المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

ومررت بحمار قاسم ، بالنصب.

والأجود ألا يغلبها إذا كان منفصلا ، فيقال : «مررت بسفار قبل» بالإمالة.

وإن فصل بينهما حرف ، غلبته عند بعضهم ؛ نحو قولك : «بقادر» ، بالإمالة ، والأكثر لا يميل.

فإن وقع بعدها ـ أيضا ـ مستعل ، غلبها نحو قولك : «بقادر قبل».

ومن العرب من يقول : «بكافر» ، فيجعل الراء المكسورة تمنع الإمالة إذا فصل بينها وبين الألف حرف ؛ كما تفعل المفتوحة والمضمومة.

والاعتداد بالكسرة المقدّرة فى الراء أقوى من الاعتداد بها فى غيرها ؛ فلذلك يقول : «بحمار» ، بالإمالة فى الوقف ـ من يقول : «مررت بمال» ، بالفتح فى الوقف.

وقد شذّت العرب فى أليفاظ فأمالتها ، وبابها ألا تمال ؛ لعدم موجب الإمالة ، وهى «الحجّاج» اسما علما ، و «النّاس» ، و «باب» ، و «مال» ، و «قاب» ، و «طلبنا» ، و «طلبنا» ، وقال بعضهم : «رأيت عرقا وضيقا» ، فأمال ولم يعتدّ بالقاف.

وقد يجرون مجرى الألف فى الإمالة الفتحة ، فيميلونها إذا كان بعدها راء مكسورة تليها ؛ نحو قولك : «من البقر» ، و «خبط رياح» والصرر ، أو بينهما حرف ساكن أو مكسور ؛ نحو : «من عمرو وباشر» ، والمتّصلة أقوى فى إيجاب الإمالة من المنفصلة (١).

فإن كان بعد الراء المكسورة حرف مستعل ، لم تجز الإمالة ؛ نحو : «الشّرق».

ومن (٢) العرب من يميل الفتحة للإمالة بعدها إذا كان الحرف الذى قبل الألف الممالة حلقيا ، أو للكسرة التى بعدها وتليها ، وإن لم تكن في راء ، وقد قرئ : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [الأنعام : ٣٣] ، و (رَأى كَوْكَباً) [الأنعام : ٧٦] ، بإمالة الفاء للكسرة بعدها ، وبإمالة الراء لإمالة الهمزة بعدها.

__________________

(١) م : وقولى : «والمتصلة أقوى فى إيجاب الإمالة من المنفصلة» أعنى : أن الإمالة فى مثل ؛ من البقر ، أقوى من الإمالة فى خبط رياح. أه.

(٢) في ط : عن.

٤٠١

فإن لم يكن حلقيا ، فالإمالة قبيحة ، وقد حكيت لغيّة (١).

فإن ذهبت / الكسرة بالتخفيف ، أو الألف الممالة لالتقاء الساكنين ، لم تمل الفتحة ؛ نحو قوله تعالى : (رَأَى الْقَمَرَ) [الأنعام : ٧٧] ونحو قولك : «رحمه الله» ، فى : «رحمه الله».

ومنهم من يبقى الإمالة ، ولا يعتدّ بذهاب موجبها.

هذا ما لم تكن الفتحة فى حرف مضارعة ، أو ياء أو مفصولا بينها وبين كسرة بياء.

فإن كانت كما ذكر ، لم تمل ؛ نحو : يعد ، وتعد ، ونعد ، وأعد ، ويزيد اسم رجل ، ومررت بغير.

وسواء كانت الكسرة فى راء ، أو فى غير ذلك من الحروف (٢).

وكذلك ـ أيضا ـ قد يجرون الضمّة مجرى الفتحة ، إذا كان بعدها تليها راء مكسورة ؛ نحو «من المنقر» ، و «خبط رياح» فيشمونها الكسر ، والمتصلة أقوى فى ذلك من المنفصلة ، ويجرون ـ أيضا ـ الواو الساكنة المضموم ما قبلها مجرى الضمّة فى ذلك ؛ فيقولون : «ابن بور» ، فيشمون الكسرة فى الواو ، ويخلّصون الضمّة التى قبلها.

وقد تبلغ ـ أيضا ـ الحروف ثلاثة وأربعين حرفا ، بفروع غير مستحسنة لا توجد إلا فى لغة ضعيفة ، وهى الكاف التى كالجيم ؛ نحو : جمل ، فى كمل ، والجيم التى كالكاف ؛ نحو : «ركل» ، فى رجل ، والجيم التى كالشين ؛ نحو : «اشتمعوا» ، فى اجتمعوا ، والطاء التى كالتّاء ؛ نحو : «تال» ، فى طال ، والضّاد الضعيفة ، وهى الثّاء المقربة من الضّاد ، يقولون : «إضر ذلك» ، فى : إثر ذلك ، والصاد التى كالسين ، نحو : «سابر» ، فى صابر ، والباء التى كالفاء ، وهى

__________________

(١) م : وقولى : «فإن لم يكن حلقيا ، فالإمالة قبيحة ، وقد حكيت لغية» مثال ذلك : رمى بإمالة فتحة الراء ؛ لأجل إمالة فتحة الميم ، وإن لم تكن الميم من حروف الحلق كما تفعل ذلك فى رأى ، وأمثاله إلا أن ذلك لغة ضعيفة. أه.

(٢) م : وقولى : «وسواء كانت الكسرة فى راء أو فى غير ذلك من الحروف» أعنى : أنها لا تمال فتحة حرف المضارعة فى مثل يروم ؛ كما لا تمال فى مثل يغر. أه.

٤٠٢

على ضربين :

أحدهما : لفظ الباء ، أغلب عليه من لفظ الفاء.

والآخر : بالعكس ؛ نحو : «بلج».

والظاء التى كالثاء ؛ نحو : «ثالم» ، فى : ظالم.

