كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

أمّا كيفية شهادته فقد يمّم زيارة مراقد أجداده الطاهرين بالعراق ، وعارضه اللصوص في هذا المكان ، وهم يريدون سلبه وسلب عياله ، فدافع السيد عن نفسه وعياله ورحله وشدّ فيهم ، وثبت لهم ، واحتدم بينه وبينهم القتال ، فقتل منهم أناسا حتى قتل هو ، وحليلته ، وابنه ، ودفنوا في هذا المكان ، وهو من أراضي (لملوم) مساكن قبيلة (جبور) و (الأقرع) من عشائر العراق الشهيرة ، وهي بشرقي (الديوانية) من مدن العراق المعروفة. وأظهر الله سبحانه على قبره الكرامات الباهرة ، وعرّف بشرفه القريب والبعيد.

أقول : إنّما لقّب بالحمزة تشبيها له بأبي يعلى الحمزة حفيد العباس من حيث الكرامات.

أمّا (لملوم) فهي من القرى الفراتيّة التي اندرست حدود سنة ١٢٢٠ ه‍ / ١٨٠٥ م وتفرّق أهلها جرّاء إنتقال مجرى الفرات عنهم ، وسكن الغالبية العظمى منهم في قرية (الشنّافية).

عقب الحمزة

أولد الحمزة ـ كما ذكر النسّابة العمري في كتابه المجدي (المخطوط) ـ أربعة ذكور ، وهم : (محمد ، والحسن ، وعلي ، والقاسم).

فأما محمد بن حمزة ، فكان أحد السادات تقدما ولسانا ، وبراعة ، قتله الرجالة في بستانه أيام المكتفي ، وهو وأخوه الحسن لم يذكر لهما ولد.

وولد علي بن الحمزة ثلاثة ذكور : محمدا ، والحسن ، والحسين.

فأما الحسن فلم يعقب.

وأما محمد بن علي بن حمزة فنزل البصرة ، وروى الحديث بها ، وبغيرها ، عن علي بن موسى الرضا (ع) ، وغيره. وكان متوجها ، قوي الفضل والعلم ، وهو لأمّ ولد ، ويكنّى أبا عبد الله. ومات محمد عن ستة ذكور أولد بعضهم.

١٦١

وأما الحسين بن علي ، فأنّه أعقب محمدا وعليا. فمحمّد لم يعقب ، وعليّ أعقب ثلاثة ذكور ، أعقب بعضهم.

وولد القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس سبعة عشر ذكرا ، منهم : علي بن محمد بن حمزة بن القاسم بن حمزة بن الحسن ابن عبيد الله ، وكان من أهل الفضل.

ومنهم : الحسين بن علي بن الحسين بن القاسم بن حمزة ، وقع إلى (سمرقند). وأحسب أنّ منهم جعفر بن علي العباسي الرقي النحوي المعروف بالإبراهيمي ، رآه شيخنا أبو الحسن النسّابة ، وروى عنه.

ومنهم : القاضي (بطبرستان) أبو الحسن علي بن الحسين ابن محمد بن الحسين بن الحسن بن القاسم بن حمزة ، مات عن ولدين ذكرين.

فقال القاضي أبو جعفر السمناني بالموصل : جاءنا رجل إلى بغداد عباسي علوي ، وكانت له في نفسي هيبة ، وفي عيني منظر ، حتى ربما سبقتني الدمعة ، وذكرت به سلفه ، فسألت عن الرجل فخبّرت أنه ولد للقاضي أبي الحسن علي بن الحسين العباسي.

وذكر لي النسّابة المتفرّد السيد عبد الستار الحسني البغدادي أنّه تحدّر من هذا السيد الجليل سلسلة طاهرة ، وذيل طويل من أشراف السادات الذين لم يخل من ذكرهم كتاب في أنساب الطالبيين.

وأردف قوله : إنّ بعض من لا تحقيق عنده نسب الأسرة العلوية المعروفة بآل (الشامي) في كربلاء إلى الحمزة بن القاسم هذا ، وهو غلط محض فإنّ هؤلاء السادة من أولاد أبي الحرث محمّد المنتهي نسبه إلى موسى أبي سبحة بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم (ع).

أقول : ومن رهط المترجم له ؛ السيد الشريف علي بن الحسين العلوي العباسي الذي ظهر قبره أخيرا قرب (المحاويل) ، ونسبت إليه الكرامات.

