المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

٦١
٦٢

٦٣
٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد لله الذى لم يستفتح بأفضل من اسمه كلام ، ولم يستنتج بأجمل من صنعه مرام ، جاعل النّطق أفضل الصفات البشرية ، والسّبل المؤدّية إلى معرفة العلوم الشرعيّة والعقليّة.

أحمده سبحانه كما يجب لجلاله ، وأصلّى على سيدنا محمّد ـ صلّى الله عليه وعلى آله ـ ورضى الله عن الإمام المعصوم ، المهدىّ المعلوم ، الذى أطلع كوكب العدل وقد كان خافيا ، وأوضح مذهبه وقد كان عافيا. وعن أصحابه الهادين ، وعن الخلفاء الراشدين من بعده والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد.

فلما كان علم العربيّة من أجلّ العلوم قدرا ، وأعظمها خطرا ؛ إذ به تقوم للإنسان ديانته فتتم صلاته وتصحّ قراءته ، وكانت أكثر الموضوعات فيه لا تبرد غليلا ، ولا تحصّل لطالبه مأمولا ، وأنها بين مطوّلة قد أسرف فيها غاية الإسراف ، ومختصرة قد أجحف

__________________

(*) [قال ابن عصفور في مثل المقرب] : بسم الله الرحمن الرحيم ـ رب يسر يا كريم

الحمد لله بارئ النسم ، ومانح القسم ، المتطول على الإنسان باللسان ، المميز له عن سائر الحيوان بالبيان ، والصلاة على نبيه محمد هادى الأمم ، ورسوله إلى العرب والعجم ، محمد المجتبى من ولد معد بن عدنان ، المبعوث بالحنيفية السمحة الناسخة لغيرها من الأديان ، وعلى آله وصحبه الكرام أيمان الإيمان وأعلام الإسلام ، ورضى الله عن الإمام المعصوم ، المهدى المعلوم ، مظهر معالم الدين بعد خفائها ، وموضحها بعد عفائها ، وعن أصحابه الهادين المهتدين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فإننى لما سلكت فى كتابى «المقرب» مسلك الاختصار فتركت كثيرا من تمثيل مسائله خوف الإكثار ، فلحق بعض ألفاظه بسبب ذلك إيهام ، واستعجم المعنى المراد به بعض استعجام ، فأشار من مناقبه أعلى من أن يسمو إليها المدح والصفة ، ومفاخره أعظم من أن يحيط بها الإدراك والمعرفة ، الأمير الحميد الشّيم أبو يحيى ابن مولانا الهمام المعلى لواء الإسلام ، المرتدى برد الإعظام ، الأمير الأجل الأوحد المظفر المؤيد الأسعد ، أبو زكريا ابن الشيخ المقدس المجاهد أبى محمد ابن الشيخ المجاهد المقدس أبى حفص ، عضد الله بهم الدين ، وأمتع بطول بقائهم المسلمين ، ـ إلى وضع تأليف نستوفى فيه مثله ليتبين بذلك مشكله ، فوضعت فى ذلك جزءا خفيفا ، شرحت فيه تلك المسائل المشكلة ، واستوعبت مثلها المهملة ، فاتضح بذلك استعجامها ، وانفرج انغلاقها واستبهامها ، ورفعتها إلى خضرتهم ، وصل الله دوام عزتهم ، إذ كان العلم نتيجة جلالهم ، وأهله بمكان مكين من بالهم ، وهو سبحانه يبقى حضرتهم منتهى الآمال والأمانى ، وأيامهم المشرقة الزاهرة موسم البشائر والتهانى بمنه وكرمه. أه.

٦٥

بها غاية الإجحاف ـ أشار من النّجح معقود بنواصى آرائه ، واليمن معتاد فى مذاهبه وأنحائه ، مالك عنان العلوم وفارس ميدانها ، ومحرز قصب السّبق فى حلبة رهانها. وتاريخ الفضائل وعنوانها ، وحدقتها وإنسانها ، الأمير الأجلّ الأوحد ، المظفّر المؤيّد الأسعد ، أبو زكريا ابن الشيخ المقدّس المجاهد أبى محمد ابن الشيخ المجاهد المقدّس أبى حفص ، أدام الله علاءهم ، وأنار بنجوم السعد سماءهم ـ إلى وضع تأليف منزّه عن الإطناب المملّ ، والاختصار المخلّ ، محتو على كليّاته ، مشتمل على فصوله وغاياته ، عار عن إيراد الخلاف والدليل ، مجرّد أكثره عن ذكر التوجيه والتعليل ؛ ليشرف الناظر فيه على جملة العلم فى أقرب زمان ويحيط بمسائله فى أقصر أوان. فوضعت فى ذلك كتابا صغير الحجم ، مقرّبا للفهم ، ورفعت فيه من علم النحو وشرائعه ، وملّكته عصيّه وطائعه ، وذلّلته للفهم بحسن الترتيب ، وكثرة التهذيب لألفاظه والتقريب ؛ حتى صار معناه إلى القلب ، أسرع من لفظه إلى السّمع. فلمّا أتيت به على القدح ، تمنّعا (١) / على القدح ، مشبها للعقد فى التئام وصوله ، وانتظام فصوله ـ سميته بـ «المقرّب» ليكون اسمه وفق معناه ، ومترجما عن فحواه. وطرّزته باسمهم ، إذ كان نتيجة إشارتهم السديدة ورسمهم ، ورفعته إلى حضرتهم ، وصّل الله عزتهم ؛ إذ كانت سوق العلم نافقة عندها لا تكسد ، وجنائبه هابّة فى جنابها لا تركد. وأنا أرجو أن يرد منهم على حسن قبول وإقبال ، وأن يحظى منهم بتهمّم واهتبال ، والله تعالى يبقى حضرتهم منتهى الآمال ، ومحطّ الرحال أرجة الأرجاء بطيب شمائلهم ، راضية الرياض عن صوب أناملهم. يعبدها أحرار الكلام ، كما يخدمها أحرار الأنام. وتطيعها المعالى ، كما أطاعتها صروف الأيام والليالى ، بمنّه ويمنه.

