كتاب تاريخ أصبهان - ج ١

أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق [ أبي نعيم الإصبهاني ]

كتاب تاريخ أصبهان - ج ١

المؤلف:

أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق [ أبي نعيم الإصبهاني ]


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد ...

لقد أخذت مصنفات التاريخ في سير العلماء والمحدثين ، ورواة الحديث منذ جيل الصحابة وحتى آخر جيل التأريخ والذي يعتبر فيه الحافظ ابن حجر آخر مؤرخ على هذا الدرب الذي بدأه أجلة المؤرخين في سير وتراجم الرجال مثل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وأمثالهما من الأئمة في هذا الفن .. ـ أخذت هذه المصنفات مكانا غاية في الأهمية بين مصنفات التعريف بأحوال الرجال ..

ولقد كان الحافظ أبو نعيم من أشهر المصنفين في هذا المضمار وقد سبقه على هذا الدرب شيخه الجليل أبو الشيخ حيث صنف كتابه القيم «طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها».

وقد صنف أبو نعيم في غير مجال التاريخ مثل كتاب الإمامة ، والطب النبوي وفضل السواك .. وغير ذلك.

لكني أردت التنبيه على أهمية مؤرخاته في أحوال الرجال ومروياتهم.

ولما كان كتاب «تاريخ أصبهان» والمعروف باسم «ذكر أخبار أصبهان» من أهم هذه الكتب واعظمها فائدة فقد كان للعمل فيه قيمة خاصة ..

ولقد عزم الأخ الفاضل سيد كسروي على إخراج الكتاب بصورة مفيدة نظرا لندرة وجوده في هذه الحقبة الزمنية حيث كانت آخر طبعة له سنة ١٩٣٤ م ـ وهي

٣

الطبعة المشهورة في ليدن. ولقد احتجنا نحن للكتاب فعلا أثناء تحقيق كتاب طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ فلم نعثر على شيء منه إلا أننا استعنا بالنسخة الموجودة عند الشيخ حامد إبراهيم كمرجع وهكذا تبلورت فكرة تحقيق الكتاب للأخ الفاضل سيد كسروي وإخراجه لأهميته الشديدة .. خاصة وأن كثيرا من التراجم فيه قد اقتبسها أبو نعيم من أبي الشيخ صاحب كتاب «طبقات الأصبهانيين».

والحقيقة أن الأخ سيد قد قام بجهد خارق في تخريجات التراجم من موسوعة الشيخ الفاضل حامد إبراهيم «موسوعة الرجال» مما أثرى الكتاب بكم وفير من المراجع والمعلومات الهامة إضافة لما فيه.

ولم يكتف بهذا لكنه قام بفهرسة تراجم الكتاب هجائيا لزيادة الاستفادة به وأضاف فهارس لأطراف أحاديث الكتاب لرفع قيمة الاستفادة بمسندات أبي نعيم خاصة وأنه يروي الأحاديث فيه بإسناده الخاص كاملا ..

والله تعالى أسأله أن يجعل هذا العمل متقبلا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين ، وأن يختم لي وله بخاتمة الإسلام والسعادة ومن قرأه أجمعين ..

كتبه :

دكتور عبد الغفار سليمان البنداري

في : ١٤ شوال / ١٤٠٨

٣٠ مايو / ١٩٨٨

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

الحمد لله حمدا تهتزله النفوس ... وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القدوس ... خلق الخلق ليعبدوه فانحرف أكثرهم عن طريقه ولم يوحدوه ... وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ... بلغ رسالته كما أمر وجاهد فيه حتى أتاه اليقين ... فصلى الله عليه وعلى النبيين وآلهم أجمعين ... وجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته.

