المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

الفعل ماضيا (١) لفظا ومعنى ، أو معنى دون لفظ ، واشتملت على ضمير عائد عليه ـ فالاختيار الواو.

وقد يجوز ألا تأتى بها ، وإن لم تشتمل على ضمير عائد عليه ، فلا بدّ من الواو.

ولا يجوز أن يكون الفعل الماضى لفظا ومعنى حالا ؛ حتى تكون معه «قد» مظهرة أو مضمرة ، أو يكون وصفا لمحذوف ، فإن كان الفعل الماضى لفظا فعل شرط ، قد حذف جوابه فى الأصل ـ وقع حالا ، ولا يكون معه ـ إذ ذاك ـ قد ، لا ظاهرة ولا مضمرة ، ولا يكون وصفا لموصوف محذوف ومن ذلك قول العرب : «لأضربنّه ذهب أو مكث» ، فذهب في موضع نصب على الحال ، والتقدير : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا ، أى : لأضربّنه على كلّ حال ، والأصل فيه : لأضربنه إن ذهب أو مكث ،

__________________

نصف النّهار الماء غامره

ورقيبه بالغيب ما يدرى

[ينظر البيت للمسيب بن علس فى أدب الكاتب ص ٣٥٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤١ ، ٢٥٠ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٨ ، ولسان العرب (نصف) ، وللأعشى فى جمهرة اللغة ص ١٢٦٢ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٣٣ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، والدرر ٤ / ١٧ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٦٨٣ ، وجمهرة اللغة ص ٨٩٣ ، ورصف المبانى ص ٤١٩ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٤٢ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٥ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٠٥ ، ٦٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٦ ، وروى «ورفيقه» بدلا من «ورقيبه» وروى «لا» بدلا من «ما»]. أه.

(١) م : وقولى : «وإن كانت فعليّة ، وكان الفعل ماضيا» إلى آخره مثال دخول الواو على الفعل الماضى ، إذا لم يتصل به ضمير يعود على ذى الحال قولك : أتانى زيد وقد طلع الفجر ، ومثال دخول الواو عليه وقد اتصل به ضمير يعود على ذى الحال قوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] ومثال الاستغناء بالضمير عن الواو قوله. [من الطويل]

إذا قامتا تضوّع المسك منهما

نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل

[ينظر البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٦٠ ، رصف المبانى ص ٣١٢ ، لسان العرب (قرنفل) ، (روى) ، المنصف ٣ / ٢٠ ، ٧٥ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١ / ٣٤٣ ، ولسان العرب (ضوع) ، مغنى اللبيب ٢ / ٦١٧ ، الممتع فى التصريف ٢ / ٥٧٢ ، شرح أبيات المغنى ١ / ٧٢ ، ٧ / ٢٩١ ، ويروى صدر البيت هكذا :

إذا التفتت نحوى تضوع ريحها

 ............]

أه.

٢٢١

ولذلك لا يجوز أن تقول : لأضربنّه يذهب أو يمكث.

وإن كان الفعل مضارعا : فإن دخل عليه حرف من الحروف المخلّصة للاستقبال ؛ كالسين ، وسوف ـ لم يجز أن يكون حالا ، وإن لم يدخل عليه حرف من الحروف التى لا تكون ما بعدها إلا مستقبلا ، فإن كان منفيا ، وكانت الجملة مشتملة على ضمير عائد على ذى الحال ـ جاز أن تأتى بالواو ، وألا تأتى بها.

وإن لم تكن مشتملة عليه ، فلا بدّ من الواو ، وإن كان مثبتا ، لم يكن بدّ من الضمير ، ولا يجوز دخول الواو إلا أن يشذّ ؛ فيحفظ ، ولا يقاس عليه نحو قولهم : «قمت وأصكّ عينه» ، أو فى ضرورة ؛ نحو قوله [من المتقارب] :

٩٤ ـ فلمّا خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

ولا يقضى العامل من المصادر ، ولا من ظروف الزمان ، ولا من ظروف المكان ، ولا من الأحوال الراجعة إلى ذى حال واحدة ، أزيد من شىء واحد ، إلا بحرف عطف ، إلا أن يكون أفعل التى للمفاضلة ، فإنّها تعمل فى ظرفين من الزمان أو المكان ، وفى حالين من ذى حال واحدة ؛ نحو قولك : أنت يوم الجمعة أحسن قائما منك يوم الخميس قاعدا ، فإن كان الحالان من ذوى حال ، جاز ذلك فى كل عامل ؛ نحو قولك : لقى عمرو زيدا مصعدا منحدرا ، إذا كان اللاقى مصعدا ، والملقى منحدرا ، وإن كان أحد الطرفين مشتملا علي الآخر ، جاز ذلك ـ أيضا ـ فى كل عامل ؛ نحو قولك / : لقيت زيدا يوم الجمعة غدوة ، فتنصب يوم الجمعة ، وغدوة بلقيت على أنهما ظرفان.

__________________

(١) البيت لعبد الله بن همام السلولي.

والشاهد فيه قوله : «وأرهنهم مالكا» حيث دخلت الواو على الجملة الواقعة حالا ، وهي مصدرة بمضارع ، وهذا قليل ، وقيل : إنه مؤوّل بأن الواو في التقدير داخلة على مبتدإ وتقديره : وأنا أرهنهم مالكا.

ينظر : إصلاح المنطق ص ٢٣١ ، ٢٤٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٦ ، والدرر ٤ / ١٥ ، والشعر والشعراء ٢ / ٦٥٥ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٨٥ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٩٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٦٤ ، ورصف المباني ص ٤٢٠ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٦ وشرح ابن عقيل ص ٣٤٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٦.

٢٢٢

والمصادر وظروف الزمان [والمكان] (١) يجوز تقديمها على العامل كائنا ما كان (٢) إلا أن يكون العامل اسما موصولا ، وفعلا غير متصرّف ، أو يكون المصدر ضميرا متصلا.

وإن جعل العامل صلة لموصول ، أو صفة لموصوف ، أو دخلت عليه أداة من أدوات الصدور التى تقدّم ذكرها فى باب الفاعل (٣) ـ لم يجز تقديمها على الموصول ، ولا على الموصوف ، ولا على شىء من تلك الأدوات.

وأمّا تقديمها على العامل وحده : فجائز ، إلا أن يكون الموصول الألف واللام ، أو حرفا ناصبا ، فإنّه [أيضا](٤) لا يجوز تقديمها إذ ذاك على العامل وحده.

وأمّا الحال : فإن كان العامل فيها فعلا ، أو ما جرى مجراه ـ جاز تقديمها عليه (٥) ما لم يمنع من ذلك كون العامل فيها من قبيل الأسماء الموصولة ، أو فعلا غير متصرّف.

وإن جعل الفعل العامل فيها ، أو ما جرى مجراه صلة لموصول ، أو صفة لموصوف ، أو دخل عليه أداة من أدوات الصّدور (٦) ـ لم يجز تقديمها على الموصول ، ولا على الموصوف ، ولا على شىء من تلك الأدوات.

