كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وعلي والحسن ، والحسين (عليهم‌السلام).

وفي تأويل آخر : أحد الثمانية الذين سلموا من الانقلاب ، وهم عليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين (عليهم‌السلام) ، وسلمان ، وأبو ذرّ ، والمقداد ، وعمار.

وأنه (عليه‌السلام) مع أنه في قبره يسمع الكلام ، ويرد الجواب ، قائم على يمين العرش قابض عليه ، ينظر إلى زواره وأنّه تقف الأمّة المرحومة في القيامة مائة صفّ ، منها تسع وتسعون صفّا يدخلون الجنة لشفاعته ، وصف واحد لبقية الأنبياء والأوصياء ، وكل من له شفاعة عند الله ، والحسين (ع) معهم.

وقد ورد في فضل البكاء عليه وإقامة مأتمه من الروايات ، وأنه محط الذنوب العظام ، ولو كانت مثل زبد البحر ـ ، ما لا يحصى (١).

ولد بالمدينة في رواية : آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان ، وقال المفيد : لخمس خلون من شعبان سنة أربع (٢).

وقتل بكربلا يوم الجمعة (عاشورا) شهر المحرم ، وقيل يوم السبت سنة إحدى وستين ، عن ثمان وخمسين سنة.

__________________

(١) ابن قولويه ، كامل الزيارات ، ص ١٠٣ ؛ والحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١٠ ، ص ٣٩٨ ؛ والفصول المهمة في أصول الائمة ، ص ٤١٥.

(٢) الارشاد ، ص ٢٥٦.

٦١

وقد حملت به فاطمة لستة أشهر ، ولم يولد مثله غير عيسى (ع).

وثواب زيارته ، عموما وخصوصا لا تحصى ، حتى روى أنّ زيارته (عليه‌السلام) فرض على كل مؤمن ، وانّ تركها ترك حق لله ولرسوله ، وأنّ تركها عقوق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وانتقاص في الايمان والدين.

وانّه حق على الغني زيارته في السّنة مرتين ، والفقير في السنة مرّة ، وإنّ من أتى عليه حول ، ولم يأت قبره نقص من عمره حول ، وانّها تطيل العمر ، وإنّ أيام زيارته لا تعد من الأجل ، وتفرّج الغمّ ، وتمحصّ الذنوب ، وبكل خطوة حجة مبرورة ، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة ، وحملة على ألف فرس في سبيل الله ، وله بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم.

وإنّ من أتى قبره عارفا بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

ويكفي في معرفة حقّه لقبول زيارته أنّه إمام مفترض الطاعة ، كما في صريح النصوص الواردة عن الصادق (ع) ، وكلما ازداد معرفة لحقه فوق ذلك كان ثوابه أعظم.

وانّ زيارته يوم عرفة بعشرين حجة ، وعشرين عمرة مبرورة ، وعشرين غزوة مع النبي (ص) ، أو الامام (ع).

بل يؤدي أنّ مطلق زيارته خير من عشرين حجة ، وانّ زيارته يوم عرفة (١) بحقّه مع المعرفة بألف ألف حجة وألف ألف عمرة متقبّلات ،

__________________

(١) يوم عرفة : هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة.

٦٢

وألف غزوة مع نبي أو إمام ، وإن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى زوار الحسين (ع) عشية عرفة قبل أن ينظر إلى حجّاج بيته ، أو إلى أهل عرفة ، وذلك لأنّه لا يدخل حائر الحسين (ع) في ذلك الوقت ، أو يوم عرفة مطلقا ولد زنا. وهذا بخلاف حجّاج البيت ، فإنّهم مجموعون من كافّة الناس.

وزيارته يوم عاشوراء معرفة بحقّه كمن زار الله فوق عرشه.

وقال الشهيد : هو كناية عن كثرة الثواب والاجلال بمثابة من رفعه الله إلى سمائه ، وأدناه من عرشه ، وأراه من خاصة ملكه ما يكون به توكيد كرامته.

وزيارته في صفر من إحدى علامات المؤمن الخمس.

وزيارته في أوّل يوم من رجب مغفرة للذنب البتّة ، وكذلك زيارة النصف منه. وفي نصف شعبان يصافحه مائتان وعشرون ألف نبي. وقد ورد عن النبي (ص) أنّه قال : «لو علم الناس ما في الفضل من زيارة الحسين (ع) في نصف شعبان لقامت ذكور رجال أمّتي على الخشب».

