كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

أعلى آيبه أحسو طلا

أم على غائبه أجرع صابا؟! (١)

وهي طويلة حسنة.

والشيخ كاظم إبن شيخ حسن سبتي النجفي من قصيدة طويلة جيدة مطلعها :

إنّ رزءا ألمّ فيك ونابا

بحشى الدين صرّ سنّا ونابا

وبها شبّ من لظى الوجد ما لو

شبّ في مهجة الجنين لشابا

وهي طويلة.

والحاج عباس البغدادي راثيا ، ومؤرّخا في قصيدة مطلعها :

ناع نعى مضرا فآلم يعربا

والحجر والبيت الحرام ويثربا

وفي التاريخ يقول :

من بعد عام حجّ فيه أرخوا

(مهدي آل محمد قد غيّبا)

والشيخ حسون نجل المرحوم الشيخ أحمد قفطان النجفي من قصيدة مطلعها :

العلم أصبح مقفر العرصات

والحلم أمسى دائم الحسرات

والدين أضحى والكآبة شأنه

لعظيم ما قاسى من النكبات

والشيخ محمد قفطان من قصيدة مطلعها :

بفقدك أو حشت الهدى والمساجدا

وآنست فيه حورها والملاحدا

ولما أتى الناعي بموتك معلنا

أجابت دموعي للنداء بلا ندا

وفي التاريخ يقول :

فزد بي في القول الجميل مؤرّخا

(عجبت لبيت الجود بالترب ملحدا)

__________________

(١) يلاحظ أنّ بعض الشعراء جمعوا في قصائدهم بين الرثاء والتهنئة ؛ الرثاء بفقدان الأب ، والتهنئة بعودة الإبن ، الذي كان يرافق أباه في رحلته إلى بيت الله الحرام.

٤١

والشيخ حسين الدجيلي النجفي من قصيدة مطلعها :

إن تقصر اللوم في شأني وإن تزد

فما بقي موضع للصبر في كبدي

وللشيخ حسون خلف المرحوم الشيخ أحمد قفطان أيضا راثيا ومؤرخا في قصيدة مطلعها :

يا للرجال فهل بنا من منجد

ينجي من الدهر الخؤون ومسعد

يا دهر ، مالك والكرام جعلتهم

غرضا لسهمك بالقنا المتأود

وفي التأريخ يقول :

لله يوم قبل ذا أرّخته

أضحى الهدى ينعى بفقد السيد

والشيخ حسن ابن ملا محمد الحلي القيّم من قصيدة مطلعها :

أيعذل من كان لم يسعد

على ما أذاب حشى المكمد

أفي كلّ يوم خيول الردى

تصول على سيد سيد

والشيخ علي ابن ملا حمزة البغدادي من قصيدة مطلعها :

أقبل الناعي إلينا بالردى

ناعيا مولى الورى دين الهدى

ناعيا كهف المعالي والتقى

ذاك من للدين ركنا شيّدا

والشيخ محمد الملّا الحلّي من قصيدة مطلعها :

ما ذا جنى الدهر على المجد

فافلق العالم بالوجد

وما الذي ساق لأم العلى

من مؤلم الأرزاء والجهد

والشيخ محسن الشيخ محمد الشيخ خضر النجفي من قصيدة مطلعها :

بمن صات ناعيك هلّا درى

بفرق العلى ، وبفيه الثرى

أصات بنعيك لا بل أشاط

بنفسي فسالت دما أحمرا

وهي طويلة ، حسنة جيدة.

وله أخرى مطلعها :

جاءتك صارخة سيّارة الابل

تعجّ بالويل في حلّ ومرتحل

٤٢

خوص العيون كريه الشكل منظرها

شوها وبوها لها من إينق بزل

والشيخ محسن ابن الشيخ علي العذاري من قصيدة مطلعها :

نعيت فأشجيت الورى أبد الدهر

أتدري لمن تنعاه ، أم لم تكن تدري؟!

