المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

ذلك قوله [من المتقارب] :

١٧٠ ـ ويأوى إلى نسوة عطّل

وشعثا مراضيع مثل السّعالى (١)

فأتبع عطّلا ، وقطع شعثا ؛ لأنّ الشّعث يكون عن العطل ؛ فهو فى معناه.

وما عدا ما ذكر ممّا تكرّرت فيه النعوت ، لا يجوز فيه إلا الإتباع (٢).

__________________

(١) البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي ، ونسب لأبي أمية تارة وللهذلي أخرى.

(ويأوى ... الخ) فاعل يأوى ، ضمير الصياد ؛ أي : يأتي مأواه ومنزله إلى نسوة.

وعطل : جمع عاطل قال في الصحاح : «والعطل بالتحريك : مصدر عطلت المرأة : إذا خلا جيدها من القلائد ، فهي عطل بالضم وعاطل ومعطال. وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحلى ، يقال عطل الرجل من المال والأدب فهو عطل ، بضمة وبضمتين». وهذا هو المراد هنا ، لأن المعنى : أن هذا الصياد يغيب عن نسائه للصيد ، ثم يأتي إليهن فيجدهن في أسوأ الحال.

و (الشعث) جمع شعثاء ، من شعث الشعر شعثا فهو شعث ، من باب تعب : تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن ؛ ورجل أشعث وامرأة شعثاء ، و (المراضيع) : جمع مرضاع ، بالكسر وهي التي ترضع كثيرا.

و (السعالى) بفتح السين ، قال أبو علي القالي ، في كتاب المقصور والممدود : السعلى ، بالكسر وبالقصر : ذكر الغيلان ، والأنثى سعلاة : وقال الأصمعي : يقال : السعلاة : ساحرة الجن. حدثنا أبو بكر بن دريد قال : ذكر أبو عبيدة ، وأحسب الأصمعى قد ذكره أيضا ، قال لقيت السعلاة حسان بن ثابت في بعض طرقات المدينة ـ وهو غلام ، قبل أن يقول الشعر ـ فبركت على صدره ، وقالت : أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم؟! قال :

نعم؟ قالت : فأنشدني ثلاثة أبيات على روى واحد ، وإلا قتلتك؟ فقال : [من الوافر]

إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال له : من هوه

إذا لم يسد قبل شد الإزار

فذلك فينا الذي لا هوه

ولى صاحب من بني الشيصبان

فحينا أقول وحينا هوه

فخلت سبيله.

والشاهد فيه : قوله : «شعثا» بالنصب مقطوعا عما قبله ، ويروى «شعث» على الإتباع.

ينظر : خزانة الأدب ٢ / ٤٢ ، ٤٣٢ ، ٥ / ٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٦ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٠٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٧ ، والكتاب ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٦٦ ، ولأبي أمية في المقاصد النحوية ٤ / ٦٣ ، وللهذلي في شرح المفصل ٢ / ١٨ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٢٢ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٧ ، ورصف المباني ص ٤١٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٠.

(٢) م : قولى : «وما عدا ما ذكرت مما تكررت فيه النعوت لا يجوز فيه إلا الإتباع» مثال ذلك : مررت بزيد النجار صاحب بكر الطويل ، لا يجوز قطع شىء من ذلك ؛ لأن الصفة ليست

٣٠١

ولا يجوز عطف بعض النّعوت على بعض (١) ؛ حتى تختلف معانيها.

وإذا اجتمع فى هذا الباب نعوت ومنعوتون ، فلا يخلو أن تجمعهما ؛ نحو قولك : «قام الزّيدون العقلاء».

أو تفرّقهما ؛ نحو قولك : «قام زيد العاقل وعمرو الكريم وبكر الظريف».

أو تجمع النّعوت ، وتفرّق المنعوتين ؛ نحو قولك : «قام زيد وعمرو وبكر العقلاء» ، أو تجمع المنعوتين وتفرّق النّعوت ؛ نحو قولك : «قام الزّيدون العاقل والكريم والشّجاع» ، ومنه قوله [من الوافر] :

١٧١ ـ بكيت وما بكا رجل حزين

على ربعين ، مسلوب وبال (٢)

وجمع المنعوتين وتفريق النّعوت جائز في جميع الأسماء ، إلا فى أسماء الإشارة ، فإن جمعتهما ، أو فرّقتهما ، أو جمعت المنعوتين وفرّقت النّعوت ، كان حكم ذلك كحكم المنعوت المفرد فى الإتباع والقطع فى الأماكن المذكورة (٣) ، وإن فرّقت المنعوتين ، وجمعت النّعوت ، فإن اختلفوا فى الإعراب (٤) ، أو فى التعريف ، والتنكير ،

__________________

فى معنى مدح كالفارس والكريم ، ولا فى معنى ذم كالحانق واللئيم ، ولا فى معنى ترحم كاليائس والمسكين وكذلك أيضا يجوز القطع فى مثل مررت برجل كريم فارس لأن المنعوت نكرة وليست الصفات فى معنى واحد. أه.

(١) م : وقولى : «ولا يجوز عطف بعض النعوت على بعض» إلى آخره ، مثال المختلفة المعانى : مررت بزيد العاقل والكريم والفارس ، ومثال المتفقة المعانى : مررت بزيد الشجاع الفارس البطل. أه.

(٢) البيت : لابن ميادة.

الشاهد فيه قوله : «على ربعين مسلوب وبال» حيث نعت المثنى ، وهو قوله : «ربعين» بنعتين مفردين مع العطف بالواو.

ينظر : ديوانه ص ٢١٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٠٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٤ ، ولرجل من باهلة في الكتاب ١ / ٤٣١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٤ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٢٥٦ ، والمقتضب ٢ / ٢٩١.

(٣) م : وقولى : «كان حكم ذلك كحكم المنعوت المفرد فى الإتباع والقطع فى الأماكن المذكورة» أعنى بالأماكن المذكورة : أن يكون المنعوت معلوما ، والصفات صفات مدح أو ذم أو ترحم أو يكون المنعوت غير معلوم ، إلا أن صفات المدح أو الذم أو الترحّم متكررة ، وبعضها فى معنى بعض. أه.

(٤) م : وقولى : «فإن اختلفوا فى الإعراب» إلى آخره ، مثال اختلافهم فى الإعراب قولك : قام

٣٠٢

أو الاستفهام أو عدمه ، لم يجز فى / النعوت إلا الرفع على خبر ابتداء مضمر ، والنّصب على إضمار : أعنى.

وإن اتفق المنعوتون فى جميع ما ذكر ، فإن كان العامل فيهم واحدا ، جاز الإتباع والقطع فى الأماكن المتقدّمة (١) ، وإن كان العامل أزيد من واحد ، فإن اتفق جنس العامل (٢) فالإتباع والقطع فى الأماكن المتقدّمة ، أيضا.

