كفاية الأصول - ج ١

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٦
ISBN: 978-964-470-184-9
الصفحات: ٢٩٦

علم أنّ مجرّد امتثاله لا يكون علّة تامّة لحصول الغرض وإن كان وافيا به لو اكتفى به ؛ كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد ، فإنّ الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد. ولذا لو اهرق الماء واطّلع عليه العبد وجب عليه إتيانه ثانيا ، كما إذا لم يأت به أوّلا ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه ، وإلّا لما أوجب حدوثه ، فحينئذ يكون له الإتيان بماء آخر موافق للأمر ، كما كان له قبل إتيانه الأوّل ، بدلا عنه.

نعم ، فيما كان الإتيان علّة تامّة لحصول الغرض ، فلا يبقى موقع للتبديل ، كما إذا امر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه. بل لو لم يعلم أنّه من أيّ القبيل فله التبديل باحتمال أن لا يكون علّة ، فله إليه سبيل (١).

ويؤيّد ذلك ، بل يدلّ عليه ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلّى فرادى جماعة وأنّ الله تعالى يختار أحبّهما إليه (٢).

الموضع الثاني

[في إجزاء وعدم إجزاء الإتيان بالمأمور به الاضطراريّ أو الظاهريّ]

وفيه مقامان :

__________________

(١) ولا يخفى : أنّ ما ذهب إليه المصنّف ـ من جواز الامتثال عقيب الامتثال فيما إذا علم أنّ الامتثال الأوّل لا يكون علّة تامّة لحصول الغرض ـ واقع مورد النقض والإبرام بين المحقّقين من الأعلام.

فذهب المحقّق العراقيّ إلى امتناعه عقلا ؛ والمحقّق الاصفهانيّ إلى أنّ إتيان المأمور به بحدوده علّة تامّة لحصول الغرض مطلقا فيسقط الأمر ولا مجال للامتثال ثانيا ؛ والمحقّق النائينيّ إلى أنّ تبديل الامتثال في الشرعيّات يحتاج إلى دليل يكشف عن عدم سقوط الغرض عند سقوط الأمر ، ومع عدم الدليل لا يمكن للمكلّف التبديل ، ولم نعثر في الشريعة على دليل عليه. فراجع بدائع الأفكار ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، نهاية الدراية ١ : ٢٦٣ ، فوائد الاصول ١ : ٢٤٣.

وذهب السيّدان العلمان ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ إلى امتناع الامتثال بعد الامتثال مطلقا. فراجع المحاضرات ٢ : ٢٢٥ ، ومناهج الوصول ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) راجع الوسائل ٥ : ٤٥٥ ـ ٤٥٧ ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة.

١٦١

المقام الأوّل : في أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ هل يجزئ عن الإتيان بالمأمور به (١) بالأمر الواقعيّ ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة وفي خارجه قضاء أو لا يجزئ (٢)؟

تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلّم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراريّ من الأنحاء وبيان ما هو قضيّة كلّ منها من الإجزاء وعدمه ، واخرى في تعيين ما وقع عليه.

فاعلم : أنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراريّ في حال الاضطرار كالتكليف الاختياريّ في حال الاختيار (٣) وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهمّ والغرض ؛ ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك (٤) ، بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه ، أولا يمكن ؛ وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحبّ.

ولا يخفى : أنّه إن كان وافيا به يجزئ. فلا يبقى مجال أصلا للتدارك ، لا قضاء

__________________

(١) وفي النسخة الأصليّة : «عن القضاء والإتيان بالمأمور به». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) مثلا : إذا أتى بالصلاة قاعدا ثمّ زال الاضطرار قبل خروج الوقت ، فهل يجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه أم لا؟ أو إذا أتى بالصلاة مع الطهارة الترابيّة ثمّ زال الاضطرار في الوقت ، فهل يجزئ الإتيان بها عن الصلاة مع الطهارة المائيّة فلا يجب عليه ـ بعد زوال الاضطرار ـ الاعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، أم لا فيجب عليه إتيانها في الوقت إعادة وفى خارج الوقت قضاء؟

ولا يخفى : أنّ النزاع في المقام انّما يجرى فيما إذا كان الموضوع للأمر الاضطرارىّ وجود العذر غير المستوعب لتمام الوقت ؛ وأمّا إذا كان الموضوع وجود العذر المستوعب لتمام الوقت فلا مجال للنزاع في الإجزاء وعدمه ، لأنّه حينئذ لا أمر واقعيّا كي يقال : إنّ امتثال المأمور به بالأمر الاضطراريّ هل يجزئ عن الأمر الواقعيّ أم لا؟

(٣) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «يمكن أن يكون المكلّف به في التكليف الاضطراريّ حال الاضطرار كالمكلّف به في التكليف الاختياريّ حال الاختيار». وذلك لأنّ المصالح قائمة بمتعلّقات الأحكام ، لا نفس الأحكام.

(٤) أي : كالقسم الأوّل الّذي كان وافيا.

١٦٢

ولا إعادة.

وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه. ولا يكاد يسوغ له البدار (١) في هذه الصورة (٢) إلّا لمصلحة كانت فيه (٣) ، لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهمّ ، فافهم.

لا يقال : عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لإمكان استيفاء الغرض بالقضاء.

فإنّه يقال : هذا كذلك لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت.

وأمّا تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرّد الاضطرار ـ مطلقا ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طروء الاختيار ـ ذا مصلحة ووافيا بالغرض.

وإن لم يكن وافيا وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن كان الباقي ممّا يجب تداركه فلا يجزئ ولا بدّ من إيجاب الإعادة أو القضاء ، وإلّا فيجزئ.

ولا مانع عن البدار في الصورتين ، غاية الأمر يتخيّر في الصورة الاولى بين البدار والإتيان بعملين ـ العمل الاضطراريّ في هذا الحال ، والعمل الاختياريّ بعد رفع الاضطرار ـ أو الانتظار (٤) والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ؛ وفي الصورة الثانية يتعيّن عليه استحباب البدار وإعادته بعد طروء الاختيار (٥).

__________________

(١) وهو المبادرة إلى إتيان المأمور به الاضطراريّ في أوّل وقت الاضطرار.

(٢) أي : صورة عدم الوفاء وعدم امكان تدارك الباقي. وذلك لأنّه مستلزم للإذن في تفويت مقدار من المصلحة ، وهو قبيح.

(٣) أي : في البدار ، كمصلحة أوّل الوقت.

(٤) والأولى أن يقول : «وبين الانتظار و...».

