كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

(٣) النبي هود

النبي هود (ع) من ذرية سام بن نوح ، بعث إلى قوم عاد بين سنة ٢٤٥٠ وسنة ٢٣٢٠ قبل الميلاد ، وبعثته كانت حدود عام ٢٤٠٠ قبل الميلاد. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سبعة مواضع ، كما وردت سورة باسمه (سورة هود). ونقل أنّ وفاته كانت شرق حضر موت ، وله مقام فيها.

نقل الهروي أنّ قبر هود بدمشق في الحائط القبلي ، وقال : الصحيح إنّ قبر هود في حضر موت شرقي عدن (١).

وأورد بعض الباحثين أنّ المناطق الداخلية من حضر موت تعتبر من المناطق المقدسة لكونها تحتوي على قبر النبي هود (٢).

__________________

(١) الاشارات ، ص ١٥.

(٢). Ingrams, D., The servey of social and economic in the Aden protectors, Asmara, ٩٤٩١

٨١

٨٢

(٤) النبي صالح

النبيّ صالح (ع) من ذرية سام بن نوح ، بعث حدود سنة ٢١٠٠ قبل الميلاد إلى قوم ثمود القبيلة العربية بالحجر (مدائن صالح). وقد ورد ذكره في تسعة مواضع من القرآن الكريم. وعرف بالناقة المعجزة التي ورد خبرها بالقرآن (هذه ناقة الله لكم آية)(١)

وقد اشتهر أنّ وفاته كانت بمكّة المكرمة.

أختلف في مدفنه ، فقيل بفلسطين ، وقيل في حضر موت ، وقيل في مكة.

ذكر إبن الأثير أنّ النبيّ صالحا سار إلى الشام ، فنزل فلسطين ، ثم انتقل إلى مكّة ، فأقام بها حتى مات (٢).

وذكر الهروي أنّ النبي صالحا كان بأرض اليمن ، وقبره في شبوة باليمن ، وقيل إنّه كان بالحجر ما بين وادي القرى والشام ، وقبره بمكة (٣).

ونقل أحمد بن محمد الخضراوي في كتابه (العقد الثمين) نصّا مفاده : أنّ وفاة الأنبياء ، نوح وهود وصالح وشعيب كانت بمكة ، وقبورهم بين زمزم والحجر الأسود (٤)

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ٧٣.

(٢) الكامل في التاريخ ، ج ١ ، ص ٥٠.

(٣) الاشارات إلى معرفة الزيارات ، ص ٧.

(٤) العقد الثمين في فضائل البلد الأمين ، (النجف ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٥٨ م) ، ص ١٠٢.

٨٣

وذكر الشيخ عبد الوهاب النجّار أنّ قبر النبي صالح بحضر موت ، وأنّه مات وعمره مائة وخمسين سنة.

وورد في كتاب الطبري بعد ذكر نسب هود وصالح : إنّ بعض أهل العلم زعم أنّ صالحا توفي بمكة ، وهو إبن ثمان وخمسين سنة. وكلّ هؤلاء لم يجزموا بمدفنه ، حيث لم يحصل ما يوجب القطع (١).

وذكر الساعدي في ردّه على النصّ الذي أورده الخضراوي في «العقد الثمين» أنّ الخضراوي ذكر ما ورد في خبر وفاة هؤلاء الأنبياء في الحجر. والحجر إسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام. وهناك كانت مساكن ثمود ، وهي بيوت منحوتة في الجبال مثل المقابر. وتسمّى تلك الجبال الأثالث وقد خفي على الخضراوي التمييز بين الحجرين ، فأرسل روايته ، والصحيح أنّ قبورهم بالنجف الأشرف. وهذا ما اتفقت عليه المأثورات الشيعيّة.

وقد أظهر الامام السيد مهدي بحر العلوم (ت : ١٢١٢ ه‍ / ١٧٩٧ م) هذين القبرين ، واهتمّ بتشييدهما.

