كفاية الأصول - ج ٢

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٥
ISBN: 978-964-470-562-5
الصفحات: ٤١٩

وفيه : أنّه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك إلّا أنّه من المعلوم ندرة تحقّقه لو لم نقل بعدم اتّفاقه (١).

فتلخّص ـ بما ذكرنا ـ أنّه لم ينهض دليل على وضع مثل «إن» على تلك الخصوصيّة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامّة. أمّا قيامها أحيانا ـ كانت مقدّمات الحكمة أو غيرها ـ ممّا لا يكاد ينكر ، فلا يجدي القائل بالمفهوم أنّه قضيّة الإطلاق في مقام من باب الاتّفاق.

وأمّا توهّم أنّه قضيّة إطلاق الشرط ، بتقريب : أنّ مقتضاه تعيّنه ، كما أنّ مقتضى إطلاق الأمر تعيّن الوجوب (٢).

__________________

ـ ولا يخفى : أنّ ما ينافي مقتضى إطلاق الشرط ـ من الانحصار ـ هو فرض كون التأثير للجامع بينه وبين غيره ، وهذا في صورة المقارنة. وأمّا في صورة سبق غيره فيكون التأثير للسابق فقط ، وهذا ينافي شرطيّة الشرط لا مقتضى إطلاقه. فالأولى ـ بل الصحيح ـ أن يقول : «ضرورة أنّه لو قارنه الآخر لما أثّر وحده».

(١) وتوضيحه ـ على ما استفدت من كلام السيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ٢ : ١٨٤ ـ ١٨٥ ـ : أنّ الجملة الشرطيّة لا تدلّ على أنّ ما جعل شرطا هو تمام الموضوع لإناطة الجزاء به ، فتدلّ على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط. وأمّا استناده الفعليّ إلى الشرط فهو يتوقّف على إجراء مقدّمات الحكمة ، وهي غير تامّة ، لعدم كون المتكلّم في مقام بيانه ، فإنّ الاستناد أو اللااستناد في الوجود الخارجيّ بالنسبة إلى المقارنات الخارجيّة غير مربوط بمقام جعل الأحكام على العناوين. فلا يصحّ التمسّك بإطلاق الكلام لإثبات الانحصار ، إذ من الممكن أن يؤثّر غيره فيه أيضا لو قارنه.

وأمّا ما ذكره المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ١ : ٦٢٠ توضيحا لكلام المصنّف رحمه‌الله ـ من أنّ القضايا الشرطيّة الشرعيّة ليست في مقام بيان فعليّة تأثير هذا الشرط ، بل هي في مقام بيان اقتضاء هذا الشرط لتحقّق الجزاء ، وهو لا ينافي كون غيره مقتضيا وجزء المؤثّر ـ فهو غير مقصود قطعا ، ضرورة أنّه يستلزم عدم فعليّة الأحكام الواردة في لسان الشارع على نحو القضايا الشرطيّة ، وهذا لا يتفوّه به أحد.

(٢) وهذا هو الوجه الخامس : بيان ذلك : أنّ إطلاق الشرط يقتضي كونه منحصرا ، لأنّ غير المنحصر يحتاج إلى بيان زائد ، ضرورة أنّه لو كان هناك شرط آخر للجزاء بديل لذلك الشرط لاحتاج إلى بيانه بالعطف ب «أو». وأمّا المنحصر فلا يحتاج إلى بيان زائد. فإذا اطلق ـ

١٠١

ففيه : أنّ التعيّن ليس في الشرط نحوا (١) يغاير نحوه فيما إذا كان متعدّدا (٢) ، كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب في كلّ منهما متعلّقا بالواجب بنحو آخر لا بدّ في التخييريّ منهما من العدل. وهذا بخلاف الشرط ، فإنّه ـ واحدا كان أو متعدّدا ـ كان نحوه واحدا ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا ، كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتا ، وكان الإطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل ، لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مئونة ، وهو ذكره بمثل «أو كذا». واحتياج ما إذا كان الشرط متعدّدا إلى ذلك إنّما يكون لبيان التعدّد ، لا لبيان نحو الشرطيّة. فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف ، كان هناك شرط آخر أم لا ، حيث كان مسوقا لبيان شرطيّته بلا إهمال ولا إجمال. بخلاف إطلاق الأمر ، فإنّه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعيينيّ ، فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال ، تأمّل تعرف (٣). هذا.

__________________

ـ تعليق الجزاء على الشرط وشكّ في ترتّبه على خصوص هذا الشرط أو ترتّبه عليه وعلى بديله يتمسّك بإطلاق الكلام وينفى البديل ، إذ لو كان له بديل لبيّنه المتكلّم بالعطف ب «أو». فمقتضى الإطلاق في المقام نظير مقتضى إطلاق صيغة الأمر من الوجوب التعيينيّ ، فإنّه لا يحتاج إلى بيان زائد على أصل الوجوب له ، وإلّا بيّنه المتكلّم الحكيم.

والفرق بين هذا الوجه وسابقه أنّ الوجه السابق يحاول إثبات الانحصار من طريق إثبات ترتّب الجزاء على الشرط وعدم تأثير غيره فيه لو سبقه أو قارنه ؛ وهذا الوجه يحاول إثباته من طريق عدم تأثير غيره فيه لو انعدم الشرط وجاء غيره.

(١) وفي النسخ المخطوطة : «نحو». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أي : ليست الشرطيّة في الشرط الواحد نحوا مغايرا لها في الشرط المتعدّد.

(٣) وحاصل الإيراد : أنّ قياس المقام بالوجوب التعيينيّ والتخييريّ قياس مع الفارق ، لأنّ الوجوب التعيينيّ يختلف سنخه عن الوجوب التخييريّ ، فإنّ الوجوب التعيينيّ تعلّق بالواجب فقط ، فلا يحتاج إلى بيان زائد على أصل الوجوب ؛ بخلاف التخييريّ ، فإنّه تعلّق بالواجب أو واجب آخر ، فيحتاج إلى بيان العدل بالعطف ب «أو». وأمّا الشرط فهو لا يختلف في صورتي التعدّد والانحصار ، بل شرطيّته وتأثيره على نحو واحد في كلتا الصورتين.

وأجاب عنه المحقّقان : النائينيّ والعراقيّ.

أمّا المحقّق النائينيّ : فحاصل ما أفاده أنّ التمسّك بالإطلاق ليس من جهة إثبات انحصار ـ

١٠٢

مع أنّه لو سلّم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت أنّه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتّفاق.

