كفاية الأصول - ج ١

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٦
ISBN: 978-964-470-184-9
الصفحات: ٢٩٦

القول الأعمّيّ (١) في غير ما احتمل دخوله فيه (٢) ممّا شكّ في جزئيّته أو شرطيّته (٣).

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «على قول الأعمّيّ».

(٢) أي : في المسمّى.

(٣) لا يخفى عليك : أنّه قد يورد على هذه الثمرة بوجوه :

الأوّل : ما ذكره المحقّق العراقيّ ، وحاصله : أنّه لا فرق بين القولين في عدم إمكان التمسّك بالإطلاق عند الشك في اعتبار جزء أو قيد ، لأنّ الإطلاقات الواردة في الكتاب مهملة وليست في مقام البيان ، بل كلّها في مقام التشريع بلا نظر إلى خصوصيّتها من الكمّيّة والكيفيّة. نهاية الأفكار ١ : ٩٦.

وقد تصدّى الأعلام لرفع هذا الإيراد بوجوه :

منها : ما ذكره المحقّق النائينيّ من أنّ مطلقات الكتاب والسنّة وإن لم يكن واردا في مقام البيان إلّا أنّه يكفي في الثمرة فرض وجود مطلق في مقام بيان. أجود التقريرات ١ : ٤٥.

ومنها : ما ذكره المحقّق الاصفهانيّ من أنّ الثمرة هي إمكان التمسّك بالإطلاق ، لا فعليّته ، فعدم فعليّة التمسّك لعدم وقوع المطلق في مقام البيان لا ينفي إمكان التمسّك. بحوث في الاصول ١ : ٣٨.

ومنها : ما ذكره المحقّق الخوئيّ من إنكار دعوى عدم وجود مطلق في الكتاب والسنّة يكون واردا مورد البيان ، إذ قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ـ البقرة / ١٨٣ ـ وارد مورد البيان ، فيكون موردا للثمرة المذكورة. المحاضرات ١ : ١٧٨.

الثاني : ما تعرّض له الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٩. وحاصله : أنّ اللفظ وإن كان ينطبق على الصحيح والفاسد على القول بالوضع للأعمّ ، إلّا أنّ المأمور به خصوص الصحيح على القولين ، ومعه لا يصحّ التمسّك بالإطلاق عند الشكّ ، لا على قول الصحيحيّ ولا على الأعمّي ، فإنّ التمسّك بالإطلاق في مورد الشكّ بعد إحراز تقييد المأمور به بالصحيح من التمسّك بالإطلاق في الشبهة المصداقيّة ، وهو ممنوع.

واختلفت كلمات الأعلام في الإجابة عن هذا الإيراد ، والمهمّ منها وجوه :

الأوّل : أنّ المخصّص لبّيّ غير ارتكازيّ ، وفي مثله يجوز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة. بدائع الأفكار (للمحقّق العراقيّ) ١ : ١٣٠.

الثاني : أنّ الأوامر متعلّقة بنفس العناوين على الأعمّ ، ولا ينافي تقيّدها بقيود منفصلة ، فإذا ورد مطلق في مقام البيان نأخذ بإطلاقه ما لم يرد مقيّد ، ونحكم بصحّة المأتيّ به. مناهج الوصول ١ : ١٦٢.

الثالث : أنّ المأمور به على كلا القولين وإن كان هو الصّلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا ، إلّا أنّ الاختلاف بينهما في أنّ صدق اللفظ ـ

٦١

نعم لا بدّ في الرجوع إليه (١) فيما ذكر من كونه (٢) واردا مورد البيان ، كما لا بدّ منه في الرجوع إلى سائر المطلقات ؛ وبدونه لا مرجع أيضا إلّا البراءة أو الاشتغال ، على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

وقد انقدح بذلك أنّ الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين (٣). فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع (٤) إلى البراءة على الأعمّ والاشتغال على الصحيح ، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح (٥).

__________________

ـ على الفاقد لما يشكّ في اعتباره معلوم على قول الأعمّي ، وانّما الشكّ في اعتبار أمر زائد عليه ؛ وأمّا على الصحيحيّ فالصدق غير معلوم ؛ وعليه يجوز التمسّك بالإطلاق على القول بالأعمّ دون القول بالصحيح. محاضرات في اصول الفقه ١ : ١٨١.

الثالث : أنّ الثمرة للمسألة الاصوليّة ليست إلّا الوقوع في طريق استنباط الحكم الفرعيّ ، وهو مفقود في المقام ، لأنّ إمكان التمسّك بالإطلاق وعدمه المترتّب على مسألة الصحيح والأعمّ ليس مسألة فقهيّة ، لكي تكون هذه المسألة ممّا يقع في طريق استنباطه ، بل هو بنفسه مسألة اصوليّة.

وهذا الإيراد أقوى من السابقين ، كما لا يخفى.

(١) أي : في التمسّك بالإطلاق.

(٢) أي : الإطلاق.

(٣) أي : على قول الصحيحيّ والأعمّي.

(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «هي الرجوع».

(٥) وقد خالفه المحقّق النائينيّ ـ في فوائد الاصول ١ : ٧٩ ـ وجعل ثمرة النزاع ـ بعد انكار الثمرة الاولى ـ هي جريان البراءة على قول الأعمّي والاشتغال على قول الصحيحيّ.

وخالفه أيضا السيّد الإمام الخمينيّ ـ في مناهج الوصول ١ : ١٦٠ ـ وجعل القول بالبراءة والاشتغال ثمرة القول بالأعمّ والصحيح.

ولكن لا يخفى : أنّ مخالفتهما معه ناشئة من الاختلاف في مبناهم في تصوير الجامع الصحيحيّ. بيان ذلك : أنّه لو قلنا بأنّ الجامع على القول بالصحيح جامع بسيط حقيقيّ ذاتيّ مقوليّ ـ كما قال به المحقّق الخراسانيّ ـ أو قلنا بأنّ الجامع جامع مركّب يعرّفه النهي عن الفحشاء ـ كما قال به المحقّق الاصفهانيّ ـ يكون الشكّ في الأقلّ والأكثر من موارد البراءة ، فلا وجه لجعل الثمرة الرجوع إلى البراءة على الأعمّ والاشتغال على الصحيح. وأمّا لو قلنا بأنّ الجامع على القول بالصحيح جامع بسيط عنوانيّ أو جامع مركّب مقيّد بالنهي عن الفحشاء ـ كما التزم بهما المحقّق النائينيّ ـ أو هيئة خاصّة حالّة في الأجزاء الخاصّة ـ كما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ ـ يكون مورد الشكّ في الأقلّ والأكثر من موارد الاشتغال ، فيصحّ جعل الرجوع إلى البراءة ـ على الأعمّي ـ وإلى الاشتغال ـ على الصحيحيّ ـ ثمرة للقولين.