* * *

٤٠٣

ذكر مخارج الحروف العربيّة الأصول

وهى ستّة عشر مخرجا (١) ، فللحلق منها ثلاثة (٢) ، فأقصاها مخرجا الهمزة والألف والهاء.

فالمتوسّط منها : العين فالحاء (٣) ، وأدناها إلى اللسان : الغين فالخاء (٤) ، ومن أقصى اللسان فما (٥) فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف ، ومن أسفل من موضع القاف

__________________

(١) المخارج جمع مخرج ، وهو موضع خروج الحرف من الفم وفي الطيبة [من الرجز] :

مخارج الحروف سبعة عشر

على الّذي يختاره من اختبر

قال العلامة النويري في شرحه عليها (١ / ٢٧١) : وهي سبعة عشر مخرجا ، وهو الصحيح ومختار المحققين كالخليل بن أحمد ، ومكي بن أبي طالب ، والهذلي ، وابن شريح ، وغيرهم ، وهو الذي أثبته ابن سينا في كتاب أفرده في المخارج.

وقال سيبويه وكثير من القراء والنحاة : هي ستة عشر خاصّة ، فأسقطوا مخرج حروف المد ، وجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق ، والواو والياء من مخرج المتحركتين.

وقال قطرب والفراء والجرمي : هي أربعة عشر ، فجعلوا النون واللام والراء من مخرج واحد.

واعلم أن مخارج الحروف دائرة على ثلاث : الحلق والفم والشفة ، هذا عند سيبويه وصرح به ، وأمّا عند الخليل فيمكن أن يقال : أربع ، فيزاد الجوف.

فائدة : يتبيّن مخرج الحرف بأن تنطق قبله بهمزة وتسكنه ؛ والله تعالى أعلم.

(٢) الأول : الألف ، والثاني : الواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والثالث : الياء الساكنة المكسور ما قبلها ، وتسمى هذه الثلاثة حروف المد والحروف الهوائية والجوفية.

قال الخليل : ونسبن إلى الجوف ؛ لأنه آخر انقطاع مخرجهن. قال : وزاد الخليل فيهن الهمزة. قال : لأن مخرجها الصّدر وهو متصل بالجوف ؛ والله أعلم.

وأمكن الثلاثة عند الجمهور : الألف ، وقال ابن الفحام : أمكنهن في المد الواو ، ثم الياء ، ثم الألف. والجمهور على أن الفتحة من الألف ، والضمة من الواو ، والكسرة من الياء ، والحروف عند هؤلاء قبل الحركات. وقيل : بالعكس ، وقيل : ليس كل منهما مأخوذا من الآخر. قلت : وهذا هو الصحيح لأن الحركة عرض لازم للحرف المتحرك لا يوجد الّا به فليس أحدهما أسبق من الآخر ، ولا متولدا منه لأنه متى فرض متحركا لا يمكن النطق به إلا مع حركته والله أعلم.

وتسمى أيضا الحروف الخفية ، وكذا الهاء وسميت خفية ، لأنها تخفى في اللفظ ولخفائها قويت الهاء بالصلة والثلاثة بالمد عند الهمزة ؛ قاله النويري في شرح الطيبة ١ / ٢٧٣ ، ٢٧٤.

(٣) في ط : والحاء.

(٤) في ط : فالحاء.

(٥) في أ: وما.

٤٠٤

قليلا وما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف (١) ، ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء (٢) ، ومن بين أول حافّة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضّاد ، وتتكلّف من الجانبين الأيمن والأيسر (٣) / ، ومن أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضّاحك (٤) والنّاب والرباعية والثّنيّة مخرج اللام ، ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثّنايا مخرج النون ، ومن مخرج النون ، غير أنّه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام مخرج الراء (٥) ، ومن بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء والذال والتاء (٦) ،

__________________

(١) القاف والكاف يسمى كل منهما لهويّا ، نسبة إلى اللهاة ، وهي بين الفم والحلق : ومنهم من يقول : في الكاف أقصى اللسان وما فوقه من الحنك ممّا يلي مخرج القاف. قال ابن الحاجب : وهو قريب ، لأن هذا الحرف قد يوجد على كل من الأمرين حسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل على حسب وجدانه.

ينظر شرح طيبة النشر ١ / ٢٧٧.

(٢) وقال المهدوي : الشين تلي الكاف ثم الجيم ثم الياء ، ومراده الياء غير المدية ، وأمّا هي فتقدمت في الجوفية ، وهذه الثلاثة هي الشجرية ، لخروجها من شجر الفم وهو منفتح ما بين اللحيين ، وشجر الحنك ما يقابل طرف اللسان ، وقال الخليل : الشجر مفرج الفم ؛ أي : منفتحه ، وقال غيره : هو مجتمع اللحيين عند العنفقة.

(٣) ويدل كلام سيبويه على ذلك.

وقال الخليل : هي شجرية أيضا ؛ يريد من مخرج تلك الثلاثة والشّجر عنده مخرج الفم أي : منفتحه ، وقال غيره : هو مجمع اللحيين عند العنفقة ، فلذلك لم تكن الضاد منه ، وقيل : إن عمر رضي الله عنه كان يخرجها من الجانبين ، ومنهم من يجعل مخرجها قبل مخرج الثلاثة.

(٤) قال ابن الحاجب : كان ينبغي أن يقال : فويق الثنايا ، إلّا أن سيبويه ذكر ذلك فلذلك عددوا ، وإلا فليس في الحقيقة فوق ذلك ، لأن مخرج النون يلي مخرجها ، وهو فوق الثنايا ؛ وأطال في ذلك ، فانظره.

وقال أيضا : وليس ثمّ إلا ثنيتان ، وإنما جمعوهما لأن لفظ الجمع أخف وإلا فالقياس أطراف الثنيتين.

(٥) اللام والنون والراء يقال لها : الذلقية ، نسبة إلى موضع مخرجها وهو طرف اللسان ؛ لأن طرف الشيء ذلقه ، وقال الفراء وقطرب والجرمي وابن كيسان : الثلاثة من مخرج واحد وهو طرف اللسان.