وإن اختلف جنسه ، فالقطع ليس إلا : إمّا إلى الرفع على خبر ابتداء مضمر ، أو إلى النّصب بإضمار : أعنى.

واختلاف جنس العامل هو أن يكون أحد العوامل من جنس الأفعال ، والآخر من جنس الأسماء أو الحروف (٣).

والحرفان المختلفان في المعنى بمنزلة العاملين المختلفين فى الجنس ؛ نحو قولك : «مررت بزيد ، ورحلت إلى أخيك العاقلان».

وإذا اجتمع فى هذا الباب صفتان ، إحداهما : اسم ، والأخرى : فى تقديره ـ قدّمت الاسم ، ثم الظرف ، أو المجرور ، ثم الجملة ؛ نحو قوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) [غافر : ٢٨] ، ولا يجوز خلاف ذلك ،

__________________

زيد وضربت عمرا ، ومررت ببكر العقلاء ، ومثال اختلافهم فى التعريف والتنكير : قام زيد ، ورأيت رجلا ، ومررت ببكر الطوال ، ومثال اختلافهم فى الاستفهام وعدمه قولك : من زيد وهذا محمد وبكر الطوال ؛ جميع ذلك لا يجوز فيه الإتباع ؛ بل ترفع على خبر ابتداء مضمر أو تنصب على إضمار فعل. أه.

(١) م : وقولى : «وإن اتفق المنعوتون فى جميع ما ذكر ، فإن كان العامل فيهم واحدا ، جاز الإتباع والقطع فى الأماكن المذكورة» مثال ذلك قولك : جاء زيد وعمرو وجعفر الكرام العقلاء الفضلاء. أه.

(٢) م : وقولى : «فإن اتفق جنس العامل» الاتفاق في جنس العامل هو أن يكون كل واحد من العوامل من جنس الأسماء ، أو جنس الأفعال ؛ نحو قولك : هذا زيد ، وهذا جعفر ، وهذا محمد العقلاء ، ونحو قولك : قام زيد ، وخرج محمد ، وقعد بكر العقلاء. أه.

(٣) م : وقولى : «واختلاف جنس العامل هو أن يكون أحد العوامل من جنس الأفعال ، والآخر من جنس الأسماء أو الحروف» مثال ذلك : قام زيد ، وهذا محمد ، وقعد بكر العقلاء ، وضربت زيدا وأكرمت عمرا وإن محمدا يخرج العقلاء ، لا يجوز فى الصفة إذ ذاك إلا القطع. أه.

٣٠٣

إلا فى نادر الكلام ، أو فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الطويل] :

١٧٢ ـ وفرع يعشّى المتن أسود فاحم

أثيث ، كقنو النّخلة المتعثكل (١)

ولا يجوز تقديم الصّفة على الموصوف ، إلا حيث سمع ، وتكون الصفة إذ ذاك مبنيّة على العامل المتقدّم ، وما بعدها بدل منها ؛ نحو قوله [من الرجز] :

١٧٣ ـ

وبالطّويل العمر عمرا حيدرا

ولا يجوز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إذا كانت صفته فى تقدير الاسم ، إلا مع من ؛ نحو قولهم : «منّا ظعن ومنّا أقام» ، أى : فريق ظعن ، وفريق أقام ؛ بشرط أن يكون الموصوف ممّا يجوز حذفه.

وما عدا ذلك لا يجوز فيه حذف الموصوف إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله : [من الرجز]

١٧٤ ـ

ترمى بكفّى كان من أرمى البشر (٢)

أى : بكفى رجل كان من أرمى البشر.

فإن كانت الصفة اسما ، لم يجز حذف الموصوف ، وإقامة الصّفة مقامه ، إلا إذا كانت خاصّة بجنس الموصوف ؛ نحو قولك : «مررت بكاتب» أو إذا كانت الصفة قد استعملت استعمال الأسماء ، فلم يظهر موصوفها أصلا ؛ نحو : الأبطح ، والأبرق ، والأجرع.

__________________

(١) البيت : لامرئ القيس.

والشاهد قوله : «وفرع يعشى المتن أسود» ؛ حيث قدم النعت بالجملة على النعت بالمفرد ؛ وهو ضرورة.

ينظر : ديوانه ص ١٦ ، لسان العرب (أثث) ، (عثكل) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٤١٥ ، وكتاب العين ٢ / ٣٠٨ وتاج العروس (أثث) ، (فرع).

(٢) البيت بلا نسبة فى : الإنصاف ١ / ١١٣ ، ١١٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٥ ، والخصائص ٢ / ٣٦٧ ، والدرر ٦ / ٢٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٩ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٦١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٢ ، ولسان العرب (كون) ، (منن) ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥١٣ ، والمحتسب ٢ / ٢٣٧ ، ومغني اللبيب ١ / ١٦٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٦ ، والمقتضب ٢ / ١٣٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٠.

والشاهد فيه حذف الموصوف ، وإبقاء صفته ، وأصل الكلام : بكفي رجل كان من أرمى البشر ، أما الموصوف فهو «رجل» الذي يضاف قوله : «بكفى» إليه ، وأما الصفة فهي جملة «كان من أرمى البشر» ، ويجوز اعتبار «كان» زائدة ، فيكون قوله : «من أرمي» جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف نعت للمنعوت المحذوف.

٣٠٤

وما عدا ذلك لا يجوز إقامته مقام الموصوف إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الهزج] :

١٧٥ ـ وقصرى شنج الأنسا

ء نبّاح من الشّعب (١)

أى : ثور شنج (٢) الأنساء ، وشنج الأنساء ليس مختصّا ببقر الوحش.

ولا يجوز الفصل بين الصّفة / والموصوف إلا بجمل الاعتراض ، وهى كلّ جملة فيها تسديد للكلام ؛ نحو قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦].

ولا يجوز فيما عدا ذلك ، إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الطويل] :

١٧٦ ـ أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت

رسولا إلى أخرى جريّا يعينها (٣)

* * *

__________________

(١) البيت : لأبي داود الإيادي.

والشاهد فيه قوله : «شنج» حيث حذف المنعوت وهو صفة لثور وليس هذا المنعوت بعض اسم تقدم مجرورا بـ «من» والذي سوغ ذلك الضرورة الشعرية.

ينظر : ديوانه ص ٢٨٨ ، وأدب الكاتب ص ١١٧ ، والدرر ٦ / ٢٠ ولسان العرب (شعب) ، (شنج) ، (نبح) ، (قصر) ، والمعاني الكبير ص ١٤٢ ، وبلا نسبة في الهمع ٢ / ١٢٠.

(٢) في ط : شنبح.