٦٢

وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا (١).

قلت : وإن كان تظهر فيما لو نذر لمن صلّى إعطاء درهم في البرء ـ فيما لو أعطاه لمن صلّى ولو علم بفساد صلاته ، لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم ـ على الأعمّ ، وعدم البرء (٢) على الصحيح ، إلّا أنّه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة ، لما عرفت من أنّ ثمرة المسألة الاصوليّة هي أن تكون نتيجتها (٣) واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة ، فافهم.

[أدلّة القول بالصحيح]

وكيف كان قد استدلّ للصحيحيّ بوجوه :

[١ ـ التبادر]

أحدها : التبادر ودعوى أنّ المنسبق (٤) إلى الأذهان منها (٥) هو الصحيح (٦).

__________________

(١) والقائل هو المحقّق القمّي. وحاصلها : أنّه لو نذر شخص بأن يعطي درهما لمن صلّى ، فإنّه بناء على قول الصحيحيّ لا يحصل الوفاء بالنذر إلّا باعطاء الدرهم لمن صلّى صلاة صحيحة ، وعلى قول الأعمّي يحصل الوفاء بالنذر باعطاء الدرهم لمن صلّى ولو كانت صلاته فاسدة ، قوانين الاصول ١ : ٤٣.

(٢) هكذا في النسخ المخطوطة. وفي بعض النسخ المطبوعة : «البرّ» بمعنى الطاعة.

(٣) الظاهر أنّ الضمير يرجع إلى المسألة الاصوليّة. لكن لا يخفى ما فيه من الغموض ، والأولى أن يقول : «إنّ ثمرة المسألة الاصوليّة هي استنباط الحكم الكلّي الفرعيّ بوقوعها في طريق الاستنباط».

ويحتمل زيادة كلمة «ثمرة» بأن تكون العبارة هكذا : «لما عرفت من أنّ المسألة الاصوليّة هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة».

وبالجملة : فما ذكر من الوفاء وعدمه مرتبط بتنقيح موضوع الحكم وتطبيقه على موارده ، وهذا أجنبيّ عن الاستنباط الّذي هو ثمرة المسألة الاصوليّة.

(٤) هكذا في النسخ. ولكنّه من الأغلاط المشهورة ، فإنّ اللغة لم تساعد عليها والصحيح : «المتبادر».

(٥) أي : من ألفاظ العبادات.

(٦) حاصل الاستدلال قياس على نحو الشكل الأوّل ، فيقال : الصحيح ما يتبادر من اللفظ ـ

٦٣

ولا منافاة بين دعوى ذلك وبين كون الألفاظ على هذا القول مجملات ، فإنّ المنافاة إنّما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا (١) مبيّنة بوجه (٢) ، وقد عرفت كونها مبيّنة بغير وجه (٣).

[٢ ـ صحّة السلب عن الفاسد]

ثانيها : صحّة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقّة ، وإن صحّ الإطلاق عليه بالعناية (٤).

[٣ ـ الأخبار]

ثالثها : الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواصّ والآثار للمسمّيات ، مثل : «الصّلاة عمود الدين» (٥) أو «معراج المؤمن» (٦) و «الصوم جنّة من النار» (٧) ، إلى

__________________

ـ إلى الذهن ، وكلّ ما يتبادر من اللفظ إلى الذهن هو الموضوع له ، فالصحيح هو الموضوع له.

وأورد عليه السيّد الإمام الخمينيّ بأنّ ما يتبادر من اللفظ أوّلا هو نفس المعنى الموضوع له ، وبعد تبادر نفس المعنى ينتقل الذهن إلى مصاديقه ثانيا لأجل انس الذهن ، وإلى الصحّة ثالثا بواسطة الارتكاز العقلائيّ ، فلا يتبادر من اللفظ الصحّة أوّلا حتّى يكون تبادر الصحيح علامة للحقيقة. مناهج الوصول ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

وأقول : بل في علاميّة التبادر نظر ، لما مرّ من عدم إمكان دفع الدور بما ذكره المحقّق الخراسانيّ ومن تبعه. ولو سلّم فلا يمكن تبادر الصحيح المحمول على القول بأنّ الجامع لم يكن أمرا واضحا ، بل هو أمر بسيط حقيقيّ ذاتيّ مقوليّ كما ذهب إليه المصنّف.

(١) أي : على القول بوضعها للصحيح.

(٢) أي : بأيّ وجه.

(٣) أي : بأكثر من وجه واحد. فهي مبيّنة من جهة اللوازم مثل كونها ناهية عن الفحشاء وقربان كلّ تقيّ ومعراج المؤمن.

ولا يخفى : أنّ تبادر الشيء بوجهه ليس علامة للوضع ـ لو سلّم علاميّته ـ ، بل تبادر نفس المعنى علامة لوضع اللفظ لذلك المعنى.

(٤) مرّ ما في علاميّة صحّة السلب ، فراجع.

(٥) عوالى اللآلى ١ : ٣٢٢ ، ودعائم الإسلام ١ : ١٣٣.

(٦) الاعتقادات «للشيخ المجلسيّ» : ٣٩.

(٧) محاسن البرقي : ٢٨٦ ، الحديث ٤٣٠.

٦٤

غير ذلك ؛ أو نفي (١) ماهيّتها وطبائعها ، مثل : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) ، ونحوه (٣) ممّا كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرّد فقد ما يعتبر في الصحّة شطرا أو شرطا.

وإرادة خصوص الصحيح من الطائفة الاولى (٤) ونفي الصحّة من الثانية لشيوع استعمال هذا التركيب (٥) في نفي مثل الصحّة أو الكمال ، خلاف الظاهر (٦) ، لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه (٧).

واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة (٨) ممكن المنع حتّى في مثل «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (٩) ممّا يعلم أنّ المراد نفي الكمال ، بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية (١٠) ، لا على الحقيقة ، وإلّا لما دلّ على المبالغة ، فافهم (١١).

[٤ ـ عدم تخطّي الشارع عن طريقة الواضعين]

رابعها : دعوى القطع بأنّ طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركّبات التامّة ـ كما هو قضيّة الحكمة الداعية إليه ـ ، والحاجة وإن دعت أحيانا إلى

__________________

(١) معطوف على قوله : «إثبات».

(٢) راجع مستدرك الوسائل ٤ : ١٥٨ ، الباب ١ من أبواب القراءة في الصّلاة ، الحديث ٥.