وقد أوّل بتأويلات بعيدة. والحق أنّ المراد بالحديث كناية عن أنّه إذا علم الناس ما فيه من الفضل لهجروا المال والوطن والولد والأهل ، وتزوّجوا سروج الخيل ، وأكوار الإبل ، ولم يبرحوا عن زيارته من قرب وبعد عوضا عن النساء.

وإنّ الجمع في سنة واحدة بين زيارة ليلة عرفة والفطر ، وليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجة مبرورة ، وألف عمرة متقبّلة ، وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة.

٦٣

وزيارته في كل شهر ثوابها ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر.

ومن بعد عنه ، وصعد على سطحه ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، ثم توجّه إلى قبره وقال : «السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته» ، كتب الله له زورة ، والزورة حجة وعمرة ، ولو فعل ذلك كل يوم خمس مرات يكتب له ذلك.

وفي رواية يقول : «السلام عليك يا أبا عبد الله ، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك» ، فيكون ذلك بمنزلة من زاره من قرب.

وإذا زاره فليزر ولده عليّ بن الحسين.

قال الشهيد في الدروس : وهو الأكبر على الأصح (١).

والأقرب أنه الأصغر ، والأكبر الامام زين العابدين (ع) لأنّ ولده الباقر كان في الطف موجودا ، وعمره ثلاث سنوات ، وقد ولد في زمان أمير المؤمنين (ع) ، ونصّ عليه بالامامة والوصية بالخصوص مشافهة ، كما نصّ على أبيه وعمّه الحسن (ع).

فليزر الشهداء دائرا من حول الرأس الشريف إلى الخلف ، بحيث يقابل قبورهم ، ويزور حبيب بن مظاهر من خلفه مما يلي الرأس الشريف ، وإنما يزار في الحائر المعلوم كما هو الآن. والمراد بن ما حار عنه الماء ، أي رجع عنه ، وهو لا يزيد على خمسة وعشرين ذراعا من جوانب القبر ، وقيل من الرأس والرجلين. وأقل من ذلك من جانب

__________________

(١) نصّ عبارة الشهيد الأول هي : «إذا زاره فليزر ولده علي بن الحسين ، وهو الأكبر على الأصح». الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ١١.

٦٤

الوجه والخلف ، وهو محلّ التخيير بين القصر والاتمام للمسافر (١).

وليزر أخاه العباس في محلّه المعروف ، ويسلّم عليه بعد الاستئذان بالزيارة المعروفة ، وهي : «السلام عليك أيها العبد الصالح» من عند الوجه.

ثم يتوجّه إلى عند الرأس فيصلّي ركعتين ناويا بهما صلاة الزيارة والهدية. ثم يقف عند الرأس ويزور بما ورد من قوله : «السلام عليك يا أبا الفضل العباس» ، إلى آخرها ، فإنّها بمنزلة الدعاء.

ثم يطوف من خلفه إلى عند الوجه ويسلّم للوداع ، ويخرج.

ويندب زيارة الحر بن يزيد كسائر الشهداء ويستشفي تربته من ضريح قبره ، وحدّه خمسة فراسخ من أربعة جوانبه. وروي فرسخ كلّ جانب ، وفي رواية خمسة وعشرون ذراعا من ناحية الرأس ، ومثلها من ناحية الرجلين.

وروي : عشرون ذراعا مكسّرا ، وهما محمولان على ارادة الحائر لا الحرم ، وكلّه على الترتيب في الفضل.

والصلاة عنده كل ركعة بألف حجة ، وألف عمرة ، وعتق ألف رقبة ، وألف وقفة في سبيل الله مع نبيّ مرسل. وفي رواية صلاة الفريضة عنده تعدل حجّة ، والنافلة تعدل عمرة ، وفي تربته الشّفاء من كل داء ،

__________________

(١) يراجع بخصوص هذه الأحاديث كتاب وسائل الشيعة ، الباب السابع والستون من أبواب المزار من المجلد العاشر.

٦٥

وهو الدواء الأكبر ، قال الله تعالى : (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)(١) ، بعد قوله تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) ، وفسّر بالحسين (ع)

مضافا إلى ما ورد من خصاله الثلاث ، إن الشفاء في تربته ، والإجابة للدعاء تحت قبّته ، وإنّ الأئمة من ذرّيته.