والشيخ حسين بن عبد الله الحلّي من قصيدة مطلعها :

خطب أطلّ على الاسلام مبتكر

كادت له النيّرات الشهب تنتثر

والشيخ صالح المهدي من قصيدة مطلعها :

قضى ماجد كان في عصره

بمنزلة النور من بدره

والشيخ محمد الشيخ عبد الله العذاري من قصيدة مطلعها :

هلّا كففت لحاك الله يا قدر

قد أوشكت تتلف الأرواح والصور

وله أيضا من قصيدة مطلعها :

لقد طرق الناعي بقاصمة الظهر

أيدري لمن ينعاه أم هو لم يدر؟

والشيخ علي الحسين الحلّي من قصيدة مطلعها :

منك الفراق ، ومني الوجد والحرق

وشأن شاني عليك الدمع والأرق

والشيخ حسن المصبح الحلّي من قصيدة مطلعها :

قلب يذوب وعبرة تترقرق

وجوى بأحناء الضلوع يؤرق

والشيخ عبود قفطان من قصيدة مطلعها :

لقد بكر الناعي فيا ليت لا نعى

فزعزع ركن الدين والمجد أفزعا

من أدب التاريخ

هذا ما عثرت عليه من مراثيه ، وهي قليل في كثير.

وقد رأيت مكتوبا على ظهر المجلد الأول من كتابه المسمّى ب «بصائر المجتهدين» ما هذا لفظه :

٤٣

للفاضل الكامل الشيخ عبد الحسين نجل الشيخ إبراهيم العاملي مؤرخا عام ولادة السيد المرحوم المرور (أعلى الله مقامه) (١) :

برزت محجّبة السعود

تفترّ عن ثغر نضيد

والكون جرّ على المجرّ

ة بالعلى فضل البرود

والدهر بعد الظن بالا

حسان طوّق كلّ جيد

يوما به سفر العلى

عن غرّة الشرف الحميد

وبدا به سرّ الإله

بهيكل اليفع الوليد

لو لا العيون لما استهلّ

بغير فرقان مجيد

ولما رقى غير المنا

بر لا يغالط بالمهود

ولفاه بالأحكام حتى

ما عليها من مزيد

وقضى بما بين الأنا

م بعلمه لا بالشهود

أنّى وفي عرنينه

سمة الامامة بالحدود

وله المناقب هتّف

بالخلق من بيض وسود

ظهر الهدى تأريخه

(بظهور مهدي الوجود)

١٢٢٢ ه

وللكامل الأديب الشيخ جواد شبيب مؤرخا عام ولادته (أعلى الله مقامه) :

أبعقد جيد الوجود تحلّى

أم ببدر وجه الزمان تجلّى

وعلى المهد أيّ قبلة قدس

لعلاها وجه المكارم صلّى

جلّ مهد يقل للحجّة (المهد

ي) جسما أحاله الله فضلا

يتحرى الاسلام منه إماما

آية الدين عن معانيه تتلى

__________________

(١) وهي موجودة أيضا على المجلد الثالث من كتابه المذكور من الشرح الموسّع ، ولعلّ السيد باقرا رآه مكتوبا على المجلد الأول من الشرح المختصر.

٤٤

سوف يردي دجّال جور الليالي (١)

أرّخوه (ويملأ الأرض عدلا)

١٢٢٣ ه

أقول : وهذان الفاضلان متأخران عنه (قدس‌سره) ، بل أدركا آخر أيامه ، ولكنّهما (سلّمهما الله) لما فاتهما الانتظام في سلك من رثاه أحبّا الانتظام في سلك من مدحه ، وزادا على ذلك تاريخ ولادته وفقهما الله تعالى لمراضيه.

هذا آخر ما وجدناه من النسخة المخطوطة. وقد انتهى من كتابتها الفقير إلى رحمة ربّه الغني السيد جودت الحسيني الشهير بالقزويني في شهر صفر من سنة الثلاث والتسعين بعد الثلاثمائة وألف هجرية على مهاجرها أفضل الصلاة وأزكى التحية. وكان نقلها عن نسخة بخط السيد باقر بن السيد هادي (قدّس الله أسرارهم) ، وهي محفوظة عند فضيلة العمّ السيد حميد بن السيد أحمد القزويني ، وانتهيت من كتابتها في بلدة الهندية (طويريج) يوم السبت ، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله وصحبه المنتجبين آمين.

__________________

(١) إشارة إلى نقص العدد (١) من مادة التاريخ ، فتكون ولادته عام (١٢٢٢ ه‍).

