كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

(٤٨) السيد مهدي بحر العلوم

السيد مهدي بحر العلوم جدّ أسرة آل بحر العلوم النجفية (١١٥٥ ـ ١٢١٢ ه‍ / ١٧٤٢ ـ ١٧٩٧ م). درس على يد الشيخ يوسف البحراني (ت : ١١٨٦ ه‍ / ١٧٧٢ م) ، والسيد أحمد القزويني (ت : ١١٩٩ ه‍ / ١٧٨٥ م) ـ جدّ الأسرة القزوينيّة الحلّية ـ ، والوحيد البهبهاني (ت : ١٢٠٥ ه‍ / ١٧٩١ م).

كانت مدينة كربلاء في هذه الفترة حاضرة من حواظر العلم ، حيث هاجر إليها زعماء الدين من إيران بعد سقوط الدولة الصفوية ، وتعرّض البلاد للأزمات السياسية. وقد وجد العلماء بالمدينة مكانا آمنا للدراسة والتدريس بالرغم من وجود المنغصات التي كان يثيرها بعض متعصبي الأخباريين.

إنتقل إلى النجف سنة ١١٦٩ ه‍ / ١٧٥٦ م ، وحضر لدى الشيخ مهدي الفتوني (ت : ١١٨٣ ه‍ / ١٧٦٩ م) ، والشيخ محمد تقي الدورقي (ت : ١١٨٦ ه‍ / ١٧٧٢ م). وفي سنة ١١٨٦ ه‍ / ١٧٧٢ م سافر إلى إيران ، وحضر على يد الميرزا مهدي الأصفهاني ، أحد كبار علماء المعقول يومذاك. وفي عام ١١٩٣ ه‍ / ١٧٧٩ م رجع إلى النجف.

تخرّج على يديه مجموعة راقية من العلماء أمثال أولاد أخته السيد حسن القزويني (والد مؤلف هذا الكتاب السيد مهدي القزويني) ، والشيخ مهدي النراقي (ت : ١٢٠٩ ه‍ / ١٧٩٥ م) ، والسيد محمد جواد العاملي (ت :١٢٢٦ ه‍ / ١٨١١ م) ، والسيد عبد الله شبّر (ت : ١٢٤٢ ه‍ / ١٨٢٧ م) ، والشيخ حسين نجف (ت : ١٢٥١ ه‍ / ١٨٣٥ م).

٢٦١

وله من المؤلفات : الفوائد الرجالية المعروف برجال السيد بحر العلوم ، نشره حفيداه السيد محمد صادق بحر العلوم ، وابن أخيه السيد حسين بحر العلوم ضمن أربع مجلدات.

نال السيد بحر العلوم شهرة كبيرة بين زعماء عصره. وفي زمانه قسّمت المرجعيّة الدينيّة بين مجتهدي النجف فكان كلّ واحد منهم مختصّا بوظيفة محدّدة. وقد تصدى للفتيا الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وللتدريس بحر العلوم ، وللصلاة جماعة الشيخ حسين نجف ، وغيرهم لتنظيم الشؤون الادارية.

كما سعى السيد بحر العلوم ميدانيا لتعيين جملة من المراقد ، والتنقيب عنها.

أمّا مرقده بالنجف فهو يقع إلى جنب مرقد شيخ الطائفة الطوسي في مسجده الأثري الشامخ. وقد أسست مكتبة سمّيت مكتبة «العلمين» نسبة لهاتين الشخصيتين الكبيرتين في تاريخ الشيعة. وقد أوقف العلّامة السيد محمد صادق بحر العلوم مؤلفات مكتبته المخطوطة التي تناهز أربعمائة كتاب ، مع بعض مجاميعه التي لم تطبع ، لهذه المكتبة كما أخبرني بذلك. ولا أدري أين آلت بعده؟