* * *

__________________

(١) في أ: ممتنعا.

٦٦

ذكر حقيقة النّحو

النحو : علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب (١) ، الموصلة إلى معرفة أحكام (٢) أجزائه التى تأتلف منها [وهذه الأحكام ليست وزنية] ؛ فيحتاج من أجل ذلك إلى تبيين حقيقة الكلام ، وتبيين أجزائه التى يأتلف منها ، وتبيين أحكامها.

باب تبيين الكلام وأجزائه

الكلام ـ اصطلاحا (٣) ـ : هو اللفظ المركّب (٤) وجودا (٥) أو تقديرا (٦) ، المفيد (٧) بالوضع (٨) ، وأجزاؤه ثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف.

__________________

(١) م : ذكر حقيقة النحو قولى : «النحو علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب» أردت بذلك أن النحو علم أحكام كلام العرب الكلية المستخرجة بالمقاييس الموصوفة ؛ كرفع الفاعل ونصب المفعول ، وغير ذلك من أحكام كلامهم ؛ ألا ترى أن العلم بهذه الأحكام الكلية هو المسمى نحوا؟

وأما العلم بالمقاييس الموصوفة أنفسها من غير نظر إلى معرفة الأحكام المستخرجة منها فمن صناعة أخرى غير هذه الصناعة. أه.

(٢) م : وقولى : «الموصلة إلى معرفة أحكامه وهذه الأحكام ليست وزنية» تحرزت بذلك من علم العروض ؛ فإنه مستخرج ـ أيضا ـ بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب ، ولا يعترض على ذلك بأن يقال : إن المقاييس النحوية قد توصّل إلى معرفة أحكام وزنية من جهة أنها قد توصل إلى معرفة أوزان الأفعال وبعض الأسماء ؛ لأنى لم أرد إلا وزن الكلام ، وهو الوزن العروضى ، لا وزن بعض الكلم ، وهو الوزن النحوى ؛ ألا ترى أن الضمير فى قولى : «من أحكامه» عائد على الكلام؟!. أه.

(٣) م : باب تبيين الكلام وأجزائه قولى : «الكلام اصطلاحا» أى : فى اصطلاح النحويين ، وتحرزت بذلك من الكلام بالنظر إلى اللغة ؛ فإنه قد يقع على الكلام الاصطلاحى وعلى غيره. أه.

(٤) م : وقولى : «هو اللفظ المركب» تحرزت به من المفرد نحو زيد وعمرو. أه.

(٥) م : وقولى : «وجودا» مثاله : قام زيد. أه.

(٦) م : وقولى : «أو تقديرا» مثاله : زيدا ، تريد : اضرب زيدا ؛ ألا ترى أنه مركب فى التقدير ، ولا وجود للتركيب بالنظر إلى اللفظ. أه.

(٧) م : وقولى : «المفيد» تحرزت من اللفظ المركب غير المفيد ؛ نحو قولك : إن قام زيد ، إذا لم تأت له بجواب ؛ فإنه يسمى فى اللغة كلاما. أه.

(٨) م : وقولى : «بالوضع» تحرزت من اللفظ المركب المفيد بغير وضع ، أى بغير قصد ؛

٦٧

فالاسم : لفظ يدلّ على معنى فى نفسه ، ولا يتعرض ببنيته لزمان (١) ، ولا يدل جزء من أجزائه على جزء من أجزاء معناه (٢) ، نحو : زيد ؛ ألا ترى أن «الزاى» جزء منه ، ولا تدل على بعضه لذلك ، فإن وجد من الأسماء ما يدل على زمان ؛ كأمس ، وغد ـ فبذاته لا ببنيته ؛ ألا ترى أن بنيتيهما لا تتغيران للزمان.

والفعل : لفظ يدل على معنى فى نفسه ، ويتعرض ببنيته للزمان.

والحرف : لفظ يدل على معنى فى غيره لا فى نفسه.

والدليل على أن أجزاء الكلام هذه (٣) الثلاثة خاصّة : أن اللفظ الذى هو جزء كلام إمّا [أن يدل] (٤) على معنى أو لا يدل :

وباطل ألا يدلّ ؛ فإن ذلك عيب.

وإذا دل : فإما أن يدل على معنى فى نفسه أو فى غيره لا فى نفسه [فإن دلّ على معنى فى غيره] فهو حرف.

وإن دل على معنى فى نفسه : فإما أن يتعرّض ببنيته للزمان أو لا / يتعرض : فإن تعرّض ، فهو فعل ، وإن لم يتعرض ، فهو اسم.

فالأجزاء إذن منحصرة فى هذه الثلاثة.

ذكر تبيين أحكام الكلم :

اعلم : أن الكلم لها أحكام فى أنفسها قبل تركيبها ، وينبغى أن يؤخّر الكلام على ذلك لعلّة تذكر عند الأخذ فيه. وأحكام فى حين تركيبها ، وهى نوعان : إعرابيّة ، وغير إعرابيّة.

