النّظام الصحّي والسّياسة الطبّيّة في الإسلام

الدكتور زهير الاعرجي

النّظام الصحّي والسّياسة الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

الدكتور زهير الاعرجي


الموضوع : الطّب
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨١

فرأى انه قد طلع ، فليتم صومه ، ويقضي يوماً آخر ، لانه بدأ بالاكل قبل النظر فعليه القضاء ) » (١).

٤ ـ اذا تمضمض لغير الوضوء فسبقه الماء ودخل في جوفه ، فانه يقضي ولا يكفّر. واذا تعمد الصائم القيء فانه يوجب القضاء دون الكفارة. واذا سبقه قهراً فلا شيء عليه.

٥ ـ الحائض والنفساء تقضيان الصوم دون الصلاة.

ولا يصوم المريض للنصوص والاجماع والعقل ، لقوله تعالى : ( وَاِن كُنتُم مَرضى اَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن اَيّامٍ اُخَر ) (٢). وما ورد عن علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال : سألته عن حد ما يجب على المريض ترك الصوم ، قال : ( كل شيء من المرض اضر به الصوم فهو يسعه ترك الصوم ) (٣). واذا صام المريض معتقداً عدم الضرر فبان العكس فسد صومه ، وعليه القضاء لقوله تعالى : ( وَإِن كُنتُم مَرْضَىٰ ... ) (٤). وفي الرواية عنه (ع) : ( فان صام في حال السفر او في حال المرض فعليه القضاء فان الله عزوجل يقول : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) ) (٦).

واشتهر عن امير المؤمنين (ع) : ( ليس من البر الصوم في السفر ) (٧).

__________________

(١) الجواهر ـ كتاب الصوم.

(٢) النساء : ٤٢.

(٣) التهذيب : ج ١ ص ٤٤٤.

(٤) النساء : ٤٢.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) الكافي : ج ١ ص ١٨٥.

(٧) التهذيب : ج ١ ص ٤١٣.

١٢١

وعن الرضا (ع) في كتابه الى المأمون : ( واذا قصرت افطرت ومن لم يفطر لم يجز عنه صومه في السفر وعليه القضاء ) (١). وذكر الفقهاء « ان كل سفر يوجب قصر الصلاة فانه يوجب الافطار وبالعكس ، باستثناء اربعة موارد : ١ ـ من سافر بقصد الصيد للتجارة ، فانه يتم الصلاة ، ويصوم. ٢ ـ من خرج من بيته مسافراً بعد الزوال يبقى على الصيام ، ويؤدي الصلاة قصراً ، وان لم يؤدها قبل سفره. ٣ ـ من دخل بيته بعد الزوال ، فانه يتم الصلاة ، ان لم يكن قد ادّاها في سفره ، مع العلم بانه مفطر. ٤ ـ من كان في حرم الله ، او حرم الرسول (ص) ، او مسجد الكوفة ، او الحائر الحسيني ، فانه مخير بين القصر والتمام ، ويتعين عليه الافطار » (٢).

ولا شك ان مجرد عرض هذه الاحكام الشرعية للصيام لا يقدم لنا تحليلاً للمعنى الطبي الوقائي ولكنه يقّدم لنا نظاماً شرعياً لهذه العبادة الواجبة التي لها اربعة اشكال متضافرة. الاول : الشكل العبادي ، وهو ارتباط الفرد الصائم بالله سبحانه وتعالى. الثاني : الشكل الطبي وهو الوقاية من الامراض الخاصة بالدورة الدموية والجهاز الهضمي والعصبي. الثالث : الشكل الاجتماعي ، وهو التعاون على الاطعام وصلة الارحام والقربى ، والعبادات الجماعية. الرابع : الشكل الفردي او الشخصي ، وهو تقوية الارادة الداخلية لدى الفرد في مواجهة المشاق المحتمل مواجهتها لاحقاً في حياته العملية.

__________________

(١) عيون اخبار الرضا للشيخ الصدوق : ص ٢٤٦.

(٢) المسالك ـ كتاب الصوم.