(٦) قال ابن الحاجب : قوله : «وأصول الثنايا» ليس بحتم ، بل قد يكون من بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع ، وزاد بعضهم : «مصعدا إلى جهة الحنك» ويقال لهذه الثلاثة : النطعية لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى وهو سطحه.

٤٠٥

ومن بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الصاد والزّاى والسين (١) ، ومن [باطن الشفة السفلى](٢) وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء ، ومن بين الشّفتين مخرج الباء والميم والواو ، ومن الخياشيم مخرج النون الخفيّة.

وهذه الحروف تنقسم إلى : مهموس (٣) ، يجمعها : [قولك](٤) : «ستشحثك خصفه».

ومجهور ، وهو سائر الحروف.

والمجهور : حرف أشبع الاعتماد عليه فى موضعه ، فمنع النّفس أن يجرى معه حتى ينقضى (٥) الاعتماد ، والمهموس ضدّه ، غير أن الميم والنون من المجهورة قد يعتمد لهما فى الفم والخياشيم فتصير فيهما غنّة.

وتنقسم ـ أيضا ـ إلى شديدة ورخوة (٦) وبينهما.

فالشديدة : يجمعها قولك : «أجدتّ طبقك» والتى بينهما «لم يرعونا».

والرخوة : سائر الحروف.

والشّديد : حرف يمتنع الصّوت أن يجرى فيه لانحصاره (٧). والرخو ضدّه ، والذى بينهما لا يجرى الصوت فى موضعه عند الوقف ، بل تعرض له أعراض وتوجب خروج الصوت باتصاله بغير موضعه.

فأمّا العين فتصل إلى الترديد فيها ؛ لشبهها بالحاء ؛ كأنّ صوتها ينسلّ إليها.

__________________

(١) وهذه عبارة سيبويه.

(٢) في ط : بين طرف اللسان.

(٣) الهمس لغة : الصوت الخفي ، ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد : [من الوافر]

فباتوا يدلجون وبات يسرى

بصير بالدّجى هاد هموس

فسميت بذلك لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت معها قوته في المجهورة ، فصار في التصويت بها نوع خفاء [والخاء المعجمة والصاد المهملة] أقوى ممّا عداهما وإذا منع الحرف النفس أن يجرى معه كان مجهورا.

(٤) سقط في أ.

(٥) فى أ: يقضى.

(٦) فى أ: شديد ورخو.

(٧) فى أ: لانحساره.

٤٠٦

وأمّا اللام : فإنّ الصوت يمتدّ فيها ؛ لأنّ ناحيتى مستدقّ اللسان تتجافيان ؛ فيخرج الصوت منهما ، ولا يخرج من موضع اللام ؛ لأنّ طرف اللسان لا يتجافى.

وأمّا الميم والنون : فيجرى معهما الصوت فى الأنف (١) ؛ لأنّ الغنّة صوت ولا يجرى في الفم ؛ لأنّ اللسان لازم لموضع الحرف.

وأمّا الراء : فللتكرار الذى فيها ، قد (٢) يتجافى اللسان بعض تجاف ؛ فيجرى معه الصوت.

وأمّا الياء والواو والألف : فلأن مخرجها اتّسع بهواء الصوت ؛ فلها أصوات / فى غير موضعها من الفم.

وتنقسم ـ أيضا ـ إلى : مطبق ومنفتح.

فالمطبق أربعة أحرف : الطاء ، والظاء ، والصاد ، والضاد (٣).

والمنفتح (٤) : سائر الحروف.

والإطباق : أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقا له ، والانفتاح ضدّ ذلك.

وتنقسم أيضا : إلى مستعل ومنخفض ، فالمستعلية (٥) : المطبقة مع الخاء والغين والقاف.

والمنخفضة : سائر الحروف.

__________________

(١) فى ط : الألف.

(٢) فى ط : وقد.

(٣) قال في الطيبة ١ / ٢٩٢ :

وصاد ضاد طاء ظاء مطبقه

 ...........

قال الشيرازي : ولو لا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ؛ لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ، ولخرجت الضاد من الكلام.

(٤) الانفتاح في اللغة : الافتراق ، واصطلاحا : تجافي كل من الطائفتين ، أي : طائفتي اللسان والحنك عن الأخرى ، حتى يخرج الريح عند النطق بالحرف. ينظر : نهاية القول المفيد في علم التجويد : ٥١.

(٥) المستعلية سبعة أحرف يجمعها قولك : «ضغط قظ خص» ، سمّيت مستعلية لاستعلائها في الحنك ، وما عداهن من الحروف فمستفل.

٤٠٧

والاستعلاء : تصعّد اللسان إلى الحنك الأعلى ؛ انطبق أو لم ينطبق ، والانخفاض : ضدّ ذلك.

وتنقسم ـ أيضا ـ إلى مكرر ، وهو الراء ، وغير مكرّر ، وهو سائر الحروف.

[و] أعنى بالتكرار : تعثّر طرف اللسان فيها عند الوقف.

وتنقسم ـ أيضا ـ إلى : أغنّ وهو الميم والنون ، وغير أغنّ وهو سائرها ، والغنّة : صوت فى الخياشيم.

فهذه جملة الصفات المؤثرة فى الإدغام (١).

* * *

__________________

(١) الإدغام لغة : الإدخال ، ومنه : أدغم الفرس اللجام ، إذا أدخله في فيه.

