّ الخاصّ إنّما يزاحمه فيما هو حجّة على خلافه تحكيما للنصّ أو الأظهر على الظاهر ، لا فيما لا يكون كذلك ، كما لا يخفى.

وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا (١) ، أو بين الأقلّ والأكثر فيما كان متّصلا (٢) ، فيسرى إجماله إليه حكما في المنفصل المردّد بين المتباينين ، وحقيقة في غيره(٣).

أمّا الأوّل : فلأنّ العامّ على ما حقّقناه كان (٤) ظاهرا في عمومه ، إلّا أنّه لا يتّبع ظهوره في واحد من المتباينين اللّذين علم تخصيصه بأحدهما (٥).

وأمّا الثاني : فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعامّ ، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكلّ واحد من الأقلّ والأكثر ، أو لكلّ واحد من المتباينين ، لكنّه حجّة في الأقلّ ، لأنّه المتيقّن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتّصل والمنفصل. وكذا في المجمل بين المتباينين ، والأكثر والأقلّ ، فلا تغفل.

[الشبهة المصداقيّة]

وأمّا إذا كان مجملا بحسب المصداق ـ بأن اشتبه فرد ، وتردّد بين أن يكون

__________________

(١) أي : سواء كان المخصّص متّصلا أو منفصلا.

ومثاله : ما إذا قال المولى : «أكرم العلماء إلّا زيدا» أو قال : «أكرم العلماء» ، ثمّ قال : «لا تكرم زيدا» وفرضنا أنّ كلمة «زيد» دائر بين زيد بن عمرو وزيد بن خالد.

(٢) كقول المولى : «أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» وكان المفروض أنّ مفهوم الفاسق مجمل ودار أمره بين فاعل الكبيرة فحسب أو الأعمّ منه ومن فاعل الصغيرة.

(٣) أي : في المتّصل المردّد بين المتباينين والمتّصل المردّد بين الأقلّ والأكثر.

(٤) والأولى أن يقول : «وإن كان».

(٥) لأنّ العلم الإجماليّ بخروج أحدهما منه يوجب سقوط العموم عن الحجّيّة ، فإنّ حجّيّة العامّ إنّما تكون ببناء العقلاء المعبّر عنها بأصالة العموم ، وهي لا يمكن تطبيقها على كلا الفردين ، للعلم الإجماليّ بخروج أحدهما ، ولا على أحدهما المعيّن دون الآخر ، لأنّه ترجيح بلا مرجّح.

١٥٣

فردا له (١) أو باقيا تحت العامّ (٢) ـ : فلا كلام في عدم جواز التمسّك بالعامّ لو كان متّصلا به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلّا في الخصوص ، كما عرفت.

وأمّا إذا كان منفصلا عنه : ففي جواز التمسّك به خلاف (٣).

__________________

(١) أي : للخاصّ.

(٢) ومثاله : أن يقول المولى : «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» ، وشككنا في أنّ زيد العالم هل هو فاسق أم لا. أو يقول : «بول الحيوان نجس إلّا بول مأكول اللحم» ، وشككنا في أنّ هذا الحيوان هل هو مأكول اللحم كي يكون بوله طاهرا ، أو لا يكون مأكول اللحم فيبقي تحت العامّ ويكون نجسا.

(٣) لا يخفى عليك : أنّ هذه المسألة من المسائل الّتي يبتنى عليه كثير من الفروع الفقهيّة. وفيها أقوال :

القول الأوّل : عدم جواز التمسّك بالعامّ مطلقا. ذهب إليه كثير من المتأخّرين ، منهم المحقّقان : العراقيّ والحائريّ ، والسيّدان العلمان : الخمينيّ والخوئيّ. فراجع درر الفوائد ١ : ١٨٤ ، نهاية الأفكار ٢ : ٥١٨ ، مناهج الوصول ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٥٤ ، المحاضرات ٥ : ١٨٣.

