المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

الحياة الاجتماعية

المجتمع الأندلسى مجتمع معقد ؛ إذ يتألف من عناصر متعددة فى أصولها البشرية ، فقد توالى على البلاد منذ فجر التاريخ أجناس مختلفة ، فحكمها الإغريق ثم الرومان ثم القوط ، وجاء العرب فصادفوا بلادا قد انطبعت فيها سمات هذه الأمم المختلفة ، فطبعوا البلاد بسمات أخرى ، وخصوصا أن العرب قد امتزجوا بالسكان السابقين عليهم بالزواج والمصاهرة والحوار والمعاشرة ؛ لأنهم أتوا إلى هذه البلاد جنودا ؛ مما اضطرهم إلى الاتصال الأسرى بسكان شبه الجزيرة الأندلسية.

وبذلك أصبح سكان الأندلس بعد الفتح الإسلامى خليطا من :

البربر والمغاربة والعرب والمسيحيين الذين كانوا ينتمون إلى العناصر الأيبيدية التى جاءت من المغرب ، والعناصر الكلسية التى وفدت من أوربا والجماعات اليهودية القديمة والرومان والقوط وبعض العناصر الأوربية الشمالية والصقالبة (١).

ولهذا الاختلاط آثاره الخلقية والخلقية والعقلية ؛ مما دفع ذلك ابن المقرى إلى وصف أهل الأندلس نتيجة هذا الاختلاط بقوله :

«أهل الأندلس : «عرب» في الأنساب والعزة وعلو الهمة وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما فى أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية.

«هنديون» فى إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم إياها.

«بغداديون» فى نظافتهم وظرفهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم.

و «يونانيون» فى استبطانهم للمياه ، ومعاناتهم لضروب الفراسات واختيارهم لأجناس الفواكه ، وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر» (٢).

وقد كان سكان هذه البلاد فى حالة استقرار يعيشون فى القرى والحصون ، إضافة

__________________

(١) ينظر البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب ٢ / ١١ (دار الثقافة بيروت).

(٢) ينظر نفح الطيب ١ / ٧٥ ، ومجلة عالم الفكر ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤ المجلد العاشر.

٢١

إلى الأمصار المعروفة كـ «غرناطة ومالقة وإشبيلية» وتمتاز هذه البلاد بكثرة العمران ، مارس أهلها ـ كأى مجتمع مستقر ـ الصناعة والتجارة والزراعة ، وغيرها من الحرف.

وهذا يعنى أن كثرة الأصول التى كان ينتمى إليها المجتمع الأندلسى ، وكذلك اختلاف النزعات وتعددها لم تجعل منه مجتمعا مهلهلا ، وكما يقول الدكتور أحمد هيكل : «وليس معنى ما تقدم أن المجتمع الأندلسى كان مجتمعا مهلهلا بسبب اختلاف عناصره البشرية ، فالحق أنه برغم تعدد العناصر بين سكان الأندلس ـ كانت الروابط القوية تشد بعضهم إلى بعض فى أغلب الأحيان ، وتطبعهم بالطابع الأندلسى المتميز ، فقد كانت هناك دائما البيئة المشتركة والثقافة المشتركة ، وكانت هناك غالبا الحكومة الموحدة والسياسة الموحدة ، ثم كانت هناك بعد ذلك الحضارة الأندلسية الرائعة التى تصبغ جميع العناصر بصبغتها الواضحة ، تلك الصبغة التى لا يكاد يفترق فيها بربرى الأصل عن عربى الدم ، بل لا يكاد يتميز معها أسبانى الجدود من عربى الآباء» (١).

ويعلل الدكتور أحمد هيكل لهذا الترابط فيرجعه إلى غلبة العنصر العربى وارتباطه بسكان البلاد الأصلية عن طريق الزواج والمصاهرة لما كان الوافدون العرب في شكل جنود لا فى شكل أسر ، دفعهم ذلك إلى الارتباط مع سكان الجزيرة برباط المصاهرة.

وكان لهذا الاستقرار الاجتماعي فضلا فى ازدهار الحركة العلمية ، وبروز المبدعين من أهل الأندلس فى شتى العلوم ، وسنتعرض للحركة العلمية في النقطة التالية.

* * *

__________________

(١) ينظر الأدب الأندلسى للدكتور أحمد هيكل ص ٣٥.

٢٢

الحركة العلمية

بدأت النهضة العلمية منذ وطئت أقدام المسلمين أرضها ، فكان للفتح الإسلامي الفضل فى تغيير وجه الحياة فيها ، بل وفى أوربا كلها التى كانت ترزح تحت وطأة الظلم والظلام.

ومعلوم أن الإسلام يقدر العلم ، ويرفع درجة العلماء ؛ لذلك جاء إلى الأندلس متضمنا دعوته إلى العلم ، مرغبا فيه ، وقد تهيأت له أرض خصبة فى هذه البلاد ؛ حيث وجد حكاما يعشقون العلم ويقدرون العلماء ويشجعون على الإبداع.

واستمرت هذه النهضة إلى آخر وجود المسلمين فى الأندلس ، بل إن الأوربيين استفادوا استفادات عظيمة مما خلفه المسلمون من تراث علمى ، وإلى الآن.

وقد ازدهرت فى الأندلس علوم شتى وفنون مختلفة ، ومن العلوم التى استحوذت على اهتمام العامة والخاصة وانتشرت انتشارا واسعا :

(١) علم النحو.

(٢) علم القراءات.

(٣) علم التفسير.

علم النحو :

النحو : هو مجموعة من القواعد التى تلتزم بها أساليب اللغة فى طرق أدائها للمعانى ، أو كما عرفه ابن جنى «انتحاء سمت كلام العرب فى تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب ، وغير ذلك ؛ ليلحق من ليس من أهل العربية بأهلها فى الفصاحة فينطق بها ، وإن لم يكن منهم ، وإن شذ بعضهم عنها رد به إليها» (١).

