المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

باب الإغراء

وأعنى بذلك : وضع الظروف والمجرورات موضع أسماء الأفعال ، وهو موقوف على السّماع ، والذى سمع من ذلك : عليك ، وعندك / ودونك ، وأمامك ، ومكانك ، ووراءك ، وإليك ، فأمّا عليك وعندك ودونك ، فوضعت موضع أفعال متعدية ، فتعدّت لذلك ، فتقول : «عليك زيدا ، وبزيد ، ودونك زيدا ، وعندك زيدا» ، إذا أمرته به ، وقد توضع أيضا «عندك» موضع تخوّف وتقدّم ؛ فلا تتعدى ؛ فتقول : «عندك» إذا خوّفته من شىء بين يديه ، أو أمرته أن يتقدّم.

وقد توضع ـ أيضا ـ «على» مع مخفوضها موضع فعل متعدّ إلى مفعولين ؛ فتقول : «علىّ زيدا» والمعنى : أولنى زيدا ، ولا يجوز ذلك فى غيرها.

وأمّا أمامك ومكانك ووراءك وإليك : فوضعت موضع أفعال لا تتعدى ؛ فلم تتعدّ لذلك :

فأمّا أمامك : فاستعملت تارة بمعنى تخوّف ، وتارة بمعنى تبصّر ، فتقول : «أمامك» إذا خوفته من شىء بين يديه ، أو بصّرته شيئا.

وأمّا وراءك فوضعت موضع افطن ، فتقول : وراءك ، أى : افطن لما خلفك.

وأمّا مكانك : فوضعت موضع قولك تأخّر ، وأنت تحذّره شيئا خلفه.

وأمّا إليك : فوضعت موضع تنحّ وتأخّر ، فتقول : إليّك ، أى : تأخّر وتنحّ عن مكانك الذى أنت فيه ، ومن ذلك قوله : [من الوافر]

٨٥ ـ إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا

إليك إليك ضاق بها ذراعا (١)

أى : تأخّر.

__________________

(١) البيت للقطامي.

والشاهد فيه مجىء إليك بمعنى تنحّ أو تأخّر.

ينظر : ديوانه ص ٤٠ ، ولسان العرب (تيز) ، (إلى) ، والتنبيه والإيضاح ٢ / ٢٣٦ ، وتهذيب اللغة ١٣ / ٢٣٧ ، ١٤ / ١٧٣ ، ١٥ / ٤٢٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣١ ، وكتاب العين ٧ / ٣٧٩ ، ٨ / ٧٠ ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٦٠ ، وديوان الأدب ٣ / ٣٥٨ ، وتاج العروس ١٥ / ٤٨ (تيز) ، (إلى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (لدى) ، والمخصص ٢ / ٧٥.

٢٠١

والكاف فى جميع ذلك مخفوضة بحرف الجر أو بإضافة الظرف إليها (١) ، والظروف والمجرورات فى هذا الباب متحملة ضمير الفاعل ، وهو المخاطب ، فإن أتبعت الضمير المجرور ، قلت : «عليك نفسك زيدا» ، وإن أتبعت الضمير المرفوع ، قلت : عليك أنت نفسك زيدا.

ولا يغرى إلا المخاطب (٢) ، فلا تقول : على زيد (٣) عمرا ، فإن جاء من إغراء الغائب شىء حفظ ، ولم يقس عليه ؛ نحو ما حكى من قول بعضهم : «عليه رجلا ليسنى» ، وأمّا قوله ـ عليه السّلام ـ : «من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، وإلا فعليه بالصّوم ؛ فإنّه وجاء» (٤) ـ فيتخّرج على أن تكون الباء زائدة فى المبتدأ ؛ كأنه قال : وإلا فعليه الصّوم ؛ فلا يكون من الإغراء.

وأمّا المغرى به : فيكون غائبا ومتكلّما ، ومخاطبا ، فإن كان غائبا أو متكلما ، اتصل ضميره بالظرف / أو المجرور ، وقد ينفصل ، فتقول : عليكه ، وعليكنى ، وعليك إياه ، وعليك إياى ، وإن كان مخاطبا لم يتصل ضميره بها ، بل ينفصل ، أو تأتى بدله بالنّفس ، فتقول : عليك إيّاك ، وعليك نفسك ، ولا تقل : عليكك ؛ لأنه لا يتعدّى فعل المضمر المتصل إلى مضمر المتصل إلا فى باب ظننت ، وفى فقدتّ ، وعدمت ،

__________________

(١) م : باب الإغراء.