(٣) كقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور».

(٤) باعتبار ما ذكر فيها من الآثار الّتي لا يترتّب إلّا على الصحيح.

(٥) أي : لا النافية للجنس مع مدخولها.

(٦) خبر لقوله : «وإرادة».

(٧) يمكن أن يقال : ذكر الآثار المهمّة قرينة على إرادة الصحيح في الطائفة الاولى.

(٨) أي : نفي صفة الكمال. والكلمة في النسخة الأصليّة غير واضحة ، يحتمل أن يكون : «نفي الصحّة».

(٩) وسائل الشيعة ٣ : ٤٧٨ ، الباب ٢ من أبواب أحكام المسجد ، الحديث ١.

(١٠) أي : إدّعاء.

(١١) إشارة إلى أنّ الأخبار المثبتة للآثار وإن كانت ظاهرة في ذلك لمكان أصالة الحقيقة ، ولازم ذلك كون الموضوع له للأسماء هو الصحيح ، ضرورة اختصاص تلك الآثار به ، إلّا أنّه لا يثبت بأصالتها كما لا يخفى ، لإجرائها العقلاء في إثبات المراد ، لا في أنّه على نحو الحقيقة لا المجاز ، فتأمّل جيّدا. منه رحمه‌الله.

٦٥

استعمالها في الناقص أيضا إلّا أنّه لا يقتضي (١) أن يكون بنحو الحقيقة ، بل ـ ولو كان ـ مسامحة ، تنزيلا للفاقد منزلة الواجد. والظاهر أنّ الشارع غير متخطّئ (٢) عن هذه الطريقة.

ولا يخفى : أنّ هذه الدعوى وإن كانت غير بعيدة إلّا أنّها قابلة للمنع (٣) ، فتأمّل.

[أدلّة القول بالأعمّ]

وقد استدلّ للأعمّيّ أيضا بوجوه :

[١ ـ التبادر]

منها : تبادر الأعمّ.

وفيه : أنّه قد عرفت الإشكال في تصوير الجامع الّذي لا بدّ منه ، فكيف يصحّ معه دعوى التبادر؟!

[٢ ـ عدم صحّة السلب]

ومنها : عدم صحّة السلب عن الفاسد.

وفيه : منع ، لما عرفت (٤).

[٣ ـ صحّة التقسيم إلى الصحيح والفاسد]

ومنها : صحّة التقسيم إلى الصحيح والسقيم.

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «إلّا أنّها لا تقتضي» ، فإنّ الضمير يرجع إلى الحاجة ويكون معنى العبارة : «إلّا أنّ الحاجة لا تقتضي أن يكون الاستعمال بنحو الحقيقة».

(٢) وفي بعض النسخ : «غير مخطئ».

(٣) إذ عدم تخطّي الشارع طريقة الواضعين غير معلوم. ومجرّد نفى البعد ليس موجبا للقطع.

مضافا إلى أنّ الشارع في المركّبات الشرعيّة يحتاج إلى تفهيم الفرد الفاسد كثيرا ، كما يحتاج إلى تفهيم الفرد الصحيح كذلك ، فالوضع للأعمّ لا ينافي الحكمة الداعية إلى الوضع.

(٤) من صحّة سلب الصّلاة عن الفاسدة.

٦٦

وفيه : أنّه إنّما يشهد على أنّها للأعمّ لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح ، وقد عرفتها (١) ، فلا بدّ أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية.

[٤ ـ الأخبار]

ومنها : استعمال الصّلاة وغيرها في غير واحد من الأخبار في الفاسدة (٢) ، كقوله عليه‌السلام : «بني الإسلام على خمس : الصّلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية ، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ؛ فلو أنّ أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة» (٣) ، فإنّ الأخذ بالأربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية إلّا إذا كانت أسامي للأعمّ (٤). وقوله عليه‌السلام : «دعي الصّلاة أيّام أقرائك» (٥) ، ضرورة أنّه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحّة النهي عنها ، لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها (٦).

وفيه : أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة (٧).

مع أنّ المراد في الرواية الاولى هو خصوص الصحيح بقرينة أنّها ممّا بني عليها الإسلام (٨). ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري الولاية ، إذ لعلّ أخذهم بها إنّما كان بحسب اعتقادهم ، لا حقيقة ، وذلك لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو

__________________

(١) الضمير يرجع إلى الدلالة.

(٢) الأولى أن يقول : «فى الأعمّ».

(٣) هذا مفاد الرواية. راجع الكافي ٢ : ١٨ ، سفينة البحار ٨ : ٦٠٠.

(٤) بيان ذلك : أنّه لو كان المراد من الأربع هو الصحيح منها فكان يلزم أن يقول : «لم يأخذ الناس بالأربع» بقرينة ترك الولاية ، إذ لا صحّة بدون الولاية. وأمّا لو كان المراد من الأربع هو الأعمّ فلا محذور ويصدق عليهم أنّهم أخذوا بفاسدها ، فالمراد من الأربع هو الأعمّ.

(٥) عوالى اللآلى ٢ : ٢٠٧.

(٦) إذ الصحيحة مشروطة بالطهارة عن الحيض وهي غير مقدورة لها.

(٧) أي : غاية ما يثبت بالبيانات المذكورة إثبات استعمال ألفاظ العبادات في الفاسدة ، وهو غير مثبت للوضع للأعمّ الّذي هو المدّعى ، فإنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

(٨) إذ الإسلام إنّما بني على الصحيح ، لا الأعمّ.

٦٧

الأعمّ (١) ؛ والاستعمال في قوله عليه‌السلام : «فلو أنّ أحدا صام نهاره ...» كان كذلك ـ أي بحسب اعتقادهم (٢) ـ أو للمشابهة والمشاكلة (٣). وفي الرواية الثانية الإرشاد إلى عدم القدرة على الصّلاة (٤) ؛ وإلّا (٥) كان الإتيان بالأركان وسائر ما يعتبر في الصّلاة بل بما يسمّى في العرف بها ـ ولو أخلّ بما لا يضرّ الإخلال به بالتسمية عرفا ـ محرّما على الحائض ذاتا وإن لم تقصد به القربة ، ولا أظنّ أن يلتزم به المستدلّ بالرواية ، فتأمّل جيّدا.