وأمّا تقديمها على العامل وحده : فجائز ، إلا أن يكون الموصول الألف واللام ، أو حرفا ناصبا ، فإنّه ـ أيضا ـ لا يجوز إذ ذاك تقديمها على العامل وحده.

__________________

(١) سقط في ط

(٢) م : وقولى : «يجوز تقديمها على العامل كائنا ما كان» مثال ذلك : ضربا ضربت ، وقعدة قعدت والقرفصاء قعدت ، ويوم الجمعة سرت ، وثلاثة أيام صمت ، وحينا أقمت ، وخلفك قعدت ، وميلا سرت. أه.

(٣) م : وقولى : «ما لم يمنع من ذلك مانع من الموانع التى ذكرت فى باب الفاعل» مثال ذلك : ما ضربتك ضربا ، وأقعد زيد خلفك؟ وأجاء زيد يوم الجمعة؟ لا تقول : ضربا ما ضربتك ، ولا : خلفك أقعد زيد؟ ولا : يوم الجمعة أجاء زيد؟. أه.

(٤) سقط في ط.

(٥) م : وقولى : «وأما الحال ، فإن كان العامل فيها فعلا أو ما جرى مجراه تقدمت عليه» مثال ذلك قولك : ضاحكا جاء زيد ، ومسرعا أنت آت. أه.

(٦) م : وقولى : «ما لم يمنع من ذلك مانع من تلك الموانع» مثال ذلك : ما جاء زيد ضاحكا ، وأجاء زيد مسرعا؟ لا يجوز أن تقول : ضاحكا ما جاء زيد ، ولا مسرعا أجاء زيد؟ أه.

٢٢٣

وإن كان العامل فيها ليس بفعل ولا جار مجراه ـ لم يجز تقديمها عليه ؛ تقول : زيد فى الدار ضاحكا ، ولا يجوز أن تقول : زيد ضاحكا فى الدار.

ولو كان المعمول ظرفا ، لجاز تقديمه ، فكنت تقول : زيد يوم الجمعة فى الدار ؛ بدليل قوله [من الطويل] :

٩٥ ـ تركت بنا لوما ولو شئت جادنا

بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح (١) /

فأعمل فى بعيد الكرى ثلجا ، بما فيه من معنى الفعل ، وقدّمه عليه.

وكأنه قال : بعيد الكرى باردا ، أى : ثغر بارد.

وأمّا توسّط الحال بين ذى الحال والعامل فيه : فجائز نحو قولك : «جاء راكبا زيد ، ولقيت مسرعا زيدا» ، ما لم يمنع من ذلك كون ذى الحال مخفوضا ، أو ضميرا متّصلا.

* * *

__________________

(١) البيت : لجرير ويروى صدره :

تركت بنا لوحا ولو شئت جادنا

 ...............

والشاهد : فيه تعلق الظرف «بعيد» بالاسم الجامد «الثلج» لما فيه من معنى «بارد».

ينظر : ديوانه ، وشرح شواهد المغني ص ٨٩٠ مغنى اللبيب ٥٣١.

٢٢٤

باب المنصوبات

الّتى يطلبها جميع الأفعال على غير اللّزوم

وهى : المفعول معه ، والمفعول من أجله.

فأما المفعول معه : فهو الاسم المنتصب بعد الواو التى بمعنى «مع» ، المضمّن معنى المفعول به ؛ وذلك نحو قولك : ما صنعت وأباك ، ألا ترى أن الواو بمعنى «مع» ، والأب فى المعنى مفعول به ؛ كأنك قلت : ما صنعت بأبيك ، ولو لم ترد هذا المعنى ، لكان الاسم الذى بعد الواو معطوفا على الاسم الذى قبله.

وانتصابه بالفعل الظاهر المتقدّم عليه بوساطة الواو ، وصحّ له العمل فيه مع توسّطها بينهما ؛ لأنّها حرف عطف فى الأصل ، فعمل الفعل فيما بعدها ؛ كما عمل فيما بعد حرف العطف.

والدّليل على أنّها عاطفة فى الأصل : أنّها لا تقع إلا فى الأماكن التى يمكن أن تكون فيها عاطفة على جهة الحقيقة ، أو المجاز.

واختلف فى قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ...) [يونس : ٧١] فحمل قوم ، «وشركاءكم» على أن يكون مفعولا معه ، وحمله قوم على أن يكون معطوفا على مفعول : «أجمعوا» ، وحمله آخرون على أن يكون منصوبا بفعل مضمر ، والتقدير : وأجمعوا شركاءكم.

والأول من هذه الوجوه هو الأظهر.

ولكون الواو التى هى بمعنى : «مع» عاطفة فى الأصل ، لم يجز تقديم المفعول معه ، على العامل ، وإن كان متصرّفا ؛ كما لا يجوز تقديم المعطوف عليه ؛ ولذلك ـ أيضا ـ لم يجز توسيطه بين الفعل والفاعل (١) ، وإن كان ذلك جائزا فى المعطوف بالواو ؛ لأنّ الفروع لا يتصرّف فيها كما يتصرّف فى الأصول.

ومسائل هذا الباب تنقسم أربعة أقسام :

قسم يتساوى فيه أن يكون الاسم مفعولا معه ، وأن يكون معطوفا على / ما تقدّم ؛

__________________

(١) م : باب المفعول معه قولى : «ولا يجوز توسط المفعول معه» أعنى : أنه لا يقال : استوى والخشبة الماء. أه.

٢٢٥

وذلك إذا كانت الجملة فعلية ، وتقدّم الواو اسم يسوغ العطف عليه ؛ نحو قولك : جاء البرد والطّيالسة.

وقسم يكون الاسم فيه مفعولا معه ، ولا يجوز فيه أن يكون معطوفا ، إلا فى ضرورة ؛ وذلك : إذا كانت الجملة فعلية ، أو اسمية مضمّنة معنى الفعل ، وقبل الواو ضمير متّصل مرفوع غير مؤكدّ بضمير رفع منفصل ، وليس فى الكلام طول يقوم مقام التأكيد ، أو ضمير خفض متّصل باسم لا يمكن عطف ما بعد الواو عليه ؛ نحو قولك : ما صنعت وأباك ، وما شأنك وزيدا.

ولا يجوز رفع الأب ، وخفض زيد ، إلا فى الضرورة ، ولا يجوز رفع زيد وعطفه على الشأن.

وقسم يختار فيه أن يكون معطوفا ، ويجوز فيه أن يكون مفعولا معه ، وذلك : إذا كانت الجملة اسميّة متضمّنة معنى الفعل ، وتقدّم الواو اسم لا يتعذّر العطف عليه ؛ نحو قولك : ما أنت وزيدا ، وما شأن عبد الله وزيدا ، والأحسن رفع زيد فى المسألة الأولى ، وجرّه فى الثانية.