(٥) ما أثبتناه من العبارة مطابق للنسخة الأصليّة بعد التأمّل فيها ، وإن يحتمل ـ على ما يقتضي ظاهرها ـ تغيير العبارة وتبديلها بقوله : «يتعيّن عليه البدار ويستحبّ إعادته بعد طروء الاختيار». ـ

١٦٣

هذا كلّه فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراريّ من الأنحاء (١).

وأمّا ما وقع عليه : فظاهر إطلاق دليله ـ مثل قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (٢) وقوله عليه‌السلام : «التراب أحد الطهورين» (٣) و «يكفيك عشر سنين» (٤) ـ هو الإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء. ولا بدّ في إيجاب الإتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص.

وبالجملة : فالمتّبع هو الإطلاق لو كان ، وإلّا فالأصل ، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة ، لكونه شكّا في أصل التكليف (٥) ؛ وكذا من

__________________

ـ وما أثبتناه موافق أيضا لما في حقائق الاصول للسيّد الحكيم ، كما أنّ العبارة الثانية توافق ما في كتاب الكفاية المحشّى بحاشية العلّامة القوچانيّ والمحشّى بحاشية العلّامة المشكينيّ.

والصحيح ما أثبتناه ، لأنّ البدار مستحبّ بلا ريب ، ولا معنى لتعيّنه على المكلّف. وعليه يكون معنى العبارة : أنّه يتعيّن على المكلّف أمران مستحبّان : (أحدهما) في حال الاضطرار ، وهو البدار ، لقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) البقرة / ١٤٨. و (ثانيهما) بعد طروء الاختيار ، وهو الإعادة لاستيفاء المصلحة غير الملزمة.

(١) وبعبارة اخرى : هذا كلّه في مقام الثبوت.

(٢) النساء / ٤٣ ، والمائدة / ٦.

(٣) هذا مفاد الروايات الواردة في الباب ، وإليك نصّها : «إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». الوسائل ١ : ٩٩ ، الباب ١ من أبواب كتاب الطهارة ، الحديث ١.

(٤) عن أبي ذر ، أنّه أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء! قال : فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحمل ، فاستترت به وبماء ، فاغتسلت أنا وهي. ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين». وسائل الشيعة ٢ : ٩٨٤ ، الباب ١٤ من أبواب التيمّم ، الحديث ١٢.

(٥) وخالفه السيّد المحقّق الخوئيّ ، فقال : «لا يجوز التمسّك بأصالة البراءة. وذلك لأنّ رفع الاضطرار في أثناء الوقت ـ كما في المفروض في المقام ـ كاشف عن عدم تعلّق الأمر واقعا بالفعل الاضطراريّ ليكون الإتيان به مجزيا عن الواقع ، بل من الأوّل كان متعلّقا بالفعل الاختياريّ التامّ ، والمفروض عدم امتثاله ، فإذن لا نشكّ في وجوب الإتيان به لنتمسك بأصالة البراءة عنه». المحاضرات ٢ : ٢٣٦.

ولا يخفى : أنّ كلامه هذا يناقض ما ذكره تعليقا على أجود التقريرات ١ : ١٩٦ ، حيث قال : «فإن كان لدليل الأمر بالفعل الاضطراريّ إطلاق يقتضي جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال ولو كان الاضطرار مرتفعا بعده فهو المرجع ، والّا فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الإعادة ، ...». ـ

١٦٤

إيجاب (١) القضاء بطريق أولى. نعم ، لو دلّ دليله على أنّ سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجبا عليه لتحقّق سببه وإن أتى بالغرض ، لكنّه مجرّد الفرض.

المقام الثاني : في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهريّ وعدمه (٢)

__________________

ـ والتحقيق : أنّ الأمر متعلّق بالطبيعة الّتي لها مصاديق مختلفة ، وللمكلّف أن يخيّر بينها ، غاية الأمر يكون فردها حال الاضطرار الفرد الاضطراريّ كما يكون فردها حال الاختيار الفرد الاختياريّ ، فله أن يخيّر بين الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابيّة فيما إذا طرأ عليه الاضطرار وبين الانتظار إلى زمان رفع الاضطرار والإتيان بالاختياريّ ، كما أنّ المكلّف مخيّر بين أن يأتي بالصلاة الثنائيّة حال السفر وبين أن ينتظر إلى أن يتمّ السفر قبل إتمام وقت الصلاة ويأتي بالرباعيّة.

وبالجملة : فلا يعقل بقاء الأمر مع الإتيان بالمأمور به الاضطراريّ ، فإنّه مصداق للطبيعة المأمور بها ، فلا مجال للتشكيك في الإجزاء ولا في عدم وجوب الإعادة.

(١) وفي بعض النسخ : «عن إيجاب» ، والصحيح ما أثبتناه ، وهو الموافق لما في النسخة الأصليّة.

(٢) وقبل الخوض في تحقيق المقام ينبغي تقديم مقدّمتين :

الاولى : في محلّ النزاع. وهو فيما إذا كان المأمور به والتكليف به معلوما ، وكان مركّبا ذا شرائط وموانع ، وقام الدليل على تحقّق جزء أو شرط أو عدم مانع أو على نفي جزئيّة جزء أو شرطيّة شرط أو مانعيّة مانع ، ثمّ انكشف أنّ المأمور به غير ما دلّ عليه الدليل ، فيقع الكلام في أنّ الإتيان بهذا المركّب مع ترك ما يعتبر فيه حسب ما يؤدّى إليه الأمارة أو الأصل هل يوجب الإجزاء عن المأمور به الواقعيّ أم لا؟ فلو قام أصل أو أمارة على عدم جزئيّة السورة ـ مثلا ـ في الصلاة ، فصلّى ولم يأت بالسورة ، ثمّ انكشف أنّ السورة جزء للصلاة فهل تكون الصلاة الفاقدة للسورة مجزئة عن الصلاة مع السورة أم لا؟

وأمّا إذا شكّ في أصل المأمور به والتكليف به ، وقام دليل على التكليف به أو على عدم التكليف به ثمّ انكشف خلافه ، فلا يدخل في محلّ النزاع ، ولا معنى للإجزاء فيه.

والظاهر من كلماتهم أنّ النزاع لا يختصّ بالشبهات الحكميّة ، بل يعمّ الشبهات الموضوعيّة ؛ بخلاف السيّد المحقّق الخوئيّ ، فإنّه صرّح باختصاص محلّ النزاع بالشبهات الحكميّة ، فراجع المحاضرات ٢ : ٢٦٠.