٤٥
٤٦

٤٧
٤٨

الزيارة لغة القصد ، وشرعا هي الحضور عند المعصوم ، من نبيّ أو إمام. وهي عبارة عن الاستئذان عليه بالدخول ، والسلام عليه بما يليق من شأنه ، وعلو قدره ، وصلاة ركعتين. وما يلحق المعصوم من وليّ وعالم ، وتقيّ ومؤمن فهو بحكم الزيارة.

والكلام يقع في مشروعيتها ، ومحلّها ، وأحكام المشاهد في أبحاث.

البحث الأول

في مشروعية الزيارة

لا إشكال في أنّ الزيارة مشروعة لزيارة الأحياء ، بل هي حقيقة الزيارة ، وإنما شرع زيارة المعصوم والشهداء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، يستمعون الكلام ، ويردّون الجواب والسلام بأسماعهم وألسنتهم ، لا بطريق العلم.

وما ورد من أنّه تحمله الملائكة إليهم على خلاف ظاهره ، ولعلّه محمول على زيارة البعد. والأقرب أنهم في البعد والقرب سواء لا تخفى عليهم أحوال الخلق من غير فرق بين الامام الحيّ والميت.

ولكنّ للقرب في الزيارة وظائف خاصة ، وقد جعل الله طريق

٤٩

الزيارة وصلة بين الحي والميت لئلا يحصل قطع المودّة والصّلة بين الأحياء والأموات ، وهي علاقة روحانية جارية بين المؤتلفات من النفوس ، كما قال (ع) «خلق الله الأرواح جنودا مجنّدة ما تعارف ائتلف ، وما تناكر منها اختلف» (١).

وقد ورد من الروايات في مشروعية زيارة النبي (ص) والأئمة (ع) ، وشدّ الرحال إليهم ، وزيارة قبور الأنبياء والأوصياء والشهداء والعلماء والمؤمنين ما لا يحصى ، وأمرها عظيم وفضلها جسيم. وقد ورد على سبيل العموم : «من زار أخاه في جانب الله ، أي قصده ابتغاء وجه الله ، فهو زوره ، وحق على الله أن يكرم زوره ، أي قاصديه» (٢). وفيه : «من فعل كذا ، فقد زار الله في عرشه» (٣).

قال الصدوق : زيارة الله زيارة أنبيائه وحججه ، ومن زارهم ، فقد زار الله عزوجل ، كما أنّ من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، ومن تابعهم فقد تابع الله. قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله)(٤) وليس ذلك ما تتأوّله المشبهة (لعنهم الله) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وفي الدعاء : «اللهم اجعلني من زوّارك ، أي من القاصدين إليك ، والملتجئين إليك» (٥).

__________________

(١) المازندراني ، المولى محمد صالح ، شرح أصول الكافي ، ج ٩ ، ص ٣٩.

(٢) الحراني ، تحف العقول عن آل الرسول ، ص ٧.

(٣) الكليني ، الكافي ، ج ٤ ، ص ٥٨٥.

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ٣١.

(٥) الطريحي ، مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٣٠٥.

٥٠

البحث الثاني

في زيارة النبي (ص) وزيارة المعصومين وبيان استحبابها

في فصول :

الفصل الأول

في زيارة النبي (ص)

فإنّه يستحب للحاج ، وغيرهم من أهل المدينة والبلاد زيارة النبي المختار بالمدينة استحبابا مؤكدا ، ويجبرهم الامام على ذلك لو تركوه ، لما فيه من الجفاء ، ولقوله : «من أتى مكة حاجّا ، ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي ، وجبت له الجنة».

وقال (ع) : «من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ بالسلام ، فإنّه يبلغني» (١).

والمراد بالبعث الاستنابة بالسلام باجارة أو تبرّع. ويحتمل إرادة السلام من بعد على أن يكون المراد من البعث مطلق التوجّه به إليه أو

__________________

(١) الكليني ، الكافي ، ج ١ ، ص ٣١٤ ، والطوسي ، تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٣ (كتاب المزار) ، الصدوق ، علل الشرائع ، ج ٢ ، ص ٤٦٠.

٥١

بعثته مع الملائكة ، مما ورد من أنّ الملائكة تحمله إليه.

