كتاب المزار

السيد مهدي القزويني

كتاب المزار

المؤلف:

السيد مهدي القزويني


المحقق: الدكتور جودت القزويني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٢

عشر فرسخا قريب من الفرات» (١). مشيرا فيه إلى قول السيد مهدي القزويني في تعيين قبره.

ونينوى إسم يشترك فيه أكثر من مكان ، قيل إنّها إحدى القرى التي كانت بالطفّ من سواد الكوفة ، وموقعها شرقي بلدة كربلاء قريبة من نهر الفرات ، وقد درست الآن (٢).

وذكر سيد الخطباء البحّاثة الشهيد السيد جواد شبّر المقتول في سجون العراق سنة ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م في كتابه المخطوط «الضرائح والمزارات» : «مقام النبي يونس على شاطىء الفرات بالكوفة في المسجد المعروف بمسجد الحمراء. اشتهر بين الناس أنّه موضع دفن يونس النبي. ذكره المحدّث القمي في مفاتيح الجنان ، ولكن إعترف المجلسي أنّه لم يثبت دفنه هناك. وذكر السيد مهدي القزويني في «فلك النجاة» ، والبراقي في «تاريخ الكوفة» أنّه الموضع الذي نبذته هناك الحوت. وأمّا قبره فمعروف بالموصل». (انتهى كلامه رفع الله بالخلد مقامه) (٣).

وذكر المحقق السيد عبد الرزاق كمّونة تعليقا على نصّ السيد مهدي القزويني ما نصّه : إنّ المشهد الذي في الكوفة المنسوب إلى يونس بن متى قديم منذ عهد تمصير الكوفة. ففي بداية القرن السادس للهجرة كان مشهده مدرسة بالكوفة حوت مجموعة من الأساتذة ممن أحدث نهضة دينيّة (٤).

ويروى معتضدا بالأثر أنّ المشهد والمقام الذي في الكوفة على شريعة نهر الفرات (مما يقرب من مسجد الكوفة حدود ربع فرسخ شمالا) ـ هو الموضع الذي ألقته فيه الحوت ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين تظلّله عن حرارة الشمس.

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٣٧٨.

(٢) المقرّم ، زيد الشهيد ، ص ١٦٦.

(٣) شبّر ، الضرائح والمزارات ، ج ٢ ـ مخطوط.

(٤) مشاهد العترة الطاهرة ، ص ٢٠٨.

١٠١

وإلى جنب مقام يونس في الكوفة مسجد الحمراء ، ويعرف بمسجد النبي يونس ، وهو أحد المساجد الخمسة المباركة في الكوفة (١).

نقل لي الشيخ أسعد كاشف الغطاء أنّ المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي إنتدب جماعة لترميم المقام والمسجد وإعادة بنائه من جديد. وقد تمّ هدم المقام والمسجد نهاية سنة ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٩ م بشكل كامل ، ولم يبن حتى يومنا هذا.

ولا تخفى خسارة هذا التراث الفخم ، بمثل هذا العمل.

مشهد النبي يونس بين كفرا والجيّة

للنبيّ يونس مشهد في (كفرا) بلبنان ، وله مقام وقبّة. نقل الشيخ إبراهيم آل سليمان عن بعض العلماء أنّه قال : «نذره لا يخطىء» (٢).

وفي منطقة الجيّة التابعة لقضاء ساحل إقليم الخرّوب من الشوف ، والتي تبعد عن بيروت مسافة ثلاثة وثلاثين كيلومترا كشفت الحفريات عن حيّ روماني تبلغ مساحته أربعة آلاف متر مربع ، يحتوي على ثروة أثرية كبيرة.

وكانت هذه الأرض تعود لبعض المستثمرين عندما استحصل رخصة لتحويلها إلى أرض زراعية. وعندما باشر العمل بدت المكامن الأثرية بالظهور.