١٦٢

عمارات مشهد الحمزة

العمارة الأولى : عمارة السيد مهدي القزويني

لم يكن مرقد الحمزة معروفا قبل هجرة السيد مهدي القزويني من النجف إلى الحلّة سنة ١٢٥٣ ه‍ / ١٨٣٧ م. وقد مرّ عليك أنّه كان يعرف بمرقد الحمزة ابن الإمام موسى الكاظم (ع) ، وهذا خلاف الواقع لأنّه من الثابت تاريخيّا وجود مرقده في (الري) بإيران.

أمّا الجزيرة ـ التي يثوي فيها (الحمزة) ـ فقد كانت أيام هجرة السيد المهدي قريّة تحتوي على مائة دار تقريبا. وبعد النصّ على ثبوت مرقد الحمزة حدود عام ١٢٦٦ ه‍ / ١٨٤٩ م ، وأنّه حفيد العباس بن علي توسّعت عمارة المشهد ، وأبدلت بقبته المبنيّة من الطين حجرة مربعة الشكل بنيت من الآجر.

وعند تولّي مدحت باشا ولاية العراق سنة ١٢٨٦ ه‍ / ١٨٦٩ م مصّر القرية ووسّعها ، لذا رجّح إطلاق اسمه عليها ، فدعيت (المدحتيّة).

العمارة الثانية : عمارة السيد محمد القزويني

وقد اهتم أبو المعزّ العلّامة السيد محمد القزويني المتوفى سنة ١٣٣٥ ه‍ / ١٩١٦ م ببناء وتشييد المرقد ، كما قام باعادة بناء جملة من المراقد في الحلّة ، وضواحيها.

العمارة الثالثة : عمارة عدّاي آل جريان

ولمّا عيّن الاستاذ جابر الكريمي مديرا للمنطقة بذل لبنائها ، وكان الساعي لذلك عدّاي آل جريان ، رئيس قبيلة (ألبو سلطان) ، وبعض الوجوه من التجّار ، وأرّخ تاريخ البناء سنة ١٣٣٩ ه‍ / ١٩٢٠ م الشاعر أمين الصقر العذاري ببيتين كتبا على واجهة الباب الأمامي للمرقد ، وهما :

لا تلمني على وقوفي بباب

تتمنّى الأملاك لثم ثراها

هي باب لحمزة الفضل أرّخ

(جابر الكسر بالخلود بناها)

١٦٣

وقد جدّد بناء هذا الباب سنة ١٣٨٢ ه‍ / ١٩٦٢ م ، فأبدلت مادة التاريخ من قبل الأديب الشيخ طالب أمين بما يناسب السنة المذكورة ، حيث قال :

لا تلمني على وقوفي بباب

تتمنّى الأملاك لثم ثراها

هي باب لحمزة الفضل أرّخ

(خير منشي لها بديع بناها)

وقد نقش هذا التاريخ على الواجهة الأمامية للباب الرئيس ، ولا يزال إلى الآن ، وفيه من (العلّة) ما لا يخفى.

العمارة الرابعة : عمارة أهالي المدحتية

وفي سنة ١٣٦٤ ه‍ / ١٩٤٥ م قام جماعة من أهل الخير والصلاح ببذل المساعي في تبديل القبة ، فتمّ إكساؤها بالقاشاني الأزرق ، كما وضعت في أعلاها رمّانة من الذهب.

العمارة الخامسة : عمارة أحمد حسن البكر

وقد اهتم ـ في يومنا هذا ، أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية ، في أول زيارة للمرقد ، بتعميره وتوسيعه ، فأوعز سنة ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ببناء الواجهة الشمالية من الصحن ، وعمل الإيوانات اللازمة لمبيت الزوّار. وكثيرا ما كان يتردد إلى زيارته بين الحين والآخر ولا يزال العمل حتى سنة ١٣٩٧ ه‍ / ١٩٧٧ م قائما بشكل موسع بما لم يسبق إليه من قبل ، من بناء الصحن وواجهاته وما يحيطه ، ونقش الزخارف في الداخل والخارج.