[٥ ـ صحّة تعلّق النذر بترك الصّلاة في الحمام]

ومنها : أنّه لا اشكال في صحّة تعلّق النذر وشبهه (٦) بترك الصّلاة في مكان تركه فيه(٧) وحصول الحنث بفعلها (٨) ، ولو كانت الصّلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به الحنث أصلا ، لفساد الصّلاة المأتيّ بها ، لحرمتها ، كما لا يخفى ؛ بل يلزم المحال ، فإنّ النذر ـ حسب الفرض ـ قد تعلّق بالصحيح منها ولا تكاد تكون معه (٩) صحيحة ، وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال.

قلت : لا يخفى أنّه لو صحّ ذلك لا يقتضي إلّا عدم صحّة تعلّق النذر بالصحيح ،

__________________

(١) بل استعمل في خصوص الصحيح ، غاية الأمر الصحيح بحسب اعتقادهم.

(٢) فاستعمل لفظ الصوم والصلاة في الصحيح بحسب اعتقادهم ، وإن كان في الواقع فاسدا.

(٣) أي : يمكن أن يكون الاستعمال في الأعمّ ، ولكن يكون مجازيّا بعلاقة المشابهة والمشاكلة في الصورة.

(٤) أي : والمراد من النهي في الرواية الثانية هو الإرشاد إلى عدم قدرة الحائض على الصّلاة الصحيحة ، لحدث الحيض ، فيكون المستعمل فيه خصوص الصحيح.

(٥) أي : وإن لم يكن النهي إرشاديّا ، بل كان مولويّا.

(٦) أي : اليمين والعهد.

(٧) أي : في مكان تكره الصّلاة فيه ، كالحمام والمقابر.

(٨) أي : بفعل الصّلاة في المكان الّذي تعلّق النذر بتركها فيه. وهذا يدلّ على أنّ متعلّق النذر ليس هو الصّلاة الصحيحة ، بل الأعمّ ، وذلك لأنّه لو كانت الصّلاة ...

(٩) أي : مع النذر.

٦٨

لا عدم وضع اللفظ له شرعا ؛ مع أنّ الفساد من قبل النذر لا ينافي صحّة متعلّقه (١) ، فلا يلزم من فرض وجودها عدمها (٢).

ومن هنا انقدح أنّ حصول الحنث إنّما يكون لأجل الصحّة لو لا تعلقه. نعم لو فرض تعلّقه بترك الصّلاة المطلوبة بالفعل (٣) لكان منع حصول الحنث بفعلها بمكان من الإمكان.

بقي امور

الأوّل : [في عدم جريان النزاع في المعاملات على الوضع للمسبّبات]

أنّ أسامي المعاملات (٤) إن كانت موضوعة للمسبّبات (٥) فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعمّ ، لعدم اتّصافها بهما ، كما لا يخفى ، بل بالوجود تارة وبالعدم اخرى (٦).

وأمّا إن كانت موضوعة للأسباب (٧) فللنزاع فيه مجال (٨).

__________________

(١) وذلك لأنّ متعلّق النذر هو الصحيح لو لا تعلّق النذر. وبتعبير آخر : إنّ متعلّق النذر هو الصّلاة التامّة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط في مرحلة سابقة على النذر ، فلا ينافيها تعلّق النهي بها من قبل النذر.

(٢) لأنّ الفساد الحاصل من قبل النذر لم يؤخذ عدمه في متعلّق النذر كي لا يكون مقدورا بعد النذر فيلزم من وجوده عدمه.

(٣) أي : ولو مع النذر. ولكن صحّته كذلك مشكل ، لعدم كون الصّلاة معه صحيحة مطلوبة ، فتأمّل جيّدا. منه رحمه‌الله.

(٤) كالبيع والنكاح والطلاق والعتق.

(٥) وهي المعاني المقصودة إيجادها بالقوّة أو بالفعل ، كالملكيّة والزوجيّة والفراق والحرّيّة.

(٦) لأنّ المسبّبات امور بسيطة ، فليست مركّبة من الأجزاء والشرائط كي تتّصف بالصحّة لو وجد جامعا لجميع الشرائط والأجزاء ، وتتّصف بالفساد لو وجد فاقدا لبعضها ، بل هي إمّا موجودة وترتّبت عليها الآثار العقلائيّة عند وجود أسبابها ، وإمّا معدومة ـ لم تترتّب عليها الآثار ـ عند عدم أسبابها ، فأمرها دائر بين الوجود والعدم ، لا بين الصحّة والفساد.

(٧) وهي الألفاظ المستعملة لإيجاد المعاني المقصودة في وعائها ، كقولنا : «بعت وقبلت».

(٨) لأنّها مركّبة من الأجزاء والشرائط ، فيصحّ أن يقال : إنّ ألفاظ العبادات هل هي أسامي لخصوص تامّة الأجزاء والشرائط ، المؤثّرة في المسبّب أو للأعمّ منها والفاقدة لبعض الأجزاء والشرائط الّتي لم تؤثّر في المسبّب؟

٦٩

لكنّه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضا ، وأنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعا وعرفا (١).

والاختلاف بين الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد (٢) لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى (٣) ، بل الاختلاف في المحقّقات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف (٤) في تخيّل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره محقّقا لما هو

__________________

(١) والأولى أن يقول : «إنّ الموضوع له شرعا وعرفا هو العقد المؤثّر لأثر كذا». بيان ذلك : أنّ في قوله : «شرعا وعرفا» وجهين :

الأوّل : أن يكون قيدا لقوله : «المؤثّر» ، فيكون معنى العبارة : «إنّ الموضوع له اللفظ هو العقد المؤثّر عند العرف والشرع» ، وهذا غير مسموع ، إذ لا شارع حين الوضع كي يلحظ الواضع المؤثّر عنده كما يلحظ المؤثّر عند العرف ويضع اللفظ للمؤثّر عندهما ، بداهة أنّ المعاملات امور عرفيّة ثابتة قبل زمان الشارع وتضع الألفاظ لها في ذلك الزمان. مضافا إلى أنّه لو كان الموضوع له ألفاظ المعاملات هو العقد المؤثّر عند العرف والشرع ، فلا معنى لكثير من الأدلّة الشرعيّة الّتي مفادها إمضاء المعاملات من الشارع ، كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) البقرة / ٢٧٥ ، بداهة أنّه لا معنى لإمضاء الشارع ما كان مؤثّرا عنده ، فهو من تحصيل الحاصل ، كما لا معنى لنهي الشارع عن بيع وهو المؤثّر عنده.