* * *

__________________

ككلام الساهى والنائم وما أشبهه ؛ فإنه يسمى فى اللغة كلاما ، وليس كذلك فى اصطلاح النحاة. أه.

(١) زاد في حاشية أ: يتحرز من الفعل.

(٢) زاد في حاشية أ: يحترز من الجملة.

(٣) في ط : بهذه.

(٤) سقط في أ.

٦٨

ذكر النّوع الأوّل منهما

باب الإعراب

الإعراب ـ اصطلاحا (١) ـ : تغير آخر الكلمة لعامل يدخل عليها (٢) فى الكلام الذى بنى فيه لفظا أو تقديرا عن الهيئة التى كان عليها قبل دخول العامل إلى هيئة أخرى (٣).

ألقاب الإعراب وألقابه أربعة : الرفع والنصب والخفض والجزم :

فأما الرفع والنصب : فيشترك فيهما الأسماء والأفعال.

__________________

(١) م : باب الإعراب قولى : «الإعراب اصطلاحا» أى : فى اصطلاح النحويين ، وتحرزت بذلك من الإعراب بالنظر إلى اللغة ؛ فإنه يقع على الإعراب الاصطلاحى المذكور ، وعلى غير ذلك مما ذكره أهل اللغة. أه.

(٢) م : وقولى : «لعامل يدخل عليها» تحرزت بذلك من تغيير آخر الكلمة لعامل غير داخل عليها ، نحو تغيير المحكى بـ «من» ، ومثال ذلك قولك : من زيد؟ لمن قال : قام زيد ، ومن زيدا؟ لمن قال : رأيت زيدا ، ومن زيد؟ لمن قال : مررت بزيد ، فآخر «زيد» قد تغير بسبب الحكاية فالعامل الداخل فى كلام المستثبت إذن حر التغيير ، وإلا فالعامل الداخل على «زيد» الواقع بعد «من» لم يتغير. أه.

(٣) م : وقولى : «عن الهيئة التى كان عليها قبل دخول العامل إلى هيئة أخرى» ، أردت بذلك أن أبين أن التغيير المسمى إعرابا ليس كون آخر الكلمة مرفوعا تارة ، ومنصوبا تارة ، ومخفوضا تارة ؛ فإن المعرب قد لا يتغير آخره هذا النوع من التغير ؛ ألا ترى أن بعض المعربات قد يلتزم فيه طريقة واحدة ، فلا يستعمل إلا مرفوعا ، نحو : ايمن الله ، ولعمر الله ، أو منصوبا ، نحو : سبحان الله ، ومعاذ الله؟.

وإنما التغير المسمّى إعرابا كل تغيّر حدث فى الكلمة بسبب دخول العامل ولم يكن فيها قبل ذلك ، فالألفاظ المفردة كانت قبل دخول العامل عليها موقوفة ساكنة ؛ نحو زيد وعمرو ويقوم ويقعد ، بدليل أن أسماء العدد إذا لم يدخل عليها عامل فى اللفظ ولا فى التقدير ؛ بأن قصد بها مجرد العدد ، نحو : واحد ثلاثة أربعة ـ كانت موقوفة ، فإذا أدخل عليها عامل من العوامل ، نقلها عن ذلك الوقف إلى حركة ، فإن كان العامل داخلا على جملة ، نقل المعرب عن ذلك النوع الذى كان فيه من الإعراب إلى نوع آخر ، وذلك نحو قولك : يقوم زيد ، إذا دخل الجازم ، نقل الفعل من الرفع إلى الجزم فهذا النوع من التغيير الذى لا ينفك عنه معرب هو المسمّى إعرابا لا النوع الأول. أه.

٦٩

وأما الخفض : فانفردت به الأسماء (١) ، وقد كان حقه أن يدخل فى (٢) المضارع من الأفعال إذا أضيفت إليه أسماء الزمان أو «ذو» ، أو «أيّة» ؛ نحو قولهم : «اذهب بذى تسلم» أو «ائتنى بأيّة يقوم زيد» ، «وخرجت يوم يقوم عمرو» ؛ ألا ترى أنه معرب ، وقد دخل عليه عامل خفض لكن منع من خفضه : أن الإضافة فى الحقيقة إنما هى للمصدر لا للفعل ؛ فلذلك لم تؤثر فيه.

وأما الجزم : فانفردت به الأفعال وقد كان حقه أن يدخل فى الاسم غير المنصرف ؛ لأنه لما حمل على الفعل فى امتناع الخفض والتنوين لشبهه به ـ كان ينبغى أن يبقى ساكنا فى حال الجر ؛ لذهاب الخفض منه ، وألا يتكلف حمله على النصب ؛ لكن منع من ذلك ما فى إذهاب العلامتين من الإخلال بالاسم.

* * *

__________________

(١) م : وقولى : «وأما الخفض فانفردت به الأسماء ...» إلى آخره ، إنما اعتذرت عن امتناع دخول الخفض فى الفعل المضارع المضاف إليه اسم زمان أو مكان ؛ لأنه قد كان خفضه واجبا لما ذكرناه لو لا ما منع من ذلك : أن الإضافة فى الحقيقة إنما هى للمصدر ؛ كأنك إذا قلت :

أقوم يوم يقوم زيد ، قد قلت : يوم قيام زيد ، ولذلك تعرّف يوم بالإضافة.