قولى : «والكاف في جميع ذلك مخفوضة بحرف الجر أو بإضافة الظرف إليها» إن قال قائل : هلا جعلتم الكاف فى «مكانك» وأمثاله حرفا لا موضع لها من الإعراب مثلها فى : رويدك ؛ لأن الظرف قد جعل اسما للفعل ، والأفعال ـ كما تقدم ـ لا تضاف ؛ فكذلك ما جعل اسما لها ، وأقيم مقامها ، فالجواب : أن الظروف فى أصل وضعها ، لم تجعل اسما للأفعال ، إنما طرأ ذلك فيها بعد استعمالها ظروفا ؛ فلم يكن فيها إضافة إلا قبل تسمية الفعل بها ، ثم سمى الفعل بها بعد ما أضيفت. أه.

(٢) م : وقولى : «ولا يغرى إلا المخاطب» إنما لم يجز إغراء الغائب ؛ لأنه يلزم فيه إقامة الظرف أو المجرور مقام فعلين ؛ ألا ترى أنك لو قلت : على عمرو زيدا ، لكان المعنى : لتقل أنت أيها المخاطب لعمرو : خذ زيدا ؛ فيكون قد أناب شيئا واحدا مناب جملتين ؛ فلما لزم فى ذلك ما ذكرناه من كثرة الحذف ، لم يجيزوا ذلك بقياس. أه.

(٣) في ط : يد.

(٤) أخرجه البخارى (٩ / ٨) : كتاب النكاح : باب «من استطاع منكم الباءة ...» رقم (٥٠٦٥ ، ٥٠٦٦) ، ومسلم (٢ / ١٠١٨) : كتاب النكاح : باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ... ، رقم (١٤٠٠) عن ابن مسعود.

٢٠٢

لا تقول : ظلمتنى ولا ضربتك ، ولا يجوز تقديم المفعول على الظرف ولا على المجرور ؛ لا تقول : «زيدا عليك ، ولا عمرا دونك» ؛ لأنها لم تقو قوة الأفعال ؛ إذ لا تتصرّف تصرفها ، ولا يبرز فيها ضمير الفاعل فى تثنية ولا جمع ، بل تقول : «عليكما زيدا ، وعليكم زيدا» ، فأمّا قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ) [النساء : ٢٤] فكتاب : مصدر موضوع موضع فعله ، وعليكم : مجرور متعلّق به ، كأنه قال : «كتب الله عليكم ذلك» ، وكذلك قول الشاعر [من الرجز] :

٨٦ ـ يأيّها المائح دلوى دونكا

إنّى وجدتّ النّاس يحمدونكا (١)

فيتخّرج على أن يكون «دلوى» منصوبا بإضمار فعل ؛ كأنه قال : خذ دلوى ، ودونك : إغراء مستأنف ، ولا يجوز ـ أيضا ـ أن يجاب بشىء من ذلك بالفاء ، لا تقول : «عليك زيدا فتهينه» (٢) ، ولا : «دونك عمرا فتحسن إليه».

* * *

__________________

(١) البيت : لجارية من بني مازن

والشاهد فيه قولها : «دلوى دونكا» ؛ حيث إن «دلوى» مفعول به لفعل محذوف يفسره اسم الفاعل الذي بعده ، وكأنه قال : خذ دلوي دونكا ، أو يخرج على أن «دلوى» مفعول به مقدّم لاسم الفعل «دونك» ؛ وهو مبتدأ خبره جملة «دونك».

ينظر : الدرر ٥ / ٣٠١ ، شرح التصريح ٢ / ٢٠٠ والمقاصد النحوية ٤ / ٣١١ ، وبلا نسبة في لسان العرب (ميح) ، وأسرار العربية ص ١٦٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ٣٤٤ ، والإنصاف ص ٢٢٨ ، وأوضح المسالك ٤ / ٨٨ ، وجمهرة اللغة ص ٥٧٤ ، وخزانة الأدب ٦ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٧ ، وذيل السمط ص ١١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٣٢ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٢٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٣٩ ، وشرح المفصل ١ / ١١٧ ، ومعجم ما استعجم ص ٤١٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٠٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٥ ، وتهذيب اللغة ٥ / ٢٧٩ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٢٨٧.

وتروى «رأيت» بدلا من «وجدت».

(٢) م : وقولى : «ولا يجوز أن يجاب شىء من ذلك بالفاء ، لا تقول : عليك زيدا فتهينه» إنما لم يجز ذلك ؛ لأن الفعل قد اختزل وأنيب الظرف أو المجرور منابه ، وليس فى لفظ الظرف أو المجرور دلالة على المصدر الذى يعطف عليه ما بعد الفاء. أه.