وقد تمّ العثور على قطعة فسيفساء طولها ثمانية أمتار ، وعرضها ستة ، (مساحتها الكلية تبلغ ثمانية وأربعين مترا مربعا) تمثل النبي يونس خارجا من بطن الحوت ، كما وردت قصته في التوراة. وقد أكّد خبير الآثار السيد أحمد نصر الله أنّ الموزاييك هذا يمثّل النبي يونس. مستندا على أنّ الصورة تظهر الرجل خارجا من بطن الحوت ، وكذلك المنطقة التي وجدت فيها القطعة

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٣٨٠.

(٢) بلدان جبل عامل ، ص ٥٦٢.

١٠٢

الأثرية تقع على بعد مائة متر عن مقام النبي يونس. ويعتقد أنّها كانت تشكّل أرضية لمركز عبادة ، لوجود بلاطة على مدخل المكان الذي كان الناس يدخلونه حفاة. وهذا دليل على قداسة المكان.

ويقدّر أنّ عمر هذه القطعة الأثرية يرجع إلى حدود ألفي عام باعتبار أنّ القطع النقدية البرونزية التي وجدت معها ، تعود إلى نهاية العهد الروماني.

وذكر الدكتور أنيس فريحة أنّ لفظ يونس من الألفاظ العربيّة المنقولة من الفعل المضارع (يؤنس) ، وهو تعريف لاسم النبي يونان ، الذي ابتلعه الحوت ثلاثة أيام ، ثم لفظه على هذا الشاطىء ، ويوجد تقليد لدى سائر البلدان الواقعة شرق البحر المتوسط ، مفاده أنّ الحوت أطلق النبي يونس على شاطىء كلّ منها ، لكنّ التسمية كانت من حظ الشاطىء اللبناني.

ويبدو أنّ فريحة عندما وضع هذا النصّ لم يكن قد تمّ اكتشاف معبد النبي يونس في منطقة الجيّة (١).

__________________

(١) طوني مفرّج ، موسوعة قرى ومدن لبنان ، ج ٩ ، ص ٧٦.

١٠٣

(١٥) النبي أيوب

النبي أيوب من ذرية إبراهيم الخليل ، عاش بين سنة ١٥٤٠ ـ ١٤٢٠ قبل الميلاد. وكانت بعثته حدود عام ١٥٠٠ قبل ميلاد السيد المسيح. وعرف قومه باسم (العموريين) ، وكانت بعثته في بلاد الشام (أرض حوران). وقد ذكر في القرآن الكريم أربع مرّات. قيل إنّ مكان وفاته بأرض حوران.

قال تعالى : (وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر)(١).

قال حرز الدين : يعرف مرقده بمرقد النبي أيوب بالقرب من أرض الرارنجيّة على يمين الذاهب من الكوفة إلى الحلّة (يبعد أربع فراسخ عن بابل في الجانب الشرقي للفرات. فهو يقع إذن شرقي الحلّة وغربي قرية الكفل).

علّق الشيخ حرز الدين على قول العلّامة القزويني : «الأصح إنّه مقامه الذي أجاب الله فيه دعوته» ـ بقوله : يقع هذا المقام المنسوب إلى أيوب ضمن ناحيّة القاسم قرب نهر الجربوعيّة (٢).

__________________

(١) سورة الأنبياء ، ٨٣.

(٢) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ١٧٣.

١٠٤

(١٦) موسى بن عمران

موسى بن عمران (من ذرية يعقوب بن اسحاق) ، أحد الأنبياء الخمسة من أولي العزم. بعث سنة ١٤٥٠ قبل الميلاد إلى الفراعنة ، وبني إسرائيل. ومكان بعثته مصر.

جاء بالتوراة ، الكتاب المقدس ، وهو كليم الله. توفي بأرض التيه كما أشتهر ذلك.