ولو كانت الإضافة فى اللفظ والمعنى إلى الفعل لم تعرف ؛ لأن الفعل نكرة ؛ بدليل وصفهم النكرة به ؛ نحو قولك : مررت برجل يضحك ، ولم أعتذر عن امتناع الخفض فيما عدا ذلك من الأفعال غير المضارعة ؛ لأنه لم يجب فيعتذر عنه. أه.

(٢) في ط : على.

٧٠

باب معرفة علامات الإعراب

قد تقدم أن ألقاب الإعراب : الرّفع والنّصب والخفض والجزم.

فأما الرفع : فعلاماته ثلاث : الضمة والنون ، وبقاء اللفظ عند دخول عامل الرفع عليه (١) غير مغيّر عمّا كان عليه قبل ذلك ، ليس بعلامة للرفع (٢) فى الحقيقة ، وإنما سمى علامة رفع ؛ لقيامه مقامها وإغنائه عنها :

فالنون : تكون علامة للرّفع فى كلّ فعل مضارع اتصل به ضمير الاثنين ، أو علامتهما ، أو ضمير الواحدة المخاطبة ، أو ضمير جماعة المذكّرين العاقلين ، أو ما أجرى مجراهم / ، أو علامتهم ؛ نحو قولك : «الزيدان يقومان ، ويقومان (٣) الزيدان ، وأنت تقومين ، والزيدون يقومون ، ويقومون الزيدون ، والبراغيث يأكلوننى ، ويأكلوننى البراغيث».

وعدم التغير يكون علامة للرفع فى الأسماء المثناة ، وجمع المذكر السالم وما جرى مجراه ؛ لأنّ المثنى وما جرى مجراه قبل دخول العامل عليه [يكون] (٤) بالألف (٥)

__________________

(١) م : باب معرفة علامات الإعراب قولى : «وبقاء اللفظ عند دخول عامل الرفع عليه ...» إلى آخره إن قال قائل : كيف جعلت ذلك علامة للرفع ، وأنت قد حددت الإعراب بأنه تغير آخر الكلمة لعامل ، ولا تغير فى هذين النوعين من المعربات فى حال الرفع على مذهبك؟.

فالجواب : أنى لم أجعل عدم التغيّر فيهما إعرابا فى حال الرفع ؛ بل هما مجردان من الإعراب فى حال الرفع ، وإنما جعلت عدم التغير علامة إعراب من حيث قام مقام العلامة فى إفهامه الرفع كما تفهمه العلامة فيما فيه علامة الرفع. أه.

(٢) في أ: الرفع.

(٣) م : وقولى : «نحو قولك الزيدان يقومان ...» إلى آخره ما كان من هذه المثل قد قدم فيه الفعل على الاسم ، فالألف والواو فيه علامتان لا ضميران ، وما كان منها قد قدم فيه الاسم على الفعل فهما فيه ضميران لا علامتان ، وأردت بقولى : يأكلوننى البراغيث ، والبراغيث يأكلوننى ، أن أبين أن الواو قد تكون لغير العاقل إذا عومل معاملة العاقل ؛ ألا ترى أن المستعمل إنما هو وصف البراغيث بالإيلام والإيذاء ، فيقال : آذتنى البراغيث وآلمتنى ، فلما وصفت بالأكل ، وهو مما يوصف به العاقل ، عوملت معاملته فجعل ضميرها وعلامتها كضميره وعلامته ، وهو الواو. أه.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ: في.

٧١

[والنون] ، وجمع المذكر السالم [يكون] (١) بالواو والنون ؛ فلذلك إذا عدّوا ولم يدخلوا عاملا لفظا ولا تقديرا ، قالوا : اثنان وثلاثون ، فلما دخل عامل الرفع عليهما ، لم يتغيرا ، وصار ترك العلامة [فيهما] (٢) علامة.

والضمة (٣) : تكون علامة للرفع فيما بقى من الأسماء والأفعال المعربة.

وأما النّصب : فعلاماته خمس : الفتحة ، والكسرة ، وانقلاب الألف ياء ، وانقلاب الواو ياء ، وحذف النون :

فالكسرة : تكون علامة للنصب فى جمع المؤنث السالم (٤).

وانقلاب الألف ياء تكون علامة للنصب فى تثنية الأسماء خاصّة.

وانقلاب الواو ياء يكون علامة للنصب فى جمع المذكر السالم.

وحذف النون يكون علامة للنصب فيما رفع من الأفعال بالنون.

والفتحة تكون علامة للنصب فيما بقى من الأسماء والأفعال المعربة.

وأما الخفض : فعلاماته أربع : الكسرة ، والفتحة ، وانقلاب الألف ياء ، وانقلاب الواو ياء :

فالفتحة تكون علامة للخفض فى الأسماء التى لا تنصرف (٥) ، وستبيّن فى موضعها ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) فى ط : والضمير.

(٤) م : وقولى : «فالكسرة تكون علامة النصب فى جمع المؤنث السالم ...» إلى آخره ، مثال النصب بالكسرة قولك : رأيت الهندات ، ومثال النصب بانقلاب الألف ياء : رأيت الزيدين ، ومثال النصب بانقلاب الواو ياء : رأيت الزيدين ؛ لأنه قد تقدم أنّهما قبل دخول العامل عليهما ، يقال فيهما : الزيدان بالألف ، والزيدون بالواو ، ومثال النصب بحذف النون : الزيدون لن يقوموا ، والزيدان لن يقوما وهند لن تقومى ومثال النصب بالفتحة : إن زيدا لن يركب. أه.