وقد ارتبط علم النحو فى نشأته وتطوره بالقرآن الكريم ، فقد مرّ بمراحل متعاقبة كانت فى البداية سريعة ، وذلك بسبب ارتباطه بضبط القرآن والحديث ، حتى يظلا بمنجاة من اللحن والتحريف مما جعله فى حقيقة الأمر من ثمرات الدراسة القرآنية (٢).

__________________

(١) الخصائص ١ / ٣٤.

(٢) مجلة الدارة السعودية «العقد الأول» ، السنة الثانية ، شوال ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م ص ١٧ ، من مقال للدكتور عبد الكريم محمد الأسعد.

٢٣

وهناك ظروف موضوعية أدت إلى نشأة علم النحو ، وذلك بعد بروز المشكلة اللغوية وإلحاحها بفعل عاملين :

الأول : عامل اجتماعى ، يتمثل فى الاختلاط العميق الذى نشأ بين القبائل العربية وبين غير العرب ممن فتح الله بلادهم للمسلمين ، هذا الاختلاط دعا إلى ضرورة اتخاذ لغة تعبر عنه وتقضى حاجاته ، فبدأت لذلك تنشأ مشكلة لغوية ذات شقين : الشق الأول : تعدد اللغات وتعدد الألسنة لكثرة البلاد المفتوحة ، والشق الثاني : اللحن الذى بدأ يتسرب إلى اللسان العربى (١).

والعامل الثاني : ديني ، ويتلخص فى أن العرب أرادوا أن ينشروا الإسلام بين الشعوب المفتوحة ، ومحور الإسلام القرآن ، وهو نص عربى ، ولا بد لكل مسلم ومسلمة أن يقرأ ولو شيئا يسيرا من القرآن وبصورة صحيحة ، وهذا يدعو إلى أن يتعلم العجم ولو المبادئ الأساسية للّغة العربية التى بها يستطيعون قراءة القرآن قراءة صحيحة.

والحق أن كلا العاملين أحدثا أثرا مناقضا للآخر ، فالعامل الاجتماعى يدعو إلى خلق لغة مشتركة للتفاهم بين العرب وبين أهل البلاد المفتوحة ، على حين أن العامل الديني يؤثر المحافظة على اللغة العربية كما هى ـ دونما شائبة ـ حتى يتثنى قراءة القرآن الكريم قراءة سليمة ، ومن هنا برزت المشكلة (٢).

وقد أدرك المسلمون المشكلة اللغوية ، ولذلك فكروا فى حل سريع لها ، يضمن ترابط المجتمع ووحدته من ناحية ، ومن ناحية أخرى يفرض على هذا المجتمع لغة القرآن (اللغة العربية) لغة رسمية.

ومن هنا ، بدأ علم النحو في الظهور للقيام بالمهمة السابقة ، وبدأ ذلك الظهور فى شبه خطوات تمهيدية ، كضبط النص القرآنى الذى قام به أبو الأسود الدؤلى كحل سريع للمشكلة اللغوية ، وكانت هذه الخطوة خطوة تمهيدية لنشأة القواعد اللغوية.

ثم جاءت الخطوة الثانية وهى التصدى المباشر للمشكلة اللغوية فصنّف أبو الأسود الدؤلي ـ أيضا ـ الحركات إلى مضمومات ومفتوحات ومكسورات ، منونة وغير

__________________

(١) ينظر قضايا ونصوص نحوية (دار الثقافة العربية) للدكتور على أبو المكارم ص ٣٥.

(٢) راجع السابق ص ٣٦ ، ٣٧.

٢٤

منونة. وبذلك أدرك ظواهر التصرف الإعرابى فى آخر الكلمات ، وكانت هذه الخطوة هى البداية الحقيقية إلى وضع قواعد علم النحو التى أتيح لها أن تتطور وتتضح وتستقر كل ذلك جاء فى أطوار متعددة (١).

علم النحو فى الأندلس

نشأ المذهب الأندلسى فى بداية القرن الخامس الهجرى ، حيث خالط نحاتها جميع النحاة السابقين من بصريين وكوفيين وبغداديين مع انتهاجهم نهج الآخرين فى الاختيار من آراء نحاة الكوفة والبصرة وإضافة اختيارات من آراء البغداديين وبخاصة أبو على الفارسي ، وابن جني ، وشاءت الأقدار أن تكون هذه البلاد رائدة لفن النحو بعد أن كانت محرومة منه زمنا طويلا (٢).

يلخص صاحب كتاب «تاريخ الفكر فى الأندلس» رحلة النحو فى هذه البلاد ، فيقول : «كان الناس أولا ، يدرسون اللغة فى الأندلس عن طريق قراءة النصوص الأدبية والكتب دون استعمال كتب خاصة فى النحو ، ثم عرضوا بعد ذلك كتبه ، وأول ما ذاع بينهم منها كتب الكسائى وسيبويه ، ثم جودى بن عثمان المتوفى سنة ١٩٨ ه‍ الذي ألّف كتاب «منبه الحجارة» وجاء بعده أبو على القالى المتوفى سنة ٣٥٥ ه‍ الذى ألّف رسالة عن المقصور والممدود ، وأخرى عن الأفعال عنوانها :

«فعلت وأفعلت» وكان أرفع كتب النحو على أيام ابن حزم «تفسير الحوفى لكتاب الكسائى» وكتابين لابن سيده الضرير. وقد قام أبو الحجاج يوسف بن عيسى المتوفى سنة ٤٧٥ ه‍ بشرح ما فى كتاب سيبويه من الشعر ونقد نحوه ، وكان الأعلم البطليوسي يسمى بالنحوى ، وقد وضع شرحا لجمل الزجاجى ولكتاب الحماسة ، وألف عددا من الكتب الجيدة فى النحو ، ويقولون إن أحمد بن على بن أحمد بن خلف الأنصارى المعروف بابن الباذش الغرناطى المتوفى سنة ٥٤٠ ه‍ كان يعد نفسه واحدا من أعلام النحو الثلاثة فى عصره» (٣).