بعثه الله رسولا بشريعة بني إسرائيل ، وقد انقذته آسيا إمرأة فرعون من القتل الذي كان قد قرّره فرعون مصر لكلّ أطفال أمته. وهجر موسى مصر إلى مدين ، واتصل بشعيب ، وتزوج إبنته وأقام عند شعيب عشر سنين ، قبل أن يبعث نبيّا. وقد جاء ذكره كثيرا في القرآن الكريم في مائة وستة وثلاثين موضعا.

ويستفاد من بعض الأخبار ، بل جلّها أنّه توفي في التيه. وسئل النبي (ص) عن قبره فقال : «عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر» ، (كما نسب ذلك للعلّامة المجلسي في بحار الأنوار ، المجلّد الثالث عشر) وهذا الحديث المنسوب إلى النبي (ص) لا يقال فيه سوى أنّه أشبه ما يكون بالأحاديث التي لا توصل قارئها إلى نتيجة لابهامه أولا ، وعدم الوصل إلى هدف منه ثانيا. وتكثر مثل هذه المنقولات الرديئة في كتب التاريخ بشراهة بالغة ، وهي جزء من مشروع تهشيم التاريخ الاسلامي ، وإخفاء معالمه الواقعية.

١٠٥

وفي قرية (القدس) قبر معروف أنه قبر موسى بن عمران ، وهو الآن يزار من قبل الناس عامة.

وذكر الهروي أنّ بمدينة دمشق يوجد مشهد الأقدام به آثار أقدام في الصخر ، يقال إنّها أقدام الأنبياء ، ويقال إنّ القبر الذي به قبر موسى بن عمران ، وليس بصحيح ، والصحيح أنّ قبره لا يعرف (١).

ويوجد مشهد هارون في (خرطوم) من ساحل صيدا ، منسوب لهارون أخي موسى (ع) ، تزوره اليهود ، كما حكاه السيد محسن الأمين العاملي (٢).

__________________

(١) الاشارات إلى معرفة الزيارات ، ص ١٣.

(٢) خطط جبل عامل ، ص ١٥٦.

١٠٦

(١٧) النبي داود

النبي داود (من ذرية يهوذا بن يعقوب) بعث إلى بني إسرائيل عام ١٠١٠ قبل ميلاد السيد المسيح ، ومكان بعثته فلسطين. ورد ذكره في ستة عشر موضعا بالقرآن الكريم. توفي ببيت المقدس حيث مدفنه هناك. وقد عرف بالحكمة.

(١٨) النبي سليمان

سليمان ابن النبي داود ، من أنبياء بني إسرائيل ، بعث بفلسطين سنة ٩٧٠ قبل ميلاد السيد المسيح ، وورد ذكره في (١٧) موضعا بالقرآن. وقد عرف أنّه ورث الملك عن أبيه فكان نبيّا ملكا ، وعلّمه الله منطق الطير ، وسخّر الرياح والجنّ. وقصته مع أميرة سبأ معروفة.

أورد الحموي أنّ قبر سليمان في بيت لحم. كما ذكر في موضع آخر أنّ في بحيرة طبرية حجرا ناتئا يزعم أنّه قبر سليمان بن داود (؟!) (١).

ولسليمان مرقد مشيّد في جنوب العراق بمنطقة (الدير) في الجزيرة بين البصرة والقرنة ، وهو إلى البصرة أقرب. يقول حرز الدين : في عصرنا عليه قبّة صغيرة قديمة جدّا (٢).

__________________

(١) معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٨٠ ، ص ٣٢٣.

(٢) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ٣٧٢.

١٠٧

ونقل أنّ النبيّ سليمان توفي وهو متكىء على عصاه في محرابه ببيت المقدس ، أو في قصره.

(١٩) النبي زكريّا

النبي زكريا من ذريّة النبيّ سليمان ، من أنبياء بني إسرائيل بعث بمدينة فلسطين السنة الثانية للميلاد. ذكره القرآن في ثمانية مواضع. وهو الذي أشارت إليه الآية بأنّ رأسه اشتعل شيبا ، وطلب من ربّه ولدا يعينه على شيخوخته. توفي ببلاد الشام.