نقل المؤرخ السيد حسون البراقي في «اليتيمة الغروية» بروايته عن العلّامة أبي المعزّ السيد محمد القزويني المتوفى سنة ١٣٣٥ ه‍ / ١٩١٦ م عن أبيه السيد مهدي القزويني أنّه قال : «إنّ السيد مهدي بحر العلوم هو الذي أظهر قبري هود وصالح (عليهما‌السلام) ، وانّ قبريهما قبل ذلك كانا قريبين من هذا القبر بقليل ، وهو الذي قال : ليس ذلك بقبريهما ، ودلّ الناس على قبري هود وصالح».

ووردت في جميع كتب المزارات الشيعية هذه العبارة في السلام على أمير المؤمنين علي (ع) : «السلام عليك ، وعلى ضجيعيك آدم ونوح ، وعلى جاريك هود وصالح».

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ١ ، ص ١١٩.

٨٤

كما ورد في كتب الحديث ما نقل عن الامام علي (ع) أنّه قال : «إذا متّ فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخويّ هود وصالح». وقد أصبحت هذه الروايات مسلّمة في التراث الشيعي.

قال المؤرّخ حرز الدين : إنّ مرقدي هود وصالح في الغري بوادي السلام (مقبرة النجف الأشرف) ، خلف سور المدينة في الشمال الشرقي في حرم واحد ، عليه قبّة متوسطة الحجم والارتفاع ، فرشت بالقاشي الأزرق وكان أمام قبريهما صحن دار صغير فيه نخلة.

ونقل حرز الدين عن بعض المعمّرين أنّ أول من وضع على قبريهما صندوقا من الخشب هو العالم الرباني السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم النجفي.

كما أنّ زوجة الملّا يوسف بن الملّا سليمان ، نقيب وخازن مرقد الامام علي بن أبي طالب (ع) ، المتوفى سنة ١٢٧٠ ه‍ / ١٨٥٤ م ، وإسمها الملّة ضفيرة شيّدت قبّة من آجرّ على قبريهما.

ولمّا توفي الفقيه الشيخ سلطان العلماء ، ودفن خارج باب مرقدي هود وصالح من جهة مدينة النجف بنيت قبّة عليه بالقاشي الأزرق فوق هذه القبّة (١).

وذكر الشيخ جعفر محبوبة أنّ عمارة ثالثة طرأت على المرقدين شيّدت سنة ١٣٣٧ ه‍ / ١٩١٧ م ، وأرّخ بعض الأدباء عام تشييده بأبيات ، بيت التاريخ منها هو :

فدع واحد الدنيا وأرّخ (مجدد

ضريح الهدى هود الزكي وصالح)

وقد جعلت تولية المرقد بيد الشيخ محمد علي قسّام (جدّ أسرة آل قسّام النجفية) (٢).

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٣٦٣.

(٢) ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ٩٦.

٨٥

(٥) إبراهيم الخليل

ولد إبراهيم الخليل في أرض (أور) بالعراق أيام الملك النمرود بن كنعان. وتعرّض للأذى من قبل قومه (الكلدانيين) ، وكانت سنة بعثته ١٩٠٠ قبل الميلاد في أور مسقط رأسه.

هاجر إبراهيم (ع) من العراق إلى بلاد الشام ، ونزل أرض مصر ، وعاد إلى الشام ثانية. وقد أسكن زوجته هاجر وولده إسماعيل أرض مكة بواد غير ذي زرع ، وبنى مع ولده إسماعيل الكعبة المشرّفة ، ثم عاد إلى بيت المقدس ، فبنى المسجد الأقصى بعد بناء المسجد الحرام بأربعين عاما.

لقّب إبراهيم الخليل بأبي الأنبياء. وذكر القرآن الكثير من أخباره في آيات متفرقة.

وقد ورد ذكره تسعة وستين مرّة في القرآن. ونقل أنّ مكان وفاته كان بالخليل.

(٦) النبي إسحاق

بعث النبي إسحاق إلى الكنعانيين سنة ١٨٠٠ قبل الميلاد بمنطقة الخليل بفلسطين. وهو من الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم سبعة عشر مرّة. توفي بالخليل ، وأقبر فيها.