__________________

(١) انظر هذه الأطوار عند الدكتور على أبو المكارم : المرجع السابق ص ٤٢ وما بعدها.

(٢) المدارس النحوية ٢٩٢.

(٣) تاريخ الفكر الإسلامى فى الأندلس (مؤسسة النهضة المصرية ١٩٥٥ م) ترجمة : حسين مؤنس ص ١٨٥ وانظر : فضل الحضارة الإسلامية والعربية على العالم ص ٥٦٠.

٢٥

واستمرت حركة النحو فى تقدم وازدهار ، فوجدنا علماء مبرزين ألفوا مجموعة من الكتب ما زال أثرها البالغ إلى يومنا هذا ، ومن هؤلاء : ابن مالك مؤلف «الألفية» وكتاب «التسهيل» وشرحه ، وكتاب «شرح الشافية الكافية» وغيرها ، والشلوبين مؤلف كتاب «التوطئة» وغيره ، وابن عصفور مؤلف كتاب «المقرب» وغيره ، وغيرهم كثير.

ومما يدل على اعتناء الأندلسيين بالنحو وحفظهم له ، وارتحالهم فى طلبه ـ حفظهم مذاهب النحاة ، كما كانت تحفظ مذاهب الفقه ، كما أن العالم الذى لا يكون متمكنا من هذا العلم ، ولا يعرف غرائبه وشوارده ، لا يكون جديرا باحترامهم ولا مستحقا للتمييز ولا سالما من الازدراء (١).

بذلك تتضح لنا عناية أهل الأندلس بعلم النحو واستقلالهم فى آراء كثيرة ، فكوّنوا بذلك مدرسة فى النحو خاصة بهم.

ثانيا : علم القراءات

ومما يتصل بالنحو اتصالا وثيقا علم القراءات ؛ إذ للقراءات أثرها فى التوجيه النحوى واللغوى.

وعلم القراءات علم يعرف به كيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوا لناقله (٢).

والقراءات حجة الفقهاء فى الاستنباط والاهتداء إلى الحق فى كثير من المسائل الفقهية.

وقد انتشر علم القراءات فى الأندلس على يد مجاهد من موالى العامريين ، وخاصة عند ما ملك بشرق الأندلس ؛ لأن مولاه المنصور بن عامر أخذه به ؛ إذ كان معتنيا بهذا الفن من فنون القرآن ، واجتهد فى تعليمه وعرضه على من كان من أئمة القراء بحضرته ، فكان سهمه وسهم مولاه فيه وافرا (٣).

__________________

(١) فضل الحضارة الإسلامية والعربية على العلم ص ٥٦٠.

(٢) لطائف الإشارات ، تحقيق : الشيخ عامر عثمان والدكتور عبد الصبور شاهين ١ / ١٧٠.

(٣) راجع : أهم القضايا النحوية والصرفية فى المحرر الوجيز لابن عطية (رسالة ماجستير ، كلية اللغة العربية بالقاهرة) ص ١٥.

٢٦

وقد وضع العلماء شروطا للقراءة الصحيحة ، وهى : أن توافق العربية ولو بوجه ، بمعنى أن تتفق مع رأى من آرائها ولو كان ضعيفا ، وأن توافق أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وأن يصح سندها.

يقول ابن الجزري : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وصح سندها ، فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها ولا إنكارها ، بل هى من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها (١).

فإذا اختل شرط من الشروط الثلاثة صارت القراءة ضعيفة أو شاذة أو باطلة ، مهما كانت منزلة القائل بها ، أو كانت سبعية أو عشرية.

ومما يدل على أهمية الشروط السابقة ما قاله السيوطي عن ابن الجزرى فى كلامه السابق : «وأحسن من تكلم فى هذا النوع إمام القراء فى زمانه شيخ شيوخنا : أبو الخير ابن الجزرى» (٢).

والقراءات حكم على القاعدة اللغوية ، ولا يكون العكس ، فنحن نصحح القاعدة بالقراءة ، ولا نصحح القراءة بالقاعدة ، وهذا يدل على أهمية القراءات فى الدرس النحوى ، وفى ضبط قواعده.

ثالثا : علم التفسير

ومن العلوم التى تتصل بعلم النحو علم التفسير ؛ إذ للنحو أثر بارز فى تفسير كتاب الله عز وجل.

وفضل علم التفسير كبير ؛ إذ يتصل بكتاب الله ، فموضوعه كتاب الله الذى هو ينبوع الحكمة ، ومعون كل فضيلة. والغرض منه شريف ؛ فالغرض منه الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التى لا تفنى ، كما أن الحاجة إليه شديدة لفهم كتاب الله ؛ لتستقيم الحياة ، ويصل الإنسان إلى الكمال الدنيوى والأخروى ؛ لأن كتاب الله هو المنهاج القويم والصراط المستقيم ، عصمة لمن تمسك به (٣).

__________________

(١) انظر : طبقات القراء ٢ / ٢٤٧ ، ولطائف الإشارات ١ / ٤٢

(٢) الإتقان ١ / ٢٥٨.

(٣) انظر الإتقان ٤ / ١٩٩.

٢٧

وقد عنى الأندلسيون بتفسير الكتاب العزيز ، وكان حظهم من العناية به والإتقان كبير.

«وعلماؤهم فى مقدمة من خلّصوا التفسير من الإسرائيليات والأخبار الواهية والمصنوعة ... التى أدخلها اليهود والنصارى الذين اعتنقوا الإسلام» (١).