والإدغام : أن تصل حرفا ساكنا بحرف متحرك فتصيّرهما حرفا واحدا مشدّدا يرتفع اللسان عنه ارتفاعة واحدة ، ويكون بوزن حرفين ، وإنّما يدغم الحرفان أحدهما في الآخر إذا كانا متكافئين وكان المدغم أنقص مزيّة من المدغم فيه ، ولا يدغم الأزيد في الأنقص ، نحو الضاد ، لا تدغم في غيرها ، وإن قاربها من أجل الاستطالة التي فيها والجهر والاستعلاء ، وكذلك الشين والميم والفاء والراء والواو والياء وما أشبههن ، لا يدغمن فيما قاربهن للتفشي الذي في الشين ، والتكرير الذي في الراء ، والمدّ الذي في الواو والياء لأنهن لو أدغمن لاختللن لذهاب الزيادة التي فيهن وذهابه ، وإنّما يدغم الحرف الزائد في مثله ولا يدغم فيما قاربه ، وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام ، وأدغم الكسائي الفاء في الباء. فإذا كان أصل الإدغام إنّما هو لتقارب الحروف في المخارج وامتناع الإدغام لتباعدها وكان للأزيد مزية من الحروف ـ لا يدغم في الأنقص ، وإنما يدغم الأنقص في الأزيد.

ينظر شرح الهداية في توجيه القراءات ١ / ٧٤ ـ ٧٥.

٤٠٨

أحكام المتقاربات فى الإدغام

ذكر حروف الحلق

أمّا الألف والهمزة : فلا يدغمان فى شىء ، ولا يدغم فيهما [شيء](١).

وأمّا الهاء : فإذا اجتمعت مع الحاء ، فإن تقدّمت عليها ، جاز البيان ، وهو الأحسن ، وقلب الهاء حاء وإدغامها فى الحاء ، فتقول : اجبه حاتما ، واجبه حّاتما.

فإن تقدّمت عليها الحاء ، فالبيان ، ولا يجوز الإدغام حتى تحول الهاء حاء ، فتقول : «امدح حلالا» ، تريد : امدح هلالا ، وهو قليل.

وإن اجتمعت مع العين ، فالبيان ، تقدّمت عليها أو تأخرت ، ولا يجوز الإدغام ، إلا أن تقلبهما حاءين ، وتدغم إحداهما فى الأخرى ، فتقول : «اجبحّتبة» ، تريد : اجبه عتبة.

وأما العين : فإذا اجتمعت مع الحاء ، فإذا (٢) تقدّمت عليها ، كنت بالخيار إن شئت ، أدغمت ، فقلبت العين حاء ؛ نحو : «اقطع حملا» ، وإن شئت لم تدغم.

وإن تقدمت الحاء ، فالبيان ، ولا يجوز الإدغام إلا أن تقلب العين حاء ، وتدغم الحاء فى الحاء ، فتقول : امدحّتبة ، تريد : امدح عتبة.

وأمّا الغين مع الخاء : فإنه يجوز فيها البيان والإدغام ، كيفما اجتمعتا ؛ فتقول : اسلخ غّنما وادمغ خّلفا.

[و] لا يجوز إدغام واحد من الحاء والهاء والعين فى الغين والخاء ، ولا إدغامهما فيها.

* * *

__________________

(١) سقط في ط.

(٢) في أ: فإن.

٤٠٩

ذكر حروف اللّسان / فى الإدغام

فأولها ممّا يلى الحلق كما تقدّم :

الكاف والقاف ، وكلّ واحد منهما يدغم فى صاحبه ؛ فتقول : «الحق كّلدة» و «انهك قّطنا».

وإن شئت بيّنت ، إلّا أنّ البيان فى : انهك قطنا ، وأمثاله ـ أحسن من الإدغام ، ولا يجوز إدغام القاف والكاف فى غيرهما ، ولا إدغام غيرهما فيهما.

ثم الجيم والشين والياء :

أما الجيم : فإنها تدغم فى الشين خاصة ، فتقول : «أخرج شّيئا» ، ويجوز البيان ، وكلاهما حسن.

وتدغم فيها ستّة أحرف : الطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ؛ نحو : «لم يربط جّملا» ، و «قد جعل» ، [و] (وَجَبَتْ جُنُوبُها ...) [الحج : ٣٦] ، و «احفظ جّابرا» و «انبذ جّعفرا» ، و «ابعث جّامعا».

والبيان فى جميع ذلك أحسن ، وإذا أدغمت الطاء والظاء فى الجيم ، فالأحسن أن تبقى الإطباق ، ويجوز إذهابه.

وأمّا الشين : فإنّها لا تدغم فى شىء ، وتدغم فيها الجيم ؛ كما تقدم. والطاء والظاء والذال والتاء والدّال والثّاء واللام ؛ نحو قولك : لم يربط شبثا ، وقد شّاء ، وأنبتت شثّا ، واحفظ شّيئا ، وانبذ شّرابا ، وابعث شّافعا ، واجعل شّيئا ، والبيان فى جميع ذلك عربىّ جيّد.

وأمّا الياء : فلا تدغم إلا فى الواو خاصة بشرط أن يكونا فى كلمة واحدة (١) على ما نبيّن بعده ، ولا يدغم فيها إلا النون ؛ نحو : (مَنْ يُؤْمِنُ) [التوبة : ٩٩].

ثم الضاد ، ولا تدغم إلا فى الطاء ، إذا كانت معها فى كلمة واحدة ؛ نحو ما حكى من قولهم : مطّجع فى : مضطجع ، ولا يقاس عليه ، وتدغم فيها الطاء والدال والتاء

__________________

(١) م : باب أحكام المتقاربات فى الإدغام قولى : «وأما الياء فلا تدغم إلا فى الواو خاصّة ؛ بشرط أن يكونا فى كلمة واحدة» مثال ذلك : سيّد ، الأصل : سيود لأنه من ساد يسود انقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء. أه.

٤١٠

والظاء والذال والثاء واللام ؛ نحو قولك : هل ضّلّ زيد؟ ، وابعث ضّرمة ، وضجّت ضّجّة ؛ قال [من الرجز] :

٢٤٩ ـ

ثار فضجّضّجّة ركائبه (١)

و «اضبط ضّرمة» ، و «احفظ ضّرمة» ، و «خذ ضّرمة» ، و «قد ضّعف زيد».

والبيان فى جميع ذلك عربىّ جيد.

ثم اللام والنون والراء.