وقال للحسين (ع) : «يا بنيّ من زارني حيا أو ميتا ، أو زار أباك وأخاك أو زارك كان حقا عليّ أن أزوره يوم القيامة وأخلّصه من ذنوبه».

وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن النظر بن مالك بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

ولد بمكة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول ، وعند الجمهور ثاني عشر ، عام الفيل.

وكان حمل آمنة أمّه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، به في ثلاثة أيام التشريق ، وحمل على أيام النسيء فيكون ذلك في جمادى الآخرة أوّل شهر رجب كما هي العادة في العمرة الرجبية ، وكان ذلك في منزل أبيه عبد الله بمنى عند الجمرة الوسطى.

وقد توفي أبوه في يثرب وهو حمل ، وقيل عمره شهران. وتولّى تربيته جدّه عبد المطلب. وماتت أمّه وهو ابن أربع سنين ، ومات جدّه وهو ابن ثمان. وتكفّله عمّه أبو طالب.

وبعث بالرسالة وصدع بها في اليوم السابع والعشرين من رجب لأربعين سنة من عمره ، وبقي ثلاثة وعشرين (١) في دعوى النبوّة والجهاد.

__________________

(١) هكذا وردت في الأصل.

٥٢

ونص في عهده على أمير المؤمنين بالخلافة والوصية في آخر سنة من عمره في حجة الوداع ، يوم الغدير.

وقبض في المدينة لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وقيل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول عن ثلاث وستين سنة.

ومات عن تسع نساء ، وليس لواحدة منهن بنت ، ولا ولد ، ولم يترك من بعده غير فاطمة (ع) من أول أزواجه ، وهي خديجة بنت خويلد.

وذريته من صلب أمير المؤمنين محصورة في الحسن والحسين إلى أن يرث الله الأرض ، ومن عليها.

٥٣

الفصل الثاني

زيارة فاطمة الزهراء (ع)

يستحب زيارة فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) زوج أمير المؤمنين وأمّ الحسن والحسين والمحسن وهو مات سقطا ، وزينب ، وأم كلثوم.

قالت (عليها‌السلام) : أخبرني أبي رسول الله (ص) أنه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة ، فقيل لها في حياتكما. قالت نعم ، وبعد موتنا.

وتزار في بيتها (١) ، وفي الروضة ، والبقيع ، وبيت الأحزان.

ولدت (عليها‌السلام) بعد المبعث بخمس سنين ، وقبضت بعد أبيها بنحو من أربعين يوما كما قيل ، وقيل بنحو من مائة يوم. فهي إمّا ثامن ربيع الثاني ، أو ثامن جمادى الآخرة ، وقيل ستّة أشهر.

وقد دفنها علي (ع) سرا ليلا لئلا يطّلع عليها. والصحيح أنّها دفنت في الروضة ، لقوله (ص) : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة ، ما صلّى فيها أحد إلّا وجبت له من الله الجنة».

__________________

(١) الكليني ، الكافي ، ج ١ ، ص ٤٨١ ؛ الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ؛ الطوسي ، المبسوط ، ج ١ ، ص ٣٨٧ ؛ المحقق الحلّي ، شرائع الاسلام ، ج ١ ، ص ٢١٠.

٥٤

الفصل الثالث

زيارة الأئمة الاثني عشر (ع)

يستحبّ زيارة الأئمة الاثني عشر في الأيّام المخصوصة ، وسائر الأيام.

الأول : أمير المؤمنين (ع)

ويلقّب بالمرتضى ، ويكنّى بأبي الحسن ، وأبي الحسنين وبأبي السّبطين ، وأبي تراب. وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم.

وأبو طالب وعبد الله أخوان من أمّ واحدة ، وأمّهما فاطمة بنت عمر المخزومي ، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهو وأخوته طالب ، وعقيل ، وجعفر من أمّ واحدة ، كلّ واحد أكبر من الآخر بعشر سنين ، وهم أوّل هاشمي ولدوا بين هاشميين.

ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب ، وروي سابع شعبان ، والأوّل أشهر ، بعد مولد رسول الله (ص) بثلاثين سنة في الكعبة ، البيت الحرام.