[أدلّة المنكرين للمفهوم]

ثمّ إنّه ربما استدلّ المنكرون للمفهوم بوجوه :

أحدها : ما عزي إلى السيّد (١) من أنّ تأثير الشرط إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فإنّ قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٢) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا : أنّ ضمّ امرأتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا : أنّ ضمّ اليمين يقوم مقامه أيضا. فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإنّ انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها. والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.

والجواب : أنّه قدس سرّه إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو ممّا لا يكاد ينكر ، ضرورة أنّ الخصم يدّعي عدم

__________________

ـ العلّة كي يرد عليه ما ذكره ، لما عرفت أنّ مفاد القضيّة الشرطيّة إنّما هو ترتّب التالي على المقدّم فقط ، لا كون الترتّب بنحو العلّيّة. ولازم ذلك في غير القضايا الشرطيّة المسوقة لبيان تحقّق الحكم بتحقّق موضوعه هو تقيّد الجزاء بوجود الشرط ، وحيث إنّ حال التقييد مع الانحصار وعدمه تختلف ، فيلزم على المولى بيان الخصوصيّة إذا كان في مقام البيان ، وإذا لم يبيّن العدل فيفيد كون الشرط منحصرا. أجود التقريرات ١ : ٤١٩.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فأجاب عنه بقوله : «إنّ معنى تعيّن الشرط إنّما هو كونه مؤثّرا بالاستقلال بخصوصيّته الشخصيّة في المشروط. ولازم ذلك ترتّب الانتفاء على الانتفاء ، كان هناك أمر آخر أو لا». نهاية الأفكار ٢ : ٤٨٢.

(١) أي : السيّد المرتضى. فراجع الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٤٠٦.

(٢) البقرة / ٢٨٢.

١٠٣

وقوعه (١) في مقام الإثبات ودلالة القضيّة الشرطيّة عليه (٢). وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه فمجرّد الاحتمال لا يضرّه ما لم يكن بحسب القواعد اللفظيّة راجحا أو مساويا ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلا ، كما لا يخفى.

ثانيها : أنّه لو دلّ لكان (٣) بإحدى الدلالات (٤) ، والملازمة (٥) ـ كبطلان التالي (٦) ـ ظاهرة.

وقد أجيب عنه (٧) : بمنع بطلان التالي وأنّ الالتزام ثابت. وقد عرفت (٨) بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.

ثالثها : قوله تبارك وتعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(٩).

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ استعمال الجملة الشرطيّة فيما لا مفهوم له أحيانا

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ. والأولى أن يقول : «عدم وقوعها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى نيابة بعض الشروط عن بعض.

(٢) أي : على عدم وقوع النيابة.

(٣) هكذا في النسخ. والصحيح إن كان مرجع الضمير القضيّة الشرطيّة ـ أن يقول : «أنّها لو دلّت لكانت ...» ، وإن كان مرجعه الشرط أن يقول : «أنّه لو دلّ لكانت ...» أي : لكانت الدلالة بإحدى الدلالاتالثلاث.

(٤) أي : المطابقة والتضمّن والالتزام.

(٥) أي : الملازمة بين دلالة الجملة الشرطيّة على المفهوم وبين كون دلالتها بإحدى الدلالات الثلاث.

والوجه في ظهور الملازمة انحصار الدلالة اللفظيّة فيها.

(٦) وهو كون دلالتها على المفهوم بإحدى الدلالات الثلاث.

والوجه في ظهور بطلانه أنّ الانتفاء عند الانتفاء ليس مدلولا مطابقيّا ولا انضماميّا ولا التزاميّا للجملة الشرطيّة ، كما هو واضح.

(٧) والمجيب هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ١٧٢.

(٨) في الصفحات السابقة.

(٩) النور / ٣٣.

وتقريب الاستدلال به على عدم المفهوم : أنّه لو دلّ على المفهوم لدلّ على جواز إكراههنّ على الزنا إن لم يردن التحصّن. وحرمة إكراههنّ على البغاء ـ سواء أردن التحصّن أو لم يردن ـ من الضروريّات.

١٠٤

وبالقرينة لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها. وإنّما القائل به إنّما يدّعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامّة ، كما عرفت.

بقي هاهنا امور :

الأمر الأوّل : [المراد من انتفاء الحكم]

انّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا يتمشّى الكلام في أنّ للقضيّة الشرطيّة مفهوما أو ليس لها مفهوم إلّا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا. وإنّما وقع النزاع في أنّ لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء أو لا تكون لها دلالة (١).

ومن هنا انقدح : أنّه ليس من المفهوم ودلالة القضيّة (٢) على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والأيمان ، كما توهّم (٣) ، بل عن الشهيد (٤)

__________________

(١) والحاصل : أنّ المراد من الانتفاء عند الانتفاء في باب المفاهيم هو انتفاء نوع الحكم عند انتفاء الشرط أو الوصف أو غيرهما. والمراد من نوع الحكم هو الحكم الّذي يمكن بقاؤه مع انتفاء الشرط أو غيره ، بحيث إذا قام دليل على ثبوت الحكم في صورة انتفاء الشرط أو غيره كان معارضا للمفهوم ، كوجوب الإكرام الّذي يمكن بقاؤه عند انتفاء المجيء أيضا ، كأن يفرض وجوب إكرامه عند إهداء هديّة ، فيقع الكلام في أنّ القضيّة الشرطيّة ـ مثلا ـ هل تدلّ على انتفاء وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء مطلقا حتّى الوجوب الّذي يفرض عند تحقّق شيء آخر كالهديّة وغيرها أو لا تدلّ عليه؟

وأمّا لو كان المنفي شخص الحكم الّذي لم يكن بقاؤه بعد انتفاء موضوعه فهو خارج عن محلّ النزاع ، لأنّ انتفاء شخص الحكم عند انتفاء موضوعه عقليّ ، كانتفاء وجوب الختان عند انتفاء ولادة الولد.

(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «ليس من المفهوم دلالة القضيّة ...» كي يكون قوله : «دلالة القضيّة» اسم ليس ؛ أو يقول : «ليس من المفهوم ودلالة القضيّة على الانتفاء عند الانتفاء ما في الوصايا ...».

(٣) لم أعثر على من توهّمه غير الشهيد.