أمّا اللام : فإنّها تدغم فى ثلاثة عشر حرفا ، وهى التاء ، والثاء ، والدال ، والذال ، والسين ، والشين ، والراء ، والزاى ، والطاء ، والظاء ، والصاد ، والضاد ، والنون.

فإن كانت اللام للتعريف التزم الإدغام ، وإن كانت لغير تعريف ، جاز الإدغام ، والبيان.

والإدغام فى بعض هذه الحروف أحسن منه فى بعض ، فإدغامها فى الراء ؛ نحو : «هل رأيت؟» ، أحسن منه فى / سائرها ، ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الطاء ؛ نحو : «أنل طّيبا» ، والتاء ؛ نحو : «هل تّعلم؟» ، والدال ؛ نحو : «هل دّنا زيد؟» ، والصاد ؛ نحو : «هل صّبر؟» ، والسين ؛ نحو : «هل سّمعت؟» والزاى نحو : «هل زّال الشىء؟».

ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الثاء ؛ نحو : (هَلْ ثُوِّبَ ...) [المطففين : ٣٦] ، والذال ؛ نحو : «هل ذّريت الحبّ؟» والظاء ؛ نحو : «هل ظلم؟».

ويلى ذلك فى الجودة إدغامها فى الضاد ؛ نحو : «هل ضلّ؟» ، وفى الشين ؛ نحو قول طريف (٢) [من الطويل] :

__________________

(١) البيت للقناني.

الشاهد فيه قوله : «فضجضّجة» وأصله : «فضجت ضجّة» فأدغم التاء في الضاد.

ينظر : شرح أبيات سيبويه (٢ / ٤١٧) ، الممتع في التصريف (٢ / ٦٩١ ، ٧٠٥).

(٢) طريف بن تميم العنبري ، أبو عمرو : شاعر مقل ، من فرسان بني تميم في الجاهلية ، قتله أحد بني شيبان. ينظر : سمط اللآلي / ٢٥٠ ، ٢٥١ ، الأعلام ٣ / ٢٢٦.

(٣) الشاهد فيه قوله : «هشيء» حيث أدغم لام «هل» ف شين «شيء» لا تساع مخرج الشين وتفشيها واختلاطها بطرف اللسان ، واللام من حروف طرف اللسان فأدغمت فيها لذلك ، =

٤١١

٢٥٠ ـ تقول إذا استهلكت ما لا للذّة

فكيهة هشّىء بكفّيك لائق؟ (١)

يريد : هل شىء؟.

وإدغامها فى النون دون ذلك كلّه ؛ نحو : «هل نّرى زيدا؟» ، والبيان أحسن منه ، ولا يدغم فيها إلا النون.

وأمّا النون : فتدغم فى الحروف التى يجمعها «ونرمل» ؛ نحو قولك : «من لّك؟». و «من وّال» و «من نّؤمن؟» ، «من رّشد» ، و «من مّاء».

ويلزم الإدغام إن كانت ساكنة ، ولا يلزم إن كانت متحرّكة ؛ نحو : «ختن موسى» ، وإذا أدغمتهما فيما عدا الميم ، فإن شئت أبقيت الغنّة ، وإن شئت أذهبتها ، وتظهر عند سائر حروف الحلق (٢) ، وقد تخفى مع الغين والخاء منها (٣) ، وتخفى مع سائر حروف الفم إلا الباء (٤). وسنبيّن حكمها.

ولا يدغم فيها إلا اللام ، وقد تقدّم ذكر ذلك.

وأمّا الراء : فلا تدغم فى شىء ، وقد حكى إدغامها فى اللام ؛ نحو : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [آل عمران : ٣١] ، إلا أنّ ذلك شاذّ ولا يدغم فيها إلا اللام والنون ؛ وقد تقدّم ذكر ذلك.

__________________

ينظر : شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٤١ ، ١٤٢ ، والكتاب ٤ / ٤٥٨ ، واللامات ص ١٥٥ ، ولسان العرب (ليق) ، (هلك) ، (فكه) ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٩٤ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٥٢ ، وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٤٨.

(١) م : وقولى : «وتظهر عند حروف الحلق» مثال ذلك : ينأى وينهى وينغى وينخل وينحل وينعق. أه.

(٢) م : وقولى : «وقد تخفى مع الخاء والغين منها» مثال ذلك : منخل ومنغل حكى فيهما الإخفاء. أه.

(٣) م : وقولى : «وتخفى مع سائر حروف الفم» مثال ذلك : ينفه ، ويستنكف ؛ فتخفى النون مع الفاء والكاف ، وكذلك يفعل بها مع سائر حروف الفم إلا الباء ؛ فإنها تقلب ميما إذا وقعت قبلها ، نحو : شنباء. أه.

(٤) م : وقولى : «ثم الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء كل واحد منها يدغم فى الخمسة الباقية» مثال إدغام الطاء فى الخمسة الباقية اربط دارما ، ولم تربط تميما ، واربط ثابتا ، واربط ظالما ، واربط ذئبا.

ومثال إدغام الدال فى الخمسة الباقية : قد طوى ، وقد توى ، وقد ظلم ، وقد ذكر ،

٤١٢

ثم الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء ، كلّ واحد منها يدغم فى الخمسة الباقية (١) ، وتدغم الخمسة فيه وتدغم ـ أيضا ـ الستة فى الضاد والجيم والشين والصاد والزاى والسين (٢) ، إلا أنّ الإدغام فى جميع ذلك إذا كان الأوّل ساكنا أحسن منه إذا كان متحرّكا.

والإدغام فى كلّ حال أحسن من البيان ، وإذا أدغمت الطاء والظاء منها فى غير مطبق مثل أن يدغم فى الدال والتاء ، فالأحسن ألا يقلبا إلى جنس ما يدغمان فيه بالجملة ؛ بل يبقى الإطباق.