القول الثاني : جواز التمسّك به مطلقا. وهذا منسوب إلى المشهور من قدماء الأصحاب كما في نهاية الأفكار ٢ : ٥١٨. ونسب إلى المحقّق النهاونديّ على ما في تهذيب الاصول ٢ : ١٩. وقد ينسب إلى الفقيه اليزديّ حسبما أفتى في كثير من الفروع على الأخذ بالعامّ في الشبهة المصداقيّة. ولكن السيّد المحقّق الخوئيّ دفع نسبته إليه ، فراجع المحاضرات ٥ : ١٨٥ ـ ١٨٨.

القول الثالث : التفصيل بين المخصّص اللبّي والمخصّص اللفظيّ ، فيجوز التمسّك به في الأوّل ولا يجوز في الثاني. وهذا القول نسبه المحقّق النائينيّ إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ وقال : «أوّل من أفاد ذلك هو الشيخ على ما في التقرير». فوائد الاصول ٢ : ٥٣٦.

ولكن السيّد البروجرديّ دفع نسبته إلى الشيخ ، ونسب إليه ـ بعد ما ذكر نصّ ما في مطارح الأنظار : ١٩٤ ـ أنّه فرّق بين ما إذا كان للمخصّص عنوان ، وما إذا ما لم يكن للمخصّص عنوان ، فلا يجوز التمسّك بالعامّ على الأوّل ، ويجوز على الثاني. نهاية الاصول : ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

القول الرابع : التفصيل بين المخصّص اللفظيّ والمخصّص اللبّي المتّصل الّذي يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم في بيان مراده وبين المخصّص اللبّي المنفصل الّذي لا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم في بيان مراده ، فلا يجوز التمسّك بالعامّ في الأوّل ، ويجوز في الثاني. وهذا ما اختاره المصنّف رحمه‌الله في المقام ، كما يأتي.

القول الخامس : التفصيل بين المخصّص اللفظيّ والمخصّص اللبّي الّذي لا يوجب تقييد ـ

١٥٤

والتحقيق عدم جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه : أنّ الخاصّ إنّما يزاحم العامّ فيما كان فعلا حجّة ، ولا يكون حجّة فيما اشتبه أنّه من أفراده ، فخطاب «لا تكرم فسّاق العلماء» لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شكّ في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل «أكرم العلماء» ولا يعارضه ، فإنّه يكون من قبيل مزاحمة الحجّة بغير الحجّة.

وهو (١) في غاية الفساد ، فإنّ الخاصّ وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا ، إلّا أنّه (٢) يوجب اختصاص حجّيّة العامّ في غير عنوانه من الأفراد ، فيكون «أكرم العلماء» دليلا وحجّة في العالم غير الفاسق. فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعامّ بلا كلام ، إلّا أنّه لم يعلم أنّه من مصاديقه بما هو حجّة ، لاختصاص حجّيّته بغير الفاسق.

وبالجملة : العامّ المخصّص بالمنفصل وإن كان ظهوره في العموم كما إذا لم يكن مخصّصا ـ بخلاف المخصّص بالمتّصل كما عرفت ـ إلّا أنّه في عدم الحجّيّة ـ إلّا في غير عنوان الخاصّ ـ مثله. فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجّتين ، فلا بدّ من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين. هذا إذا كان المخصّص لفظيّا.

وأمّا إذا كان لبّيّا (٣) : فإن كان ممّا يصحّ أن يتّكل عليه المتكلّم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب (٤) ، فهو كالمتّصل ، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعامّ إلّا في الخصوص. وإن لم يكن كذلك ، فالظاهر بقاء العامّ في المصداق المشتبه على

__________________

ـ موضوع الحكم وتضييقه وبين المخصّص اللبّي الّذي يوجب تقييد موضوع الحكم. فلا يجوز التمسّك به في الأوّل ، ويجوز في الثاني. وهذا ما اختاره المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٢ : ٥٣٦ ـ ٥٣٩.