(٢٠) يحيى بن زكريا

يحيى بن زكريا ، من أنبياء بني إسرائيل بعث بفلسطين سنة ٢٨ للميلاد ، وتوفي بدمشق وورد ذكره في القرآن الكريم أربع مرّات.

(٢١) يوحنا الديملجي

يوحنا الديملجي من حواريي النبي عيسى (ع).

١٠٨

الفصل الخامس

في زيارة الشهداء

يستحب زيارة الشهداء من استشهد مع النبيّ ، وأمير المؤمنين ، والحسنين كشهداء بدر ، وشهداء أحد خصوصا حمزة سيد الشهداء في أحد (١).

وزيد بن صوحان في البصرة (٢). وعمار (٣) ، والهيثم (٤) ، وأويس القرني (٥) ، وابن بديل (٦) ونظرائهم في صفين.

وشهداء الحسين الذين في الحائر معه (٧) ، وما خرج كالعباس (٨) ، وحبيب (٩) ، والحر (١٠). ومسلم بن عقيل (١١) ، وهاني بن عروة (١٢) في الكوفة ، وعون ابن عبد الله بن جعفر (١٣).

ومثلهم زيارة منتجبي الصحابة في البقيع (١٤) وسلمان (١٥) وحذيفة (١٦) في المدائن ، وأبوذر في الربذة (١٧) ، وأصحاب أمير المؤمنين جملة في تلعة مسجد الحنّانة (١٨) من الغري ، وميثم التمّار في الكوفة (١٩). ورشيد الهجري (٢٠) في باب النخيلة من الكوفة ، وحجر بن عدي (٢١) ، وعبد الله بن عفيف (٢٢) في السّبخة ، وعمرو بن الحمق الخزاعي (٢٣) في أرض الموصل.

١٠٩

تعليقات الفصل الخامس

في تراجم الشهداء

(١) الحمزة بن عبد المطلب

سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، عمّ النبي محمد (ص). قتل في واقعة أحد. ومرقده في سهول جبل أحد ، أقبره النبي (ص) في أرض المعركة.

قال حرز الدين : كانت على قبره قبّة مبنيّة بالجصّ والحجر الثقيل ، وله مشهد يزار قديما وحديثا ، حتى جاء الوهابيون فهدّموا قبور أئمة البقيع في اليوم الثامن من شوّال سنة ١٣٤٢ ه‍ ، وقبر الحمزة ، ولم يبقوا من بقعته إلّا المسجد الأثري المعروف بمسجد المصرع (١).

وذكره السيد جواد شبر في «الضرائح والمزارات» بقوله : «هو عمّ النبي (ص) وأحد أعمدة الاسلام ، دفن بأحد على فرسخ من المدينة. وكانت شهادته في اليوم السابع من شوّال ، السنة الثالثة من الهجرة. ومن المأثور عن النبي (ص) أنّه كان يزور (قباء) يوم السبت ، وقبر الشهيد حمزة يوم الأربعاء من كلّ اسبوع» (٢).

__________________

(١) معارف الرجال ، ج ١ ، ص ٢٥٩.

(٢) الضرائح والمزارات ، ج ١ ـ مخطوط.

١١٠

(٢) زيد بن صوحان

زيد بن صوحان العبدي الكوفي. قيل إنّه استشهد بالبصرة في وقعة الجمل سنة ٣٦ ه‍ / ٦٥٦ م. كان من أعلام المسلمين وقادتهم. له مرقد قديم بمدينة البصرة في الطريق الذاهب إلى السيبة في قرية كوت الزين التابعة لقضاء أبو الخصيب (١).