ومن أبرز المفسرين الأندلسيين :

أبو عبد الله بقى بن مخلد (٢٠١ ـ ٢٧٦ ه‍) من أهل قرطبة.

أبو سعيد عثمان بن محمد بن محاسن (توفى ٣٥٦ ه‍).

مكى بن أبى طالب القيسي القرطبي (٣٥٥ ـ ٤٣٧ ه‍).

وابن عطية صاحب كتاب تفسير «المحرر الوجيز».

والقاضى أبو بكر محمد بن عبد الله العربى (توفى ٥٤٣ ه‍) صاحب كتاب «أحكام القرآن».

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصارى الخزرجى الأندلسى ثم القرطبى صاحب كتاب «الجامع فى أحكام القرآن».

يتبين لنا من كل ذلك مدى إسهام الأندلسيين فى مجال علم التفسير وهو إسهام عظيم ولا شك.

* * *

__________________

(١) انظر : مقدمة ابن خلدون ص ٣٠٨ (ط مصطفى الحلبى) ، وكشف الظنون ١ / ٢٢٨.

٢٨

ترجمة ابن عصفور

اسمه وكنيته ولقبه

اسمه : على بن أبى الحسن بن مؤمن بن محمد بن على بن عصفور الحضرمى الإشبيلي ، وكنيته : أبو الحسن ، ويلقب بابن عصفور (١).

وقد وصفه أبو العباس فى «عنوان الدراية» فيمن عرف من العلماء فى المائة السابعة ببجابة بقوله «هو الشيخ الفقيه الأستاذ النحوى المؤرخ المحصل الجليل الفاضل ، الأستاذ أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على الحضرمي ، عرف بـ «ابن عصفور» ، من أهل إشبيلية.

مولده ونشأته

ولد ابن عصفور بإشبيلية عام سبعة وتسعين وخمسمائة وهو عام السيل الكبير ، ونشأ فى ربوع الأندلس يأخذ علوم العربية والأدب من أشهر علمائها. وقد لازم الشلوبين عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه.

وقد استوطن بأخرة تونس وتجول وسكن ثغرى آنفا مرّة وآزمور أخرى ، ودخل مراكش (٢).

وقد ذكر من ترجم له أنه كان صابرا على البحث ومدارسته لا يمل من ذلك ، وقد تصدر للإقراء والتعليم فأقبل عليه الطلبة وأخذوا عنه علم العربية ، والمتتبع لمؤلفاته يجد أنه لم يكن له باع إلا فيما يتعلق بعلوم العربية وآدابها.

مكانته العلمية

برع ابن عصفور فى النحو ، وحمل لواء العربية في زمانه بعد أستاذه الشلوبين ، فبعد أن أتم دراسته على شيوخه ، تصدر للتدريس ، وكان ذلك فى إشبيلية ، وكانت له حلقة كبيرة يدرس فيها لطلابه.

__________________

(١) انظر الوافى بالوفيات ٢٢ / ٢٦٥ ، كشف الظنون ٢ / ١٨٢٢ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣٣٠ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ، ومفتاح السعادة ١ / ١١٨ ، ونفح الطيب ٢ / ٢٠٩ ، ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، وكشف الظنون ص ٥٢٧ ، ٦٠٣ ، وإيضاح المكنون ١ / ٥٢٧ ، الأعلام للزركلى ٥ / ٢٧.

(٢) انظر الذيل والتكملة ٥ / ٤١٣ ، ٤١٤.

٢٩

قال عنه السيوطي : حامل لواء العربية فى زمانه بالأندلس.

وقال ابن الزبير : أخذ عن الدباج ، والشلوبين ، ولازمه مدة ، وكانت بينهما منافرة ومقاطعة ، وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد ، وجال بالأندلس ، وأقبل عليه الطلبة ، وكان أصبر الناس على المطالعة ، لا يمل من ذلك (١).

وقيل : إنه لم يكن يؤخذ عنده غير النحو ولا تأهل لغير ذلك (٢).

ولكن هذا لا يصح ، لأنه كان علما فى العربية ، ريّان فى الأدب (٣) يشهد له ما قدمه من مصنفات ، ففى النحو نرى كتبا كثيرة كالمقرب والبديع وشروح الجمل ، وفى الصرف : الممتع ، وفى الأدب : الضرائر وسرقات الشعراء ، وشرح الأشعار الستة ، وشرح الحماسة ، وشرح ديوان المتنبي (٤).

وقد كان أبرع تلاميذ الشلوبين وأحسنهم تصنيفا ؛ ولذلك ذاع صيته فى بلاد الأندلس ؛ فتصدر للتدريس فى إشبيلية وشريش ومالقة ومرسية ، حتى جعل اسمه فى الطبقة الأولى من أعلام إشبيلية ، وقرن بأمثال أبى على الشلوبين وأبى الحسن الدباج (٥) ، وقيل : إنه حامل لواء العربية فى زمانه بالأندلس

وكان لسرعة تفوق ابن عصفور وشهرته وتصدره للتدريس أن نافس أستاذه الشلوبين ؛ مما جعله ينقم عليه فصار إلى الغض من شأنه ويصمه بالجهل ، فكان يقول لتلاميذه : «إذا خرجتم فاسألوا ذلك الجاهل» (٦) يعنى ابن عصفور.

بل إن شهرته العلمية طبّقت العالم الإسلامى شرقا وغربا ، فأصبح مذكورا ـ لعلمه ـ لدى الجميع ، ولمصنفاته تقدير وحفاوة ، قال صاحب القدح المعلى : «وأبو الحسن الآن إمام بهذا الشأن فى المشارق والمغارب ، وهو حيث حلّ فعلمه نازل بالمحل الرفيع ، ومقابل بالبر الفائق» (٧).

__________________

(١) انظر : بغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ، والوافى بالوفيات ٢٢ / ٢٦٥ ، ونفح الطيب ٢ / ٢٠٩.