(٤) نقل عنه في هداية المسترشدين : ٢٨١ ، ومطارح الأنظار : ١٧٣.

١٠٥

في تمهيد القواعد : «أنّه لا إشكال في دلالتها على المفهوم» (١). وذلك (٢) لأنّ انتفاءها عن غير ما هو المتعلّق لها من الأشخاص الّتي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرط مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس (٣) بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لأجل أنّه إذا صار شيء وقفا على أحد أو اوصي به أو نذر له ـ إلى غير ذلك ـ لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصيّة أو نذرا له. وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصيّة عن غير مورد المتعلّق قد عرفت أنّه عقليّ مطلقا ، ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.

إشكال ودفع

لعلّك تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم ، لا نفس شخص الحكم في القضيّة ، وكان الشرط في الشرطيّة إنّما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره؟ (٤) فغاية قضيّتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه. وهكذا الحال في سائر القضايا الّتي تكون مفيدة للمفهوم.

ولكنّك غفلت عن أنّ المعلّق على الشرط إنّما هو نفس الوجوب الّذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأمّا الشخص والخصوصيّة الناشئة من قبل استعمالها فيه فلا تكاد تكون من خصوصيّات معناها المستعملة فيه كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصيّة الحاصلة من قبل الإخبار به من خصوصيّات ما اخبر به واستعمل فيه إخبارا لا إنشاء.

وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلّق على الشرط خاصّا بالخصوصيّات

__________________

(١) تمهيد القواعد : ١٤.

(٢) أي : عدم كون الحكم بالانتفاء عند الانتفاء في الأبواب المذكورة من المفهوم.

(٣) خبر «أنّ» في قوله : «لأنّ انتفاءها».

(٤) أي : إنّ الشرط وقع شرطا للحكم الموجود بعد إنشائه ، والشيء ما لم يتشخّص لم يوجد ، فلا يتصوّر أن يكون الحكم المنشأ الموجود كلّيّا.

١٠٦

الناشئة من قبل الإخبار به كذلك المنشأ بالصيغة المعلّق عليه ؛ وقد عرفت بما حقّقناه في معنى الحرف وشبهه (١) : أنّ ما استعمل فيه الحرف عامّ كالموضوع له ، وأنّ خصوصيّة لحاظه بنحو الآليّة والحاليّة لغيره من خصوصيّة الاستعمال ، كما أنّ خصوصيّة لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك ، فيكون اللحاظ الآليّ كالاستقلاليّ من خصوصيّات الاستعمال ، لا المستعمل فيه.

وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات (٢) ـ في مقام التفصّي عن هذا الإشكال ـ من التفرقة بين الوجوب الإخباريّ والإنشائيّ بأنّه كلّيّ في الأوّل وخاصّ في الثاني ، حيث دفع الإشكال بأنّه لا يتوجّه في الأوّل (٣) لكون الوجوب كلّيّا ، وعلى الثاني بأنّ (٤) ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلّيّة المستفادة من الجملة الشرطيّة ، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلّة المأخوذة فيها ، فإنّه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط ، كما في اللقلب والوصف.

واورد (٥) ـ على ما تفصّي به عن الإشكال بما (٦) ربما يرجع إلى ما ذكرنا ـ بما حاصله : أنّ التفصّي لا يبتني على كلّيّة الوجوب لما أفاده ، وكون الموضوع له في الإنشاء عامّا لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث إنّ الخصوصيّات بأنفسها مستفادة من الألفاظ.

وذلك (٧) لما عرفت من أنّ الخصوصيّات في الإنشاءات والأخبارات إنّما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما.

ولعمري لا يكاد ينقضي تعجّبي كيف تجعل خصوصيّات الإنشاء من

__________________

(١) راجع الجزء الأوّل : ٢٨ ـ ٣٠.

(٢) راجع مطارح الأنظار : ١٧٣.

(٣) أي : لا يتوجّه الإشكال في الوجوب الإخباريّ.

(٤) والأولى أن يقول : «وعلى الثاني ، لأنّ ...».

(٥) أي : أورد الشيخ الأنصاريّ.

(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «ممّا».

(٧) أي : فساد ما يظهر من التقريرات.

١٠٧

خصوصيّات المستعمل فيه؟! مع أنّها كخصوصيّات الإخبار تكون ناشئة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمّل.

الأمر الثاني : [تعدّد الشرط ووحدة الجزاء]

انّه إذا تعدّد الشرط مثل : «إذا خفي الأذان فقصّر» و «إذا خفي (١) الجدران فقصّر» ، فبناء على ظهور الشرطيّة في المفهوم لا بدّ من التصرّف ورفع اليد عن الظهور(٢) :

إمّا بتخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الاخرى ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين (٣).

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «خفيت».

(٢) لوقوع التعارض بين مفهوم كلّ منهما ومنطوق الاخرى ، لأنّ مفهوم كلّ منهما نفي وجوب القصر عند انتفاء الشرط المذكور في منطوقها وإن كان الشرط المذكور في الاخرى موجودا ، ومنطوق الاخرى يثبت وجوب القصر عند تحقّق الشرط المذكور فيهما.

بيان ذلك : أنّ منطوق القضيّة الأولى «إذا خفي الأذان فقصّر» يثبت وجوب القصر عند خفاء الأذان ، ومفهومها ـ أي : إذا لم يخف لم يجب القصر وإن خفيت الجدران ـ ينفي وجوب القصر عند خفاء الجدران ، فينافي مفهومها منطوق القضيّة الثانية «إذا خفيت الجدران فقصّر». ومنطوق القضيّة الثانية يثبت وجوب القصر عند خفاء الجدران ، ومفهومها ـ أي إذا لم تخف لم يجب القصر وإن خفي الأذان ـ ينفي وجوب القصر عند خفاء الأذان ، فينافي مفهومها منطوق القضيّة الأولى.

وبالجملة : يقع التعارض بين منطوق كلّ منهما ومفهوم الاخرى. فلا بدّ في رفع التعارض من التصرّف في كلّ منهما بأحد الوجوه الأربعة الآتية.

(٣) هذا هو الوجه الأوّل في علاج المعارضة. وتوضيحه : أنّ هنا إطلاقين :

أحدهما : إطلاق المفهوم في القضيّة الأولى ، وهو «إذا لم يخف الأذان لم يجب القصر مطلقا ، سواء خفيت الجدران أم لا».