(٥) م : وقولى : «الفتحة تكون علامة للخفض فى الأسماء التى لا تنصرف ...» إلى آخره مثال الخفض بالفتحة : مررت بأحمد ، ومثال الخفض بانقلاب الألف ياء : مررت بالزيدين ، ومثال الخفض بانقلاب الواو ياء : مررت بالزيدين. أه.

٧٢

وانقلاب الألف ياء يكون علامة للخفض فى المثنى (١).

والكسرة تكون علامة للخفض فيما بقى من الأسماء المعربة.

وأما الجزم : فله علامتان ، وهما : السكون ، والحذف :

فالحذف فى صنفين من الأفعال :

أحدهما : ما رفع منهما بالنون (٢) ، جزمه بحذفها.

والآخر : كل فعل فى آخره حرف علة غير مبدل من همزة جزمه أيضا بحذفه ؛ نحو : «لم يغز ، ولم يرم ، ولم يخش» ، ولا يثبت حرف العلة ويكون الجزم بحذف الحركة ، إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الوافر] :

١ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد (٣)

فإن كان مبدلا من همزة نحو : يقرأ ، ويقرئ ، ويوضئ ـ جاز فيه وجهان :

أحدهما : حذف حرف العلة إلحاقا بالمعتل المحض.

__________________

(١) فى ط : جمع المذكر السالم.

(٢) م : وقولى : «أحدهما ما رفع منهما بالنون ...» إلى آخره مثال الجزم بحذف النون : الزيدان لم يقوما ، والزيدون لم يقوموا ، وأنت لم تقومى. أه.

(٣) البيت لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي و (الأنباء) : جمع نبأ وهو خبر له شأن.

و (اللبون) قال أبو زيد : هي من الشاء والإبل : ذات اللبن ، غزيرة كانت أم بكيئة. فإذا قصدوا قصد الغزيرة قالوا : لبنة. وقال ابن السيد ، وتبعه ابن خلف : اللبون : الإبل ذوات اللبن ، وهو اسم مفرد أراد به الجنس.

وبنو زياد هم الكملة : الربيع ، وعمارة ، وقيس ، وأنس ، بنو زياد بن سفيان بن عبد الله العبسي. وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية ، والمراد لبون الربيع بن زياد ، فإن القصة معه فقط.

كما يقال : بنو فلان فعلوا كذا ، إذا كان الفاعل بعضهم ، وأسند الفعل إلى الجميع لرضاهم بفعل البعض.

والبيت أورده سيبويه في موضعين من كتابه على أنه أثبت الياء في حال الجزم ضرورة ؛ لأنه إذا اضطر ضمها في حال الرفع تشبيها بالصحيح قال الأعلم : وهي لغة ضعيفة ، فاستعملها عند الضرورة.

وقال ابن خلف : هذا البيت أنشده سيبويه في باب الضرورات ، وليس يجب أن يكون من باب الضرورات ، لأنه لو أنشد بحذف الياء لم ينكسر ، وإنما موضع الضرورة ما لا يجد الشاعر منه بدا في إثباته ، ولا يقدر على حذفه ، لئلا ينكسر الشعر ، وهذا يسمى في عروض الوافر المنقوص ، أعنى : إذا حذف الياء من قوله : «ألم يأتيك».

٧٣

والثانى : إثباته إجراء له مجرى الصحيح (١).

وعلى / الحذف جاء قوله [من الطويل] :

٢ ـ جرئ متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا وإلا يبد بالظّلم يظلم (٢)

والسكون يكون علامة للجزم فيما بقى من الأفعال المعربة.

__________________

قال البغدادي : هذا كلامه ، ولا يخفى أن ما فسر به الضرورة مذهب مرجوح.

والتحقيق عند المحققين أنها ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا.

وقال ابن جني في «سر الصناعة» : رواه بعض أصحابنا : «ألم يأتك» على ظاهر الجزم ، وأنشده أبو العباس عن أبي عثمان عن الأصمعي :

ألا هل اتاك والأنباء تنمي

 ..........

فالأول فيه الكف ، والثاني فيه نقل حركة الهمزة من أتاك إلى لام هل وحذفها. ورواه بعضهم.

ألم يبلغك والأنباء تنمي

 ............

فلا شاهد فيه على الروايات الثلاث.

ينظر : الأغاني ١٧ / ١٣١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٦٠ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ والدرر ١ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٤٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٢٨ ، ٨٠٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٠ ، ولسان العرب (أتي) ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٣ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٠ ، والإنصاف ١ / ٣٠ ، وأوضح المسالك ١ / ٧٦ ، والجنى الداني ص ٥٠ ، وجواهر الأدب ص ٥٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، والخصائص ١ / ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، ورصف المباني ص ١٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٧٨ ، ٢ / ٦٣١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٨ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٤ ، ١٠ / ١٠٤ والكتاب ٣ / ٣١٦ ، لسان العرب (قدر). (رضي) ، والمحتسب ١ / ٦٧ ، ٢١٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٣٨٧ ، والممتع في التصريف ٢ / ٥٣٧ ، والمنصف ٢ / ٨١ ، ١١٤ ، ١١٥ وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

(١) م : وقولى : «وإثباته إجراء له مجرى الصحيح» مثال ذلك قوله [من الرجز]

عجبت من ليلاك وانتيابها

من حيث زارتنى ولم أورا بها

[البيت بلا نسبة في الدرر ١ / ١٦٣ ، والكتاب ٣ / ٥٤٤ واللسان (ورأ) ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢].