وينبغي إذا أخذت من القبر الشريف ، أو من جوانبه ، أو أدخلت إلى قبره من حرمه ، وفي رواية : «ليأخذ من قبره إلى سبعين ذراعا» ، على الأفضل أن يقرأ عليها سورة القدر ، والدعاء المأثور ، والختم عليها في صرّة بيضاء لئلا تتمسّح بها الشياطين فتذهب بركتها.

ويدعى بالمأثور عند التناول ، وعند الشرب. وحملها أيضا أمان من كل خوف. ويندب حمل السبحة من طينه ثلاثا وثلاثين حبّة ، أو عدد تسبيح الزهراء من التكبير والتحميد والتسبيح. فمن قلّبها ذاكرا لله فله بكل حبّة أربعون حسنة ، وإن قلّبها ساهيا فعشرون حسنة ، وما سبّح الله بأفضل من سبحة طينه.

وكذلك يستحب السجود على طينه ، واتخاذه للشرب منه مشعرا للعبادة. وقد ورد أنّ لها نورا يضيء لأهل السماء ، كما تضيء الكواكب لأهل الأرض.

ويستحب وضعها مع الميت في قبره ، وخلطها بحنوطه.

__________________

(١) سورة الاسراء ، الآية : ٨٢.

٦٦

ويستحبّ لزائره أن يأتيه محزونا أشعث أغبر جائعا عطشانا ، ولا يتخذ في طريقه السّفر ، ولا يطيّب ولا يدهن ، ولا يكتحل ، ويأكل الخبز واللبن ، ويزوره بالمأثور.

الرابع : الامام أبو محمد زين العابدين علي بن الحسين (ع).

الملقّب بالسجّاد ، وذي الثفنات. ولد بالمدينة يوم الأحد ، خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين ، وقبض بها يوم السّبت ثاني عشر المحرّم سنة خمس وتسعين (١).

وقيل ثمان عشر ، وقيل تسع عشر ، عن سبع وخمسين سنة.

وأمّه شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى أبرويز ، وقيل ابنة يزدجر ، وماتت في النفاس.

ودفن في البقيع مع عمّه الحسن (ع). ويستحب زيارته كزيارة آبائه عموما وخصوصا.

الخامس : الامام أبو جعفر محمد بن علي (ع).

الباقر لعلم الدين ، ولد بالمدينة يوم الإثنين ثالث صفر سنة سبع وخمسين ، وقبض بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة.

وفي رواية سنة ست عشر ومائة. وأمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن علي ، فهو علوي وفاطمي بين علويين وفاطميين.

ودفن بالبقيع مع أبيه ، وعم أبيه. ويندب زيارته عموما وخصوصا.

__________________

(١) الكليني ، الكافي ، ج ١ ، ص ٤٦٨.

٦٧

السادس : الامام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) العالم.

وإليه استندت الامامية بعد آبائه لظهور كلمته ، وبيان دعوته.

ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين ، وقبض بها في شوّال ، وقيل في منتصف رجب ، يوم الإثنين سنة ثمان وأربعين ومائة ، عن خمس وستين سنة.

وأمّه أم فروة إبنة القاسم الفقيه ابن محمّد النجيب بن أبي بكر.

وقال الشهيد نقلا عن الجعفي : إسمها فاطمة ، وكنيتها أم فروة.

ودفن في البقيع مع أبيه ، وجدّه ، وعمه الحسن في مكان واحد.

يدلّ على استحباب زيارته ما دلّ على زيارة آبائه عموما ، وخصوصا ما دلّ على زيارة الحسن ، وأئمة البقيع.

وفي رواية عن العسكري (ع) : «من زار جعفرا وأباه لم يشك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى» (١).

وعن الصادق (ع) أنه قال : «من زارني غفرت له ذنوبه ، ولم يمت فقيرا».

والظاهر أنّ ذلك شامل لزيارته من قرب ، ومن بعد.

__________________

(١) الطوسي ، تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٧٨.

٦٨

السابع : الامام الكاظم للغيظ (ع).

أبو الحسن ، ويقال أبو إبراهيم ، ويلقّب بالفقيه ، والعبد الصالح ، والعالم ، وأبو علي موسى بن جعفر الصادق (ع) ، وأمّه حميدة البربريّة.