وإذهاب الإطباق منهما مع ما كان من غير المطبقات أشبه بهما ـ أحسن من إذهابه مع ما ليس كذلك ؛ فإذهابه من الطاء إذا أدغمت فى الدال لاجتماعهما فى الشّدّة ، أو فى / الزاى لاجتماعهما فى الجهر ، أحسن من إذهابه مع التّاء ؛ لأنّها رخوة مهموسة ، ولا يدغم فيها من غيرها إلا اللام ، وقد تقدّم ذكر ذلك.

__________________

وقد ثبت ، ومثال إدغام التاء فى الخمسة الباقية : قالت طائفة ، وجاءت دّنيا ، ورأت ظلاما ، وقتلت ذئبا وأخذت ثعلبا ، ومثال إدغام الظاء فى الخمسة الباقية : عظ تميما ، وعظ دارما ، وعظ طائفة ، وعظ ثابتا ، وعظ ذّبيان.

ومثال إدغام الذال فى الخمسة الباقية : إذ توى ، وإذ ثوى ، وإذ دنا أنشد أبو العلاء النحوى [من السريع] :

عسعس حتّى لو يشاء إذ دّنا

كان لنا من ضوئه مقبس

[ينظر البيت لامرئ القيس فى زيادات ديوانه ص ٤٦٣ ، والأضداد لابن الأنبارى ص ٢٧ ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ١ / ٧٨ ، ولسان العرب (عسس) ، وكتاب العين ١ / ٧٤ ، وتاج العروس (عسس) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤٢].

وإذ ظلم ، وإذ طال.

ومثال إدغام الثاء فى الخمسة الباقية : ابعث تميما ، وابعث دارما ، وابعث طائفة ، وابعث ذيارا ، وأبعث ظافرا. أه.

(١) م : وقولى : «وتدغم ـ أيضا ـ الستة فى الصاد والجيم والشين والضاد والزاى والسين» مثال إدغام الطاء فى الضاد وأخواتها : اربط ضابئا ، ولا تربط جابرا ، أمط شرّا ، حط صابرا ، اربط زماما ، لا تربط سلمة.

إدغام الدال فى الضاد وأخواتها : قد ضرب ، قد جاء ، قد شاء ، قد صاد ، قد زال ، قد ساء ومثال إدغام التاء فى الضاد وأخواتها : مقتت ضرتها ، هبت جنوب ، هبت شمال ، جاءت صبح ، أتت زينب ، أقبلت سلمى.

ومثال إدغام الظاء فى الضاد وأخواتها : عظ ضابئا ، عظ جابرا ، عظ شبيبا ، عظ صابرا ، عظ زيدا ، عظ سلمة.

٤١٣

ثم الصاد والسين والزاى ، كلّ واحدة تدغم فى الأخرى ، وسواء كان الأوّل متحركا أو ساكنا ، والإدغام أحسن من البيان ، إلا أن الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان متحرّكا ؛ نحو قولك : «لم يحبس صّابر» ، و «حبس صابر» ، و «لم يحبس زّيد» ، و «حبس زيد» ، و «لم يوجز سّلمة» ، و «أوجز سلمة» ، و «لم يوجز صّابر» ، و «أوجز صابر» ، و «لم يفحص زّردة» و «فحص زردة» و «لم يفحص سّالم» ، و «فحص سالم».

وإذا أدغمت الصاد فى الزاى والسين ، فالأحسن أن تبقى إطباقها ، ويجوز إسقاطه وإسقاطه مع السين أحسن منه مع الزاى وتدغم فيها من غيرها اللام ، وقد تقدّم ذلك فى فصلها ، والطاء والدّال والتاء والظاء والذال والثاء ، وقد تقدّم ذلك فى فصل الطاء وأخواتها.

ثم الفاء ولا تدغم فى شىء وتدغم فيها الباء ؛ تقول : «اذهب فى ذلك».

ثم الباء ، وهى تدغم فى الفاء كما ذكرنا ، وفى الميم ؛ نحو : «اصحب مّطرا» ، ولا يدغم فيها شىء.

ثم الميم ولا تدغم فى شىء ، وتدغم فيها النون والباء ، وقد تقدّم ذلك.

ثم الواو وهى تدغم فى الياء (١) خاصّة بشرط أن تكون معها فى كلمة واحدة على ما نبيّن ، وتدغم فيها النون والياء ، وقد تقدّم ذكره.

واعلم : أنّه لا يدغم أحد المتقاربين فى الآخر فى جميع ما تقدّم ذكره إلا بشرط أن يكون الثانى منهما متحرّكا ، فإن كان ساكنا لم يجز إلا الإظهار ؛ نحو قولك : «قد اتعظ زيد» ، و «من القوم»

وقد شذّت العرب ، فحذفت النون من «بنى» إذا اجتمعت مع لام التعريف فى

__________________

ومثال إدغام الذال فى الضاد وأخواتها : إذ ضرب ، وإذ جعل ، وإذ شرب ، وإذ صبر ، وإذ سمع ، وإذ زال.

مثال إدغام الثاء فى الضاد وأخواتها : ابعث ضابئا ، وابعث جابرا ، وابعث شفيعا ، وابعث صابرا ، وابعث زيدا ، وابعث سلمة. أه.

(١) م : وقولى : «ثم الواو ، وهى لا تدغم إلا فى الياء» مثال ذلك : طىّ ، والأصل : طوى ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ؛ على ما نبين بعد ، إن شاء الله تعالى. أه.

٤١٤

أسماء القبائل بشرط أن تكون اللام ظاهرة فى اللفظ ؛ نحو : «بلحارث» ، و «بلعنبر» ، و «بلهجيم» و «بلقين» ، والأصل : بنو الحارث ، وبنو العنبر ، وبنو الهجيم ، وبنو القين ، فحذفت علامة الجمع لالتقاء الساكنين ، ثم حذفت النون تخفيفا لمّا كثر الاستعمال ، فإن لم تكن اللام ظاهرة ، لم يجز حذف النون تخفيفا ؛ نحو : «بنى النّجّار» ، لا يقال : «بنّجّار» /.