١٢٢

الاستنتاج

ولابد في ختام الحديث عن النظام الوقائي في الاسلام ودوره في منع نشوء الامراض ، من ترتيب النقاط التالية :

اولاً : لما كان الفم الطريق الرئيسي لدخول الطعام الى جسم الانسان حيث تجرى عليه مختلف العمليات الكيميائية من هضم وامتصاص وتمثيل وبناء خلايا ، فان نوعية الطعام الداخل لابد وان تؤثر على سير عمليات الجسم البيولوجية. ولا شك ان بعض المأكولات قد تسبب بشكل مباشر او غير مباشر ، امراضاً تختلف شدّتها وقوة تأثيرها على الاجهزة المختلفة التي تتحد في تسيير دفة حركة الجسم. وعلى ضوء ذلك ، فقد نظم الاسلام نوعية المواد الغذائية المأكولة فحرّم تناول لحوم الخنازير ، والدماء ، والميتة ، ما اُهلَّ لغير الله ، والكلاب ، والسباع ، والمسوخ ، والحشرات السامة ، والطيور المخلبية وغيرها في التفصيل المذكور سابقاً والحيوانات البحرية ، والاسماك التي ليس لها قشور. وحرّم الخمر ، وهو مطلق ما يسكر ، والاعيان النجسة كالابوال ، والسوائل المتنجسة ، وألبان الحيوانات المحرمة. وحرمّ ايضاً كل الحيوانات المحرّم اكلها بالواسطة. والمدار في التحريم قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ) ، بمعنى ان اي طعام ينزل ضرراً معتداً به على الفرد يحرم تناوله الا في حالة الاضطرار.

ثانياً : ولم يتوقف الاسلام على تحديد الاطعمة المحرمة ، بل اشار الى حلية الاطعمة المباحة كلحوم البهائم الاهلية مثل البقر والغنم والماعز والابل ، ولحوم البهائم البرية كالغزلان والابقار والماعز والحمير المتوحشة ،

١٢٣

والاسماك ذات القشور وبيوضها ، والطيور بمختلف انواعها شرط ان لا تكون مخلبية وان يكون دفيفها اكثر من صفيفها وان تكون لها حواصل وقوانص وصيص كالحمام والدجاج والدراج والبط والكروان والعصافير ونحوها. ولما كانت اللحوم من اهم مصادر البروتينات التي لها علاقة مهمة ببناء الخلايا الجسمية ، فان حليتها قضية حتمية ، لان الفرد يصعب عليه ان يحيا على النباتات فقط دون مصدر بروتيني غني كاللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء. ولا شك ان حلية تناول الخضار والثمار وكل ما ينفع الجسم الانساني من مواد غذائية ، واضحة ولا تحتاج الى مزيد من التفصيل.

ثالثاً : الاعتدال في تناول الاطعمة المحللة ، وضرورة التركيز على نوعية الطعام لا كمية. فقد اوصى الاسلام بتقليل كمية الاطعمة الداخلة الى جسم الانسان ، والاقتصار منها على ما يقيم صلب الانسان. وأوصى بالاعتدال في تناول اللحوم ، وضرورة طبخها جيداً. واهتم بضرورة تناول الخبز بسبب احتوائه على المواد الكاربوهيدراتية التي تمنح الجسم الطاقة ، والخضار المطبوخة ، والفاكهة وخصوصاً التمور ، ومنتوجات الالبان بكافة انواعها واشكالها. وكل هذه المواد الغذائية ، اذا تناولها الفرد باعتدال ، فانها تساعد جسمه على القيام بوظائفه الطبيعية وتساهم في تنظيم الجهاز الهضمي وتنشيط الدورة الدموية وتجنب الفرد امراض المعدة والامعاء وتصلب الشرايين وامراض الكلية والجهاز البولي.

رابعاً : ان الاصل في القاعدة الوقائية الاسلامية ، ان كل ما يعدّ فعله في العرف الاجتماعي ضرراً فهو حرام. فالمخدرات الطبيعية والصناعية التي تسبب ضرراً جسيماً بعقل الانسان ، والسموم الطبيعية ، وما يقطع العلم

١٢٤

بكونه سُمّا يحرم تناوله باي شكل من الاشكال الا في حالة الضرورة.

خامساً : ان قاعدة الاضطرار ، وهي ان الضرورات تبيح المحظورات ، هي من اكمل القواعد الصحية التي استهدفت التيسير والسعة وعدم الضرر ونفي الحرج على الفرد المضطر. ولا شك ان الخوف على تلف نفس الانسان او زيادة المرض او الخشية عليه من الضعف والانهيار ، هو الذي دعا الى تشريع هذه القاعدة العظمية. ولذلك ، فان الشريعة قد اقرت بان الضرورة يجب ان تقدر بقدرها ، بمعنى ان على الفرد وقت الاضطرار تناول المواد الغذائية المحرمة بشكل يؤدي الى اجتناب الضرر فقط ولا يتعدى الى ما دون ذلك. لان الاصل في الاضطرار هو اصلاح الضرر او الفساد المحتمل حدوثه على جسم الفرد ، وليس بناء الجسم على المادة الغذائية الفاسدة المحرمة شرعاً.