ولد بالأبواء بين مكة والمدينة سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقيل سنة تسع وعشرين ومائة ، يوم الأحد سابع صفر ، وقبض مسموما ببغداد في حبس السّندي بن شاهك اللعين باذن الرشيد ، لسّت بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة احدى وثمانين ومائة.

ودفن في مشهده المعروف الآن في مقابر قريش.

وقد سئل الرضا (ع) عن زيارة أبيه أبي الحسن (ع) ، أهي مثل زيارة الحسين (ع) ، قال نعم.

وقال : «من زار قبري ببغداد كمن زار قبر رسول الله (ص) ، وقبر أمير المؤمنين». وقال : إن الله نجّى بغداد لمكان قبره بها ، وانّ لمن زاره الجنّة. وقال (ع) لزكريا بن آدم : لا تخرج عن أهلك بعد أن استأذنه بالخروج منهم ، فإن الله يدفع بك عنهم البلاء كما يدفع بقبر موسى بن جعفر عن أهل بغداد (١).

ومن خواصّه شفاء المرضى ، وأنّه باب الحوائج.

__________________

(١) حول استحباب زيارة قبر الامام الكاظم (ع) ، ينظر : وسائل الشيعة ، ج ١٠ ، ص ٤٣١.

٦٩

الثامن : الامام الرضا أبو الحسن علي بن موسى (ع).

ولي المؤمنين ، وهو الامام الثامن ، والغريب الضامن ، وأمّه أم البنين ، أم ولد. ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقيل يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة ، وقبض بطوس في صفر في السابع والعشرين ، وقيل في السابع عشر ، وقبره بسناباد بمشهده المعروف الآن سنة ثلاث ومائتين.

وقيل : إنّه مات بسمّ المأمون ، وأنه سمّ بعنب ورمان بعد أن جعل ولاية العهد إليه ، ورجوع حقّه إليه ، وضربت الدنانير والدّراهم باسمه. وقد ورد عنه في فضل زيارته (ع) أنه قال : من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلّصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط والميزان (١).

وقرء بخطّه : أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله ألف حجّة ، وألف عمرة متقبّلة كلها. قال قلت لأبي جعفر ألف حجة؟ قال : إي والله ، وألف ألف حجة لمن يزوره عارفا بحقّه.

وروي عن الكاظم (ع) أنّه قال : من زار قبر ولدي عليّ كان عند الله كسبعين حجة مبرورة ، قال له يحيى المارني : سبعين حجة ، قال نعم ، وسبعين ألف حجة.

وسئل أبو جعفر محمد بن علي الجواد : زيارة أبيك أفضل أم زيارة جدّك الحسين (ع)؟! قال : زيارة أبي أفضل لأنّ جدّي يزوره كلّ أحد ،

__________________

(١) الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣٥٠ ؛ والمفيد ، المقنعة ، ص ٧٤ ، والحرّ العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٥١.

٧٠

وأبي لا يزوره إلا الخواص من الشيعة.

وقد أشكل على هذه الرواية من أنّه قد يزوره عوام الشيعة ، ويحرم منها خواص العلماء.

والأولى في الجواب أنّ الرضا (ع) لا يزوره إلّا إماميّ معتقد بإمامة الإثني عشر ، فإنّ من أقرّ بامامته أقرّ بإمامة غيره ، بخلاف من أقرّ بامامة من قبله من الأئمة ، فإنه قد لا يكون إماميا من سائر فرق الشيعة كالواقفيّة (١) ، والفطحية (٢) ، والناووسيّة (٣) ، والجارودية (٤) ، والزيدية (٥) ، والكيسانية (٦) ، وكلّهم يزورون الحسين (ع) ، ولا يزورون الرّضا (ع) وهو الضامن من للجنّة ، ومن خاصّته الالتجاء إليه في الأسفار في البراري والقفار والغياض والبحار. وحاله معلومة لدى الزوار ، وهو وأخوه القاسم ، وأخته فاطمة معصومة قم ، من أمّ واحدة.

__________________

(١) الواقفية من توقف على الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) ، وقال إنّه لم يمت ، وسيخرج بعد الغيبة ، (الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٥٠).

(٢) الفطحية : قيل إنّها فرقة قالت بانتقال الامامة من الامام الصادق (ع) إلى ولده عبد الله الافطح. وسببه أنّ عبد الله كان أفطح الرأس ، أو الرجلين. وقيل نسبة إلى عبد الله بن فطيح.