وقسم يكون الاسم فيه معطوفا ، ولا يجوز أن يكون مفعولا معه ، وذلك : إذا كانت الجملة اسميّة غير متضمّنة معنى فعل ؛ نحو قولك : أنت أعلم ومالك ، وكذلك ـ أيضا ـ لا يجوز إلا العطف ، إذا لم يتقدّم الواو إلا المفرد ؛ نحو قولهم : كلّ رجل وضيعته.

وأمّا قول الشاعر [من الكامل] :

٩٦ ـ أزمان قومى والجماعة كالّذى

منع الدّعامة أن تميل مميلا (١)

__________________

(١) يروي عجز البيت هكذا :

 ............

منع الرحالة أن تميل مميلا

وهي الرواية التي ذكرها البغدادي ثم قال : وهذا البيت من قصيدة طويلة للراعي النميري يمدح بها عبد الملك بن مروان وشكا فيها من السعاة ، وهم الذين يأخذون الزكاة من قبل السلطان وهي قصيدة جيدة ، كان يقول : من لم يرو لي من أولادي هذه القصيدة ، وقصيدتي التي أولها : [من البسيط]

بان الأحبة بالعهد الذي عهدوا

 ............

٢٢٦

فإنّما نصب الجماعة ؛ لأنّ قومى محمول على إضمار فعل ؛ كأنه قال : أزمان كان قومى والجماعة ؛ ألا ترى أنّ المعنى على ذلك.

وأمّا المفعول من أجله : فهو : كلّ فضلة انتصبت بالفعل ، أو ما جرى مجراه ؛ على تقدير لام العلّة ، ويكون معرفة ونكرة.

ويشترط فيه أن يكون مصدرا ، وأن يكون مقارنا للفعل الذى ينصبه فى الزمان ، وأن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلّل (١) ، إلا أن يكون المراد به التّشبيه ، فإن نقص من هذه الشروط شىء فى المصدر غير التشبيهى ، لم يصل الفعل إليه إلا بلام العلّة / ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٩٧ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفانى ولم أطلب قليل من المال (٢)

__________________

وفي البيت شاهدان : الأول : نصب «الجماعة» على المفعول معه ؛ لأن «قومي» محمول على إضمار فعل ؛ والمعنى كأنه قال : أزمان كان قومي والجماعة.

الثاني : إضمار «كان» الناقصة بعد شبه «لدن» ، والتقدير : أزمان كان قومي والجماعة.

ينظر : خزانة الأدب ٣ / ١٤٥ ، والدرر ٢ / ٨٩ وشرح التصريح ١ / ١٩٥ والكتاب ١ / ٣٠٥ والمقاصد النحوية ٢ / ٩٩.

(١) م : باب المفعول من أجله قولى : [أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل] وذلك نحو قمت إجلالا لك ، أعنى : أن إجلالا قد استوفى الشروط الثلاثة ؛ ألا ترى أنه مصدر ، وأنه فعل للمتكلم ؛ كما أن «قام» فعل للمتكلم أيضا ، وأن الإجلال اقترن بالقيام فى واحد. أه.

(٢) البيت : لامرئ القيس وقال بعده :

ولكنما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

والشاهد فيه : أن «أدنى» ليس بمصدر ، ولذلك وصل الفعل «أسعى» إليه بلام العلة.

وفي البيت شاهد آخر في قوله : «كفاني ولم أطلب قليل» ، حيث جاء قوله : «قليل» فاعلا لـ «كفاني» ، وليس البيت من باب التنازع ، لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحا ، والأمر ههنا ليس كذلك ، لأن القليل ليس مطلوبا.

وتحقيق المسألة : ذهب الكوفيون إلى إعمال الأول واستدلوا بمثل البيت وقالوا الشاعر فصيح وقد أعمل الأول بلا ضرورة إذ لو أعمل الثاني لم ينكسر عليه الوزن ولا غيره وأيضا لو أعمل الثاني لم يلزمه محذر إذ كان يكون الفاعل مضمرا في كفاني فاختار إعمال الأول ، مع أنه لزمه شيء غير مختار بالاتفاق وهو حذف المفعول من الثاني وفيه دليل على أن إعمال الأول مختار عند الفصحاء ؛ إذ العاقل لا يختار أحد الأمرين مع لزوم مشقة ومكروه له في ذلك الأمر دون الأمر الآخر إلا لزيادة ذلك الذي اختاره في الحسن على الوجه الآخر.

٢٢٧

فأدنى ليس بمصدر ؛ ولذلك وصل الفعل إليه بلم العلّة ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٩٨ ـ فجئت وقد نضت لنوم ثيابها

لدى السّتر لبسة المتفضّل (١)

__________________

وأجاب البصريون بأن هذا الاستدلال إنما يصح إذا كان هذا البيت من باب التنازع وليس منه لفساد المعنى ، وبيانه مبنى على مقدمة وهي : أن «لو» تنفي شرطها وجزاءها ، سواء كانا مثبتين أو منفيين فإن كانا مثبتين وجب انتفاؤهما نحو : لو كان لي مال لحججت به. فالحج ووجود المال منفيان. وإن كانا منفيين وجب ثبوتهما لأن نفي النفي إثبات نحو : لو لم تزرني لم أكرمك. فالزيارة والإكرام مثبتان.

وإن كان أحدهما مثبتا دون الآخر وجب ثبوت المنفي ، وانتفاء المثبت نحو : لو لم تشتمني أكرمتك ولو شتمتني لم أكرمك.

فرجعنا إلى بيان فساد معنى البيت لو كان من التنازع فنقول : أوله : فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة. وقوله : «أن ما أسعى لأدنى معيشة» شرط «لو» أي : لو ثبت أن سعيى لأدنى معيشة ، فيكون المعنى : لم يثبت أن سعيى لأدنى معيشة ، أي أن طلبى لقليل من المال وقوله : كفاني جزاء «لو» وقوله «لم أطلب قليل من المال» عطف عليه ، فيكون حكمه حكم الجواب ، فيكون عدم طلب قليل من المال منتفيا أي ثبت أن طلبي لقليل من المال ، وهو إثبات لما نفاه بعينه في المصراع الأول فيكون تناقضا ، فيفسد المعنى من وجهين : أحدهما : أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه كفاني قليل ولم أطلب قليلا من المال وهذا متناقض لأنه يخبر تارة بأن سعيه ليس لأدنى معيشة ، وتارة يخبر بأنه يطلب القليل وذلك متناقض. والثاني أنه قال في البيت الذي بعده : «ولكنما أسعى» .. فلهذا أعمل الأول ولم يعمل الثاني.

ينظر : ديوانه ص ٣٩ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ، والدرر ٥ / ٣٢٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ، وشرح قطر الندي ص ١٩٩ ، والكتاب ١ / ٧٩ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ، والمقتضب ٤ / ٧٦.

