تاريخ مدينة دمشق - ج ٢١

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢١

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٥
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

وقال لابنه عمرو : إن منزلي هذا ليس من العقد (١) ، إنما هو منزل نزهة فبعه من معاوية واقض عني ديني ومواعيدي ، ولا تقبل من معاوية قضاء ديني فتزودنيه إلى ربي ، فلما دفنه عمرو بن سعيد وقف للناس بالبقيع فعزّوه ثم ركب رواحله إلى معاوية ، فقدم على معاوية ، فنعى له أول الناس ، فاسترجع معاوية ثم ترحّم (٢) عليه ، وتوجّع لموته ، ثم قال : هل ترك من دين؟ قال : نعم ، قال : وكم؟ قال : ثلاث مائة ألف درهم ، قال : هي عليّ ، قال : قد أبى ذلك وأمرني أن أقضي عنه من أمواله ، أبيع ما استباع منها ، قال : فعرّضني (٣) ما شئت ، قال : أنفسها وأحبها إلينا وإليه في حياته منزله بالعرصة ، فقال معاوية : هيهات لا تبيعون هذا المنزل انظر غيره ، قال : فما نصنع ، نحب تعجيل قضاء دينه ، فقال : قد أخذته بثلاث مائة ألف قال : اجعلها بالوافية (٤) ـ يريد دراهم فارس ، الدرهم زنة المثقال الذهب ـ قال : قد فعلت ، قال : واحملها إلى المدينة ، قال : وأفعل قال : فحملها له ، فقدم عمرو بن سعيد فجعل يفرقها في ديونه ويحاسبهم بما بين الدراهم الوافية (٥) ـ وهي (٦) البغلية وبين الدراهم الجواز وهي تنقص في العشرة ثلاثة : كل سبعة بالبغلية عشرة بالجواز ـ حتى أتاه فتى من قريش ، يذكر حقا له في كراع أديم بعشرين ألف درهم على سعيد بن العاص ، بخط مولى لسعيد كان يقوم لسعيد على بعض نفقاته ، وبشهادة سعيد على نفسه بخط سعيد ، فعرف خط المولى وخط أبيه ، وأنكر أن يكون للفتى وهو صعلوك من قريش هذا المال ، فأرسل إلى مولى أبيه فدفع إليه الصك ، فلمّا قرأة المولى بكى ، ثم قال : نعم أعرف هذا الصك وهو حقّ دعاني مولاي فقال لي وهذا الفتى عنده على بابه معه هذه القطعة الأديم اكتب فكتبت بإملائه هذا الحق فقال عمرو للفتى : وما سبب ما لك هذا؟ قال : رأيته وهو معزول ، يمشي وحده ، فقمت فمشيت معه حتى بلغ باب داره ثم وقف فقال : هل لك من حاجة؟ فقلت : لا إلّا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك فقال : وصلتك رحم يا ابن أخي ، قال :

__________________

(١) العقد بضم العين وفتح القاف جمع عقدة بضم فسكون ، وهو ما يقتني من العقار.

ففي اللسان : وكل ما يعتقده الإنسان من العقار فهو عقدة له ، واعتقد ضيعة ومالا أي اقتناهما.

(٢) بالأصل : رحم ، والمثبت عن نسب قريش.

(٣) بالأصل مضطربة الرسم والإعجام ورسمها : «فعرضي» وصوبت اللفظة عن نسب قريش.

(٤) الدرهم الوافي : درهم وأربعة دوانق ، والدانق : سدس الدرهم.

(٥) بالأصل : الواقعة خطأ والصواب عن نسب قريش ص ١٧٧.

(٦) كذا ، وفي نسب قريش : وبين البغلية.

١٤١

ابغني قطعة أديم فأتيت خرازا عند باب داره فأخذت منه هذه القطعة فدعا مولاه هذا فقال : اكتب ، فكتب وأملا عليه هذا الكتاب ، وكتب فيه شهادته على نفسه ، ثم دفعه إليّ وقال : يا ابن أخي ليس عندنا اليوم شيء ، فخذ هذا الكتاب فإذا أتانا شيء فائتنا به إن شاء الله ، فمات رحمه‌الله قبل أن يأتيه شيء ، قال عمرو : لا جرم لا يأخذها إلّا وافية ، فدفعها إليه كل (١) سبعة باثنتي عشرة جوازا.

قال : ونا الزبير ، حدّثني عمي مصعب بن عبد الله ، عن مصعب بن عثمان قال : وحدّثني محمّد بن حسن ، عن عيسى بن موسى بن معبد ، عن فضالة بن عثمان قال : اشترى معاوية عرصة سعيد من ابنه عمرو بن سعيد بألف ألف درهم.

أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنا أبو الفرج سهل بن بشر ، أنا أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الفارسي ـ بمصر ـ أنا أبو أحمد عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع المفسّر ـ بمصر ـ نا أبو عبد الله الحسين بن سليمان النحوي ، نا سليمان بن أبي شيخ ، نا محمّد بن الحكم ، عن عوانة قال : لما توفي سعيد بن العاص قيل لمعاوية : توفي سعيد بن العاص فقال معاوية : ما مات رجل ترك عمرا (٢).

وقيل له : توفي ابن عامر فقال : لم يدع خلفا ابن عامر ، وكان سعيد وابن عامر ماتا في عام واحد في سنة ثمان وخمسين ، كانت بينهما جمعة ، ومات سعيد قبل ابن عامر.

أنبأنا أبو الغنائم ، ثم حدّثنا أبو الفضل الحافظ ، أنا أبو الفضل ، وأبو الحسين ، وأبو الغنائم ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أبو الفضل : ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا أبو الحسن بن سهل ، نا محمّد بن إسماعيل (٣) قال : وقال مسدّد : مات سعيد بن العاص ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وعبد الله بن عامر (٤) سنة

__________________

(١) في نسب قريش : «كل عشرة على الجواز ثلاثة». وفي الأغاني ١ / ٣٣ فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية.

(٢) انظر البداية والنهاية بتحقيقنا ٨ / ٩٤.

(٣) التاريخ الكبير ٣ / ٥٠٢.

(٤) في البخاري : «عبد الله بن عباس» وفي تهذيب التهذيب ٢ / ٣١٥ نقلا عن البخاري : «وابن عامر».