الثاني : أن يكون قيدا لقوله : «الموضوع له» ، فيكون معنى العبارة : «انّ الموضوع له اللفظ عند الشارع والعرف هو العقد المؤثّر لأثّر كذا» ، فالموضوع له عندهما واحد ، وهو العقد المؤثّر ، وإنّما الاختلاف بينهم في تعيين مصداق العقد المؤثّر ، ولمّا كان الشارع عالما بدقائق الامور ويعلم مصاديق العقد المؤثّر فيخطّئ العرف الّذي لم يطّلع على دقائق الامور فيما يتخيّل أنّ العقد بدون الشرط ـ مثلا ـ مصداق لما هو المؤثّر.

فالأولى بل الصحيح هو الوجه الثاني.

(٢) كاختلافهم في اعتبار البلوغ والقبض في المجلس.

(٣) وخالفه السيّد الإمام الخمينيّ بأنّه بناء على كون الأسامي موضوعا للصحيح من الأسباب يرجع الاختلاف بينهما إلى المفهوم ، لا المصاديق فقط ، لأنّ الموضوع له ـ بناء على وضعها للصحيح من الأسباب ـ هو ماهيّة إذا وجدت في الخارج لا تنطبق إلّا على الصحيح المؤثّر ، وهو عند الشرع غير الصحيح المؤثّر عند العرف ، فالماهيّة المنطبقة عليه لدى الشرع غير الماهيّة المنطبقة عليه لدى العرف ، فهما يختلفان في المفهوم والماهيّة. مناهج الوصول ١ : ١٠٧ ـ ١٧١.

(٤) أي : يوجب تخطئة الشرع للعرف.

٧٠

المؤثّر كما لا يخفى. فافهم (١).

الثاني : [في عدم الثمرة للنزاع في المعاملات]

إنّ كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها كألفاظ العبادات ، كي لا يصحّ التمسك بإطلاقها عند الشكّ في اعتبار شيء في تأثيرها شرعا ، وذلك لأنّ إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزّل (٢) على أنّ المؤثّر عند الشارع هو المؤثّر عند أهل العرف ولم يعتبر في تأثيره عنده (٣) غير ما اعتبر فيه عندهم ، كما ينزّل عليه إطلاق كلام غيره حيث إنّه منهم ، ولو اعتبر في تأثيره ما شكّ في اعتباره كان عليه البيان ونصب القرينة عليه ، وحيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا (٤). ولذا يتمسّكون بالإطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم

__________________

(١) لعلّه إشارة إلى احتمال أن يكون الاختلاف بينهما في المفهوم ، كما مرّ.

(٢) أي : يحمل. ولكن اللغة لم تساعد عليه.

(٣) أي : عند الشارع.

(٤) هذا ما ذكره المحقّق الاصفهانيّ (الشيخ محمّد تقيّ) في هداية المسترشدين : ١٠٩. وحاصله دفع دعوى في المقام.

أمّا الدعوى فتقريبه : أنّه لا يمكن التمسّك بإطلاق دليل إمضاء المعاملة لو شكّ في إمضاء فرد خاصّ بناء على الوضع للصحيح. وذلك لأنّ اللفظ موضوع لما هو المؤثّر واقعا في الملكيّة ، وإذا شكّ في فرد أنّه ممضى أو لا؟ فالشكّ يرجع إلى أنّه مؤثّر واقعا أو لا؟ فلا يحرز صدق اللفظ عليه. ومعه لا مجال للتمسّك بإطلاق اللفظ في إثبات الإمضاء للمشكوك فيه. فلا يمكن التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) في إثبات حلّيّة بيع الغرر ، لأنّ الشكّ في حلّيّته يرجع إلى الشكّ في مؤثّريّته ، والشكّ في مؤثّريّته يرجع إلى عدم إحراز صدق لفظ البيع عليه ، إذ المفروض أنّ لفظ البيع موضوع لما هو المؤثّر واقعا ، ومعه لا مجال للتمسّك بإطلاق اللفظ.

وأمّا الدفع فحاصله : أنّ دليل إمضاء المعاملة ـ كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ـ يدلّ على أمرين : (أحدهما) ما يدلّ عليه بالمطابقة ، وهو إمضاء العقد المؤثّر ، ولكن لم يحرز صدقه على الفرد المشكوك إمضاؤه. (ثانيهما) ما يدلّ عليه بالملازمة ، وهو أنّ ما هو المؤثّر واقعا عند العرف مؤثّر عند الشارع. وهذا ما يقتضيه كون الشارع في مقام البيان بضميمة عدم تعرّضه في الدليل لبيان مصداق الموضوع معيّنا ، ضرورة أنّه لمّا لم تكن المعاملات ـ

٧١

إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح.

نعم لو شكّ في اعتبار شيء فيها عرفا فلا مجال للتمسّك بإطلاقها في عدم اعتباره ، بل لا بدّ من اعتباره ، لأصالة عدم الأثر بدونه ، فتأمّل جيّدا.

الثالث : [في الأجزاء الدخيلة في المسمّى]

انّ دخل شيء وجوديّ أو عدميّ في المأمور به تارة بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره ، وجعل جملته متعلّقا للأمر ، فيكون جزءا له وداخلا في قوامه (١). واخرى بأن يكون خارجا عنه (٢) ، لكنّه كان ممّا لا تحصل الخصوصيّة المأخوذة فيه بدونه ، كما إذا اخذ شيء مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلّقا للأمر (٣) ، فيكون من مقدّماته لا مقوّماته. وثالثة بأن يكون ممّا يتشخّص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخّص به عنوانه (٤) ، وربما يحصل له بسببه (٥) مزيّة أو نقيصة ، ودخل هذا فيه أيضا طورا بنحو الشطريّة (٦) وأخرى بنحو الشرطيّة (٧).

__________________

ـ معاني اختراعيّة ، بل هي امور عرفيّة موجودة قبل الشارع ، غاية الأمر أمضاها الشارع بعد ، فإمضاؤها من دون التعرّض لفرد معيّن منها ـ وهو في مقام البيان ـ يقتضي اعتماده على العرف في تشخيص المصداق ، فما هو مؤثّر واقعا عند العرف هو المؤثّر عنده ؛ فإذن لو شكّ في فرد أنّه ممضى أو لا؟ فيقال : إن كان مؤثّرا عند العرف فالدليل يشمله وإلّا فلا.

(١) كتكبيرة الإحرام والركوع والسجود.

(٢) أي : خارجا عن قوام المأمور به.

(٣) المراد من قوله : «شيء» هو المأمور به ، فمعنى العبارة : أنّه إذا اخذ المأمور به متعلّقا للأمر مسبوقا بما يكون دخيلا في حصول الخصوصيّة المترقّبة منه ـ كالطهارات الثلاث المتقدّمة على الصّلاة ـ أو ملحوقا به ـ كغسل المستحاضة في الليلة الآتية بالنسبة إلى صوم اليوم المقدّم عليها ـ أو مقارنا ـ كالستر والاستقبال ـ.