نقل في سبب اهتمام الرئيس العراقي بالمرقد الشريف أنّ أحمد حسن البكر كان قد أخبر ، (قبيل الإنقلاب العسكري الذي جاء بحزب البعث العربي الإشتراكي إلى السلطة عام ١٩٦٨ م) ـ من قبل إمرأة منجّمة ، أنّه سيأتي إلى الحكم رئيسا للدولة ، وعليه أن يهتمّ بتشييد مرقد (الحمزة) حال تحقق ذلك ، وهذا ما حصل بالفعل. وقد شاعت هذه الرواية في أوساط العراقيين. وكان

١٦٤

العراقيون يتندّرون بذلك عندما يبدون استياءهم من الدولة ، وجورها ، فيطلقون على الحمزة لقب (الحمزة البعثي)!.

أمّا السياسيون فيذكرون أنّ حزب الدولة الحاكم الذي تسلّم السلطة في ذلك العام كان ينبغي أن يمتدّ في أوساط المناطق الفراتية الوسطى ، وأن زيارة المسؤولين للمنطقة ، وإظهار احترامهم المشاعر الدينية هو في حدّ ذاته يولّد شعورا إيجابيا من الطبقات الشعبيّة نحو السلطة السياسية.

بقي أحمد حسن البكر (ت : ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م) على مدى سنوات من وجوده بالسلطة (١٩٦٨ ـ ١٩٧٩ م) متردّدا على زيارة المرقد. وقد أمر بفتح طريق حديث يوصل إلى المنطقة.

وأبدى المحقّق السيد محمد رضا الجلالي عدم ارتياحه لإيراد إسم البكر ضمن الحديث عن مرقد الحمزة. وكتب بخطّه معلقا على هذا الموضع : «لماذا يؤرّخ لهؤلاء الأجلاف في كتب الأشراف»؟!

ناحية المدحتية

(المدحتيّة) من النواحي الجميلة ، العريقة في تاريخها ، وأصالتها. ومركزها قرية (الحمزة) التي تبعد عن (الهاشمية) أربعة كيلومترات شرقا. وإنّما سمّيت باسم (الحمزة) لوجود قبر الحمزة حفيد العباس ، كما ذكر ذلك المؤرّخ السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه (العراق قديما وحديثا) ، ويردف قوله أيضا في هذا الصدد : هي قرية كبيرة فيها حوانيت كثيرة ، وبيوت عديدة ، ومرافق مختلفة لا تجد مثلها لا في (الهاشمية) ، ولا في (القاسم) ، وفيها من النفوس أكثر من ألفي نسمة جلّهم من قبيلة ألبو سلطان. وقد أطّلعنا على (فرامين) عثمانية تؤيد وجود هذه القرية في ربيع الأول سنة ١٠٢٩ ه‍ ، وأول صفر سنة ١٠٧٢ ه‍ / ٢٥ أيلول ١٦٦١ م ، وتقول هذه الفرامين أنّ سدانة المزار أي قبر الحمزة ـ لآل نجم الهلال ، وهي العائلة التي تتولّى السدانة المذكورة حتى اليوم.

١٦٥

ويأخذ أهل (المدحتية) مياههم من نهيّر يدعى (روبيانة) في مدخل القرية.

أقول : لا تزال السدانة منحصرة بعقب نجم بن هلال ، وهم من قبيلة شمّر (آل إجعفر).

وقد نقل في ورودهم إلى القبر أنّه اتفق أن مرّ ركب لعشيرة (شمّر) ، وكان من بينهم أولاد نجم بن هلال الستة ، وهم : (علي ، وحمد ، وكاظم ـ من أمّ واحدة ـ ، وموسى ، وعبيد ، وناعور ـ من أمّ واحدة ـ) فمرض (عليّ) مرضا شديدا ، وآيس منه أخوته ، لذلك رحلوا عنه ، وتركوه على حاله تطبّبه إمرأة كانت مسؤولة عن خدمة زائري قبر الحمزة. واستعاد (عليّ) المذكور عافيته ، وتزوج من المرأة ، وبقي معها مقيما في مكانه مستفيدا من تردد الزائرين إلى القبر. وبعد مدّة رجع إخوته فرأوه على خير ما يرام ، حتى أقاموا معه يتسلّمون الهدايا والنذور ، ويهتمون بخدمة الزوّار والقاصدين. ومن ذلك اليوم بقي نسلهم كما بقوا ، وأفخاذهم لا تزال موجودة.

السيد مهدي القزويني والكرامات الثلاثة

نقل الميرزا حسين النوري في كتابه (جنّة المأوى) ثلاث كرامات للإمام السيد مهدي القزويني. وكان النوري قد أثبتها نقلا عن نجله الثاني العلّامة السيد المرزه صالح المتوفى سنة ١٣٠٤ ه‍ / ١٨٨٦ م. وذكر أنّ أخاه أبا المعزّ ذيّلها بخطّه.