٢٦٢

(٤٩) الشيخ جعفر كاشف الغطاء

الشيخ جعفر كاشف الغطاء (١١٥٦ ـ ١٢٢٨ ه‍ / ١٧٤٣ ـ ١٨١٣ م) من أعاظم مجتهدي الشيعة في عصره. عاش بالنجف طوال سني حياته. ودرس بمدرسة الوحيد البهبهاني ، هو وأغلب أعلام طبقته. ومن أساتذته الشيخ مهدي الفتوني (ت : ١١٨٣ ه‍ / ١٧٦٩ م) ، والسيد أحمد القزويني (ت : ١١٩٩ ه‍ / ١٧٨٥ م) ، والسيد صادق الفحّام (ت : ١٢٠٤ ه‍ / ١٧٩١ م).

تخرّج جيل شامخ من علماء عصره على يديه ، منهم : أولاده الأعلام ، وأولاد السيد أحمد القزويني الخمسة ، وأصهاره الشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي ، والشيخ محمد علي الهزارجريبي ، والشيخ محمد تقي الأصفهاني ، والسيد صدر الدين العاملي (جدّ أسرة آل الصدر).

مضافا لطبقة المجتهدين من تلامذته الذين أصبحوا من زعماء النجف البارزين بالعلم أمثال الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر ، والسيد عبد الله شبر ، وغيرهم.

إمتاز الشيخ كاشف الغطاء من بين الفقهاء بقوة الاستنباط في المسائل الفقهية ، وقد اعترف بتفوّقه جميع الفقهاء من أعلام مدرسته ، وكان هو نفسه يقول : «الفقه باق على بكارته ، لم يمسسه أحد ، إلّا أنا ، والشهيد ، وولدي موسى».

٢٦٣

ويقصد بالشهيد محمد بن مكي المعروف بالشهيد الأول صاحب «اللمعة الدمشقيّة».

عرف بمؤلّفه «كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء» الذي اشتهرت أسرته آل كاشف الغطاء بنسبتها إليه.

ذكر حرز الدين «أنّ مرقد الشيخ كاشف الغطاء في محلّة العمارة بالنجف عند ملتقى ثلاثة أزقّة ، وتعرف مقبرته بمقبرة آل كاشف الغطاء. وقد أعدّها لنفسه في زمن حياته ، وتقع جنب مسجده ومدرسته التي اشتهرت في عصرنا» (١).

وقد ضمّت هذه المقبرة أولاده وأحفاده أيضا.

(٥٠) موسى كاشف الغطاء

الشيخ موسى كاشف الغطاء الملقّب المصلح بين الدولتين ، بعد توسّطه باطلاق سراح الأسرى العثمانيين لدى الإدارة القاجارية الإيرانية سنة ١٢٣٧ ه‍ / ١٨٢٢ م.

تولّى الزعامة الدينيّة بالنجف بعد وفاة أبيه ، وعرف بالفقاهة ، وتتلمذ على يديه جميع من جآء بعده من المجتهدين. وقد إنجرّ للدخول في حلبة الصراع الأخباري ـ الأصولي ، وتصدّى لزعماء الأخبارية ، وأصدر الفتاوى ضدهم.

ومن أعماله العمرانية تجديد بناء سور النجف. توفي سنة ١٢٤١ ه‍ / ١٨٢٦ م ، ودفن بمقبرتهم مع أبيه.

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٢٠٩.

٢٦٤

(٥١) علي كاشف الغطاء

الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء. وصفه حرز الدين باستاذ العلماء والمدرسين ، وشيخ الفقهاء والمحقّقين ، من أذعنت له العرب والعجم ، واعترف بفضله وعلمه فطاحل العلماء. حاز إلى عظمة العلم والمرجعية صولة الرئاسة (١).

وقد خرّج جيلا من العلماء الذين نال بعضهم المرجعيّة الدينيّة ، أمثال : الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة ١٢٨١ ه‍ / ١٨٦٥ م ، والسيد علي الطباطبائي المتوفى سنة ١٢٩٨ ه‍ / ١٨٨١ م ، والسيد مهدي القزويني ، (صهره على إبنته) المتوفى سنة ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٨٣ م.