سادساً : ومن الواضح ان تأكيد الاسلام على السواك والتخلل ينسجم منطقياً مع دعوته الصحية في الوقاية من الامراض ، خصوصاً ما يتعلق بالفم كامراض اللثة وتسوس الاسنان. ويمتاز خشب الاراك ، المنصوص باستحبابه في السواك ، على احتوائه على رائحة طيبة تطهر الفم من النكهة المتغيرة بالنوم او بالطعام. ولا شك ان السواك والتخلل وتأثيرهما على الاسنان واللثة يعتبران اساس طب الاسنان الوقائي الاسلامي ؛ وما عداهما اساس طب الاسنان العلاجي.

سابعاً : ولا شك ان النوم وآدابه في الاسلام ، يعتبران شكلاً من اشكال التكامل النفسي الذي ينعم به الفرد في المجتمع الاسلامي. فبالاضافة الى اطمئنان الفرد على حياته وعرضه وماله بسبب قانون

١٢٥

العقوبات الاسلامي ، فان الاسلام يتحدث عن النوم باعتباره قضية من القضايا التعبدية. فالطهارة الشخصية وذكر الله والطمأنينة التي تصحب الايمان بالخالق عزوجل تعتبر من اهم ميزات خلود الفرد للنوم ، دون الحاجة الى المواد الكيميائية التي يتناولها الفرد في النظام الرأسمالي لمساعدته على النوم.

ثامناً : وتعتبر الطهارة المائية والطهارة العامة ـ بالاضافة الى صورتهما التعبدية ـ من وسائل الوقاية الصحية ؛ حيث تأمر الشريعة في الطهارة من الخبث كازالة البول والغائط والدم والمني بالماء المطلق ، حكمية كانت النجاسة او عينية. وفي الطهارة من الحدث يجب الوضوء او الغسل او التيمم بالتفصيل المذكور سابقاً. وتعتبر الشمس من المطهرات ايضاً للأرض وما عليها. ولا شك ان تأكيد الاسلام على نظافة الشعر والاذنين والانف والاسنان والاظفار ، وآداب دخول الحمام ونحوه ، والكثير من المستحبات الخاصة بالتنظيف تعتبر من أهم اشكال الطلب الوقائي التي تجنب الفرد الكثير من الامراض المنقولة في الاوسط التي تفتقد الى النظافة والتطهير.

تاسعاً : وبطبيعة الحال ، فان صيام شهر كامل من اشهر السنة القمرية من طلوع الفجر حتى الغروب يومياً ، يعتبر بالاضافة الى صورته التعبدية شكلاً من اشكال الطب الوقائي في معالجة الامراض المختصة بالجهاز الهضمي والدورة الدموية ، وشكلاً من اشكال الطب النفسي في الصبر وتقوية العزيمة والارادة. ويتضافر الشكل الطبي للصيام بالشكل الاجتماعي الذي يشجع الافراد على التآزر والمؤاخاة والتعاون على اطعام الآخرين ، فيضيف بعدا آخراً للاطمئنان الاجتماعي بين الافراد في المجتمع الاسلامي.

١٢٦

ثانياً : النظام الغذائي

ولا يمكن المواظبة على العمل والانتاج وطلب العلم ما لم يقم الفرد باتباع نظام غذائي يبعث فيه كل الوان الطاقة والنشاط والتفكير ، وعليه نبّه رب العزة بقوله : ( كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) (١) ، وقوله ايضاً : ( كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٢). ومع ان تناول الطعام في نفسه يعدّ امراً ضرورياً ، الا ان الاحاديث الواردة في اهمية تناوله ، اكدت جميعاً على ضرورة تقليل كمية المتناول منه ، واشارت الى اهمية اقتصاره على الاساسيات التي تقوي صلب الفرد وتمنحه النشاط المطلوب ، فقد ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) قوله : ( قلة الاكل محمودة في كل حال وعند كل قوم لأن فيه مصلحة للظاهر والباطن ) (٣).

وبطبيعة الحال ، فان الاسلام اهتم باخلاقية تناول الطعام ، واعتبر الاسلوب الجمعي في الاكل افضل من الناحية الصحية والاجتماعية من الاسلوب الفردي. فقد ورد في الروايات استحباب تكثير الايدي على الطعام عائلياً او مع ضيوف ، فعن رسول الله (ص) ورد قوله عندما سألوه « انا نأكل ولا نشبع ؟ » : ( اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه ) (٤) ، وقوله (ص) ايضاً : ( الطعام اذا جمع اربع خصال فقد تم : اذا كان

__________________

(١) المؤمنون : ٥١.

(٢) البقرة : ١٧٢.

(٣) مصباح الشريعة ـ الباب الرابع والثلاثين : ص ٧٧.

(٤) سنن ابن ماجة : رقم ٣٢٨٦.

١٢٧

من حلال ، وكثرت الايدي ، وسمي في اوله ، وحمد الله في اخره ) (١). ولا شك ان العامل الجماعي في تناول الطعام يساعد الفرد نفسياً على حسن هضمه والاستفادة الصحيحة منه.