الثانية : في الفرق بين الأصل والأمارة. وهو ـ كما قيل ـ أنّ الأصل حكم كلّيّ مجعول للمكلّف في مقام العمل عند الحيرة والشكّ بلا نظر إلى الواقع ؛ والأمارة هي ما يدلّ على ثبوت الحكم واقعا في ظرف الشكّ في الواقع وأنّ مؤدّاها حكم واقعيّ تصحّ نسبته إلى الله ـ

١٦٥

والتحقيق : أنّ ما كان منه (١) يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه ، وكان بلسان تحقّق ما هو شرطه أو شطره ، كقاعدة الطهارة أو الحلّيّة ـ بل واستصحابهما في وجه قويّ (٢) ـ ونحوها (٣) بالنسبة إلى كلّ ما اشترط بالطهارة أو

__________________

ـ تعالى وتترتّب عليه آثار الواقع ظاهرا.

إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم أنّهم اختلفوا في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهريّ وعدمه على أقوال :

القول الأوّل : الإجزاء مطلقا ، في الاصول والأمارات. وهذا ما ذهب إليه المحقّق الاصفهانيّ بعد القول بسببيّة الأمارات. وذهب إليه السيّد البروجرديّ أيضا ، بل نسبه إلى الفقهاء إلى عصر الشيخ الأنصاريّ. بحوث في علم الاصول : ١٢٠ ـ ١٢٥ ، نهاية الاصول ١ : ١٢٩.

القول الثاني : عدم الإجزاء مطلقا. وهذا ما يظهر من الشيخ الأنصاريّ على ما في تقريرات درسه «مطارح الأنظار» : ٢١ ـ ٢٣. وذهب إليه المحقّق النائينيّ ـ قائلا أنّه مقتضى القواعد وإن ثبت الإجماع على الإجزاء في العبادات ـ ، فراجع فوائد الاصول ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٨ ، أجود التقريرات ١ : ١٩٧ ـ ١٩٩ و ٢٠٦.

القول الثالث : الإجزاء في خصوص الاصول الجارية لتنقيح موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه ، كقاعدة الطهارة وأصالة الحلّيّة واستصحابهما ونحوها ، وعدم الإجزاء في الأمارات بناء على طريقيّتها. وهذا ما ذهب إلى المصنّف في المقام ، وتبعه السيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ٣١٥ و ٣١٧.

القول الرابع : ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ من عدم الإجزاء في الأمارات على الطريقيّة مطلقا ، وعلى الموضوعيّة كذلك إلّا فيما إذا كان مفاد دليل الأمارة بلسان تنزيل المؤدّى مع اقتضائه لتوسعة الأثر الّذي هو موضوع التكليف الواقعيّ حقيقة. والتفصيل بين الاصول المتكفّلة للتنزيل ـ كالاستصحاب وقاعدتي الطهارة والحلّيّة ـ فلا يقتضى الإجزاء ، والاصول غير المتكفّلة للتنزيل فيقتضي الإجزاء. نهاية الأفكار ١ : ٢٤٣ ـ ٢٥٥ ، مقالات الاصول ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨٥.

القول الخامس : التفصيل بين القول بالطريقيّة في باب الأمارات والحجج والقول بالسببيّة. فعلى الأوّل مقتضى القاعدة عدم الإجزاء في موارد الاصول والأمارات ، وعلى الثاني مقتضاها الإجزاء كذلك. وهذا ما ذهب إليه السيّد المحقّق الخوئيّ على ما في المحاضرات ٢ : ٢٦٠.

(١) أي : من الأمر الظاهريّ.

(٢) وهو كون المجعول في الاستصحاب حكما ظاهريّا مماثلا للحكم الواقعيّ ، كما يأتي في مبحث الاستصحاب من الاصول العمليّة إن شاء الله.

(٣) أي : نحو قاعدة الطهارة وقاعدة الحلّيّة واستصحابيهما ، كقاعدة الفراغ والتجاوز.

١٦٦

الحلّيّة ، يجزئ ، فإنّ دليله (١) يكون حاكما على دليل الاشتراط ، ومبيّنا لدائرة الشرط ، وأنّه أعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة ، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل (٢).

وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنّه ما هو الشرط واقعا ـ كما هو لسان الأمارات ـ ، فلا يجزئ ، فإنّ دليل حجّيّته حيث كان بلسان أنّه واجد لما هو شرطه الواقعيّ ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنّه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقدا.

هذا (٣) على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات من أنّ حجّيّتها ليست بنحو السببيّة.

__________________

(١) أي : دليل الأمر الظاهريّ الّذي كان بهذا النحو. والأنسب ـ بلحاظ قوله : «وأنّه أعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة» ـ تأنيث الضمير وإرجاعها إلى قاعدة الطهارة.

(٢) توضيحه : أنّ أدلّة اشتراط الطهارة تتكفّل إثبات الشرطيّة للطهارة ودخلها في العمل المشترط بها ، ودليل قاعدة الطهارة «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» يتكفّل لتوسعة صدق موضوع الشرطيّة المأخوذ في دليل الاشتراط ويبيّن أنّ الطهارة الظاهريّة أحد أفراد الموضوع المأخوذ في دليل الاشتراط ، فيكون المأتي به مع الطهارة الظاهريّة واجدا لشرط الطهارة واقعا في ظرف الشكّ ومجزيا عن الواقع لإتيانه بالمأمور به بشرطه ، فإذا زال الشكّ وعلم بالنجاسة وزالت الطهارة الظاهريّة لم ينكشف فقدان العمل لشرطه ، لأنّه واجد للشرط واقعا وهو الطهارة الظاهريّة ، بل انّما يكون من باب تبدّل الموضوع وارتفاع الشرط بارتفاع موضوعه من حيث زوال الشكّ.

وبالجملة : فدليل قاعدة الطهارة ـ وهي قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء طاهر ...» ـ حاكم على أدلّة الاشتراط ـ أعني قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» ونحوه ـ ، لأنّه يوجب التوسعة في موضوعها.

ولا يخفى : أنّ الحكومة المدّعاة لا تختصّ بقاعدة الطهارة ، بل دليل قاعدة الحلّيّة أيضا حاكم عليها كما أنّ استصحابيهما أيضا حاكم عليها.

ثمّ أورد المحقّق النائينيّ على دعوى الحكومة بوجوه من النقض والحلّ. وتعرّض لها السيّد الإمام الخمينيّ ثمّ ناقش فيها. فراجع فوائد الاصول ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، ومناهج الوصول ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

(٣) أي : عدم الإجزاء في الأمارات.