ثانيهما : إطلاق المفهوم في القضيّة الثانية ، وهو «إذا لم تخف الجدران لم يجب القصر مطلقا ، سواء خفي الأذان أم لا». ـ

١٠٨

وإمّا برفع اليد عن المفهوم فيهما (١) ، فلا دلالة لهما على عدم مدخليّة شيء آخر في الجزاء. بخلاف الوجه الأوّل ، فإنّ فيهما الدلالة على ذلك.

وإمّا بتقييد إطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معا ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما(٢).

وإمّا بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بأن يكون تعدّد الشرط قرينة على أنّ الشرط في كلّ منهما ليس بعنوانه الخاصّ ، بل بما هو مصداق لما يعمّهما من العنوان (٣).

__________________

ـ وطريق علاج هذه المعارضة أن يقيّد إطلاق المفهوم في القضيّة الأولى بمنطوق القضيّة الثانية ، فيصير مفاد المفهوم : «إذا لم يخف الأذان لم يجب القصر إلّا فيما إذا خفيت الجدران» ؛ ويقيّد إطلاق المفهوم في الثانية بمنطوق القضيّة الأولى ، فيصير مفاد المفهوم : «إذا لم تخف الجدران لم يجب القصر إلّا إذا خفي الأذان».

والحاصل : أنّه ينفي وجوب القصر عند انتفاء خفاء الأذان والجدران معا.

وأورد عليه السيّد المحقّق الخوئيّ بأنّ المفهوم لازم عقليّ للمنطوق ، ولا يعقل التصرّف فيه بتقييد أو تخصيص من دون التصرّف في المنطوق أصلا ، وإلّا لزم انفكاك المعلول عن العلّة. المحاضرات ٥ : ٩٩.

ولا يخفى : أنّه استفاد الإيراد من إفادات المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ١ : ٦١٣.

(١) وهذا هو الوجه الثاني. وهو واضح.

(٢) وهذا هو الوجه الثالث. وتوضيحه : أنّ هنا إطلاقين :

أحدهما : إطلاق الشرط في القضيّة الأولى ، وهو يدلّ على أنّ خفاء الأذان تمام الموضوع لوجوب القصر.

ثانيهما : إطلاق الشرط في الثانية. وهو يدلّ على أنّ خفاء الجدران تمام الموضوع لوجوب القصر.

وطريق العلاج أن نرفع اليد عن الإطلاقين ، بأن يقيّد إطلاق الشرط في الأولى بنصّ الشرط في الثانية ، ويقيّد إطلاقه في الثانية بنصّ الشرط في الأولى. ونتيجة ذلك صيرورة كلّ من الشرطين جزء الموضوع وترتّب وجوب القصر على كلا الشرطين مجموعا لا على أحدهما مستقلّا.

(٣) وهذا هو الوجه الرابع. وعليه يكون الشرط هو الجامع بينهما. ونتيجة ذلك ترتّب وجوب القصر على خفاء أحدهما وإن لم يخف الآخر.

١٠٩

ولعلّ العرف يساعد على الوجه الثاني (١) ، كما أنّ العقل ربما يعيّن هذا الوجه (٢) ، بملاحظة أنّ الامور المتعدّدة ـ بما هي مختلفة ـ لا يمكن أن يكون كلّ منهما مؤثّرا في واحد ، فإنّه لا بدّ من الربط الخاصّ بين العلّة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين ـ بما هما اثنان ـ ، ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلّا الواحد (٣). فلا بدّ من المصير إلى أنّ الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء إطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله ، وإن كان بناء العرف والأذهان العاميّة على تعدّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوانه الخاصّ ، فافهم (٤).

__________________

(١) وهو رفع اليد عن المفهوم فيهما.

وقال المحقّق الأصفهانيّ : «أنّه لا ترجيح للوجه الثاني على الأوّل بتوهّم أنّه لا تصرّف فيه في المنطوق دون الأوّل ، فإنّ الثاني ما لم يتصرّف في منطوقه لا يعقل رفع اليد عن لازمه ، بل لعلّ الترجيح للأوّل ، فإنّ رفع اليد عن إطلاق الحصر أهون من رفع اليد عن أصل الحصر». نهاية الدراية ١ : ٦١٣.

(٢) أي : الوجه الرابع.

(٣) وأورد عليه المحقّق الأصفهانيّ بأنّ مورد القاعدة وعكسها الواحد الشخصيّ الحقيقيّ ، ووحدة الجزاء في المقام وحدة نوعيّة ، فلا تتمّ هذه القاعدة في مثل المقام.

(٤) وفي بعض النسخ زاد وجها خامسا ـ كما في النسخة المطبوعة الّتي على حواشيها تعليقات العلّامة المشكينيّ ١ : ٣١٤ ـ. وهو قوله : «وأمّا رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه ، فلا وجه لأن يصار إليه ، إلّا بدليل آخر ، إلّا أن يكون ما بقي على المفهوم أظهر ، فتدبّر جيّدا».

ولكن ضرب عليه خطّ المحو في النسخة المصحّحة. وهو الصحيح ، لأنّ مجرّد رفع اليد عن مفهوم أحدهما وبقاء الآخر على مفهومه لا يجدي في علاج التعارض ، ضرورة أنّ التعارض إنّما هو بين مفهوم كلّ واحدة منهما ومنطوق الاخرى ، ورفع اليد عن مفهوم أحدهما إنّما يرفع التعارض بين مفهومها ومنطوق الاخرى ، وأمّا التعارض بين مفهوم الاخرى ومنطوق تلك باق على حاله.

وقد ذكر في المقام وجهان آخران :

الأوّل : ما يظهر من كتاب السرائر ١ : ٣٣١. وحاصله : رفع اليد عن إحدى الجملتين رأسا وحفظ الاخرى منطوقا ومفهوما. ـ

١١٠

الأمر الثالث : [تداخل المسبّبات وعدمه]

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث (١). وأمّا على سائر الوجوه فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعدّدا حسب تعدّد الشروط أو يتداخل ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال.

والمشهور : عدم التداخل. وعن جماعة ـ منهم المحقّق الخوانساريّ ـ التداخل (٢). وعن الحلّي التفصيل بين اتّحاد جنس الشروط وتعدّده (٣).

والتحقيق : أنّه لمّا كان ظاهر الجملة الشرطيّة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بكشفه عن سببه (٤) ، وكانت قضيّته (٥) تعدّد الجزاء عند تعدّد

__________________

ـ ولا يخفى : أنّ رفع اليد عن إحداهما وحفظ الاخرى ترجيح بلا مرجّح.