فأثبت الألف من «أورا» فى الجزم لما كانت منقلبة من همزة ، والأصل أورأ بها ؛ لأنها من لفظ الورء أى : ولم أوت بها من ورائى. أه.

(٢) البيت من معلقه زهير بن أبي سلمي. والجرىء : ذو الجراءة والشجاعة. يقول : هو شجاع

٧٤

ذكر الأماكن الّتى يدخل فيها المعرب من الأسماء والأفعال لقب

من ألقاب الإعراب الأربعة.

أما الاسم : فيرفع إذا لم يدخل عليه عامل لفظا ولا تقديرا ، وكان مع ذلك معطوفا على غيره أو معطوفا غيره عليه ؛ نحو قولك : واحد واثنان ، إذا أردت مجرد العدد لا الإخبار. وإذا كان فاعلا ، أو مفعولا لم يسمّ فاعله ، أو مبتدأ ، أو خبره ، أو اسم كان وأخواتها ، أو اسم ما وأختيها : لا ولات ، أو خبر إن وأخواتها أو تابعا لمرفوع ، أو جاريا مجرى المرفوع.

وينصب إذا كان مفعولا مطلقا ، أو مفعولا به ، أو مشبها به ، أو مفعولا فيه ، أو معه ، أو من أجله ، أو حالا ، أو تمييزا ، أو مستثنى ، أو خبر كان وأخواتها ، أو خبر ما وأختيها : لا ولات ، أو اسم لا التى للتبرئة أو اسم إنّ وأخواتها ، أو منادى ، أو تابعا لمنصوب ، أو جاريا مجرى المنصوب.

ويخفض إذا دخل عليه حرف الخفض ، أو أضيف إليه اسم ، أو كان تابعا لمخفوض ، أو جاريا [مجراه] (١).

__________________

متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا ، وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لعزة نفسه وشدة جراءته.

والشاهد قوله : وإلا يبد بالظلم يظلم : الأصل فيه الهمز ، من بدأ يبدأ إلا أنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفا ، ثم حذف الألف للجزم وهذا من أقبح الضرورات ، وحكي عن سيبويه أن أبا زيد قال له : من العرب من يقول : قريت في قرأت فقال سيبويه لأبي زيد : فكيف يقول هؤلاء في المستقبل؟ قال : يقولون : اقرأ يا هذا فقال سيبويه : كان يجب أن تقول : أقري حتى يكون مثل رميت أرمي وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجىء «فعلت أفعل» ، إذا كانت لام الفعل أو عينه من حروف الحلق ، ولا يكاد يكون هذا في الألف ، إلا أنهم قد حكوا أبي يأبي فجاء على «فعل يفعل» ، قال أبو إسحاق : إنما جاء هذا في الألف لمضارعته حروف الحلق فشبهت بالهمزة يعني شبهت بقولهم : قرأ يقرأ وما أشبهه.

ينظر : ديوانه ص ٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٧ ، ٧ / ١٣ ، والدرر ١ / ١٦٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٥ ، والممتع في التصريف ١ / ٣٨١ ، ٢ / ٤٢٨ ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

(١) سقط في ط

٧٥

وأما الفعل : فيرفع إذا عرى من النواصب والجوازم.

وينصب إذا دخل عليه ناصب ، أو عطف على منصوب ، أو كان بدلا منه.

ويجزم إذا دخل عليه جازم ، أو عطف على مجزوم أو جار مجراه ، أو كان بدلا منهما.

فهذه جملة الأماكن التى تكون فيها الأسماء والأفعال معربة بلقب من ألقاب الإعراب.

* * *

٧٦

باب الفاعل

الفاعل : هو اسم (١) [ـ أو ما فى تقديره (٢) ـ متقدّم] (٣) عليه (٤) ما أسند إليه لفظا

__________________

(١) في أ: الاسم المرفوع.

(٢) م : باب الفاعل قولى : «أو ما هو فى تقديره» الذى هو فى تقدير الاسم أنّ وأن وما وكى المصدريات ، إلا أنّ كى لا تستعمل فاعلة ، تقول : يعجبنى أن تقوم ، ويسرنى أنك قائم ، ويسرنى ما صنعته أى : صنعك ، ومن ذلك قوله : [من الوافر]

يسرّ المرء ما ذهب اللّيالى وكان

ذهابهنّ له ذهابا

[وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٣ / ٣٧ ، والجنى الدانى ص ٣٣١ ، والدرر ١ / ٣٥٢ ، وشرح التصريح ١ / ٨٦٢ ، وشرح قطر الندى ص ٤١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٤٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٨١]

أى : يسر المرء ذهاب الليالى. أه.

(٣) سقط في أ.

