كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

(٢) عون ومعين ولدا الامام أمير المؤمنين (ع)

ذكر السيد مهدي السويج أنّ عون بن علي (ع) هو المدفون ببغداد خارج المنطقة المعروفة سابقا بالزوراء ، وتعرف اليوم بمدينة المنصور.

وهو أحد أولاد الامام علي الستّة الذين توفوا في حياته. فقد كان مع أبيه الامام في واقعة النهروان ، وجرح أثناءها ، ولمّا وصل إلى هذا المكان توفي ، ودفن فيه.

أمّا معين فقد ورد ذكره في الرحلة المنسوبة إلى ابن جبير عند كلامه عن مدينة السلام بغداد ، قال : في الطريق إلى باب البصرة من بغداد مشهد داخله قبر متّسع كتب عليه «قبر عون ومعين أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» (١).

وذكر الحموي أنّ مشهدهما في الجانب الغربي من بغداد في جهة الكرخ (٢).

وقد ذكر قبريهما جمع من المؤرخين ولم يبق لقبرهما اليوم أثر. وكان هذا المشهد قرب تربة السيدة سلجوقي خاتون المعروفة بالخلاطية ابنة السلطان ارسلان السلجوقي ورباطها ، وكانت شمالي الموضع المعروف اليوم بالخضر الياس ، وقد جرفت دجلة كل هذه المواضع.

__________________

(١) رحلة ابن جبير ، ص ١٨٠.

(٢) معجم البلدان ، ج ١٧ ، ص ٢٥٧.

١٤١

فممن ذكره الرحالة ابن جبير في رحلته بقوله : ـ «في الطريق إلى باب البصرة مشهد حافل البنيان داخله قبر متّسع السنام عليه مكتوب : هذا قبر عون ومعين من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه».

جاء في «دليل خارطة بغداد» : قال تاج الدين علي ابن أنجب المعروف بابن الساعي في سيرة سلجوقي خاتون زوجة الناصر لدين الله : «كانت قد اختارت أن تنشيء تربة إلى جانب مشهد عون ومعين ولديّ علي ـ عليه‌السلام ـ بالجانب الغربيّ في مشرعة الكرخ لتدفن فيها إذا ماتت ، فشرع في بنائها فلم تصعد حيطانها قامة حتى أدركها أجلها ، فدفنت فيها ، وتمّم بناؤها» (١).

وأورد الطهراني في تعريفه بكتاب «الدرة الغالية في أخبار القرون الخالية» للسيد جعفر الأعرجي النسّابة المعاصر : أنّ الأعرجي أنكر ما ذكره السيد مهدي القزويني الحلّي النجفي في «المزار» من كتابه «فلك النجاة» من كونهما ولدي أمير المؤمنين (ع) المسمّين بعون ومعين ، المقتولين في حرب النهروان (٢).

يقول جودت القزويني : وهو الرأي نفسه الذي نتبنّاه في نفي وجود ولدين للإمام علي (ع) بهذين الاسمين فضلا عن أنّهما قتلا في معركة النهروان.

__________________

(١) دليل خارطة بغداد ، ص ٢٤١ ، نقلا عن كتاب جهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والاماء (المخطوط).

(٢) الذريعة ، ج ٨ ، ص ١٠٢.

١٤٢

(٣) القاسم بن الحسن

ذكر المؤرّخ الشيخ محمد حرز الدين في حديثه عن تعيين مرقد القاسم بن الحسن ، ما نصّه : القاسم بن الحسن ، وقد تسميه الأعراب أبو جاسم. قال بعض العلماء إنّه سيد علوي من ذراري أئمة أهل البيت. وقد سئل السيد القزويني عنه فأجاب بأنّه القاسم الأكبر بن الحسن (ع). ولا يخفى أنّ السيد قد انفرد بهذه الدعوى ، ولم نعثر على مأخذها (١).

وعلّق المحقق الشيخ محمد حسين حرز الدين على هذا النصّ بقوله :

اتفق النسّابون والمؤرخون فيما نعلم على أنّ ليس للإمام الحسن السبط (ع) ولد يسمى القاسم الأكبر غير القاسم شهيد الطف ، مع عمه الحسين (ع). قال الشيخ المفيد في الارشاد : وأمّا عمر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي (ع) فانهم استشهدوا بين يدي عمهم الحسين (ع) في الطف ، والله أعلم (٢).