(١) البيت لامرئ القيس

وفي البيت شاهدان ، أولهما قوله : «لنوم» حيث جره بلام التعليل ولم ينصبه على المفعول لأجله ؛ لأن «النوم» وإن كان علة لخلع الثياب ، فإن وقت الخلع قبل وقته ، فلما اختلفا في الوقت جر باللام.

وثانيهما قوله : «وقد نضت» حيث جاء الماضي المثبت المتصرف غير التالي «إلا» العاري من الضمير الواقع حالا ، جاء مقترنا بـ «الواو» و «قد».

ينظر : الدرر ٣ / ٧٨ ، شرح شذور الذهب ص ٢٩٧ ، شرح عمدة الحافظ ص ٤٥٣ ، ولسان العرب (نضا) ، وشرح الأشموني ١ / ٢٠٦ ، وشرح قطر الندى ص ٢٢٧ ، وهمع الهوامع ١٠ / ١٩٤ ، ٢٤٧.

٢٢٨

فوصل نضت لنوم بلام العلّة ، وإن كان مصدرا لما لم يكن مقارنا له فى الزمان ؛ لأنّ النّضو وقع ، والنوم فيما يستقبل.

نحو قوله [من الطويل] :

٩٩ ـ وإنّى لتعرونى لذكراك هزّة (١)

كما انتفض العصفور بلّله القطر (٢)

فالذكر مصدر ووصل إليه الفعل بلام العلّة ، لما كان فاعله المتكلّم ، وفاعل تعرو الهزّة.

فأمّا قول الأعشى [من السريع] :

١٠٠ ـ مدّت عليه الملك أطنابها

كأس رنوناة وطرف طمر (٣)

فليس الملك مفعولا من أجله ؛ بل مفعول به منصوب بمدّت ، وأطنابها بدل منه ، وأنّث حملا على معنى الخلافة.

__________________

(١) في أ: فترة.

(٢) البيت لأبي صخر الهذلي.

و «لتعروني» : لتأتيني وتأخذني ، أو : لترعدني

ذكر ذلك البغدادي في الخزانة وقال أيضا : الهزة (بالفتح) : الحركة ، يقال : هززت الشيء : إذا حركته أي : تأتيني وتأخذني حركة نتيجة للسرور الحاصل من الذكرى و «انتفض» : تحرك ، يقال : نفضت الثوب والشجر : إذا حركته ليسقط ما فيه.

وبله يبله بلّا إذا نداه بالماء ونحوه.

و «القطر» : المطر.

والشاهد فيه : «لذكراك» وهو مصدر ، وصل إليه الفعل بلام العلة ؛ لما كان فاعله المتكلم ، وفاعل تعرو «الهزة».

ينظر : الأغاني ٥ / ١٦٩ ، ١٧٠ ، الإنصاف ١ / ٢٥٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، والدرر ٣ / ٧٩ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٥٧ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣٦ ، ولسان العرب (رمث) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ٢٩ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٤٦ ، ٦٤٨ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٢٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٢١٦ ، وشرح شذور الذهب ص ٢٩٨ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٦١ ، وشرح قطر الندي ص ٢٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٤.

(٣) البيت لابن أحمر وليس للأعشى.

ينظر : ديوانه ص ٦٢ ، لسان العرب (ملك) ، (رنا) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٢٢٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٢١٦ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٤٤٣ ، ومجمل اللغة ٢ / ٤٢٣ ، وأساس البلاغة (رنو) ، وتاج العروس (ملك) ، (رنا) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٠٦.

٢٢٩

باب المنصوبات عن تمام ما يطلبها

وهى : التّمييز ، والمستثنى.

فأمّا التمييز ، فهو : كلّ اسم نكرة منصوب مفسّر لما انبهم من الذوات (١) ، فأمّا قول بعض العرب : «العشرون الدّرهم ، والخمسة عشر الدّرهم» ، فالألف واللام الداخلة على الدرهم زائدة فيه ؛ وكذلك قول الشاعر [من الوافر] :

١٠١ ـ إلى ردح من الشّيزى ملاء

لباب البرّ يلبك بالشّهاد (٢)

لباب البرّ منصوب بملاء بعد إسقاط حرف الجر ، أى : ملاء بلباب البر.

ويكون انتصابه : إمّا عن تمام الاسم ، وإما عن تمام الكلام :

فالمنتصب عن تمام الكلام : هو كلّ تمييز مفسّر لمبهم ، ينطوى عليه الكلام ؛ نحو قولك : امتلأ الإناء ماء ، وتصبّب زيد عرقا ؛ ألا ترى أنّ ماء مفسّر للمالئ الإناء ، الذى انطوى عليه قولك : امتلأ الإناء.

وهو نوعان : منقول ، وغير منقول :

والمنقول : ما كان منه / قبل النّقل مفردا ، بقى على إفراده ، وما كان منه مجموعا ، بقى على جمعيته ، وإن شئت أفردته ، ولا يجوز دخول «من» عليه.

وغير المنقول : إن لم يكن اسم جنس ، كان على حسب المبهم الذى هو تفسير له من إفراد ، أو تثنية ، أو جمع ، ولا يجوز دخول «من» عليه.

__________________

(١) م : باب المنصوبات التى يطلبها الفعل على عدم اللزوم قولى : «مفسر لما انبهم من الذوات» تحرزت بذلك من الحال ؛ فإنها مفسرة لما انبهم من الهيئات ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : عندى عشرون درهما بينت بقولك : «درهما» حقيقة العشرين وذاتها ما هى ، وإذا قلت : جاء زيد ضاحكا بينت بقولك : «ضاحكا» الهيئة التى كان عليها زيد وقت المجىء. أه.

(٢) البيت : لأمية بن أبي الصلت ونسب لأبي الصلت ولابن الزبعرى.

الشاهد : قوله : «لباب البر» حيث جاء التمييز مضافا إلى مميزه وحقه التنكير.

ينظر : ديوان أمية بن أبي الصلت ص ٢٧ ، وأساس البلاغة ص ١٥٩ (ردح) ، وجمهرة اللغة ص ٥٠٢ ، وسمط اللآلي ص ٣٦٣ ، ولسان العرب (ردح) ، (رجح) ، (شهد) ، (لبك) ، (رذم) ، والمعاني الكبير ١ / ٣٨٠ ، ولأبي الصلت في المستقصى ١ / ٢٨١ ، ولأمية أو لأبي الصلت في الدرر ١ / ٢٤٩ ، ولابن الزبعري في لسان العرب (شيز) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨١٢.

٢٣٠

وإن كان اسم جنس ، جاز دخول «من» عليه ، ولم يجز تثنيته ولا جمعه ، إلا فى باب : نعم ، وبئس ؛ فإنّه يكون على حسب الممدوح ، أو المذموم من إفراد أو تثنية ، أو جمع ، فتقول : «نعم رجلا زيد ، ونعم رجلين الزّيدان ، ونعم رجالا الزيدون» ، ولا يجوز دخول «من» عليه ، إلّا فى ضرورة شعر ، أو شذوذ من الكلام.

