النّظام الصحّي والسّياسة الطبّيّة في الإسلام

الدكتور زهير الاعرجي

النّظام الصحّي والسّياسة الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

الدكتور زهير الاعرجي


الموضوع : الطّب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨١

الصادق (ع) : ( كل منحور مذبوح حرام ، وكل مذبوح منحور حرام ) (١).

وصورة النحر ان يدخل الناحر سكيناً في اللبة ( وهي المكان المنخفض الكائن بين اصل العنق والصدر ). ويجوز نحر البعير قائماً ، وباركاً ، ومضطجعاً على جنبه بشرط ان يكون متجها بنحره وجميع مقاديم بدنه ، الى القبلة.

ويجب توفر جميع الشروط المذكورة في الذبح بالنسبة للناحر وآلة النحر وطريقة النحر.

د ـ الاخراج من الماء :

وهو تذكية السمك شرعاً شرط ان يخرج من الماء حياً ، ويموت في خارجه. وقد احل الله صيد البحر بقوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً ) (٢) ، وقوله : ( وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ) (٣). ولا يشترط في صيد السمك التسمية ، ولا ان يكون الصائد مسلماً. و« المعتبر اصابتها باليد او الآلة واخراجها بأخذها من الماء حية وموتها خارج الماء. ومن حيث ان المعتبر عند بعضهم خروج من الماء حياً وموته خارج الماء والمحرم انما هو موته في الماء واختاره نجم الدين بن سعيد في نكت النهاية لما رواه سلمة ابو حفص عن ابي عبد الله (ع) ان علياً (ع) كان يقول في السمك والصيد اذا ادركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها ، فعلى هذا القول يكفي النظر اليها تضطرب ويكون النظر كاشفاً لا

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٢١٠.

(٢) النحل : ١٤.

(٣) فاطر : ١٢.

١٤١

سبباً » (١). فالمدار اذن ، ان تذكيته هو « اثبات اليد عليه على ان لا يموت في الماء فهو كحيازة المباح الذي هو بمعنى الصيد الموافق له » (٢).

* * *

ولا يستطيع الفرد ، مهما اوتي من قوة على التحليل ، ادراك حجم المنافع الصحية للتذكية الشرعية والزعم بانه وصل الكمال في فهم ابعادها ، لان الاصل في التكليف هو التعبد بالنصوص اولاً ، ولان مهمة الفقهاء في الاصل استنباط الاحكام الشرعية دون تحليلها ، ثانياً. ولكن العقل يحكم بان دقة هذه الاحكام في الصيد والذباحة والنحر والاخراج من الماء لها نتائج على المستوى الصحي العام لكل الافراد. ومن نافلة القول ان نذكر ، ان اخطر ما يواجه النظام الطبي اليوم من مشاكل صحية هي مشكلة اللحوم وما يتبعها من تذكية وحفظ وطهي. فهي مصدر الكثير من الامراض المنتشرة في العالم المتحضر كامراض القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي والبولي. ولا شك ان استبدال الاجهزة الحديثة في التبريد لحفظ اللحوم عن الطريقة القديمة السابقة التي كانت تستعمل التوابل ، لم يساعد على تقليل عدد الامراض التي تنتشر عادة عن طريق تناول اللحوم ، بل غيّر نوعها وشدتها فقط. فبدل تعرض الفرد للتسمم بتناوله لحماً متفسخاً ، بالطريقة القديمة ، اصبح نفس الفرد يتعرض لامراض القلب وتصلب الشرايين جراء تناوله لحماً محفوظاً في الاجهزة الحديثة.

وليس لدينا ادنى شك من ان مشكلة اللحوم ستبقى اخطر المشاكل التي يواجهها النظام الطبي في تعامله مع اسباب نشوء المرض ، لان

__________________

(١) ايضاح الفوائد : ج ٤ ص ١٤٠.

(٢) الجواهر : ج ٣٦ ص ١٦٥.