وقال السيد عبد الرزاق كمونة :

بقرب المسيب مشهد يقال إنّه القاسم الأكبر بن الحسن ابن أمير المؤمنين (ع). قال السيد مهدي القزويني في (فلك النجاة) : «القاسم بن الحسن

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ١٩٤.

(٢) هامش المراقد ، ص ١٩٤.

١٤٣

السبط ، وهو القاسم الأكبر غير شهيد الطف المدفون في (العتيكات) المسمى الآن بالمسيب ، قريب من الفرات ، وقد أصيب جريحا في النهروان».

قلت : إنّ الحسن بن علي بن أبي طالب لم أعثر له على ولد اسمه القاسم غير القاسم بن الحسن شهيد الطف مع عمّه الحسين بن علي (ع) ، ولم أعثر على مستند قول السيد مهدي القزويني (١).

__________________

(١) مشاهد العترة الطاهرة ، ص ٢٣٧.

١٤٤

(٤) عمران بن الامام علي بن أبي طالب (ع)

عمران بن الامام علي بن أبي طالب (ع) قيل هو أحد أبنائه الستة الذين فقدهم في حياته ، وقد أصيب جريحا في معركة النهروان.

ذكر حرز الدين أنّ النهروان هي عبارة عن ثلاث قرى بين واسط وبغداد. وعلى النهر السفلي قنطرة عليها منارة صغيرة قائمة في زماننا ، والقنطرة مبنيّة بالجص والآجر ، ولها ثلاثة أبواب لمنافذ المياه. ويعرف هذا الجسر في عصرنا بجسر (حربه) ، نسبة إلى قبيلة حربة التي تقيم على مقربة منه ضمن ناحية بلد ، ورئيسهم الملّا ناجي الحاج درويش آل حسين. ويقع هذا الجسر على يمين الطريق للقوافل بين بغداد وسامراء (١).

وفي النهروان وقعت المعركة بين الامام علي (ع) والخوارج ، والتي قيل إنّ بعض أولاد الامام قتلوا فيها.

أمّا المحقق السيد عبد الرزاق كمونة فقد نقل قول السيد مهدي القزويني لكنّه اعتقد أنّ إسم (عمران) مصحّف عن عمر ، حيث قال : كان لعليّ بن أبي طالب (ع) ولدان إسمهما عمر ، أحدهما : عمر الأكبر ، وأمّه الصهباء بنت ربيعة ، والأصغر ، وأمّه الثقفية ـ وهذا هو قول صاحب المجدي.

ويستظهر من مجموع الأخبار أنّ عمران كان قد رافق أباه الامام (ع) ،

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

١٤٥

وجاهد معه ، وجرح بالمعركة لكنّه حمل نفسه إلى الكوفة ، فتوفي في الطريق متأثرا بجراحه. حيث موضعه اليوم.

زار المرقد المحقق الشيخ محمد حسين حرز الدين سنة ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٧ م ، وهو يقع بين منطقة الجميجمة ، وآثار مدينة بابل ، وله مشهد مرتفع ، محاط بالتلال. يقول حرز الدين : كان موضع قبره اخفض من أرض صحنه خمسة عشر درجة ، وعليه شباك حديد في داخله دكّة قبره. يحيط به حرم متصل بآخر ، وفوقهما قبّة صغيرة ترمز لقبور بعض شهداء وقعة النهروان كما يزعمون (١).

وفي جامع الأنوار للشيخ عيسى البندنيجي القادري المتوفى سنة ١٢٨٣ ه‍ / ١٨٦٦ م ، ذكر أنّ مدفن عمران بن علي باتفاق أهل العراق قرب الحلّة الفيحاء.

ثم قال : وقرب بغداد على بعد أربعة عشر فرسخا قرية تسمى (العمرانية) مررت بها في بعض أسفاري إلى وطني ، فرأيت بها مشهدا وعليه قبّة ، فسألت عنه بعض الأكابر في السن من أهاليها ، فقال : إنّه قبر عمران بن علي وإليه تنسب هذه القرية (٢).

وعلّق المحققان الاستاذان أسامة ناصر النقشبندي ، ومهدي عبد الحسين النجم على هذا الموضع بقولهما : «لم يرد في كتب التاريخ والسير ، التي أحصت أولاد الامام علي ، إسم عمران ، بل ذكر بالمصادر الحديثيّة. قيل إنّه جرح في النهروان ، وحمل إلى الكوفة ، وقبره ظاهر بين الجميجمة وآثار بابل».

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ١٢٩.

(٢) جامع الأنوار في مناقب الأخيار ، ص ٥٨٣.