(٣) عمار بن ياسر

عمار بن ياسر من أجلّة الصحابة. ذكرت الأخبار أنّه قتل في واقعة صفّين سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م ، وكان ابن الرابعة والتسعين.

مرقده بمنطقة الرقّة على شاطىء الفرات عامر مشيّد.

ونقل عن النبي محمد (ص) أنّه قال لعمّار بن ياسر : «ستقتلك الفئة الباغية».

(٤) أبو الهيثم التيهان

وردت في الأصل «الهيثم». ولم أهتد إلى من استشهد مع أمير المؤمنين علي (ع) من أصحابه ، وهو بهذا الاسم. ويبدو أنّ الصواب هو أبو الهيثم بن التيهان.

ربّما وقع ذلك من النسّاخ.

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ١ ، ص ٣١٨.

١١١

(٥) أويس القرني

أويس القرني أحد سادات التابعين ، ذكرت المصادر أنّه قتل مع الرّجالة في وقعة صفين سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م.

له مرقد بالرقّة عامر مشيّد. كما نسب له قبر في شوشتر ، وهي نسبة مستبعدة.

(٦) عبد الله بن بديل

عبد الله بن بديل الخزاعي كان من قادة الدولة الاسلامية. قيل إنّه قتل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في حربه مع معاوية بصفّين. وقتل معه أخواه محمد ، وعبد الرحمن.

(٧) شهداء كربلاء

نقلت كتب التواريخ أنّ عدد من استشهد من أهل البيت (ع) في كربلاء يتراوح بين ستة عشر رجلا ، وخمسة وعشرين. ذكر الشيخ المفيد أنّ شهداء بني هاشم كلّهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين (ع) في مشهده ، إلّا العباس. وليس لقبور أخوته وأهله أثر.

فأما أصحاب الإمام الحسين (ع) ممن قتل معه ، فإنّهم دفنوا حوله ، وليس لهم قبور ظاهرة ، وهم لا يخرجون عن محيط الحائر (١).

__________________

(١) الارشاد ، ص ٢٤٩.

١١٢

(٨) العباس بن الامام علي بن أبي طالب (ع)

أمّه فاطمة بنت حزام المشتهرة بأمّ البنين. لقّب «قمر بني هاشم» لصباحته ، كما كان يقال لعبد مناف «قمر البطحاء» ، ولعبد الله ، والد النبي محمد (ص) «قمر الحرم».

اشتهر العباس بلقب أبي الفضل ، وأبي القاسم. كما اشتهر عند العامة بباب الحوائج لاعتقادهم بكراماته. وكان بعض الأعلام يقدّم زيارته على زيارة أخيه الحسين (ع) لأنّه بابه في الحوائج ، ولا تقصد الدار من غير بابها.

يقول الشاعر السيد مهدي الأعرجي المتوفى سنة ١٣٥٩ ه‍ / ١٩٤٠ م ، بعدما قدّم زيارة العباس على أخيه :

قصدتك قبل ابن النبي محمّد

وأدمع عيني كالحيا في انسكابها

لأنّك في كلّ الحوائج بابه

وهل يقصدون الدار من غير بابها؟

وقبر العباس قريب من قبر أخيه الحسين (ع) ، ويقع بالجهة الغربية منه ، على بعد ما يقرب من ثلاثمائة متر فقط.

وقد اشتهرت بطولة العباس ، ودفاعه عن أخيه الامام في واقعة الطف ، حيث استشهد فيها ، وكان من قادة الاسلام الكبار.

١١٣

نقل أنّه شيّدت على قبره «سقيفة» بعد أربعة وثلاثين عاما ، ثم توالت عمليات إعمار المرقد وبنائه على مدى القرون ، حتى عصرنا هذا.

وبلدة كربلاء متراصّة بأبنيتها الأثرية ، وبيوتها ومدارسها القديمة ، ويتشكّل نسيجها المعماري من زخرفة بنائية تمتدّ بين ضريحي الامامين الحسين والعباس (ع).