(٣) البيت : بلا نسبة فى : الخصائص ٢ / ٣٩٦ ، والمحتسب ٢ / ٢٥٠.

والشاهد : فيه قوله : «وأرسلت رسولا إلى أخرى جريّا» ففصل بين قوله : «رسولا» وبين صفته التي هي «جريّا» بقوله «إلى أخرى» وهو معمول «أرسلت».

٣٠٥

باب عطف النّسق

وهو حمل الاسم على الاسم (١) ، أو الفعل على الفعل ، أو الجملة على الجملة ؛ بشرط توسّط حرف بينهما من الحروف الموضوعة لذلك.

ولا يحمل الفعل على الاسم ، ولا الاسم على الفعل ، ولا المفرد على الجملة ، ولا الجملة على المفرد ، حتى يكون أحدهما فى تأويل الآخر ؛ نحو قوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا) [الحديد : ١٨].

المعنى : إن الذين صدّقوا وأقرضوا ؛ نحو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك : ١٩].

أى : وقابضات.

والحروف الموضوعة للعطف ، هى : الواو ، والفاء ، وثمّ ، وحتّى ، وأو ، وأم ، وإمّا ، وبل ، ولا بل ، ولكن ، ولا ، إلا أنّ «إمّا» ليست بعاطفة فى الحقيقة ، وإنّما ذكرت في الجملة ؛ لمصاحبتها لها.

فأمّا الواو : فللجمع بين الشيئين من غير تعرّض لترتيب ولا مهلة.

وأمّا الفاء : فللجمع والتّرتيب من غير مهلة.

وترتيبها قد يكون فى معنى العامل (٢) ، وقد يكون فى الذّكر (٣) ؛ نحو قوله [من الطويل] :

١٧٧ ـ عفا ذو حسى من فرتنى فالفوارع

فجنبا أريك فالتّلاع الدّوافع (٤)

__________________

(١) م : باب عطف النسق قولى : «حمل الاسم على الاسم» إلى آخره ، مثال حمل الاسم على الاسم قولك : قام زيد وعمرو ، ومثال حمل الفعل على الفعل قولك : يعجبنى أن يأتى زيد ويحسن إليك ، ومثال عطف الجملة على الجملة قولك : قام زيد وخرج عمرو. أه.

(٢) م : وقولى : «وترتيبها قد يكون فى معنى العامل» مثال ذلك قولك : قام زيد فعمرو ، إذا أردت أن قيام عمرو وقع بعد قيام زيد بلا مهلة. أه.

(٣) في أ: المذكر.

(٤) البيت للنابغة الذبياني.

عفا : درس ومحي

ذو حسى : بلد في بلاد بني مرة وهو بضم الحاء والسين المهملتين والقصر وفرتنى : أي

٣٠٦

لأن المخبر قد لا تحضره أسماء هذه الأماكن ، فى حين واحد فما سبق إلى ذكره أتى به أولا ، وما تأخّر فى ذكره ، عطفه بالفاء.

وأمّا ثم ، فللجمع والمهلة (١) ، وحتّى بمنزلة الواو ، إلا أنّها تفارقها فى أنّ ما بعدها لا يكون إلا جزءا ممّا قبلها (٢) ، أو ملتبسا به ؛ نحو قولك : «خرج النّاس حتّى دوابهم».

ولا يكون إلا عظيما أو حقيرا (٣).

وأمّا أو ، فلها خمسة معان (٤) : «الشّكّ» ، و «الإبهام» ، و «التّخيير» ، و «الإباحة» ، و «التّفصيل» ؛ نحو قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥].

__________________

من منازل فرتنى ، وهو بفتح الفاء وسكون الراء وبعدها تاء مفتوحة يليها نون ، قال في الصحاح. «هو مقصور وهو اسم امرأة. والعرب تسمى الأمة فرتنى». والفوارع : جمع فارعة ، قال في الصحاح : «وفارعة الجبل : أعلاه. وتلاع فوارع : مشرفات المسايل». وأريك بفتح الهمزة وكسر الراء ، قال البكري في معجم ما استعجم : «وهو موضع في ديار غنى بن يعصر». وأنشد هذا البيت ، ثم قال : «وقال أبو عبيدة : أريك في بلاد ذبيان قال : وهما أريكان : أريك الأسود ، وأريك الأبيض. والأريك : الجبل الصغير. وقال الأخفش : إنما سمى أريكا ، لأنه جبل كثير الأراك». والتلاع بالكسر : مجاري الماء إلى الأودية ، وهي مسايل عظام. والدوافع : تدفع الماء إلى الميث ، والميث يدفع إلى الوادي الأعظم. كذا في الشرح.

والشاهد فيه مجىء الفاء لمطلق الجمع أي للترتيب اللفظي الذّكرى.

ينظر : ديوانه ص ٣٠ ، وجمهرة اللغة ص ٤٨٠ ، والجنى الداني ص ٦٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٥١ ، ولسان العرب (تلع) ، (أرك) ، (حسم) ، (فرتن) وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٤٥١ ، ورصف المباني ص ٣٧٧ ، ٤٣٥.

(١) م : وقولى : «وأما ثم فللجمع والمهلة» مثال ذلك : قام زيد ثم عمرو : إذا أردت أن قيام عمرو وقع بعد قيام زيد بزمان. أه.

(٢) م : وقولى : «إلا أنها تفارقها فى أنّ ما بعدها لا يكون إلا جزءا مما قبلها» مثال ذلك : قام القوم حتى زيد. أه.

(٣) م : وقولى : «ولا يكون إلا عظيما أو حقيرا» مثال ذلك قولك : خرج الناس حتى الأمير ، واستنت الفصال حتى القرعى ، وهى التى أصابها القرع ، وهو جدرى الفصال. أه.

(٤) م : وقولى : «وأما أو فلها خمسة معان» إلى آخره ، مثال الشك قولك : قام زيد أو عمرو ، إذا كنت لا تعلم القائم منهما ومثال الإبهام قوله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) [يونس : ٢٤] فأبهم متى يأتيها أمره على المخاطب ، واستأثر بعلم ذلك سبحانه ، ومثال التخيير قولك : خذ من مالى دينارا أو ثوبا ، ومثال الإباحة قولك : جالس الحسن أو ابن سيرين ؛ ألا ترى أنه أباح له أن يجالسهما أو يجالس أحدهما ، وليس له مثل ذلك فى التخيير. أه.

٣٠٧

فأو ، فصلت ما قالت اليهود ممّا قالت النّصارى.

وأمّا أم ، فتكون متّصلة ومنفصلة.

فالمنفصلة : يتقدّمها الاستفهام والخبر ، ولا يقع بعدها إلا الجملة /. وتتقدّر وحدها ببل ، والهمزة وجوابها نعم أو لا ، التقدير : بل أعمرو قائم.