١٤٦

(٥) القاسم بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع)

القاسم بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) ولد سنة ١٥٥ ه‍ / ٧٥٩ م.

وهو أخو الامام الرضا (ع) ، وأخته فاطمة دفينة قم المعروفة بمعصومة قم.

قيل إنّ القاسم توارى في عهد هارون الرشيد في أرض سورا القريبة من مدينة الحلّة.

قبر القاسم اليوم عامر مشيّد. وقد أسس العلّامة الشهيد السيد محمد تقي الجلالي حوزة علمية في المنطقة ، وأحياها بالمشاريع الثقافية والعمرانية ، لكنّ السلطة الظالمة لم تدعه يكمل مشواره ، حيث قضت عليه بالقتل سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، فذهب إلى ربّه شهيدا صابرا ، وقد خسرنا أمثاله من العاملين ، أعلى الله في الخلد مقامه.

طرأت على مشهد القاسم عمارات مختلفة يرجع تاريخها إلى القرن السادس والسابع للهجرة. كما طرأت إصلاحات جديدة على المرقد والمقام سنة ١٢٨٨ ه‍ / ١٨٧١ م ، تمّت على يد السيد العلوي الفاطمي الأغا علي شاه الحسيني بن السيد حسن أغا خان ، والمخدّرة الجليلة بي بي سركاه. كما ورد ذلك منقوشا على رخامة مرمر بنيت على مدخل الايوان الكبير من جهة اليسار.

قال الشيخ محمد حرز الدين : وفي عصرنا سنة ١٣٢٥ ه‍ / ١٩٠٧ م

١٤٧

تصدّي العالم الجليل السيد محمد نجل الحجة الكبرى السيد مهدي القزويني لاصلاح الحرم ، وإنشاء شباك جديد مكسوّ بالفضة بالبذل من الشيخ خزعل الكعبي أمير عربستان (١).

كتب السيد محمد القزويني المتوفى سنة ١٣٣٥ ه‍ / ١٩١٦ م ، إلى الشيخ خزعل أمير المحمّرة (المسماة اليوم خوزستان) ، مشجّعا إيّاه على مبادرته بعمل شباك فضيّ يوضع على ضريح القاسم بن الامام موسى الكاظم (ع) ، فتمّ عمله ، ونصب سنة ١٣٢٤ ه‍ / ١٩٠٦ م. وقد أرّخه الشاعر الكبير عبد المجيد العطّار المتوفى سنة ١٣٤٢ ه‍ / ١٩٢٣ م بقوله :

للإمام (القاسم) الطهر

الذي قدّس روحا

(خزعل) خير أمير

أرّخوا (شاد ضريحا)

وكان القزويني ، قبل ذلك ، قد بارك مبادرة الشيخ خزعل ببناء خان كبير قرب مقام القاسم ليكون دار استراحة للزائرين ، وذلك سنة ١٣١٩ ه‍ / ١٩٠١ م.

كما أمر السيد محمد القزويني بإنشاء بئر في هذا الخان ، وفّرت لسكّان المنطقة الماء عند جفاف نهر الفرات. ولمّا علم الشيخ خزعل بذلك أبرق إلى القزويني بهذين البيتين :

سقيتم بني الدنيا بماء نوالكم

وجدّكم في الحشر من حوضه ساقي

فلا زلتم وردا إلى كلّ منهل

ولا زال هذا العزّ في بيتكم باقي

إلّا أنّ الخان سكنه بعض الفقراء ، ثم اغتصبوه. وقد أخرج منه سنة ١٣٥٨ ه‍ / ١٩٣٩ م شارعان طولا وعرضا ، فلم تبق منه إلّا بقيّة عرصة.

وفي سنة ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٥ م ، أمر السيد محسن الحكيم (ت : ١٣٩٠ ه‍ / ١٩٧٠ م) أن يشيّد بقية خان الوقف مدرسة دينيّة ، وتقتطع منها دار

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ١٨٤.

١٤٨

للمرشد الروحي الذي يقيم في البلدة ، فامتثل وكيله السيد محمد تقي الجلالي لبناء مدرسة بطابقين ، ودار للاقامة. وأصبحت المدرسة ملتقى لنواة حوزة القاسم الثقافية.

وذكر السيد المؤلف (قدس‌سره) في كتابه «أنساب القبائل العراقية» تحت عنوان (شوشة) قال : هي ثوية في العراق بقرب ذي الكفل ، فيها قبر القاسم بن العباس بن موسى بن جعفر (ع) ، والآن هي خراب ، وفيها القبر المعلوم (١).