إشتهر بكتابه «الخيارات» في الفقه.

قال حرز الدين : «في أيام رئاسة الشيخ علي جاء وفد من وجوه أهل الحلّة وضواحيها إلى النجف يطلبون منه إرسال عالم قدير إليهم بعد وفاة أخيه الشيخ محمد سنة ١٢٤٦ ه‍ / ١٨٣٠ م ، فأرسل إليهم أخاه الشيخ حسن. ولمّا توفي الشيخ علي عاد الشيخ حسن إلى النجف ، وأصبح الرئيس المطاع النافذ الحكم في أيام الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر).

هكذا روى الثقاة من معاصرينا ، وبعض أساتذتنا.

__________________

(١) معارف الرجال ، ج ٢ ، ص ٩٣.

٢٦٥

وحدّثونا أيضا أنّه لمّا تولّى الشيخ حسن الزعامة في النجف أرسل وجه تلامذته الأعلام إلى الحلّة ، وهو السيد مهدي القزويني المعاصر ، المتوفى سنة ١٣٠٠ ه‍ ، وهي البذرة الأولى لآل القزويني في الحلّة. ومن بعده السادة أولاده الأعلام ، وأحفاده حتى عصرنا المتأخر» (١).

__________________

(١) معارف الرجال ؛ ج ٢ ، ص ٩٥.

٢٦٦

(٥٢) الشيخ حسن كاشف الغطاء

الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء. فقيه مدقّق مشهور بالفقاهة والاستنباط. أقام بالحلّة عدّة سنوات ، ورجع إلى النجف بعد وفاة أخيه الشيخ علي سنة ١٢٥٣ ه‍ / ١٨٣٧ م ليتولّى الزعامة الدينيّة فيها.

كانت أغلب دراسته على يد أخيه الشيخ موسى ، وتلامذة والده ، أمثال : السيد جواد العاملي ، والشيخ أسد الله التستري ، والشيخ قاسم محيي الدين ، وغيرهم.

ومن تلامذته السيد مهدي القزويني (مؤلف الكتاب) ، والشيخ مشكور الحولاوي المتوفى سنة ١٢٧٢ ه‍ / ١٨٥٦ م ، وغيرهما من أعلام الفقهاء.

وقد اشتهر بكتابه «أنوار الفقاهة» الذي وصفه الشيخ حرز الدين بقوله : «هو كتاب متين ، كثير الفروع ، محيط للغاية».

وقد نقلت من مواقفه مناظرته مع مفتي بغداد السيد أبو الثناء الألوسي في محضر الوالي نجيب باشا سنة ١٢٦٠ ه‍ / ١٨٤٤ م حول الحركة البابيّة بالعراق ، وطرق مواجهتها.

ولولده الشيخ عباس المتوفى سنة ١٣٢٣ ه‍ / ١٩٠٥ م رسالة خاصة في ترجمة والده سمّاها «نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري». لخّصها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه «العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية»

٢٦٧

الذي طبع بتحقيقنا سنة ١٤١٨ ه‍ / ١٩٩٨ م.

(٥٣) الشيخ أسد الله التستري

الشيخ أسد الله التستري الكاظمي ، فقيه من مشاهير المحقّقين ، وهو صهر الشيخ جعفر كاشف الغطاء على بنته. توفي سنة ١٢٣٤ ه‍ / ١٨١٩ م. وقد عرف أولاده ، وأحفاده بآل أسد الله نسبة إليه ، واعتزازا به وبشهرته.

ومن أشهر مؤلفاته التي عرف بها كتابه «مقابس الأنوار في أحكام النبيّ المختار» ، وقد طبع على الحجر نهاية القرن الثالث عشر الهجري. وورد عنوانه في النسخة المطبوعة «مقابس الأنوار ، ونفائس الأسرار المقتبسة من مشكاة آل محمد المختار».