والمتّصلة : هى العاطفة ، وهى التى لا يتقدّمها إلا همزة الاستفهام لفظا أو نية ، ولا يكون ما بعدها إلا مفردا أو فى تقديره ، وتتقدّر مع الهمزة بأيّهما ، أو أيّهم ، وجوابها أحد الشيئين ، أو الأشياء ، وذلك نحو قولك : «أقام زيد أم عمرو» ، التقدير : أيّهما قام.

والأحسن فيهما توسّط الذى لا يسأل عنه ؛ نحو قولك : «أزيد قام أم عمرو».

وقد يجوز تقديمه ؛ نحو قولك : «أقام زيد أم عمرو» ، وتأخيره نحو قولك : «أزيد أم عمرو قام».

وأمّا إمّا : فلها ثلاثة معان : الشّكّ ؛ نحو قولك : «قام إمّا زيد وإمّا عمرو».

والإبهام كذلك ، إلا أنّك تعلم القائم منهما.

والتخيير ؛ نحو قولك : «خذ من مالى إمّا دينارا ، وإمّا ثوبا» ، والأفصح فيها : كسر الهمزة.

ويجوز فتحها ؛ ومن ذلك قوله : [من الطويل]

١٧٨ ـ تنفّحها أمّا شمال عريّة

وأمّا صبا جنح الظّلام هبوب (١)

وكذلك ـ أيضا ـ الأفصح فيها ، أن تكرّر وقد لا تكرّر بشرط أن يكون فى الكلام ما يغنى عن تكرارها ، وهو : إمّا «أو» وإمّا «إلا» (٢) نحو قوله [من الوافر] :

١٧٩ ـ فإمّا أن تكون أخى بحقّ

فأعرف منك غثىّ من سمينى

__________________

(١) البيت : لأبي القمقام الأسدي ويروى :

تلقحها أما شمال عرية

وأما صبا جنح العشى هبوب

والشاهد فيه قوله : «أما» مرتين حيث فتحت همزتها ، والأصل إما وذلك لازم عند تميم وقيس وأسد. ويروى «أيما» بدل «أما» وهى لغة فيها.

ينظر : خزانة الأدب ١١ / ٨٧ ، والدرر ٦ / ١٢٠ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٠١ وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(٢) م : وقولى : «يشترط أن يكون فى الكلام ما يغنى عن تكرارها وهو إما ...» ومثال

٣٠٨

وإلا فاطّرحنى واتّخذنى

عدوّا أتّقيك وتتّقينى (١)

وقد لا يكون فى الكلام ما يغنى عن تكرارها ؛ وذلك قليل جدّا ؛ نحو قوله [من الطويل] :

١٨٠ ـ تهاض بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألمّ خيالها (٢)

__________________

ذلك قوله : [من البسيط]

إمّا مشيف على مجد ومكرمة

وأسوة لك فيمن يهلك الورق

[البيت بلا نسبة فى لسان العرب (شوف)]. أه.

(١) البيتان : للمثقب العبدي ونسبا لسحيم بن وثيل ، ويروى البيت الأول هكذا :

فإما أن تكون أخى بصدق

فأعرف منك غثى أو سمينى.

غثى بفتح العين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة ، من غث اللحم يغث ويغث بكسر الغين وفتحها ، غثاثة وغثوثة ، فهو غث وغثيث ، إذا كان مهزولا. وكذلك غث حديث القوم وأغث أي : ردؤ وفسد ، والمعنى ههنا : أعرف منك ما يفسد مما يصلح. وقال الدماميني :

الغث : الردىء ، والسمين : الجيد أي : فأعرف منك مساوئى من محاسنى ، فإن المؤمن مرآة أخيه أو فأعرف ما يضرني منك مما ينفعني وأميز بينهما.

فاطرحنى : اتركنى وهو بتشديد الطاء افتعال من الطرح.

والشاهد فيهما : حذف «إما» الثانية استغناء عنها بـ «إلا»

ينظر : البيتان للمثقب العبدي في ديوانه ص ٢١١ ـ ٢١٢ ، والأزهية ص ١٤٠ ـ ١٤١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٤٨٩ ، ١١ / ٨٠ ، والدرر ٦ / ١٢٩ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٩٠ ، ١٩١ ، ومغني اللبيب ١ / ٦١ ، وله أو لسحيم بن وثيل في المقاصد النحوية ١ / ١٩٢ ، ٤ / ١٤٩ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٣٢ ، وجواهر الأدب ص ٤١٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(٢) البيت لذى الرمة ونسب للفرزدق.

و (تهاض) : يتجدد جرحها ، والباء في قوله (بدار) و (بأموات) سببية ، وجعلها العيني ظرفية وقدر لمجرورها صفة ، وقال : أي في دار تخرب.

وقدم الشيء قدما بكسر ففتح ، فهو قديم ، وتقادم مثله. العهد : قال صاحب المصباح :

يقال : هو قريب العهد بكذا : أي قريب العلم والحال. والأمر كما عهدت ، أي : كما عرفت ألم ، ألم الشيء إلماما ، أي : قرب ، والإلمام : النزول.

والشاهد فيه قوله : «وإما بأموات» يريد : «تلم إما بدار وإما بأموات» ، فحذف «إما» الأولى مستغنيا عنها بالثانية ، والبصريون لا يجيزون إلا التكرير.

ينظر : البيت لذى الرمة في ديوانه ص ١٩٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٩٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٥٠ ، وللفرزدق في ديوانه ٢ / ٧١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٠٢ ، والمنصف ٣ / ١١٥ ، ولذي الرمة أو للفرزدق في خزانة الأدب ١١ / ٧٦

٣٠٩

وأمّا بل ، ولا بل ، فإن وقع بعدهما جملة ، كانا حرفى ابتداء ، ويكون معناهما الإضراب عمّا قبلهما واستئناف الكلام الذى بعدهما ، والإضراب إمّا على جهة الإبطال (١) له ، وإمّا على جهة التّرك من غير إبطال (٢) ، ولا المصاحبة لها لتأكيد معنى الإضراب (٣).

وإن وقع بعدهما مفرد ، كانا حرفى عطف ، ويكون معناهما الإضراب عن جعل الحكم للأول / وإثباته للثانى ، ولا يعطف بهما فى الاستفهام (٤).

ولا المصاحبة لها فى الإيجاب والأمر ـ نفى ؛ نحو قولك : «قام زيد ، لا بل عمرو» و «اضرب زيدا ، لا بل عمرا».

وفى النّهى والنّفى ـ تأكيد ؛ نحو قولك : «لا تضرب زيدا لا بل عمرا» ، و «ما قام زيد ، لا بل عمرو».