وورد ايضاً استحباب الدعاء قبل الأكل ، كما جاء عن امير المؤمنين (ع) في قوله لابنه الحسن : ( يا بني لا تطعمن لقمة من حار ولا بارد ، ولا تشربن شربة وجرعة الا وانت تقول قبل ان تأكله وقبل ان تشربه : « اللهم اني اسألك في اكلي وشربي السلامة من وعكه والقوة به على طاعتك وان تلهمني حسن التحرز من معصيتك فانك ان فعلت ذلك أمنت وعكه وغائله » (٢).

وان يأكل باليمين ويبدأ بالملح ويختم به.

ومن آداب الشرب أن يأخذ القدح بيمينه ويقول ( بسم الله ) ويشربه مصّاً ( كما يفعل بالقصبة ) لا عبّاً للروايات. ومص الماء بالقصبة انفع من الناحية الطبية من شرب الماء بالقدح عبّاً.

وورد عن امير المؤمنين (ع) ما يلخص اهمية الالتزام بالنظام الغذائي قوله : ( لا تجلس على الطعام الا وانت جائع ، ولا تقم عن الطعام الا وانت تشتهيه ، وجوّد المضغ ، واذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطب ) (٣).

وعن رسول الله (ص) قول في تنظيم كمية الطعام : ( ما ملأ آدمي

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ص ٢٧٣.

(٢) مكارم الاخلاق : ص ١٦٤.

(٣) الخصال : ج ١ ص ١٠٩.

١٢٨

وعاءً شراً من بطن ، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فان غلبت الآدمي نفسه ، فثلث للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنفس ) (١).

اذن فان قلة الطعام ، ودرجة حرارته ، وتقديم الملح ، ومص الماء ، والأكل مجتمعاً مع الآخرين ، واطالة الجلوس ، كلها تساهم في تنظيم الجهاز الهضمي ، وتنشيط القلب ، وتجنب امراض المعدة والامعاء وما يتعلق بالجهاز الهضمي والقلب والشرايين وامراض الكلية والجهاز البولي.

ومن أجل فهم مقاصد الشريعة في رسم صورة النظام الغذائي الاسلامي ، لابد لنا من دراسة آداب المائدة ، واستحباب تناول الحبوب والفاكهة والخضار ، والاعتدال في تناول اللحوم المحلل أكلها ، والتذكية الشرعية ، والنظام الشفائي في العسل.

١ ـ اداب المائدة

فقد ورد الى ما يشير تنظيم الاسلام للمائدة الغذائية والتأكيد على آدابها ، كما في الرواية المنقولة عن الامام الحسن بن علي (ع) : ( في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم ان يعرفها ؛ اربع منها فرض واربع منها سنّة واربع تأديب ، فاما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر ، واما السّنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الايسر والأكل بثلاث اصابع ولعق الاصابع ، واما التأديب فالاكل مما يليك وتصغير

__________________

(١) سنن ابن ماجة القزويني : رقم ٣٣٤٩.

١٢٩

اللقمة ، والمضغ الشديد وقلة النظر في وجوه الناس ) (١).

ولا شك ان نظافة اليدين عنصر مهم آخر في اجتناب المرض ، فورد استحباب غسل اليدين قبل تناول الطعام ، فعن الامام الصادق (ع) : ( من غسل يده قبل الطعام وبعده بورك له في اوله وآخره ، وعاش ما عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده ) (٢). ومما يستحب ايضاً ان يوضع الطعام على سفرة موضوعة على الارض فهو اقرب الى فعل رسول الله (ص). وان يحسن الجلوس على السفرة ويستديمها. وان ينوي بأكله التقوية على طاعة الله وليس التلذّذ والتنعّم. وان لا يمد يده الى الطعام الاّ وهو جائع ، وان يرفع يده قبل الشبع ، ومن يفعل ذلك فقد استغنى عن الطبيب ، كما في الروايات.

ومن الآداب الاخرى التي مرّ ذكرها ، اطالة الجلوس على المائدة ، كما جاء في قوله (ع) : ( اطيلوا الجلوس على الموائد فانها ساعة لا تحسب من اعماركم ) (٣).

٢ ـ استحباب تناول الحبوب والفاكهة والخضار

وبطبيعة الحلال ، فان المواد الغذائية المأكولة بعد اقتطافها ، دون تعليب ، انفع للجسم من المواد المعلّبة. ولا شك ان المواد الغذائية المعلبة تعتبر احدى اهم المشاكل التي يواجهها المجتمع الصناعي على الصعيدين الغذائي والصحي على عكس النظرية الاسلامية التي اوردت جملة من

__________________

(١) المحاسن للبرقي : ص ٤٥٩.