١٦٧

وأمّا بناء عليها ـ وأنّ العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحا كأنّه واجد له مع كونه فاقده ـ فيجزئ لو كان الفاقد معه (١) في هذا الحال كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ؛ ولا يجزئ لو لم يكن كذلك ، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي إن وجب ، وإلّا لاستحبّ. هذا مع إمكان استيفائه ، وإلّا فلا مجال لإتيانه ـ كما عرفت في الأمر الاضطراريّ ـ. ولا يخفى أنّ قضيّة إطلاق دليل الحجّيّة على هذا (٢) هو الاجتزاء بموافقته أيضا.

هذا فيما إذا احرز أنّ الحجيّة بنحو الكشف والطريقيّة أو بنحو الموضوعيّة والسببيّة.

وأمّا إذا شكّ ولم يحرز أنّها على أيّ الوجهين ، فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف (٣) مقتضية للإعادة في الوقت (٤).

__________________

(١) أي : مع كونه فاقدا. والأولى أن يقول : «لو كان الفاقد له في هذا الحال ...».

(٢) أي : على القول بالسببيّة.

(٣) لا يخفى : أنّ في مراده من الأصل في كلامه هذا وجوه :

الأوّل : أن يكون المراد منه الاستصحاب الحكميّ ـ أعني استصحاب اشتغال الذمّة ونفس بقاء التكليف ـ ، كما يظهر من نهاية الدراية ١ : ٢٨٣ ، وحاشية العلّامة المشكينيّ على الكفاية (المطبوعة بالطبع الحجريّ) ١ : ١٣٤.

الثاني : أن يكون المراد منه الاشتغال العقليّ بعد العلم بأصل التكليف الإلزاميّ في الوقت.

الثالث : أن يكون المراد منه الاستصحاب الموضوعي الّذي يثبت به بقاء التكليف ، بمعنى أنّا نعلم ثبوت الحكم الواقعيّ قبل الإتيان بمؤدّى الأمارة ، وبعد الإتيان بمؤدّاها وانكشاف الخلاف نشكّ في بقائه وارتفاعه من جهة الشكّ في كون المأتي به مسقطا وعدمه ، فنستصحب عدم الإتيان بما هو مسقط للتكليف ، فيترتّب عليه بقاء التكليف.

والأولى حمل كلامه على الوجه الأخير لما يأتي من تقديم الاستصحاب على سائر الاصول العمليّة وتقديم الاستصحاب الموضوعيّ على الاستصحاب الحكميّ.

(٤) وأورد عليه السيّد المحقّق الخوئيّ وذهب إلى أنّ مقتضى القاعدة فيما إذا شكّ في أنّ اعتبار الأمارة على نحو السببيّة أو على نحو الطريقيّة هو الإجزاء إعادة وقضاء. المحاضرات ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٨٠.

١٦٨

واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليّا في الوقت لا يجدي (١) ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا ، إلّا على القول بالأصل المثبت (٢) ، وقد علم اشتغال ذمّته بما يشكّ في فراغها عنه بذلك المأتي.

وهذا بخلاف ما إذا علم أنّه مأمور به واقعا وشكّ في أنّه يجزئ عمّا هو المأمور به الواقعيّ الأوّليّ ـ كما في الأوامر الاضطراريّة أو الظاهريّة ، بناء على أن تكون الحجّيّة على نحو السببيّة ـ ، فقضيّة الأصل فيها ـ كما أشرنا إليه ـ عدم وجوب الإعادة ، للإتيان بما اشتغلت به الذمّة يقينا ، وأصالة عدم فعليّة التكليف الواقعيّ بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف.

وأمّا القضاء فلا يجب ، بناء على أنّه فرض جديد ، وكان الفوت المعلّق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم الإتيان إلّا على القول بالأصل المثبت ، وإلّا فهو واجب ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل جيّدا.

ثمّ إنّ هذا كلّه فيما يجري في متعلّق التكاليف من الأمارات الشرعيّة والاصول العمليّة.

وأمّا ما يجري في إثبات أصل التكليف ـ كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة ، فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها ـ فلا وجه لإجزائها مطلقا ؛ غاية الأمر أن تصير صلاة الجمعة فيها (٣) أيضا ذات مصلحة لذلك (٤) ؛ ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى ، إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

__________________

(١) هكذا في بعض النسخ المخطوطة والمطبوعة. وأمّا في النسخة الأصليّة فهكذا : «فعليّا لا يجدى ...».

(٢) لأنّ كون ما أتى به مسقطا ليس من اللوازم الشرعيّة للمستصحب ـ أي عدم كون التكليف بالواقع فعليّا في الوقت ـ ، بل هو من لوازمه العقليّة.

(٣) أي : في الغيبة. والأولى أن يقول : «فيه» حتّى يرجع الضمير إلى زمان الغيبة.

(٤) أي : لأجل قيام الأمارة أو الأصل على وجوبها.

١٦٩

تذنيبان (١)

الأوّل : [عدم الإجزاء فيما إذا يتبدّل القطع]

لا ينبغي توهّم الإجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ ، فإنّه لا يكون موافقة للأمر فيها ، وبقي الأمر بلا موافقة أصلا ، وهو أوضح من أن يخفى (٢).

نعم ، ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال (٣) أو على مقدار منها ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه (٤) استيفاء الباقي منها ، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعيّ (٥) ، وهكذا الحال في الطرق. فالإجزاء ليس لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعيّ أو الطريقيّ للإجزاء ، بل إنّما هو لخصوصيّة اتّفاقيّة في متعلّقهما ، كما في الإتمام والقصر والإخفات والجهر.

الثاني : [عدم الملازمة بين الإجزاء والتصويب] (٦)

لا يذهب عليك أنّ الإجزاء في بعض موارد الاصول والطرق والأمارات ـ على ما عرفت تفصيله ـ لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد ، فإنّ الحكم الواقعيّ بمرتبته محفوظ فيها (٧) ، فإنّ الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ليس إلّا الحكم الإنشائيّ المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات بعناوينها الأوّليّة بحسب

__________________

(١) التذنيب هو جعل الشيء. والذناب : عقيب كلّ شيء.

(٢) لأنّ القطع لا يوجب تحقّق الأمر ، لا واقعا ولا ظاهرا ، فلا يكون في البين إلّا تخيّل ثبوت الحكم.

(٣) أي : حال القطع.

(٤) أي : استيفاء ذلك المقدار من المصلحة.

(٥) فلا يجب الإتيان بالواقع حينئذ.

(٦) الغرض من عقد هذا التذنيب دفع توهّم ملازمة القول بالإجزاء للتصويب.