هو أول من أسلم يوم مبعث النبي (ص) ، وهو ابن عشر سنين ، وأول من صدق به ، وقبض قتلا بالكوفة على يد شر خلق الله ، شبيه عاقر ناقة صالح ، عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، ليلة الجمعة لتسع ليال

٥٥

بقين من شهر رمضان ، وهي التي مات فيها يوشع وصيّ موسى ، ورفع بها عيسى إلى السماء ، وقيل نزل بها القرآن ، وهي إحدى ليالي القدر ، سنة أربعين من الهجرة ، عن ثلاث وستين ، منها ثلاثة وثلاثون مع النبي (ص) ، وثلاثون بعده.

ودفن بالغريّ (١) من نجف الكوفة بمشهده الآن ، كما صرّحت به أهل السير والتواريخ ، وزاره فيه جميع ولده ، وولد ولده من الأئمة الاثني عشر ، واحدا بعد واحد.

وقد ظهر قبره على يد شرّ أعدائه (٢) ، وتعالى شأنه ، وظهر مكانه

__________________

(١) الغري أو الغريين : من أسماء مدينة النجف ، وفيها قبر الامام علي بن أبي طالب (ع). وأورد ابن عساكر بعض المرويات الدالة على أنّ الامام الحسن بن علي (ع) نقل قبر أبيه إلى المدينة (تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤٢ ، ص ٥٦٦). ولا صحة لهذه المعلومة المتسرّبة لكتاب ابن عساكر ، والمنسوبة إليه.

(٢) وردت أحاديث تشير إلى أنّ ظهور قبر الامام علي (ع) كان قد تم على يد هارون الرشيد ، الخليفة العباسي ، مما يعني أنّ القبر لم يكن معروفا إلّا لدى الائمة من أولاده ، وبعض خاصته.

نقل ابن طاووس حديثا مفاده : أنّ هارون الرشيد خرج من الكوفة للصيد ، فلما بلغ ناحية الغريين والثوية رأى مع حاشيته ظبأ ، فأرسلت الصقور والكلاب لاقتناصها إلّا أنّ الظبأ إلتجأ بمكان رجعت الكلاب عنه ، وسقطت الصقور ناحية مما أثار دهشة هارون الرشيد.

عندها سأل الرشيد عن المكان الذي إلتجأ إليه الضبأ من شيخ من بني أسد (كان في تلك الناحية) ، فأخبره بأنّ في المكان قبر علي بن أبي طالب ، جعله الله حرما لا يأوي إليه أحد إلّا أمن. عندها نزل الرشيد ، وتوضّأ ، وصلّى ، وتمرّغ ـ كما تقول الرواية ـ بتراب المكان ، وجعل يبكي ، ثم انصرف الجميع (فرحة الغري ، ص : ١٤٢). وقد نقلت أحاديث أخرى عن الرشيد في زيارته للقبر الشريف.

ونقل أنّ الرشيد بنى عليه بنيانا بآجر أبيض ، كما أمر أن تبنى عليه قبّة فبنيت من طين أحمر ، وطرح على رأسها جرّة خضراء. وهي في الخزانة اليوم.

أقول : إنّ قبر الامام علي (ع) لم يختف حتى يظهره الرشيد ، ومثل هذه الأحاديث هي من المرويات المدسوسة التي تحاول أن تشوّه مفردات التأريخ الاسلامي ، وتشكك بثوابته. وقد فصّلت الحديث عنها في المجلد الأول من «تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية» ، فليراجع هناك.

٥٦

٥٧

بحيث لا ينكره إلا ملحد ومعاند ، وكراماته فيه ظاهرة ، وآياته باهرة ، (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(١).

والروايات الواردة في فضل زيارته لا تحصى بحدّ ، ولا تحصى بعدّ ، منها : قال الصادق (ع) : من زار أمير المؤمنين (ع) ماشيا كتب الله له بكلّ خطوة حجّة وعمرة ، وإن رجع ماشيا كتب له بكل خطوة حجتين وعمرتين.

وقال الصادق (ع) : زيارة علي تعدل حجتين وعمرتين. وزيارة الحسين (ع) تعدل حجة وعمرة.