والمنتصب عن تمام الاسم : لا يجىء إلا بعد عدد ، نحو : عشرين درهما ، أو مقدار ، أو شبيه به ، والمقادير ثلاثة أنواع :

مكيلات ، وموزونات ، وممسوحات ؛ نحو : كرّبرا ، أو رطل سمنا ، وذراع ثوبا ، وما فى السماء موضع راحة سحابا ، وعليه شعر كلبين ذنبا.

وقد يجىء فى غير المقادير ؛ ومن ذلك قولهم : لى مثله رجلا ، فنصبوا رجلا ؛ لحجز الإضافة بينه وبين «مثل».

وإن لم يكن ممّا تقدّم من المقادير ؛ ومن ذلك قول الأعشى [مجزوء الكامل] :

١٠٢ ـ بانت لتحزننا عفاره

يا جارتا ما أنت جاره (١)

نصب على التمييز ؛ بدليل دخول «من» على مثله ؛ فى قول الآخر [من السريع] :

١٠٣ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

موطّأ الأكناف رحب الذّراع (٢)

__________________

(١) الشاهد : فيه قوله : «جارة» ؛ حيث وقع تمييزا لا حالا بدليل دخول «من» عليه في بعض الشواهد ؛ كما سيتضح ذلك في الشاهد الذي يليه. ويروى البيت بجعل الصدر عجزا والعجز صدرا.

ينظر : ديوانه ص ٢٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٠٨ ـ ٣١٠ ، ٥ / ٤٨٦ ، ٤٨٨ ، ٧ / ٢٥٠ ، ٩ / ٢٤٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٣ ، ولسان العرب (بشر) ، (جور) ، (عفر) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٣٨ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٥٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٥ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٧ ، وشرح عمدة الحافظ ٤٣٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧١.

(٢) البيت للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي من قصيدة يرثي بها يحيى بن شداد بن ثعلبة بن بشر أحد بني ثعلبة ونسب لرجل من بني مريع يرثي بها يحيى بن ميسرة.

موطأ البيت : بيته مذلل للأضياف.

الرحيب : الواسع ، والمعنى أنه واسع البسيطة كثير العطاء سهل لا حاجز دونه.

وفي البيت شاهدان : الأول : قوله : «من سيد» ؛ حيث إن دخول «من» في هذه العبارة يدل على أن النكرة الواقعة بعدها تمييز لا حال ؛ إذ التمييز على معنى «من» ، أما الحال فهو على معنى «في».

٢٣١

و «من» إنما تدخل على التمييز ، لا على الحال.

وتمام الاسم : إما بنون ؛ نحو : عشرين ، أو بتنوين ؛ نحو : رطل ، أو بمضاف ؛ نحو : شعر كلبين ، ونحو : مثله وأو بتقدير تنوين ؛ وذلك فى المبنيّات ؛ نحو : أحد عشر ، ونحو : دخول «من» على جميع ما تفسّر به المقادير والأعداد ، إلا أنّ ما يأتى منه تفسيرا لعدد ، فإنه لا يجوز دخول «من» عليه حتى يردّ إلى أصله ؛ فيجمع ويعرّف بالألف واللام (١).

ولا يجوز تقديم التمييز (٢) ، وأما توسيطه فجائز ؛ ومن ذلك قول زفر بن الحارث / (٣) [من الوافر] :

١٠٤ ـ نطاعن عنهم الأقران حتّى

جرى منهم دما مرج المجيل

ولا يكون التمييز بالأسماء المختصّة بالنفى (٤) ؛ نحو : أحد ، وعريب ، ولا بالأسماء المتوغّلة فى البناء ، ولا بالأسماء المتوغلة فى الإبهام.

__________________

والشاهد الثاني : قوله : «يا سيدا» ؛ حيث نصب المنادى النكرة المقصودة للضرورة.

ينظر : خزانة الأدب ٦ / ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٨ ، والدرر ٣ / ٢٣ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٣٦٣ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٩ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٩٥ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٨٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٠٨ ، والدرر ٤ / ٣٥ ، ٥ / ٢٣٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٣٦ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٣ ، ٢ / ٩٠.

(١) م : وقولى : «حتى يرد إلى أصله من الجمعيّة» مثال ذلك قولك : عندى عشرون درهما ، فإن أدخلت «من» قلت : عشرون من الدراهم. أه.

(٢) م : وقولى : «ولا يجوز تقديم التمييز» أعنى : أنه لا يجوز أن يقال : أعرقا تصبب زيد؟ أه.

(٣) زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ الكلابي ، أبو الهذيل : أمير ، من التابعين ، من أهل الجزيرة ، كان كبير قيس في زمانه ، شهد صفين مع معاوية أميرا على أهل قنسرين ، وشهد وقعة مرج داهط مع الضحاك بن قيس الفهري وقتل الضحاك فهرب زفر إلى قرقيسيا. وظل متحصنا فيها حتى مات ، وكانت وفاته في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ٧٥ ه‍.

والشاهد في البيت توسط التمييز «دما» بين الفعل «جرى» ، والفاعل «مرج المجيل» ؛ وهو جائز.

ينظر : خزانة الأدب ١ / ٣٩٣ ، اليافعي ٢ / ٢٢١ ، الشذارات ٢ / ٢١٥ ، الأعلام ٣ / ٤٥

(٤) م : وقولى : «ولا يكون التمييز بالأسماء المختصة بالنفى ...» إلى آخره أعنى : أنه لا يقال : ما عندى عشرون أحدا ، وسبب ذلك : أن الأسماء المختصة بالنفى شديدة الإبهام ؛ فلا يكون فيها تبيين لذلك ، وكذلك الأسماء المتوغّلة فى البناء ما كان منها نكرة ، فهو شديد الإبهام : فلا يحصل به تبيين ، لا تقول : عندى عشرون من ، ولا عشرون ما ، وما كان منها معرفة ، فلا يتميّز به ، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة. أه.

٢٣٢

وأمّا الاستثناء ، فهو : إخراج الثانى مما دخل فيه الأول بأداة من الأدوات التى جعلها العرب لذلك.

وهى : إحدى عشرة أداة ، إلا وهى حرف (١) ، وحاشا ، وحشا ، وخلا ، وعدا ، وهى حروف إذا جرّت ما بعدها (٢) ، وأفعال إذا نصبته (٣) ، إلا أنّ النصب بحاشا (٤) قليل ؛ ومنه قولهم : «حاشا الشّيطان وابن الإصبع ، والخفض بخلا ، وعدا قليل».

وليس ولا يكون ، وهما فعلان.

فإن دخلت «ما» على خلا وعدا ، لم يكونا إلا فعلين إن كانت «ما» مصدريّة ، فإن كانت زائدة ، جاز الخفض بهما ؛ فيكونان إذ ذاك حرفين ، وهو قليل جدّا. وغير ، وسوى بضم السين وكسرها ، وسواء بفتحها والمد ، وهى أسماء (٥).