أما بعد فهذا كتاب ذكر أخبار أصبهان لمؤلفه الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني المتوفى سنة ٤٣٠. أقدمه لاخواني الباحثين راجيا من الله الفضل والعفو والثواب وقد كان الدافع لدى مؤلفه رحمه‌الله من تأليف هذا الكتاب هو طلب بعض تلاميذه أن يصنف لهم كتابا على غرار من سبقه من العلماء في هذا الفن من العلوم الإسلامية الهامة.

فكان أن جاء هذا الكتاب الجامع لكثير من رواة الأحاديث وذكر كثيرا من أخبارهم وأحوالهم وأنواعا من مروياتهم فأزاح بهذا العمل الجليل الستار عن كثير من الرواة الذين لم يترجم لهم سواه.

ويعد هذا الكتاب أصلا ومرجعا هاما حيث ترجم لكثير من الرجال الذين يعز وجودهم في غير هذا الكتاب.

وبذا يكون أصلا في التعريف بهم نقل عنه من جاء بعد أبي نعيم مثل الذهبي

٥

في كتابه السير والعبر وغيرها وابن حجر في مصنفات الرجال. وكذا نقل عنه كثير من علماء الجرح والتعديل كابن أبي حاتم وغيره.

وخطته أن يذكر اسم الرجل ومتى قدم أصبهان ومتى خرج منها ومتى توفي وإن أمكن متى ولد ومتى حدث.

ومن حدث عنهم ومن حدثوا عنه ... إلى آخر ذلك من علوم الرجال مع نماذج من مروياتهم ويتكلم فيهم بالتعديل والتجريح إن وجد إلى ذلك سبيلا.

وسوف ترى إن شاء الله خلال مطالعتك له أن كثيرا جدا من رواته لم أقف لهم على ترجمة فيما سواه على الرغم من كثرة عدد الكتب التي قدر الله أن تكون تحت يديّ أثناء تخريجه والبحث عن تراجمهم إلا أنك قد تجد تراجم لبعضهم في بعض الكتب التي لم تيسر لي أو يكون قد جانبني الصواب في استخراج بعضهم فهذه طبيعة الإنسان.

ومما يجدر ذكره في هذا المقام أنه :

لما كان هذا الكتاب قد شاع اسمه بين العلماء بأنه تاريخ أصبهان أحببت أن أجعل هذا الاسم عنوانا له لاشتهاره عن الاسم الأصلي للكتاب وهو ـ ذكر أخبار أصبهان ـ.

ومما شجعني على ذلك أنني وجدت أن الحافظ الذهبي ذكره باسم «تاريخ أصبهان» في التذكرة (١٠٩٧) وكذلك السبكي في طبقات الشافعية (٤ / ٢٢) والبغدادي في هدية العارفين (١ / ٧٤).

والكتاني في الرسالة المستطرفة (١٣١) والحافظ ابن حجر في لسان الميزان وهكذا وجدتهم رحمهم‌الله يشيرون إليه بأنه كتاب «تاريخ أصبهان» فأحببت أن يكون الاسم الأشهر هو العنوان الخارجي للكتاب مع الاحتفاظ باسمه الحقيقي في أول المقدمة وفي هذه الإشارة ، وفي الغلاف أيضا بين قوسين.

وقد كان دافعي في تخريج الكتاب هو قيمته العلمية العالية وندرة وجوده في المكتبات وكنت قد احتجت إليه حين العمل في مخطوط «طبقات المحدثين بإصبهان والواردين عليها» لأبي الشيخ الأنصاري وعند بحثي عنه لم أجده إلا في مكتبة

٦

«المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم» لصاحبها فضيلة الشيخ حامد إبراهيم ـ الذي وهبها لله سبحانه وتعالى سائلين الله أن يجعلها في صحيفة حسناته آمين ـ فعقدت العزم على تخريجه بأسرع وقت ليتوفر لطالبيه لأهميته العظيمة وحاجة الباحثين إليه مستخدما في ذلك موسوعة رجال الحديث التي أعدها فضيلة الشيخ حامد وهي ما زالت مخطوطة.