(٤) أي : عنوان المأمور به.

(٥) أي : بسبب ما يوجب تشخّص المأمور به.

(٦) كالقنوت ، فهو يوجب تشخّص المأمور به وتعنونه بعنوان الصّلاة مع القنوت ، ويوجب حصول المزيّة في الصّلاة. وكالتكتّف الّذي يوجب نقصها بناء على كراهته.

(٧) كالأذان والإقامة ، فهما شرطان يوجبان إيجاد المزيّة في الصّلاة ، وكالصّلاة في الحمام ، فإنّ الإتيان بها في الحمام يوجب نقصانها.

٧٢

فيكون الإخلال بما له دخل بأحد النحوين (١) في حقيقة المأمور به وماهيّته موجبا لفساده لا محالة ؛ بخلاف ما له الدخل في تشخّصه وتحقّقه مطلقا ، شطرا كان أو شرطا ، حيث لا يكون الإخلال به إلّا إخلالا بتلك الخصوصيّة مع تحقّق الماهيّة بخصوصيّة اخرى غير موجبة لتلك المزيّة ، بل كانت موجبة لنقصانها ، كما أشرنا إليه ، كالصلاة في الحمّام.

ثمّ إنّه ربما يكون الشيء ممّا يندب إليه فيه (٢) ، بلا دخل له أصلا ـ لا شطرا ولا شرطا ـ في حقيقته ولا في خصوصيّته وتشخّصه ، بل له دخل ظرفا في مطلوبيّته بحيث لا يكون مطلوبا إلّا إذا وقع في أثنائه (٣) فيكون مطلوبا نفسيّا في واجب أو مستحبّ ، كما إذا كان مطلوبا كذلك قبل أحدهما أو بعده (٤) ، فلا يكون الإخلال به (٥) موجبا للإخلال به (٦) ماهيّة ولا تشخّصا وخصوصيّة أصلا.

إذا عرفت هذا كلّه ، فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيّا في التسمية بأساميها ، وكذا فيما له (٧) دخل في تشخّصها مطلقا.

وأمّا ما له الدخل شرطا في أصل ماهيّتها فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها ، مع الذهاب إلى دخل ما له الدخل جزءا فيها ، فيكون الإخلال بالجزء مخلّا بها دون الإخلال بالشرط ، لكنّك عرفت أنّ الصحيح اعتبارهما فيها.

__________________

(١) أي : الشرطيّة والشطريّة.

(٢) أي : ممّا يدعو إليه في المأمور به.

(٣) كالقنوت.

(٤) والأولى أن يقول : «مثل ما يكون مطلوبا كذلك ـ أي نفسيّا ـ قبل أحدهما كالأذان والإقامة ، أو بعد أحدهما كالتسبيحات الأربعة».

(٥) أي : ما يندب إليه في المأمور به.

(٦) أي : المأمور به.

(٧) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «وكذا ما له ...».

٧٣

الحادي عشر

[في الاشتراك]

الحقّ وقوع الاشتراك (١) ، للنقل (٢) والتبادر وعدم صحّة السلب بالنسبة إلى معنيين أو أكثر للفظ واحد ؛ وإن أحاله بعض (٣) ، لإخلاله بالتفهّم المقصود من الوضع ، لخفاء القرائن. لمنع الإخلال أوّلا ، لإمكان الاتّكال على القرائن الواضحة ، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا ، لتعلّق الغرض بالإجمال أحيانا.

كما أنّ استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهّم (٤) ، لأجل لزوم التطويل بلا طائل مع الاتّكال على القرائن ، والإجمال في المقال لو لا الاتّكال

__________________

(١) وهو وضع لفظ لمعنيين أو أكثر بأوضاع متعدّدة.

(٢) أي : لأنّ أهل اللغة نقلوا الاشتراك في بعض الألفاظ بالنسبة إلى معنيين أو أكثر ، كما في لفظ «العين» في لغة العرب ، ولفظ «شير» في لغة العجم.

(٣) كالأبهريّ والبلخيّ وتغلب من القدماء على ما في مفاتيح الاصول : ٢٣ ، والمحقّق النهاونديّ من المتأخّرين في تشريح الاصول : ٤٧.

وحوّله السيّد المحقّق الخوئيّ ـ بناء على ما ذهب إليه في معنى الوضع من أنّه تعهّد الواضع في نفسه ـ بأنّه متى ما تكلّم بلفظ مخصوص لا يريد منه إلّا تفهيم معنى خاصّ ، ومن المعلوم أنّه لا يجتمع مع تعهّده ثانيا بأنّه متى ما تكلّم بذلك اللفظ الخاصّ لا يقصد إلّا تفهيم معنى آخر يباين الأوّل ، ضرورة أنّ معنى ذلك هو النقض لما تعهّده أوّلا. راجع المحاضرات ١ : ٢٠٢.

(٤) أي : توهّم استحالته.

٧٤

عليها ، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى ، كما لا يخفى. وذلك (١) لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتّكال على حال أو مقال اتي به لغرض آخر ؛ ومنع كون الإجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه ممّا يتعلّق به الغرض ، وإلّا لما وقع المشتبه في كلامه ، وقد أخبر في كتابه وقوعه فيه ، قال الله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٢).

وربما توهّم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات (٣) ، لأجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ المركّبات ، فلا بدّ من الاشتراك فيها.

وهو فاسد ، لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني ، لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية (٤) ؛ ولو سلّم (٥) لم يكد يجدي إلّا في مقدار متناه (٦) ؛ مضافا إلى تناهي المعاني الكلّيّة ، وجزئيّاتها وإن كانت غير متناهية إلّا أنّ وضع الألفاظ بإزاء كلّيّاتها يغني عن وضع لفظ بإزائها ، كما لا يخفى ؛ مع أنّ المجاز باب واسع (٧) ، فافهم (٨).

__________________

(١) أي : وعدم استحالة استعمال المشترك في القرآن.

(٢) آل عمران / ٧.

(٣) كما توهّمه الفيّوميّ في فصل الجمع من خاتمة المصباح المنير : ٩٥٦.

(٤) وصدورها من واضع متناه محال.

(٥) بأن يقال : «الأوضاع غير المتناهية ممكنة ، لأنّ الواضع هو الله تعالى».

(٦) لأنّه وإن فرض أنّ الواضع هو الله تعالى ، وهو قادر على أوضاع غير متناهية ، إلّا أنّ مستعملها هو البشر ، وهو لا يقدر إلّا على استعمال ألفاظ متناهية في معاني متناهية ، فالوضع زائدا على ما يقدر البشر على استعمالها لغو ولا يصدر من الواضع الحكيم.