١٤٢

سبع أو ثمان وخمسين ، وقال غيره (١) : كنية سعيد أبو عبد الرّحمن القرشي مات سنة تسع وخمسين.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي محمّد التميمي ، أنا أبو الحسن المؤدب ، أنا أبو سليمان الرّبعي قال : قال الهيثم بن عدي : فيها ـ يعني سنة سبع وخمسين ـ مات سعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر وذكر أن أباه أخبره عن أحمد بن عبيد ، عن الهيثم بذلك.

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك ، أنا أبو الحسن بن السّقّا ، وأبو محمّد بن بالويه ، قالا : نا محمّد بن يعقوب ، قال : سمعت عباس بن محمّد يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : حدّثنا حجاج الأعور قال : قال أبو معشر : مات في تلك السنة ـ يعني سنة ثمان وخمسين ـ سعيد بن العاص.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا محمّد بن علي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى بن زكريا ، نا خليفة بن خياط (٢) ، قال : وفيها ـ يعني سنة تسع وخمسين ـ مات سعيد بن العاص.

٢٤٩٧ ـ سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة

ابن سعد بن جمح الجمحي (٣)

له صحبة ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عنه عبد الرّحمن بن سابط الجمحي ، وشهر بن حوشب الأشعري ، وحسّان بن عطية.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد ، حدّثني عمي ، نا أبو غسان ، نا مسعود بن سعد ، عن يزيد بن أبي

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وقد جاءت العبارة مبتورة وفيها سقط وتمام عبارة البخاري : «وقال سعيد بن يحيى : كنية سعيد أبو عثمان ... وقال غيره : كنية سعيد ...».

(٢) تاريخ خليفة بن خيّاط ص ٢٢٦.

(٣) ترجمته في الاستيعاب ٢ / ١٢ هامش الإصابة ، وأسد الغابة ٢ / ٢٤١ والإصابة ٢ / ٤٨ ـ ٤٩ وفي الاستيعاب والإصابة : «حديم» والوافي بالوفيات ١٥ / ٢٣٠ وتهذيب التهذيب ٢ / ٣١٦ وحلية الأولياء ١ / ٢٤٤.

١٤٣

زياد ، عن عبد الرّحمن بن سابط قال : قال سعيد بن عامر بن حذيم : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«يجيء فقراء المسلمين يرفون (١) كما يرفّ الحمام ، ويقال لهم : قفوا للحساب ، فيقولون : والله ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا به ، فيقول الله عزوجل : صدق عبادي فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما» [٤٧٥٠].

أخبرتنا به عاليا أم المجتبى فاطمة العلوية ، قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، أنا أبو يعلى ، نا الحسن بن يزيد ، نا محمّد بن فضيل ، نا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرّحمن بن سابط ، عن سعيد بن عامر اللّخمي (٢) ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«يجيء فقراء المسلمين يوم القيامة يرفّون كما يرفّ الحمام ، يقال لهم : قفوا للحساب ، فيقولون : ما تركنا شيئا فتحاسبونا عليه فيقول الله : صدق عبادي ، ادخلوهم الجنة بغير حساب» ، كذا قال اللخمي : وإنما هو الجمحي ، وقال الحسن ـ وهو الحسين الصّدّائي

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، وأبو بكر بن إسماعيل ، قالا : نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا حمّاد بن الحسن بن عنبسة الورّاق ، نا سيار بن حاتم ، نا جعفر بن سليمان ، والحارث بن نبهان.

ح وأخبرنا أبو الفضل محمّد بن عمر بن يوسف ، وأبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي ، وأبو الفضل عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن محمّد بن يوسف ، وأبو عمرو عثمان بن محمّد بن الحسين بن نصير ، وأبو القاسم سعد الله بن أحمد بن علي بن الحسين بن شداد ، وإسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ ، وفاطمة بنت أبي البركات بن عدنان ، قالوا : أنا أبو نصر الزينبي ، أنا محمّد بن عمر بن علي بن خلف ، نا عبد الله بن أبي داود ، نا حمّاد بن الحسن ، نا سيار ، نا جعفر ، عن مالك بن دينار ، عن شهر بن حوشب.

__________________

(١) في الإصابة ٢ / ٤٩ يزفون.

(٢) كذا ولم أجد في عامود نسبه «اللخمي» انظر جمهرة ابن حزم ص ١٥٩ وما بعدها. وسينبه المصنف في آخر الحديث إلى الصواب.

١٤٤

ح وأخبرنا أبو محمّد بن الحسن بن أبي بكر ، أنا الفضيل بن يحيى ، أنا أبو محمّد بن أبي شريح ، أنا محمّد بن عقيل بن الأزهر ، نا أبو عبيد الله الورّاق حمّاد بن الحسن بن عنبسة ـ بسامرّة ـ نا سيار ، نا جعفر بن سليمان ، والحارث بن نبهان ، عن مالك بن دينار ، عن شهر بن حوشب ، عن سعيد بن عامر بن حذيم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى أهل الأرض لملأت الأرض ريح المسك ولأذهبت ضوء الشمس والقمر» ، انتهى حديث ابن أبي داود ـ وزاد ـ وإني والله ما كنت لأختارك عليهن ودفع يده في صدرها ـ يعني امرأته ـ. اللفظ لحديث الحسن بن أبي بكر ، ولم يذكر ابن صاعد : ودفع يده. إلى آخر الحديث.

أخبرتنا به عاليا أم المجتبى فاطمة بنت ناصر ، قالت : قرئ على إبراهيم بن منصور ، أنا أبو بكر محمّد بن إبراهيم ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا شريح بن يونس ، نا محمّد بن حازم ، عن موسى بن قيس ، عن عبد الرّحمن بن سابط ، عن سعيد بن حذيم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«لو أن امرأة من الحور العين أخرجت يدها لوجد ريحها كل ذي روح ، فأنا أدعهن لكن بالحري أن أدعكن لهن منهن لكن» وهذا مختصر من قصة حديث (١).

أخبرنا بها أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد (٢) ، أنا ابن إسماعيل أبو غسان النهدي ، نا مسعود بن سعد الجعفي ، نا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرّحمن بن سابط قال : أرسل عمر بن الخطاب إلى سعيد بن عامر الحجبي (٣) فقال : إنا مستعملوك على هؤلاء ، تسير بهم إلى أرض العدو ، فتجاهد بهم. فقال : يا عمر لا تفتنّي. فقال عمر : والله لا أدعكم جعلتموها في عنقي ثم تخلّيتم مني ، أنا أبعثك على قوم لست بأفضلهم ، ولست أبعثك لتضرب أبشارهم ، ولا تنتهك أعراضهم ، ولكن تجاهد بهم عدوّهم ، وتقسم بينهم فيأهم فقال : اتق الله يا عمر ، أحبّ لأهل الإسلام ما

__________________

(١) ورد مختصرا في الإصابة ٢ / ٤٩.