(٤) م : وقولى : «مقدّما عليه» تحرز من تأخره عنه ؛ لأن الفاعل لا يجوز تقديمه على العامل فيه ، فأمّا قول النابغة : [من الطويل]

فلا بدّ من عوجاء تهوى براكب

إلى ابن الجلاح سيرها اللّيل قاصد

فسيرها مبتدأ لا فاعل بقاصد ، والليل فى موضع خبره ، وقاصد صفة لعوجاء ، ولم يلحقه علامة تأنيث على حد قوله سبحانه وتعالى : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل : ١٨] وكذلك قول امرئ القيس [من الطويل] :

فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة

فقل فى مقيل نحسه متغيّب

[البيت فى ديوانه ص ٩٨٣ ، ولسان العرب (غيب) ، (زهق) ، وتاج العروس (غيب)]

فنحسه مبتدأ ، وليس فاعلا بمتغيب ، وخبره متغيب ، والأصل : متغيب ، على حد قولهم فى دوار : دوارى ؛ للمبالغة ، ثم خفف علي حد قوله [من البسيط] :

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن

وإن لقيت معدّيّا فعدنانى

[البيت لعمران بن حطان فى خزانة الأدب ٥ / ٣٥٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ١٤]

أى : فعدنانى ، ثم حذفت الضمة استثقالا لها فى الياء ، ومثل ذلك قوله : [من البسيط]

يا نعمها ليلة حتّى تخوّنها

داع دعا فى فروع الصّبح شحّاج

[وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص ٢٩ ؛ ولسان العرب (شحج) ؛ وتاج العروس (شحج) وروى : «يا طيبها» بدل «يا نعمها» و «فروع» بدل «بزوغ».]

أى : شحّاجى إلا أنه خفف. أه.

٧٧

أو نية ، على طريقة فعل أو فاعل (١) ، وهو أبدا مرفوع أو جار مجرى (٢) المرفوع ، وارتفاعه بما أسند إليه.

ومرتبته : أن يكون مقدّما على المفعول به ، ويجوز تأخيره عنه بشرط أن يكون فى الكلام لفظ مبين ؛ نحو قولك : «ضرب زيدا عمرو» ، «وضربت موسى سلمى» / ، و «ضرب موسى العاقل عيسى» ، أو معنى مبيّن ؛ نحو قولك : «أكلت الحوّارى سلمى».

فإن لم يكن فى الكلام من ذلك شىء ، لم يجز التقديم ؛ نحو قولك : «ضرب موسى عيسى».

وينقسم الفاعل بالنظر إلى تقديم المفعول عليه وحده ، وتأخيره عنه : ثلاثة أقسام :

قسم لا يجوز فيه تقديم المفعول على الفاعل وحده ، وهو أن يكون الفاعل ضميرا متّصلا (٣) ، أو لا يكون فى الكلام شىء مبين ، أو يكون الفاعل مضافا إليه المصدر المقدر بأن والفعل ، أو بأنّ التى خبرها فعل ، أو اسم مشتق منه.

فأما قوله [من مجزوء الكامل] :

٣ ـ فزججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبى مزاده (٤)

__________________

(١) م : وقولى : «على طريقة فعل أو فاعل» تحرز من طريقة فعل نحو : ضرب زيد ، ومفعول نحو : مررت برجل مضروب أبوه. أه.

(٢) م : وقولى : «أو ما جرى مجراه» أعنى بذلك ما جرى من الأسماء والظروف والمجرورات مجرى الفاعل ، ومثال ذلك : مررت برجل قائم أبوه ، ومررت برجل فى الدار أبوه ، ومررت برجل عليه عمامته. أه.

(٣) م : وقولى : «وهو أن يكون الفاعل ضميرا متصلا ...» إلى آخره مثال كونه ضميرا متصلا : ضربتك ، وضربت زيدا ، ومثال ألّا يكون فى الكلام شىء مبين : ضرب هذا هذا ، ومثال كون الفاعل مضافا إليه المصدر المقدر بأن والفعل : يعجبنى ضرب زيد عمرا ، لا يجوز تقديم المفعول فى شىء من ذلك.

فأما البيت الذى أنشدته فضرورة ، وأما قراءة ابن عامر : (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] فنادرة ، وقد يمكن أن يكون الذى غلطه فى ذلك رسم «شركائهم» فى مصحف أهل الشام بالياء ، فتوهم أن الخفض بإضافة المصدر وأن أولادهم مفعول ، والشركاء فاعل ؛ كما هو فى القراءة الأخرى ، وليس كذلك ، بل الخفض فى شركائهم على أنه بدل من الأولاد ، وخفض الأولاد بإضافة المصدر إليه ، وهو من قبيل بدل الشىء من الشىء ؛ لأن الأولاد شركاء الآباء فى أموالهم. أه.

(٤) قال ابن خلف : «هذا البيت يروى لبعض المدنيين المولدين ، وقيل هو لبعض المؤنثين ممن لا

٧٨

فضرورة.

وقسم يلزم فيه تقديمه عليه ، وهو أن يكون المفعول ضميرا متصلا والفاعل ظاهرا (١) أو متصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول أو على ما اتّصل بالمفعول ، أو يكون الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل بالمفعول ، أو يكون المفعول مضافا إليه اسم الفاعل بمعنى الحال ، أو الاستقبال (٢) ، أو المصدر المقدّر بأن والفعل ، أو بأن التى خبرها فعل ، أو يكون الفاعل مقرونا بإلا ، أو فى معناها المقرون بها ؛ نحو قولك : «إنما ضرب زيدا عمرو» تريد : ما ضرب زيدا إلا عمرو. أو فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٤ ـ وكانت لهم ربعيّة يحذرونها

إذا خضخضت ماء السّماء القنابل (٣)

__________________

يحتج بشعره.