١٤٢

الحيوانات بكافة اشكالها وانواعها تعتبر من اهم عناصر نقل الامراض الى خلايا الجسم البشري. ولعل الطريقة الاسلامية في التذكية الشرعية ، تعتبر من انشط العوامل الوقائية في تجنب الامراض الناشئة عن تناول اللحوم.

٥ ـ النظام الشفائي في العسل

وهو من اهم الانظمة الشفائية للمؤمنين بالرسالة الاسلامية ، لان فيه ضماناً الهياً بالشفاء ، كما ورد في النص المجيد : ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١). و « هنا فوائد منها ان في الآية دلالة على اباحة العسل واباحة التداوي به اما بنفسه واما مع التركيب مع غيره كالحمضيات ونحوها » (٢). وورد في الأثر انه : « ما استشفى مريض بمثل العسل فان لعقة منه كل داء. وكان يعجب رسول الله (ص) وأكله حكمة. قال الله تعالى : ( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) (٣) » (٤).

وبسبب احتوائه على نسبة كبيرة من الكلوكوز والفركتوز ، وهما نتاج آخر مراحل هضم المواد النشوية والسكرية التي تمتص في الدم ، فان العسل يعتبر طبياً من افضل المواد الغذائية التي تساهم في شفاء الامراض الخاصة بالامعاء والمفاصل والعضلات ونحوها. ولما كان سكر الفاكهة

__________________

(١) النحل : ٦٨ ـ ٦٩.

(٢) قلائد الدرر : ص ٣١٤.

(٣) النحل : ٦٩.

(٤) الجواهر : ج ٣٦ ص ٥٠٣.

١٤٣

( الفركتوز ) احد اهم نسب المواد السكرية في العسل ، اصبح تناول الفرد السليم او المريض معا للعسل امراً شفائياً ، لانه لا يزيد من نسبة السكر في الدورة الدموية للانسان. هذا على الصعيد التجريبي ؛ اما على الصعيد التعبدي ، فان الضمان الالهي بالشفاء يضع العسل على قمة المواد الغذائية التي تساهم في شفاء المؤمنين من مختلف الامراض.

ملحق بعض الروايات الواردة في

النظام الصحي ( الغذائي ) الاسلامي

١ ـ ورد عن الامام امير المؤمنين (ع) قوله : ( لو ان الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت ابدانهم ) (١).

٢ ـ وعن الامام الصادق (ع) : ( ان الله يبغض كثرة الاكل ) (٢).

٣ ـ وعن الامام الرضا (ع) في حديث عن امير المؤمنين علي (ع) : ( وكان خفيف الاكل ، خفيف الطعم ) (٣).

٤ ـ وعن الامام الصادق (ع) : ( ما أكل رسول الله (ص) خبز بر ( شعير ) قط ولا من خبز شعير قط ) (٤).

٥ ـ وورد عن رسول الله (ص) : ( طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الاربعة ) (٥).

٦ ـ وورد عن ابي عبد الله (ع) قال : ( أتي النبي (ص) بطعام حار فقال :

__________________

(١) المحاسن : ص ٤٣٩.

(٢) المحاسن : ص ٤٣٩.

(٣) عيون الاخبار : ج ٢ ص ١٣٧.

(٤) امالي الامام الصادق : ص ١٩٢.

(٥) الكافي : ج ٦ ص ٢٧٣.

١٤٤

ان الله لم يطعمنا النار ، نحّوه حتى يبرد ) (١).

٧ ـ وورد عن رسول الله (ص) انه نهى عن ان ينفخ في طعام او شراب (٢).

٨ ـ وفي وصية النبي (ص) لعلي (ع) : انه قال : ( يا علي افتتح بالملح واختتم بالملح فان فيه شفاء ) (٣).

٩ ـ وفي رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) قال نقلاً عن امير المؤمنين (ع) : ( احدى وعشرون زبيبة حمراء في كل يوم على الريق تدفع جميع الامراض الا مرض الموت ) (٤).