(٢) سقط الخبر من ترجمته في طبقات ابن سعد الكبرى ٤ / ٢٦٩.

(٣) كذا بالأصل ، وهو خطأ والصواب «الجمحي» كما في م.

١٤٥

تحب لنفسك ، وأقم وجهك وقضاءك لمن استرعاك الله من قريب المسلمين وبعيدهم ، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك ، وتنزع عن الحق ، والزم الأمر ذا الحجة يعنك الله على ما ولاك ، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا تخش في الله لومة لائم (١).

قال : فقال عمر : ويحك يا سعيد بن من يطيق هذا؟ قال : من قطع (٢) الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك إنما عليك أن تأمر فيطاع أمرك وتترك فيكون لك الحجة ، قال : فقال عمر : إنا سنجعل لك رزقا قال : لقد أعطيت ما يكفيني دونه ـ يعني عطاءه ـ وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئا ، قال : فكان إذا خرج عطاؤه نظر إلى قوت أهله من طعامهم وكسوتهم وما يصلح فيعز له وينظر إلى بقيته فيتصدق به ، فيقول أهله : أين بقية المال؟ فيقول : أقرضته قال : فأتاه نفر من قومه فقالوا : إنّ لأهلك عليك حقا ، وإن لقومك عليك حقا ، قال : ما أستأثر عليهم ، إن يدي لمع أيديهم ، وما أنا بطالب أو ملتمس رضاء أحد من الناس بطلبي الحور العين ، لو اطّلعت منهم واحدة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس ، وما أنا بمتخلف عن العنق (٣) الأول بعد إذ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«يجيء فقراء المسلمين يدفّون (٤) كما يدفّ الحمام ، فقال لهم : قفوا للحساب فيقولون : والله ما تركنا شيئا نحاسب به ، فيقول الله : صدق عبادي ، فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما» (٥) [٤٧٥١].

وقد روى الشعبي بعض القصّة ولم يسند منها شيئا.

أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو سعد الجنزرودي (٦) ، أنا الحاكم أبو أحمد ، أنا أبو جعفر محمّد بن الحسين الخثعمي ـ بالكوفة ـ نا جعفر بن محمّد بن عبد السلام ، نا أبو معاوية ، عن موسى الصغير ، عن عبد الرّحمن بن سابط ، عن سعيد بن حذيم قال :

__________________

(١) ورد مختصرا في الإصابة ٢ / ٤٩.

(٢) في مختصر ابن منظور ٩ / ٣٢٠ وضع.

(٣) يقال جاء القوم عنقا عنقا أي طوائف (انظر اللسان : عنق).

(٤) كذا هنا بهذه الرواية ، وتقدم برواية : يرفون ، وفي الإصابة : يزفون ، بمعنى.

(٥) جزء من الحديث في الاستيعاب ٢ / ١٣ وأسد الغابة ٢ / ٢٤٢.

(٦) بالأصل : «الجنزوري» خطأ والصواب ما أثبت ، وقد تقدم التعريف به.

١٤٦

بلغ عمر أنه لا يدخر في بيته من الحاجة فبعث إليه بعشرة آلاف فجعل يفرقها صررا قال : فما أبقى منها إلّا شيئا يسيرا فقالت امرأته : إلى أين تذهب بهذه؟ قال : أذهب بها بربح لنا فيها قال : فلما نفذ الذي كان عندهم قالت له امرأته : اذهب إلى بعض أولئك الذين أعطيتهم فخذ من أرباحهم قال : نعم وجعل يماطلها (١) فلما طال ذلك قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«لو أن حوراء اطّلعت إصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح ، فأنا أدعها لكن لا والله لأنتن أحرى أن أدعكن لهن منكن لهن» [٤٧٥٢].

أخبرنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ (٢) ، نا سليمان بن أحمد ، نا علي بن عبد العزيز ، نا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، نا مسعود بن سعد ، ح.

قال (٣) : ونا أبو عمرو بن حمدان ، نا الحسن بن سفيان ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا جرير قالا : نا يزيد بن أبي زياد ، ح.

قال : ونا محمّد بن أحمد بن الحسن ، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا عبد الحميد بن صالح ، نا أبو معاوية ، عن موسى الصغير قالا : عن عبد الرّحمن بن سابط الجمحي قال

دعا عمر بن الخطاب رجلا من بني جمح يقال له سعيد بن عامر بن حذيم فقال له : إني مستعملك على أرض كذا وكذا ، فقال : لا تفتنّي يا أمير المؤمنين ، قال : والله لا أدعك ، قلدتموها في عنقي وتتركوني! فقال عمر : ألا نفرض لك رزقا؟ فقال : قد جعل الله في عطائي ما يكفيني دونه ، أو فضلا على ما أريد قال : وكان إذا خرج عطاؤه ابتاع لأهله قوتهم ، وتصدّق ببقيته فتقول له امرأته : أين فضل عطائك؟ فيقول : قد أقرضته ، فأتاه ناس فقالوا : إن لأهلك عليك حقا ، وإن لأصهارك عليك حقا ، فقال : ما أنا بمستأثر عليهم ولا بمستلمس (٤) رضا أحد من الناس اطلب الحور العين لو اطلعت خيرة من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس ، وما أنا بمتخلف عن العنق الأوّل

__________________

(١) بالأصل : يمالطها ، والصواب ما أثبت عن م.

(٢) حلية الأولياء ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٣) القائل أبو نعيم الحافظ كما يفهم من عبارة الحلية.

(٤) الحلية : بملتمس.

١٤٧

بعد أن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«يجمع الله الناس للحساب ، فيجيء فقراء المؤمنين يرفّون كما يرفّ الحمام (١) فيقال لهم : قفوا للحساب ، فيقولون : ما عند ما حساب ، ولا آتيتمونا شيئا ، فيقول ربهم : صدق عبادي فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاما» [٤٧٥٣].