(٢) الكافي : ج ٦ ص ٢٩٠.

(٣) مكارم الاخلاق : ص ١٦١.

١٣٠

الاحاديث والروايات في الترغيب على تناول الفاكهة الطازجة ، فعن الرسول (ص) : ( عليكم بالفواكه في اقبالها ، فانها مصحة للابدان ). ووردت روايات عديدة في الحث على تناول مختلف الخضار والفواكه ، فعن الامام الصادق (ع) : ( خمس من فاكهة الجنة في الدنيا : الرمان والتفاح والسفرجل والعنب والرطب ) (١). وعنه ايضاً : ( الهندباء سيدة البقول ) (٢). وعن الامام الرضا (ع) : ( السلق شفاء من الادواء ، وهو يغلظ العظم وينبت اللحم ) (٣) ، و ( كان فيما اوصى به آدم ان كُل الزيتون ، فانه شجرة مباركة ) (٤) ، وعن الامام الصادق (ع) : ( اما علمت ان امير المؤمنين (ع) لم يؤت بطبق الاّ وعليه بقل ) (٥).

ووردت اهمية الخبز باعتباره اساس الوجبة الغذائية ؛ ومادته الكاربوهيدراتية هي التي تمنح الجسم الطاقة التي يتحرك بها ، فعن رسول الله (ص) ورد قوله : ( اللهم بارك لنا في الخبز ، ولا تفرق بيننا وبينه ، فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا ادينا فرائض ربنا ) (٦).

واحل الاسلام الاكل مما يمر به الفرد عادة من فاكهة او خضار في البساتين ، وهو ما يعرف بحق المارة ؛ على شرط ان لا ينوي المرور من اجل أن يأكل ، وان لا يعبث بشيء حين مروره بالحقل او البستان ، وان لا يحمل

__________________

(١) الخصال : ص ١٣٩.

(٢) الكافي : ج ٦ ص ٣٦٣.

(٣) المحاسن : ص ٥١٩.

(٤) الكافي : ج ٦ ص ٣٣١.

(٥) المحاسن : ص ٥٠٧.

(٦) الكافي : ج ٦ ص ٢٨٧.

١٣١

معه شيئاً من ذلك الثمر ، وان لا يعلم بعدم رضا المالك ، والاّ فانه مأثوم وضامن.

واجمع الفقهاء على حلية عصير الفاكهة التي يشم منها رائحة المسكر. فالخل وهو حامض الاستيك لا يعتبر خمراً لان حالته الكيميائية استحالت من الكحول الى السائل الحامضي ، فتناوله مع الطعام حلال ، حسب تعليمات الشريعة. وقد ورد الاجماع على ذلك و« لا خلاف معتد به في انه لا يحرم شيء من الاشربة التي يشم التي منها رائحة المسكر كرب الرمان والتفاح والسفرجل والتوت وغيرها ، لان كثيره لا يسكر » (١).

٣ ـ الاعتدال في تناول اللحوم المحلل اكلها

واجمع الفقهاء على أن كل الاشياء الماكولة او المشروبة مباحة كتاباً وسنة ، عقلاً واجماعاً الاّ ما ورد النص بتحريمه بالخصوص. لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ) (٢). وقوله : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٣).

وقد احلت الشريعة أكل البهائم الاهلية مثل البقر والجاموس والغنم والمعز والابل ، وحمّلت اكل الخيل والبغال والحمير على الكراهية. وأحلت اكل البهائم البرية ايضاً كالغزلان والبقر والغنم والمعز والحمير المتوحشة. واحلّت السمك الذي له قشر فقط. واحلّت ما في جوفها من بيض

__________________

(١) الجواهر : ج ٣٦ ـ باب الاطعمة والاشربة.

(٢) البقرة : ٢٨.

(٣) الاعراف : ٣٢.

١٣٢

كالكفيار. واحلّت أكل الطيور بمختلف انواعها شرط ان لا يكون لها مخالب ، وان يكون دفيفها اكثر من صفيفها ، وان تكون لها حواصل وقوانص وصيص. ومن ذلك الحمام والدجاج بشتى اصنافهما ، والدراج والحجل والقبج والقطا والبط والكروان والحباري والكركي والعصافير جميعاً. وبيض الطير الحلال حلال اكله. وعلامة الحل ان يكون احد طرفي البيضة عريضاً مفرطحاً كبيض الدجاج. وقد تعرضنا لذلك مفصّلا في النظام الوقائي.