ولا شك أن كل إنسان مهما أوتي من علم ومهما طالت به الهمة فلابد أن يقصر عن الكمال وهذه سنة الله في خلقه.

فإن كان هناك بعض الأخطاء الرقمية ـ ولابد ـ في الموسوعة فلا يعزى ذلك إلى تقصير ولا إلى تفريط ولكن إلى ضعف الإنسان الذي أودعه الله فيه وليعلم أنه «وفوق كل ذي علم عليم» وأنه «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» وأنه سبحانه «لا تأخذه سنة ولا نوم» سبحانه وتعالى له الكمال المطلق.

وقد وجدت كثيرا من إخواني الباحثين أحجم عن تحقيقه نظرا لقلة تراجم رجاله ومراجعهم.

وقد شجعني على ذلك أكثر وجود مخطوط «طبقات المحدثين» الذي قمت مع الأخ الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري بتحقيقها في أربعة أجزاء مع ترقيم أعلامها وفهرستهم فساعد ذلك على الإقلال من حجم الرجال الذين لم يترجم لهم غيره.

ومن المعلوم أن أبا نعيم أدخل في كتابه «الأخبار» جل الرجال الذين ترجم لهم أبو الشيخ في كتابه الطبقات نقلا عنه وكثيرا ما ينقل قول أبي الشيخ في ترجمة الرجل نصا وهو يمثل تقريبا أكثر من ثلث كتاب أخبار أصبهان.

وقد سبب الله سبحانه لكتاب «الطبقات» أن يخرج إلى النور وحيز الطباعة في هذا الوقت فأحببت أن تكون الفائدة كاملة فأخرجت كتاب «الأخبار» متزامنا معه.

ولتكون الفائدة شبه كاملة ترجمت للبلاد التي وردت في الكتاب حيث لم نتعرض لها في كتاب «طبقات المحدثين بإصبهان».

وعقدت العزم بمشيئة الله سبحانه وتعالى أن ألحق به فهارس لأطراف أحاديثه التي تزيد عن ألفين وخمسمائة حديث مرتب على أطراف الأحاديث ليسهل على المطلع عليه أو الباحث فيه أن يهتدي إلى بغيته منه في سهولة ويسر.

٧

ويعد هذا الكتاب من أقيم كتب الرجال ويعتبر أيضا كتابا من كتب السنة لما حواه من هذا الكم من الأحاديث.

وحقا إن هذا الكتاب لا يستغني عنه باحث في علم الرجال ويجب أن يقتنيه كل مشتغل بهذا العلم.

والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم المعين سائله سبحانه أن يغفر لنا الذنوب ويستر منا العيوب ويفرج عنا الكروب وأن يثقل به الميزان وأن يحسن لنا الختام إنه نعم المولى ونعم المجيب وأن يغفر لوالدي برحمته آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المحقق

سيد كسروي حسن

القاهرة في يوم الاثنين ٣٠ رمضان سنة ١٤٠٨

١٧ / ٥ / ١٩٨٨

٢٠ ش محمود عبد الرشيد مدينة شلبي ـ المطرية ـ القاهرة

٨

شكر ... وتقدير

الحمد لله .. ثم الحمد لله .. ثم الحمد لله.

وأشهد أن لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه وأصلي وأسلم على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومن والاه ... وبعد.

فإنني أشكر الله عزوجل أولا وقبل كل شيء الذي وجهني إلى هذا العمل وأسأله تعالى أن يجعله سبيلا إلى جنته ورضوانه.