وقد وقفت على نسخة الأصل ، وهي تقع في عشر صفحات. كتب السيد أبو المعزّ في آخرها أنّه روى الحكايات الثلاثة سماعا عن لفظ أبيه ، وروى الحكاية الأولى عن الحاج علي علوش الحلّي.

وكان تاريخ هذا التذييل في شهر رجب سنة ١٣٠٢ ه‍ / أيّار ١٨٨٥ م أي بعد وفاة أبيه السيد مهدي بعشرين شهرا تقريبا ، وقبل وفاة أخيه السيد صالح بسنة ونصف السنة.

١٦٦

أما نصّ الحكاية الثانية المتعلقة بتعيين قبر الحمزة ، فهي كالآتي :

حدّثني الوالد (قدس‌سره) ، قال : لازمت الخروج إلى (الجزيرة) مدّة مديدة لأجل إرشاد عشائر بني زبيد إلى مذهب الحقّ ، وكانوا كلّهم على رأي أهل التسنن ، وببركة هدايته وإرشاده رجعوا إلى مذهب الإمامية ، كما هم عليه الآن. وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس.

وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم تزوره الناس ، ويذكرون له كرامات كثيرة. وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريبا.

قال (قدس‌سره) : فكنت أستطرق الجزيرة بالقرب منه ، ولا أزوره ، لما صحّ عندي أنّ الحمزة بن الكاظم (ع) مقبور في (الري) مع عبد العظيم الحسني.

فخرجت مرّة على عادتي ، ونزلت ضيفا عند أهل تلك القرية فتوقّعوا مني أن أزور المرقد المذكور فأبيت ، وقلت لهم : لا أزور من لا أعرف.

وكان المزار المذكور قلّت رغبه الناس فيه لاعراضي عنه. ثم ركبت من عندهم ، وبتّ تلك الليلة في قرية (المزيديّة) عند بعض ساداتها.

فلمّا كان وقت السحر جلست لنافلة الليل ، وتهيّأت للصلاة فلمّا صلّيت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر ، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل عليّ (سيّد) ، أعرفه بالصلاح والتقوى من سادات تلك القرية ، فسلّم وجلس ، ثم قال : يا مولانا بالأمس تضيّفت أهل قرية الحمزة ، وما زرته.

قلت : نعم. قال : ولم ذلك. قلت : لأني لا أزور من لا أعرف. والحمزة بن موسى الكاظم (ع) مدفون في الري. فقال : «ربّ مشهور لا أصل له» ، ليس هذا قبر حمزة بن موسى الكاظم ، وإن اشتهر أنّه كذلك ، بل هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة من أهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

١٦٧

فقلت في نفسي : هذا السيّد من عوام السادة ، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث ، فلعلّه أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء.

ثم قمت لأرتقب طلوع الفجر ، فقام ذلك (السيّد) ، وخرج. وأغفلت أن أسأله عمّن أخذ هذا ، لأنّ الفجر قد طلع وتشاغلت بالصلاة.

فلمّا صلّيت جلست للتعقيب حتى طلعت الشمس. وكان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها ، وإذا الحال كما ذكر. فأتى أهل القرية مسلّمين عليّ ، وفي جملتهم ذلك (السيّد).

فقلت : جئتني قبل ، وأخبرتني عن قبر الحمزة أنّه أبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي ، فمن أين لك هذا ، وعمّن أخذته؟!

فقال لي : والله ، ما جئتك قبل الفجر ، ولا رأيتك قبل هذه الساعة ، ولقد كنت ليلة أمس بائتا خارج القرية (في مكان سمّاه) ، وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.

فقلت لأهل القرية : الآن لزمني الرجوع إلى زيارة الحمزة فإني لا أشكّ في أنّ الشخص الذي رأيته هو صاحب الأمر (ع).

قال : فركبت أنا ، وجميع أهل تلك القرية لزيارته. ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهورا تاما على وجه صار بحيث تشدّ الرحال إليه من الأماكن البعيدة.

١٦٨

(٨) السيد محمد بن الامام علي الهادي (ع)

السيد محمد بن الامام علي الهادي (ع) ولد سنة ٢٢٨ ه‍ / ٨٤٢ م ، وتوفي بحياة أبيه سنة ٢٥٢ ه‍ / ٨٦٦ م. أقام مع أسرته بمدينة سامراء طوال سنوات حياته القصيرة التي صوّرتها المصادر بأربعة وعشرين سنة.