(٧) النبي يعقوب

يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، بعث سنة ١٧٥٠ قبل الميلاد إلى بني إسرائيل. ومكان بعثته بلاد الشام. وهو من الأنبياء الذين ذكرهم القرآن في ستة عشر موضعا.

٨٦

(٨) النبي يوسف الصديق

يوسف الصديق ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. بعث إلى بني إسرائيل حدود عام ١٧١٥ قبل الميلاد ، وكانت بعثته بمصر ، ووفاته بنابلس (فلسطين). ورد ذكره في سبعة وعشرين موضعا بالقرآن.

ووردت سورة في القرآن باسمه وهي (سورة يوسف) ، وفيها تفصيل عن قصته كاملة مع أخوته ، وزوجة ملك مصر.

٨٧

ويؤثر لنبيّ الله يوسف مقام في مدينة (الهرمل) ، وهو مقام جميل تمتدّ أمامه حديقة ذات أشجار وأعناب ، وفيه عائلة قيّمة على المرقد.

داخل المرقد يوجد القبر المنسوب إلى النبيّ يوسف محاطا بشباك ، ويغطي أرضه السجّاد. وعلى يمين القبر يوجد قبر الشيخ علي بن الشيخ محمد الوشاحي الأسدي المتوفى سنة ١٢٢٢ ه‍ ، وقبر حفيده الشيخ علي بن الشيخ حسين محفوظ المتوفى سنة ١٢٧٤ ه‍.

زرت المقام مع حضرة أستاذنا العلّامة الدكتور حسين علي محفوظ في ٥ جمادى الثانية ١٤٢٢ ه‍ / ٢٤ آب ٢٠٠١ م ، وأوقفني على مدافن آبائه في هذا المكان.

وضعت فوق مدافن آل محفوظ لوحة رخامية بيضاء ، حفرت حروفها بالسواد ، كتب عليها : «جنب سرير النبي يوسف (ع) سرير ، وضريح العالم الفاضل الشيخ علي بن الشيخ محمد الوشاحي الأسدي المتوفى سنة

٨٨

١٢٢٢ ه‍ ، وحفيده العالم الورع الشيخ علي بن العلّامة الشيخ حسين محفوظ المتوفى سنة ١٢٧٤ ه‍. رحمة الله عليهم».

وخارج المقام ، وضعت لوحة أخرى فيها بعض المعلومات التاريخية حول صيانة المقام وتجديده ، وقد امتدّت إليها يد التجديد ، فأزالت سطرين منها ، والنص المكتوب هو كالآتي : «جدّد بناء مقام النبي يوسف (ع) مع قبّته المرحوم الحاج كاظم بليبل سنة ١٣١١ ه‍ تقريبا ، ثم تولاه المجاهد الشيخ عبد الغني محفوظ بتاريخ سنة ١٣٥٣ تقريبا حفيد جدّه العالم الفاضل الشيخ علي محفوظ المتوفى سنة ١٢٢٢ ه‍ ، المدفون داخله مع حفيده الشيخ علي محفوظ المتوفى سنة ١٢٧٤ ه‍ ، فصبّ سقفه بالباطون ، وأصلح جنينته وصونها ـ كذا ـ ، وبنى غرفته مع منافعها.

جدّد حزب الله سريره بالحديد ، وبلّط أرضه مع رواقه ، وغلّف جدرانه ودهنها ، وغيّر منافذه بالحديد ، وفرش أرض المقام بالسجّاد. لا يجوز دفن أو تغسيل الموتى».

٨٩

(٩) إبراهيم بن عبد الله

إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الامام علي بن أبي طالب. أحد زعماء آل البيت (ع) الذين تولّوا الحكم والسلطة إلّا أنّ تاريخهم حرّف ، وملىء بنصوص مبتدعة.

ذكرت المنقولات أنّ الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور إستعان بجيوش الري وأفريقيا للقضاء على ثورة محمد ذي النفس الزكية ، وأخيه إبراهيم ذي النفس الزكية.