٢٠٣

باب ما يجوز أن يتّسع فيه

فينتصب على التّشبيه بالمفعول به

وهى ثلاثة أنواع : الظرف ، والمصدر المتسع فيهما ، وسيستوفى الكلام عليهما فى موضعه ، ومعمول الصفة المشبهة باسم الفاعل ، وهى : كل صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ فى اللفظ إلى مفعول به منصوب ، إلا أنها شبهت باسم الفاعل المأخوذ من الفعل المتعدى ، فنصبت نحو قولك : «هذا حسن الوجه» ، ووجه الشبه بينهما : أنها صفة محتملة ضميرا طالبة لاسم بعدها ، تفرد وتثنى وتجمع ، وتذكّر وتؤنث ، كما أن اسم الفاعل ، كذلك ، فإن نقص من ذلك شىء ، لم تشبّه ؛ فلا يجوز : «زيد أفضل منك الأب» ؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث /.

وصفات هذا الباب تنقسم قسمين :

قسم : يشبّه عموما ، وأعنى بذلك : أنّه يجرى منه المذكّر على مثله ، والمؤنث على مثله ، والمذكر على المؤنث ، والمؤنث على المذكر ، وهو كل صفة معناها صالح للمذكر والمؤنث ، ولفظها قد فصل فيه بينهما بالتّاء ؛ وذلك نحو : حسن وحسنة ؛ تقول : مررت بامرأة حسنة الأمّ ، وبرجل حسن الأب ، وبرجل حسن الأمّ ، وبامرأة حسنة الأب.

وقسم : يشبّه خصوصا ، وأعنى بذلك : أنه يجرى منه المذكر على مثله ، والمؤنث على مثله أيضا ، وهو : كل صفة لفظها صالح للمذكر والمؤنث ، والمعنى خاصّ بأحدهما ، أو بالعكس ، أو لفظها ومعناها خاصّان بأحدهما.

فمثال الأول : حائض وطامث ، ومثال عكسه : عجزاء ، ومثال الثالث : عذراء وملتح ؛ تقول : مررت بامرأة حائض البنت ، وعجزاء البنت ، وعذراء البنت ، ولا يجوز أن تقول : مررت برجل أعذر البنت ، ولا أعجز البنت ولا حائض البنت ، وتقول : «مررت برجل ملتح الابن» ، ولا يجوز أن تقول : «مررت بامرأة ملتحية الابن» ؛ فعلى هذا : لا تكون الصفة مشبهة إلا إذا نصبت المعمول أو خفضته ؛ لأن

٢٠٤

الإضافة إنّما تكون من نصب (١) ؛ وإلا فهى غير مشبّهة ، والمشبّهة تتبع ما قبلها فى واحد من الرفع والنّصب والخفض ، وفى واحد من التعريف والتنكير ، وفى واحد من الإفراد والتثنية والجمع ، وفى واحد من التذكير والتأنيث ، وأمّا قوله [من الطويل] :

٨٧ ـ يا ليلة خرس الدّجاج بهرتها

ببغداد ما كادت إلى الصّبح تنجلى (٢)

فخرس : مفرد مخفّف من خرس ، يقال : «ليلة خرس» ، إذا لم يسمع فيها صوت ، وليس بجمع.

فإن لم تكن مشبهة ، فإنها تتبع ما قبلها فى واحد من النّصب والرفع والخفض ، وفى واحد من التعريف والتنكير خاصّة.

ولا تعمل الصّفة فى هذا الباب إلا فى السببىّ بشرط أن يكون فيه الألف واللام ؛ نحو قولك : زيد حسن الوجه ، أو يكون مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، أو إلى ضميره ، أو ضمير ما أضيف إليه ؛ نحو قولك : «هذا حسن / وجه الأمّ ، جميل وجهها ، وهذه امرأة حسنة وجه الجارية ، جميلة أنفه» ، أو أن يكون ضمير معمول لصفة أخرى ؛ نحو قولك : «مررت برجل حسن الوجه جميله» ، أو أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف ، نحو قولك : «مررت برجل حسن وجهه» ، أو أن يكون نكرة ؛ نحو قولك : «مررت برجل حسن وجها».