وحاصل التوهّم : أنّ الإجزاء يرجع إلى كون الواقع هو مؤدّى الأمارة ، وهو التصويب الّذي ثبت بطلانه بالإجماع ، فالإجزاء باطل ، لأنّه ملازم للتصويب الباطل.

(٧) أي في موارد الإجزاء.

١٧٠

ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الأمارات. وإنّما المنفيّ فيها ليس إلّا الحكم الفعليّ البعثيّ ، وهو منفيّ في غير موارد الإصابة وإن لم نقل بالإجزاء. فلا فرق بين الإجزاء وعدمه إلّا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الأمر الظاهريّ وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الإصابة. وسقوط التكليف بحصول غرضه أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه ـ وهو خلوّ الواقعة عن الحكم غير ما أدّت إليه الأمارة (١) ـ. كيف! وكان الجهل بها بخصوصيّتها (٢) أو بحكمها (٣) مأخوذا في موضوعها (٤) ، فلا بدّ من أن يكون الحكم الواقعيّ بمرتبته محفوظا فيها (٥) ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لا يخفى : أنّ التصويب الباطل على نحوين :

الأوّل : ما ينسب إلى الأشاعرة. وهو أن يفرض أن لا حكم ثابتا في نفسه يشترك فيه العالم والجاهل ، بل الشارع ينشئ أحكامه على طبق ما تؤدّي إليه آراء المجتهدين.

الثاني : ما ينسب إلى المعتزلة. وهو أن تكون هناك أحكام واقعيّة ثابتة في نفسها يشترك فيها العالم والجاهل ، ولكن رأي المجتهد يؤثّر في تبدّل عنوان موضوع الحكم أو متعلّقة ، فتحدث على وفق ما أدّى إليه رأيه مصلحة غالبة على مصلحة الواقع ، فينشئ الشارع أحكاما ظاهريّة ثانويّة غير الأحكام الواقعيّة. ومعناه خلوّ الواقع عن الحكم غير ما أدّت إليه الأمارة.

فما ذكره المصنّف في المقام هو التصويب المنسوب إلى المعتزلة.

(٢ و ٣) أي : الواقعة.

(٤ و ٥) أي : الأمارات.

١٧١

[الفصل الرابع]

[في مقدّمة الواجب]

فصل في مقدّمة الواجب. وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم امور (١) :

الأمر الأوّل

[في أنّ المسألة اصوليّة عقليّة]

الظاهر أنّ المهمّ المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، فتكون مسألة اصوليّة. لا عن نفس وجوبها ـ كما

__________________

) ولا يخفى : أنّه كان الأنسب أن يقدّم على هذه الامور تحرير محلّ النزاع وما يمكن أن يقع مورد البحث بين الأعلام.

واختلفت كلمات المتأخّرين في المقام. فذهب المحقّق النائينيّ إلى أنّ البحث هنا حول ترشّح الإرادة قهرا عن إرادة ذي المقدّمة. فوائد الاصول ١ : ٢٦٢.

وذهب المحقّق العراقيّ إلى أنّ البحث هنا يرجع إلى البحث عن ثبوت الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدّماته. نهاية الأفكار ١ : ٢٥٨.

وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أنّ مورد البحث جعل الملازمة بين إرادة الواجب وإرادة ما يراه المولى مقدّمة. مناهج الوصول ١ : ٣٢٦.

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى أنّ مورد البحث ثبوت الملازمة بين ايجاب الشيء وايجاب مقدّمته وعدمه. المحاضرات ٢ : ٢٣٩.

١٧٢

هو المتوهّم من بعض العناوين (١) ـ كي تكون فرعيّة. وذلك لوضوح أنّ البحث كذلك لا يناسب الاصوليّ ؛ والاستطراد لا وجه له بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون عن المسائل الاصوليّة (٢).

ثمّ الظاهر أيضا أنّ المسألة عقليّة ، والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه. لا لفظيّة ـ كما ربما يظهر من صاحب المعالم (٣) حيث استدلّ على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافا إلى أنّه ذكرها في مباحث الألفاظ (٤) ـ ، ضرورة أنّه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ثبوتا محلّ الإشكال فلا مجال لتحرير النزاع في الإثبات والدلالة عليها بإحدى الدلالات الثلاث ، كما لا يخفى.

الأمر الثاني

[في تقسيمات المقدّمة]

انّه ربما تقسّم المقدّمة إلى تقسيمات :

[١ ـ تقسيمها إلى المقدّمة الداخليّة والخارجيّة]

منها : تقسيمها إلى الداخليّة ـ وهي الأجزاء المأخوذة في الماهيّة المأمور بها ـ والخارجيّة وهي الامور الخارجة عن ماهيّته ممّا لا يكاد يوجد بدونه.

__________________

(١) كما قال في مطارح الأنظار : ٣٧ : «القول في وجوب المقدّمة». وقال السيّد القزوينيّ في تعليقته على القوانين : ٩٩ : «اختلف القوم في وجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به ...».

(٢) لا يخفى عليك : أنّهم اختلفوا في أنّ هذه المسألة من المسائل الفقهيّة ـ كما استظهره المحقّق الخوئيّ من كلام صاحب المعالم ـ أو أنّها من مبادئ الأحكام ـ كما اختاره الحاجبيّ في شرح العضدي : ٩٠ ، والشيخ البهائيّ في زبدة الاصول : ٥٥ ، والمحقّق الاصفهانيّ في بحوث في الاصول : ١٣٣ ـ أو أنّها من المسائل الاصوليّة ـ كما ذهب إليه المصنّف ، وتبعه كثير من المتأخّرين ـ.

(٣) معالم الدين : ٦٠. بل يظهر من عدّة الاصول ١ : ١٨٦ ، والمعتمد في اصول الفقه ١ : ٩٣.

(٤) لا يخفى : أنّ ذكرها في مباحث الألفاظ ليس دليلا على عدّها من المسائل اللفظيّة ، كما لا يخفى.

١٧٣

وربّما يشكل في كون الأجزاء مقدّمة له وسابقة عليه بأنّ المركّب ليس إلّا نفس الأجزاء بأسرها (١).

والحلّ : أنّ المقدّمة هي نفس الأجزاء بالأسر ، وذا المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع ، فتحصل المغايرة بينهما (٢).

وبذلك ظهر أنّه لا بدّ في اعتبار الجزئيّة أخذ الشيء بلا شرط ، كما لا بدّ في اعتبار الكلّيّة من اعتبار اشتراط الاجتماع.