وأمّا لكن : فإن وقع بعدها جملة ، كانت حرف ابتداء ، ويكون معناها الاستدراك ، ويتقدّمها الإيجاب والنّفى ، وتكون الجملة التى بعدها مضادّة لما قبلها ؛ وذلك نحو قولك : «قام زيد لكن عمرو لم يقم» ، و «ما قام زيد لكن عمرو قام»

وإن وقع بعدها مفرد ، كانت عاطفة ، ويكون معناها الاستدراك ، ولا يعطف بها إلا بعد نفى (٥).

__________________

٧٨ ، والدرر ٦ / ١٢٤ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ١٤٢ ، والجنى الداني ص ٥٣٣ ، ورصف المباني ص ١٠٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٦١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٥.

(١) م : وقولى : «والإضراب : إما على جهة الإبطال» مثال ذلك قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] فـ «بل» أضرب بها عما تقدم ؛ على جهة إكذابهم ، وإبطال ما قالوا. أه.

(٢) م : وقولى : «وإما على جهة الترك من غير إبطال» مثال ذلك : قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) [الأعلى : ١٤ ، ١٦] ألا ترى أن الخبر عمن تزكى لم يرد إبطاله ؛ بل ترك وانصرف عنه إلى خبر آخر. أه.

(٣) م : وقولى : «ولا المصاحبة لها ؛ لتأكيد معنى الإضراب» مثال ذلك : قولك : قام زيد ، لا بل عمرو قائم. أه.

(٤) م : وقولى : «ولا يعطف بها فى الاستفهام» أعنى : أنه لا يقال : أقام زيد بل عمرو ، ولا : هل قام زيد؟ بل عمرو؟. أه.

(٥) م : وقولى : «ولا يعطف بها إلا بعد النفى» أعنى أنه يقال : ما قام زيد لكن عمرو ، ولا يجوز أن يقال : قام زيد لكن عمرو. أه.

٣١٠

وأمّا «لا» فلإخراج الثانى ممّا دخل فيه الأوّل ، ولا يعطف بها إلا بعد أمر أو إيجاب (١).

ويجوز فى الأسماء كلّها عطف بعضها على بعض من غير شرط ، إلا ضمير الخفض ، فإنّه لا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض ؛ نحو قولك : «مررت بك وبزيد».

وضمير الرّفع المتّصل ، فإنّه لا يعطف عليه إلا بعد تأكيده بضمير رفع منفصل (٢) ، أو طول يقوم مقام التأكيد ؛ نحو قولك : «قمت اليوم وزيد» ، «وما قمت ولا عمرو».

ولو لا «الظرف» ، و «لا» الفاصلان بين المعطوف والمعطوف عليه لم يكن بدّ من التأكيد.

فأمّا قوله [من الكامل] :

١٨١ ـ ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا (٣)

وقول الآخر [من البسيط] :

١٨٢ ـ ألآن قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٤)

__________________

(١) م : وقولى : «وأما لا ، فلإخراج الثانى مما دخل فيه الأول ، ولا يعطف بها إلا بعد أمر أو إيجاب» مثال ذلك قولك : اضرب زيدا لا عمرا ، وقام زيد لا عمرو. أه.

(٢) م : وقولى : «بعد تأكيده بضمير رفع منفصل» مثال ذلك قولك : قمت أنت وزيد. أه.

(٣) البيت لجرير.

والشاهد فيه قوله : «لم يكن وأب» حيث عطف الاسم الظاهر المرفوع ، وهو قوله : «أب» على الضمير المرفوع المستتر في «يكن» ، الذي هو اسم «يكن» ، من غير أن يؤكد ذلك الضمير بالضمير المنفصل ، أو يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهذا فاش في الشعر.

ينظر : ديوانه ص ٥٧ ، والدرر ٦ / ١٤٩ ، وشرح التصريح ٢ / ١٥١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٧٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٩٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٨.

(٤) المعنى : قربت تفعل كذا أي : جعلت تفعله ، والمعنى : هجوك لنا من عجائب الدهر ، فقد كثرت فلا يتعجب منها.

والشاهد فيه قوله : «فما بك والأيام» حيث عطف «الأيام» على الضمير المجرور في «بك» بغير إعادة حرف الجر ، وهذا ، عند البصريين ضرورة ، أما الكوفيون فيجيزون ذلك.

ينظر : الإنصاف ص ٤٦٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٣ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٣٠ ، والدرر ٢ / ٨١ ، ٦ / ١٥١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٦٢ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٨ ، ٧٩ ،

٣١١

فضرورتان.

ولا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه ، إلا فى الواو خاصّة بشرط ألا يكون المعطوف مخفوضا (١) ، وألا يؤدى التقديم إلى وقوع حرف العطف صدرا ، أو إلى أن يلى عاملا غير متصرّف ، وبابه مع ذلك الشعر ؛ نحو قوله [من الكامل] :

١٨٣ ـ لعن الإله وزوجها معها

هند الهنود طويلة البظر (٢)

ولا يجوز ـ أيضا ـ الفصل بين حرف العطف والمعطوف إلا بالقسم أو بالظرف ، أو المجرور بشرط أن يكون حرف العطف على أزيد من حرف واحد ؛ نحو قولك : «قام زيد لا والله / عمرو» ، ولا يجوز : «وو الله عمرو» ، إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله [من المنسرح] :

١٨٤ ـ يوما تراها كشبه أردية ال

عصب ويوما أديمها نغلا (٣)

وإذا تقدّم معطوف ومعطوف عليه ، وتأخّر عنهما ضمير يعود عليهما ، فإن كان العطف بالواو ، كان الضمير على حسبهما ؛ نحو قولك : «زيد وعمرو قاما» ، ولا يجوز الإفراد إلا فى الشعر ؛ نحو قوله [من الخفيف] :

١٨٥ ـ إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأس

ود ما لم يعاص كانا جنونا (٤)

__________________

والكتاب ٢ / ٣٩٢ ، واللمع في العربية ص ١٨٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٦٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٩ ويروى «فاليوم» بدلا من «ألآن».

(١) م : وقولى : «يشترط ألا يكون المعطوف مخفوضا» إلى آخره أعنى : أنه لا يقال : مررت وعمرو بزيد ؛ لأن المعطوف مخفوض ، ولا يقال : وعمرو زيد قائمان ؛ لأن ذلك يؤدى إلى وقوع حرف العطف صدرا ، ولا يقال : إن وعمرا زيد قائمان ؛ لأن ذلك يؤدى إلى أن يباشر المعطوف إنّ ، وهى عامل غير متصرف. أه.

(٢) البيت : لحسان بن ثابت.

والشاهد فيه تقديم المعطوف ، وهو قوله «وزوجها» على المعطوف عليه ، وهو قوله : «هند الهنود».