١٠ ـ وورد عن ابي جعفر (ع) قال : ( من اراد ان لا يضره طعام فلا يأكل طعاماً حتى يجوع وتنقي معدته ، فاذا أكل فليسمّ الله وليجد المضغ وليكف عن الطعام وهو يشتهيه ويحتاج اليه ) (٥).

_________________

(١) المحاسن : ص ٤٠٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٢٦٦.

(٤) الكافي : ج ٦ ص ٣٥١.

(٥) الوسائل : ج ١٦ ص ٦٤٩.

١٤٥

الاستنتاج

وخلاصة القول في النظام الغذائي الاسلامي ، ان الاسلام ـ في معرض عرضه للنظرية الصحية ـ لم يتطرق للنظام الوقائي بالتفصيل فحسب ، بل شجع الافراد في المجتمع الاسلامي على ممارسة منهج غذائي واضح المعالم يؤدي بهم في النهاية الى شاطئ السعادة الصحية والامن النفسي. ومن اجل توضيح هذا المنهج الاسلامي في التغذية ، لابد من ترتيب النقاط التالية :

اولاً : التأكيد على آداب الشيء المأكول ؛ بمعنى ان الشريعة حببت للمكلفين تقليل كمية الطعام الذي يتناوله الفرد ، واعتدال درجة حرارته وقت التناول ، وتقديم الملح على الطعام ، ومص الماء مصّاً ، والاعتدال في أكل اللحوم المطبوخة جيداً ، والاهتمام بتناول الفاكهة والخضروات والخبز ، ومنتوجات الالبان بكافة انواعها.

ثانياً : التأكيد على آداب المائدة ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده ، والأكل بثلاث اصابع واطالة الجلوس على المائدة ، والتأكيد على المضغ الشديد ، وتصغير اللقمة المأكولة ، والأكل مجتمعاً مع الآخرين.

ثالثاً : التأكيد على آداب الآكل ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب تناول الطعام وقت الاحساس بالجوع ، واكماله قبل الشبع ، وتفريغ البدن من الفضلات قبل النوم.

رابعاً : وجوب التذكية الشرعية ، وهو دليل قوي على ارتباط حلية المأكولات اللحمية بالقضايا التعبدية من جهة ، والصحية من جهة اخرى ،

١٤٦

لثبوت المصلحة الشرعية للفرد والنظام الاجتماعي. فلا يؤكل من الحيوانات الاّ ما كان قابلاً للتذكية الشرعية بالذبح للحيوانات الاهلية ، والصيد للحيوانات المتوحشة ، والنحر للابل ، والاخراج حياً من الماء لللاسماك ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.

وهذا التأكيد الشديد على ضرورة التدقيق في نوعية المادة الغذائية التي يتناولها الفرد وآداب تناولها ، يؤدي دون شك الى تقليل عدد الامراض التي تصيب افراد المجتمع ، والى تبديل شكل وتوجهات المؤسسة الصحية. ومن اجل تفصيل ذلك ، نورد هذه الاشارات في فوائد النظام الغذائي الاسلامي :

١ ـ ان تطبيق النظام الغذائي الاسلامي يساهم في تقليل عدد وشدة الامراض التي تصيب الافراد ، وهي الامراض الناتجة من سوء العادات الغذائية ، خصوصاً فيما يتعلق بالمضغ وحجم اللقمة والسرعة في تناول الوجبة الغذائية او كمية الطعام المتناول ونحوها.

٢ ـ ان اهتمام المؤسسة الطبية بنوعية الغذاء الذي يتناوله الافراد انفع للنظام الاجتماعي على الصعيد الانتاجي ، واكثر اقتصاداً من علاج الافراد عن طريق الادوية المصنّعة.

٣ ـ ان الاهتمام بالمواد الغذائية يشجع الاقتصاد الزراعي على النمو والتطور مما يفتح فرصاً اخرى لا شباع حاجات الافراد الغذائية ؛ فبدلاً من تطبيب النظام الاجتماعي كما هو الحاصل اليوم في النظام الغربي ، يحاول النظام الاسلامي تقوية صحة الافراد من خلال اتباع اسلوب غذائي سليم يتمثل في وجبات غذائية معتدلة كاملة يتناولها الافراد من سن الطفولة

١٤٧

وحتى الشيخوخة والهرم.