ثم من منطلق شرعي حيث أمرنا أن نشكر من كانوا سببا في سعادتنا أو مساعدتنا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» (١) وقوله «من صنع إليه معروف فقال لفاعله : جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء» (٢) ولا يسعني وأنا في هذا المقام إلا أن أتقدم بالشكر للأخ الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري الذي أخذ بيدي إلى هذا الطريق الذي هو من أنبل الطرق إلى خدمة كتب السنة وتحقيق الغاية من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه فأداه إلى من هو أحفظ منه فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ...» (٣) فالله أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم نلقاه بفضله وكرمه إنه نعم المولى ونعم المجيب وأن يختم لنا وله بالصالحات كما أدعو الله من كل قلبي بأن يبارك لنا في

__________________

(١) رواه الترمذي في سننه (٣ / ٢٢٨) عن أبي هريرة مرفوعا وقال : حديث صحيح.

(٢) رواه الترمذي تحت رقم (٢٠٢٦) عن أسامة بن زيد مرفوعا وقال : حديث حسن صحيح.

(٣) رواه الدارمي (١ / ٧٥) وصححه ابن حبان (٧٢ ، ٧٣).

٩

شيخنا الفاضل فضيلة الشيخ حامد إبراهيم الذي وهب مكتبته «مكتبة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم» لخدمة الإسلام والمسلمين في جميع فروع العلم وخص بذلك العلوم الشرعية فقد كان له بعد الله سبحانه وتعالى عظيم الفضل حيث استعنت في تخريج جميع الرجال من الموسوعة التي أعدها فضيلته لرجال الحديث كما بينت ذلك في المقدمة.

فأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزي هذا الرجل عني وعن كل مسلم خير الجزاء وأن يبارك لنا في عمره إنه سبحانه واسع الكرم عظيم الأجر وأن يغفر له ما لا نعلم وأن يختم لنا وله بالصالحات آمين آمين آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

١٠

ترجمة المؤلف

٣٣٦ ـ ٤٣٠

اسمه ونسبه :

هو : أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني (١).

وقد ذكر أبو نعيم بنفسه في كتابه الأخبار هذا أن أول من أسلم من أجداده هو مهران (٢).

وذكر أن أباه توفي في رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة ودفن عند جده من قبل أمه محمد بن يوسف البناء (٣) الصوفي بمقبرة روشاباذ.

بلده :

من المعلوم أن بلده إصبهان وهو المؤرخ لها والتي أسهب في شرح فضائلها وهذه جبلة في الإنسان أنه يحب الخير لبلده وخصوصا إذا كان المتحدث عنها هو النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الصادق المصدوق.

وقد خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كل فن ما لم يخرج من مدينة من المدن وعلى الخصوص في علو الإسناد فإن أعمار أهلها تطول ولهم مع ذلك عناية وافرة بسماع الحديث وبها من الحفاظ خلق لا يحصون ولها عدة تواريخ (٤).

__________________

(١) تذكرة الحفاظ (١٠٩٢).

(٢) أخبار أصبهان (١٠٦٤).

(٣) أخبار أصبهان (١٤٤٠).

(٤) معجم البلدان (١ / ٢٠٩).

١١

أصله :

أصله فارسي كان جده الأعلى مهران مولى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (١).

ولادته :

حسب كثير من المصادر كانت ولادته في شهر رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة [٣٣٦](٢).

نشأته :

نشأ في بيت علم حيث ذكر ذلك في ترجمته لأبيه فيظهر منها أنه محدث وكان علما من أعلام البلد ومحدثا من محدثيها وقد تلقى عنه العلم عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران (٣) وقد علمت فيما سبق أن أصبهان من أكبر البلاد جمعا للعلماء والمحدثين وقد استفاد من علم أبيه ومن سماعه من شيوخ بلده وقد وهبه الله ذاكرة قوية وحافظة متقنة فأدى ذلك كله إلى نبوغه في العلم (٤).

وقال الذهبي إن مشايخ الدنيا أجازواله سنة نيف وأربعين وثلاث مائة وله ست سنين.

وفاته :

توفي في [٢٠] من المحرم سنة [٤٣٠](٥) عن أربع وتسعين سنة وهذا هو الأرجح.

وقرر ابن الصلاح أن وفاته كانت في ٢٨ صفر (٦).