(٢) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٣) الذيل والتكملة ٥ / ٤١٤.

(٤) السابق نفس الصفحة.

(٥) انظر نفح الطيب ، وبغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٦) نفح الطيب ٢ / ٢٠٩ ، ٢١٠.

(٧) اختصار القدح المعلى ص ٩٦.

٣٠

وبلغ من علمه فى النحو أن جعله القاضى ناصر الدين ابن المنير خاتم علماء النحو حين رثاه قائلا :

أسند النحو إلينا الدؤلى

عن أمير المؤمنين البطل

بدأ النحو علىّ ، وكذا

قل بحقّ : ختم النحو على (١)

ويذكر ابن سعيد المدلجىّ أن شيخه ابن عصفور انتهت إليه علوم ، وعليه الإحالة الآن فى المشرق والمغرب (٢).

غير أنه وبالرغم من ذلك حاول بعض الأندلسيين الغض من ابن عصفور والتقليل من شأنه ؛ فابن الزبير ينفى عنه أن يكون ذا معرفة بغير علوم العربية (٣) وابن مالك «صاحب الألفية» يصمه بالجهل وعدم الضبط والإتقان وكثرة الخطأ وابن الحاج وأبو العباس «أحمد بن محمد الإشبيلي» وهو معاصر لابن عصفور ، يتهمه بأنه يسيء فهم كتاب سيبويه وتفسيره (٤) وأبو حيان الذى عنى بالممتع والمقرب والشرح الكبير لا يألو جهدا فى تعقب ابن عصفور ونقده والغض منه وقد أورد عليه تعليقات كثيرة (٥). وقد عرض المقريّ لبعض تلك الأقوال فوصفها بأن فيها كثيرا من التخليط والتعسف ، ثمّ أنشد قائلا :

وفي تعب من يحسد الشمس نورها

ويأمل أن يأتي لها بضريب (٦)

وللحق نقول : إن هذه الأقوال ـ على ما فيها من حق أو باطل ـ لا تنال من منزلة ابن عصفور ، أو تنقص من قدره فى تاريخ النحو العربى ، بل إن له قدما راسخة تشهد لها كثرة مصنفاته فى فن النحو والصرف ، وشهرته التى طبقت الآفاق قديما وحديثا.

أساتذته وشيوخه

تذكر كتب التراجم أن ابن عصفور أخذ عن اثنين هما :

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٢) نفح الطيب ٣ / ١٨٤.

(٣) انظر بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٤) اختصار القدح المعلى ص ٩٦ ، وبغية الوعاة ١ / ٣٦٠.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٦٢ ، ٣٦٣.

(٦) نفح الطيب ٤ / ١٤٨.

٣١

١ ـ الشلوبين :

وهو الأستاذ أبو على عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الإشبيلى الأزدى ، المعروف بالشلوبينى (١).

والشلوبينى نسبة إلى حصن شلوبينية بجنوب الأندلس ، ويسميه الإسبان الآن anerbolaS ، يقع جنوبى غرناطة على البحر المتوسط ، وهى قرية من قرى إشبيلية ، وهى تقع غربى مدينة «موتريل شرقى المنكب (٢).

وقد أورد بعض المؤرخين اسمه بدون ياء نسب ، فقال : الشلوبين ، وهى تعنى بلغة الأندلس : الأشقر والأبيض (٣).

وقد ولد أبو على فى سنة اثنتين وستين وخمسمائة بإشبيلية ، وكانت وفاته فى سنة خمس وأربعين وستمائة عن ثلاث وثمانين سنة (٤).

وكان إمام عصره فى العربية بلا منازع ، وهو آخر الأئمة بالمشرق والمغرب فى هذا الشأن ، وكان بالإضافة إلى هذا بارعا فى قرض الشعر ونقده والتعليم وغير ذلك.

يقول ابن سعيد : «وعكف من صباه على النحو حتى برع فيه ، ولم يترك أحدا فى عصره يوازيه ... وكان مع إمامته فى النحو مقرئا لمصنفات الأدب الجليلة قائما بمعرفتها وضبطها وروايتها ، عاملا بذلك غدوه وأصيله» (٥).

وقال عنه السيوطى : «وقلما تأدب بالأندلس أحد من أهل زماننا إلا وقرأ عليه أو استند ـ ولو بواسطة ـ إليه» (٦).

٢ ـ أبو الحسن الدبّاج :

هو شيخ الأندلس ، على بن جابر بن على بن أحمد اللخمى الإشبيلى ، عالم باللغة والأدب ، لطيف المعشر ، خالص اليقين ، متين الدين ، تعلم القراءات والعربية ،

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢٢٤ ، والديباج المذهب ص ١٥٢ ـ ١٥٤ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٣٥٨.

(٢) التوطئة لأبى على الشلوبينى ، مقدمة المحقق ص ٣٧ ، تحقيق الدكتور يوسف أحمد المطوع.

(٣) انظر : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٣.

(٤) انظر : السابق ١٣ / ٢٧٤.

(٥) اختصار القدح المعلى فى التاريخ المحلى ص ٥٢ ، ٥٣.

(٦) بغية الوعاة ٢ / ٢٢٥.

٣٢

وتصدر للإقراء نحو خمسين سنة ، وجعله أهل إشبيلية إماما لجامع العديس ، له تصانيف وأشعار كثيرة.

وقد ولد سنة ست وستين وخمسمائة ، وتوفى سنة ست وأربعين وستمائة فى إشبيلية (١).

تلاميذه :

كان ابن عصفور كثير التطواف في بلاد الأندلس والمغرب ؛ ولذلك أقبل عليه طلبة العلم ينهلون من علمه ، ومن أبرز تلاميذه الذين ذكرتهم كتب التراجم :

١ ـ أبو الفضل الصّفّار :

وهو قاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليموسي ، صحب الشلوبين وابن عصفور ، وشرح كتاب سيبويه شرحا طيبا ، قيل عنه : إنه من أحسن الشروح ، وقد توفي أبو الفضل الصفار بعد الثلاثين وستمائة للهجرة (٢).