٤ ـ ان تقليل كمية الطعام المستهلك من قبل الفرد سيوفر للافراد الآخرين طعاماً يشبع حاجاتهم الاساسية. فبدلاً من تخمة البعض وجوع الآخر ، يحاول النظام الغذائي الاسلامي اشباع جميع الافراد بكمية معقولة من الطعام تساعدهم على العمل والانتاج ، وفي الوقت نفسه تحافظ على حيوية اجسامهم ونشاطها الاساسي.

٥ ـ ان ارتباط العادات الغذائية بالجانب العبادي ، يهذب الفرد ويجعله اكثر استعداداً لاحترام النظام الصحي ، والتعاون مع المؤسسة الطبية لايجاد نظام غذائي متكامل لجميع الافراد. والدفع الاساسي في هذا التوجه هو الدافع التعبدي المتجسد بالامتثال للاوامر الشرعية ، هادفا مرضاة الله سبحانه وتعالى ، ومساندة النظام الاجتماعي العادل الذي جاء به الاسلام.

١٤٨

ثالثاً : النظام العلاجي

ولا شك ان نجاح النظرية التجريبية في علاج الامراض يرجع فضله الى تراكم الخبرة الانسانية لآلاف السنين. فقد حاول الانسان معرفة فسلجة الجسم البشري باعضائه الدقيقة ، ولمعت في افق الطب التجريبي اسماء جديرة بالاحترام من مختلف شعوب العالم ، امثال ( هپوكراتيس ) و ( كيلن ) الاغريقيين ، والرازي ( ت ٩٢٣ م ) وابن سينا ( ت ١٠٣٧ م ) الاسلاميين ، واطباء اوروبا امثال ( اندرياس فيساليوس ) ـ ١٥٣٨م ، و ( وليم هارفي ) ـ ١٦٠٢ م ، و ( لويس باستور ) و ( روبرت كخ ) ـ ١٨٧٦ م. وقد تطور الطب الحديث بعد اكتشاف النظرية الجرثومية ، وما اتبعها من اكتشاف اسباب المرض ، والعدوى ، واستخدم اساليب التعقيم ، والتخدير في العمليات الجراحية. وقد جلب القرن العشرين تطورين مهمين على صعيد الطب العلاجي ، وهما استخدام المضادات الحيوية ، وفن نقل الاعضاء كالكلية والقلب. ولا شك ان اكتشاف البنسلين كان من اهم الاكتشافات التي حصلت في هذا القرن. وكل الادوية التي اكتشفت لاحقاً وساعدت اما على شفاء الامراض او على اجراء العمليات الجراحية ، ساهمت في تطوير النظام الطبي العلاجي للامراض. ولا شك ان الاسلام شجع الطب الحديث على معالجة الامراض لسببين. الاول : الارتكاز العقلائي الذي امضاه الشرع. والثاني : احترام القرآن للحياة الانسانية ، كما ورد اطلاق قوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ

١٤٩

جَمِيعاً ) (١) ولذلك ، فان النظام العلاجي سيكون البديل الطبيعي لمعالجة الامراض التي يعجز عن معالجتها النظام الوقائي او الغذائي ، كالكسور والجروح الناتجة من الحوادث الطارئة التي تصيب الانسان.

__________________

(١) المائدة : ٣٢.

١٥٠

تصرفات المريض

والمقصود بالمريض هنا ، من اتصل مرضه بموته. والمراد بتصرفاته ، قيامه بعمل من الاعمال التي تؤثر بشكل ما على كمية الاموال التي يمتلكها وقت المرض.