ينظر : ديوانه ص ٣٥٠ ، والدرر ٦ / ١٦٠ وهمع الهوامع ٢ / ١٤١.

(٣) البيت : للأعشى.

والشاهد فيه قوله : «ويوما أديمها» حيث فصل بين الواو ومعطوفها بالظرف ، وهو قوله «يوما» والمعطوف عليه هو الضمير في «تراها».

ينظر : ديوانه ص ٢٨٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٢٤ ولسان العرب (خمس) ، (تعل) ، (أدم) وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٦.

(٤) البيت : لحسان بن ثابت.

٣١٢

أو فى نادر من الكلام ؛ ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢]. وحتّى فى ذلك بمنزلة الواو (١).

وإن كان العطف بالفاء ، جاز أن يكون الضمير على حسبهما.

وأن يكون مفردا ؛ فتقول : زيد فعمرو قاما وإن شئت : قام».

وإن كان العطف بـ «ثمّ» (٢) ، جاز ـ أيضا ـ الوجهان ، إلا أنّ الإفراد أحسن ، وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف ، لم يجز إلا الإفراد.

فأمّا قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥] فشاذّ لا يقاس عليه ، ولا يجوز عطف فعل على فعل إلا بشرط اتفاقهما فى الزمان ، والأحسن أن يتّفقا مع ذلك فى الصّيغة (٣).

وقد لا يتّفقان فيهما ؛ نحو قولك : إن قام زيد ويخرج يقم بكر.

ويجوز حذف حرف العطف والمعطوف إذا فهم المعنى ، ومن كلامهم : «راكب النّاقة طليحان». التّقدير : والنّاقة.

وحذف حرف العطف والمعطوف عليه ؛ نحو قوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣].

التقدير : فضرب فانفلق ، فحذف ضرب ، والفاء الداخلة على انفلق ، ويكون إعراب المعطوف على حسب إعراب المعطوف عليه فى اللفظ (٤) ، أو فى الموضع إن

__________________

والشاهد : قوله : «يعاص» حيث أعاد الضمير على المعطوف والمعطوف عليه مفردا ؛ وهذا جائز فى الشعر ، والقياس : أن يقول «يعاصا».

ينظر : ديوانه ص ٢٨٢ ، ولسان العرب (شرخ) ، وتهذيب اللغة ٧ / ١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢ ، ٥٨٥ ، وتاج العروس (شرخ) ، وديوان الأدب ١ / ١٠١ ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٣ / ٢٦٩ ، والمخصص ١ / ٣٨.

(١) م : وقولى : «وحتى فى ذلك بمنزلة الواو» أعنى أنه لا يقال : القوم حتى زيد قام ، إلا فى ضرورة. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كان العطف بـ ثم ...» إلى آخره ، مثال ذلك : قولك : إن يقم زيد ثم عمرو قام ، وإن شئت قاما. أه.

(٣) م : وقولى : «والأحسن أن يتفقا مع ذلك فى الصيغة» مثال ذلك قولك : إن يقم زيد ويخرج ، يقم بكر. أه.

(٤) م : وقولى : «على حسب إعراب المعطوف عليه فى اللفظ» مثال ذلك قولك : قام زيد وعمرو. أه.

٣١٣

كان له موضع (١).

ويجوز أن تعطف بحرف عطف واحد اسمين فصاعدا ، على اسمين فصاعدا ما لم يؤدّ ذلك إلى نيابة حرف العطف مناب عاملين ؛ فتقول : «أعلم زيد عمرا بكرا منطلقا وجعفر خالدا عبد الله مقيما».

ولو قلت : «إنّ فى الدّار زيدا ، والقصر عمرا» ، لم يجز ؛ لأنّ ذلك يؤدّى إلى نيابة الواو مناب إنّ.

فإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك / : يؤوّل على حذف الخافض ؛ لدلالة ما قبله عليه من غير أن يجعل حرف العطف نائبا منابه ؛ نحو قوله [من المتقارب] :

١٨٦ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرءا

ونار توقّد باللّيل نارا (٢)

فعطف نارا على «امرىء» المخفوض ، وحذف «كلا» لدلالة ما قبله عليه ؛ كأنّه قال : وكلّ نار.

وكذلك يتخرّج كلّ ما جاء من مثل هذا.

وإذا نفيت فى هذا الباب ، بقى الكلام بعد دخول حرف النفى عليه ، على حسب ما كان قبل ، فتقول فى نفى «قام زيد فعمرو» : «ما قام زيد فعمرو» ، إلا فى نحو

__________________

(١) م : وقولى : «أو فى الموضع إن كان له موضع» مثال ذلك ما جاءنى من رجل ولا امرأة ، برفع «امرأة» عطفا على موضع «رجل» ، وهو الرفع ؛ لأنه فاعل. أه.

(٢) البيت لأبي دؤاد

والشاهد فيه قوله : «ونار» حيث حذف المضاف «كل» وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان قبل الحذف ، وذلك لأن المضاف المحذوف معطوف على مماثل له ، وهو قوله : «كل امرئ».

ينظر : ديوانه ص ٣٥٣ ، والأصمعيات ص ١٩١ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٣٤ ، ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٩٢ ، ١٠ / ٤٨١ ، والدرر ٥ / ٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٠٠ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٢٦ ، والكتاب ١ / ٦٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٤٥ ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٩ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٩ ، والإنصاف ٢ / ٤٧٣ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٦٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٧ ، ٧ / ١٨٠ ، ورصف المباني ص ٣٤٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٩٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٧٩ ، ١٤٢ ، ٨ / ٥٢ ، ٩ / ١٠٥ ، والمحتسب ١ / ٢٨١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٩٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥٢.

٣١٤

قولك : «مررت بزيد وعمرو» ، فإنّك إن قدّرت الكلام على فعلين ، وأعنى بذلك : أن يكون مرورك بزيد منفصلا عن مرورك بعمرو ، قلت فى النّفى «ما مررت بزيد» ، و «ما مررت بعمرو» ، وإن كان مرورك بهما واحدا ، قلت «ما مررت بزيد وعمرو».

* * *

٣١٥

باب التّوكيد

التوكيد لفظ يراد به تمكين المعنى فى النّفس ، أو إزالة الشّكّ عن الحديث ، أو المحدّث عنه.

فالذى يراد به تمكين المعنى فى النفس ، التوكيد اللّفظى ويكون فى المفرد ؛ نحو قوله تعالى : (دَكًّا دَكًّا) [الفجر : ٢١].

والجملة ؛ نحو قولك : «الله أكبر الله أكبر» ، إلا أنّك إذا أكّدت الحرف ، فلا بدّ أن تذكر معه ما يدخل عليه ؛ نحو قوله تعالى : (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨].