حاولت الروايات أن تستلب دور السيد محمد ، وتحوّله إلى محض إتهامات وأراجيف لا طائل وراءها ، فألصقت به أنّه كان المرشّح للإمامة بعد أبيه دون أخيه الامام العسكري (ع) إلّا أنّ الله أماته ليصبح أخوه الحسن العسكري الامام الفعلي مكانه.

وهذه القصة تطابق ما روي عن إسماعيل بن الامام الصادق (ع) ، الذي توفي في حياة أبيه ، مما يدلّ على أنّ نسج القصتين يخضع لسلطان واحد.

وقد أضيف إلى السيد محمد مطلبان ؛ الأول : دخول مصطلح (البداء) في قصته ، واتصاله بعلم الله مما حوّل النصّ التاريخي إلى نصّ عقائدي أخرجه عن مساره.

والثاني : نسبة الفرقة «المحمديّة» التي قالت بإمامة السيد محمد وأنّه حيّ لم يمت ، وهي ذات النسبة التي طالت إسماعيل بن الامام الصادق (ع) حينما قيل إنّه حي لم يمت ، وأطلق على أتباعه الاسماعيلية.

وجميع هذه الأسماء لا وجود لها على مسرح تاريخ الأحداث ، وإنّما هي من المبتدعات المتأخرة التي تسرّبت في كتب التاريخ والفرق والعقائد والحديث بعد قرون من تأليفها.

١٦٩

١٧٠

ولأبي جعفر السيد محمد سلالة منبثّة في العراق وإيران تنتهي بنسبها إلى شمس الدين الشهير بمير سلطان البخاري المتوفى سنة ٨٣٢ ه‍ / ١٤٢٩ م ، وقبره في بروسا ظاهر مشتهر. وهو ابن السيد علي بن محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن أبي جعفر بن الامام علي الهادي (ع).

وممن عرف من هذه السلالة : السادة آل البعّاج بالعراق ، الذين يرجعون بنسبهم إلى المؤيد بالله يحيى بن محمد البعاج الذي كان من أكابر سادات العراق وأعيانهم في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي.

نسب للنسّابة السيد ابن مهنا العبيدلي (الذي عاش في القرن السابع الهجري) القول إنّ السيد جعفر لم يعقب من الذكور أحدا ، بل أعقب بنتين فقط.

واعتمد هذا الرأي النسّابة المحقّق السيد عبد الستار الحسني ، والنسابة الخبير السيد مهدي الوردي.

وقد علّق السيد موسى الموسوي الهندي (ت : ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م) على قوليهما بما نصّه : إنّ ابن مهنا المذكور ليس بذلك الثبت الذي لا يطال أقواله التشكيك. أليس هو القائل إنّ قبر أبي جعفر محمد بن علي الهادي في (بلد) الموصل (١)؟

لكنّ الاستاذ الموسوي الهندي لم يفطن هو ، أو غيره إلى أنّ مثل هذه المرويات كانت قد تسرّبت إلى كتب الأقدمين ، ونسبت إليهم وهم منها براء. وعليه فإنّ تقديم دليل التسالم على شهرة الواقع في قبالة غياب النص هو في حدّ ذاته يرقى في مثل هذه الحالات ، إلى مستوى الدليل في إثبات الثابت ، وإبعاد الشبهة عنه.

__________________

(١) سبع الدجيل السيد محمد بن الامام الهادي ، ص ٤٩.

١٧١

وعبارة القزويني التي يذكر فيها السيد محمد بأنّه «كان يلقّب بالبعّاج» ، كافية في هذا المقام على المرام.

قبره الشريف

يقع مقام السيد محمد في مدينة بلد التي تبعد عن سامراء أربعين كيلومترا جنوبا. وله مقام مشهور يزدحم بالزائرين الذين يقصدونه من شتى البقاع لأداء فروض الزيارة ، والدعاء عنده. وعلى مقامه قبّة شاهقة شيّدت سنة ١٢٠٨ ه‍ / ١٧٩٤ م على يد الشيخ زين العابدين السلماسي. والتعميرات اليوم سنة ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م قائمة في صحن المقام التي أصبحت الغرف المحيطة به تربو على المائة والعشرين غرفة ، وهي مخصّصة لسكنى الزوّار الذين لا مأوى لهم في البلد. كما شيّدت مأذنة سنة ١٣٧١ ه‍ / ١٩٥٢ م ما زالت شاخصة.