ولا شك ان تصرفات الفرد الصحيح بامواله ، تنفذ من الاصل ، سواء اكان التصرف واجباً كوفاء الدين ، او محاباة كالهبة والوقف ، وسواء كان التصرف مطلقاً او منجزاً اي غير معلق على الموت. واذا علق الصحيح تصرفاته على الموت كان التصرف وصية.

اما تصرفات المريض ، فان كانت معلقة على الموت فهي وصية ، وحكمها حكم وصية الصحيح. ولكن اذا تصرف المريض تصرفاً منجزاً غير معلق على الموت ، وكان فيه محاباة تستدعي ضرراً مالياً بالوارث ، كما لو تصدق ، او باع باقل من قيمة المثل ، او وهب مالاً فانه يخرج من الثلث فقط ، والزائد على الثلث لا يعد نافذاً. بمعنى ان الشريعة الاسلامية توقف تنفيذ عمل المريض الى ما بعد الموت. اما اذا مات في مرضه ، واستوعبت الاموال المنجزة الثلث ، تكون تلك الاموال التي تصرف بها نافذة من البداية. وان ضاق الثلث عنها تبين فساد التصرف بمقدار الزائد عن الثلث ، هذا اذا امتنع الورثة عن اجازتها. ف‍ « قد ورد في رواية علي بن عقبة عن الامام الصادق (ع) في رجل حضره الموت ، فاعتق مملوكاً ليس له غيره ، فابى الورثة ان يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه ؟ قال : ما يعتق منه الاّ ثلثه. ولهم

١٥١

ما بقي » (١). و « قال الشيخ في المبسوط والخلاف وابن الجنيد والصدوق هي من الثلث واختاره المصنف والعلامة ، لوجوه :

١ ـ ان حكمة حصر الوصية في الثلث موجودة هنا وهو الاضرار بالورثة فوجب اتحاد الحكم فيها لئلا تختل الحكمة.

٢ ـ لولا ذلك لالتجأ كل من يريد اضرار ورثته الى المنجزات في مرضه فتفوت فائدة حصر الوصية في الثلث.

٣ ـ الروايات. ومنها عن ابي ولاد قال : سألت الصادق (ع) عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين فتبرئة منه في مرضها. قال : بل تهبه له فيجوز هبتها له ويحتسب ذلك من ثلثها كانت تركت شيئاً » (٢).

وتشترك المنجزات مع الوصية في الامور التالية :

١ ـ ان كلا منها يقف نفوذها على الخروج من الثلث ، او اجازة الورثة.

٢ ـ ان المنجزات تصح للوارث.

٣ ـ ان كلا منهما اقل ثواباً عند الله من الصدقة في حال الصحة.

٤ ـ ان المنجزات يزاحم بها الوصايا في الثلث.

٥ ـ ان خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ، ولا بعده » (٣).

وهناك فروق مفصّلة بين المنجزات والوصية ايضاً تخرج عن اطار

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ص ١٩٤.

(٢) التنقيح الرائع : ج ٢ ص ٤٢٤.

(٣) المختلف للعلامة الحلي : ج ٢ ص ٦٦.

١٥٢

هذا الكتاب.

واذا اقرّ المريض ، وهو في مرض الموت لوارث او لاجنبي بدين او عين ، فينظر الى امانة المقر ، وعدم تحيزه في اقراره. وهو شرط لنفاذ اقراره من اصل التركة ، ولابد من اثبات الشرط بطريق من طرق الاثبات ، والا تعين الاخراج من الثلث.

وبطبيعة الحال ، فان تصرفات المريض وما يقوم به من اعمال ، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظام الصحي ؛ لان النظام الصحي هو الذي يقرر نوعية المرض المتصل بالموت ، كالحالات المتأخرة من السرطان ، وفقدان المناعة المكتسبة للجسم ، ونحوها. ولذلك ، فان النظام الصحي ، ومن يمثله من اهل الخبرة من الاطباء ، هو الذي يشخص ويعين نوعية المرض المتصل بالموت ، مقدماً بذلك للفقيه اكبر الخدمات في الحكم على صحة التصرف الواجب والمستحب بمال المريض وقت مرضه المتصل بالموت.