وورد ما يشير الى الاعتدال في اكل اللحوم المطبوخة جيداً. وفي ذلك مجموعة روايات واردة عن اهل بيت النبوة (ع) ، منها الرواية الواردة عن امير المومنين (ع) : ( لا تجعلوا بطونكم قبوراً للحيوانات ). ومنها : ( لحوم البقر داء ) (١) ، و ( ألبان البقر دواء ، وسمونها شفاءْ [ والسمن هو الزبدة ] ، ولحومها داء ) (٢) ، و ( من اكل لقمة شحم اخرجت مثلها من الداء ) (٣) ، و ( كان علي (ع) يكره ادمان اللحم ويقول : ان له ضراوة كضراوة الخمر ) (٤) ، ورواية عمار الساباطي قال : سألت ابا عبد الله (ع) عن شراء اللحم فقال : في كل ثلاث [ ايام ]. قلت : لنا اضياف وقوم ينزلون بنا وليس يقع منهم موقع اللحم شيء ، فقال : في كلّ ثلاث ، قلت : لا نجد شيئاً احضر منه ولو ايتدموا بغيره لم يعدوه شيئاً ، فقال : في كلّ ثلاث ) (٥). ومنها : ( اللحم

__________________

(١) المحاسن : ص ٤٦٣.

(٢) الكافي : ج ٦ ص ٣١١.

(٣) المحاسن : ص ٤٦٥.

(٤) المحاسن : ص ٤٦٩.

(٥) المحاسن : ص ٤٧٠.

١٣٣

ينبت اللحم ، ومن تركه اربعين يوماً ساء خلقه ) (١). ويدل قول الامام (ع) في الرواية الاخيرة بان السائل ربما كان ينوي ترك تناول اللحم ، ولذلك فانه (ع) اوصاه بعدم ترك اكله اكثر من اربعين يوماً. ويفهم من مقتضى الحديث ، الاعتدال في تناول اللحوم. وقد اشارت الروايات الى استحباب اكرام الضيف بتقديم اللحم المطبوخ له. ويدل على ذلك ، قوله تعالى في ضيف ابراهيم : ( فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) (٢) ، اي محنوذ وهو الذي اجيد طبخه ونضجه ، وقال تعالى في وصف الطيبات : ( وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ) (٣) ، والمن هو العسل ، والسلوى يعني اللحم ، سمي سلوى لانه يسلى به على جميع الادام ولا يقوم غيره مقامه ، والى ذلك اشار رسول الله (ص) : ( سيد الادام اللحم ) (٤). ثم قال تعالى بعد ذكر المن والسلوى : ( كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (٥) فاعتبر اللحم والعسل من طيبات ما رزقهم.

٤ ـ التذكية الشرعية :

وهو قتل الحيوان الذي احل اكله بمراعاة الشروط التي وضعتها الشريعة الاسلامية ؛ فتذكية الحيوان البري المتوحش يتحقق بآلة الصيد ، والحيوان الاهلي ـ عدا الابل ـ بالذبح ، والابل بالنحر ، والسمك بالاخراج

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ص ٣٠٩.

(٢) هود : ٦٩.

(٣) البقرة : ٥٧.

(٤) الكافي : ج ٦ ص ٣٠٨.

(٥) البقرة : ٥٧.

١٣٤

حياً من الماء ، والجنين بتذكية امّه ، وما يتعذر ذبحه بالجرح والعقر.

فيقسم الفقهاء ، الحيوانات الى قسمين : قسم قابل للتذكية فيؤكل لحمه ، او يستفاد من جلده. وقسم آخر غير قابل للتذكية. ويندرج تحت القسم الاول كل الحيوانات التي حلل الشرع اكلها كالاغنام والابقار والدواجن والاسماك والطيور بالشروط المذكورة سابقاً. ويندرج تحت القسم الثاني الحيوانات التي لا تقبل التذكية الشرعية ، وهي التي لا تطهر بالذبح ، كالحيوانات نجسه العين مثل الكلاب والخنازير ، والحيوانات التي تسكن باطن الارض كالفئران والجرذان. اما سباع الحيوانات كالاسود والنمور والذئاب ، والطيور التي تفترس الاضعف وتتغذي باللحم كالصقور ، فلا يجوز اكلها ولكن المشهور انها تقبل التذكية ويطهر لحمها وجلدها بالذبح او بالصيد. ولحوم المسوخ محرّمة ايضاً ولكنها طاهرة ، وقد اختلف في قبولها التذكية. و « ان شك في حيوان من جهة الشك في قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لاصالة عدم التذكية ، لان من شرائطها قابلية المحل ، وهي مشكوك فيحكم بعدمها ، وان الحيوان ميتة » (١).

أ ـ الصيد :

ولما كانت عملية الصيد من الوسائل التي يتم عن طريقها توفير لون من الوان المواد الغذائية للافراد ، فقد ورد جوازه في الاسلام اجماعاً ونصاً. ومنه قوله تعالى : ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (٢). وهو سبب للتملك بالحيازة والاستيلاء. وطريقته زهق روح الحيوان بآلة الصيد ، وهي على

__________________

(١) الرسائل للشيخ الانصاري باب البراءة.