ويلاحظ أنّ تاريخ الفراغ من تأليف كتاب أنساب القبائل هو سنة ١٢٨٨ ه‍ / ١٨٧١ م ، وهو الزمن الذي يشير فيه السيد القزويني إلى عدم وجود عمران في البقعة التي فيها قبر القاسم.

ومن النوادر الأدبيّة بين الشاعر السيد رضا الهندي ، والمؤرخ الشيخ محمد علي اليعقوبي التي حدثت عام ١٣٣٦ ه‍ / ١٩١٧ م عند زيارتهما لمرقد القاسم ، هذه النادرة أنقلها عن خط اليعقوبي.

كتب الشيخ محمد علي اليعقوبي على إحدى الصفحات الأخيرة من مجموع بخط السيد رضا الهندي ، وفيه شيء من شعره ، ما صورته :

في ١٩ شوّال سنة ١٣٣٦ ه‍ مضيت في خدمة مؤلف هذا الكتاب ، مولاي العالم النحرير ، الفاضل الأديب ، سيدي الرضا سليل العلّامة السيد محمد الموسوي الهندي قاصدين زيارة السيد الكريم ، القاسم بن الامام الكاظم (عليهما‌السلام). وكان السيد المذكور لم يزر ذلك المرقد المقدّس قبل ذلك إلّا مرّة واحدة. فلمّا لاحت القبّة الشريفة أنشأ ـ أيّده الله ـ مرتجلا :

فديتك يا خلف (الكاظم)

وخير فتى من بني هاشم

__________________

(١) أنساب القبائل العراقية ، ص ٧٨.

١٤٩

قسمت الزيارة لي مرتين

وأرجو المزيد من (القاسم)

وحين حللنا بذلك المشهد الشريف ، وفرغنا من زيارة المرقد المنيف قلت هذين البيتين مخاطبا فيهما سيدي الرضا (دام عزّه) :

بمرقد القاسم إذ زرته

نلت من الله عظيم الرضا

فكيف لا أرجو رضاه غدا

ومنك قد زرت الامام (الرضا)

وقد أشار اليعقوبي إلى الحديث المنقول عن الامام الرضا (ع) الذي يقول : «من لم يقدر على زيارتي ، فليزر أخي القاسم».

١٥٠

(٦) القاسم بن العباس بن الامام الكاظم (ع)

القاسم بن العباس بن الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع). قبره في قرية «شوشى» القريبة من مرقد ذي الكفل ، وكانت شوشى تعدّ من المناطق السريانية القديمة.

شاهد المؤرّخ الشيخ محمد حرز الدين لدى زيارته قبر القاسم بن العباس سنة ١٣١٥ ه‍ / ١٨٩٧ م أطلالا ، وأسس بناء وحجارة وخزف أشبه شيء بالبلد الدارس القديم ، كما إطّلع على آثار تخطيط دور وحوانيت مقسّمة إلى جانب المرقد.

وذكر أنّ بعض النخيل كانت تحيط بالقبر ، وإن كانت نابتة في أرض موات غير عامرة بالزراعة لارتفاعها.

كما لم تكن إلى جانب القبر قرية مسكونة ، غير تلك القرى البعيدة عنه في الأرض العامرة (١).

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ١٩٣.

١٥١

(٧) الحمزة بن القاسم حفيد العباس بن علي (ع)

أبو يعلى الحمزة بن القاسم بن علي بن الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (ع).

قال عنه الأردوبادي : كان أوحديا من سروات المجد من هاشم ، وفذّا من أفذاذ بيت الوحي ، وأحد علماء العترة الطاهرة ، روى الحديث وأكثر ، واختلف إليه العلماء للأخذ منه.

وقد روى عن كبار مشايخ الشيعة المحدّثين ، أمثال : هارون بن موسى التلعكبري (ت : ٣٨٥ ه‍ / ٩٩٥ م) ، وعلي بن محمد القلانسي (من مشايخ الغضائري) ، وغيرهما ، وهو من طبقة ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩ ه‍ / ٩٤٠ م صاحب كتاب (الكافي).

أدرك الحمزة أواخر القرن الثالث ، وأوائل القرن الرابع الهجريين. وله من المؤلفات : كتاب (من روى عن جعفر بن محمد من الرجال) ، وكتاب التوحيد ، وكتاب الزيارات والمناسك ، وكتاب الرد على محمد بن جعفر الأسدي (١).