وكون الأجزاء الخارجيّة ـ كالهيولى والصورة ـ هي الماهيّة المأخوذة بشرط لا (٣) ، لا ينافي ذلك ، فإنّه إنّما يكون في مقام الفرق بين نفس الأجزاء الخارجيّة والتحليليّة ـ من الجنس والفصل ـ وأنّ الماهيّة إذا اخذت بشرط لا ، تكون هيولى أو صورة ، وإذا اخذت لا بشرط تكون جنسا أو فصلا ، لا بالإضافة إلى المركّب ، فافهم.

ثمّ لا يخفى : أنّه ينبغي خروج الأجزاء عن محلّ النزاع ـ كما صرّح به بعض (٤) ـ. وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا ، وإنّما

__________________

(١) هذا الإشكال نسبه الشيخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ ـ في هداية المسترشدين : ٢١٦ ـ إلى بعض الأفاضل. وحاصله : أنّه لا يصحّ إطلاق المقدّمة على الأجزاء الداخليّة ، لأنّ المقدّميّة فرع كون الشيء سابقا على ذي المقدّمة ، والأجزاء الداخليّة غير سابقة على المركّب منها ، لأنّ المركّب عين أجزائه ، ونفس الشيء لا يمكن أن يكون سابقا على نفسه.

(٢) حاصل الجواب : أنّه يصحّح إطلاق المقدّمة على الأجزاء بأنّ للأجزاء جهتين ، إحداهما مترتّبة على الاخرى ، وهما : جهة ذاتها بنفسها ، وجهة اجتماعها. وجهة الذات متقدّمة على جهة اجتماع كلّ ذات مع ذات اخرى تقدّم المعروض على عارضه. فإذا لوحظت الأجزاء من جهة ذاتها كانت مقدّمة ، وإذا لوحظت مجتمعة كانت ذا المقدّمة. فالمقدّمة سابقة على ذيها تقدّم المعروض على العارض.

(٣) أي : بشرط عدم الحمل.

(٤) وهو سلطان العلماء على ما في هداية المسترشدين : ٢١٦. ووافقه المصنّف في المقام.

واختاره الأعلام الثلاثة. راجع أجود التقريرات ١ : ٢١٦ ، نهاية الأفكار ١ : ٢٦٩ ، نهاية الدراية ١ : ٣٠٦.

وخالفهم السيّد الإمام الخمينيّ ، وذهب إلى أنّ الأجزاء الداخليّة داخلة في محلّ النزاع. ـ

١٧٤

كانت المغايرة بينهما اعتبارا ، فتكون واجبة بعين وجوبه ، ومبعوثا إليها بنفس الأمر الباعث إليه ، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر ، لامتناع اجتماع المثلين (١) ، ولو

__________________

ـ ودفع اشكال اجتماع الوجوبين بأنّ كلّ واحد من الأجزاء مقدّمة ، والمركّب منها ذو المقدّمة ، والتغاير بين كلّ واحد من الأجزاء والمركّب تغاير حقيقيّ ، لا اعتباريّ ، حتى يلزم اجتماع الوجوبين. مناهج الوصول ١ : ٣٢٩ ـ ٣٢٥.

(١) قد ذكر في بيان امتناع اجتماع الوجوبين وجوه :

الأوّل : ما ذكره المصنّف في المقام من لزوم اجتماع حكمين متماثلين في شيء واحد. وبيان ذلك : أنّه لمّا كانت الأجزاء عين الكلّ في الوجود كان الوجوب النفسيّ المتعلّق بالكلّ متعلّقا بها حقيقة ، فلو تعلّق بها الوجوب الغيريّ يلزم اجتماع حكمين متماثلين في موضوع واحد ، وهو محال.

ولكن تفصّى المحقّق النائينيّ عن هذا المحذور بأنّه لا مانع من تعلّق الوجوب الغيريّ بالأجزاء مع تعلّق الوجوب النفسيّ بها ، لأنّهما يرجعان إلى تعلّق حكم واحد مؤكّد ، لا حكمين مستقلّين حتّى يلزم اجتماع المثلين.

وأورد عليه المحقّق العراقيّ بأنّ التأكّد إنّما يتصوّر في ما إذا لم يكن الوجوب الغيريّ معلولا للوجوب النفسيّ ، وإلّا فيمتنع فرض التأكّد. مقالات الاصول ١ : ٢٩٤.

ثمّ أجاب عنه المحقّق الخوئيّ بأنّ امتناع التأكّد إنّما يتمّ فيما إذا كان أحدهما سابقا على الآخر زمانا ، لا ما إذا كان أحدهما متقدّما على الآخر ، كما كان في المقام كذلك. المحاضرات ٢ : ٣٠٠.

الثاني : ما ذكره المصنّف تعليقا على المقام. وحاصله : عدم المقتضي لاتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيريّ. وذلك لأنّ ملاك الوجوب الغيريّ انّما هو فيما إذا كان وجود المقدّمة غير وجود ذيها في الخارج ليقع البحث عن ترشّح الوجوب الغيريّ من وجوب ذي المقدّمة على المقدّمة ، وأمّا إذا كان وجودها عين وجود ذيها في الخارج فلا ملاك لاتّصافها به.

وهذا ما استحسنه المحقّق النائينيّ والمحقّق الخوئيّ في خروج الأجزاء عن محلّ النزاع.

فراجع أجود التقريرات ١ : ٢١٦ ، والمحاضرات ٢ : ٢٩٩.

الثالث : أنّ وجه الاستحالة اجتماع الضدّين. وهذا ما نسبه المحقّق الاصفهانيّ إلى المشهور.

نهاية الدراية ١ : ٣٠٦.

الرابع : ما ذكره المحقّق الاصفهانيّ من أنّ الإرادة علّة للحركة نحو المراد ، فإن كان الغرض الداعي إلى الإرادة واحدا فانبعاث الإرادتين منه في قوّة صدور المعلولين عن علّة واحدة ، وهو محال. وإن كان الغرض متعدّدا لزم صدور الحركة عن علّتين مستقلّتين ، وهو أيضا محال. نهاية الدراية ١ : ٣٠٦.

١٧٥

قيل بكفاية تعدّد الجهة وجواز اجتماع الأمر والنهي معه (١) ، لعدم تعدّدها هاهنا ، لأنّ الواجب بالوجوب الغيريّ ـ لو كان ـ إنّما هو نفس الأجزاء ، لا عنوان مقدّميّتها والتوسّل بها إلى المركّب المأمور به ، ضرورة أنّ الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدّمة ، لأنّه المتوقّف عليه ، لا عنوانها. نعم ، يكون هذا العنوان علّة لترشّح الوجوب على المعنون.