١٥٣

الميت واحكامه

ومن اهم المؤاخذات على النظام الطبي الغربي ، هو ان المؤسسة الطبية الرأسمالية حصرت الموت في المستشفيات وابعدته عن البيوت والحياة العامة ، حتى تبعد المجتمع عن التأثيرات النفسية للاحتضار. فاصبحت مهمة المستشفى غير مقصورة على علاج المرضى فحسب ، بل اصبح من واجباتها تهيئة الميؤوس من حالاتهم للاحتضار. وابعاد الموت والاحتضار عن الحياة العامة له فوائد على المستوى الرأسمالي. فحصر الموت في المستشفيات يساهم في المحافظة على انتاجية الافراد ، لان التذكير بالموت بشكل مستمر يؤدي الى تقليل حجم التنافس الاقتصادي بين الافراد ، وهو يؤدي في النهاية الى تقليل انتاجية العمال في النظام الاجتماعي. ولكن هذه النظرة الرأسمالية تناقض بشكل اساسي نظرة الدين للموت والاحتضار ، خصوصاً في النظرية الاجتماعية الاسلامية.

فقد اهتم الاسلام بتكريم الفرد قبيل موته وخلال احتضارة ، فوضع آداباً للاحتضار والغسل والتكفين والصلاة والدفن. ومع ان المؤسسة الصحية الرأسمالية تسمح لرجل الدين باقامة الصلاة على الميت ودفنه على الطريقة المتبعة في ديانته ، الاّ انها تتحمل مسؤولية احتضاره لحد الموت. وهذا مخالف للنظرة الاسلامية التي تحبب احتضار الميت بين اهله وذويه ، كي يعتبر الناس بالموت ، وبه تتهذب اخلاقهم ويستقيم سلوكهم ، ويكون ادعى لتعاونهم وتآزرهم ومساعدتهم للافراد في النظام الاجتماعي.

ويعتبر الاحتضار والغسل والكفن والحنوط والصلاة والدفن من

١٥٤

الواجبات الكفائية في الاسلام ، فاذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، واذا تركوها كانوا محاسبين على تركها جميعاً.

وطريقة الاحتضار ، هو ان يلقى الميت على ظهره حين النزع وباطن قدميه الى القبلة. ويستحب اغماض عينيه ، وشد لحييه ، ومد ساقيه ، ويديه الى جنبيه ، وتليين مفاصله ، وتجريده من ثيابه ، ووضعه على سرير ، وتغطيته بثوب. والتعجيل بتجهيزه كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : ( يا معشر الناس لا الفين رجلاً مات له ميت ليلاً فانتظر به الصبح ولا رجلاً مات له ميت نهاراً فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ، ولا غروبها ، عجّلوا بهم الى مضاجعهم يرحمكم الله ) (١).

ويغسل الميت ثلاث مرات. الاولى بالماء مع قليل من السدر. والثانية بالماء يطرح فيه الكافور ، ويستثنى من ذلك الميت المحرم. والثالثة بالماء القراح وهو الماء الخالص دون اضافة شيء اليه. وينبغي الترتيب بين الاغسال الثلاثة ، كما ينبغي الترتيب بين الاعضاء فيبدأ بالرأس مع الرقبة ، ثم الجانب الايمن ، ثم الجانب الايسر كما في غسل الجنابة والحيض والاستحاضة المتوسطة والكثيرة والنفاس. ويشترط في التغسيل نية القربى الى الله كما هو الحال في سائر الاعمال التعبدية الاخرى ، واطلاق الماء وطهارته واباحته ، وازالة النجاسة عن بدن الميت ، ثم ازالة الحاجب المانع من وصول الماء الى البشرة. والواجب في التغسيل وجود المماثل المسلم ، ومع عدمه فالمماثل الكتابي. هذا كله اذا كان الميت قد مات موتاً طبيعياً.