* * *

٤١٥

باب التقاء السّاكنين من كلمتين

إذا التقى الساكنان من كلمتين ، فإن كان الأوّل منهما صحيحا ، حذفته إن كان النون الخفيفة اللاحقة للأفعال ؛ نحو قوله [من الخفيف] :

٢٥١ ـ لا تهين الفقير علّك أن تر

كع يوما والدّهر قد رفعه (١)

أى : لا تهنن.

وكذلك تحذفه إن كان التنوين (٢) ، وكان الساكن الثانى الباء من «ابن» الواقع صفة بين علمين أو ما جرى مجراهما فى الشّهرة ، أو بين متّفقى اللفظ ، وإن لم يكونا علمين ولا جاريين مجراهما ، وإنما حذفته ؛ لكثرة الاستعمال مع التقاء الساكنين ؛ ولذلك تقول : هند بنت فلان ، فتثبت التنوين فى : هند ، على لغة من صرف ، ومن العرب من يحذف لمجرّد كثرة الاستعمال ، ومن لغته ذلك يحذف التنوين من هند ، وإن كانت لغته الصّرف ، فأمّا قوله [من الرجز] :

__________________

(١) البيت : للأضبط بن قريع.

لا تهين الفقير : الإهانة : الإيقاع في الهون بالضم ، والهوان بالفتح ، وهما بمعنى الذلّ والحقارة. و (علّ) بفتح اللام وكسرها : لغة في لعلّ ، وهي هنا بمعنى عسى.

والشاهد فيه قوله : «لا تهين الفقير» حيث حذف نون التوكيد الخفيفة ، والأصل «لا تهينن الفقير» لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة دليلا عليها.

ينظر : الأغاني ١٨ / ٦٨ ، والحماسة الشجرية ١ / ٤٧٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، ٤٥٢ ، والدرر ٢ / ١٦٤ ، ٥ / ١٧٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٨ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٥١ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٦٠ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٥٣ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٩٠ ، والمعاني الكبير ص ٤٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢٢١ ، وأوضح المسالك ٤ / ١١١ ، وجواهر الأدب ص ٥٧ ، ١٤٦ ، ورصف المباني ص ٢٤٩ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٠٤ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٩ / ٤٣ ، ٤٤ ، ولسان العرب (قنس) (ركع) ، (هون) ، واللمع ص ٢٧٨ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٤ ، ٢ / ٧٩.

(٢) م : باب التقاء الساكنين

قولى : «وكذلك تحذفه إن كان التنوين ...» إلى آخره مثال ذلك : هذا زيد بن عمرو ، وهذا أبو بكر بن عمرو ، وهذا زيد بن بكر. أه.

٤١٦

٢٥٢ ـ

جارية من قيس بن ثعلبه (١)

بتحريك التنوين ، فضرورة ، وما عدا ذلك يحرّك بالكسر ؛ نحو قولك : احذر الله ، وبغت الأمة ، و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ...) [النساء : ١٧٦] ، إلا أن يكون الذى يلى الساكن الثّانى مضموما ضمّة لازمة ، فإنّك تحرّك بالضم والكسر ؛ نحو قولك : اركض اركض ، أو يكون الساكن الأول نون «من» : فإنّك تحرّكها بالفتح إن كان الساكن الثانى لام التعريف ؛ نحو : من القوم ، والكسر قليل.

وإن كان غير لام التعريف ، حرّكت بالكسر ؛ نحو : من ابنك ، ويجوز فتحها أو يكون الساكن الأول الميم من : الم والساكن الثانى اللام الأولى من : اسم الله (٢) ، فإنّك تحرّك بالفتح خاصّة.

وإن كان الأول منهما حرف علّة ، فإن كانت حركة ما قبله من غير جنسه حرّكته بالكسر إن كان ياء ؛ نحو : اخشى الله ، وبالضّم إن كان واو جمع ؛ نحو : اخشوا القوم ، والكسر قليل ، وإن لم يكن واو جمع حرّكته بالكسر ؛ نحو : لو استطعنا ، والضم قليل ، وإن كانت حركة ما قبله من جنسه ، حذفته ؛ نحو : يغزو القوم ، ويخشى الرّجل ، وترمى المرأة.

فأمّا ما حكاه الكوفيّون من قول بعضهم : «التقت حلقتا البطان» فشاذّ لا يلتفت إليه.

__________________

(١) البيت للأغلب العجلى ، والشاهد فيه تنوين «قيس» ؛ وهو ضرورة.

ينظر ديوانه ص ١٤٨ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٣٦ ؛ والدرر ٣ / ٣٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١٢ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٦ ؛ والكتاب ٣ / ٥٠٦ ؛ ولسان العرب (ثعلب) ؛ وبلا نسبة فى الخصائص ٢ / ٤٩١ ؛ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٠ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٧٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٦.

(٢) نحو قوله تعالى : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [١ ، ٢ : آل عمران].

٤١٧

باب حكم الهمزة إذا كانت أوّل كلمة / وقبلها ساكن

الهمزة الواقعة أوّل كلمة إن كان قبلها ساكن صحيح ، فإنّك فى لغة أهل الحجاز تنقل حركتها إليه وتحذفها ؛ نحو قولك : قد عطى ، قد عطى ، من براهيم.

وإن كان الساكن حرف علّة ، فإمّا أن يكون ألفا ، فتجعل الهمزة بينها وبين الحرف الذى منه حركتها ، فتقول : هذا أحمد ، وهذا أحيمد ، وهذا إبراهيم ؛ فتجعل الهمزة فى المثال الأوّل بينها وبين الألف ، وفى الثانى بينها وبين الواو ، وفي الثالث بينها وبين الياء.

وإمّا أن يكون ياء أو واوا ، فتجعل حركة الهمزة عليهما ، وتحذف الهمزة ؛ فتقول : يغزو حمد ، ويغزو براهيم ، تغزو مّه ، وقاضى بيك ، وقاضى براهيم ، وقاضى مّه.