وذكر ابن كثير أن وفاته كانت في ٢٨ محرم (٧) من سنة [٤٣٠].

وذكر ابن الجوزي أن وفاته كانت في ١٢ محرم (٨).

__________________

(١) أخبار أصبهان (١٠٦٤).

(٢) طبقات الشافعية (٤ / ١٨).

(٣) أخبار أصبهان (١٠٦٤).

(٤) تذكرة الحفاظ (١٠٩٢).

(٥) معجم البلدان (١ / ٢١٠).

(٦) علوم الحديث (٣٤٨).

(٧) البداية والنهاية (١٢ / ٤٥).

(٨) المنتظم (٨ / ١٠٠).

١٢

وأصبح واضحا أن سنة الوفاة غير مختلف فيها وأن الفارق بين الوفيات لا يتجاوز الشهر.

وحدد ابن ياقوت موضع دفنه فقال دفن بمردبان (١).

وصفه والثناء عليه :

قال الخطيب البغدادي : لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين هما : أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدي الأعرج (٢).

قال ابن خلكان : الحافظ المشهور صاحب كتاب حلية الأولياء كان من أعلام المحدثين وأكابر الحفاظ الثقات أخذ من الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به (٣).

قال الذهبي : الحافظ الكبير محدث العصر الصوفي الأول (٤).

قال السبكي : الإمام الجليل الحافظ الصوفي الجامع بين الفقه والتصوف والنهاية في الحفظ والضبط ... أحد الأعلام الذين بين العلو في الرواية والنهاية في الدراية (٥).

قال ابن النجار : هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين (٦).

قال ابن مردويه (٦) : كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء وكان لا يضجر ولم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع.

قال حمزة بن العباس العلوي (٦) : كان أصحاب الحديث يقولون بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ولا أحفظ.

وكانوا يقولون لما صنف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعمائة دينار.

__________________

(١) معجم البلدان (١ / ٢١٠).

(٢) تذكرة الحفاظ (١٠٩٣).

(٣) وفيات الأعيان (١ / ٩١).

(٤) وفيات الأعيان (١ / ٩١).

(٥) طبقات الشافعية (٤ / ١٨).

(٦) طبقات الشافعية (٤ / ٢١).

(٦) طبقات الشافعية (٤ / ٢١).

(٦) طبقات الشافعية (٤ / ٢١).

١٣

الناقدون وسبب نقدهم :

قال السبكي بعد أن ذكر جزء محمد بن عاصم التي اتخذها من نال من أبي نعيم رحمه‌الله ذريعة إلى ذلك :

طعن بعض الجهال الطاعنين في أئمة الدين فقالوا إن الرجل لم يوجد له سماع بهذا الجزء وهذا الكلام سبة على قائله فإن عدم وجدانهم لسماعه لا يوجب عدم وجوده وإخبار الثقة عن نفسه بسماع نفسه كاف. ثم ساق الأدلة على ذلك وأفاض.

مذهبه في الاعتقاد :

قال ابن الجوزي : كان يميل إلى مذهب الأشعري في الاعتقاد (١) قلت : هو صوفي أشعري أما دعوى أنه شيعي فهي دعوى لا أساس لها وقد ذكرها الخونساري في روضات الجنات (٢) لمجرد كسب عالم ثقة إلى صف الشيعة لتعزيز مذهبهم الخرب.

مذهبه في الفروع :

كان شافعي المذهب وقد ذكره السبكي في طبقات الشافعية ونقلت عنه ذلك الثناء والرد.

وقد كان أبو نعيم يوافق السبكي في أمور ثلاث هي :

الصوفية ... والشافعية ... والأشعرية.

شهرته ومنزلته :

قد أتاح لأبي نعيم طول عمره مع قوة ذاكرته شهرة ومنزلة نادرة المثال وقد كان عالي الإسناد.