(الملل والنحل ، ج ١ ، ص ١٤٨ ؛ فرق الشيعة ، ص ٧٧).

(٣) الناووسية : جماعة وقفوا على الامام الصادق (ع). (النوبختي ، فرق الشيعة ، ص ٦٧).

(٤) الجارودية : جماعة قالوا إنّ النبي (ص) نصّ على الامام علي (ع) بالوصف لا بالتسمية ، فكان هو الامام من بعده. وهي فرقة من الزيدية.

(٥) الزيدية : نسبة إلى الامام زيد بن علي بن الحسين (عليهم‌السلام).

(٦) الكيسانية : قيل إنّها نسبة إلى محمد بن الحنفيّة ابن الامام علي (ع) كما قيل إنّ المختار بن يوسف الثقفي منسوب إليها أيضا.

وفي دراستنا لتاريخ هذه المرحلة ظهر أنّ جميع هذه الفرق لم تكن لها جذور ترقى إلى المرحلة الأولى من تاريخ الاسلام ، بل هي من المبتدعات التي تفشّت في كتب الأقدمين في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، ومابعده.

٧١

التاسع : الامام الجواد (ع).

بنص النبي (ص) وآبائه عليه ، أبو جعفر محمد بن علي الرّضا (ع).

وأمّه الخيزران ، أمّ ولد ، وكانت من أهل بيت مارية القبطية.

ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة ، وقيل يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين.

ودفن في ظهر جدّه الكاظم بمقابر قريش.

وقد ورد في فضل زيارته ، وزيارة جدّه الكاظم عن الهادي (ع) بما يدلّ على أنّها أفضل من زيارة الحسين (ع) ، وأعظم أجرا (١). وقد ورث الامامة ، وهو صبي ابن سبع أو ثمان. ومن خواصّه طلب سعة الرّزق منه مع الضيق.

العاشر : الامام الهادي (ع).

المنتجب بنص جدّه وآبائه عليه أبو الحسن علي بن محمد الجواد (ع). وأمّه أمّ سمانة ، أمّ ولد.

ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة سنة إثنتي عشرة ومائتين ، وقبض بسرّ من رأى في يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع (٢) وخمسين ومائتين ودفن في داره بها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، الباب (٩٠) من أبواب المزار.

(٢) هكذا وردت في الأصل.

٧٢

الحادي عشر : الامام التقي الحسن العسكري (ع).

وليّ المؤمنين بنص آبائه عليه ، أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري. أمّه حديث ، أمّ ولد.

ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر ، وقيل يوم الاثنين رابعة سنة اثنين وثلاثين ومائتين ، وقبض بسرّ من رأى يوم الأحد. قال المفيد : يوم الجمعة ثامن من شهر ربيع الأوّل سنة ستين ومائتين ، ودفن إلى جانب أبيه.

وثواب زيارتهما تعلم من الروايات السابقة عموما وخصوصا. وروى أبو هاشم الجعفري : قال : قال لي أبو محمّد الحسن بن علي (ع) : «قبري بسرّ من رأى أمان لأهل الجانبين» (١).

ويزاران في محلهما ومشهدهما الآن من قرب ومن بعد ، ويجوز الدخول إليهما لما ورد من ندب شيعتهم إليهم أحياءا وأمواتا ، وانهم في حلّ من مالهم. ومنع المفيد من دخول الدار (٢). وقال الشيخ إنه أحوط ، وهو في غير محلّه (٣).

وفي خواصّهما الإعانة على العبادة والنوافل.

__________________

(١) الطوسي تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٩٣ ، ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار ، ج ١٠٢ ، ص ٥٩. والحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٠.

(٢) المقنعة ، ص ٤٨٦.

(٣) التهذيب ، ج ٦ ، ص ٩٤.

٧٣

الثاني عشر : الامام المهدي الحجة (ع).

صاحب الزمان ، أبو القاسم محمّد بن الامام أبي محمّد الحسن العسكريّ (عجّل الله فرجه).

ولد بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلا ، وقيل ضحى خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.

أمه صيقل ، وقيل نرجس ، وقيل مريم بنت زيد العلويّة ، والوسط أقسط. والمعلوم أنّها بنت قيصر.

وهو المتيقّن وجوده ، وغيبته ، وظهوره ، وتملكه ، وانّه يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا.

جعلنا الله من أنصاره وأعوانه ، ومقوّية سلطانه.