ومنهم من يقلبها إذا كانت مفتوحة مع الياء ياء ، ومع الواو واوا ، ويدغم أحد حرفى العلّة فى الآخر ، فيقول : أبوّ يّوب (١) : وغلامىّ بيك (٢).

ومنهم من يستثقل بعد النّقل الضمة والكسرة ، فى الياء والواو ، فيحذفهما ، فيقول : يغزاددا ، [ويرم اخوانه] يريد : يغزو أددا ، ويرمى إخوانه ، وتحذف [الواو] والياء لالتقاء الساكنين.

وأما غير الحجازيين ، فيحقّقون الهمزة فى جميع ذلك.

* * *

__________________

(١) أى فى قولنا : أبو أيوب.

(٢) أى فى قولنا : غلامى أبيك.

٤١٨

باب الوقف

الموقوف عليه إن كان «من» في حال الاستثبات بها فقد تقدّم حكمها فى باب الحكاية.

وإن كان غيرها : فإمّا أن يكون الوقف عليه فى حال إنكار أو تذكّر أو غير ذلك من الأحوال ، فإن كان الموقوف عليه قد تقدّمته همزة الإنكار ، فإنّه لا يخلو من أن يكون آخره متحركا أو ساكنا ، فإن كان متحرّكا ألحقته من آخره حرف مدّ ولين من جنس حركته ، فإذا قال : قام عمر ، قلت : أعمروه ، وإن قال : رأيت عمر ، قلت : أعمراه ، وإن قال : خرجت أمس ، قلت : أأمسيه.

وإن كان ساكنا ، فإن كان السّاكن ممّا يقبل الحركة ، كسرته ؛ لالتقاء الساكنين ، وكانت الزيادة من جنس الكسرة ، قال : قام زيد ، قلت : أزيدنيه ، وإن كان ممّا لا يقبل الحركة ؛ نحو قولك : ضربت موسى ، زدت بين علامة الإنكار وبين آخر الاسم إن ، ثمّ كسرت النون لالتقاء الساكنين / فقلت : أموسى إنيه (١)

وقد يجوز الفصل بين علامة الإنكار وبين آخر الاسم فى جميع ما تقدّم فيقال : أعمر إنيه ، وأزيد إنيه.

والإنكار فى كلام العرب على وجهين :

أحدهما : أن تنكر أن يكون الأمر على ما ذكر المتكلّم ؛ فإذا قال القائل : قام زيد ، قلت : أزيدنيه ، منكرا لقيام زيد.

والآخر : أن تنكر أن يكون رأيه على خلاف ما ذكر.

قيل لبعضهم : أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال : أأنا إنيه منكرا لرأى المتكلّم أن يكون على خلاف الخروج.

وإن كان قد قصد بالوقف عليه التذكّر ، ألحقته من آخره إن كان متحرّكا حرفا من جنس حركته ، فتقول : قالا ويقولو ، ومن القاصّى ، وإن كان الآخر ساكنا ، فإن كان الساكن حرف مدّ ولين مكّنت مدّه ، واستغنيت بذلك عن إلحاق العلامة (٢) ، وإن

__________________

(١) في أ: التقى.

(٢) في أ: علامة.

٤١٩

كان غير ذلك ، ألحقت العلامة ، وكسرت الساكن الذى قبلها لالتقاء الساكنين ، وتكون العلامة إذ ذاك ياء ، فتقول : هذا سيفنى ، وقدنى ، و «أل» فى الألف واللام إذا تذكّرت مثل الحارث.

وإن لم يوقف عليه فى حال تذكّر ولا إنكار.

فإمّا أن يكون معربا أو مبنيّا ، فإن كان معربا : فإمّا أن يكون مجزوما أو غير مجزوم ، فإن كان مجزوما فإنه يبقى فى الوقف على حاله قبل الوقف (١) ، إن كان جزمه بالسّكون أو بحذف النون ؛ نحو : لم يضرب ، ولم يضربا ، ولم يضربوا ، وإن كان جزمه بحذف حرف العلة ، فإنّه إن كان من باب : غذا ورمى ، جاز فيه وجهان :

أحدهما : إسكان الآخر.

والآخر : إلحاق هاء السكت ؛ فتقول : لم يغز ، ولم يخش ، ولم يرم ، ولم يغزه ، ولم يرمه ، ولم يخشه.

وإن كان من باب : وقى ، لم يجز فيه إلا إلحاق الهاء ؛ نحو : لم يقه.

وإن كان غير مجزوم ، فإنّك تقف منه على المثنى والجمع الذى على حدّ التثنية ، كما تقف على المبنى المكسور الآخر أو المفتوحه ، وسيبينّ.

وما عدا ذلك إن كانت فيه تاء التأنيث أبدلتها فى الوقف هاء ساكنة فى الرفع والنّصب والخفض ، منوّنة كانت أو غير منوّنة ؛ نحو (٢) : تمره / وفاطمه.

ويجوز إقرارها ساكنة فى الأحوال الثلاثة (٣) ، وبعض المقرين لها إذا كان الاسم الذى

__________________

(١) في ط : الوقت.

(٢) في ط : ونحو.

(٣) م : باب الوقف قولى : «ويجوز إقرارها ساكنة فى الأحوال الثلاثة» من ذلك قوله : [من الرجز]

باتت نفوس القوم عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت

[البيت لأبى النجم الراجز فى الدرر ٦ / ٢٣٠ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٤٤ ، ولسان العرب (ما) ؛ ومجالس ثعلب ١ / ٣٢٦ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ١١٣ ، وأوضح المسالك ٤ / ٣٤٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٧٧ ، ٧ / ٣٣٣ ، والخصائص ١ / ٣٠٤ ، والدرر ٦ / ٣٠٥ ، ورصف المبانى ص ١٦٢ ، سر صناعة الإعراب ١ / ١٦٠ ، ١٦٣ ، ٢ / ٥٦٣ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧٥٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٨٩ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٥ ، وشرح المفصل ٥ / ٨٩ ، ٩ / ٨١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧ ، ٢٠٩]. أه.

٤٢٠