والصّفة فى هذا الباب ، مشبّهة كانت أو غير مشبّهة لا تخلو من أن تكون معرّفة

__________________

(١) م : باب المنصوب على التشبيه بالمفعول به

قولى : «لأن الإضافة إنما تكون من نصب» إنّما لم تجز الإضافة من رفع ؛ لما يلزم فى ذلك من إضافة الشىء إلى نفسه ؛ ألا ترى أنك إذا قلت مررت برجل حسن وجهه ، فالحسن هو الوجه ؛ لأنه مسند إلى الوجه فى اللفظ ، وهو صفة له فى المعنى ، فلم يجز إضافة الحسن إذ ذاك إلى الوجه وإذا قلت : مررت برجل حسن الوجه ، فالوجه ـ وإن كان الحسن له من جهة المعنى ـ فقد نقل عنه ، وصيّر للرجل مجازا ؛ ألا ترى أنه مسند إلى ضمير الرجل ؛ فلما صار الحسن واقعا على الرجل فى اللفظ ، ساغت إضافته إلى الوجه ؛ لأنه إذ ذاك لا يراد به الوجه ؛ فلم يلزم من إضافته إليه إضافة الشىء إلى نفسه. أه.

(٢) البيت : بلا نسبة في : لسان العرب (بغدد) ، و (بغدن) والمخصص ١٦ / ١٦٣ وتاج العروس (بغدن).

والشاهد فيه : قوله : «يا ليلة خرس الدجاج» حيث طابق بين الوصف بالصفة المشبهة «خرس الدجاج» وموصوفها «ليلة» فى العدد ، وهو هنا الإفراد ، فـ «خرس» مفرد لا جمع.

٢٠٥

بالألف واللام ، أو نكرة : فإن كانت نكرة ، جاز فى معمولها إن كان معرّفا بالألف واللام (١) ، أو مضافا إلى ما عرف بهما (٢) ، أو إلى ضميره (٣) ، أو إلى ضمير ما أضيف إليه (٤) ، أو إلى ضمير الموصوف ـ ثلاثة أوجه : الرفع والنّصب والخفض ؛ إلا أنه لا يجوز فى المضاف إلى ضمير الموصوف ، النّصب والخفض ، إلا فى ضرورة (٥) ؛ نحو

__________________

(١) م : وقولى : «إن كان معرفا بالألف واللام» مثاله : مررت برجل حسن الوجه. أه.

(٢) م : وقولى : «أو مضافا إلى ما عرف بهما» مثاله : مررت برجل حسن وجه الغلام. أه.

(٣) م : وقولى : «أو إلى ضميره» مثاله : مررت برجل حسن الغلام جميل وجهه. أه.

(٤) م : وقولى : «أو إلى ضمير ما أضيف إليه» مثاله : مررت برجل حسن وجهه.

جميع ذلك يجوز فيه رفع الوجه ونصبه وخفضه. أه.

(٥) م : وقولى : «إلا أنه لا يجوز فى المضاف إلى ضمير الموصوف النصب والخفض ، إلا فى ضرورة» نحو قولك : هذا حسن وجهه ، بنصب «وجه» وخفضه ؛ إنما لم يجز النصب أو الخفض فى ذلك إلا فى ضرورة ؛ لأن النصب فى هذا الباب لا يكون إلا بأن ينقل الضمير المضاف إليه المعمول إلى الصفة ، وتنصب المعمول على التشبيه بالمفعول به ، فتقول قبل التشبيه : مررت برجل حسن وجهه ، برفع الوجه ، فإذا أردت التشبيه ، نقلت الضمير المضاف إليه المعمول إلى الصفة ، وتنصب المعمول على التشبيه بالمفعول به ، فتقول قبل التشبيه : مررت برجل حسن وجهه ، برفع الوجه ، فإذا أردت التشبيه ، نقلت الضمير المضاف إلى الوجه إلى الصفة ، ونصبت الوجه ، فقلت : مررت برجل حسن وجها ، أى : حسن هو وجها ، فالضمير الذى فى حسن هو الضمير الذى كان الوجه مضافا له ، وإن عرفت الوجه بالألف واللام ، ليكون ذلك بدلا من التعريف الذى كان فيه بإضافته إلى الضمير قبل نقله إلى الصفة ـ قلت : مررت برجل حسن الوجه ، وتعريف الوجه بعد هذا النقل بالإضافة إلى الضمير لا يتصوّر إلا فى ضرورة ؛ لأنك إذا فعلت ذلك ، فقلت : مررت برجل حسن وجهه ، كنت قد أعدت إلى الوجه ضمير الموصوف بعد ما كنت قد نقلته عنه إلى الصفة ؛ فيجىء ذلك نوعا من التراجع ، فإذا أردت إضافة الوجه إلى ضمير الموصوف ، فينبغى أن تترك المسألة على أصلها ، فيقال : مررت برجل حسن وجهه بالرفع ، ولا ينقل الضمير ثم يعاد بعد نقله ؛ فإن ذلك تكلف لا فائدة له ، ومثل ما لزم فى النصب يلزم فى الخفض ؛ لأن الإضافة لا تكون إلا من نصب ، وقد تبيّن السبب فى ذلك ؛ فمن النصب قول الشاعر : [من الرجز]

 ............