ولا يجوز أن تأتى بالحرف وحده ، إلا فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الوافر]

١٨٧ ـ فلا والله لا يلفى لما بى

ولا للما بهم أبدا دواء (١)

والذى يراد به إزالة الشك عن الحديث ، التأكيد بالمصدر ، فإذا قلت : «مات زيد موتا» ارتفع المجاز.

والذى يراد به إزالة الشكّ عن المحدّث عنه ، التأكيد بالألفاظ التى يبوّب لها فى النحو ، وهى للواحد المذّكر : نفسه ، وعينه ، وكلّه ، وأجمع ، وأكتع ، وقد يقال : أبصع ، وأبتع ، وللاثنين : أنفسهما ، [وأعينهما](٢) ، وكلاهما ، وللجميع : أنفسهم ، وأعينهم ، وكلّهم ، وأجمعون ، وأكتعون ، وقد «يقال» أيضا :

__________________

(١) البيت لمسلم بن معبد الوالبي.

والشاهد فيه قوله : «للما بهم» حيث أكد الشاعر اللام الجارة ـ وهي حرف غير جوابي ـ توكيدا لفظيّا ، فأعادها بنفس لفظها الأول من غير أن يفصل بين المؤكد والتوكيد. وتوكيد الحروف غير الجوابية من غير فصل بين المؤكد والتوكيد شاذ. ويروى عجز البيت : «وما بهم من البلوى دواء» ، وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.

ينظر : خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، ٣١٢ ، ٥ / ١٥٧ ، ٩ / ٥٢٨ ، ٥٣٤ ، ١٠ / ١٩١ ، ١١ / ٢٦٧ ، ٢٨٧ ، ٣٣٠ ، والدرر ٥ / ١٤٧ ، ٦ / ٥٣ ، ٢٥٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٧٧٣ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٥٧١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٣ ، والجنى الداني ص ٨٠ ، ٣٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٢ ، ورصف المباني ص ٢٠٢ ، ٢٤٨ ، ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢٨٢ ، ٣٣٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤١٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٠ ، ٢٣٠ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٥٦ ، والمحتسب ٢ / ٢٥٦ ، ومغني اللبيب ص ١٨١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٠٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٥ ، ١٥٨.

(٢) سقط في ط.

٣١٦

أبصعون ، وأبتعون ، وللواحدة : نفسها ، عينها ، كلّها ، جمعاء ، كتعاء ، وقد يقال : بصعاء ، بتعاء ، وللاثنتين ، أنفسهما ، أعينهما / ، كلتاهما ، ولجماعة المؤنّث : أنفسهنّ ، أعينهن ، كلهنّ ، جمع ، كتع ، وقد يقال : بصع ، وبتع.

وكلّ جمع لما لا يعقل ، فالعرب قد تعامله معاملة جماعة المؤنّثات ، وقد تعامله معاملة الواحدة (١) ، فأمّا قول الشاعر [من الطويل] :

١٨٨ ـ يمتّ بقربى الزّينبين كليهما

إليك ، وقربى خالد وحبيب (٢)

فمن تذكير المؤنّث ؛ حملا على المعنى للضرورة ؛ كأنّه قال : بقربى الشخصين كليهما.

فأمّا النفس والعين ، وتثنيتهما ، وجمعهما (٣) ، فيؤكّد بها ما ثبتت حقيقته تبعّض أو لم يتبعّض.

وسائر ألفاظ التأكيد ، لا يؤكّد به إلا ما يتبعّض بذاته (٤) ، أو بعامله ؛ نحو قولك : رأيت زيدا كلّه.

وإذا اجتمعت ألفاظ التأكيد ، بدأت منها بالنّفس (٥) ثم بالعين ، ثم بكلّ ، ثم بأجمع ، ثم بأكتع.

__________________

(١) م : باب التوكيد وقولى : «وكل جمع لما لا يعقل ، فالعرب تعامله معاملة جماعة المؤنث ، وقد تعامله معاملة الواحدة» مثال ذلك : قولك : قبضت الدراهم كلهن وكلها ؛ كما تقول : رأيت الهندات كلهن ، ورأيت هندا كلها. أه.

(٢) البيت : لهشام بن معاوية.

الشاهد فيه قوله : «كليهما» فإنه وقع موقع «كلتيهما» حملا على المعنى للضرورة ؛ كأنه قال : «بقربى الشخصين كليهما».

ينظر : المقاصد النحوية ٤ / ١٠٦ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٠٧ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٥٩.

(٣) م : وقولى : «وأما النفس والعين وتثنيتهما وجمعهما ...» إلى آخره ، مثال تأكيد غير المتبعض : قولك : قام زيد نفسه وعينه ، ومثال تأكيد المتبعض قبضت المال نفسه عينه ، ورأيت الزيدين أنفسهما أعينهما ، ومررت بالزيدين أنفسهم أعينهم. أه.

(٤) م وقولى : «وسائر ألفاظ التوكيد لا يؤكد بها إلا ما تبعّض بذاته» مثال ذلك : قبضت المال كله. أه.

(٥) م : وقولى : «وإذا اجتمعت ألفاظ التأكيد ، بدأت منها بالنفس ...» إلى آخره ، مثال ذلك قبضت المال نفسه عينه كله أجمع أكتع أبصع ابتع. أه.

٣١٧

وأمّا أبصع ، وأبتع ، فلك تقديم أيّهما شئت ، وعلى هذا التّرتيب يكون المؤنّث والتثنية والجمع ، فإن لم تأت بالنّفس ، أتيت بما بقى على التّرتيب (١) ، فإن لم تأت بالعين ، أتيت أيضا بما بقى على التّرتيب.

وكذلك إن لم تأت بكلّ ، أتيت بما بقى على التّرتيب (٢) ، فإن لم تأت بأجمع ، لم تأت بما بعده.

ويجوز تأكيد الأسماء كلّها ، إذا احتيج إلى ذلك إلا النكرات ؛ فإنّها لا تؤكّد ، فأمّا قوله [من الرجز] :

١٨٩ ـ

قد صرّت البكرة يوما أجمعا (٣)

فضرورة ، وكذلك قول الآخر [من الرجز] :

١٩٠ ـ

تحملنى الذّلفاء حولا أكتعا (٤)

__________________

(١) م : وقولى : «وإن لم تأت بالنفس ، أتيت بما بقى على الترتيب» أعنى أنك تقول قبضت المال عينه كله أجمع أكتع أبصع أبتع ، أو قبضك المال كله أجمع أكتع أبضع أبتع. أه.

(٢) م : وقولى : «وكذلك إن لم تأت بـ «كل» تأتى بما بقى على الترتيب» مثال ذلك : قولك قبضت المال نفسه عينه أجمع أكتع أبصع أبتع ، أو قبضت المال أجمع أكتع أبصع أبتع. أه.