ونقل أنّ مقتل إبراهيم تمّ بمنطقة باخمرا القريبة من الكوفة بعد معارك متواصلة سنة ١٤٥ ه‍ / ٧٦٢ م. كما تمّ إعتقال والده عبد الله المحض وقتله مع جماعة آخرين من أخوته ، وبني عمومته من آل الحسن ، وهم : الحسن بن الحسن بن الحسن السبط ، وإبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ، وأمهما فاطمة بنت الامام الحسين (ع) ، وعلي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن السبط ، والعباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، الذي يقال له (طباطبا).

وفي دراستنا لمفاصل هذا التاريخ وأحداثه لم نتّفق مع مثل هذه النصوص المبثوثة في كتب المؤرخين لأنّها جميعا نصوص كتبت في العصور المتأخرة بأقلام المتخصصين من كتّاب التزوير.

٩٠

(١٠) نبي الله شعيب

نبي الله شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل كانت بعثته سنة ١٥٥٠ قبل الميلاد. وعرف قومه بأصحاب الأيكة ، ومكان بعثته مدين ، ذكره القرآن في أحد عشر موضعا.

قيل إنّ مكان وفاته بمدين.

بعث بعد هود وصالح (ع) ، وقبيل أيام النبي موسى (ع).

قال السمعاني : قبره في حطّين بفلسطين ، ووافقه النووي.

ذكر القرآن أنّ قومه بني مدين أكثروا الفساد ، وجاءتهم الرسل ، فكذّبوا بها. ولقّبوا بأصحاب الأيكة لأنّ بعضهم كان يصلي لشجرة.

وصف المؤرخ الشيخ محمد حرز الدين مرقده بقوله : مرقد النبي شعيب قديم البناء بالحجارة القديمة في عشائر الفرات الأوسط بموضع يسمّى «الدغّارة» من توابع «عفك» ضمن لواء الديوانية من المنطقة الوسطى بالعراق.

ويبعد المرقد عن مجرى الفرات حدود الفرسخين ، وهو مشهور عندهم ، وعليه قبّة بالية ، تزوره الناس ، وتنذر له النذور (١).

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ٣٨٧.

٩١

(١١) النبي دانيال

دانيال : هو النبي الرابع من الأنبياء العبرانيين. ومعنى إسمه قاضي الله ، وينسب إليه «سفر دانيال». قيل إنّه أسر ، ونقل إلى بابل سنة ٦٠٦ قبل الميلاد ، وبقي حيّا إلى سنة ٥٣٤ قبل الميلاد. وله قبر يزار قرب مدينة الحلّة. ذكر ذلك السيد جواد شبّر الخطيب في كتابه «الضرائح والمزارات» (١).

نقل أنّ وفاته كانت ببيت المقدس (فلسطين) ، وقيل في الشوش بخوزستان. وذكر حرز الدين أنّ مرقده عامر مشيّد ، عليه قبّة مخروطة الشكل أشبه ببنايات المقابر في العهد السلجوقي. ويجري نهر الشوش مقابل مرقده ، ويصدّ بجدرانه ، ثم ينحرف قليلا خلف القبر ، ويذهب جاريا.

وله حرم أثري التصميم والبناء في جوانبه نقوش وكتابات. ولرسم قبره شباك صنع بأصفهان سنة ١١٩٦ ه‍ ، وبجنب قبره رواقان ، ويحيط بقبره صحن واسع (٢).

وينسب للنبيّ دانيال كتاب ، في علم الرمل بعنوان «الشجرة والثمرة» كتب باللغة اليونانية ، وقام بشرحه عثمان بن علي العمري ، وعليه شروح عديدة. حكى ذلك الشيخ الطهراني (٣).

__________________

(١) السيد جواد شبّر ، الضرائح والمزارات ، ج ١ ـ مخطوط.

(٢) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ٢٨٦.

(٣) الذريعة ، ج ١٣ ، ص ٤١.