__________________

(١) م : باب الاستثناء قولى : «إلا وهي حرف» الدليل على أنها حرف : أنها لا موضع لها من الاعراب. أه.

(٢) م : وقولى : «وحاشا وخلا وعدا ، وهى حروف إذا جرّت ما بعدها» الدليل على أنها حروف : أنه لا يمكن أن تكون أفعالا ؛ لأنّ الأفعال لا تعمل خفضا ، ولا يمكن أن تكون اسما ؛ بدليل أنها لا تباشر العوامل ، لا تقول : قام حشا زيد ؛ كما تقول : قام غير زيد ، وكذلك سائر أخواتها ، ولا ينبغى أن تحمل على أنها ظروف ؛ لأنها ليست أسماء زمان ولا مكان ، والظروف لا تنقاس إلا فى هذين الصنفين ، وما عدا ذلك لا يجعل ظرفا إلا بدليل ، وقد عدم ههنا. أه.

(٣) م : وقولى : «وأفعال إذا نصبت» الدليل على أنها إذا نصبت أفعال : أنه لا تخلو من أن تكون أفعالا أو أسماء أو حروف استثناء ؛ فلا يمكن أن تكون أسماء ؛ لانتصاب ما بعدها مع أنها ليست من قبيل الأسماء العاملة ، ولا يمكن أن تكون حروف استثناء ؛ لأنها لو كانت حروفا ، لجاز أن تقول : ما قام حاشى زيد ، فترفع ما بعدها ؛ كما تقول : ما قام إلا زيد ؛ فلما لم يجز ذلك فى «حاشى» وأخواتها ، دل ذلك على أنها ليست حروفا ، وبمثل ذلك يستدل على أن : ليس ، ولا يكون فعلان. أه.

(٤) في أ: حاشي.

(٥) م : وقولى : «وغير وسوى بضم السين وكسرها وسواء بفتحها والمد وهى أسماء» ، أما «غير» فالدليل على أنها اسم تأثير عوامل الأسماء فيها ، وأما سوى بضم السين وكسرها وفتحها مع المد ، فلا يمكن أن تكون فعلا ؛ لخفضها ما بعدها ، والأفعال لا تعمل خفضا ؛ فلم يبق إلا أن تكون اسما أو حرفا ، فجعلناها اسما لدخول الخافض عليها فى الضرورة ؛ نحو قوله : [من الطويل]

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتى

وما قصدت من أهلها لسوائكا

[تقدم في هامش الكتاب في ص ٢١٨] أه.

٢٣٣

والمخرج ، لا يكون إلا النّصف فما دونه (١) ، فأمّا قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢] ومعلوم أنّ الغاوين أكثر من غيرهم ، فإنّه يتخرّج على أنه (٢) يريد بالعباد غير الغاوين ، وتكون الإضافة تشريفا لهم ، ويكون الاستثناء منقطعا.

ولا يكون المخرج إلا مختصا لو قلت : قام القوم إلا رجالا ، لم يجز ، ولا يكون ـ أيضا ـ المخرج منه إلا مختصا لو قلت : قام رجال إلا زيدا ، لم يجز.

والاسم الواقع بعد «إلا» لا يخلو من أن يكون قبله عامل مفّرغ للعمل فيه ، أو لا يكون ، فإن كان : فإمّا أن يكون العامل المفرّغ رافعا ، أو ناصبا ، أو خافضا ، فإن كان رافعا عمل فيه ؛ وذلك نحو قولك : ما قام إلا زيد وإن كان ناصبا أو خافضا : فإما أن يكون معموله محذوفا أو لا يكون : فإن لم يكن له معمول محذوف ، كان الاسم الذى بعد إلا على حسب ذلك العامل ؛ وذلك نحو قولك : ما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد ، وإن كان معموله محذوفا ، كان الاسم الذى بعد «إلا» منصوبا على الاستثناء ؛ ومن ذلك قوله / [من الطويل] :

١٠٥ ـ نجا سالم والنّفس منه بشدقه

ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا (٣)

أى : ولم ينج شىء إلا جفن سيف.

وإن لم يكن قبل إلا عامل مفرّغ لما بعدها ، فإمّا أن يكون الكلام الذى قبلها موجبا

__________________

(١) م : وقولى : «والمخرج لا يكون إلا النصف فما دونه» مثال ما استثنى منه النصف قولك :

عندى عشرة إلا خمسة ، ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ٢ ، ٣] والأحسن فى كلامهم : أن يكون المخرج ما دون النصف ؛ نحو قولك : عندى عشرة إلا اثنين. أه.

(٢) في أ: أن.

(٣) البيت : لحذيفة بن أنس الهذلي.

الشاهد فيه قوله : «ولم ينج إلا جفن سيف» حيث نصب الاسم بعد إلا ، والتقدير : ولم ينج شيء إلا جفن سيف.

ينظر : شرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٥٨ ، والعقد الفريد ٥ / ٢٤٤ ، ولسان العرب (جفن) ، ولأبي خراش الهذلي في لسان العرب ٦ / ٢٣٤ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥٢٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٩ ، ورصف المباني ص ٨٦ ، الصاحبي في فقه اللغة ص ١٣٦ ، ولسان العرب (نجا) ، والمعاني الكبير ص ٩٧٢.

٢٣٤

أو منفيا : فإن كان موجبا ، جاز فى الاسم الواقع بعد «إلا» وجهان :

أفصحهما : نصبه على الاستثناء.

والآخر : أن تجعله مع «إلا» تابعا للاسم الذى قبله ؛ فتقول : «قام القوم إلا زيدا (١) ، برفع زيد وبنصبه.

وإن كان منفيا لفظا أو معنى ، فإن كان الاسم الذى قبلها منصوبا بلا النافية ، جاز فى الاسم الواقع بعدها أربعة أوجه ؛ أفصحها : النصب على الاستثناء ، أو رفعه بدلا على الموضع ، ودونهما النصب على أن يكون إلا مع ما بعدها نعتا للاسم الذى قبلها على اللفظ ، والرفع على أن تكون مع ما بعدها نعتا له على الموضع ؛ نحو قولك : «لا رجل فى الدار إلا زيدا» برفع زيد ، ونصبه.

وإن كان مجرورا بالباء الزائدة ، أو من الزائدة ، جاز فى الاسم الواقع بعدها أربعة أوجه ، أفصحها : النّصب على الاستثناء ، أو الإبدال على الموضع ، فإن كان منصوبا نصبته ، وإن كان مرفوعا رفعته ، ودونهما النّعت على اللفظ ؛ فيخفض.

أو على الموضع ؛ فيرفع أو ينصب على حسب الموضع ؛ وذلك [نحو](٢) قولك : «ليس زيد بشىء إلا شىء لا يعبأ به» ، بنصب شىء وخفضه.