(٧) فيجوز أن يوضع الألفاظ لمعاني متناهية ، ويستعمل في غيرها مجازا.

(٨) لعلّه إشارة إلى ما أورد عليه تلميذه المحشّي المشكينيّ من أنّه لا بدّ في المجازيّة من المناسبة المصحّحة للاستعمال طبعا أو وضعا ، وإذا فرض كون المعاني الموضوع لها متناهية فالمناسب لها لا يكون إلّا متناهيا ، فلا ينفع كون المجاز بابا واسعا.

٧٥

الثاني عشر

[استعمال اللفظ في أكثر من معنى]

أنّه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال ـ بأن يراد منه كلّ واحد كما إذا لم يستعمل إلّا فيه (١) ـ على أقوال (٢).

__________________

(١) توضيحه : أنّ في استعمال اللفظ في أكثر من معنى وجهين :

الأوّل : أن يكون المراد منه استعمال اللفظ في معان متعدّدة مستقلّة بكشف واحد واستعمال واحد ، نظير العامّ الاستغراقيّ الّذي يستعمل ويراد به كلّ فرد فرد بلا ارتباط بغيره من الأفراد ويجعل اللفظ العامّ كاشفا عن الجميع. ولا شكّ أنّ هذا بمكان من الإمكان ، ضرورة صحّة استعمال العامّ وإرادة أفراده بنحو الشمول.

الثاني : أن يكون المراد منه استعماله في كلّ معنى بنحو الاستقلال ، بأن يكون اللفظ مرآة لكلّ من المعاني مستقلّا ، فيكون مستعملا في كلّ منها ، والاستعمال الواحد بمنزلة استعمالين أو أكثر ، فيدلّ على كلّ واحد منها كما إذا لم يدلّ عليه فقط. هذا هو محلّ البحث في المقام.

(٢) ذهب المصنّف ـ تبعا لصاحبي الفصول والقوانين ـ إلى عدم إمكانه عقلا. وتبعه الأعلام الثلاثة : المحقّق الاصفهانيّ والمحقّق النائينيّ والمحقّق العراقيّ. فراجع الفصول الغرويّة : ٥٤ ، قوانين الاصول ١ : ٧٠ ، نهاية الدراية ١ : ١٠١ ـ ١٠٥ ، أجود التقريرات ١ : ٥١ ، نهاية الأفكار ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩.

وخالفهم الشيخ المحقّق الحائريّ والسيّد البروجرديّ ، فذهبا إلى جوازه عقلا وعرفا. وتبعهما تلميذهما السيّد الإمام الخمينيّ. فراجع درر الفوائد ١ : ٢٥ ، نهاية الاصول : ٥٣ ، مناهج الوصول ١ : ١٨٠.

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى جوازه عقلا ومنعه عرفا. راجع المحاضرات ١ : ٢٠٨ ـ ٢١٠ و ٢١٥. ـ

٧٦

أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا. وبيانه : أنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى ، بل جعله وجها وعنوانا له ، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى (١) ، ولذا يسري إليه قبحه أو حسنه (٢) ، كما لا يخفى. ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك (٣) إلّا لمعنى واحد ، ضرورة أنّ لحاظه (٤) هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر ، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه (٥) كذلك في استعمال واحد؟ مع استلزامه (٦)

__________________

ـ ثمرة النزاع :

لا يخفى : أنّ هذه المسألة من المسائل المهمّة الّتي لها آثار عمليّة في الفقه. ومن مظاهر ثمرة البحث عن هذه المسألة قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) النساء / ٢٣ ، فإنّ في كلمة «من» وجوه :

الأوّل : أن تكون متعلّقة ب «نسائكم» في قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ). وعليه يكون معناها : وامّهات نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ حرام عليكم. فلا تدلّ الآية على تقيّد حرمة الربائب بالدخول في النساء.

الثاني : أن تكون متعلّقة بقوله تعالى : (رَبائِبُكُمُ) ، وعليه يكون معناها : ربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ حرام. فالآية انّما تدلّ على تقيّد حرمة الربائب بالدخول في النساء ، وأمّا امّهات النساء مطلقة.

الثالث : أن تكون متعلّقة بهما معا ، فكانت كلمة «من» مستعملة في معنيين.

فإذا بني على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى أمكن البناء على تعلّقها بهما معا ، وتثبت حينئذ أنّ حرمة امّهات النساء وربائب النساء مقيّدة بالدخول في النساء. وإذا بني على امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يمكن البناء على تعلّقها بهما ، بل لا بدّ من حملها إمّا على الوجه الأوّل وإمّا على الوجه الثاني.

(١) أي : بل كان اللفظ بوجه نفس المعنى بحيث إذا ألقاه المتكلّم كأنّه ألقى نفس المعنى ، فاللفظ مرآة للمعنى وفان فيه فناء الوجه في ذي الوجه.

(٢) أي : ولمّا كان اللفظ وجه المعنى فيسري إلى اللفظ قبح المعنى أو حسنه.

(٣) أي : وجها وعنوانا للمعنى.

(٤) أي : لحاظ اللفظ.

(٥) أي : مع المعنى الأوّل.

(٦) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «استلزامها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى «إرادة».

٧٧

للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال (١).

وبالجملة : لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين(٢) ، إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين.

فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا ـ مفردا كان أو غيره ـ في أكثر من معنى ، بنحو الحقيقة أو المجاز.

ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه ، فإنّ اعتبار الوحدة في الموضوع له واضح المنع(٣).

وكون الوضع في حال وحدة المعنى وتوقيفيّته (٤) لا يقتضي عدم الجواز بعد ما لم تكن الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له ، كما لا يخفى (٥).

__________________

(١) والحاصل : أنّ إرادة معنى آخر مع المعنى الأوّل ولحاظ اللفظ وجها للمعنى الثاني كما لوحظ وجها للمعنى الأوّل يستلزم لحاظ اللفظ ثانيا غير لحاظه أوّلا ، وهذان اللحاظان متضادّان يمتنع اجتماعهما في استعمال واحد.

(٢) والأولى أن يقول : «لا يكاد يمكن في استعمال واحد لحاظ اللفظ وجها لأكثر من معنى وفانيا في أكثر من معنى».