(١) أي : ما يقال في وجه جوازه.

(٢) أي : الخاصّ.

(٣) المخصّص اللبّيّ ما يقابل اللفظيّ ، كالإجماع ودليل العقل والسيرة وغيرها.

(٤) كما إذا كان المخصّص حكما عقليّا ضروريّا بحيث يعدّ عرفا من القرائن المتّصلة المانعة عن انعقاد ظهور للعامّ في العموم.

١٥٥

حجّيّته كظهوره فيه.

والسرّ في ذلك : أنّ الكلام الملقى من السيّد حجّة ليس إلّا ما اشتمل على العامّ الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلا بدّ من اتّباعه ما لم يقطع بخلافه. مثلا ، إذا قال المولى : «أكرم جيراني» ، وقطع (١) بأنّه لا يريد إكرام من كان عدوّا له منهم (٢) ، كان أصالة العموم باقية على الحجّيّة بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام ، للعلم بعداوته ، لعدم حجّة اخرى بدون ذلك على خلافه (٣). بخلاف ما إذا كان المخصّص لفظيّا ، فإنّ قضيّة تقديمه عليه (٤) هو كون الملقى إليه كأنّه كان ـ من رأس ـ لا يعمّ الخاصّ ، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاصّ متّصلا. والقطع بعدم إرادة العدوّ لا يوجب انقطاع حجيّته إلّا فيما قطع أنّه عدوّه ، لا فيما شكّ فيه ، كما يظهر صدق هذا من صحّة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحّة الاعتذار عنه بمجرّد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرّة المألوفة بين العقلاء الّتي هي ملاك حجّيّة أصالة الظهور.

وبالجملة : كان بناء العقلاء على حجّيّتها (٥) بالنسبة إلى المشتبه هاهنا. بخلاف هناك. ولعلّه لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بإلقاء حجّتين هناك تكون قضيّتهما بعد تحكيم الخاصّ وتقديمه على العامّ كأنّه لم يعمّه حكما من رأس ، وكأنّه لم يكن بعامّ ؛ بخلاف هاهنا ، فإنّ الحجّة الملقاة ليست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدوّ في «أكرم جيراني» ـ مثلا ـ لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلّا فيما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بدّ من اتّباعه ما لم تقم حجّة أقوى على خلافه.

__________________

(١) أي : قطع العبد.

(٢) أي : من الجيران.

(٣) أي : على خلاف العموم.

(٤) أي : تقديم الخاصّ على العامّ.

(٥) أي : حجّيّة أصالة الظهور بالنسبة إلى الفرد المشتبه ، كمحتمل العداوة.

١٥٦

بل يمكن أن يقال : إنّ قضيّة عمومه للمشكوك أنّه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه ، فيقال في مثل «لعن الله بني اميّة قاطبة» (١) : «إنّ فلانا وإن شكّ في إيمانه يجوز لعنه» ، لمكان العموم ، وكلّ من جاز لعنه لا يكون مؤمنا ، فينتج أنّه ليس بمؤمن ، فتأمّل جيّدا.

إيقاظ : [استيعاب العدم الأزليّ] (٢)

لا يخفى : أنّ الباقي تحت العامّ بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من

__________________

(١) راجع بحار الأنوار ٩٨ : ٢٩٢.

(٢) لا يخفى : أنّ الأوصاف قسمان :

أحدهما : ما يكون متأخّرا عن الذات وجودا ، بحيث تكون الذات غير متّصفة بها في زمان ، كالفسق والعدالة والعلم وغيرها.

ثانيهما : ما تقترن الذات وجودا ، بحيث يكون ثابتا للذات أزلا ، فلا يتصوّر زمان لم يتّصف به الذات ، كالقرشيّة والنبطيّة وغيرهما.