فانقدح بذلك فساد توهّم اتّصاف كلّ جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسيّ والغيريّ باعتبارين ، فباعتبار كونه في ضمن الكلّ واجب نفسيّ ، وباعتبار كونه ممّا يتوسّل به إلى الكلّ واجب غيريّ.

اللهمّ إلّا أن يريد أنّ فيه ملاك الوجوبين ، وإن كان واجبا بوجوب واحد نفسيّ ، لسبقه ، فتأمّل (٢).

__________________

(١) إشارة إلى ما يمكن أن يذكر تفصّيا عن محذور اجتماع المثلين. وحاصله : أنّه قد تقرّر في مبحث اجتماع الأمر والنهي أنّ اختلاف الوجه والعنوان يجدي في رفع غائلة اجتماع الحكمين المتضادّين ، وهذا يجدي في رفع غائلة اجتماع المثلين في المقام ، لأنّ العنوان الّذي يثبت له الوجوب الغيريّ هو الأجزاء بعنوان المقدّميّة ، والعنوان الّذي يثبت له الوجوب النفسيّ هو الأجزاء بعنوان المركّب الخاصّ ، فيختلف العنوانان ويرتفع غائلة اجتماع المثلين.

وأجاب عنه المصنّف بقوله : «لعدم تعدّدها هاهنا ...». وحاصله : أنّ الوجوب الغيريّ لم يعرض عنوان المقدّميّة ، بل يعرض على ذات المقدّمة ـ أي ما هو بالحمل الشائع مقدّمة ـ ، وليست ذات المقدّمة إلّا الأجزاء الّتي متعلّقة للوجوب ، فالمحذور باق على حاله.

(٢) وجهه أنّه لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيريّ حيث إنّه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكلّ ، يتوقّف على وجوده ، وبدونه لا وجه لكونه مقدّمة كي يجب بوجوبه أصلا ، كما لا يخفى.

وبالجملة : لا يكاد يجدي تعدّد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الأجزاء والكلّ في هذا الباب وحصول ملاك الوجوب الغيريّ المترشّح من وجوب ذي المقدّمة عليها لو قيل بوجوبها ، فافهم. منه رحمه‌الله.

بقي شيء :

وهو ثمرة دخول الأجزاء الداخليّة وعدمه في محلّ النزاع. وقد ذكر المحقّق العراقيّ أنّ الثمرة بين القولين تظهر في مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ، فإنّه على القول بدخول الأجزاء في محلّ النزاع وثبوت الملازمة يرجع إلى الاشتغال من جهة عدم انحلال العلم ـ

١٧٦

هذا كلّه في المقدّمة الداخليّة.

وأمّا المقدّمة الخارجيّة ، فهي ما كان خارجا عن المأمور به وكان له دخل في تحقّقه ، لا يكاد يتحقّق بدونه. وقد ذكر لها أقسام (١) ، واطيل الكلام في تحديدها بالنقض والإبرام ، إلّا أنّه غير مهمّ في المقام (٢).

[٢ ـ تقسيمها إلى العقليّة والشرعيّة والعاديّة]

ومنها : تقسيمها إلى العقليّة والشرعيّة والعاديّة.

فالعقليّة : هي ما استحيل واقعا وجود ذي المقدّمة بدونه.

والشرعيّة ـ على ما قيل (٣) ـ : ما استحيل وجوده بدونه شرعا. ولكنّه لا يخفى رجوع الشرعيّة إلى العقليّة (٤) ، ضرورة أنّه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا إلّا إذا اخذ فيه شرطا وقيدا ، واستحالة المشروط والمقيّد بدون شرطه وقيده يكون عقليّا.

وأمّا العاديّة : فإن كانت بمعنى أن يكون التوقّف عليها بحسب العادة ـ بحيث يمكن تحقّق ذيها بدونها إلّا أنّ العادة جرت على الإتيان به بواسطتها (٥) ـ فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقليّة إلّا أنّه لا ينبغي توهّم دخولها في محلّ النزاع (٦).

__________________

ـ الاجماليّ بوجوب أحدهما إلى العلم التفصيليّ بوجوب الأقلّ الأعمّ من النفسيّ والغيريّ.

وعلى القول بعدم دخولها في محلّ النزاع وعدم ثبوت الملازمة يرجع إلى البراءة من جهة انحلال العلم الاجماليّ بوجوب أحدهما إلى العلم التفصيليّ بوجوب نفسيّ متعلّق بذات الأقلّ والشكّ البدويّ في اعتبار أمر زائد. نهاية الأفكار ١ : ٢٦٩.

(١) من العلّة والمقتضي والسبب والشرط وعدم المانع.

(٢) وإن شئت فراجع قوانين الاصول ١ : ١٠٠ ، والفصول الغرويّة : ٨٣.

(٣) لم أجد من فسّرها بهذه العبارة. نعم ، يظهر هذا التفسير من عبارة تقريرات درس الشيخ الأعظم الأنصاريّ ، فراجع مطارح الأنظار : ٤٠.

(٤) هكذا أفاد الشيخ الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٤٠. وأرجعه المحقّق النائينيّ إلى المقدّمة الداخليّة بالمعنى الأعمّ. فراجع فوائد الاصول ١ : ٢٧١.

(٥) نظير لبس الرداء عند الخروج إلى السوق.

(٦) لأنّها لا تكون مقدّمة حقيقة ، فإنّ المقدّميّة مساوقة للتوقّف ، والمفروض أنّه لا توقّف هنا.

١٧٧

وإن كانت بمعنى أنّ التوقّف عليها وإن كان فعلا واقعيّا ـ كنصب السلّم ونحوه للصعود على السطح ـ إلّا أنّه لأجل عدم التمكّن عادة من الطيران الممكن عقلا ، فهي أيضا راجعة إلى العقليّة ، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا ، وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا ، فافهم.

[٣ ـ تقسيمها إلى مقدّمة الوجود والصحّة والوجوب والعلم]

ومنها : تقسيمها إلى مقدّمة الوجود ومقدّمة الصحّة ومقدّمة الوجوب ومقدّمة العلم(١).

لا يخفى : رجوع مقدّمة الصحّة إلى مقدّمة الوجود ـ ولو على القول بكون الأسامي موضوعة للأعمّ ـ ، ضرورة أنّ الكلام في مقدّمة الواجب لا في مقدّمة المسمّى بأحدها ، كما لا يخفى.

ولا إشكال في خروج مقدّمة الوجوب عن محلّ النزاع ، بداهة عدم اتّصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها (٢).

وكذلك المقدّمة العلميّة وإن استقلّ العقل بوجوبها إلّا أنّه من باب وجوب الإطاعة إرشادا ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجّز ، لا مولويّا من باب الملازمة وترشّح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدّمة.