الثاني : ما أفاده المحقّق النائينيّ من رفع اليد عن كلا الإطلاقين معا ، والرجوع إلى الأصل العمليّ. فوائد الاصول ٢ : ٤٨٨.

وهذا الوجه تعرّض له السيّد المحقّق الخوئيّ ثمّ ناقش فيه تفصيلا. فراجع محاضرات في اصول الفقه ٥ : ١٠٢ ـ ١٠٦.

(١) وهو تقييد الشرط في كلّ منهما بالآخر بحيث يكون الشرط مجموع الشرطين معا.

ومراد المصنّف رحمه‌الله أنّ البحث عن التداخل وعدمه إنّما يتصوّر فيما إذا أمكن فرض استقلال كلّ شرط في التأثير في الجزاء ، فيبحث حينئذ هل يكتفى بإتيان الجزاء دفعة واحدة أم لا بدّ من الإتيان به متعدّدا حسب تعدّد الشرط؟ فلا مجال للبحث عن تداخل الجزاء وعدمه على الوجه الثالث ، إذ يكون الشرط مجموع الشرطين ، وهو في الواقع شرط واحد يترتّب عليه جزاء واحد ، فليس في البين إلّا جزاء واحد ، وحينئذ لا موضوع لتداخل المسبّبات كي يبحث عن جوازه أو امتناعه.

(٢) قال في مشارق الشموس ١ : ٦١ : «وموجبات الوضوء يتداخل ... وهذا الحكم موضع وفاق».

(٣) فالقاعدة على الأوّل هي التداخل ، كالبول مرّتين أو مرّات ، وعلى الثاني عدم التداخل ، كالنوم والبول والريح من موجبات الوضوء. راجع السرائر ١ : ٢٥٨.

(٤) والفرق بين حدوث الشرط بسبب الشرط وحدوثه بكشف الشرط عن سببه أنّ الأوّل فيما إذا كان الشرط مؤثّرا حقيقيّا للجزاء ، كأن يقول : «إذا سافرت فقصّر». والثاني فيما إذا كان الشرط معرّفا إلى ما هو الشرط حقيقة ، كخفاء الأذان ، فإنّه أمارة على حدّ الترخّص الّذي هو الشرط في وجوب القصر حقيقة.

(٥) أي : قضيّة هذا الظهور.

١١١

الشرط ، كان الأخذ بظاهرها إذا تعدّد الشرط حقيقة أو وجودا محالا ، ضرورة أنّ لازمه أن تكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ـ في مثل «إذا بلت فتوضّأ ، وإذا نمت فتوضّأ» ، أو فيما إذا بال مكرّرا ، أو نام كذلك ـ محكومة بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادّين. فلا بدّ على القول بالتداخل من التصرّف فيه :

إمّا بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث بل على مجرّد الثبوت.

أو الالتزام بكون متعلّق الجزاء وإن كان واحدا صورة ، إلّا أنّه حقائق متعدّدة ـ حسب تعدّد الشرط ـ متصادقة على واحد. فالذمّة وإن اشتغلت بتكاليف متعدّدة حسب تعدّد الشروط إلّا أنّ الاجتزاء بواحد ، لكونه مجمعا لها ، كما في «أكرم هاشميّا» و «أضف عالما» ، فأكرم العالم الهاشميّ بالضيافة ، ضرورة أنّه بضيافته بداعي الأمرين يصدق أنّه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وإن كان له امتثال كلّ منهما على حدة ، كما إذا أكرم الهاشميّ بغير الضيافة وأضاف العالم غير الهاشميّ.

إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟

قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتّصافه بوجوبين ، بل غايته أنّ انطباقهما عليه يكون منشئا لاتّصافه بالوجوب وانتزاع صفته له؟ مع أنّه على القول بجواز الاجتماع لا محذور في اتّصافه بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد ، فافهم.

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كلّ شرط ، إلّا أنّه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأوّل وتأكّد وجوبه عند الآخر.

١١٢

ولا يخفى : أنّه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها ، فإنّه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه. مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أنّ متعلّق الجزاء متعدّد متصادق على واحد وإن كان صورة واحدا سمّي باسم واحد كالغسل ، وإلى إثبات أنّ الحادث بغير الشرط الأوّل تأكّد ما حدث بالأوّل ، ومجرّد الاحتمال لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته.

إن قلت : وجه ذلك (١) هو لزوم التصرّف في ظهور الجملة الشرطيّة ، لعدم إمكان الأخذ بظهورها ، حيث إنّ قضيّته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال ، كما مرّت الإشارة إليه.

قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدّد الشرط ـ كما في المثال ـ هو وجوب وضوء (٢) ـ مثلا ـ بكلّ شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا ، كما لا يخفى (٣).

إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدّد الفرد على خلاف الإطلاق (٤).

قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطيّة (٥) في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب مقتضيا لذلك (٦) ـ أي لتعدّد الفرد ـ ، وإلّا كان بيانا لما هو المراد من الإطلاق.

وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق ،

__________________

(١) أي : وجه التصرّف بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة.

(٢) هكذا في النسخ : والأولى أن يقول : «وجوب الوضوء».

(٣) غرض المصنّف رحمه‌الله أنّ التصرّف في ظهور الجملة الشرطيّة وإن كان أمرا لا بدّ منه ، إلّا أنّ التصرّف لا يتعيّن في أحد الوجوه الثلاثة ، بل يمكن التصرّف في ظهورها بوجه آخر ، وهو أن يكون متعلّق الحكم في الجمل الشرطيّة أفرادا متعدّدة حسب تعدّد الشرط ، فيكون متعلّق الحكم في إحداها فردا وفي الاخرى فردا آخر ، فالوضوء الواجب في قوله : «إذا بلت فتوضّأ» فرد من الواجب ، وفي قوله : «إذا نمت فتوضّأ» فرد آخر منه. وعليه لا يلزم اجتماع المثلين.

(٤) أي : إطلاق متعلّق الجزاء ، فإنّه يقتضي تعلّق الحكم بالطبيعة ، لا بالأفراد.

(٥) وفي بعض النسخ : «ظهور الجملة».

(٦) قوله : «مقتضيا لذلك» خبر قوله : «لو لم يكن».