زججته زجا : إذا طعنته بالزج ، بضم الزاى ، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح ، والقلوص بفتح القاف : الناقة الشابة. وأبو مزادة : كنية رجل ، قال صاحب الصحاح : المزج ، بكسر الميم : رمح قصير كالمزراق ومزجة ، يروي بفتح الميم وهو موضع الزج ، يعني أنه زج راحلته لتسرع كما يفعل أبو مزادة بالقلوص. ويجوز أن تكون الميم مكسورة ، فيكون المعنى فزججتها يعني الناقة أو غيرها ، أي رميتها بشيء في طرفه زج كالحربة ، والمزجة ما يزج به. وأراد كزج أبي مزادة بالقلوص أي كما يزجها.

والشاهد فيه : أنه فصل بين المضاف وهو زج ، وبين المضاف إليه وهو : أبي مزادة بالمفعول ، وهو القلوص.

والبيت بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٢٧ ، وتخليص الشواهد ص ٨٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٥ ، ٤١٦ ، ٤١٨ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٣٣ ، والخصائص ٢ / ٤٠٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٧ ، وشرح المفصل ٣ / ١٨٩ ، والكتاب ١ / ١٧٦ ، مجالس ثعلب ص ١٥٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٦٨.

(١) م : وقولى : «وهو أن يكون المفعول ضميرا متصلا ، والفاعل ظاهرا» إلى آخره ، مثال كون المفعول ضميرا متصلا والفاعل ظاهرا : ضربنى زيد ، ومثال أن يتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول : ضرب زيدا غلامه ، ومثال كون المفعول مضافا إليه اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال : هذا ضارب زيد غلامه الآن أو غدا ، ومثال إضافة المصدر المقدر بأن والفعل إلى المفعول : سرّنى قتل الكافر المسلم ، ومثال كون الفاعل مقرونا بإلّا : ما ضرب زيدا إلا عمرو. أه.

(٢) فى ط : الاستثناء.

(٣) البيت للنابغة الذبياني يرثى النعمان بن الحارث «وكانت لهم ربعية» ، يعنى كتيبة أو غزوة في الربيع ، وإنما كان غزوهم في بقية الشتاء ، إذا وجدت الخيل ماء ناقعا في الأرض ، تقطع به الأرض ، وتصل به إلى العدو. ومعنى «خضخضت» حركت ، أي إذا استقوا من ماء

٧٩

فأما قوله [من الطويل] :

٥ ـ فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا

عشيّة أنئاء الدّيار وشامها (١)

فعلى إضمار فعل ، أى : درى ما هيّجت لنا.

وقسم : يجوز فيه التقديم والتأخير ، وهو ما عدا ذلك.

وينقسم المفعول بالنظر إلى تقديمه على العامل وتأخره عنه : ثلاثة أقسام :

قسم يلزم فيه تقديمه على العامل ، وهو أن يكون المفعول اسم شرط (٢) ، أو كم الخبرية فى اللغة الفصيحة ، أو كم الاستفهامية ، أو اسما غيرها من سائر أسماء الاستفهام ، إذا لم يقصد به الاستثبات ، أو إذا كان المفعول ضميرا منفصلا لو تأخر لزم اتصاله ؛ [نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...)] (٣) [الفاتحة : ٤].

وقسم : يلزم فيه تأخيره عنه ، وهو أن يكون المفعول ضميرا متصلا (٤) ، أو العامل

__________________

الغدير فحركوه بالدلاء وغيرها.

والشاهد فيه : تقدم المفعول «ماء» على الفاعل القنابل على جهة اللزوم بسبب ضرورة الشعر.

ينظر : ديوانه (١١٩) ، ولسان العرب (خضض) ، (ربع) ، وجمهرة اللغة (١١٢٨) ، وتاج العروس (ربع).

(١) البيت لذى الرّمة ، وهو : أبو الحارث غيلان بن عقبة والأنثاء كالأبعاد لفظا ومعنى ، والوشام بكسر الواو : جمع وشم ، وهو هنا بمعنى : الأثر ، وهو : فاعل «هيجت» ، والشاهد في قوله : «فلم يدر إلا الله ما» ، حيث قدّم الفاعل المحصور بـ «إلا» وهو : لفظ الجلالة على المفعول «ما» ، وهذا غير جائز عند جمهور النحاة ، وكان الكسائي يسوّغه في الشعر.

ينظر : ديوانه (٢ / ٩٩٩) الدرر (٢ / ٢٨٩) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (٢ / ١٣١) ، تخليص الشواهد (٤٨٧) ، شرح الأشموني (١ / ١٧٧) ، شرح ابن عقيل (٢٤٨) ، المقاصد النحوية (٢ / ٤٩٣) ، همع الهوامع (١ / ١٦١).

(٢) م : وقولى : «وهو أن يكون المفعول اسم شرط ...» إلى آخره ، مثال كونه اسم شرط : من تكرم أكرمه ، ومثال كونه اسم استفهام : أيّ رجل تريد؟ ومثال كونه كم الخبرية : كم درهم ملكت. أه.

(٣) بدل ما بين المعكوفين في ط : نحو قولك : «إياك ضربت».

(٤) م : وقولى : «وهو أن يكون المفعول ضميرا متصلا ...» إلى آخره ، مثال كونه ضميرا متصلا : ضربنى زيد ، ومثال كون العامل غير متصرف : ما أحسن زيدا ، ومثال دخول ما النافية عليه : ما ضربت زيدا ، ومثال دخول لا فى جواب القسم عليه : والله لا أضرب زيدا ، ومثال دخول أداة الاستفهام عليه : هل ضربت زيدا؟ ، ومثال دخول أداة الشرط عليه : إن

٨٠