٢ ـ ابن حكم الطّبيري :

هو أبو عثمان ، سعيد بن حكم بن عمر بن أحمد القرشي ، كان نحويّا أديبا ، حسن التصرف في النظم والنثر ، مشاركا في الفقه والحديث ، ذا حظ صالح فى الطب ، أخذ عن الدبّاج والشلوبين وابن عصفور ، وروى عنهم ، وأجاز له من المشرق القسطلاني وخلق ، وروى عنه يوسف بن مفوّز.

استولى على «منرقة» ـ بضم النون وسكون الراء ـ فضبطها أحسن ضبط ، وسار فيها سيرة حسنة ، فهابه النصارى ، واستقام أمر المسلمين ، وهو مع ذلك لا يفتر عن النظر في العلم وإفادته.

ولد ليلة السبت سادس جمادى الآخرة سنة إحدى وستمائة ، وتوفى يوم السبت لثلاث بقين من رمضان سنة ثمانين وستمائة (٣).

__________________

(١) راجع : اختصار القدح المعلى ص ١٥٥ ـ ١٥٦ ، ورايات المبرزين ص ١٦ ، وتكملة الصلة ص ٦٨٣ ، وشذرات الذهب ٥ / ٢٢٥ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٣٦١ ، ونفح الطيب ٣ / ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

(٢) بغية الوعاة ٢ / ٢٥٦ ، وكشف الظنون ص ١٤٢٨.

(٣) بغية الوعاة ١ / ٥٨٣ ، ٥٨٤.

٣٣

٣ ـ ابن سعيد المدلجىّ :

أبو الحسن ، عليّ بن موسى بن عبد الملك بن سعيد الأندلسي الأديب النحوي المؤرخ ، من ذرية عمار بن ياسر الصحابيّ رضي الله عنه ، قال في البدر السافر جال المغرب ، وجاب المشرق ، وقرأ النحو والأدب على الشلوبين والدبّاج والأعلم البطليوسي وابن عصفور.

وألف : المشرق في أخبار المشرق ، والمغرب في أخبار المغرب ، والمرقصات والمطربات ، والأدب الغض ، وريحانة الأدب.

وقد ولد بغرناطة سنة عشر وستمائة ، ومات سنة ثلاث وسبعين ، وقيل سنة خمس وثمانين وستمائة (١).

٤ ـ ابن عذرة الأنصاري :

هو أبو الحكم ، الحسن بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عمر بن عبد الرحمن الأوسيّ الخضراويّ ، كان إماما في النحو نبيلا حاذقا ، ثابت الذهن ، وقّاد الفكر.

أخذ عن أبي العلاء إدريس القرطبي وابن عصفور وله تصانيف منها : المفيد في أوزان الرجز والقصيد ، والإغراب في أسرار الحركات في الإعراب.

ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، وكان حيّا سنة أربع وأربعين وستمائة (٢).

٥ ـ الشلوبين الصغير :

وهو أبو عبد الله ، محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاريّ المالقيّ ، مذكور في جمع الجوامع ، وهو من النبهاء الفضلاء ، تعلم العربية والقراءات عن عبد الله بن أبي صالح ، ولازم ابن عصفور مدة إقامته بمالقة ، وأقرأ ببلده القرآن والعربية ، وشرح أبيات سيبويه شرحا طيبا ، وكمّل شرح شيخه ابن عصفور على الجزوليّة ، وقد توفى سنة ستين وستمائة عن نحو أربعين سنة (٣).

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢٠٩ ، ونفح الطيب ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧٤.

(٢) بغية الوعاة ١ / ٥١٠.

(٣) بغية الوعاة ١ / ١٨٧ ، وكشف الظنون ص ١٨٠١.

٣٤

٦ ـ أبو زكريا النحوي :

هو : يحيى بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله الغماري التونسي ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، قرأ العربية بتونس على ابن عصفور ، توفى ثالث عشر ذي الحجة سنة أربع وعشرين وسبعمائة (١).

ولابن عصفور تلاميذ آخرون ، منهم : أبو محمد مولى سعيد بن حكم ، وأبو عبد الله بن أبىّ ، وغيرهما (٢).

مؤلفاته

ألف على بن مؤمن مصنفات كثيرة في النحو والصرف والأدب ، وصفت بأنها أحسن التصانيف في بابها ، قال أبو العباس في «العنوان» وتأليف أبي الحسن رحمه الله في العربية هي من أحسن التآليف ، ومن أجلّ الموضوعات والتصانيف ثم ذكر يعددها ، حتى قال : «وكلامه في جميع تآليفه سهل منسبك محصل ، والذي قيده عنه أصحابه أكثر من تآليفه التي ألفها».

١ ـ الأزهار ، ذكره ابن شاكر الكبتي (٣).

٢ ـ إنارة الدياجي ، ذكره ـ أيضا ـ ابن شاكر الكبتي (٤).

٣ ـ إيضاح المشكل : نسبه إليه بروكلمان (٥).

٤ ـ البديع : وهو شرح للمقدمة الجزولية في النحو (٦) ، الّتي صنفها أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزوليّ البربري النحوي المتوفى سنة سبع وستمائة ، وكانت في الأصل حواشي على جمل الزجاجي (٧) ، ثم أفردها في كتاب ، وقد أغرب فيها وأتى بالعجائب ، وهو في غاية الإيجاز ، وقال بعض الأئمة عنه : «أنا ما أعرف هذه

__________________

(١) الذيل والتكملة ٥ / ٤١٤.

(٢) بغية الوعاة ٢ / ٣٣١.

(٣) فوات الوفيات ٢ / ٩٣.