١٧٢

(٩) السيد محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع)

السيد محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع) كان من زعماء الاسلام وقادته. تولّى إدارة يزد وشيراز.

ذكره بحر العلوم في «تحفة العالم» ، وقال : إنّه من أهل الفضل والصلاح. ثم ذكر ما يدلّ على حسن عبادته.

وفي رجال الشيخ أبي علي : إنّه مدفون كأخيه شاه چراغ بشيراز. وقد صرّح بذلك العلّامة الجزائري في الأنوار النعمانية ، وقال : «محمد وأحمد مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بتربتيهما ، وتكثر زيارتهما».

جدّد مقام السيد محمد العابد الذي يقع في محلّة يطلق عليها إسم (باغ قتلغ) ، فبنيت عليه قبّة منذ القرن السابع الهجري. كما استمرت عمليات تجديد البناء ، وإدامته على مدى العصور ، منها : التجديد الذي أمر به نادر شاه الأفشاري. ومنها : التجديد الذي أمر به النواب أويس بن النواب الأعظم الشاه زاده فرهاد القاجاري سنة ١٢٩٦ ه‍ / ١٨٧٩ م. وله في عصرنا مزار عامر يتبرّك به ، وتعقد له النذور.

نسب البحّاثة الشيخ يونس السامرائي ، كما ورد في كتابه (الدور) قبرا في الدور إلى السيد محمد بن الامام الكاظم (ع) ، وسمّاه بالعابد. والصواب إنّ مرقد الدور هذا هو لأحد المتصوّفة ممن لا يمتّ إلى الأصول العربيّة بصلة ، ولقبه المرادف لاسمه في كتب التاريخ والسير يدل على ذلك.

١٧٣

(١٠) أحمد بن الامام الكاظم (ع)

أحمد بن الامام الكاظم (ع) المعروف بشاه چراغ. قبره بشيراز مشهور ، بنيت عليه عمارة في القرن السابع الهجري ، كما شيّدت قبّة على ضريحه.

وقد تعرّض البناء للزلازل ، وتهدّم قسم كبير منه على مرّ الأيام.

وفي منتصف القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي تمّ إعادة بناء المرقد ، وتشييد قبّة ذهبيّة جديدة عليه.

لم تكن المعلومات التي تخصّ السيد أحمد في كتب التاريخ كافية عنه ، ولم تعط أيّة معلومات مفيدة سوى المعلومات الوصفية التي تتعلّق بعواطفه النفسية وعواطف أمّه ، وولائها للأئمة (ع). فقد انصبّت النصوص على وصفه بما يلي :

١ ـ كان سيدا كريما جليلا ، ورعا.

٢ ـ كان الامام موسى والده يحبّه ، وقد وهب له ضيعته المعروفة (باليسيرة!).

٣ ـ أعتق أحمد ألف رقبة من العبيد والاماء في سبيل الله.

٤ ـ بعد وفاة أخيه الامام الرضا (ع) ذهب إلى شيراز ، ومات فيها أيام الخليفة المأمون العباسي.

٥ ـ كانت أمّه أم ولد. ولها من الامام موسى (ع) أيضا محمد ، وحمزة.

أودع الامام موسى الكاظم (ع) عندها «سفطا» فيه بعض مواريث آبائه المعصومين (ع) قبل أن يودع بالسجن. وبعد وفاة الامام الكاظم (ع) ، طالب ولده الامام الرضا (ع) بالسفط.

١٧٤

تقول الرواية : «فصاحت أم أحمد ، وشقّت جيبها ، وقالت له : مات أبوك»!

بايعت أم أحمد الامام الرضا (ع) بالامامة بعد فقد أبيه ، وكان ولدها أحمد موجودا.

ومن خلال دراستنا لسيرة أهل البيت (ع) ظهر لنا أنّ تاريخ هؤلاء القادة يختلف عمّا صوّرته النصوص التاريخيّة التي تسرّبت لمؤلفات التاريخ ، وحرّفتها.

كان السيد أحمد ، وأخوته في هذه المرحلة قادة يحكمون البقاع. وكان هو يتولّى ولاية شيراز ، وربّما لقب «الشاه» كان قد أطلقه عليه الأهالي نسبة لما كان يتمتع به من مزايا في الحكم والسلطة.