لفظ حديث جرير ، وقال موسى الصغير في حديثه : فبلغ عمر أنه تمرّ به كذا وكذا لا يدّخر (٢) في بيته ، فأرسل إليه عمر مالا (٣) فأخذه وصرّه صررا فتصدّق به يمينا وشمالا ، وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«لو أن حوراء اطلعت أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح» فأنا أدعهن لكنّ ، والله لأنتن أحرى أن أدعكن لهن منهن لكن.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو علي الحسن بن حبيب ، نا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم البغدادي ، نا محمّد بن يحيى ، نا عبد الله بن نوح ، نا مالك بن دينار ، عن شهر بن حوشب قال (٤) :

لما قدم عمر حمص أمرهم أن يكتبوا له فقراءهم ، فرجع (٥) الكتاب ، فإذا فيه سعيد بن عامر قال : من سعيد بن عامر؟ قالوا : يا أمير المؤمنين أميرنا ، قال : وأميركم فقير؟ قالوا : نعم ، فعجب ، فقال : كيف يكون أميركم فقيرا أين عطاؤه أين رزقه؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ، لا يمسك شيئا ، قال : فبكى عمر حتى عمد إلى ألف دينار فصرّها وبعث بها إليه وقال : أقرءوه مني السلام وقولوا (٦) له : بعث بها إليك أمير المؤمنين ، فاستعن بها على حاجتك ، قال : فجاء بها إليه الرسول فنظر إليها فإذا هي دنانير فجعل يسترجع ، فقالت له امرأته : ما شأنك؟ أصيب أمير المؤمنين؟ قال : أعظم ، قال : فظهرت آية؟ قال : أعظم من ذلك ، قالت : فأمر من السّاعة؟ قال : بل أعظم من ذلك ،

__________________

(١) في الحلية : يزفون كما تزف الحمام.

(٢) كذا رسمها بالأصل وفي الحلية وم : يدخن.

(٣) بالأصل : «مال» والصواب عن الحلية ، وفي م : بمال.

(٤) الخبر نقله ابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ٢٤٢ من طريق أبي محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي عن أبيه (يعني ابن عساكر).

(٥) أسد الغابة : فرفع الكتاب.

(٦) بالأصل : قالوا ، والمثبت عن أسد الغابة.

١٤٨

قالت : فما شأنك؟ قال : الدنيا أتتني الفتنة أتتني ، حتى حلت عليّ. قالت : فاصنع فيها ما شئت ، قال لها : عندك عون؟ قالت : نعم ، قال : ائتني به ، قال : وأتته بخمارها فصرّ الدنانير (١) فيها صررا ثم جعلها في مخلاة ثم بات يصلي حتى إذا أصبح ، ثم اعترض بها جيشا من جنود المسلمين فأمضاها كلها ، فقالت له امرأته : لو كنت حبست منها شيئا تستعين به ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

«لو اطّلعت امرأة من نساء الجنة إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك» فإني والله ما أختار عليهن ، فسكتت (٢) [٤٧٥٤].

ورواه حسان بن عطية ، عن سعيد فرفعه.

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا إبراهيم بن محمّد بن الفتح الحلي ، أنا أبو يوسف محمّد بن سفيان بن موسى المصّيصي ، نا أبو عثمان سعيد بن رحمة بن نعيم قال : سمعت ابن المبارك ، عن الأوزاعي حدّثني حسان بن عطية : أن سعيد بن عامر قال : لو أن خيرة من خيرات الحسان اطّلعت من السماء لأضاءت لها الأرض ، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ، ولنصيف (٣) نكساه خير من الدنيا وما فيها ، وقال لامرأته : ولأنت أحق أن أدعك لهن ، من أن أدعهن لك.

ورواه يحيى البابلتّي (٤) ، عن الأوزاعي في قصة طويلة.

أنبأنا بها أبو علي الحسن بن أحمد ، أنا أحمد بن عبد الله (٥) ، نا محمّد بن معمر ، حدّثني أبو شعيب الحرّاني ، نا يحيى بن عبد الله الحرّاني ، نا الأوزاعي ، حدّثني حسان بن عطية قال :

لما عزل عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان عن الشام بعث سعيد بن عامر بن

__________________

(١) رسمها مضطرب وصورتها : «بصانير» كذا بالأصل وم ، والمثبت عن أسد الغابة.

(٢) قوله : «فسكتت» سقطت من أسد الغابة.

(٣) النصيف : الخمار ، قال أبو سعيد : ثوب تتجلل به المرأة فوق ثيابها كلها ، سمي نصيفا لأنه نصف بين الناس وبينها فحجز أبصارهم عنها (اللسان : نصف).

(٤) رسمها بالأصل وم : «البابلي» خطأ والصواب ما أثبت وضبط عن الأنساب ، واسمه يحيى بن عبد الله بن الضحاك بن يابلت ، أبو سعيد الأموي الحراني ، ترجمته في سير الأعلام ١٠ / ٣١٨.

(٥) الخبر في حلية الأولياء ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

١٤٩

حذيم (١) الجمحي قال : فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه ، فما لبث إلّا يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة قال : فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بألف دينار قال : فدخل بها على امرأته فقال : إن عمر بعث إلينا بما ترين ، قالت : لو أنك اشتريت لنا أدما وطعاما وادّخرت (٢) سائرها فقال لها : أفلا أدلك على أفضل من ذلك. نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه ، فنأكل من ربحها ، وضمانها عليه ، قالت : فنعم إذا. فخرج فاشترى أدما وطعاما واشترى بعيرين وغلامين يمتاران (٣) عليهما حوائجهم وفرقها في المساكين وأهل الحاجة ، قال : فما لبثت إلّا يسيرا حتى قالت له امرأته : إنه قرّ (٤) بعد كذا وكذا ، فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه قال : فسكت عنها ، ثم عاودته قال : فسكت عنها ، ثم عاودته قال : فسكت عنها حتى آذته ولم يكن يدخل بيته إلّا من ليل إلى ليل قال : وكان رجل من أهل بيته ممّن يدخل بدخوله فقال لها : ما تصنعين إنك قد آذيتيه ، وأنه قد تصدّق بذلك المال فبكت أسفا على ذلك المال.

قال : ثم أنه دخل عليها يوما فقال : على رسلك إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ، ما أحبّ أني صددت عنهم ، وإن لي الدنيا وما فيها ولو أن خيرة من خيرات الحسان اطّلعت من السماء إلى الأرض ، لأضاءت لأهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ، ولنصيف بكساء (٥) خير من الدنيا وما فيها ، فلأنت في نفسي أحرى أن أدعك لهن من أن أدعهن لك ، قال : فسمحت (٦) ورضيت.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد : قال : قال مصعب ـ هو سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة بن سعد بن جمح ـ.

أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا أبي علي ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان ، نا الزّبير بن بكّار قال (٧) :

__________________

(١) في الحلية : جذيم ، بالجيم.

(٢) حرفت بالأصل ورسمها : «وادخت» والصواب ما أثبتناه عن م ، وانظر الحلية.

(٣) عن الحلية وبالأصل : «يماران».

(٤) في الحلية : نفذ.

(٥) كذا وقع هنا ، وتقدم في الرواية السابقة : «نكساه» وفي الحلية : «تكسي».

(٦) عن م وانظر الحلية ورسمها بالأصل : «نسمجت» كذا.

(٧) انظر نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٣٩٩ وأسد الغابة ٢ / ٢٤١.

١٥٠

وولد ربيعة بن سعد بن جمح : سلامان ، وأمّه ابنة حذافة بن جمح ، فولد سلامان بن ربيعة : حذيما ، وأمّه من خزاعة ، فولد حذيم بن سلامان عامر بن حذيم ، وأمّه كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، فولد عامر بن حذيم : سعيد بن عامر ، ولّاه عمر بن الخطاب بعض أجناد الشام ، فبلغ عمر أنه يصيبه لمم ، فأمره بالقدوم عليه ، فقدم عليه ، وكان زاهدا فلم ير معه عمر إلّا مزودا وعكّازه ، وقدحا ، فقال له عمر : ما معك إلّا ما أرى؟ قال له سعيد : وما أكثر من هذا! عكّاز أحمل به زادي ، وقدح آكل (١) فيه ، فقال له عمر : أبك لمم؟ قال : لا ، قال : فما غشية بلغني أنها تصيبك؟ قال : حضرت خبيب بن عدي حين صلب ، فدعا على قريش ، وأنا فيهم ، فربما ذكرت ذلك ، فأجد (٢) فترة حتى يغشا عليّ ، فقال له عمر : ارجع إلى عملك ، فأبى ، وناشده إلّا أعفاه.

قال الزبير : وقوم يخطئون في نسبه فيقولون : سلامان بن عريج (٣) بن ربيعة ، وذلك خطأ عريج وربيعة ولوذان بنو سعد بن جمح ، فأمّا عريج فلم يكن له ولد إلّا بنات ، إحداهن سعدى (٤) أم عبد الله بن جدعان.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، وأبو العز الكيلي ، قالا : أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ـ زاد أبو البركات وأبو الفضل بن خيرون قالا : ـ أنا أبو الحسين محمّد بن الحسين ، أنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن إسحاق ، نا عمر بن أحمد بن إسحاق ، نا خليفة بن خياط (٥) قال : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلمان بن ربيعة بن عريج (٦) بن سعد بن جمح بن عمرو ، ومات بالشام.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو عمرو بن منده ، أنا الحسن بن محمّد بن يوسف ، أنا أحمد بن محمّد بن عمر ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا محمّد بن سعد (٧) قال

__________________

(١) في نسب قريش : أشرب فيه.

(٢) بالأصل وم «فاخذ» والمثبت عن نسب قريش وأسد الغابة.

(٣) في نسب قريش ص ٣٩٨ عويج.

(٤) في نسب قريش للمصعب ص ٣٩٨ سعدى هي ابنة سعد بن جمح.

(٥) طبقات ابن خياط ص ٦٠ رقم ١٤٠.

(٦) في طبقات خليفة : عويج ، بالواو.

(٧) الخبر برواية ابن أبي الدنيا ليس في الطبقات الكبرى المطبوع لابن سعد.

١٥١

في الطبقة الثالثة : سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي شهد خيبر وهاجر ولا نعلم له بالمدينة دارا ، هو والي عمر على بعض الشام ، مات سنة عشرين.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن فهم ، نا محمّد بن سعد (١) قال في الطبقة الثالثة : من بني جمح بن عمرو : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة بن سعد بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، أمّه أروى بنت أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، ولم يكن لسعيد ولد ولا عقب ، وأسلم سعيد بن عامر قبل خيبر ، وهاجر إلى المدينة ، وشهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر وما بعد ذلك من المشاهد ، ولا نعلم له بالمدينة دارا.

قال محمّد بن عمر (٢) : ومات سعيد بن عامر سنة عشرين ، في خلافة عمر بن الخطاب.

أنبأنا أبو محمّد بن الآبنوسي ، ثم أخبرني أبو الفضل بن ناصر عنه ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو الحسين بن المظفّر ، نا أبو علي المدائني ، نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم قال : وسعيد بن عامر بن حذيم يقول من ينسبه : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلمان بن ربيعة بن عويج ، واسم عريج (٣) دعموص بن سعد بن جمح ، كان واليا لعمر بن الخطاب على الشام ، ويقال : إن سعيد بن عامر توفي سنة إحدى وعشرين ، وأمّ سعيد أروى بنت أبي معيط ، له حديثان.

أنبأنا أبو الغنائم الحافظ ، ثم حدّثنا أبو الفضل الحافظ ، أنا أبو الفضل الباقلاني ، وأبو الحسين الصّيرفي ، وأبو الغنائم ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا عبد الوهاب بن محمّد ـ زاد أبو الفضل ومحمّد بن الحسن قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمّد بن سهل ، أنا محمّد بن إسماعيل (٤) قال : سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال عبد الله بن محمّد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزّهري : مات في زمن عمر ، نسبه

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٦٩ وانظر طبقات ابن سعد ٧ / ٣٩٨ في من نزل الشام من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) سقطت العبارة من ترجمته في طبقات ابن سعد ٤ / ٢٦٩ ومثبتة في ابن سعد ٧ / ٣٩٨.

(٣) كذا بالأصل : عريج بالراء ، وقبلها مباشرة عويج بالواو.

(٤) التاريخ الكبير ٣ / ٤٥٣.

١٥٢

يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرّحمن بن سابط ، هو عامل عمر ، حديثه مرسل (١).

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا تمام بن محمّد ، أنا جعفر بن محمّد ، نا أبو زرعة قال : وسعيد بن عامر أحد أمراء حمص من قريش كما حدّثنا علي بن عياش ، عن حريز (٢) بن عثمان أنه حدثهم. قال أبو زرعة وهو عامل عمر بالشام على الخراج ، وحدّثنا به أبو مسهر ، ويحيى بن صالح ، عن سعيد بن عبد العزيز ، نسبه في بني جمح.

أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ، أنا أحمد بن محمّد بن الآبنوسي ، أنا عبد الله بن عتّاب ، أنا أبو الحسن بن جوصا ـ إجازة ـ.

وأخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد ، أنا الحسن بن أحمد ، أنا علي بن الحسن ، أنا عبد الوهاب بن الحسن ، أنا أبو الحسن بن جوصا قال : سمعت أبا الحسن بن سميع يقول في تسمية من شهد الفتح : سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي.

أنبأنا أبو طالب الحسين بن محمّد بن علي ، أنا أبو القاسم علي بن المحسّن التنوخي ، أنا محمّد بن المظفّر ، أنا بكر بن أحمد بن حفص ، نا أحمد بن محمّد بن عيسى البغدادي قال في تسمية من نزل حمص من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قريش وعمل عليها قال : واستعمل عليها عمر بن الخطاب بعد عياض سعيد بن عامر بن حذيم من بني جمح ، فبلغنا أنه مات بحمص.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم ، نا عبد العزيز بن أحمد ، نا أبو المعمّر المسدّد بن أبي طالب علي بن عبد الله بن أبي السجيس ، أنا أبي ، نا عبد الصمد بن سعيد القاضي قال في تسمية من نزل حمص من الصحابة : سعيد بن عامر بن حذيم ، ولي حمص في خلافة عمر ، جمحي ، ولي حمص نصف سنة في آخر المحرم سنة عشرين ، وتوفي فيها في جمادى سنة عشرين.

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي الفتح بن المحاملي ، أنا أبو الحسن

__________________

(١) كذا ، فبعض الذين روى عن سعيد مثل عبد الرحمن بن سابط وغيره لم يدركوه ، أما سعيد بن عامر فصحبته ثابتة وقد أجمعت مصادر ترجمته أنه أسلم قبل خيبر وهاجر فشهدها وما بعدها من المشاهد.

(٢) بالأصل : جرير خطأ والصواب ما أثبت «حريز» عن م انظر ترجمته في سير الأعلام ٧ / ٧٩.

١٥٣

الدارقطني قال : سعيد (١).

وقرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا (٢) ، قال : أما عريج بضم العين وفتح الراء : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلمان بن ربيعة بن عريج بن سعد بن جمح ، له صحبة ورواية ـ زاد الدارقطني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن غانم بن أحمد ، أنا عبد الرّحمن بن منده ، أنا أبي أبو عبد الله قال : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة بن عريج بن سعد بن جمح ، مات بالرقة سنة ثمان عشرة وقبره بها ، وأمّه أروى بنت أبي معيط.

روى عنه عبد الرّحمن بن سابط ، وغيره ، وقال الهيثم بن عدي : مات سعيد بن عامر وهو أمير قيسارية (٣) سنة تسع عشرة ، وقال غيره : مات سعيد بن عامر وكان على حمص ، استعمله عمر بعد عياض بن حمار ، كذا قال ابن منده.

وأخبرنا أنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي الحداد ، قالا : أنا أبو نعيم قال : سعيد بن عامر بن حذيم بن سلامان بن ربيعة ، أمّه أروى بنت أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس توفي بالرّقّة ، وبها قبره ، وقال الهيثم بن عدي : مات بقيسارية وهو أميرها سنة تسع عشرة ، قال : وقيل : بل مات بعد عياض بن غنم ، وكان واليا بحمص استعمله عليها عمر بن الخطاب سنة ثمان عشرة ، أحد الزهاد من الصحابة ، حضر قتل خبيب بن عدي بالتّنعيم (٤) ، وكان تصيبه من ذكره غشية ، حدث عنه عبد الرّحمن بن سابط الجمحي ، وشهر بن حوشب.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو علي محمّد بن محمّد بن المسلمة ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحمّامي ، أنا أبو علي محمّد بن أحمد بن الصّوّاف ، أنا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى العطّار ، أنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر ، عن من ذكره قال : وبلغ سعيد بن عامر بن حذيم أن أبا بكر يريد أن يبعثه وأنه قد كتب

__________________

(١) كذا بالأصل وم.

(٢) الاكمال لابن ماكولا ٦ / ١٨٠ و١٨١.

(٣) قيسارية : بلد على ساحل بحر الشام تعد في أعمال فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة أيام (معجم البلدان).

(٤) التنعيم : موضع بمكة في الحل ، وهو بين مكة وسرف ، على فرسخين من مكة وقيل على أربعة (ياقوت).

١٥٤

بذلك إلى يزيد بن أبي سفيان ، فلما أبطأ عليه ذلك ، ومكث أيّاما لا يذكر ذلك له أبو بكر فقال : يا أبا بكر والله لقد بلغني أنك أردت أن تبعثني في هذا الوجه ثم رأيتك قد سكتّ فما أدري ما بدا لك فإن كنت تريد أن تبعث غيري فابعثني معه فما أرضاني بذلك ، وإن كنت لا تريد أن تبعث أحدا فما أرغبني في الجهاد ، ائذن لي رحمك الله حتى ألحق بالمسلمين ، فقد ذكر لي أنه قد جمعت لهم جموع عظيمة ، فقال له أبو بكر : رحمك الله ارحم الراحمين يا سعيد ، فإنك ما عملت من المتواضعين ، المتواصلين ، المخبتين ، المتهجدين بالأسحار ، الذاكرين الله كثيرا. فقال سعيد : يرحمك الله ، نعم الله عليّ أفضل ، له الطول والمنّ ، وأنت ـ ما علمتك يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صدوقا بالحق ، قواما بالقسط ، رحيما بالمؤمنين ، شديدا (١) على الكافرين ، تحكم بالعدل ولا تستأثر بالقسم. فقال له : حسبك يا سعيد اخرج رحمك الله ، فتجهز ، فإني باعث إلى المؤمنين جيشا ممدّا لهم وموردك عليهم ، وأمر بلالا فنادى في الناس : ألا انتدبوا أيها الناس مع سعيد بن عامر إلى القتال ، قال : فانتدب معه جيش من المسلمين في أيام قال : وجاء سعيد بن عامر ومعه راحلته حتى وقف على باب أبي بكر والمسلمين جلوس فقال لهم سعيد : أما إنّ (٢) هذا الوجه وجه رحمة وبركة ، اللهم فإن قضيت لنا ـ يعني البقاء ـ فعلى طاعتك ، وإن قضيت علينا الفرقة فإلى رحمتك ، واستودعكم الله ، واقرأ عليكم السّلام ، ثم ولّى سائرا قال : وأمره أبو بكر أن يسير حتى يلحق بيزيد بن أبي سفيان ، قالوا : فقال أبو بكر : عباد الله ، ادعوا الله أن يصحب صاحبكم وإخوانكم معه ، ويسلمهم ، فارفعوا أيديكم رحمكم الله أجمعين ، فرفع القوم أيديهم ، وهم أكثر من خمسين ، فقال علي : ما رفع عدة من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئا إلّا استجاب لهم ، ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم.