وصف الحمزة بأنّه محدّث ثقة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، وهو أحد علماء الاجازة ، وأهل الحديث. ذكره مترجموه ، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

__________________

(١) المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى ، طبعت بتحقيقنا سنة ١٩٩٢ م.

١٥٢

ويروي الحمزة عن عمّه محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس (ع) ، وعن الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري المتوفى سنة ٣٠١ ه‍ / ٩١٤ م ، وغيرهما.

وقد أظهر قبره الامام السيد مهدي القزويني بعدما كان خافيا.

القزويني : تشيّع قبائل زبيد وتعيين قبر الحمزة

هاجر السيد مهدي القزويني (١٢٢٢ ـ ١٣٠٠ ه‍ / ١٨٠٧ ـ ١٨٨٣ م) من النجف إلى الحلّة سنة ١٢٥٣ ه‍ / ١٨٣٧ م. وكان العراق يومذاك قد تخلّص من حكم المماليك الذي استمرّ (١٢٧) عاما ، بعد سقوط داود باشا (١٢٣٢ ـ ١٢٤٧ ه‍ / ١٨١٦ ـ ١٨٣١ م) ، آخر ولاتهم ، على يد الوالي علي رضا اللاز.

كانت منطقة الحلّة ، وما جاورها من المناطق خاضعة لسلطة قبيلة زبيد بزعامة وادي بن شفلّح ، وهي من أقوى قبائل المنطقة.

وقد عيّن وادي ، في هذه المرحلة بالذات ، ممثّلا عن سلطة بغداد في منطقة الفرات الأوسط سنة ١٢٥٢ ه‍ / ١٨٣٦ م ، واستمر نفوذه في عهد حكم الوالي نجيب باشا ، وأصبح يتقاسم سلطة العراق مع ولاة بغداد.

في تلك المرحلة كان القزويني قد بذل نشاطا في بثّ الوعي الديني في صفوف أهل الحلّة وأطرافها ، وكان قد نقل عنه قوله «إنّ أهل الحلّة لا يعرفون من التشيّع سوى نقل موتاهم إلى النجف» ، في السنوات التي وفد على الحلّة نتيجة للكوارث الإجتماعية التي أصابت المدن العراقية بالتخلّف ، وغياب المنظومة الدينيّة للفقهاء.

كان القزويني قد جاوز الثلاثين من عمره عند وفوده إلى مدينة الحلّة ، وهو في قمّة نشاطه الفكري والجسماني. وقد بلغ به النشاط للقيام بوضع دراسة ميدانيّة عن المدينة ، وما جاورها ليرى احتياجاتها ، وما يلزمها من متطلبات.

١٥٣

وقد نجح خلال الشهور الأولى من استقطاب طبقات المجتمع ، والتأكيد على الصفوة منهم ، الأمر الذي أظهر شهرته بالمنطقة خصوصا أنّ أباه وأخوته كانوا يملكون بعض المقاطعات الزراعية هناك مما يسهم في شهرتهم ، وامتدادهم بين عشائر المنطقة.

وعلى الرغم أنّ جميع من كتب عن الإمام القزويني ذكر أنّه كان سببا في نقل قبيلة زبيد من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي إلّا أنّ رواية تشيّعهم بقيت متناقلة لدى بعض المطّلعين ، دون أن تسجّل في كتاب.

نقل لي السيد حميد القزويني (توفي سنة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م) عن عمه السيد هادي عن أبيه السيد صالح عن الإمام السيد مهدي القزويني : أنّ وادي بن شفلّح (شيخ قبيلة زبيد) ، كان قد صادف السيد القزويني مع بضعة من أصحابه في إحدى جولاته بضواحي مدينة الحلّة ، وكان وادي في تمام سطوته السياسية ، وقوته العسكرية فحاول إحراج القزويني ، وتوهينه أمام جموع عسكره المسلّح بكامل عدّته قائلا له بطريقة الغطرسة :

هل أنت القزويني الذي تسبّ الشيخين؟!

(إشارة منه إلى شيعيته فقط ، فلم يكن القزويني بطبيعة الحال يعتدي على مقام الخلفاء).

أصبح القزويني بين خيارين ؛ إمّا النكوص والتراجع ، وإمّا الاقتحام والتحدّي ، دون حساب لما تكون عليه النتائج.

تمهّل القزويني قليلا ، ثم ردّ على الشيخ وادي في مقام الغضب قائلا له : أتهدّدني بالشيخين؟ ثم شتم وادي وأباه ، ومن معه ، وكرّر شتمهما.