٢٦٨

(٥٤) السيد باقر القزويني

السيد باقر بن السيد أحمد القزويني ، الملقّب بصاحب الكرامات. هو أصغر أخوته الأربعة.

عرف بالفقاهة إلّا أنّه لم يكتب سوى كتب ثلاثة لم يطبع شيء منها. وقد تخرّجت على يديه طائفة من الأعلام ، أظهرهم إبن أخيه (مؤلف الكتاب) ، السيد مهدي القزويني ، وهو الذي أدّبه ورعاه.

ذكره الميرزا النوري في المستدرك وقال إنّه كان من القائمين على دفن الموتى وتجهيزهم ممن أبادهم وباء الطاعون سنة ١٢٤٦ ه‍. وكان يقوم بتجهيز أكثر من ألف شخص ، ودفنهم يوميا (١).

وورد تعريف به في مشجرّة مخطوطة كتبت حدود سنة ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩٥ م كما يلي :

«كان عالما مهابا ، وله مناقب لا تحصى ، منها : أنّه جعل يتفقّد ساكني النجف ، وأهاليها سنة الموت ، يدفن المفقود ، ويعطف على الموجود. وكان أشخص أهل زمانه ، وأحبّهم عند عامة الخلق. وله اليد الطولى بالعلوم على الإطلاق حتى ملء ذكره الآفاق بحسن الأخلاق ، وتهابه الناس حيّا وميّتا

__________________

(١) خاتمة مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٤٠٠.

٢٦٩

لكثرة كراماته. وقد دفن في المقبرة المعروفة لهم في نفس (الولاية) ، ومات سنة ١٢٤٧ ه‍».

نقل أنّ السيد باقر جلس لتدريس تلامذته في بعض الأيام فرآهم في المناظرات والجدل أشبه بالأسود الضارية. فترك التدريس برهة من الزمن ، وألزمهم بدراسة علم الأخلاق ، حتى لانت طباعهم.

مؤلفاته :

ذكرت للسيد باقر هذه المؤلفات : ١ ـ جامع الرسائل. ٢ ـ الفلك المشحون. ٣ ـ الوجيز في الأحكام. ٤ ـ الوسيط في الأحكام الشرعية.

وعندي نسخة من كتاب (الوسيط) بخطّ المؤلف ، كتب على صفحتها الأولى : «بسم الله تعالى ؛ مما منّ الله به عليّ بتصنيفه ، وتملّكه ، وأنا الباقر آل السيد أحمد الحسيني الشهير بالقزويني».

توفي السيد باقر سنة ١٢٤٦ ه‍ / ١٨٣١ م آخر مرض الطاعون الذي أصاب النجف ، وأقبر في مقبرته التي أصبحت فيما بعد مدفنا لابن أخيه السيد مهدي القزويني ، وأولاده وأحفاده.

وذكر ترجمته البحاثة الشيخ عبد المولى الطريحي ، وأنقلها بالنصّ لندرتها :

السيد باقر ابن السيد أحمد القزويني الحسيني ، عالم كبير ، وفقيه شهير ، وهو الذي عقمت النساء أن تلد مثله ، صاحب المقامات العالية والكرامات الظاهرة بعصره ، وله أياد مشكورة ، وأعمال مبرورة ، وعلى الأخص في السنة التي عمّ الوباء فيها النجف وضواحيها ، وجميع أرجاء العراق. وقد جهّز السيد باقر (على ما يروي العلّامة المحدّث النوري الميرزا حسين ، عن إبن أخيه السيد مهدي ابن السيد حسن) ، وأظهر من البسالة والشجاعة وقوة القلب والتجلّد ، ما تحير به العقول والأفكار ؛ لم يوفّق لذلك الأمر العظيم

٢٧٠

أحد من علماء الأمصار. فقد جهّز ودفن ما ينيف على أربعين ألفا. وكان لا يهدأ ولا ينام ، ولا يلتذ بكلام ولا طعام شأنه التجوّل في الصحن والغرفات ، خوفا من أن يوجد أحد متروك بلا غسل ودفن وكفن. وكان ينوب عنه في أوقات الصلاة السيد الصالح العلّامة التقي الورع السيد علي العاملي.