 ...... وادقة سرّاتها

فكسر التاء علامة نصب ، ولا يجوز أن يكون علامة خفض ؛ لأن وادقة منوّن ، ومن الخفض قول الآخر : [من الطويل]

 .........

 ... جونتا مصطلاهما.

فجونتا صفة لقوله «جارتا صفا» والمصطلى فى موضع خفض ؛ بدليل حذف النون من «جونتا».

فإن قال قائل : فلعل «المصطلى» ليس مضافا لضمير الموصوف ؛ بل يكون قوله «هما» عائدا على «الأعالى» ؛ لأنها فى معنى الأعليين.

٢٠٦

قولك : هذا حسن وجهه ، بنصب وجهه وخفضه ، فمن النصب قوله [من الرجز] :

٨٨ ـ أنعتها إنّى من نعّاتها

كوم الذرى وادقة سرّاتها (١)

ومن الخفض قوله [من الطويل] :

٨٩ ـ أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالى جونتا مصطلاهما (٢)

وإن كان المعمول نكرة أو مضافا إلى ضميرها ، ولم يتصل به ضمير يعود على الموصوف ـ جاز فيه الخفض والنّصب ، نحو قولك : «هذا حسن وجها ، وحسن وجه ، ومررت برجل حسن وجه جميل أنفه» بنصب أنفه وخفضه.

وإن اتصل به ضمير عائد عليه رفعته ، ولا يجوز نصبه ولا خفضه إلا فى ضرورة.

__________________

فالجواب أن ذلك لا يسوغ ، أعنى : إضافة المصطلى إلى الأعالى ؛ لأن المصطلى إنما هو لجارتين لا للأعالى ، ولو ساغ ذلك ، لساغ أن تقول : مررت برجل حسن الوجه ، كبير رأسه ، عظيم بطنه ؛ فتنسب بطن الرجل أو رأسه إلى وجهه. أه.

(١) البيت : لعمر بن لجأ التيمي.

والشاهد فيه : أن «وادقة» صفة مشبهة وفاعلها ضمير مستتر فيها ، و «سراتها» منصوب بالكسرة على التشبيه بالمفعول للصفة المشبهة.

ينظر : الأصمعيات ص ٣٤ ، خزانة الأدب ٨ / ٢٢١ ، الدرر ٥ / ٢٨٩ ، المقاصد النحوية ٣ / ٥٨٣ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٨.

وفي ط ، أ: «ضراتها» بدلا من «سراتها».

(٢) البيت : للشماخ بن ضرار.

والربع : الدار والمنزل ، والصفا ـ بالفتح ـ الصخر الأملس ، وجارتا صفا : صخرتان تجعلان تحت القدر.

«وكميتا الأعلى» تركيب إضافي وهو مثنى كميت بالتصغير من الكمتة وهي : الحمرة الشديدة المائلة إلى السواد.

والجونة : السوداء ، والجون : الأسود وهو من الأضداد فيأتي بمعنى الأبيض أيضا ولكن ليس المراد هنا.

والمصطلي : اسم مكان الصلاء أي : الاحتراق بالنار.

الشاهد : إضافة الصفة المشبهة ، وهو قوله «جونتا» إلى معمول يشتمل على ضمير الموصوف ، وهذا رديء.

ينظر : ديوانه ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٣ ، والدرر ٥ / ٢٨١ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٧ ، وشرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٦ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٠ ، والكتاب ١ / ١٩٩ ، المقاصد النحوية ٣ / ٥٨٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩٩ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٢٢٠ ، ٢٢٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٥٩.

٢٠٧

وإن كان ضمير معمول لصفة أخرى : فإن كانت الصفة منصرفة ، لم يجز فيه إلا الخفض ؛ نحو قولك : «حسن الوجه جميله» ، وإن كانت غير منصرفة ، جاز فى الضمير أن يكون فى موضع خفض ، وأن يكون فى موضع نصب ؛ فتقول : «مررت برجل حسن الوجه أحمره» ، بكسر الرّاء إن قدّرت الضمير مخفوضا ، وفتحها إن قدرته منصوبا ، وسمع الكسائى : «لا عهد / لى بألأم منه قفا ، ولا أوضعه» ، بفتح العين.