١١٣

ضرورة أنّ ظهور الإطلاق يكون معلّقا على عدم البيان ، وظهورها في ذلك (١) صالح لأن يكون بيانا ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرّف أصلا ، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى (٢).

فتلخّص بذلك : أنّ قضيّة ظاهر الجملة الشرطيّة هو القول بعدم التداخل عند تعدّد الشرط (٣).

__________________

(١) أي : في اقتضائها تعدّد الجزاء.

(٢) هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلّامة من كون ظهور الإطلاق معلّقا على عدم البيان مطلقا ، ولو كان منفصلا. وأمّا بناء على ما اخترناه في غير مقام ـ من أنّه إنّما يكون معلّقا على عدم البيان في مقام التخاطب ، لا مطلقا ـ فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ ـ وإن كان ـ ، إلّا أنّه لا دوران بينهما حكما ، لأنّ العرف لا يكاد يشكّ بعد الاطّلاع على تعدّد القضيّة الشرطيّة أنّ قضيّته تعدّد الجزاء وأنّه في كلّ قضيّة وجوب فرد غير ما وجب في الاخرى ، كما إذا اتّصلت القضايا وكانت في كلام واحد ، فافهم. منه [أعلى الله مقامه].

(٣) حاصل ما أفاده المصنّف رحمه‌الله في متن الكتاب أنّ الجملة الشرطيّة تشتمل على ظهورين :

أحدهما : ظهور وضعيّ. وهو ظهورها في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط. وهذا يقتضي تعدّد الجزاء بتعدّد الشرط.

ثانيهما : ظهور إطلاقيّ. وهو ظهور الجزاء في وحدة المتعلّق. وهذا يقتضي وحدة الحكم عند تعدّد الشرط.

وبما أنّ الظهور الإطلاقيّ معلّق على عدم البيان وكان ظهور القضيّة الشرطيّة في الحدوث عند الحدوث صالحا لأن يكون بيانا للمتعلّق لم ينعقد للمتعلّق ظهور في الإطلاق ، بل كان ظهورها في الحدوث عند الحدوث كاشفا عن تعلّق الحكم بفرد آخر غير الفرد الّذي تعلّق به الحكم الآخر. فيكون الظهور الوضعيّ حاكما على الظهور الإطلاقيّ ورافعا لموضوعه.

وأعرض عنه المصنّف رحمه‌الله في الهامش وجعل الوجه في عدم التداخل تقديم العرف ظهور الجملة الشرطيّة على الإطلاق.

والأعلام الثلاثة وإن وافقوه في اختيار عدم التداخل ، ولكن خالفوه في الاستدلال عليه : أمّا المحقّق النائينيّ : فاستدلّ على عدم التداخل بما حاصله : أنّ ظهور القضيّة الشرطيّة في تأثير الشرط مستقلّا رافع لموضوع حكم العقل بالاكتفاء بواحد من الطبيعة حقيقة ، فيكون واردا عليه.

وتوضيحه : أنّ القضيّة الشرطيّة ترجع إلى قضيّة حقيقة حمليّة موضوعها الشرط ـ

١١٤

وقد انقدح ممّا ذكرنا : أنّ المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه الّتي ذكرناها ، لا مجرّد كون الأسباب الشرعيّة معرّفات لا مؤثّرات. فلا وجه لما عن

__________________

ـ ومحمولها الجزاء ، كما أنّ القضيّة الحمليّة ترجع إلى الشرطيّة الّتي مقدّمها الموضوع وتاليها المحمول. لا شكّ أنّ الحكم في القضيّة الشرطيّة أيضا يتعدّد بتعدّد أفراد المشروط وجودا. وأمّا تعدّد الحكم بتعدّد شرطه جنسا وماهيّة فهو يستفاد من ظهور كلّ من القضيّتين في أنّ كلّا من الشرطين مستقلّ في ترتّب الجزاء عليه مطلقا.

ومن ناحية اخرى أنّ الطلب المتعلّق بالشيء لا يقتضي إلّا إيجاد متعلّقه خارجا ونقض عدمه المطلق. وبما أنّ نقض العدم المطلق يحقّق بأوّل وجود من الطبيعة كان مجزيا عقلا. وعليه فإذا تعلّق طلبان بماهيّة كان مقتضى كلّ منهما إيجاد ناقض العدم ، فمقتضى الطلبين إيجاد ناقضين للعدم ، كما هو الحال في تعلّق إرادتين تكوينيّتين بماهيّة واحدة ، فإنّ مقتضاهما تحقّق وجودين منها.

نعم ، لو لم يكن هناك ما يقتضي تعدّد الطلب كان الطلب واحدا من جهة عدم المقتضي ، لا من جهة دلالة لفظ الأمر عليه.

فإذا فرض ظهور القضيّة الشرطيّة في الانحلال وتعدّد الطلب ـ كما هو المفروض في المقام ـ كان ظهور القضيّة في تعدّد الحكم موجبا لارتفاع موضوع الحكم بوحدة الطلب ـ أعني عدم المقتضى ـ وواردا عليه. فوائد الاصول ٢ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.

وحسّنه تلميذه السيّد المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ١١٨ ـ ١٢٣.

وأمّا المحقّق الأصفهانيّ : فاستدلّ عليه بما حاصله : أنّ البعث المتعلّق بالشيء يقتضي وجودا واحدا منه ، ولا يقتضي عدم البعث إلى وجود آخر ، بل هو بالإضافة إلى وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء ، والبعث الآخر مقتض لوجود آخر بنفسه ، فإنّ الإيجاد الآخر يقتضي وجودا آخر. نهاية الدراية ١ : ٦١٨.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فاستدلّ عليه بأنّ تقديم ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهور الجزاء في وحدة المتعلّق أولى من العكس ، لأنّ تقديم ظهور الشرطين على ظهور الجزاء لا يستلزم إلّا ارتكاب خلاف ظاهر واحد ، بخلاف العكس ، فإنّه يستلزم ارتكاب خلاف ظاهرين ، فتقديم ظهور الشرطين أقلّ محذورا من تقديم ظهور الجزاء. ومن المعلوم أنّه عند الدوران يتعيّن ما هو أقلّ محذورا من الآخر. نهاية الأفكار ٢ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧.

وتشبّث السيّد الإمام الخمينيّ ـ بعد ما ناقش فيما أفاده الأعلام الثلاثة في مقام الاستدلال على عدم التداخل ـ بأنّ فهم العرف مساعد على عدم التداخل وتعدّد الجزاء لأجل مناسبات مغروسة في ذهنه. مناهج الوصول ٢ : ٢٠٨.