اما الشهيد في المعركة فيدفن بثيابه ودمائه بعد ان يصلى عليه دون

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ص ١٢١.

١٥٥

تغسيل ، بشرط ان تخرج روحه في المعركة او خارجها والحرب قائمة. واذا مات بعد انتهاء القاتل وجب تغسيله حينئذٍ ، كمن مات موتاً طبيعياً.

ويجب التحنيط بعد الغسل ، وهو مسح الكافور على الاعضاء السبعة التي يسجد عليها المصلي ، وهي الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، وابهاما الرجلين.

ويكفن الميت وجوباً بثلاث قطع. الاولى : المئزر يلفه من السرة الى الركبة ، والافضل من الصدر الى القدم. والثالثة : الازار وينبغي ان يغطي كل البدن. ويشترط في الكفن ما يشترط في الساتر الواجب في الصلاة من كونه طاهراً ومباحاً.

وتجب الصلاة على مسلم ، عادلاً كان او فاسقاً ، للحديث المروي عن الرسول (ص) : ( صلوا على المرجوم من امتي ، وعلى القاتل نفسه من امتي ، لا تدعوا احداً من امتي بلا صلاة ) (١). والمروي عن الامام الباقر (ع) : ( صلّ على من مات من اهل القبلة وحسابه على الله ) (٢). وتقام الصلاة وجوباً قبل الدفن.

والواجبات ايضاً دفن الميت في الارض ، للنص المجيد : ( اَلَم نَجعَل الاَرضَ كِفاتاً اَحياءً وَامواتاً ) (٣) ، ( مِنها خَلَقناكُم وفيها نُعِيدُكُم ) (٤). واحاديث أئمة أهل البيت (ع) : ( انما امر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ص ٣٤٥.

(٢) المجالس : ص ١٣١.

(٣) المرسلات : ٢٥.

(٤) طه : ٥٥.

١٥٦

فساد جسده ، وقبح منظره ، وتغير رائحته ، ولا يتأذى الاحياء بريحه ، وما يدخل عليه من الآفة والفساد ، وليكن مستوراً عن الاولياء والاعداء ، فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه ) (١). يجب وان يوضع الميت على جنبه الايمن مستقبل القبلة ، ورأسه الى المغرب ورجليه الى المشرق ؛ لان الاصل في هذا الحكم التأسي بالنبي (ص) والائمة الاطهار (ع) ، كما قال الكثير من الفقهاء.

وعلى صعيد آخر ، فانه ينبغي شرعاً على من مس ميتاً ـ بعد أن برد جسده وقبل ان يغسّل ـ الاغتسال من مس الميت. وفي حالة مسه بعد موته مباشرة قبل ان يبرد الجسد فلا غسل عليه , وكذلك اذا مسه بعد انتهاء غسل الميت الشرعي. وصورة الغسل ، من مس الميت كصورة غسل الجنابة والحيض والاستحاضة المتوسطة والكثيرة والنفاس.

ولا شك ان مسؤولية المؤسسة الطبية تنتهي عند موت الفرد ، فتتكفل المؤسسة الدينية والاجتماعية القيام باحكام الميت من الغسل والتكفين والحنوط والصلاة عليه ودفنه. وبطبيعة الحال ، فان اهتمام الافراد في النظام الاجتماعي الاسلامي باكرام الميت اجتماعياً يتناسب مع مضمون الاسلام في احترام الانسان ، باعتباره اكرم المخلوقات واجلّها عند الخالق عزوجل ، بخلاف النظرية الغربية ، التي تؤمن باحقيّة « المذهب الفردي » في الحياة الاجتماعية ، وما يترتب على ذلك من مسؤولية الفرد تجاه حياته الشخصية دون توقع مساعدة بقية الافراد له ، حتى في الشيخوخة والعجز والموت.

__________________

(١) عيون اخبار الرضا للصدوق : ص ٢٥٩.