قال : وأنا إسحاق قال : قال محمّد بن إسحاق : وقال حسين بن ضمرة : قال علي بن أبي طالب : ما رفع أربعون رجلا أيديهم إلى الله يسألونه شيئا إلّا أعطاهم إيّاه. قال : فبلغ ذلك سعيدا بعد ما وقع إلى الشام ولقي العدو ، فقال : رحم الله إخواني ، ليتهم ما لم يكونوا دعوا لي ، قد كنت خرجت ، وإني على الشهادة لحريص ، فما هو إلّا أن

__________________

(١) كذا بالأصل : صدوقا ... قواما ... رحيما ... شديدا منصوبة.

(٢) بالأصل : «أنا أم» والمثبت عن مختصر ابن منظور ٩ / ٣٢٢.

١٥٥

لقيت العدو ، فعصمني الله من الهزيمة والفرار ، وذهب من نفسي ما كنت أعرف من حبي الشهادة ، فلما أن أخبرت أن إخواني دعوا لي بالسلامة علمت أنه قد استجيب لهم ، قالوا : وكان مع يزيد بن أبي سفيان كما أوصاه أبو بكر ، فشدّ الله به وبمن كان معه أعضاد المسلمين ، وفتّ بهم أعضاد المشركين.

أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن ، أنا محمّد بن أحمد ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى التّستري ، نا خليفة العصفري (١) ، قال : فتحت قيسارية أميرها معاوية بن أبي سفيان ، وسعيد بن عامر بن حذيم كلّ أمير على جنده ، فهزم الله المشركين وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وقال ابن الكلبي : وذلك سنة تسع عشرة ، وقال ابن إسحاق : سنة عشرين.

وقال خليفة (٢) في تسمية عمال عمر : وولّى سعيد بن عامر بن حذيم حمص.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد (٣) ، أنا محمّد بن عمر ، نا سعيد بن عبد الرّحمن الجمحي قال : لما مات عياض بن غنم ، وولّى عمر بن الخطاب سعيد بن عامر بن حذيم عمله ، وكان على حمص وما يليها من الشام ، وكتب إليه كتابا يوصيه فيه بتقوى الله ، والجدّ في أمر الله والقيام بالحق الذي يجب عليه ، ويأمره بوضع الخراج والرفق بالرعيّة ، فأجابه سعيد بن عامر على نحو من كتابه.

أخبرنا أبو علي الحسين بن علي بن أشليها ، وابنه أبو الحسن علي ، قالا : أنا أبو الفضل بن الفرات ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك القرشي ، نا محمّد بن عائذ (٤) ، نا الوليد بن مسلم ، نا ابن لهيعة ، عن يونس قال : توفي أبو عبيدة بن الجرّاح فاستخلف ابن عمه وخاله عياض بن غنم ، فأقره عمر ، ثم توفي عياض بن غنم فأمّر مكانه سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي ، ثم توفي سعيد بن عامر فأمّر مكانه عمير بن سعد الأنصاري.

__________________

(١) تاريخ خليفة بن خياط ص ١٤١ حوادث سنة ١٩١.

(٢) تاريخ خليفة ص ١٥٥.

(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٦٩.

(٤) بالأصل وم : «عائد» والمثبت قياسا إلى سند مماثل.

١٥٦

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر محمّد بن العباس ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّة ، أنا محمّد بن شجاع البلخي ، أنا محمّد بن عمر الواقدي (١) : حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن عثمان بن محمّد الأخنسي قال : استعمل عمر بن الخطاب سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على حمص ، وكان يصيبه غشية وهو بين ظهري أصحابه ؛ فذكر ذلك لعمر بن الخطاب ، فسأله في قدمة قدم عليه من حمص فقال : يا سعيد ما الذي يصيبك أبك جنّة؟ قال : لا والله يا أمير المؤمنين ، ولكني كنت فيمن حضر خبيبا حين قتل ، وسمعت دعوته ؛ فو الله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس إلّا غشي عليّ ، قال : فزادته عند عمر خيرا.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد ، حدّثني ابن الأموي ، حدّثني أبي ، عن ابن إسحاق قال : كان عمر استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهراني القوم فذكر ذلك لعمر ، وقيل بالرجل طيف ، فسأله عمر في قدمة قدمها فقال : يا سعيد ما هذا ـ يعني الذي يصيبك؟ ـ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل ، وسمعت دعوته ؛ فو الله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس إلّا غشي عليّ ، فزاده عند عمر خيرا.

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن محمّد بن إسحاق (٢) ، حدّثني بعض أصحابنا قال : كان عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية وهو بين ظهراني (٣) القوم ، فذكر ذلك لعمر فقيل له : إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال : يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك؟ قال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل ، وسمعت دعوته ، فو الله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلّا غشي عليّ ، قال : فزادته تلك عند عمر خيرا.

__________________

(١) الخبر في مغازي الواقدي ١ / ٣٥٩ وانظر طبقات ابن سعد ٧ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٢ ـ ١٨٣ تحت عنوان ذكر يوم الرجيع.

(٣) في ابن هشام : ظهري القوم.

١٥٧

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، نا زهير بن معاوية ، نا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر قال :

أمّر عمر سعيد بن عامر على جيش فقال : اللهم إن (١) لم أسلط سعيد بن عامر على أشعارهم ولا على أبشارهم ولكن أمّرته أن يجاهد بهم عدوهم ، ويعدل فيهم ، ويقسم فيأهم بينهم ، فقال سعيد بن عامر لعمر : يا أمير المؤمنين اخش الله في الناس ولا تخشى الناس في الله ، وأحب للمسلمين ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، والزم الأمر ذا الحجة يعنك الله على أمرك ويكفك ما أهمّك ، وأقم وجهك وقضاءك لمن استرعاك الله أمره تقريب المسلمين وبعيدهم ولا تقض في الأمصار قضاءين فيختلف عليك رأيك وتنزع عن الحق ، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا تخف في الله لومة لائم ، فإنّ خير القول ما تبعه الفعل ، فقال عمر : ومن يطيق هذا يا سعيد بن عامر؟ قال : من وضع الله في عنقه ما وضع في عنقك من أمر المسلمين ، إنما عليك أن تقول فيتبع قولك.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن المزرفي (٢) ، نا أبو الحسين بن المهتدي.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور قالا : أنا عيسى بن علي ، أنا عبد الله بن محمّد البغوي ، نا عبد الأعلى بن حمّاد ، نا أبو داود بن عبد الرّحمن العطار ، عن يحيى بن سعيد ، نا ابن أبي حسين ، عن مكحول :