وقد سبق أن بينت أنه وصف بالحفظ والعلم والفقه وكان كثير الرحلات في طلب العلوم.

وقد كانت أشعريته سببا في نجاته من القتل لأنه كان ممنوعا من دخول المسجد

__________________

(١) المنتظم (٨ / ١٠٠).

(٢) روضات الجنات (٧٤ ، ٧٥).

١٤

الجامع الذي حدثت فيه المقتلة العظيمة يوم الجمعة أيام السلطان محمود سبكتكين ولذلك قصة انظرها في طبقات الحفاظ (١).

رحلاته :

رحل أبو نعيم كما رحل غيره في طلب الحديث فرحل إلى بغداد ومكة والبصرة والكوفة ونيسابور ولقي في كل بلد الأئمة الذين كانوا فيها وسمع منهم كما ذكره السبكي من قبل.

فقد رحل أبو نعيم من أصبهان إلى الأندلس وحقا لقد كان جديرا بأن يكون راوية عصره وسمع أيضا بآمل فلو أنك ذهبت بخيالك وتصورت خريطة الرحلة التي سارها أبو نعيم من آمل إلى الأندلس لأيقنت أنه من جهابذة الحفاظ ومن المجتهدين طلاب الآخرة وكلنا يعلم مشقة السفر في الوقت الحاضر فما بالك بالماضي الذي لم يكن لهم فيه وسيلة للتنقل سوى الدواب.

سعة علمه :

ألم أبو نعيم بكثير من فنون العلم فمن ذلك أنه كان محدثا ومؤرخا ومفسرا وفقيها وقارئا وقد ذكره ابن الجوزي في غاية النهاية في طبقات القراء (١ / ١٧٠) بأنه روى القراءات سماعا عن سليمان بن أحمد الطبراني وروى عنه هذه القراءات سماعا أبو القاسم الهذلي.

شيوخه :

لأبي نعيم شيوخ كثيرون لا يتسع المقام لذكرهم ولكن نذكر بعضا من شيوخه وبعض الذين سمع منهم كما جاء في طبقات الشافعية (٢).

١ ـ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الأنصاري.

٢ ـ أبو أحمد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري صاحب التصانيف.

__________________

(١) طبقات الشافعية (٤ / ٢١ ، ٢٢).

(٢) طبقات الشافعية (٤ / ١٨ : ٢٠).

١٥

٣ ـ أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن فارس.

٤ ـ عبد الله بن الحسن بن بندار.

٥ ـ المعمر بن عبد الله بن عمر بن شوذب.

٦ ـ أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير أحد الأئمة المعروفين وصاحب التصانيف.

٧ ـ أحمد بن معبد السمسار.

٨ ـ القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن العسال.

٩ ـ خيثمة بن سليمان الطرابلسي.

١٠ ـ أحمد بن إبراهيم الكندي.

١١ ـ أبو العباس الأصم.

١٢ ـ عيسى بن محمد الطوماري.

١٣ ـ أبو بكر بن الهيثم الأنباري.

١٤ ـ فاروق بن عبد الكريم الخطابي.

١٥ ـ أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي.

تلاميذه :

ومن تلاميذه

١ ـ أبو بكر الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد وهو من أخص تلامذته قد رحل إليه وأكثر عنه.

٢ ـ كوشيار بن لياليروز الجبلي وتوفي قبله ببضع وثلاثين سنة.

٣ ـ سليمان بن إبراهيم الحافظ.

٤ ـ هبة الله بن محمد الشيرازي.

٥ ـ مستمليه أبو بكر محمد بن إبراهيم العطار.

٦ ـ أبو بكر بن أبي علي الذكواني وتوفي قبله بإحدى عشرة سنة.

٧ ـ أبو سعد الماليني توفي قبله بثماني عشرة سنة.

٨ ـ القاضي أبو علي الوخش.

٩ ـ أبو الفضل حمد وأبو علي الحسن ابنا أحمد الحداد.