وإن كانت الصفة معرّفة بالألف واللام : فإن كانت مثنّاة أو مجموعة بالواو والنون ، وإن أثبتّ النون ـ لم يجز فى المعمول إلا النّصب ، نحو قولك : «قام الرّجلان الحسنان وجوها ، والرجال الحسنون وجوها ، وقام الرجال الحسان الوجوه والرجال الحسنون الوجوه ، وقام الرجلان الحسنان وجوها منهما ، والرجال الحسنون وجوها منهم ، وقام الرجلان الحسنان وجوهما ، والرجال الحسنون وجوههم» ، إلا أنّ نصبه إذا اتصل به ضمير يعود على الموصوف ـ لا يجوز إلا فى ضرورة ، وإن حذفت النون ، جاز فيه النصب والخفض ، إلا أن ذلك لا يجوز فيه ، إلا إذا اتّصل به ضمير عائد على الموصوف إلا فى ضرورة ، وإن كانت غير ذلك (١) ، جاز فى المعمول ، إن كان معرّفا بالألف واللام ، أو مضافا إلى ما عرّف بهما ، أو إلى ضميره ، أو إلى ما أضيف إلى ضميره (٢) ـ ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والخفض.

__________________

(١) م : وقولى : «وإن كانت غير ذلك» أعنى بذلك : أن تكون مفردة ؛ نحو : الحسن ، أو مجموعة جمع تكسير ؛ نحو : الحسان ، أو مجموعة جمع سلامة بالألف والتاء ؛ نحو : الحسنات. أه.

(٢) م : وقولى : «إن كان معرفا بالألف واللام ، أو مضافا إلى ما عرّف بهما أو إلى ضميره ، أو إلى ما أضيف إلى ضميره» مثال المعرف بالألف واللام قولك : الحسن الوجه ، والحسان الوجوه ، والحسنات الوجوه ، ومثال المضاف إلى ما عرّف بهما قولك : مررت برجل حسن وجه الغلام ، ومررت برجال حسان وجوه الغلمان ، ومررت بنساء حسنات وجوه الغلمان ، ومثال المضاف إلى ضميره أعنى ضمير المعرف بالألف واللام ـ قولك : مررت برجل حسن الوجه ، جميل أنفه ، ومررت برجال حسان الوجوه جميل أنوفهم ، ومررت بنساء حسنات الوجوه ، جميلات أنوفها ، ومثال ما أضيف إلى ما أضيف إلى ضميره ، وأعنى بذلك : ما أضيف إلى ما أضيف إلى ضمير المعرف بالألف واللام ـ قولك : مررت برجل حسن الغلام جميل أنف وجهه ، ومررت برجال حسان الغلمان جميل أنوف وجوههم ، ومررت بنساء حسنات الغلمان ، جميلات أنوف وجوههن ، جميع ذلك يجوز فى معموله النصب والخفض والرفع. أه.

٢٠٨

وإن كان مضافا إلى ضمير الموصوف ، لم يجز فيه إلا الرفع ، وقد يجوز فيه النصب فى الضرورة ؛ نحو قولك : «مررت بزيد الحسن وجهه ، ومررت بالرجل الحسن وجهه» ، بنصب وجهه ورفعه.

وإن كان نكرة أو مضافا إلى ضمير نكرة ، لم يجز فيه إلا النصب ، نحو قولك : «هذا الحسن وجها ، الجميل أنفه».

وإن كان ضميرا : فإن كان عائدا على ظاهر يجوز فيه النصب ، والخفض ـ جاز فيه أن يكون فى موضع نصب ، وأن يكون فى موضع خفض.

فإن كان عائدا على ظاهر لا يجوز فيه إلا النصب ـ لم يجز فيه ، إلا أن يكون فى موضع نصب ؛ نحو قولك : «هذا الحسن وجها الجميله».

ويجوز أن يتبع معمول الصفة المشبّهة باسم الفاعل ، بجميع التوابع ما عدا الصفة.

وإذا كان مخفوضا خفض المعطوف عليه ، ولم يجز نصبه بإضمار فعل ، وإن كان ذلك جائزا فى المعطوف على المخفوض بإضافة اسم الفاعل إليه.

* * *

٢٠٩

باب المنصوبات

الّتى يطلبها الفعل على اللّزوم

بهذا الباب تتبيّن أحكام المنصوبات التى لا ينفكّ الفعل عن طلبها من جهة المعنى ، وهى : «الحال» و «المفعول المطلق» وأعنى به : المصدر ، و «المفعول فيه» وأعنى به : ظرفى الزمان والمكان.