لم يكن الشيخ وادي متصوّرا أنّ فردا أعزلا يواجه مجموعة بهذه السطوة بمثل هذا التحدّي ، فلم يكن له هذه المرّة إلّا خياران ؛ إمّا أن يقضي على خصمه بالقتل ، أو يرضخ له.

وهذا ما حصل بالفعل.

١٥٤

نزل الشيخ وادي عن صهوة جواده بعدما أبهرته شجاعة الإمام ، وتقدّم نحوه مقبّلا حدوة فرسه ، قائلا له : «أنت ومذهبك على دين الحقّ».

منذ ذلك اليوم لم يجد القزويني نفسه إلّا وقبائل زبيد ـ في هذه المنطقة ـ بأكملها خاضعة له من الناحية الدينيّة ، بعد اعتناق زعيمها الشيخ وادي مذهب التشيّع.

قدّر العلّامة الميرزا حسين النوري عدد المعتنقين للشيعيّة بأنّه قارب مائة ألف شخص. وذكرت المس بيل Miss Gertrude Bell (ت : ١٣٤٦ ه‍ / ١٩٢٧ م) انّ تشيّع قبائل زبيد تمّ حدود سنة ١٢٤٦ ه‍ / ١٨٣٠ م على يد مجتهد كبير ، ما زال أحفاده يلعبون دورا هامّا في الحياة السياسيّة لمدينة الحلّة.

أمّا التاريخ الذي ذكرته بيل Bell في سنة تشيّع القبائل فهو تاريخ مقارب ، حيث كانت هجرة القزويني إلى الحلّة سنة ١٢٥٣ ه‍ / ١٨٣٧ م ، وبطبيعة الحال فإنّ تشيّع القبائل كان قد تمّ بعد هذا التاريخ.

أمّا قصة ظهور مرقد الحمزة فهي مقترنة بالجولات التي كان يقوم بها القزويني لضواحي مدينة الحلّة لارشاد الناس وتوجيهها ، وخلق منظومة ثقافيّة للنخبة ؛ حيث شهد ظهور المرقد في قصّة أثبتها العلّامة الأردوبادي في أوراقه التي كتبها عن الحمزة ، كما أثبتها نقلا عن الإمام القزويني نفسه ، رواية عن ولده أبي المعزّ السيد محمد القزويني.

مشهده الشريف

قال الأردوبادي : لسيدنا أبي يعلى الحمزة في أرض الجزيرة بين الفرات ، ودجلة من جنوب الحلّة السيفيّة مشهد معروف في قرية تعرف باسمه ، بمقربة من قرية (المزيديّة). وهو اليوم مركز ناحية (المدحتية) ، من نواحي قضاء الهاشمية.

١٥٥

وتؤمّ هذا المشهد الشريف جماعات كبيرة من المسلمين للتبرك به ، والزيارة له ، وتساق إليه النذور ، وتعزى إليه الكرامات ، تتناقلها الألسن ، ويتسالم عليها المشاهدون ، وتخبت بها النفوس.

وكان من ذي قبل يعرف بمشهد حمزة ابن الإمام موسى الكاظم (ع). وبما أنّ الثابت في التاريخ والرجال أنّ قبر (حمزة) المذكور في (الري) جنب مشهد السيد الأجل عبد العظيم الحسني (سلام الله عليه) ، وكان سيد العلماء والفقهاء المجاهدين سيدنا المهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٠٠ ه‍ بعد أن هبط الحلة الفيحاء ، وأقام بها عمد الدين ، وشيّد دعائم المذهب كان يمرّ بالمشهد المعظّم عند وفداته إلى بني (زبيد) لبثّ الدعوة الإلهية بينهم ، وهدايتهم إلى الطريقة المثلى ، ولا يزوره ، ولذلك قلّت رغبة الناس في زيارته.

فصادف أن مرّ به مرّة ، ونزل تلك القرية للمبيت بها ، فاستدعاه أهل القرية لزيارة (المشهد) ، فاعتذر بما قدّمناه ، وقال : «لا أزور من لا أعرف» ، ثم غادرها من غد إلى (المزيدية) ، وبات بها. حتى إذا قام للتهجد في أخريات الليل ، وفرغ منه ، وطفق يراقب طلوع الفجر ، دخل عليه داخل في زي علوي شريف من سادة تلك القرية ، وكان يعرفه سيدنا المهدي بشمائل الصلاح والتقوى ، فسلّم وجلس.