(٣) والحاصل : أنّه لو تنزّلنا وقلنا بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلا فلا وجه لعدم جوازه ، بل الجواز ما تقتضيه القواعد الأدبيّة وأصل الوضع ، فلا مانع من ذلك إلّا ما ذكره صاحب المعالم في معالم الدين : ٣٩ من أنّ اللفظ موضوع للمعنى بقيد الوحدة ، فاستعماله في أكثر من معنى يستلزم الغاء قيد الوحدة ، فلا يكون استعمالا في الموضوع له اللفظ. ولكنّه واضح المنع ، لأنّ الموضوع له ليس إلّا ذات المعنى بلا لحاظ قيد الوحدة فيه ، ضرورة أنّ الواضع حين الوضع لا يلحظ سوى ذات المعنى ويضع له اللفظ.

(٤) تعريض بما استدلّ به المحقّق القمّي على عدم الجواز. وحاصله : أنّ الوضع قد حصل حال وحدة المعنى ، ولمّا كان الوضع توقيفيّا فلا بدّ من مراعاة وحدة المعنى حين استعمال اللفظ ، فلا يجوز استعماله في أكثر من معنى. قوانين الاصول ١ : ٧٠.

(٥) وحاصل الجواب : أنّ وحدة المعنى حال الوضع لا يمنع عن جواز استعمال اللفظ في أكثر ، إلّا أن تكون الوحدة قيدا للوضع ـ بأن اشترط الواضع على المستعملين أن لا يستعملوا اللفظ إلّا في المعنى الواحد ـ أو قيدا للموضوع له ـ بأن وضع اللفظ بإزاء المعنى المقيّد بالوحدة ـ ، وكلاهما ممنوع.

٧٨

ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك (١) فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد ـ مستدلّا على كونه بنحو الحقيقة فيهما لكونها (٢) بمنزلة تكرار اللفظ (٣) ، وبنحو المجاز فيه لكونه (٤) موضوعا للمعنى بقيد الوحدة ، فإذا استعمل في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة فيكون مستعملا في جزء المعنى بعلاقة الكلّ والجزء ، فيكون مجازا (٥).

وذلك لوضوح أنّ الألفاظ لا تكون موضوعة إلّا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة ، وإلّا لما جاز الاستعمال في الأكثر ، لأنّ الأكثر ليس جزء المقيّد بالوحدة ، بل يباينه مباينة الشيء بشرط شيء والشيء بشرط لا (٦) ، كما لا يخفى.

والتثنية والجمع وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ ، إلّا أنّ الظاهر أنّ اللفظ فيهما كأنّه كرّر واريد من كلّ لفظ فرد من أفراد معناه (٧) ، لا أنّه اريد منه معنى من معانيه (٨). فإذا قيل مثلا : «جئني بعينين» اريد فردان من العين الجارية ، لا العين الجارية والعين الباكية.

__________________

(١) أي : عن عدم جوازه عقلا.

(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «بكونهما» ، فإنّه متعلّق بقوله : «مستدلّا» ، والضمير يرجع إلى التثنية والجمع.

(٣) فكما يصحّ أن يذكر لفظ «عين» ويراد به معنى معيّن ، وأن يذكر ثانيا ويراد به معنى آخر ، كذلك يصحّ أن يذكر لفظ «عينين» ويراد به معنيين ، لأنّه في قوّة قولنا : «عين وعين». وكذا في الجمع.

(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «بكونه» أي : مستدلّا على كون الجواز بنحو المجاز في المفرد بكون المفرد ...

(٥) انتهى كلام صاحب المعالم. فراجع معالم الدين : ٣٩.

(٦) لأنّ الموضوع له هو المعنى بشرط أن لا يكون معه غيره ، والمستعمل فيه هو المعنى بشرط أن يكون معه غيره.

(٧) فيراد من التثنية فردان من طبيعة واحدة ، فإذا قيل : «جئني بعينين» اريد منه فردان من طبيعة العين الجارية ـ مثلا ـ ، لا فرد من الجارية وفرد من الباكية.

(٨) أي : لا يراد من التثنية معنيان ، فلا يراد من قولنا : «جئني بعينين» العين الجارية والعين الباكية.

٧٩

والتثنية والجمع في الأعلام (١) إنّما هو بتأويل المفرد إلى المسمّى بها (٢). مع أنّه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتّحاد في اللفظ في استعمالهما حقيقة ، بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية «العين» حقيقة ، لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر ، لأنّ هيئتهما (٣) إنّما تدلّ على إرادة المتعدّد ممّا يراد من مفردهما ، فيكون استعمالهما وإرادة المتعدّد من معانيه (٤) استعمالهما في معنى واحد ، كما إذا استعملا واريد المتعدّد من معنى واحد منهما ، كما لا يخفى.

نعم لو اريد ـ مثلا ـ من «عينين» فردان من الجارية وفردان من الباكية كان من استعمال العينين في المعنيين ، إلّا أنّ حديث التكرار لا يكاد يجدي في ذلك أصلا ، فإنّ فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا ، ضرورة أنّ التثنية عنده إنّما يكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة. والفرق بينهما وبين المفرد إنّما يكون في أنّه موضوع للطبيعة ، وهي موضوعة لفردين منها أو معنيين ، كما هو أوضح من أن يخفى.

وهم ودفع

لعلّك تتوهّم أنّ الأخبار الدالّة على أنّ للقرآن بطونا سبعة (٥) أو سبعين (٦) تدلّ

__________________

(١) إشارة إلى إشكال مقدّر ، حاصله : أنّ ما ذكرتم في التثنية والجمع لا يتمّ في تثنية الأعلام ولا في جمعها ، لأنّ المراد من المثنّى في الأعلام هو معنيان ، إذ كلّ لفظ من مفردها وضع لما هو مباين للموضوع له الآخر ، فإنّ كلمة «زيدين» ـ مثلا ـ يستعمل ويراد به معنيان ، لا فردان من معنى واحد.

(٢) أي : بالأعلام. هذا دفع الإشكال المذكور ، وحاصله : أنّ الأعلام الّتي تلحقها علامة التثنية والجمع ليست مستعملة في معانيها الحقيقيّة الّتي لا تقبل التعدّد ، بل تستعمل في معنى مجازيّ ـ وهو «المسمّى» ـ ثمّ تثنّى وتجمع ، فعلامة التثنية والجمع ترد على المسمّى ويكون معنى قولنا : «زيدان» فردين من المسمّى بلفظ «زيد».

(٣) وهي : الألف والنون أو الواو والنون.

(٤) أي : معاني المفرد.

(٥) بحار الأنوار ٩٢ : ٧٨ ـ ١٠٦ ، الكافي ٢ : ٥٩٩.

(٦) لم أعثر على رواية تدلّ على أنّ للقرآن سبعين بطنا.

٨٠