١١٥

الفخر (١) وغيره (٢) من ابتناء المسألة على أنّها معرّفات أو مؤثّرات (٣). مع أنّ الأسباب الشرعيّة حالها حال غيرها في كونها معرّفات تارة ومؤثّرات اخرى ، ضرورة أنّ الشرط للحكم الشرعيّ في الجمل الشرطيّة (٤) ربما يكون ممّا له دخل في ترتّب الحكم بحيث لولاه لما وجدت له علّة (٥) ، كما أنّه في الحكم غير الشرعيّ قد يكون أمارة على حدوثه بسببه (٦) ، وإن كان ظاهر التعليق أنّ له الدخل فيهما ، كما لا يخفى.

نعم ، لو كان المراد بالمعرّفيّة في الأسباب الشرعيّة أنّها ليست بدواعي الأحكام الّتي هي في الحقيقة علل لها ، وإن كان لها دخل في تحقّق موضوعاتها ، بخلاف الأسباب غير الشرعيّة (٧) ، فهو وإن كان له وجه (٨) إلّا أنّه ممّا لا يكاد يتوهّم أنّه يجدي فيما همّه وأراد(٩).

__________________

(١) راجع إيضاح الفوائد ١ : ١٤٥.

(٢) كالمحقّق المولى أحمد النراقيّ في عوائد الأيّام : ٢٩٤.

(٣) فإن كانت معرّفات تقتضي التداخل ، وإن كانت مؤثّرات تقتضي عدم التداخل.

(٤) وفي بعض النسخ : «في الجملة الشرطيّة».

(٥) كقوله عليه‌السلام : «متى ما شككت فخذ بالأكثر» ، فإنّ الشكّ علّة للحكم بالبناء على الأكثر.

(٦) أي : حدوث الحكم بسبب ما له دخل فيه ، وهو الشرط المؤثّر حقيقة ، كضوء العالم الّذي هو أمارة طلوع الشمس الّذي هو المؤثّر في وجوب النهار حقيقة.

(٧) فإنّها علل لأحكامها.

(٨) لأنّ الأسباب الشرعيّة ـ حينئذ ـ لا تكون من قبيل المصالح والمفاسد كي تستتبع آثارا متعدّدة بتعدّدها ، بل هي معرّفة لها وحاكية عما هو دخيل فيها.

(٩) وذلك لأنّ ما أراده هو ابتناء التداخل على المعرّفيّة ، وإذا كان المراد من معرّفيّة الأسباب الشرعيّة ما يكشف عما هو دخيل في المصالح والمفاسد يحتمل أن يكون كلّ سبب كاشفا عن مصلحة خاصّة ، فيقتضي كلّ موضوع حكما وكلّ شرط جزاء.

ومن هنا يظهر : أنّ المراد من كون الأسباب والشرائط الشرعيّة المأخوذة في كلام الشارع معرّفات هو كونها معرّفات للشرائط الواقعيّ وما هو دخيل في الحكم واقعا.

والمحقّق النائينيّ فسّر المعرّفات بمعرّفات الحكم. أجود التقريرات ٢ : ٤٢٧.

١١٦

ثمّ إنّه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه واختيار عدم التداخل في الأوّل والتداخل في الثاني (١) ، إلّا توهّم عدم صحّة التعلّق (٢) بعموم اللفظ في الثاني ، لأنّه من أسماء الأجناس (٣) ، فمع تعدّد أفراد شرط واحد لم يوجد إلّا السبب الواحد ؛ بخلاف الأوّل ، لكون كلّ منها سببا ، فلا وجه لتداخلها.

وهو (٤) فاسد ، فإنّ قضيّة إطلاق الشرط في مثل «إذا بلت فتوضّأ» هو حدوث الوجوب عند كلّ مرّة لو بال مرّات ، وإلّا فالأجناس المختلفة لا بدّ من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرّت إليه الإشارة (٥) من أنّ الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد.

هذا كلّه فيما كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدّد ، وأمّا ما لا يكون قابلا لذلك (٦) فلا بدّ من تداخل الأسباب فيما لا يتأكّد المسبّب ومن التداخل فيه فيما يتأكّد(٧).

__________________

(١) هذا التفصيل ذهب إليه ابن إدريس الحلّي في السرائر ١ : ٢٥٨.

(٢) أي : عدم صحّة الاستدلال بالعموم لإثبات الجزاء لكلّ فرد.

(٣) وأسماء الأجناس قد وضعت لنفس الطبيعة المهملة الّتي لا تدلّ على العموم ، بل إنّما تدلّ على أنّ صرف الوجود من الطبيعة موضوعا للحكم.

(٤) أي : التوهّم.

(٥) راجع الصفحة ١١١ ـ ١١٢ هذا الجزء.

(٦) والأولى أن يقول : «وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد».

(٧) والحاصل : أنّ محلّ النزاع في تداخل الأسباب أو المسبّبات إنّما هو فيما إذا كان الجزاء قابلا للتعدّد ، كالوضوء بناء على إمكان تعدّده ، لأنّ الوضوء على الوضوء نور على نور ، وكالغسل بناء على تعدّد حقائق الأغسال.

وأمّا إذا لم يكن قابلا للتعدّد فلا بدّ من تداخل الأسباب فيما لا يتأكّد المسبّب ، كطهارة الشيء ، فإنّها لا يتأكّد ، بداهة أنّه إذا غسل الثوب المتنجّس في الماء الكرّ وطهر فلا أثر لغسله ثانيا في الماء الجاري ، ولا يوجب ذلك تأكّد طهارته.

وأمّا إذا كان المسبّب قابلا للتأكّد فلا بدّ من تداخل المسبّبات ، مثل وجوب قتل شخص للقصاص والارتداد ، فيتأكّد وجوب القتل.

١١٧

فصل

[مفهوم الوصف]

الظاهر أنّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه (١) مطلقا (٢) ؛ لعدم ثبوت الوضع (٣) ؛

__________________

(١) كالحال والتميز وغيرهما.

(٢) أي : سواء اعتمد الوصف على الموصوف ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما في عوالي اللئالي ١ : ٣٩٩ ـ : «في الغنم السائمة زكاة» ، أو لم يعتمد على الموصوف بل كان الوصف نفسه موضوعا للحكم ، نحو قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما.) المائدة / ٣٨.