١٠ ـ أبو صالح المؤذن.

١٦

وروى عنه خلق كثير آخرهم وفاة أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الدشيخ (١).

مصنفاته :

لأبي نعيم مصنفات كثيرة نذكر منها بعضا مما جاء في الرسالة (١) المستطرفة للكتاني :

١ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.

٢ ـ كتاب الإمامة.

٣ ـ الطب النبوي.

٤ ـ عمل اليوم والليلة.

٥ ـ معرفة الصحابة.

٦ ـ معجم الشيوخ.

٧ ـ فضائل الخلفاء الأربعة.

٨ ـ فضل السواك.

٩ ـ مسلسلات أبي نعيم.

١٠ ـ المستخرج على كتاب علوم الحديث للحاكم.

١١ ـ أربعون حديثا منتقاة.

١٢ ـ فضل السواك.

١٣ ـ مستخرج أبي نعيم على التوحيد لابن خزيمة.

١٤ ـ تاريخ أصبهان وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا الآن وقد ذكره كثير من العلماء بأنه تاريخ أصبهان أما عنوان المؤلف فهو ذكر أخبار أصبهان.

١٥ ـ تثبيت الرؤيا لله.

ومما جاء في تذكرة الذهبي (٢) :

١٦ ـ معجم الصحابة.

١٧ ـ صفة الجنة.

١٨ ـ المستخرج على البخاري.

__________________

(١) انظر الرسالة المستطرفة ص (٣١ ، ٤٦ ، ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٨٣ ، ٩١ ، ٩٤ ، ١٠٢ وغير ذلك).

(٢) انظر طبقات الحفاظ للذهبي (١٠٩٧).

١٧

١٩ ـ المعتقد.

٢٠ ـ المستخرج على مسلم.

ولم نشأ أن نستقصي كتبه لكثرتها فاكتفينا بذكر ما سبق ومن المعلوم أن أبا نعيم من أشهر المصنفين في هذه الفنون ومما يزيد تصنيفه أهمية أنه يسوق كل أخباره المجموعة في تلك المصنفات بالإسناد الكامل .. لذا وجب التنبيه على هذه الفائدة ، والإشارة إليها في هذا الموضع.

١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

عونك يا لطيف

قال الشيخ الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الإصبهاني الحمد لله ربّ العالمين ومبدع السموات والأرضين موقّت الآجال والأعمال ومحصي الأقوال والأفعال العظيم الكامل امتنانه الحليم الشامل إحسانه [الذي] لا منال للخيرات إلّا بمعونته ولا مدفع للبليّات إلّا بمغوثته مبلّغ الكهول والشيوخ ومسدّدهم بالعقول إلى الوصول والرسوخ وصلّى الله على سيّد المرسلين محمّد المبعوث بالبركات وعلى جميع النبيّين أفضل الصلوات وعلى التابعين من عترته وصحابته أكرم التحيّات.

أمّا بعد فإنّ بعض الإخوان رعاهم الله سأل الاحتذاء بمن تقدّمنا من السلف ورواة الحديث في نظم كتاب يشتمل على أسامي الرّواة والمحدّثين من أهل بلدنا بلد إصبهان (١) ممّن حدّث بها ويضاف إلى ذكرهم من قدمها من القضاة والفقهاء مقدّما طرفا

__________________

(١) إصبهان : بكسر الهمزة وفتحها وهي مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوز واحد الاقتصاد إلى غاية الإسراف. وإصبهان : اسم للإقليم بأسره وكانت مدينتها أولا جيّا ثم صارت اليهودية وهي من نواحي الجبل في آخر الإقليم الرابع. ولهم في تسميتها بهذا الاسم خلاف.

قال أصحاب السير : سميت بأصبهان بن فلّوج بن لنطى بن يونان بن يافث وقال ابن الكلبي : سميت بأصبهان بن فلوج بن سام بن نوح عليه‌السلام. وقال ابن دريد : أصبهان اسم مركب لأن الأصب البلد بلسان الفرس وهان اسم الفارس فكان يقال لها بلاد الفرسان.