وقال : إستضفت أهل قرية الحمزة ، وما زرته.

قال : نعم ، ولم ذلك؟! فأجابه بما قدّمناه من جوابه لأهل القرية.

فقال له العلويّ المذكور : «ربّ مشهور لا أصل له» ، ليس هذا قبر حمزة بن موسى الكاظم (ع) كما اشتهر ، وإنّما هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الإجازة ، وأهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

١٥٦

فحسب سيدنا المهديّ أنّه أخذ ذلك عن أحد العلماء ، لأنّه كان من (عوام) السادة ، وأين هو من الاطلاع على الرجال والحديث؟! فأغفل عنه ، ونهض للفحص عن الفجر ، وخرج العلوي من عنده ، ثم أدّى فريضة الصبح ، وجلس للتعقيب حتى مطلع الشمس ، ثم راجع كتب الرجال فوجد الأمر كما وصفه الشريف الداخل عليه قبيل الفجر.

ثم ازدلف أهل القرية مسلّمين عليه ، وفيهم العلويّ ، المشار إليه ، فسأله السيد المهديّ عن دخوله عليه قبيل الفجر ، وإخباره إيّاه عن المشهد ، وصاحبه عمّن أخذه ، ومن أين لك ذلك؟ فحلف العلويّ بالله أنّه لم يأته قبل الفجر ، وأنّه كان بائتا خارج القرية في مكان سمّاه ، وأنه سمع بقدوم سيدنا المهدي فجاءه زائرا في وقته ، وأنه لم يره قبل ساعته تلك!

فنهض السيّد من فوره ، وركب لزيارة المشهد الشريف ، وقال وجبت الآن عليّ زيارته ، وإني لا أشكّ أنّ الداخل عليّ هو الإمام الحجّة (صلوات الله عليه).

وركب الطريق معه أهل المزيديّة. ومن يومئذ اشتهر المرقد الشريف بالاعتبار والثبوت ، وازدلفت الإمامية إلى زيارته ، والتبرك به ، والاستشفاع به إلى الله.

أخذنا هذا النبأ العظيم من كتاب (جنة المأوى) للعلّامة المحدّث النوري (رحمه‌الله) ملخّصا.

وبعد ذلك نصّ به سيدنا المهديّ ـ قدّس الله سرّه ـ في «فلك النجاة» ، وتبعه من بعده ؛ كالعلّامة النوري في «تحية الزائر» ، والحاج المولى هاشم الخراساني في «منتخب التواريخ» ، والعلّامة المامقاني في «تنقيح المقال» ، وشيخنا المحدّث القمي في «الكنى والألقاب» ، وغير هؤلاء (قدّس الله أسرارهم) (١).

__________________

(١) الأردوبادي ، المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى ، ص ٤٣.

١٥٧

يقول جودت القزويني : أروي عن السيد عبد الحميد القزويني المتوفى سنة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ؛ أنّ الرجل الذي زار السيد مهدي القزويني كان من أهل تلك المنطقة ، وعندما استدعاه القزويني ليسأله عمّن سمع ذلك ، استبطأ مجيئه. وبعد مضي ساعات طوال جيء بالرجل محمولا من قبل أولاده ، وقدماه تخطّان الأرض ، لا تكادان تحملانه. فعندما سأله السيد عمّا حلّ به علم أنّه منذ مدّة لا يقوى على الحركة لمرض أصابه ، ولم يخرج من داره إلّا تلبيّة لطلبه.

قال السيد القزويني له : أبشر بالشفاء. وفعلا فقد شفي الرجل من مرضه.

وذكر هذه الحكاية المحدث الميرزا حسين النوري في كتابه (جنة المأوى) ، ونقلها عن السيد صالح ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٠٤ ه‍ / ١٨٨٦ م ، قال : «حدّثني جماعة من الأفاضل الكرام ، والصلحاء الفخام ، منهم السيّد السند والحبر المعتمد ، زبدة العلماء الأعلام ، وعمدة الفقهاء العظام ، حاوي فنون الفضل والأدب ، وحائز معالي الحسب والنسب الميرزا صالح (دام علاه) ، ابن سيّد المحقّقين ، ونور مصباح المجاهدين ، وحيد عصره ، وفريد دهره ، سيّدنا المعظّم السيّد مهدي ، (أعلى الله مقامه ، ورفع في الخلد أعلامه) ، وقد كنت سألت عنه (سلّمه الله) أن يكتب لي تلك الحكايات الآتية المنسوبة إلى والده المعظّم التي سمعتها من الجماعة ، فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه ، مع ما هو عليه من الإتقان والحفظ والضبط والصّلاح والسّداد والاطّلاع ، وقد صاحبته في طريق مكّة المعظّمة ذهابا وإيابا فوجدته (أيّده الله) بحرا لا ينضب ، وكنزا لا ينفد ، فكتب إليّ مطابقا لما سمعته من تلك العصابة».