٩٢

(١٢) ذو الكفل

ذو الكفل (١٥٠٠ ـ ١٤٢٥ ق. م) : بشر بن أيوب (من ذرية اسحاق بن إبراهيم). بعث سنة ١٤٦٠ قبل الميلاد بدمشق ، وعرف قومه بلقب العموريين. نقل أنّ وفاته كانت بدمشق. وقد ورد ذكره مرتين بالقرآن.

وقيل إنّ إسمه يهوذا ، وهو ابن النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.

ويعتبر مشهد ذي الكفل من المزارات المقدّسة التي يشترك فيها المسلمون واليهود على حدّ سواء ، وقد تناوب الطرفان على سدانته تبعا للظروف السياسية التي تحيط بهما. ويعتبر المسجد الاسلامي ومنارته الأثرية إلى جانب مرقد النبيّ ذي الكفل من الآثار الدينية والتاريخية النادرة.

وقبر ذي الكفل من المزارات المقدّسة عند اليهود يتردّدون إليه للصلاة ، والدعوات ، خصوصا أيام رأس السنة ، وعيد الكفّارة. وعندهم هو حزقيال النبي.

وكانت تقام المواسم في المناسبات من قبل الجالية اليهودية بالعراق حتى منتصف القرن العشرين الميلادي حيث هجّر اليهود العراقيون عن بلادهم بعد احتلال فلسطين وأخليت القرية منهم. وكان القبر يستقبل الزوّار اليهود كلّ عام في أيام صوم الأسابيع من بعض المناطق في العراق وإيران للاحتفال الديني بهذه المناسبة.

٩٣

وقرية ذي الكفل بلدة قائمة على ضفة الفرات اليسرى ، تبعد ثلاثين كيلومترا إلى الجنوب الغربي من مدينة الحلّة ، وفيها مدفن نبي الله حزقيال المسمّى بذي الكفل ، وتعرف القرية قديما باسم (بئر ملاحة) (١).

وفي القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي زار المرقد بنيامين التطيلي ، ووصفه بقوله : «هناك في صدر الكنيس ستون برجا ، والغرفة التي تقع بين كلّ برج وآخر أتخذت كنيسا». ويستقرّ في فناء أوسع واحد منها ـ الناووس ، وهو مدفن حزقيال بن موسى الكوهيني.

هذا الأثر مسقّف بقبّة عظيمة ، وبناؤه رائق في الجمال ، يعزى تشييده لبعض ملوك اليهود. ويقع بين نهر الخابور ، ونهر آخر. وعلى الجدار وضع اسم الملك اليهودي وبعض أسماء مرافقيه ، كما وضع إسم حزقيال في آخر الجدار.

وقد إهتمّ السلطان الايلخاني أولجايتو خان ، محمّد خدابندة (٧٠٣ ـ ٧١٦ ه‍ / ١٣٠٣ ـ ١٣١٦ م) بعمارة المشهد فأمر ببناء مسجد ومنارة ، ومنبر.

قال حرز الدين : مرقد ذو الكفل في «برملاحة» بقرية القسونات ، المعروفة اليوم بقرية الكفل ، التابعة إلى الحلّة بالعراق ، ويقع منتصف الطريق بين الكوفة والحلّة على الضفة الشرقية للفرات جنب مسجد النخيلة. وله حرم وأروقة سميكة البناء مرتفعة الدعائم ، قديمة الانشاء ، تظلّل قبره قبّة قديمة مخروطيّة الشكل.

وفي شرقي المسجد منارة قديمة فخمة البناء كانت قائمة سنة ١٣١٠ ه‍ / ١٨٩٢ م نقشت عليها كتابة كوفية بخط عريض من الحجارة مستديرة على طول المنارة. الموجود منها في الجانب الشرقي الشمالي «أحمد ، محمد ، علي ، حسن ، حسين» ، وعليها كتابة أخرى مستديرة في رأس ثلثي المنارة

__________________

(١) اليعقوبي ، البابليات ، ج ٤ ، ص ٦١.