لا شكّ أنّه يمكن إثبات حكم العامّ للفرد المشكوك بواسطة نفي عنوان الخاصّ عنه في القسم الأوّل ، إذ للذات حالة سابقة يقطع فيها بعدم اتّصافها به ، ومع الشكّ في ثبوته لها يستصحب عدمه. مثلا : إذا شكّ في فسق زيد ، يستصحب عدم فسقه ويثبت له حكم العامّ في «أكرم العلماء إلّا الفسّاق».

وإنّما الكلام في القسم الثاني ـ أي : الأوصاف الأزليّة المقارنة للذات وجودا ـ. فيبحث عن إمكان جريان أصالة عدم الوصف الأزليّ بلحاظ عدم موضوعه في السابق ، فيثبت حكم العامّ للفرد المشكوك ، وعدم إمكانه. ويعبّر عنه بإمكان استصحاب العدم الأزليّ وعدم إمكانه. مثلا : ورد في الشريعة أنّ المرأة تحيض إلى خمسين إلّا القرشيّة ، فإنّها تحيض إلى ستّين. فإذا شكّ في كون امرأة قرشيّة ، هل يمكن إجراء استصحاب عدم قرشيّة المرأة بلحاظ عدم وجود المرأة في السابق أو لا يمكن؟ فعلى الأوّل يبقى الفرد المشكوك تحت حكم العامّ ويحكم بأنّ ما تراه بعد خمسين ليس حيضا. وعلى الثاني لا يجري الاستصحاب المذكور.

ذهب المصنّف رحمه‌الله إلى جريانه ، كما يأتي.

وخالفه المحقّق النائينيّ ، فذهب إلى عدم جريانه ـ بعد ذكر مقدّمات ثلاث ـ ، فراجع فوائد الاصول ٢ : ٥٣٠ ـ ٥٣٦ ، أجود التقريرات ١ : ٤٦٣ ـ ٤٧٤.

ثمّ إنّ السيّد المحقّق الخوئيّ وافق المصنّف رحمه‌الله ـ بعد ما أخذ بالنقد على ما أفاده استاذه ـ

١٥٧

المتّصل (١) لمّا كان غير معنون بعنوان خاصّ ، بل بكلّ عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاصّ (٢) ، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعيّ في غالب الموارد ـ إلّا ما شذّ (٣) ـ ممكنا ، فبذلك (٤) يحكم عليه بحكم العامّ وإن لم يجز التمسّك به (٥)

__________________

ـ المحقّق النائينيّ ـ. بخلاف السيّد الإمام الخمينيّ ، فإنّه وافق المحقّق النائينيّ ـ بعد ذكر مقدّمات خمس ـ. فراجع تفصيل كلامهما في المحاضرات ٥ : ٢٠٧ ـ ٢٣٢ ، ومناهج الوصول ٢ : ٢٥٣ ـ ٢٦٩.

وذهب المحقّق العراقيّ إلى التفصيل بين ما إذا كان العرض مأخوذا في رتبة متأخّرة عن وجود الذات ، وما إذا كان مأخوذا في مرحلة نفس الذات ، فيجري في الثاني دون الأوّل. نهاية الأفكار ٤ : ٢٠٠ ـ ٢٠٣.

(١) إشارة إلى أنّ المخصّص المتّصل على نحوين :

الأوّل : ما لا يكون مؤدّاه إلّا بيان منافات بعض الأوصاف للحكم العامّ ، فيتكفّل إخراج ما يعنون بها عن حكم العامّ من دون أن يدلّ على دخالة وصف آخر في الحكم ، وهو كالاستثناء في قولنا : «أكرم كلّ عالم إلّا الفاسق» وكالشرط في قولنا : «أكرم العلماء إذا لم يكونوا فسّاقا».

الثاني : ما يتكفّل الإخراج ولكن يدلّ على دخالة وصف آخر في الحكم ، نحو : «أكرم كلّ عالم عادل».