(٤) السابق.

(٥) راجع بروكلمان ١ / ٥٤٦.

(٦) كشف الظنون ص ١٨٠٠ ، ١٨٠١.

(٧) بغية الوعاة ٢ / ٢٣٦.

٣٥

المقدمة ، وما يلزم من كوني ما أعرفها ألا أعرف النحو» (١).

وقال بعض العلماء : ليس في الجزولية نحو ، إنما هي منطق ؛ لدقة معانيها وغرابة تعاريفها (٢).

٥ ـ السلك والعنوان ومرام اللؤلؤ والعقيان : نسبه إليه بروكلمان (٣).

٦ ـ سرقات الشعراء.

٧ ـ شرح الأشعار الستة : ولم يكمله ابن عصفور ، وهو شرح لدواوين الشعراء الستة : امرئ القيس والنابغة وزهير وعلقمه وطرفة وعنترة (٤).

٨ ـ شرح الإيضاح : والإيضاح كتاب في النحو لأبي علي الفارسي ، قام بشرحه ابن عصفور ، ونقل البغدادي في خزانته من هذا الشرح (٥).

٩ ـ شروح الجمل : «والجمل كتاب للزجاجي ، وهو كتاب في النحو مشهور ، شرحه ابن عصفور ثلاث ومرات (٦).

أـ الشرح الكبير : ويسمى ـ أيضا ـ «أحكام ابن عصفور (٧).

وهو شرح مسهب مفصل حضره أبو حيان النحوي.

ب ـ الشرح الأوسط وهو أقل من سابقه.

ج ـ الشرح الأصغر.

وفي مكتبات العالم نسخ عدة من بعض هذه الشروح ، واحدة كتبت في القرن الثامن ، قوبلت بنسخة المصنف ، وهي في مكتبة يني جامع باستنبول تحت رقم ١٠٧٣ ، وفي «ليدن نسخة أخرى تحت رقم ٤٣ ، وفي «انيروزيانا نسخة ثالثة تحت رقم ١٥٤ (٨).

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ١٥٧.

(٢) راجع فوات الوفيات ٢ / ٩٣.

(٣) بروكلمان : ١ / ٥٤٧.

(٤) انظر : كشف الظنون ص ١٠٤١.

(٥) انظر إقليد الخزانة ص ٢٣.

(٦) الذيل والتكملة وفوات الوفيات وبغية الوعاة وشذرات الذهب ومفتاح السعادة المواضع السابقة.

(٧) كشف الظنون ص ١٩١٠ ، وانظر نفح الطيب ٣ / ١٨٤.

(٨) انظر من كتاب الجمل ص ٢٣ ، وبروكلمان ٢ / ١٧٤.

٣٦

١٠ ـ شرح ديوان المتنبي (١).

١١ ـ شرح المقرب : وهو كتاب شرح فيه المسائل المشكلة فيه ولم نعثر عليه ، والكتاب الموجود في المعهد تحت هذا الاسم هو كتاب مثل المقرب.

١٢ ـ شرح كتاب سيبويه : حيث إن ابن عصفور ختم كتاب سيبويه على أستاذه الشلوبين ، ثم تصدّر لتدريسه ، وعلق عليه بعض التعليقات (٢).

١٣ ـ الضرائر : وهو كتاب في ضرائر الشعر ، نقل عنه البغدادي في الخزانة (٣) ، وشرح شواهد الشافية (٤).

١٤ ـ مختصر المحتسب : و «المحتسب كتاب في النحو لابن بابشاذ ، طاهر بن أحمد النحوي ، بناه على : الاسم والفعل والحرف ، والرفع والنصب والجر والجزم ، والعامل ، والتابع ، والخط (٥).

١٥ ـ مثل المقرب : وهو الكتاب الذي وضعناه ضمن هوامش كتابنا.

١٦ ـ المقرب في النحو : وهو من أشهر كتب ابن عصفور ، انتشر ذكره في المشرق والمغرب ، وهو الذي سنقوم بتحقيقه بمشيئة الله تعالى.

١٧ ـ الانتصار : نبه عليه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.

١٨ ـ الممتع في التصريف.

وله مؤلفات أخرى ، منها : المقنع ، ومنظومة في النحو ، والهلال والسالف والعذار ، وغيرها.

وفاته :

اختلف المؤرخون في ميتته وتاريخها ، فقيل : إنه توفى سنة تسع وستين وستمائة (٦) ، وقيل : سنة تسع وخمسين وستمائة (٧) وقيل : سنة ثلاثة وستين وستمائة (٨). وقيل

__________________

(١) إيضاح المكنون ١ / ٥٢٧.

(٢) راجع الذيل والتكملة ، وفوات الوفيات المواضع السابقة.

(٣) انظر : اقليد الخزانة ص ٨٣.

(٤) انظر شرح شواهد الشافية ص ٦٨.

(٥) كشف الظنون ص ١٦١٢.

(٦) فوات الوفيات ص ٦٠٣ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ، وإيضاح المكنون ١ / ٥٢٧.

(٧) الذيل والتكملة ٥ / ٤١٤.

(٨) كشف الظنون ١٨٠٥.

٣٧

سبع وستين وستمائة (١).

والراجح أنه توفى سنة تسع وستين وستمائة ؛ لإجماع أكثر أهل التراجم على ذلك (٢).

أما سبب وفاته ففيه قولان :

القول الأول ينسب إلى ابن تيمية الذي زعم أن أبا الحسن جلس في مجلس شراب ، فلم يزل بالنارنج إلى أن مات (٣) ، وأورد السيوطي في البغية ؛ قول الصفدي بأن ابن عصفور لم يكن عنده ورع ، وأنه جلس في مجلس الشراب ، فلم يزل يرجم بالنارنج حتى مات (٤).