فموضوع البحث في مفهوم الوصف ـ عند المصنّف رحمه‌الله ـ هو مطلق الوصف ، سواء اعتمد على الموصوف أم لا ، كما هو الظاهر أيضا من مطارح الأنظار : ١٨٤ والفصول الغرويّة : ١٥١.

وخالفه المحقّق النائينيّ وخصّ النزاع بالوصف المعتمد ، فأفاد ما ملخّصه : «أنّ الحقّ هو اختصاص النزاع بالوصف المعتمد دون غيره ، فإنّ الوصف غير المعتمد على الموصوف ليس إلّا اللقب. والالتزام بالمفهوم فيما إذا ذكر الموصوف صريحا إنّما هو لخروج الكلام عن اللغويّة. وهذا لا يجري في مثل «أكرم عالما» ، فإنّ موضوع الحكم لا يحتاج إلى نكتة غير إثبات الحكم له ، لا إثباته وانتفائه عن غيره. فالأولى أن يجعل عنوان البحث هكذا : لو نعّت موضوع القضيّة بنعت فهل يدلّ ذكر النعت بعد المنعوت على انتفاء الحكم عن ذات المنعوت غير المتّصف بهذا الوصف مطلقا ، أو لا يدلّ مطلقا ، أو يفصّل بين الوصف المشعر بعلّية مبدأ اشتقاقه للحكم وبين غيره؟». فوائد الاصول ٢ : ٢١٥.

والسيّد المحقّق الخوئيّ وافق استاذه المحقّق النائينيّ. وخالفه الإمام الخمينيّ واختار مذهب المصنّف رحمه‌الله. راجع المحاضرات ٥ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، مناهج الوصول ٢ : ٢١٥.

(٣) أي : عدم ثبوت وضع الوصف للدلالة على العلّيّة المنحصرة الّتي هي الملاك في انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف.

١١٨

وعدم لزوم اللغويّة بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به (١) ؛ وعدم قرينة اخرى ملازمة له.

وعلّيّته ـ فيما إذا استفيدت ـ غير مقتضية له ، كما لا يخفى (٢). ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له ، إلّا أنّه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة أنّه قضيّة العلّة الكذائيّة المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو ممّا لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محلّ النزاع ومورد النقض والإبرام (٣).

ولا ينافي ذلك (٤) ما قيل (٥) من أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازيّا ، لأنّ الاحترازيّة لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضيّة ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد. فلا فرق أن يقال : «جئني بإنسان» أو «[جئني] بحيوان ناطق». كما أنّه لا يلزم في حمل (٦) المطلق على المقيّد فيما وجد شرائطه إلّا ذلك (٧) ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنّه من المعلوم أنّ قضيّة الحمل ليس إلّا أنّ المراد بالمطلق هو المقيّد ، وكأنّه لا يكون في البين غيره. بل ربما قيل (٨) : «إنّه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فإنّ ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه ، لو لم نقل بأنّه الأقوى لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى».

وأمّا الاستدلال على ذلك ـ أي عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية (وَرَبائِبُكُمُ

__________________

(١) بل لذكر الوصف فوائد أخر ، كالاهتمام بشأن الموصوف ببيان فضائله أو كون الشخص معروفا بين الأفراد بهذا الوصف وغيرهما.

(٢) لأنّ العلّة ما لم تكن منحصرة لم تدلّ على المفهوم.

(٣) وفي بعض النسخ : «وموردا للنقض والإبرام».

(٤) أي : عدم المفهوم للوصف.

(٥) نسبه الشيخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ إلى المشتهر في الألسنة. هداية المسترشدين : ٢٩٤.

(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «من حمل».

(٧) أي : تضييق دائرة موضوع الحكم في القضيّة.

(٨) والقائل هو الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في تقريرات درسه. فراجع مطارح الأنظار : ١٨٣.

١١٩

اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (١) ، ففيه : أنّ الاستعمال في غيره (٢) أحيانا مع القرينة ممّا لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعا. مع أنّه يعتبر في دلالته عليه ـ عند القائل بالدلالة ـ أن لا يكون واردا مورد الغالب ـ كما في الآية (٣) ـ ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه على الاختصاص ، وبدونها (٤) لا يكاد يتوهّم دلالته على المفهوم ، فافهم (٥).

تذنيب : [في اختصاص النزاع بالوصف الأخصّ من موصوفه]

لا يخفى : أنّه لا شبهة في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخصّ من موصوفه ، ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف (٦).

__________________

(١) النساء / ٢٣.

وتقريب الاستدلال بها على عدم المفهوم للوصف : أنّه إذا كان للوصف مفهوم فتدلّ الآية الشريفة على عدم حرمة الربيبة الّتي لا تكون في حجر الزوج. ولا خلاف في حرمتها مطلقا.

فلا مفهوم للوصف.

(٢) أي : استعمال الوصف في غير المفهوم.

(٣) فإنّ قوله تعالى : (فِي حُجُورِكُمْ) ورد مورد الغالب ، فإنّ الغالب كون الربائب في حجور الأزواج.

(٤) أي : بدون الدلالة على الاختصاص.

(٥) قال المحقّق الأصفهانيّ : «يمكن أن يكون إشارة إلى أن مجرّد دلالة القيد على الخصوصيّة والدخل لا يقتضي المفهوم ما لم يفهم منه الانحصار». نهاية الدراية ١ : ٦٢٦.

(٦) الوصف تارة يكون مساويا لموصوفه كقولنا : «أكرم إنسانا ضاحكا» ، واخرى يكون أعمّ منه مطلقا كقولنا : «أكرم إنسانا ماشيا» ، وثالثة يكون أخصّ منه مطلقا كقولنا : «أضف إنسانا عالما» ، ورابعة يكون أخصّ منه من وجه كقولنا : «سلّم الرجل العادل».

وإذا كان بين الوصف والموصوف العموم والخصوص من وجه فالافتراق إمّا من جانب الموصوف كالرجل غير العادل ، وإمّا جانب الوصف كالمرأة العادلة.

ذهب المصنّف رحمه‌الله إلى جريان النزاع في دخول الوصف الأخصّ من الموصوف مطلقا ، كالعالم بالنسبة إلى الإنسان. وهكذا دخول الأخصّ من وجه إذا كان الافتراق من جهة الموصوف ، بأن وجد الموصوف من دون الوصف كالرجل غير العالم. وأمّا سائر الصور فلا يجري النزاع فيها.

١٢٠