إلّا أنّ التاريخ الموهوم ، الذي أطلقنا عليه إسم «التاريخ البديل» ، كان قد حلّ على صفحات الكتب بعدما أزاح التاريخ الأصلي ، وأخفاه.

من هنا يلاحظ في تراجم سيرة هؤلاء القادة الدينيين والسياسيين أنّ الحديث إنصبّ على بيان الجانب الذي هو خارج النشاط ، أو الفعل التاريخي. وهذا ما دعاني أن أذكر نموذجا منه خلال ترجمة النصوص التاريخية لسيرة السيد أحمد (ع) ، والتي هي قاعدة مطّردة للكتابة عن جميع الشخصيّات الفاعلة في التاريخ ، وتحويلها إلى شخصيّات يكون تأريخها أقرب إلى الانطفاء منه إلى التوهّج (١).

__________________

(١) للسيد أحمد بن الامام الكاظم (ع) ترجمة في كتاب «الأنوار النعمانية» ، للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ١ ، ص ٣٨٠ ، وفيه تحقيق عن قبره. كما ذكره الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب ، ج ٢ ، ص ٣١٥ ، والسيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ، ص ٢٧ ، وكتب عنه ترجمة وافية. كما عيّن قبره ، ونقل قسما من أخباره السيد جواد شبّر في الضرائح والمزارات ـ المخطوط ، (رأيته في مكتبته بالنجف). وجميع هذه التراجم لا تخرج عن المنقولات المتعارفة نصوصها ، والتي أشرنا إليها.

١٧٥

(١١) السيد أحمد بن موسى الحارث

السيد أحمد بن موسى بن جعفر الملقّب بالحارث ، له مرقد مشيّد عامر ، عليه قبّة وللأعراب عقيدة خاصة به.

قال حرز الدين : هكذا اشتهر القبر ، ولم أتحقّقه من هو ، وابن من؟ وهو من القبور التي هي تحت الفحص والتنقيب لدينا (١).

ويلاحظ أنّ المؤرخ حرز الدين إعتمد على ما أورده الامام القزويني حول المرقد. وقد إحتمل القزويني أنّ هذا القبر هو قبر أحمد المزيدي ، من علماء الإجازة والحديث. وسيأتي ذلك في (الفصل السابع) من هذه الرسالة.

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ١٢٦.

١٧٦

(١٢) الشاه عبد العظيم الحسني

هو أبو القاسم السلطان شاه عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).

ذكره الأمير الداماد في كتابه «الرواشح السماوية في الفوائد الرجالية» ، فقال في جملة كلام له : من الذائع والشائع أنّ طريق الرواية من جهة أبي القاسم عبد العظيم بن عبد الله الحسيني المدفون بمشهد الشجرة بالريّ من الحسن ، لأنه ممدوح.

وذكره العلّامة الحلّي في الخلاصة بقوله : «كان عالما عابدا ورعا ، له حكاية تدل على حسن حاله ذكرناها في كتابنا الكبير».

وقال الشهيد الثاني في تعليقته على الخلاصة : «عبد العظيم هذا ، هو عبد العظيم المدفون بمسجد الشجرة ، وقبره يزار. وقد نصّ على زيارته الامام علي بن موسى الرضا (ع).

كان أبو القاسم من أصحاب الامام الجواد ، والامام الهادي (ع) محترما عندهما في الغاية ، وكانا يحبانه حبّا شديدا. نقل الشيخ الصدوق بالاسناد المتّصل أنّه قال : «دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فلما أبصرني قال : مرحبا بك يا أبا القاسم ، أنت وليّنا حقا».

١٧٧

والسيد عبد العظيم يروي عن الامام أبي جعفر محمد الجواد (ع) ، وعن الامام الهادي (ع) (١).

وروى عنه من رجالات الشيعة ، أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، وأحمد بن محمد بن خالد ، وأبو تراب الروياني.