والقول الثاني رواه الزركشيّ ، قال : «وكان سبب موته ، فيما نقل عن الشيخ أحمد القلجاني وغيره ، أنه دخل على السلطان يوما ، وهو جالس برياض أبي فهر ، في القبة على الجابية الكبيرة ، فقال السلطان على جهة الفخر بدولته : قد أصبح ملكنا الغداة عظيما ، فأجابه ابن عصفور بأن قال : بنا وبأمثالنا ، فوجد السلطان في نفسه ، فلما قام الأستاذ ليخرج أمر السلطان بعض رجاله أن يلقيه بثيابه بالجابية المذكورة ، وكان ذلك اليوم شديد البرد ، ثم قال لمن حضره : لا تتركوه يصعد ، مظهرا اللعب معه ، وبعد صعوده أصابه برد وحمى ، فبقى ثلاثة أيام ، وقضى نحبه ، فدفن بمقبرة ابن مهنا ، قرب جبانة الشيخ ابن نفيس ، شرقيّ باب من أحد أبواب القصبة (٥).

ومن اليسير التوفيق بين القولين ، ليزول الخلاف ؛ بأنه قد أصابته الحمى لما داعبه السلطان فضعفت قواه نتيجة لذلك ونحل جسمه ، ثم كان مجلس الشراب بعد ثلاثة أيام ، فلم يحتمل النارنج الذي رجم به فمات ، فقضى نحبه بين الشراب والنارنج.

وقد عرف ابن عصفور ـ كما سبق أن ذكرنا ـ بأنه لم يكن عنده ورع يحول بينه

__________________

(١) وفيات ابن قنفذ.

(٢) انظر فوات الوفيات ٢ / ٩٣ ، وبغية الوعاة ٢ / ٢١٠ ، وشذرات الذهب ٥ / ٣٣٠ ، ومفتاح السعادة ١ / ١١٨ ، وكشف الظنون ص ٦٠٢.

(٣) فوات الوفيات ٢ / ٩٣ ، ومفتاح السعادة ١ / ١١٨.

(٤) بغية الوعاة ٢ / ٢١٠.

(٥) تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ص ٢٩ ـ ٣٠.

٣٨

وبين الشراب ، فهو القائل في عهد شيبه :

لما تدنست بالتفريط في كبرى

وصرت مغرى بشرب الراح للعسّ

أيقنت أن خضاب الشيب أستر لي

إنّ البياض قليل الحمل للدنس (١)

لكن هذا التوفيق قد كان يسيرا لو لا ما ذكره عبد الله المراكشي أن ابن عصفور «توفى بدار سكناه من قصبة تونس ، بعد ظهر يوم السبت ، ... ودفن عقب العصر من يوم وفاته» (٢).

ومجالس الشراب أكثر ما تكون ليلا ، وبخاصة في أيام الشتاء الباردة ، فهذه الرواية تتمم ما رواه الزركشي ، فيكون ابن عصفور قد لزم بيته بعد الحمى ثلاثة أيام حتى توفى فيه.

أضف إلى ذلك أن المصاب بالحمى لا يستطيع أن يستسلم للشراب والمداعبات العنيفة ولعل السلطان يكون قد اختلق قصة مجلس الشراب لينفي عن نفسه تهمة مداعبته الوحشية التي أودت بحياة ابن عصفور ، فأشاعوا قصة الشراب هذه ، وساعدهم في ذلك ولع ابن عصفور بالشراب ، حتى وصلت إلى ابن تيمية ؛ ومما يقوى ذلك ما قاله ابن منقذ : توفى أبو الحسن ابن عصفور النحوي غريقا بتونس (٣).

__________________

(١) بغية الوعاة ٢ / ٢١١.

(٢) الذيل والتكملة ٥ / ٤١٤.

(٣) وفيات ابن قنفذ.

٣٩

«كتاب المقرب»

أولا : حول كتاب «المقرب»

يعتبر كتاب المقرب من أبرز آثار ابن عصفور ، ألفه بعد ما طاف المشرق والمغرب في طلب علم النحو وبعد أن سبر أغواره ، وخبر مسائله ، وتمرس على علمائه. ونهل عن موارده ، ألفه فجاء كتابا شاملا زائدا كاملا فريدا في بابه ، فهو ـ كما يقول ابن عصفور نفسه ـ : «تأليف منزه عن الإطناب الممل والاختصار المخل ، محتو على كلياته ، مشتمل على فصوله وغاياته ، عار عن إيراد الخلاف والدليل ، مجرد أكثره من التوجيه والتعليل ، ليشرف الناظر فيه على جملة العلم في أقرب زمان ويحيط بمسائله في أقرب مكان».

وقسم ابن عصفور كتابه إلى قسمين :

الأول : أحكام الكلم بعد التركيب وأحكامه قبل التركيب.

فأما أحكامه بعد التركيب فقد جاء في قسمين :

قسم الإعراب ، ويشمل المرفوعات والمنصوبات والمجرورات ، والتوابع والفعل المضارع.

والقسم الثاني قسم البناء ، ويشمل البناء على الحكاية والعدد وكناياته والإدغام ومخارج الحروف والوقف.

وأما الأحكام التي تكون قبل تركيب الكلام فهي قسمان أيضا :

أحدهما يشمل باب التصغير وجمع التكسير والمصادر وأسماء الفاعلين والمفعولين وحروف الزيادة ، والثاني يشمل القلب والحذف والنقل ، وختم الكتاب بباب الضرائر.

ومعنى هذا أن المقرب ليس كتابا في النحو فقط ، بل كتاب نحو وصرف وأصوات وأدب كذلك.

ولما خرج كتاب المقرب إلى الوجود جذب انتباه النحاة لترتيبه الجميل وما فيه من علم واسع ، وقد كان أن تكلم فيه العلماء ، وكان كلامهم فيه إما تأييدا وإعجابا ، أو نقدا وحقدا.

٤٠