وقد عمدت سلطة الاجرام بالعراق (التي تسلّطت منذ ١٧ تموز ١٩٦٨ م) ، إلى هدم جميع هذه الأبنية بما تحويه من آثار ، ومراقد ، ومدارس دينية ، وبيوت ذات قيمة تاريخية بحجّة التوسعة بين الضريحين.

(٩) حبيب بن مظاهر الأسدي

حبيب بن مظاهر الأسدي من الصحابة الذين سمعوا الحديث عن النبيّ (ص). قلت المصادر الشيعية أنّه أقام بالكوفة بعد حادث مقتل الامام علي (ع) ، وكان مع ولده الحسن ، ثم ولده الحسين (ع).

ولمّا قدم مسلم بن عقيل إلى الكوفة لازمه حبيب مع قادة الكوفة.

يقع قبره عند جهة رأس الحسين (ع).

١١٤

(١٠) الحر بن يزيد الرياحي

الحر بن يزيد الرياحي من أعيان التابعين ، وأشراف تميم. ذكر أنّه أرسل في كتيبة لاعتراض مسيرة الامام الحسين (ع) ، والحيلولة دون وصوله إلى الكوفة. ولمّا إلتقى بالامام ، كما تحكى المنقولات ، ندم وانصرف إلى معسكره ، وقاتل بين يديه حتى قتل فنقلته عشيرته حيث موضعه اليوم.

ومرقده يبعد تسع كيلومترات عن مدينة كربلاء على جهة الغرب ، وهو عامر مشيّد تعلوه قبّة ، ويحيط به فناء واسع ، يقصده الزوّار ، ويتبركون به.

١١٥

قال السيد محمد القزويني فيه :

إذا ما جئت مغنى (الطفّ) بادر

لمثوى (الحرّ) ويحك بالرواح

وزر مغناه من قرب ، وأنشد

(لنعم الحرّ حرّ بني الرياح)

وكان أحد الأدباء ، قيل إنه من آل الأعسم قد داعب أبا المعزّ السيد محمد القزويني ، عندما همّ لزيارة الحرّ الرياحي ، مخاطبا إيّاه بهذا البيت المفرد :

أشر (للحرّ) من بعد ، وسلّم

(فإنّ الحرّ تكفيه الاشاره)

فأجابه القزويني :

زر (الحرّ) الشهيد ، ولا تؤخّر

زيارته على الشهداء قدّم

ولا تسمع مقالة من ينادي

(أشر للحرّ من بعد وسلّم)

ويلاحظ جمالية هذه الحلبة الشعرية ببراعة استهلالها الذي لا يمكن أن يرقى إليه جواب.

١١٦

(١١) مسلم بن عقيل

مسلم بن عقيل بن أبي طالب. أحد أعمدة الاسلام ، وقادته الكبار. صوّرته المنقولات أنّه سفير الامام الحسين (ع) إلى أهل الكوفة. وألصقت به الكثير من التحريف والتزوير.

فقد ذكرت الأخبار أنّ ثلاثين ألف مقاتل بايعوه وعندما جاء إليهم خذلوه. وقد درسنا قصّة مسلم بن عقيل في كتابنا «المؤسسة الدينيّة الشيعيّة» دراسة مفصّلة ، ظهر فيها زيف المنقولات التي تسرّبت إلى كتب التاريخ ، وغطّت على حقائق الأشياء ، وواقعيتها.

ومرقده عامر مشيّد بمدينة الكوفة جنب المسجد الأعظم ، متصل بركنه الشرقي الجنوبي.

وقد وقف المؤرّخ الشيخ محمد حرز الدين على بعض آثار مرقد مسلم بن عقيل ، منها : بقية شباك قديم كان قد وضع على قبره ، مصنوع من الحديد الصفر ، وشباك آخر يعود تاريخه إلى سنة ١٠٥٥ ه‍ / ١٦٤٥ م (١).