أن سعيد بن عامر بن حذيم قال لعمر بن الخطاب : أريد أن أوصيك أن تخش الله في الناس ولا تخشى الناس في الله (٣) ولا يختلف فعلك وقولك ، فإن خير القول ما صدّقه الفعل ، ولا تقض في أمر بقضاءين فيختلف عليك أمرك وتزيغ عن الحق ، خذ بالأمر ذي الحجة تأخذ الفلج أو الفلج (٤) ، ويعينك الله على أمرك ، وأقم وجهك لقريب

__________________

(١) كذا ، ولعله : إني.

(٢) بالأصل «الزرقي» خطأ والصواب ما أثبت عن م وقياسا إلى سند مماثل ، وانظر فهارس المطبوعة المجلدة العاشرة ص ٢٢ و٥٦ وانظر ترجمته في سير الأعلام ١٩ / ٦٣١.

(٣) بالأصل : ولا تخشى الله في الناس ، وفوق : الله والناس علامتان تشيران إلى تقديم وتأخير ، وهو ما أثبتناه. وفي م وردت صوابا.

(٤) كذا بالأصل وم.

١٥٨

الناس وبعيدهم ، وأحب لهم ما تحب لنفسك ولأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ولأهل بيتك ، وخض الغمرات في الحق ، ولا تخف في الله لومة لائم.

أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني ، نا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، حدّثني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرّحمن بن معمر بن حزم أن مكحولا أخبره :

أن سعيد بن عامر بن حذيم الحجبي (١) من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمر بن الخطاب : إني أريد أن أوصيك يا عمر ، قال : أجل ، فأوصني ، قال : أوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، ولا يختلف قولك وفعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل ، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك وتزيغ عن الحق ، وخذ بالأمر ذي الحجة تأخذ بالفلج ويعنك الله ويصلح رعيتك على يديك ، وأقم وجهك وقضاءك لمن ولّاك الله أمرك من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحبّ لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخض الغمرات إلى الحق ، ولا تخف في الله لومة لائم ، فقال عمر : من يستطيع ذلك؟ فقال سعيد : مثلك من ولاه الله أمر أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لم يحل بينه وبينه أحد.

أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، أنا محمّد بن الحسين بن الطّفّال.

ح وأخبرنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم المقرئ ، أنا أبو الفرج الإسفرايني ، أنا علي بن منير بن أحمد قالا : أنا أبو الطاهر محمّد بن أحمد بن عبد الله الذّهلي القاضي ، نا موسى بن هارون أبو غسان ، نا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل : أن عمر بن الخطاب أجاز سعيد بن عامر بألف دينار (٢).

أخبرنا أبو بكر الحاسب ، أنا أبو محمّد الشيرازي ، أنا أبو عمر الخزّاز ، أنا أبو الحسن الخشّاب ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا معن بن عيسى ، نا موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب أجاز رجلا بألف دينار ـ ابن

__________________

(١) كذا بالأصل : الحجبي ، وصوابه : الجمحي كما في م.

(٢) في م : دثير.

١٥٩

حذيم الحجبي (١) ـ وكان فاضلا ، قال معن : وقد ذكر موسى بن علي من فضل ابن حذيم وصدقته ما هو أهل أن يجاز بألف دينار في حديث طويل.

أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا أبي علي ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكار ، حدّثني محمّد بن حسن ، حدّثني يزيد بن هارون ، عن رجل قد سمّاه ، قال : ذكر عمر بن الخطاب الفقراء فقال : إن سعيد بن عامر لمنهم ، فأرسل إليه بألف دينار فأخذها وقال لامرأته : هل لك أن نضعها موضعا إذا احتجنا إليها وجدناها فقالت : نعم فصرّوها صررا ، وكتب فيها : كلوا هنيئا فجعل يأتي أهل البيت الذي يرى أنهم فقراء فيلقيها إليهم حتى أنفذها قال : فلمّا احتاجوا ، قالت امرأته : لو جئتنا من تلك الدنانير فأنفقناها فجعل يسوقها ، فقالت : أراك والله قد فعلت ، قال : أجل والله لقد فعلت ، وقد بلغني أن فقراء المهاجرين يدعون قبل أغنيائهم بخمس مائة عام ، وما أحبّ أن لي الدنيا وما عليها وأي من الزمرة الآخرة ولقد بلغني أن المرأة من الحور العين لو أشرقت على أهل الدنيا لملأت الدنيا ريح المسك ، ولأن أدعكن لهن أحبّ إليّ من أن أدعهن لكن.

أخبرنا أبو الفضل محمّد بن إسماعيل ، أنا أحمد بن محمّد ، أنا علي بن أحمد بن محمّد ، أنا الهيثم بن كليب الشاشي ، نا محمّد بن عبيد الله بن المنادي ، نا أبو بدر ، نا عبد الرّحمن بن زياد ، نا عبد الله بن يزيد :

أن عمر بن الخطاب سأل عاملا له على حمص يقال له سعيد بن عامر ، فقال له عمر : ما لك من المال؟ قال : سلاحي ، وفرسي ، وأبغل أغزو عليها ، وغلام يقوم عليّ ، وخادم لا مرأتي ، وسهم يعدّ في المسلمين. فقال له عمر : ما لك غير هذا؟ قال : حسبي هذا ، هذا كثير ، فقال له عمر : فلم يحبّك أصحابك؟ قال : أواسيهم بنفسي ، وأعدل عليهم في حكمي ، فقال له عمر : خذ هذه الألف دينار فتقوّ (٢) بها قال : لا حاجة فيها أعط من هو أحوج إليها مني ، فقال عمر : على رسلك حتى أحدثك (٣) ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم إن شئت فاقبل ، وإن شئت فدع : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرض عليّ شيئا ،

__________________

(١) كذا ، والصواب الجمحي كما في م.

(٢) بالأصل : فتقوى.

(٣) بالأصل : أخذتك ، والصواب ما أثبت عن م وانظر مختصر ابن منظور ٩ / ٣٢٣.

١٦٠