له فقاهة جعفرية ، وهمّة علوية ، وتسديدات ربانية ، وتوفيقات سماوية. توفي سنة ١٢٤٦ ه‍ ، في التاسع من ذي الحجة في أواخر الطاعون (الوباء) ، وانتهى بوفاته كما أخبر به قبل مماته. وأعقب من الأنجال الذكور السيد جعفر.

أما آثاره العلمية التي ذكرها العلّامة الصدر في التكملة فهي ، (١) كتاب الوجيز (وهو على سبيل المتن في الطهارة والصلاة) ، في الفقه (٢) كتاب الوسيط (وهو على سبيل الاستدلال العلمي) ، (٣) الحواشي على كشف اللثام للفاضل الهندي المعروف. (٤) كتاب جامع الرسائل في الفقه.

وكانت أكثر آثار السيد باقر العلمية على نهج تأليف أستاذه الإمام الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وعلى ذوقه في الفقاهة الإمامية ، والاستدلالات العلمية.

أمّا نجله السيد جعفر ابن السيد باقر فقد كان عالما فاضلا ، وأديبا شاعرا لوذعيّا عظيم الشأن ، له آثار علمية وأدبية معروفة. توفي بالنجف سنة ١٢٦٥ ه‍ ، ورثته الشعراء بمراث غرّاء. ومن جملة ذلك قصيدة مطلعها : «مصاب يكاد العرش منه يميد» (١)

__________________

(١) الرياض الأزهرية في تاريخ أنساب الأسر العلوية للشيخ عبد المولى الطريحي ـ مخطوط.

٢٧١

(٥٥) الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر)

الشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر صاحب كتاب «جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام». هو جدّ أسرة آل الجواهري النجفيّة المعروفة بسلسلة علمائها الأعلام ، وشعرائها الكبار ، وعلى رأسهم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.

توفي بالنجف سنة ١٢٦٦ ه‍ / ١٨٥٠ م ، وأقبر بالقرب من مرقد السيد باقر القزويني المتوفى قبله بعشرين عاما ، وبنيت على مرقده قبّة ، واتصل بالحرم مسجد مشهور. وأصبحت هذه المقبرة مدافن لكبار علماء الأسرة.

وكان أحد أحفاده المعاصرين وهو العلّامة الشيخ محمد تقي الجواهري إماما في هذا المسجد ، يقيم الصلاة جماعة ، ويلقي دروسه العالية على طلاب العلم. وقد غيّبته السلطة الظالمة في سجونها ، واختفت أخباره طوال عقدين كاملين من الزمن ، حتى علم أنّه نال درجة الشهادة على أيدي هؤلاء الظلمة الذين جلبوا للعراق الدمار ، ولرجال العلم الفتك والظليمة.

(٥٦) السيد جواد العاملي

السيد جواد العاملي من منطقة شقرا بجبل عامل اشتهر بالفقاهة والعلم ، وكان أحد مراجع النجف في عصره. وهو الذي أفتى بوجوب مقاومة الهجمات الوهابية على النجف ، وحرمة الفرار عنها. قيل إنّه كتب رسالة في ذلك.

٢٧٢

ومن مؤلفاته كتابه «مفتاح الكرامة» الذي شرح فيه كتاب «قواعد الأحكام» للعلّامة الحلّي ، وهو دائرة معارف فقهية كبرى ، طبعت بالقاهرة أوائل القرن العشرين. توفي سنة ١٢٢٦ ه‍ / ١٨١١ م.

(٥٧) الشيخ حسين نجف

الشيخ حسين نجف كان واحدا من المراجع الدينيين الذين إلتزموا بإقامة الصلاة جماعة ، وتنظيم شؤون الحوزة العلمية في عصره. فكانت للسيد مهدي بحر العلوم مهام التدريس ، وللشيخ كاشف الغطاء مهام الفتيا والتقليد ، وللشيخ محيي الدين منصب القضاء. له مؤلفات في الفقه والكلام ، وديوان شعر لا يزال مخطوطا.