(٢) المائدة : ٣.

١٣٥

نوعين. الاول : ما كان من الحيوانات كالكلاب الخاصة بالصيد. والثاني : ما كان من الآلات كالرماح والسهام ، بل مطلق السلاح.

واجمع الفقهاء على تحقق التذكية الشرعية بصيد الكلب المعلّم المدرب على ذلك ، كما ورد في النص الشريف : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ) (١). والمراد بمكلبين ، الكلاب المعلمة المدربة على عملية الصيد ، فاذا قتل الكلاب والمدرب صيداً حلّ اكله تماماً كالمذكى بالذبح. اما في صيد غير الكلب من الحيوانات ، كالفهود والصقور ، فالمشهور ان صيدها ميتة لا يحل اكله. فقد « روى علي بن ابراهيم في تفسيره ، باسناده عن ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد الله (ع) قال : سألته عن صيد البزاة ، والصقور والفهود ، والكلب ، فقال : لا تأكل الاّ ما ذكيت ، الاّ الكلاب ، فقلت : فان قتله ؟ قال : كُلْ ، فان الله يقول : ( وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الجَوَارِحِ ... ) الآية ، ثم قال (ع) : كل شيء من السباع تمسك الصيد على نفسها الاّ الكلاب المعلّمة فانها تمسك على صاحبها ، وقال : اذا ارسلت الكلب المعلَّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته ، وهو ان تقول : بسم الله ، والله اكبر » (٢).

ومن اجل يكون صيد الكلب حلالاً ، فقد اشترط الاسلام اموراً ، منها :

اولاً : ان يكون الكلب معلّماً ، ويتحقق ذلك بانصياع الكلب لأوامر

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) مجمع البيان للطبرسي : ج ٣ ص ٣٢٤.

١٣٦

سيده بالارسال والزجر ، وبعدم الاعتياد على اكل ما يمسك من الصيد.

ثانياً : ان يرسله صاحبه بقصد الصيد باجماع الفقهاء ، فقد « سُئِلَ الامام الصادق (ع) عن كلب افلت ، وان يرسله صاحبه فصاد ، فادركه صاحبه ، وقد قتله ، أيأكل منه ؟ قال : لا » (١).

ثالثاً : أن يكون الصائد الذي ارسل الكلب مسلماً ، لان الارسال نوع من التذكية ومن شروطها الاسلام.

رابعاً : ان يسمي الصائد عند الارسال ، فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، او اذهب على اسم الله. فقد ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) : ( من ارسل كلبه ، ولم يسمّ فلا يأكله ) (٢).

خامساً : ان يدرك الكلب الصيد حياً ، وان يكون استناد الموت الى جرح الكلب نفسه.

سادساً : ان لا يدرك الصائد الصيد حيّاً مع الكلب ، اما اذا ادركه حياً فعليه القيام بالذبح.

ولابد من غسل ما عضه الكلب تطهيراً للنجاسة.

اما الصيد بالآلات فيحل بالآلة الذابحة كالسكين والسيف ، وبالآلة التي ينطلق منها سهم ، و « يحل مقتوله ، سواء أمات بجرحه ام لا ، كما لو اصاب معترضاً عند فقهائنا ، لصحيحة الحلبي ، قال : سألت الامام الصادق (ع) عن الصيد يضربه بالسيف ، او يطعنه برمح ، او يرميه بسهم فيقتله ، قد سمى حين رماه ، ولم تصبه الحديدة ؟ قال : فان كان السهم الذي

__________________

(١) الجواهر : ج ٣٦ ص ٢٨.

(٢) التهذيب : ج ٩ ص ٢٧.

١٣٧

رماه هو قتله ، فلن اراد فليأكله ، وغيرها من الاخبار الكثيرة » (١). وكذلك العصا المحددة الرأس ، او السهم الذي لم ينطلق من آلة فان خرقا اللحم جاز اكل المقتول به. اذا قتل بالثقل كالحجر والعامود ، فان مقتوله ميتة لا يحل اكلها. واحل الفقهاء المتأخرون الصيد بالآلات النارية كبنادق الصيد الحديثة.

اما في حلية صيد الآلات فهناك شروط ايضاً ، ومنها ، اولاً : شرط الآلة المذكور آنفاً. ثانياً : اسلام الصائد. ثالثاً : العقل والتمييز. رابعاً : قصد الصيد ، فاذا اصاب طائراً من دون قصد الصيد فقتل فلا يحل اكله.