ومحلّ البحث في المقام هو النحو الأوّل ، لأنّ القسم الثاني يوجب تعنون العامّ وتضييق موضوع الحكم قطعا.

ولكن أورد عليه المحقّق النائينيّ بأنّ المخصّص المتّصل يوجب انعقاد الظهور رأسا في الخصوص ، فكيف لا يكون معنونا بعنوان خاصّ وأنّه كالمنفصل؟!

وأجاب عنه السيّد المحقّق الخوئيّ بأنّ غرض المحقّق صاحب الكفاية أنّ العامّ بعد تخصيصه بالإنشاء لا يتعنون بعنوان خاصّ ، بأنّ يعتبر اتّصافه بوصف وجوديّ أو عدميّ ، لأنّ غاية ما يترتّب على الاستثناء إنّما هو اعتبار عدم اتّصاف العامّ بالوصف الوجوديّ المأخوذ في ناحية الخاصّ. أجود التقريرات ١ : ٤٧٣.

(٢) أي : بل كان الباقي معنونا بكلّ عنوان ثبت للعامّ دون عنوان الخاصّ.

(٣) وهو فيما إذا شكّ فيه لتبادل الحالتين ، كمن تبادل عليه حالتي الفسق والعدالة.

(٤) أي : بالأصل الموضوعيّ.

(٥) وفي مرجع المضير وجهان :

الأوّل : أن يرجع إلى العامّ ، فيكون المعنى : «وإن لم يجز التمسّك بالعامّ من دون جريان ـ

١٥٨

بلا كلام ، ضرورة أنّه قلّما لا يوجد (١) عنوان يجري فيه أصل ينقّح به أنّه ممّا بقي تحته. مثلا : إذا شكّ أنّ امرأة تكون قرشيّة فهي وإن كانت وجدت إمّا قرشيّة أو غيرها ، فلا أصل يحرز أنّها قرشيّة أو غيرها ، إلّا أنّ أصالة عدم تحقّق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنّها ممّن لا تحيض إلّا إلى خمسين ، لأنّ المرأة الّتي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا (٢) باقية تحت ما دلّ على أنّ المرأة إنّما ترى الحمرة إلى خمسين (٣) ، والخارج عن تحته هي القرشيّة ، فتأمّل تعرف.

وهم وإزاحة

ربما يظهر عن بعضهم التمسّك بالعمومات فيما إذا شكّ في فرد (٤) لا من جهة احتمال التخصيص بل من جهة اخرى ، كما إذا شكّ في صحّة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فيستكشف صحّته بعموم مثل : «أوفوا بالنذور» فيما إذا وقع متعلّقا للنذر ، بأن يقال : وجب الإتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم ، وكلّ ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا ، للقطع بأنّه لو لا صحّته لما وجب الوفاء به.

وربما يؤيّد ذلك بما ورد من صحّة الإحرام و؟؟؟ قبل الميقات وفي السفر

__________________

ـ الأصل المذكور ، لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة. و؟؟؟ بعد إحراز فرديّة المشتبه للعامّ بسبب الأصل المزبور فلا مانع من التمسّك بالعامّ ، لعدم كونه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة».

الثاني : أن يرجع إلى الأصل ، وعليه يكون المعنى : «وإن لم يجز التمسّك بالأصل المذكور لترتيب الآثار ، لأنّه من الأصل المثبت ، بل الأصل المزبور إنّما ينقّح موضوع العامّ وينفي عنوان الخاصّ عن الفرد المشتبه ، وحينئذ يشمله العامّ ويترتّب عليه حكمه».

(١) وفي بعض النسخ : «لم يوجد».

(٢) أي : كالمرأة غير القرشيّة.

(٣) روى ابن أبي عمير مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش». الوسائل ٢ : ٥٨٠ ، الباب ٣١ من أبواب الحيض. الحديث ٢.

(٤) أي : في حكم فرد.