توفي سنة ١٢٥١ ه‍ / ١٨٣٥ م ، وقد ناف على التسعين ، ودفن في حجرة من الصحن الغروي على يسار الداخل من باب القبلة.

وأسرة آل نجف من الأسر العلوية الصفوية التي أخفى بعض أفرادها نسبه بعد سقوط الدولة الصفوية. ولم يتقدّم أيّ واحد منهم إلى إرتداء الزي العلوي رغم تسالمهم على سيادتهم وقطعهم بها. وقد أثبت نسبهم المتصل نسّابة العراق السيد عبد الستّار الحسني ، ووافقه النسّابة الخبير السيد مهدي الوردي الكاظمي في ذلك ، حيث أورد مشجرة نسبهم كاملة في كتابه المخطوط «النور الساطع في عقب الامام السابع» ، وأحتفظ بنسخة منها ، استعارها مني الطبيب النسّابة السيد ياسر التندي ، ولم يرجعها إليّ ، اعتزازا بها.

٢٧٣

(٥٨) الشيخ مرتضى الأنصاري

الشيخ مرتضى الأنصاري فقيه أصولي انتهت زعامة التدريس والمرجعيّة بالنجف والعالم الشيعي إليه ، في القرن الثالث عشر الهجري. وهو من تلامذة أسرة آل كاشف الغطاء ، خصوصا الشيخ موسى بن الشيخ جعفر.

تخرّج على يديه جيل من الفقهاء ، تولّى الكثير منهم مقام المرجعيّة ، أمثال المجدّد الشيرازي ، والسيد حسين الكوهكمري ، والشيخ محمد الايرواني ، والشيخ محمد طه آل نجف ، وغيرهم.

وقد أصبحت مؤلفاته في علم الأصول والفقه ، خصوصا (الرسائل والمكاسب) من كتب الدراسات العليا في جامعات العلم بالنجف.

ومن نوادره أنّ السيد محمد علي شرف الدين العاملي المتوفى شابا سنة ١٢٩٠ ه‍ / ١٨٧٣ م عرض عليه كتابا له في تراجم الأعلام سمّاه «يتيمة الدهر في ذكر علماء العصر» وطلب رأيه فيه ، وكان أسلوبه في كتابه هذا مملّا ، فكتب الشيخ الأنصاري على صفحة الكتاب الأولى بعد أن إطّلع على بعض مضامينه هذا البيت المفرد :

إن كنت ضيّعت عمرا في كتابته

فلا أضيّع عمرا في قراءته!

وأرجعه إليه!

توفي الشيخ الأنصاري بالنجف سنة ١٢٨١ ه‍ / ١٨٦٤ م ، ودفن في دكّة

٢٧٤

الحجرة التي دفن بها الشيخ حسين نجف على يسار الداخل إلى الصحن من الباب المعروفة بباب السوق الصغير (١).

ويلاحظ أنّ إيراد إسم الشيخ الأنصاري كان من إضافات المؤلف بعد تأليفه كتابه بتسع سنوات ؛ حيث أنّ تأليف كتاب المزار تمّ سنة ١٢٧٢ ه‍ ، ووفاة الأنصاري كما وردت ، هي سنة ١٢٨١ ه‍.

وهذه الإضافة الوحيدة التي حصلت بعد زمن تأليف الكتاب. أمّا بقية العلماء المدرجة أسماؤهم من المعاصرين للمؤلف فكلّهم كانوا قد توفوا قبل زمن التأليف ، حتى وإن كانت الفترة التي تفصل بينهم تعدّ بسنوات قليلة.

__________________

(١) معارف الرجال ، ج ٢ ، ص ٤٠٤.