__________________

(١) مقدّمة الوجود هي ما يتوقّف عليه وجود الواجب ، كطيّ المسافة بالنسبة إلى الحجّ.

ومقدّمة الصحّة هي ما يتوقّف عليه صحّة الواجب ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة.

ومقدّمة الوجوب هي ما يتوقّف عليه وجوب الواجب ، كالاستطاعة الّتي هي شرط وجوب الحجّ.

ومقدّمة العلم هي ما يتوقّف عليه العلم بوجود الواجب ، كالصلاة إلى الجهات الأربع فيما إذا اشتبه القبلة على المكلّف.

(٢) لأنّه لا وجوب قبل وجودها حتّى يجب تحصيلها ، وبعد وجودها لا يعقل فرض ترشّح الوجوب من ذيها عليها ، للزوم تحصيل الحاصل.

١٧٨

[٤ ـ تقسيمها إلى المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة]

ومنها : تقسيمها إلى المتقدّم والمقارن والمتأخّر (١) بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدّمة.

وحيث إنّها كانت من أجزاء العلّة ـ ولا بدّ من تقدّمها بجميع أجزائها على المعلول ـ اشكل الأمر في المقدّمة المتأخّرة ، كالأغسال الليليّة المعتبرة في صحّة صوم المستحاضة عند بعض (٢) ، والإجازة في صحّة العقد على الكشف كذلك (٣) ؛ بل في الشرط أو المقتضي المتقدّم على المشروط زمانا المتصرّم حينه ، كالعقد في الوصيّة والصرف والسلم (٤) ؛ بل في كلّ عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه ، لتصرّمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه (٥) زمانا. فليس إشكال انخرام القاعدة العقليّة مختصّا بالشرط المتأخّر في الشرعيّات ـ كما اشتهر في الألسنة ـ ، بل يعمّ الشرط والمقتضي المتقدّمين المتصرّمين حين الأثر.

والتحقيق في رفع هذا الإشكال أن يقال : إنّ الموارد الّتي توهّم انخرام القاعدة فيها لا يخلو : إمّا أن يكون المتقدّم أو المتأخّر شرطا للتكليف أو الوضع ، أو للمأمور به.

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «تقسيمها إلى المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة».

المقدّمة المتقدّمة كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، والمقارنة كالاستقبال للصلاة ، والمتأخّرة كالأغسال الليليّة المعتبرة عند بعض في صحّة صوم المستحاضة في اليوم السابق.

(٢) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٩٧ ، وابن ادريس في السرائر ١ : ٤٠٧.

(٣) قال الشيخ الأعظم الأنصاريّ : «إن كاشفيّة الإجازة على وجوه ثلاثة. قال بكلّ منها قائل.

أحدها ـ وهو المشهور ـ الكشف الحقيقيّ والتزام كون الإجازة شرطا متأخّرا ، ولذا اعترضهم جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة بأنّ الشرط لا يتأخّر». المكاسب : ١٣٣.

(٤) فإنّ حصول الملكيّة فيها انّما يكون بعد القبض ، ولا وجود للعقد حين القبض ، فيلزم تأثير المعدوم في الوجود.

(٥) أي : مقارنة أجزاء العقد مع التأثير.

وفي بعض النسخ : «اعتبار مقارنتهما معه». والصحيح ما أثبتناه.

١٧٩

أمّا الأوّل : فكون أحدهما شرطا له ليس إلّا أنّ للحاظه دخلا في تكليف الآمر ، كالشرط المقارن بعينه ، فكما أنّ اشتراطه بما يقارنه ليس إلّا أنّ لتصوّره دخلا في أمره بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر ، كذلك المتقدّم أو المتأخّر.

وبالجملة : حيث كان الأمر من الأفعال الاختياريّة ، كان من مبادئه ـ بما هو كذلك ـ تصوّر الشيء بأطرافه ليرغب في طلبه والأمر به ، بحيث لولاه لما رغب فيه ، ولما أراده واختاره ، فيسمّى كلّ واحد من هذه الأطراف ـ الّتي لتصوّرها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته ـ : «شرطا» ، لأجل دخل لحاظه في حصوله ، كان مقارنا له أو لم يكن كذلك ، متقدّما أو متأخّرا ، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا ، كان فيهما كذلك ، فلا إشكال.

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا ، ولو كان مقارنا ، فإنّ دخل شيء في الحكم به وصحّة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلّا ما كان بلحاظه يصحّ انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصحّ اختراعه عنده ، فيكون دخل كلّ من المقارن وغيره بتصوّره ولحاظه ، وهو (١) مقارن. فأين انخرام القاعدة العقليّة في غير المقارن؟ فتأمّل تعرف (٢).

__________________

(١) أي : تصوّره ولحاظه.

(٢) وأورد عليه المحقّق النائينيّ بما حاصله : أنّ رجوع شرائط الحكم إلى التصوّر انّما يتمّ فيما إذا كان الحكم المنشأ بنحو القضيّة الخارجيّة ، لا فيما إذا كان بنحو القضيّة الحقيقيّة ، فإنّ المؤثّر في ثبوت الحكم في القضايا الخارجيّة هو علم المولى بتحقّق الموضوع وإن لم يكن في الواقع ثابتا ، وأمّا القضايا الحقيقيّة ـ الّتي ينشأ الحكم فيها على موضوع مقدّر الوجود ـ فالمؤثّر في ثبوت الحكم من حيث الموضوع هو وجود الموضوع في الخارج ، سواء علم به المولى أو لم يعلم ، لأنّ الحكم ينشأ على تقدير ثبوت الموضوع واقعا. وموضع البحث في الشرط المتأخّر هو الأحكام المنشأة بنحو القضيّة الحقيقيّة ، لا الأحكام المنشأة بنحو القضيّة الخارجيّة. فما ذكره المصنّف خلط بين النحوين من القضايا.

وهذا الإيراد تعرّض له السيّد المحقّق الخوئيّ ودفعه ، ثمّ حاول وجها آخر في تصحيح الشرط المتأخّر. وحاصله : أنّ باب الأحكام الشرعيّة باب الاعتبارات ، وهو أجنبيّ عن باب التأثير والتأثّر ، كما أنّه لا مانع من تقييدها بأمر مقارن أو متقدّم ، ضرورة أنّ مردّ تقييده بأمر متأخّر هو أنّه بوجوده المتأخّر يكشف عن وجود الواجب في ظرفه. المحاضرات ٢ : ٣٠٧ ـ ٣١٥. ـ

١٨٠