(٣) قال البغدادي : وهذا البيت مجهول لا يعرف قائله ، حتى قال جماعة من البصريين : إنه مصنوع.

والبكرة : بفتح الموحدة وسكون الكاف ، إن كانت البكرة التي يستقى عليها الماء من البئر. فصرت بمعنى : صوتت. من صر الباب يصر صريرا ، أي صوت ، فيكون المعنى : ما انقطع استقاء الماء من البئر يوما كاملا ؛ وإن كانت الفتية من الإبل مؤنث البكر وهو الفتى منها ـ قال أبو عبيدة : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الإنسان. والبكرة بمنزلة الفتاة ، والقلوص بمنزلة الجارية والبعير بمنزلة الإنسان ، والجمل بمنزلة الرجل ، والناقة بمنزلة المرأة ـ فصرت بالبناء للمفعول ، يقال صررت الناقة : شددت عليها الصرار ، وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضعها ولدها.

والشاهد فيه قوله : «يوما أجمعا» حيث أكد النكرة بـ «أجمعا» على مذهب الكوفيين ، والبصريون يمنعون ذلك.

ينظر : أسرار العربية ص ٢٩١ ، والإنصاف ٢ / ٤٥٥ وخزانة الأدب ١ / ١٨١ ، والدرر ٦ / ٣٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٤٤ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٥.

(٤) البيت لأعرابي.

٣١٨

ففيه ضرورتان : تأكيد النكرة ، واستعمال أكتع غير تابع لأجمع.

وإن كان معنى الكلام يغنى عن التأكيد ، لم يجز التأكيد ، لا تقول : «اختصم الزيدان كلاهما» ، إذ لا فائدة فيه ؛ لأنّه معلوم أنّ الاختصام إنّما يكون من اثنين.

ولا يجوز تأكيد ضمير الرفع المتّصل بالنّفس والعين ، إلا بعد تأكيده بضمير رفع منفصل ؛ نحو قولك : «قمت أنت نفسك».

__________________

قال ابن عبد ربه (في العقد الفريد) : نظر أعرابي إلى امرأة حسناء ومعها صبي يبكي ، فكلما بكى قبلته ، فأنشأ يقول هذا الرجز.

(الذلفاء) بفتح الذال المعجمة وبعد اللام الساكنة فاء : وصف مؤنث أذلف ، ومن الذلف ، وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة. ويحتمل أنه اسم امرأة منقول من هذا.

وحال حولا من باب قال ، إذا مضى. ومنه قيل للعام حول وإن لم يمض ، لأنه سيكون حولا ، تسمية بالمصدر.

و (أكتع) قال صاحب الصحاح : يقال : إنه مأخوذ من قولهم : أتى عليه حول كتيع ، أي تام.

والشاهد فيه قوله : «حولا أكتعا» حيث أكد النكرة المحدودة ، وهو مذهب الكوفيين.

والنكرة لا تؤكد مطلقا عند أكثر البصريين بشيء من ألفاظ التوكيد لأنها معارف فلا تتبع النكرة وأجازه بعضهم مطلقا سواء كانت محدودة أم لا نقله ابن مالك في شرح التسهيل.

ورأى الأخفش والكوفيين يجوّز توكيدها إن كانت محدودة أي مؤقتة وإلا فلا قال ابن مالك : وهذا القول أولى بالصواب لصحة السماع بذلك ولأن فيه فائدة لأن من قال صمت شهرا ، قد يريد جميع الشهر ، وقد يريد أكثره ففي قوله احتمال يرفعه التوكيد ، ومن الوارد فيه قوله : قد صرت البكرة يوما أجمعا الشاهد فإن قال البصريون إنه مصنوع فهناك غيره من الشواهد مثل : قول الشاعر : تحملني الذلفاء حولا أكتعا وقوله : أوفت به حولا وحولا أجمعا ، وقول عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صام شهرا كله إلا رمضان ؛ أما غير المحدود فلا فائدة فيه ، فلا يقال اعتكف وقتا كله ، ولا رأيت شيئا نفسه والمانعون مطلقا أجابوا بأن ما ورد من ذلك محمول على البدل أو النعت أو الضرورة. والزمخشري يري أن النكرات لا تؤكد بالتوكيد المعنوي ، وإنما تؤكد بالتوكيد اللفظي لا غير لو قلت أكلت رغيفا كله أو قرأت كتابا أجمع لم يجز وإنما تقول أكلت رغيفا رغيفا ، أو قرأت كتابا كتابا وإنما لم تؤكد النكرات بالتوكيد المعنوي لأن النكرة لم تثبت لها حقيقة والتأكيد المعنوي إنما هو لتمكين معنى الاسم وتقرير حقيقته وتمكين ما لم يثبت في النفس محال فأما التوكيد اللفظي فهو أمر راجع إلى اللفظ وتمكينه في ذهن المخاطب وسمعه خوفا من توهم المجاز أو توهم غفلة عن استماعه.

ينظر : الدرر ٦ / ٣٥ ، ٤١ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٦٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٢ ، ٥٦٥ ، ولسان العرب (كتع) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣ ، ١٢٤ ، شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ٤٤.

٣١٩

فإن أكّدته بكلّ وما فى معناها ، لم يحتج إلى شىء من ذلك ؛ نحو قولك : «قمتم أجمعون».

ولا يجوز عطف بعض ألفاظ التأكيد على بعض ، وما كان منها على فعلاء ؛ كجمعاء لم ينصرف للتأنيث اللازم وما كان منها على فعل ، لم ينصرف للتّعريف والعدل عن فعالى إلى فعل ؛ لأنّ جمعاء كصحراء ، فكان / قياسها : جماعى كـ «صحارى» ، فعدلت عن ذلك.

وتجرى العرب مجرى كلّ فى التأكيد ، اليد والرّجل ، والزّرع والضّرع ، والظّهر والبطن ، والسّهل والجبل ، وقضّهم بقضيضهم ، فتقول : «ضربت زيدا الظّهر والبطن ، واليد ، والرّجل» ، «ومطرنا الزّرع والضّرع ، والسّهل ، والجبل» أى : مطر مالنا كلّه ، «وجاء القوم قضّهم بقضيضهم» أى : كلهم.

وكذلك ـ أيضا ـ تجرى العرب مجرى التأكيد بكلّ أسماء العدد من ثلاثة إلى عشرين ، فتقول : «مررت بالقوم ثلاثتهم» ، وكذلك إلى العشرة ، «ومررت بالقوم أحد عشر رجلا ، وأحد عشر» ، ولا تذكر التمييز ، وأحد عشرهم ، وهو أضعفها ، وكذلك إلى العشرين ، والمعنى فى ذلك كلّه : مررت بالقوم كلّهم.

* * *

٣٢٠