قد أخفي حمله وولادته كما وقع في سنن الأنبياء من قبله ، من إخفاء ميلاد إبراهيم وموسى (ع) ، وأنّه اطّلع عليه خواصّ أصحاب أبيه وعمّته.

ولم يغب حتى صلّى على أبيه ، ورآه جميع الحاضرين من الخلفاء والوزراء والأمراء ، ومن حضر الصلاة من الملأ. وبعد أن فرغ من الصلاة دخل السرداب علانية ، وغاب ، بل شاهدوه فيه ، ولم يصلوا إليه.

ويستحب زيارته في كل مكان وزمان ، خصوصا في مشاهد آبائه ، ومحلّ غيبته في السرداب من سرّ من رأى ، والدّعاء له بتعجيل الفرج (صلوات الله عليه وعلى آبائه أجمعين).

٧٤

الفصل الرابع

في زيارة الأنبياء (ع)

يستحب زيارة بقية الأنبياء على نبيّنا وعليهم‌السلام ، كآدم (١) ونوح (٢) عند أمير المؤمنين (ع) في الروضة المشرّفة ، وهود (٣) وصالح (٤) في الغريّ.

وإبراهيم (٥) ، واسحاق (٦) ، ويعقوب (٧) ، ويوسف (٨) ، بمشاهدهم المعروفة في بيت المقدس ، وقيل عن الغري ستة عشر فرسخا من الجانب الشرقي إلى الفرات ، وهو القبر المشهور في مدينة من أرض حسكة الكوفة ، وقيل هو قبر إبراهيم بن عبد الله ابن الحسن المثنى (٩).

وقبر شعيب (١٠) عن الغريّ اثني عشر فرسخا من الجانب الشرقي من الفرات ، وهو القبر المعروف في أرض (الدغّارة) تقريب فرسخين عن الفرات.

وقبر دانيال (١١) بين الحويزة وشوشتر ، وقيل هو قبر شعيب.

وقبر ذي الكفل (١٢) ، وهو قبر بشر بن أيوب ، وقيل قبر يهودا بن يعقوب ، ومنه ذو الكفل.

وقبر يوشع (١٣) والمشهور في الزوراء ، وقيل إنّه في مشهد أمير المؤمنين الذي ردّت فيه الشمس ببابل.

٧٥

وقبر يونس (١٤) ، والمعروف في نينوى من الموصل ، والأصّح أنّه عن الغري ستة عشر فرسخا. وأمّا الذي في الكوفة ممّا يقرب من المسجد الأعظم فهو المقام الذي ألقته فيه الحوت من الفرات.

وقبر أيوب (١٥) أربعة فراسخ عن بابل من الجانب الغربي من الفرات من شرقي الحلة ، وقيل إنه القبر القريب من الحلّة ، والأصحّ أنه مقامه الذي أجاب الله فيه دعوته ، وهو موضع المغتسل ، كما قال تعالى (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)(١).

وأمّا موسى وهارون (١٦) فقد ماتا في التيه ، وقد أخفى الله قبريهما.

وقول الامام : وانّا لنعرف قبره عند الزكوات البيض يدلّ على أنّ قبر موسى بالغريّ قرب قبر أمير المؤمنين ، أو في الروضة معه ، وليس ببعيد. ولعلّ المراد بذلك معنى آخر من الرواية والاشارة بذلك إلى قبر أمير المؤمنين لخفاء قبره عن طغاة بني أمية ، فشبهوه بموسى (ع) فإنّه يجري في هذه الأمة ما يجري في الأمم الماضية.

وبقية الأنبياء كداود (١٧) ، وسليمان (١٨) ، وزكريا (١٩) ، ويحيى (٢٠) ، في بيت المقدس.

ومن الحوارييّن قبر يوحنا الديملجي (٢١) مما يقرب من ذي الكفل.

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٤٢.

٧٦

تعليقات الفصل الرابع

في تراجم الأنبياء (عليهم‌السلام) وتعيين مراقدهم

(١) آدم أبو البشر

نقل أنّ آدم مات بمكة ، ودفن في غار أبي قبيس ، ثم حمل نوح تابوته في السفينة ، ولمّا خرج منها دفنه في بيت المقدس (١).

وذكر الهروي أنّ قبر آدم ونوح وسام وإبراهيم وإسحاق ويعقوب في أرض القدس بالمغارة (٢).