٢٧٥

الفصل الثامن

فيما يتعلق في جملة من أحوال الأئمة (ع)

فيما يتعلق في جملة من أحوال الأئمة وآداب زيارتهم ، وما يتعلّق بزيارة الأنبياء والشهداء ، وغير المعصومين من أولادهم ، ومن العلماء وأحكام المشاهد في أمور :

الأول : قد ورد على أنّ كل أحد يدفن في الموضع الذي أخذت طينته منه ، وهو أحد معاني قوله تعالى : (منها خلقناكم وفيها نعيدكم)(١).

الثاني : قد علم بضرورة العقل والنقل أنّ النبيّ والأئمة الإثني عشر مخلوقون من نور واحد ، ومن طينة واحدة ، فيشكل على ما ذكرناه تفرّق قبورهم.

وقد أجاب الامام (ع) بعد أن سئل ذلك بأنّ طينتنا كانت مجموعة في مكان واحد ، فلمّا صار الطوفان تفرّقت طينتنا ، ولعله أراد بذلك طوفان الظلم الذي منعهم من الدفن مع النبيّ (ص) ، وأنّهم مع تفرّقهم مجاورون ، وهو أحد معاني قوله تعالى : (وفى الأرض قطع متجاورات)(٢). وقد ورد

__________________

(١) سورة طه ، الآية : ٥٥.

(٢) سورة الرعد ، الآية : ٤.

٢٧٦

في الروايات أنّه «لن يموت نبي في المغرب ويموت وصيّه في المشرق إلّا جمع الله بين روحيهما وبدنيهما ، ثم يفترقان كل واحد إلى مكانه».

الثالث : ورد أنّ الامام (ع) لا يبقى في قبره أزيد من ثلاثة أيّام ، وفي أخرى يبقى أربعين يوما ، ثم يرتفع إلى أعلى علّيين.

وقد ورد : أنّ الحسين (ع) قابض على يمين العرش ينظر إلى زوّاره ، والأقرب أنّ أجسامهم في قبورهم ، أحياء عند ربّهم يرزقون ، وأظلّتهم في العرش ، وأرواحهم في منازلهم في الجنان.

وبذلك يجمع بين الروايات الواردة في مراتبهم ومنازلهم واستحباب زيارة قبورهم.

٢٧٧

الفصل التاسع

في آداب زيارة النبي (ص) وزيارة الأئمة (ع)

ينبغي للحاج إذا توجّه إلى المدينة ولغيرهم ، الصلاة في مسجد غدير خم ، وإكثار الدعاء ، والنزول في المعرش بذي الحليفة بأزاء مسجد الشجرة إلى ما يلي القبلة ، والاستراحة به ، تأسيّا بالنبي (ص) ، والغسل لدخول المدينة ، ودخول المسجد للزيارة. ويجزى غسل واحد مع نية التداخل ، والدخول إلى المسجد من باب جبرئيل ، والدعاء عنده ، وصلاة ركعتين تحيّة المسجد. ثم يزور النبي (ص) مستقبلا حجرته مما يلي الرأس ، ثم يأتي جانب الحجرة القبلة ، ويستقبل وجهه (ص) مستدبر القبلة ، ويسلّم عليه ويزوره بالمأثور أو بما حضر ، ويدعو بما أحبّ ، ثم يصلي ركعتي المسجد ، ويدعو بعدها ، وليكثر من الصلاة بالمسجد ، خصوصا الروضة ، وهي ما بين المنبر والقبر الشريف ، وفي رواية : ما بين المنبر إلى طرف. ثم يأتي منبر رسول الله (ص) وإن لم يكن باقيا لقيام ما وضع فيه مقامه ، ويمسح رمّانتيه. ويستحب صيام ثلاثة أيام بالمدينة معتكفا بالمسجد ، وأفضلها الأربعاء والخميس والجمعة ، وهو مستثنى من صيام السفر ، ويصلّي ليلة الأربعاء

٢٧٨

عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة ، ويقيم عندها يوم الأربعاء ، ثم يصلّي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله (ص) ومصلّاه ، ويصلّي ليلة الجمعة عند مقام النبيّ (ص) ، ومهما دخل المسجد سلّم على النبي (ص).