فأمّا المصدر : فهو : اسم الفعل ؛ نحو : قيام ، أو عدده ؛ نحو : عشرين ضربة ، أو ما قام مقامه ؛ نحو قولك : سرت قليلا ، فحذفته وأقمت صفته مقامه ، أو ما أضيف إليه بشرط أن يكون ذلك المضاف هو المضاف إليه فى المعنى أو بعضه ؛ نحو قولك : سرت كلّ السّير ، أو أشدّ السّير ، ويشترط فى جميع ذلك أن يكون منصوبا بعد فعل من لفظه (١) أو من معناه. (٢)

وأمّا ظرف الزمان : فهو : اسم الزمان (٣) ، أو عدده (٤) ، أو ما قام مقامه ؛ نحو : سرت قدوم الحاجّ ، أى : وقت قدومه ، فحذفت اسم الزمان وأقمت المصدر مقامه ، أو ما شبّه به ، أو ما أضيف إليه ؛ بشرط أن يكون المضاف هو المضاف إليه فى المعنى أو بعضه ؛ نحو قولك : سرت جميع اليوم ، أو بعضه ، ويشترط أن يكون جميع ذلك منصوبا على معنى «فى».

وأمّا ظرف المكان : فهو : اسم المكان (٥) ، أو عدده ؛ نحو : عشرين ميلا ، أو ما

__________________

(١) م : باب المنصوبات التى يطلبها الفعل على اللزوم

قولى : «ويشترط فى جميع ذلك : أن يكون منصوبا بعد فعل من لفظه» مثال ذلك قولك : قمت قياما. أه.

(٢) م : وقولى : «أو من معناه» مثال ذلك : قمت وقوفا ؛ ومن ذلك قوله : [من الطويل]

ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت

علىّ وآلت حلفة لم تحلّل

[البيت لامرئ القيس في ديوانه ص ١٢ ، والدرر ٣ / ٦١ ، وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٨٧]. أه.

(٣) م : وقولى : «هو اسم الزمان» مثال ذلك : قمت يوم الجمعة. أه.

(٤) م : وقولى : «أو عدده» مثال ذلك : سرت خمسة أيام. أه.

(٥) م : وقولى : «اسم المكان» مثال ذلك : قعدت أمامك. أه.

٢١٠

قام مقامه ؛ نحو قولك : قعدتّ قريبا منك ، أى : مكانا قريبا منك ، فحذف الظرف ، وأقيمت صفته مقامه ، أو ما شبّه به ، أو ما أضيف إليه ؛ بشرط أن يكون المضاف هو المضاف إليه ، أو بعضه ؛ نحو قولك : سرت جميع الميل ، أو بعضه ، ويشترط أن يكون جميع ذلك منصوبا على معنى «فى».

والحال : هو كلّ اسم أو ما هو فى تقديره منصوب لفظا ، أو نية ، مفسر لما انبهم من الهيئات ، أو مؤكّد لما انطوى عليه الكلام.

فالمفسّر : قولك : جاء زيد ضاحكا.

والمؤكّد : تبسّم زيد ضاحكا.

فأمّا المصدر : فينقسم ثلاثة أقسام

مبهم ، وهو : ما يقع على القليل والكثير من جنسه ؛ نحو : قيام.

ومختصّ ، وهو ما كان اسما لنوع ؛ نحو : القهقرى أو تخصّص بالألف واللّام ، أو بالإضافة ، أو النّعت.

ومعدود ، وهو : ما دخلت عليه تاء التأنيث الدّالة على الإفراد ، كضربة ، أو كان اسم عدد ؛ كعشرين ضربة ، أو مثنى.

وأمّا ظرف الزمان : فينقسم ـ أيضا ـ ثلاثة أقسام :

مبهم ، وهو : ما / لا يصحّ وقوعه فى جواب «كم» ، ولا فى جواب «متى» ؛ نحو : زمان.

ومختصّ ، وهو : ما يصح وقوعه فى جواب «متى» ؛ نحو : يوم الجمعة.

ومعدود ، وهو : ما يصحّ وقوعّه فى جواب «كم» ؛ نحو : يومين.

وقد يكون الظرف مختصّا ، ومعدودا ؛ فيقع فى جواب «كم» و «متى» ؛ نحو : المحرّم ، وسائر أسماء الشهور ، إذا لم تضف إلى شىء منها «شهرا» فإن أضفته إلى ما تصح إضافته إليه منها (١) ، كان فى جواب «متى» ، وصار مختصّا ؛ نحو : شهر رمضان.