١٥٧
١٥٨

المصادر المقترحة التي لها علاقة بمواضيع الكتاب

هذه جملة من المصادر العلمية للطلبة الاعزاء على صعيدي الحوزة والجامعة الذين يرغبون في مواصلة الكتابة والنقد والبحث العلمي في هذا الباب من العلوم الاجتماعية :

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ ابن الاثير ، مجد الدين الجزري ( ت ٦٠٦ ه‍ ). النهاية في غريب الحديث والاثر مخطوط.

٣ ـ ابن جمهور ، محمد بن علي بن ابراهيم الاحسائي ( ت ٩٠١ ه‍ ). العوالي اللئالي العزيزية في الاحاديث الدينية. قم : سيد الشهداء ، ١٩٨٣ م.

٤ ـ ابن رشد ، محمد بن احمد بن محمد القرطبي. بداية المجتهد ونهاية المقتصد. القاهرة : دار الاستقامة ، ١٩٢٨ م.

٥ ـ ابن شهر آشوب ، عز الدين ابي جعفر محمد بن علي. المناقب. طهران : طبعة حجرية ، ١٣١٧ ه‍.

٦ ـ ابن قتيبة ، ابو محمد عبد الله بن مسلم ( ت ٢٧٦ ه‍ ). عيون الاخبار. القاهرة : دار الكتب ، ١٩٢٨ م.

٧ ـ ابن قيم الجوزية ، شمس الدين محمد بن ابي بكر. الطب النبوي. بيروت : دار احياء التراث العربي ، ١٩٨٥ م.

٨ ـ ابن ماجة ، ابو عبد الله محمد يزيد القزويني ( ت ٢٧٥ ه‍ ). سنن ابن ماجة. مصر : دار

١٥٩

احياء الكتب العربية ـ بدون تاريخ.

٩ ـ الاشعث الكوفي ، ابو علي محمد بن محمد ( القرن الرابع الهجري ). الاشعثيات ـ الجعفريات. طهران : الاسلامية ، ١٣٦٩ م.

١٠ ـ الاصفهاني الغروي ، محمد حسين ( ت ١٢٥٠ ه‍ ). الفصول الغروية في الاصول الفقهية طهران : طبعة حجرية ، ١٢٨٦ ه‍.

١١ ـ الانصاري ، الشيخ المرتضى ( ت ١٢٨١ ه‍ ). الرسائل او فرائد الاصول. طبعة حجرية. قم : مطبعة وجداني. زمان الطبع غير مذكور.

١٢ ـ البحراني ، يوسف ( ت ١١٨٦ ه‍ ). الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة. قم : جماعة المدرسين ، ١٤١٠ ه‍.

١٣ ـ البخاري ، محمد بن اسماعيل ( ت ٢٥٦ ه‍ ). صحيح البخاري. مخطوط.

١٤ ـ البرقي ، ابو جعفر احمد بن محمد خالد ( ت ٢٨٠ ه‍ ). المحاسن. النجف الاشرف : النعمان ، ١٣٨٤ ه‍.

١٥ ـ البهائي ، بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد ( ت ١٠٣١ ه‍ ). الاربعين. مخطوط.

١٦ ـ البيهقي ، ابوبكر احمد بن الحسين بن علي ( ت ٤٥٨ ه‍ ). السنن الكبرى. حيدرآباد : دائرة المعارف النظامية ، ١٣٤٤ ه‍.

١٧ ـ الجواهري ، اسماعيل بن حماد ( ت ٤٠٠ ه‍ ). الصحاح ـ تاج اللغة وصحاح العربية. بيروت : دار العلم للملايين ، ١٩٧٩ م.

١٨ ـ الجزائري ، احمد. قلائد الدر في بيان آيات الاحكام بالاثر. النجف الاشرف : النعمان ، ١٩٥٤ م.

١٩ ـ الجزيري ، عبدالرحمن. الفقه على المذهب الاربعة. مصر : المكتبة التجارية ، بدون تاريخ.

٢٠ ـ الحر العاملي ، محمد بن الحسن ( ت ١١٠٤ ه‍ ). وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل

١٦٠