ثم يأتي البقيع فيزور الأئمة الأربعة ، وفاطمة معهم بعد أن يزورها في الروضة ، وفي بيتها ، وفي بيت الأحزان. ثم يزور قبر إبراهيم بن رسول الله (ص) ، وعبد الله بن جعفر ، وفاطمة بنت أسد ، والعباس بن عبد المطلب ، ومن بالبقيع من الصحابة والتابعين.

ثم يأتي قبر حمزة ، وشهداء أحد فيزورهم باديا بالحمزة ، ويهدي لهم ثواب ما تيسّر من القرآن.

ثم يأتي للمساجد الشريفة بالمدينة كمسجد قبا (١) ، ومسجد الفتح ، ومسجد الأحزاب ، ومسجد الفضيخ (٢) الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين بالمدينة ، ومشربة أم إبراهيم ولد رسول الله (ص).

ويستحب المجاورة بالمدينة اجماعا ونصّا ليكثر المجاور من

__________________

(١) مسجد قباء : أول مسجد أسس على التقوى ، يقع في الجنوب الغربي للمدينة.

(٢) مسجد الفضيخ. يقع شرقي مسجد قباء. ويسمّى أيضا بمسجد الشمس لأنّه يقع على مرتفع عال يواجه الشمس أول طلوعها. وما أورده المؤلف من أنّ الشمس ردّت فيه للإمام علي (ع) ربّما كان مأخوذا من هذه التسمية.

أمّا المسجد الذي روي فيه حديث ردّ الشمس ، فهو يسمّى بمسجد ردّ الشمس أو الشمس ، ويقع شرقي مسجد قباء على تل مرتفع على شفير الوادي ، وهو أيضا يواجه الشمس أول شروقها ، وهو من المساجد الصغيرة غير العامرة الآن.

والفضيخ في اللغة هو عصير العنب ، وكذلك الشراب المتخذ من التمر المفضوخ.

٢٧٩

الصلاة في المسجد. ويتخير المسافر فيه بين القصر والاتمام ، وهو أفضل ، وتلاوة الكتاب العزيز وتدبّر معانيه ، ويمثّل نفسه أنّه بحضرة النبي ، ويزوره إن استطاع في كل يوم مرارا ، وأقل الزيارة إذا شاهد حجرته يقول : «السلام عليك يا رسول الله» ، وبعدها يزور أئمة البقيع ما استطاع ، وليحفظ نفسه فيها من المآثم والمظالم وأن يحدث فيها بدعة أو حدثا ، والصدقة فيها على المحاويج ، خصوصا الذرّية الطاهرة ، وحرم المدينة من ظل غائر إلى وعير ، ولا يعضد شجره ، ولا دمنه ، ولا يصاد ما بين الحرّتين ؛ حرّة ليلى ، وحرّة واقم على كراهية.

ويستحب في زيارة أمير المؤمنين (ع) الغسل والاستئذان عليه ، وتقبيل الضريح ، والإنكباب عليه ، وكلّما قرب من القبر كان أفضل. وأمّا تقبيل الأعتاب ، فلا بأس إذا لم يكن بهيئة السجود ، وما كان بهيئته ، وإن لم نجد به نصّا إذا كان القصد منه الخضوع لله وإكراما له ، فلا بأس به ، ثم يزور على نحو ما وصفناه.

ويستحب مجاورة النجف الأشرف ، والدفن عنده في الغري ، وفي الصحن الشريف وكلما قرب من القبر كان أفضل.

ويكره الصلاة في المقابر وعليها ، إلا في الصحن الشريف ، وحضرات باقي الأئمة لعموم قوله تعالى (فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)(١).

والدفن في الغري فيه فضل عظيم ، وقد روى أنه ما من نفس مؤمن

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٣٦.

٢٨٠