«وما أنت بشىء إلا شىء لا يعبأ به» ، برفع شىء ونصبه وخفضه ، إن قدرت «ما» تميميّة.

وكذلك ـ أيضا ـ إن قدرتها حجازيّة لاستواء اللغتين مع إلا ؛ فنحو [قولك](٣) : «ما جاءنى من أحد إلا زيدا» ، برفع زيد ، ونصبه ، وخفضه ، و «ما ضربت من أحد إلا زيدا» ، بنصب زيد وخفضه.

وإن لم يكن الاسم الذى قبلها معمولا لشىء ممّا ذكر ، جاز فى الاسم الواقع بعدها ، ثلاثة أوجه :

أفصحها : أن يكون بدلا ، فيكون إعرابه على حسب إعراب الاسم الذى قبله ، ثم

__________________

(١) في ط : زيدا زيدا.

(٢) سقط في ط.

(٣) سقط في ط.

٢٣٥

يليه أن يكون منصوبا على الاستثناء ، ودونهما : أن تجعله مع «إلا» نعتا لما قبله ؛ فيكون إعرابه ـ أيضا ـ على حسب إعرابه ؛ نحو قولك : ما [قام](١) القوم إلا زيدا ، بنصب زيد ، ورفعه ، وما ضربت أحدا إلا زيدا ، بنصب زيد لا غير ، وما مررت بأحد إلا زيدا ، بنصب زيد ، وخفضه.

ولا يجوز تقديم المستثنى أول الكلام / (٢) ، ويجوز تقديمه على المستثنى منه ، أو على صفته ، فإن قدّمته على المستثنى منه ، لم يجز فيه إلا النّصب ؛ على كل حال ؛ نحو قولك : ما قام إلا زيدا القوم ، وقد يجعل (٣) على حسب العامل الذى قبله ، ويجعل (٤) ما بعده بدلا منه ، وذلك قليل ؛ نحو قوله [من الطويل] :

١٠٦ ـ رأت إخوتى بعد الولاء تتابعوا

فلم يبق إلا واحد منهم شفر (٥)

روى برفع واحد.

وإن قدّمته على صفة المستثنى منه ، جاز فيه ما كان يجوز مع التأخير ، إلا أنّ الوصف يقوى ويحسن (٦).

__________________

(١) سقط في ط.

(٢) م : وقولى : «ولا يجوز تقديم المستثنى أول الكلام» أعنى : أنه لا يجوز أن تقول : إلا زيدا قام القوم. أه.

(٣) في أ: تجعل.

(٤) في أ: تجعل.

(٥) البيت بلا نسبة ويروى صدره هكذا :

رأت إخوتي بعد الجميع تتابعوا

 ............

والشاهد فيه : قوله «فلم يبق إلا واحد منهم شفر» حيث قدم المستثنى «واحد» على المستثنى منه «شفر» ورفع المستثنى على تفريغ العامل وهو ضعيف والأقوى نصبه.

ينظر : الدرر ٣ / ١٦٣ ، رصف المباني / ١٨٨ ، اللسان (شفر) وهمع الهوامع ١ / ٢٢٥.

(٦) م : وقولى : «إلا أن الوصف يقوى ويحسن» أعنى بذلك : أنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا العقلاء ، جاز فى زيد النصب على الاستثناء ، والرفع على الوصف ؛ كما يجوز فيه لو لم تأت بالوصف ، فقلت : قام القوم إلا زيدا ، إلا أن الوصف يقوى فى حال التقدم على صفة المستثنى منه ؛ وسبب ذلك : أنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا العقلاء ، كنت فاصلا بين الموصوف وصفته بالاستثناء ، والفصل بينهما قبيح ، فضعف النصب كذلك ، فلما ضعف النصب ، قوى الرفع على الصفة ؛ لأنه لا يلزم فيه من الفصل ما يلزم فى النصب على الاستثناء. أه.

٢٣٦

وإذا تكررت المستثنيات ، فإن كان بعضها معطوفا على بعض ، كانت على حسب المستثنى الأول ، وتكون كلها مستثنيات من شىء واحد ؛ نحو قولك (١) : «قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا وإلا خالدا».

وإن لم يعطف بعضها على بعض ، فإن كانت هى المستثنى الأول فى المعنى ، كانت ـ أيضا ـ على حسبه فى الإعراب ؛ لأنها بدل منه ؛ ومن ذلك قوله [من الرجز] :

١٠٧ ـ مالك من شيخك إلّا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله (٢)

فالرسم والرّمل ، هما العمل.

وإن لم تكن الأول فى المعنى ـ فإما أن يمكن (٣) استثناء بعضها من بعض أو لا يمكن :

فإن لم يمكن : فإن كان العامل مفرّغا ، جعلت واحدا منها على حسبه ، ونصبت ما عداه ؛ نحو قولك : ما قام إلا زيد (٤) ، إلا عمرا (٥).

وإن لم يكن مفرغا ، كانت مستثناة ممّا استثنى منه الأول ، ولا يخلو من أن يتأخر عن المستثنى منه ؛ فيكون الواحد منها فى الإعراب على حسبه لو انفرد ، وتنصب ما عداه ؛ فتقول : ما قام القوم إلا زيد إلا عمرا.

أو يتقدّم عليه ؛ فلا يجوز إلا النصب ؛ نحو قولك : ما قام إلا زيدا إلا عمرا أحد.

وإن أمكن استثناء بعضها من بعض ، جعلت الآخر مستثنى من الذى قبله ، والذى

__________________

(١) في ط : قولهم.

(٢) البيت ، بلا نسبة في : أوضح المسالك ٢ / ٢٧٢ ، الدرر ٣ / ١٦٧ ، رصف المباني ص ٨٩ ، الكتاب ٢ / ٣٤١ وشرح الأشموني ١ / ٢٣٢ وشرح التصريح ١ / ٣٥٦ ، وشرح ابن عقيل ٣١١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٧.

الشاهد : فيه قوله : «إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله) فـ «رسيمه» بدل و «رمله» معطوف و «إلا» المقترنة بكل منهما مؤكدة.

(٣) في ط : يكن.

(٤) في أ: زيدا.

(٥) في أ: عمرو.

٢٣٧

قبله مستثنى من الذى قبله ، إلى أن تنته إلى الأول ، ويكون إعراب الأول منها على حكمه لو انفرد ، وما عداه منصوب لا غير ؛ نحو قولك : عندى عشرة إلا خمسة إلا اثنين إلا واحدا.

فالواحد مستثنى من الاثنين ، والاثنان من الخمسة والخمسة من العشرة.

وطريق معرفة قدر المستثنى فى هذه المسائل / أن تخرج الآخر من الذى قبله ، وما بقى منه أخرجته ممّا قبله ، ولا تزال تفعل ، إلى (١) أن تنته إلى الأول.