نقل أنّ الامام الحسين (ع) وجّه مسلما إلى الكوفة ليأخذ البيعة له من أهلها ، فخرج من مكة منتصف شهر رمضان سنة ٦٠ للهجرة.

اكتشف والي الكوفة عبيد الله بن زياد مكانه بالكوفة فقبض على هاني بن

__________________

(١) مراقد المعارف ، ج ٢ ، ص ٣٠٩.

١١٧

عروة ، وخرج مسلم قبل موعده ، وحاصر قصر الامارة لكنّ قواته تفرّقت ، وانفضّ أصحابه من حوله ، وبقي مسلم وحيدا يجوب شوارع الكوفة ، فلجأ إلى بيت إمرأة إسمها (طوعة) آوته ، ودافعت عنه ، وحين علم إبنها (بلال) بوجود مسلم في الدار أفشى خبره لوالي الكوفة ، فأرسل قوّة هاجمت ابن عقيل ، وأسرته.

قيل : إنّ إبن زياد قتله مع رفيقه هاني بن عروة ، وأمر بقطع رأسيهما ، وأرسل بهما إلى يزيد بن معاوية. كما أنّ جثتيهما سحبتا بأسواق الكوفة.

وقد بيّنا تهافت هذه الرواية جملة وتفصيلا فيما كتبناه عن مسلم بن عقيل. فليطلب هناك.

١١٨

(١٢) هاني بن عروة

هاني بن عروة المرادي من قبيلة مذحج العربية ، من زعماء الاسلام. أدرك النبي (ص) وصحبه. وفي رواية مسلم بن عقيل عندما جاء إلى الكوفة اتخذ منزل هاني مقرّا له.

وقد ذكرت المرويات التي أصبحت من المسلّمات لدى طبقات الشيعة أنّ أمر هاني بن عروة انكشف لوالي الكوفة عبيد الله بن زياد في الاعداد للثورة مع مسلم بن عقيل ، الأمر الذي دعا إلى إلقاء القبض عليه وسجنه. ويستفاد من النصوص أنّ معارك طاحنة كانت قد وقعت بين الطرفين قبل أن يلقى القبض على ثوّار العلويين.

قتل هاني وهو ينيف على التسعين عاما. هكذا حكت الأخبار.

ويقع مرقده خلف مسجد الكوفة ، وقد أجريت عليه تعميرات متتالية. وهو اليوم عامر مشيّد.

١١٩

(١٣) عون بن عبد الله الطيّار

عون بن عبد الله بن جعفر الطيّار ، أمّه زينب بنت الامام علي بن أبي طالب (ع)

ذكر المحقق السيد عبد الرزاق كمونة : أنّ قبره يبعد عن مدينة كربلاء مسيرة فرسخ واحد على طريق المسيّب. واعتمد في تعيين المرقد الطاهر على ما أورده الامام المصنّف السيد مهدي القزويني أنّ قبر عون بن عبد الله بن جعفر خارج الحائر الشريف (١)

وقد شكك بعض الباحثين في نسبة المشهد إلى صاحبه ، حيث قيل إنّ المشهد هو لسميّه عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن حسن البنفسج بن علي المصفح ابن ادريس ابن داود بن أحمد المسوّر (وكان يسور في الحرب) ابن عبد الله الصالح ابن موسى الجون ابن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى ابن الامام الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، من علماء الحائر الشريف ، وله هناك مكانة مرموقة.

كانت له ضيعة في المكان الذي أقبر فيه فيما بعد ، فكان يقيم فيها مدّة في الحائر ، وقد أدركته الوفاة في المدّة التي أقام فيها في ضيعته ، فدفن حيث قبره الآن. نصّ على ذلك ابن مهنّا في (التذكرة ـ مخطوط).

__________________

(١) مشاهد العترة الطاهرة ، ص ١٨١.

١٢٠