قال أحد المحدثين : إنّ الزبداني المرتفعة عن مساواة البحر ١٠٦٧ مترا تحتوي على نحو ثلاثة آلاف ساكن نصفهم نصارى والنصف الآخر مسلمون. ولديهم تقليد يجعل قبر آدم في هذا المكان (٣).

وورد في النصوص الشيعية أنّ مدفنه بالنجف. قال المجلسي : يظهر من الأخبار أنّ رأس الحسين ، وجسد آدم ، ونوح وهود وصالح مدفونون عند علي (ع) فينبغي زيارتهم جميعا بعد زيارته (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ، ج ١ ، ص ٨٠.

(٢) الاشارات إلى معرفة الزيارات ، ص ١٠.

(٣) تاريخ لبنان للأب مارتين اليسوعي ، ص ١٠٦.

(٤) بحار الأنوار ، المجلد الثاني والعشرون.

٧٧

ووردت قصة آدم (ع) ، بالقرآن ، وأنّه خلق من طين ، وألدّ أعدائه هو إبليس الذي اعترض على خلقه. كما خلق الله له (حوّاء) ، أم البشر ، وأسكنهما الجنّة ، إلّا أنّ إبليس أغواهما فهبطا إلى الدنيا.

كما قصّ القرآن قصة ولديه قابيل وهابيل ، وانّهما اختلفا فيما بينهما فقتل قابيل أخاه هابيل ، ولم يكن أحد قبلهما يعرف القتل.

وذكر في المنقولات الحديثيّة أنّ النبي نوحا نقل عظام آدم قبل الطوفان إلى النجف الأشرف.

٧٨

(٢) النبي نوح

النبي نوح (من ذرية شيث بن آدم) ـ (٣٩٩٣ ـ ٣٠٤٣ ق. م). بعث بالعراق سنة ٣٦٥٠ قبل الميلاد. ذكره القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا. وقد أوحى الله إليه أن يصنع الفلك ليغرق الكافرون ، وينجو المؤمنون بعد تكذيب قومه له ، ولبثه معهم زمانا طويلا يبثّ دعوته فيهم.

ذكر أبو المجد الحلبي (من أعلام القرن السادس الهجري) : أنّ آدم ونوح مدفونان عند الامام علي (ع) (١).

وقد تعددت الأقوال في وفاة النبي نوح (ع) ، ومدفنه ، فقيل إنّه توفي باحدى القرى القريبة من الموصل (٢) ، وقيل بمكة ، أو الهند ، أو بابل.

وللنبيّ نوح قبر ومشهد بمنطقة كرك ، وهي قرية أسفل جبل لبنان من جهة الجنوب ، منسوبة إليه. فيقال عنها كرك نوح تمييزا لها عن غيرها.

ورد في «تاريخ لبنان» تحت عنوان «نوح والطوفان» :

السائح مريسون زار المشرق في القرن السابع عشر الميلادي ، وقد نقل تقليدا وطنيا منطوقه أنّ الجبل هو المكان الذي صنع فيه نوح سفينته التي نجا بها مع عائلته من مياه الطوفان.

__________________

(١) إشارة السبق إلى معرفة الحق ، قم ، ١٤١٤ ه‍ / ١٩٩٤ م ، ص ١٠٧.

(٢) معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٢٠.

٧٩

وورد بالهامش : قال البعض : «إنّه صنعها في الكوفة من العراق ، وذلك قول ضعيف».

وقيل : إن الخشب الذي بني منه فلك نوح ، ولو أنّه غير معروف إلّا قليلا يقدّم لأهل العلم بمجرّد تسميته «جفر» دليلا نفيسا يستعينون به على تعيين المكان الذي صنع فيه الفلك (١).

أما حول مقرّ نوح بعد الطوفان فقد قيل إنّه لا يزال سهل (وادي البقاع) الذي يسمى سهل نوح مشهورا بقبر نوح ، ومركزه قريب من زحلة فوق رسوم حصن الكرك القديم.

وقد تشرّف هذا القبر أيضا بزيارة كثير من عظماء الأرض.

أمّا بنايته على ما هو عليه فهي من آثار البندقداري الذي رقى عرش الملك سنة ١٢٥٨ ملقبا بالملك الظاهر (٢).

__________________

(١) تاريخ لبنان ، ص ١٠٨.

(٢) تاريخ لبنان للأب مرتين اليسوعي ، ص ١١٤.

٨٠