فالمستثنى ـ إذن ـ فى المسألة المتقدمة أربعة ؛ وذلك : أنّك أخرجت الواحد من الاثنين ، فبقى واحد ، فأخرجت حكم الاسم الواقع بعد إلا ، إن كان من جنس ما قبله.

فإن كان منقطعا : فإمّا أن يتوجه عليه العامل المتقدّم من جهة المعنى ، أو لا يتوجه :

فإن لم يتوجّه عليه ، لم يجز فيه إلا النّصب ؛ نحو قولك : «ما زاد شىء إلا ما نقص» ، فزاد لا يتوجّه على ما نقص ؛ لأنّ ما نقص لا يوصف بأنّه زاد ، بل المعنى : لكن نقص.

وإن توجّه عليه من جهة المعنى ، فلغة أهل الحجاز النّصب ، وبنو تميم يجرونه مجرى المتصل فى جميع ما تقدّم ذكره ؛ وذلك نحو قولك : ما جاءنى أحد إلا حمار (٢) ؛ ألا ترى أنّ الحمار ـ وإن لم يكن من جنس ما قبله ـ فإنّ معنى العامل متوجه عليه ؛ لأنّ المعنى : بل جاءنى حمار.

وأمّا الاسم الواقع بعد «غير» ، فلا يكون أبدا إلا مخفوضا بإضافة «غير» إليه.

ويكون حكم غير فى الإعراب كحكم الاسم الواقع بعد إلا فى جميع ما تقدّم ذكره ؛ فتقول : «ما قام القوم غير زيد» ، برفع «غير» ونصبه (٣).

إلا أنك إذا أتبعت الاسم الواقع بعد «غير» كان لك فى التابع وجهان : الخفض

__________________

(١) في ط : ذلك وإلى.

(٢) في أ: حمارا.

(٣) م : وقولى : «فتقول : ما قام القوم غير زيد برفع «غير» ونصبه» وإنما جاز في «غير» الرفع والنصب ؛ لأنك لو قلت : ما قام القوم إلا زيد ، لجاز فى زيد الرفع والنصب إلا أنّ الرفع أحسن ؛ كما أن الاسم الواقع بعد إلا رفعه أحسن من نصبه ، وتقول : قام القوم غير زيد بالنصب على الاستثناء والرفع على الصفة ، والنصب أحسن ؛ لأنك لو قلت : قام القوم إلا زيدا ، لكان نصب زيد على الاستثناء أحسن من رفعه على الوصف. أه.

٢٣٨

على لفظه ، وأن يكون على حسب إعراب غير ؛ ومن ذلك قوله [من البسيط] :

١٠٨ ـ لم ينو غير طريد غير منفلت

وموثق فى حبال القدّ مسلوب

برفع موثق وخفضه.

ولا يجوز ذلك فى إتباع الاسم الواقع بعد إلا غير الحمل على اللفظ خاصّة (١).

وأمّا الاسم الواقع بعد سوى ، وسوى ، وسواء ، فلا يكون إلا مخفوضا بها ، و [تكون](٢) هى أبدا منصوبة على الظرفية (٣).

وأما الاسم الواقع بعد خلا ، وعدا ، وحاشا ، وحشى ؛ نحو قوله : [من الوافر]

١٠٩ ـ حشى رهط النّبّى فإنّ منهم

بحورا لا تكدّرها الدّلاء (٤)

فإن كان مخفوضا ، كان خفضه بها ، وتكون [هى](٥) حروفا متعلّقة بما قبلها.

وإن كان منصوبا (٦) ، فيكون منصوبا بها ، وتكون أفعالّا ، وفاعلوها مضمرون فيها / ، والضمير عائد على البعض المفهوم من معنى الكلام.

وإن لم يذكر ؛ كأنّك قلت : خلا هو زيدا ، أى : خلا بعضهم زيدا ؛ ألا ترى أنك إذا أخبرت عن قوم معهودين (٧) من جملتهم زيد ، فقلت : قام القوم ـ حصل فى

__________________

(١) م : وقولى : «ولا يجوز لك فى إتباع الاسم الواقع بعد إلا غير الحمل على اللفظ خاصّة» مثال ذلك : قام القوم إلا زيدا وعمرا ، فتنصب عمرا لنصبك زيدا ، ولا يجوز غير ذلك ، فإن قلت : ما قام القوم إلا زيد وعمرو ، لم يجز فى عمرو إلا الرفع ؛ لرفعك زيدا. أه.

(٢) سقط في ط.

(٣) م : وقولى : «وتكون هى منصوبة أبدا على الظرفية» والدليل على أنها منصوبة على الظرفية : أنه قد تقدم الدليل على أنها اسم ، وإذا ثبت أنها اسم ، تبيّن أنها من قبيل الظروف ؛ بدليل وصل الموصول بها فى فصيح الكلام ؛ نحو قولك : جاءنى الذى سواك ؛ كما تقول : جاءنى الذى عندك ، ولو كان غير ظرف ، لم يكن بدّ من أن تقول جاءنى الذى هو سواك ؛ كما تقول جاءنى الذى هو عندك. أه.

(٤) البيت بلا نسبة في : الجنى الداني ص ٥٦٧ ، ورصف المباني ص ١٧٩ ، ولسان العرب (حشى).

والشاهد فيه قوله : «حش رهط» ؛ حيث إنه يجوز خفض «رهط» على اعتبار حشى حرف جر ، ويجوز نصب «رهط» مفعولا على اعتبار حشى فعلا ماضيا.

(٥) سقط في ط.

(٦) في ط : نصبه.

(٧) في أ: معدودين.

٢٣٩

نفس المخاطب أنّ بعض القائمين زيد ؛ فيكون الضمير عائدا على ذلك البعض المفهوم ، [ومن عودة الضمير على المفهوم](١) ، قوله تعالى : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات : ٤] ، ولم يذكر المكان.

وتكون الجملة فى موضع نصب على الحال وإن دخلت «ما» على شىء منها ، كانت مصدريّة ، والمصدر فى موضع الحال ؛ على حدّ قولهم : «أتيته ركضا».

وإن جعلتها زائدة ، كان حكمها على حسبه ، قبل لحاق ما.

وأمّا الاسم الواقع بعد ليس ، ولا يكون ، فينتصب على أنه خبر لهما. ويكون اسمهما ضميرا عائدا على البعض المفهوم من معنى الكلام ؛ كما تقدّم ، والجملة فى موضع الحال ؛ كأنّك قلت : «قام القوم ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا».

وكذلك كان الضمير مفردا مذكرا فى جميع الأحوال.

ومن العرب من يجعل الضمير الذى فيهما على حسب الاسم المتقدّم ؛ فتقول : «ما أتتنى امرأة ليست فلانة» ، «ولا تكون فلانة» ؛ فتكون الجملة على هذه اللغة صفة للاسم المتقدم.

* * *

__________________

(١) في ط : ومن عوده على الضمير المفهوم.

٢٤٠