وبطبيعة الحال ، فان الحيوان الذي يحل صيده لابد وان تتوفر فيه الشروط الشرعية ايضاً. وهي اولاً : ان يقبل التذكية الشرعية ، فلا يتحقق الصيد بالمسوخ ، وانجاس العين. ثانياً : ان يكون برّياً متوحشاً ، فالحيوانات الاهلية كالابقار والاغنام تذبح ولا تعتبر موضوعاً للصيد. ثالثاً : ان يكون الحيوان قادراً على الامتناع ، فيحرم صيد اطفال الحيوانات التي تعجز عن العدو. وقد ورد عن رسول الله (ص) قوله : ( لا تأتوا الفراخ في اعشاشها ولا الطير في منامه حتى يصبح ، فقيل : ما منامه يا رسول الله ؟ قال : الليل منامه ، فلا تطرقه في منامه حتى يصبح ولا تأتوا الفراخ في عشه حتى يريش ويطير فاذا طار فاوتر له قوسك ، وانصب له فخك ) (٢). وورد في احاديث اهل البيت (ع) : ( لو ان رجلاً رمى صيداً في وكره ، فاصاب الطير والفراخ جميعاً فانه يأكل الطير ، ولا يأكل الفراخ ، وذلك ان الفراخ ليس بصيد ما لم يطر ،

__________________

(١) المسالك : ج ٢ ـ باب الصيد.

(٢) الكافي : ج ٦ ص ٢١٦.

١٣٨

وانما تؤخذ باليد ، وانما يكون صيداً اذا طار ) (١).

ب ـ الذباحة :

وفي تفصيل حكمها لابد من ملاحظة ثلاثة عناصر : الذابح ، وآلة الذبح وطريقته. فيشترط في الذابح ، ذكراً كان ام انثى ، ان يكون مسلماً قاصداً الى الذبح فلا « تجوز ذبيحة الصبي غير المميّز والمجنون حين الذبح وان اجتمعت صورة الشرائط فيهما لعدم العبرة بفعلهما شرعاً » (٢). ولكن « ربما اختلف صنف الجنون ، اذ ربما كان لبعضهم تمييز ، فلا مانع حينئذٍ من حل ذبيحته » (٣).

ويشترط ان يكون الذبح بسكين من حديد. واستدل الفقهاء على ذلك بالحديث الوارد عن أمير المؤمنين (ع) بخصوص هذا اللون من التذكية الشرعية : ( لا يصلح الاّ بالحديدة ) (٤). واذا لم يوجد الحديد ، وخيف فوت الذبيحة جاز الذبح بما يفري اعضاءها ، ولو كان ليطة (٥) او خشبة محددة ، او مروة (٦) او نحوها. فقد روي في الصحيح عن زيد الشحام عن الامام الصادق (ع) قال سألته عن رجل لم يكن بحضرته سكين ، أيذبح بقصبة ؟ فقال : ( اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة وبالعود اذا لم تصب الحديدة. اذا قطع

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ص ٢٠.

(٢) الجواهر : ج ٣٦ ص ٩٧.

(٣) المسالك ـ كتاب الصيد والذباحة.

(٤) الاستبصار : ج ٤ ص ٨٠.

(٥) الليطة : قشر القصبة.

(٦) المروة : الحجر.

١٣٩

الحلقوم ، وخرج الدم فلا بأس به ) (١). وفي الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم (ع) قال سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها اذا لم يجد سكيناً ، قال : ( اذا فرى الاوداج فلا بأس بذلك ) (٢).

ويشترط في تحقيق الذبح ان تكون الطريقة شرعية ، وهي على النمط التالي :

اولاً : استقبال القبلة مع الامكان نصاً واجماعاً ، ومنه حديث عن أهل البيت (ع) : ( اذا اردت ان تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة ) (٣). ويجب استقبال الذبيحة بمقاديم البدن بكاملها.

ثانياً : يجب قطع الاوداج الاربعة دفعة واحدة ، وهي الحلقوم والمريء والعرقان الغليظان المحيطان بالبلعوم.

ثالثاً : التسمية بقصد ان تكون على الذبيحة ويكفي فيها قول : الله اكبر ، ولا اله الاّ الله ، والحمد لله ، وبسم الله.

وقال بعض الفقهاء يكفي في حلية الذبيحة تحرك بعض اطرافها بعد الذبح.

ويستحب في الذبح التقليل من عذاب المذبوح ، كتحديد الشفرة ، وتعجيل الذبح ، وسقي المذبوح بالماء قبل الذبح.

ج ـ النحر :

وهو مختص بالابل فقط ، فلا تحل بالذبح ، للرواية المروية عن الامام

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ص ٢٢٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٢٠٨.

(٣) ـ الكافي : ج ٦ ص ٢٣٣.

١٤٠