وقال عبيد الله المستجير بعفوه : المعروف أن الأصب بلغة الفرس هو الفرس وهان كأنه دليل الجمع فمعناه الفرسان والأصبهاني الفارس.

وقال حمزة بن الحسن : أصبهان اسم مشتق من الجندية وذلك أن لفظ أصبهان إذا رد إلى اسمه بالفارسية

١٩

من ذكر بدئها وبنائها وفتحها وخصائصها وابتغى أن يكون ذلك مرتّبا على ترتيب حروف المعجم ليسهل الوقوف عليه فأجبته إلى ذلك واستعنت بالله تعالى الذي تيسير العسير عليه يسير إذ هو نعم المولى ونعم النصير. وسألته تعالى أن ينفعنا وإيّاهم بجميع ما أسدى من نعمه وأياديه إنّه الغنيّ القدير فبدأت أوّلا بذكر أحاديث رويت في فضيلة الفرس والعجم والموالي وأنهم المبشّرون بمنال الإيمان والتحقّق به وإن كان عند الثّريّا فقدّمتها.

فمن ذلك ما حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمرو الأحمسي بالكوفة ثنا أبو حصين الوادعي محمّد بن الحسين بن حبيب القاضي ثنا يحيى بن عبد الحميد الحمّاني ح وحدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق المعدّل الإصبهاني بنيسابور (١) ثنا محمّد بن إسحاق الثّقفي السرّاج ثنا قتيبة بن سعيد ح وحدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر ثنا عبد الله بن محمّد بن زكريّا ثنا محرز بن سلمة العدني قالوا ثنا عبد العزيز بن محمّد الدّراوردي عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال كنّا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

كان أسبهان وهي جمع أسباه ، وأسباه : اسم للجند والكلب وكذلك سك : اسم للجند والكلب وإنما لزمهما هذان الاسمان واشتركا فيها لأن أفعالهما لفق لأسمائهما وذلك أن أفعالهما الحراسة فالكلب يسمى في لغة سك وفي لغة أسباه وتخفف فيقال أسبه فعلى هذا جمعوا هذين الاسمين وسمّوا بهما بلدين كانا معدن الجند الأساورة فقالوا لأصبهان أسباهان ولسجستان : سكان وسكستان. انظر معجم البلدان لياقوت الحموي (١ / ٢٠٦) وهي موضوع كتابنا وقد كفانا المؤلف رحمه‌الله مؤنة البحث وأسهب في وضعها وأخبارها فأطال.

(١) نيسابور : بفتح أوله والعامة يسمونه نشاوور. وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء منبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها.

وعدها من الإقليم الرابع واختلف في تسميتها بهذا الاسم فقال بعضهم إنما سميت بذلك لأن سابور مر بها وفيها قصب كثير فقال : يصلح أن يكون ههنا مدينة فقيل لها نيسابور.

وقيل في تسمية نيسابور وسابور وخواست وجنديسابور أن سابور لما فقدوه حين خرج من مملكته خرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فلم يجدوه فقالوا نيست سابور أي ليس سابور فرجعوا حتى وقعوا إلى سابور خواست فقيل لهم ما تريدون؟ فقالوا : سابور خواست. معناه سابور نطلب. ثم وقعوا إلى جنديسابور فقالوا وند سابور أي وجد سابور.

ومن أسماء نيسابور : أبرشهر وبعضهم يقول إيرانشهر والصحيح أن إيرانشهر : هي ما بين جيحون إلى القادسية ومن الري إلى نيسابور مائة وستون فرسخا ومنها إلى سرخس أربعون فرسخا ومن سرخس إلى مرو الشاهجان ثلاثون فرسخا.

انظر معجم البلدان (٥ / ٣٣١).

٢٠