وذكر الميرزا النوري أنّه سمع هذه الكرامات شفاها من السيد مهدي القزويني ، وقال : «لم تكن هذه الكرامات منه ببعيدة ، فإنّه ورث العلم والعمل

١٥٨

عن عمّه الأجلّ الأكمل السيد باقر القزويني. وكان عمّه قد أدّبه وربّاه ، وأطلعه على الخفايا والأسرار ، حتى بلغ مقاما لا تحوم حوله الأفكار ، وحاز من الفضائل والخصائص ما لم تجتمع في غيره من العلماء الأبرار».

وذكر النوري أيضا أنّ السيد محمد القزويني ذيّل هذه الروايات بقوله : «سمعت هذه الكرامات الثلاثة سماعا من لفظ الوالد المرحوم المبرور عطّر الله مرقده» ، ثم ساق الحكايات الثلاثة.

وقد وقفت على نسخة الأصل التي أثبتها الميرزا النوري في (جنة المأوى) في بعض أوراق أبي المعزّ السيد محمد القزويني وهي في عشر صفحات ، مكتوبة بخط رديء ، وقد ذيّلها أبو المعزّ بما نصّه : (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وصحبه ، يقول الأقل الفقير إلى رحمة ربه محمد الحسيني القزويني ، إني قد رويت هذه الكرامات الثلاث سماعا من لفظ الوالد العلامة المرحوم (عطّر الله مرقده) ، ورويت الحكاية الأولى عن الصالح التقي الحاج علي علوش الحلي مستقلا ، وحرّر في رجب سنة ١٣٠٢ ه‍. وقد أمضاها بختمه (محمد الحسيني).

١٥٩

وقد أفاد النقل عن بعض علماء الإمامية أنّهم حظوا بملاقاة الإمام ـ عليه‌السلام ـ بما لا يحصل القطع بمعرفته إلّا بعد غيبته لوجود القرائن.

ومما يستحسن ذكره في هذا السياق ما كتبه السيد المهدي نفسه في كتابه المخطوط (آيات المتوسمين) حيث قال : «ربّما ظهر لبعض خواص الشيعة من العلماء الأعلام ، (وقد عدّ بعضهم) ، كما نقل ذلك الثقات من أصحابنا ممن شاهدناهم مشافهة. وربّما تيسّر لنا في بعض المواضع بما لا يحصل لنا الشعور بمعرفته إلّا بعد غيبته مما يحصل لنا القطع به ، لإجراء ما لا يجريه سواه ، ولا يقوم به إلّا إيّاه من بعض الكرامات في مسجد الكوفة ، وطريق كربلاء ، والحائر الشريف ، وغير ذلك مما لا يسع المقام ذكره.

الحمزة الشرقي

يعرف أبو يعلى الحمزة بن القاسم بالحمزة الغربي. أمّا الحمزة الشرقي فهو الشريف السيد أحمد المقدس بن هاشم بن علوي ـ عتيق الحسين ـ ابن الحسين الغريفي من آل أبي الحمراء ، ثم من بني علي الضخم ، المنتهي نسبه إلى محمد الحائري ابن إبراهيم المجاب ابن محمد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر ، وهو الجدّ الأعلى للسادة الغريفيّة البحرانية. وقد أطلعني صديقنا الفاضل الأستاذ الأديب هاشم محمد الموسوي الغريفي على (مشجّرة) كتبها بخطّه الجميل عند زيارتي له بالبصرة الفيحاء صيف عام ١٣٩٦ ه‍ / ١٩٧٦ م ، كتب عليها تعريف بالسيد أحمد المقدّس ، وهو كما يلي :

«أحمد المقدس ـ دفين لملوم القديم ـ له قبة ومزار ، ويعرف اليوم بالحمزة الشرقي ، ويعرف أيضا سبع (آل شبل). و (شبل) قبيلة من العرب ، و (لملوم) إسم مكان شرق (الشنّافية) على الطريق القديم ، أتى زائرا ، وقتله (الجبور) مع عياله وأطفاله». (اه).

١٦٠