وفي أخرى : والله ما تطعم النار قدما اغبرّت في زيارة أمير المؤمنين (ع) ماشيا كان أو راكبا (٢). ويستحب معه زيارة الحسين (ع) من عند الرأس ، عمّا ثبت في أصح الروايات من أنّ رأس الحسين (ع) دفن عند أبيه. ويستحب زيارة النبي (ص) مما يلي الخلف من عند الرأس ، وزيارة آدم ونوح معه.

قال الصادق (ع) : إذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم ، وبدن نوح وجسم علي (عليه‌السلام) (٣).

وفي بعض الروايات : إنّ الهجمة على عليّ تمحو سبعين كبيرة ،

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٣٢.

(٢) المشهدي ، محمد ، المزار الكبير ، ص ٢٤٢. العلّامة الحلّي ، منتهى المطلب ، ج ٢ ، ص ٨٩٠.

(٣) الطوسي ، تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٢٣ ؛ الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٣٨٥ ، المشهدي ، المزار ، ص ٣٧ ؛ ابن طاووس ، عبد الكريم ، فرحة الغري ، ص ١٠٢.

٥٨

وفي أخرى إنّ المبيت عند علي (ع) يعدل عبادة سبعين سنة.

وسمعت من بعض مشايخنا الثقات : أنّ النفس عند علي (ع) يعدل عبادة أربعمائة سنة.

وقال الرضا (ع) للبزنطي : احضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (ع) ، فإنّ الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ، ويعتق من النار ضعف ما اعتق في شهر رمضان ، وليلة القدر وليلة الفطر ، والدرهم بألف درهم لاخوانك العارفين ، فأفضل عليهم في هذا اليوم.

الثاني : الامام الزكي أبو محمد الحسن بن علي (ع).

سيّد شباب أهل الجنّة ، ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة. وعن المفيد (رحمه‌الله) سنة ثلاث (١) ، والأوّل أصّح. وقبض مسموما بسمّ جعيدة زوجته بنت الأشعث ، وقد دسّ إليه بواسطتها يوم الخميس سابع صفر سنة خمسين من الهجرة ، وقيل تسع ، عن سبع ، أو ثمان وأربعين سنة ، ودفن بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد ، والعباس بن عبد المطلب ، ودرسوا قبره ، ثم أظهره الله إتماما لنوره ، ولو كره الكافرون.

ويدلّ على استحباب زيارته ما دلّ على زيارة جدّه وأبيه ، وأمه وأخيه عموما ، كما قيل للصادق (ع) : ما لمن زار واحدا منكم؟! فقال : كمن زار رسول الله (ص) (٢).

__________________

(١) المفيد ، الارشاد ، ص ١٩٨.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٠ ص ٢٥٣ ، عيون الأخبار ، ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، علل الشرائع ، ص ٥٦٠.

٥٩

وقال الرضا (ع) : إنّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائهم وشيعتهم ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم. فمن زارهم رغبة في زيارتهم ، وتصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة ، وخصوصا قال (ع) : يا رسول الله ، ما لمن زارنا؟ فقال : من زارني حيّا أو ميّتا ، أو زار أباك حيا أو ميتا ، أو زارك حيا أو ميتا كان حقا عليّ أن أستنقذه يوم القيامة.

الثالث : الامام الشهيد أبو عبد الله الحسين (ع).

سيّد شباب أهل الجنّة ، وقد ورد في فضله زيادة على ما فيه من العصمة والامامة ، وفي فضل أخيه بعد العصمة والامامة بنصّ رسول الله (ص) من الله ، ونصّ أبيهما عليهما بالامامة من الروايات التي لا تكاد تحصر بحدّ ، أو تحصى بعدّ وإنّهما سيّدا شباب أهل الجنة ، وإنّهما إمامان قاما أو قعدا.

وفي بعض الروايات : انّهما سيدا شباب أهل الجنة إلا ما كان من إبني الخالة عيسى ويحيى.

ويحتمل أن يكون (الّا) بمعنى حتى ، أو يراد من تصديق أحدهما الآخر.

وفيما رواه الفريقان قال له رسول الله (ص) إنّه إمام بن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة تسع ، تاسعهم قائمهم ، وانه (عليه‌السلام) أحد الثمانية حملة العرش الذين قال الله تعالى (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)(١)

__________________

(١) سورة الحاقة ، الآية : ١٧.

٦٠