٩٤

بخط عربي في سطرين بينهما خط يطوّق المنارة. وفي بعض جدران المسجد الشمالية تاريخ بنائه القائم ، وإسم من بناه. والموجود منه اليوم هذا : «بنى هذا البرج المشيّد أبو الفرج المنصور».

يقول حرز الدين : بنى اليهود جدارا إلى جانب الكتابة هذه ، في المسجد ، وضيّعوها بين جدارين. والظاهر أنّ الكتابة لا تزال موجودة لمن أراد التنقيب عنها.

قصة منارة الكفل

حدث نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، نزاع بين الشيعة واليهود في قرية الكفل ، حيث إدّعى الشيعة أن مرقد الكفل هو مسجد إسلامي لوجود مرقد نبي الله ذي الكفل

٩٥

منبر ومحراب فيه ، مضافا إلى منارة يؤذن عليها ، وكان اليهود قد تملكوه ، وبنوا فيه بيوتا وغرفا يأوي إليها الزائرون.

وقد تفاقم النزاع بين الطرفين ، وكان هدف الشيعة طرد اليهود عن قرية الكفل وتخليص المنطقة منهم.

وتصدّى للمنازلة الشيخ علي خيري (ت : ١٣٢٠ ه‍ / ١٩٠٢ م) العالم الديني بالقرية ، والوكيل عن مرجعيّة النجف. فما كان من اليهود إلّا وألصقوا به تهمة الفرار من الخدمة العسكرية التركية لدى ولاة الأمور ببغداد ، فطرد الشيخ علي من القرية.

وبعد مدّة قام الشيعة بارسال شكوى إلى الأستانة ، فأمرت السلطة هناك بفتح ملف التحقيق من جديد ، والوقوف على منشأ النزاع ، وأسبابه فأرسل وفد إلى قرية الكفل ، وانتهى التحقيق لصالح اليهود حيث قام الوفد بالتقاط صور للمكان ، أظهرت معالم المنطقة التي تختصّ باليهود ، وغيّبت (المنارة) التي هي رمز المسلمين في ذلك المكان.

وقد أصبحت قصة منارة الكفل مضرب المثل لدى العراقيين بكافة طبقاتهم ، واشتهرت اشتهارا واسعا. فإذا أرادوا أن يضربوا مثلا للشيء الماثل للعيان الذي ينكره الانسان ، وهو نصب عينيه يقولون : «مثل منارة الكفل».

قال الشيخ حرز الدين : «أنكر الوفد أنّ في المنطقة أثرا إسلاميا ، ولم تكن هناك منارة ، ولا مسجد النخيلة. وقد صوّر الوفد منظر القرية من خارجها ، فظهرت في الصورة منارة المسجد ، وقبّة القبر المخروطيّة. ثم قصّوا المنارة من الصورة الأولى ، وصوّروها ثانية ، فلم يظهر أثر لمنارة المسجد فيه. فصار التصوير شاهد حال الوفد» (١).

__________________

(١) حرز الدين ، مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ٢٩٧.

٩٦

(١٣) النبي يوشع

النبي يوشع بن النون. روي أنّ الشمس ردّت عليه (١). وقيل : إنّه وصي النبي موسى بن عمران. ويوشع أوصى إلى داود النبي.

له قبر يؤثر في جانب الكرخ من بغداد مشهور. وهو من المزارات التي يقصدها اليهود للزيارة ويسمّى عندهم النبي يوشع أو ربن يوشع ، أو يوشع كوهين كادول (الكاهن العظيم) ، وقبره قرب مدفن الشيخ معروف الكرخي ، وجوار المرقد المعروف بمرقد الست زبيدة.

يقول البحّاثة يوسف غنيمة : وهم من نسب هذا الضريح إلى النبيّ يوشع بن نون آخذا بقول العامة. فاليهود أنفسهم لم يذهبوا هذا المذهب ، وليس من أدلة تاريخية على منشأ هذا المزار ، والراقد في ثراه. لهذا يصعب على المؤرّخ إبداء آرائه فيه ، وكلّ ما يقال في هذا الشأن رجم في الغيب. وغاية ما يقول الشعب اليهودي أو المتفقون منهم أنّ هناك مدفن أحد الصالحين ، أو أحد الرؤساء من الكهنة (الكوهينيين) ، ولم يعرفوا عنه شيئا (٢).