كان الشاه عبد العظيم الحسني من رجال الحكم والسلطة. وقد نقلت النصوص ما يخالف سيرة حياته ، بل شوّهت صورته البطولية ، بمنقولات تسرّبت إلى الكتب الشيعيّة دون أن يفطن إليها أحد. ومن ذلك القصة التي نسبت للنجاشي ، والتي تظهر الشاه عبد العظيم بالشخص المتخفي الذي لا يعرفه أحد في حياته. تقول الرواية :

كان عبد العظيم ورد الري هاربا من السلطان ، وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي فكان يعبد الله في ذلك السرب ، ويصوم نهاره ، ويقوم ليله فكان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره ، وبينهما الطريق ، ويقول : هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر (ع) ، لم يزل يأوي إلى ذلك السرب ، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد (ع) حتى عرفه أكثرهم. فرأى رجل من الشيعة في المنام رسول الله (ص) قال له أنّ رجلا من ولدي يحمل من سكة الموالي ، ويدفن عند شجرة التفاح في (باغ) عبد الجبار عبد الوهاب ، وأشار إلى المكان الذي دفن فيه. فذهب الرجل ليشتري الشجرة ومكانها من صاحبها ، فقال له لأي شيء تطلب الشجرة ومكانها فأخبره بالرؤيا ، فذكر صاحب الشجرة أنه كان رأى مثل هذه الرؤيا ، وأنه قد جعل موضع الشجرة مع جميع (الباغ) وقفا على الشريف ، والشيعة يدفنون فيه.

فمرض عبد العظيم ومات (رحمة الله عليه) ، فلمّا جرّد ليغسّل ، وجدت

__________________

(١) يراجع : النوري ، خاتمة مستدرك الوسائل.

١٧٨

في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه ، فإذا فيها : أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (١).

وإمعانا بالسخرية فقد استعمل ناسج الرواية كلمة (باغ) الفارسية ، بدلا من كلمة (بستان) العربيّة. كما حشر إسم (عبد الجبار عبد الوهاب) ، وصوّره بأنه هو مالك البستان.

قال صاحب «عمدة الطالب» في طيّ ذكر عقب زيد بن الامام الحسن المجتبى ما نصّه : عبد العظيم السيد الزاهد المدفون في مسجد الشجرة بالريّ وقبره يزار. وأولد عبد العظيم محمد بن عبد العظيم ، وكان زاهدا كبيرا ، وانقرض محمد بن عبد العظيم ، ولا عقب له.

وقد ألّف الحاج مولى محمد باقر بن المولى محمد إسماعيل المازندراني الكجوري المتوفى سنة ١٣١٣ ه‍ / ١٨٩٥ م كتابا كبيرا سمّاه (جنّة النعيم في أحوال السيد عبد العظيم) ، طبع بطهران سنة ١٢٩٦ ه‍ في (٥٤٨) صفحة ، استظهر في كتابه هذا أنّ وفاة عبد العظيم كانت أوائل سنة ٢٥٠ ه‍.

قال النجاشي : إنّ لأبي جعفر ابن بابويه كتاب أخبار عبد العظيم ابن عبد الله الحسني (٢).

يعدّ مرقد الشاه عبد العظيم الحسني من المراقد الشهيرة في إيران ، وقد أجريت عليه الانشاءات العمرانية على طول عقود السنين. ومنطقة (الري) التي يقع فيها المقام أصبحت من المدن المهمة القريبة من العاصمة طهران.

يقول المؤرخ حرز الدين : مرقده غنيّ عن التعريف ، وله مشهد مشيّد بأنواع العمارات والزخارف ، وصحن عامر فيه الغرف والأيوانات (٣).

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ١٧٤.

(٢) النجاشي ، الفهرست ، ص ١١٢.

(٣) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٥٢.

١٧٩

وقال العلّامة السيد محمد صادق بحر العلوم فيما كتبه عن السيد عبد العظيم الحسني : أمّا مشهده في زماننا هذا الموافق سنة ١٣٥٩ ه‍ / ١٩٤٠ م فهو بلدة عظيمة ذات بساتين جميلة وحدائق ذات بهجة زاهية تبعد عن طهران (عاصمة إيران) ثلاثة أميال تقريبا بينهما سكة حديدية ، وحول قبره شبّاك فضيّ ، وعليه قبّة كبيرة ذهبية بين منارتين من القاشاني الثمين ، وحول ضريحه صحن واسع يقصده الزائرون من كلّ فجّ لاسيّما في ليالي الجمعة ، ويتبركون به ، وينذرون له النذور ، ويعظمونه غاية التعظيم ، ويقابله قبر حمزة بن الامام موسى بن جعفر (ع) ، وهو أيضا مزار معروف.

وقد دفن حول مرقد عبد العظيم جماعة من العلماء والوزراء والسلاطين ، منهم : ناصر الدين شاه القاجاري (المقتول في المشهد المذكور يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة ١٣١٣ ه‍).

١٨٠