١٥٩

إذا تعلّق بهما النذر كذلك (١).

والتحقيق أن يقال (٢) : إنّه لا مجال لتوهّم الاستدلال بالعمومات المتكفّلة

__________________

(١) بأن نذر الإحرام مقيّدا بكونه قبل الميقات ، ونذر الصوم مقيّدا بكونه في السفر.

ثمّ إنّه يدلّ على صحّة الإحرام قبل الميقات صحيح الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة؟ قال عليه‌السلام : «فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال». وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٦ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت ، الحديث ١ ، ٢ و ٣.

وورد صحّة الصوم في السفر في الحديث ١ و ٧ من باب ١٠ من أبواب من يصحّ منه الصوم من وسائل الشيعة ٧ : ١٣٩ و ١٤١.

(٢) وحاصل ما أفاده هو التفصيل بين العمومات المتكفّلة لأحكام الموضوعات بعناوينها الثانويّة.

وتوضيحه : أنّ العمومات إذا كانت متكفّلة لأحكام العناوين الثانويّة لا تخلو عن قسمين :

الأوّل : يؤخذ في موضوعاتها أحد الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأوّليّة ، فيكون موضوعها هو الفعل المحكوم بحكم خاصّ بعنوانه الأوّلي ، بحيث لا تدلّ على ثبوت الحكم الثانويّ لهذا الفعل بعنوانه الثانويّ إلّا أن يكون محكوما بحكم ثبت له بعنوانه الأوّليّ ، كوجوب إطاعة الوالد ، فإنّ العمومات إنّما تدلّ على وجوب إطاعة الوالد فيما إذا كان المأمور به من قبل الوالد مباحا ، فاخذ في موضوع هذه العمومات جواز المأمور به من قبل الوالد بعنوانه الأوّليّ ، فلا تدلّ على وجوب إطاعته فيما إذا أمر بشرب الخمر ـ مثلا ـ. ونظيره الوفاء بالنذر ، فإنّ العمومات الدالّة على وجوب الوفاء بالنذر إنّما تدلّ على وجوبه إذا كان متعلّق النذر راجحا ، فاخذ في موضوعها رجحان متعلّقه بعنوانه الأوّليّ.

الثاني : أن لا يؤخذ في موضوعاتها أحد الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأوّليّة ، فيكون موضوعها هو الفعل بعنوانه الثانويّ مطلقا ، سواء ثبت له حكم خاصّ بعنوانه الأوّليّ أو لم يثبت ، كجواز ترك الفعل إذا كان ضرريّا ، فإنّ أدلّة قاعدة لا ضرر تدلّ على جواز الفعل الضرريّ مطلقا ، سواء ثبت له حكم خاصّ بعنوانه الأوّليّ ـ كالواجبات إذا كان فعلها ضرريّا ـ أو لم يثبت ـ كالوضوء الضرريّ بناء على عدم ثبوت حكم له بعنوانه الأوّليّ٠ ـ.

أمّا في القسم الأوّل : فمع الشكّ في الحكم المأخوذ في موضوع الحكم الثانويّ لا مجال للتمسّك بالعموم ، فإذا شكّ في إباحة ما أمر به الوالد لا يجوز التمسّك بعموم وجوب إطاعة الوالد لإحراز إباحته ، لأنّ الشبهة ـ حينئذ ـ مصداقيّة وشكّ في أنّ ما أمر به الوالد هل يكون موضوعا لوجوب إطاعته أم لا؟ وكذا الحال فيما إذا شكّ في صحّة الوضوء المنذور بالماء المضاف ، فلا مجال للتمسّك بدليل وجوب الوفاء بالنذر لإثبات صحّته ، لأنّ الشكّ ـ حينئذ ـ يرجع إلى أنّ الوضوء بالمضاف هل يكون راجحا كي يتعلّق به النذر ويصير موضوعا ـ

١٦٠