ونقل أنّ قبره ببابل في مشهد الشمس ، (وهو الموضع الذي قيل إنّ الشمس ردت فيه للإمام علي بن أبي طالب للمرّة الثانية) ، بحديث منقول

__________________

(١) المرتضى ، رسائل الشريف المرتضى ، ج ٤ ، ص ٨٢ ؛ ابن بابويه القمي ، الامامة والتبصرة ، ص ٢٣.

(٢) نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ، ص ٢٣٤.

٩٧

عند ما أراد الامام (عليه‌السلام) ، أن يعبر نهر الفرات مع أصحابه في بابل.

وفي لبنان مشهد منسوب إلى النبيّ يوشع بن نون ، وصفه السيد محسن الأمين بقوله : «له مشهد فوق الحولة ، عليه قبّة شاهقة. كان يجتمع فيه الألوف من الزوار من العامليين في مواسم الزيارات ، لا سيّما نصف شعبان ، ويكثر فيها الدبك والصفق من النساء والرجال ، وإطلاق البنادق والضرب على المجوز والشباب ، وغير ذلك من أنواع اللهو.

والبعض يشتغل بالعبادة من الدعاء والزيارة والصلاة وذكر الله. هذا قبل إلحاقه بفلسطين ، وبعدها انقطع ذلك (١).

ويقع المزار في قرية تسمّى باسمه ، قرية يوشع. وأوّل من بنى عليه قبّة هو الشيخ ناصيف النصّار لحمد البك ، ثم أوصى أن يدفن هناك. وعلى قبره قبّة شرقي قبر يوشع. وأرّخ بناءه الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي سنة ١١٨٧ ه‍ بأبيات (٢) ، منها بيت التاريخ :

وقل عند إهداء السلام مؤرخا

عليك سلام الله يا ثاوي القبر

__________________

(١) خطط جبل عامل ، ص ١٤٦.

(٢) بلدان جبل عامل ، ص ٤٥٨.

٩٨

(١٤) النبي يونس

النبي يونس بن متى من ذريّة بنيامين بن يعقوب. بعث بمدينة نينوى بالعراق سنة ٧٨٠ قبل الميلاد وتوفي بها ، ولقّب قومه بالآشوريين. ورد ذكره ست مرّات بالقرآن. وهو الذي إلتقمته الحوت ، ثم نبذته (١).

قال المؤرخ الموصلي أحمد بن الخياط المتوفى سنة ١٢٨٥ ه‍ / ١٨٦٨ م : «هو مدفون في قرية نينوى في بطن الجبل الذي فيه القرية. معلوم مكانه قبل الاسلام. وقد بنى بعض الملوك على متن البيعة مسجدا جامعا ، ووضع عليه صندوقا وقبرا على موازاة ذلك القبر القديم» (٢).

ثم ذكر أنّه : قد تواتر النقل بأنّ قبره الشريف المحترم فيما هو الآن فيه. ووجدنا أمارات كثيرة دالة على صحة ذلك ، منها : نزول النور على قبّته الشريفة ، ومنها : أنّ القلوب تخشع ، والجلود تقشعر عند مشاهدته.

قال الشيخ حرز الدين : «مرقد يونس بن متى بالعراق في نينوى (الموصل) مشيّد بعمارة قديمة ، وعليه قبّة لا ترى من بعيد لانخفاضها ، وإلى جنبه رواق للزائرين».

ثم قال : «روى بعض أصحابنا أنّ قبر يونس (ع) عن الغري الأقدس بستة

__________________

(١) سورة الصافات الآية : ١٤٢.

(٢) ترجمة الأولياء في الموصل الحدباء ، ص ٣٩.

٩٩

١٠٠