__________________

(١) م : وقولى : «فإن أضفته إلى ما تصح إضافته إليه منها» لم يقع إلا فى جواب متى ، أعنى : أنك إذا قلت : سرت شهر رمضان ، جاز أن يكون السير واقعا فى جميع رمضان ، أو فى بعضه ، وإذا قلت : سرت رمضان ، كان السير فى جميع الشهر ، ومما يبين لك ذلك

٢١١

فما كان منها معدودا ، مختصّا كان أو غير مختص ـ فالعمل فى جميعه إلا أن تريد التكثير ؛ نحو قولك : سرت سنة ؛ فيكون العمل ـ إذ ذاك ـ فى بعضه ، وما كان منها مختصّا غير معدود ، فالعمل قد يقع فى جميعه وقد يقع فى بعضه.

وأمّا ظرف المكان : فينقسم ـ أيضا ـ ثلاثة أقسام :

مبهم ، وهو : ما ليس له نهاية معروفة ، ولا حدود مصوّرة ؛ نحو : خلفك.

ومختص ، وهو : عكسه ؛ نحو : الدّار ، والمسجد ، ولا يقتضى شىء من ذلك أن يكون العمل فى جميعه (١).

ومعدود ، وهو : ما يصح وقوعه في جواب «كم» ، والعمل فى جميعه (٢).

وأمّا الحال : فقسمان ، مؤكّدة ، ومبيّنة ؛ كما ذكرت.

ويصل الفعل إلى جميع ضروب الظروف ، والمصادر ، وضربى الحال بنفسه (٣) إلا

__________________

قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...) [البقرة : ١٨٥] ؛ ألا ترى أن إنزال القرآن إنما كان فى بعضه ، وهو ليلة القدر ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [الدخان : ٣] ، ثم قال بعد ذلك : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة : ١٨٥] والصيام لازم فى جميعه ، وكذلك رمضان ، بل لا يستعمل إلا والمراد استيعابه بالعمل ، قال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [أخرجه البخارى ٤ / ٧٨٤ ـ الفتح كتاب فضل ليلة القدر : باب فضل ليلة القدر ، رقم ٢٠١٤ ، ومسلم ٢ / ٨٠٨ : كتاب الصيام : باب فضل الصيام ، رقم ١٦٦ ـ ١١٥٢ ، وأبو داود ٢ / ٤٩ : كتاب الصلاة : باب فى قيام رمضان ، رقم ١٣٧٢ ، والنسائى ٤ / ١٥٦ ، وأحمد ٢ / ٢٤١ ، وابن خزيمة فى صحيحه رقم ١٨٩٤ ، من حديث أبى هريرة].

والصيام واقع فى جميعه ، فرمضان بمنزلة قولك : ثلاثة أيام ، وشبهها من المعدود فى أن العمل لا يكون إلا فى الجميع ، وقولك : شهر رمضان ، بمنزلة يوم الجمعة ، ويوم الخميس ، وشبههما من المختص فى أن العمل قد يكون فى بعضه ، وقد يكون فى جميعه. أه.

(١) م : وقولى : «وهو ما يصلح وقوعه جوابا لـ «أين» نحو : الدار ، والعمل قد يكون فى جميعه وقد يكون فى بعضه» أعنى : أنك إذا قلت : جلت فى الدار ، فالجولان قد يكون في جميعها ، وقد يكون في بعضها. أه.

(٢) م : وقولى : «ومعدود ، وهو ما يصح وقوعه جوابا لـ «كم» ، والعمل فى جميعه» مثال ذلك قولك : سرت ميلا ؛ ألا ترى أنه يصح أن يقع جوابا لمن قال : كم سرت؟ وأن السير لا يكون واقعا في جميع الميل. أه.

(٣) م : وقولى : «ويصل الفعل إلى جميع ضروب الظروف والمصادر وضربى الحال بنفسه»

٢١٢

ظرف المكان المختص ؛ فإنّه إن كان مشتقّا من لفظ الفعل ، وصل إليه الفعل الذى من لفظه بنفسه ، وما عدا ذلك : فإنّه لا يصل إليه ، إلا بواسطة «فى» (١) ، إلا ما شذّ ، من ذلك ، وهو : «الشام» من قولهم : «ذهبت ، نزلت الشام» وكلّ اسم مكان مختصّ مع دخلت.

و «أدراجه» من قولهم : «رجع أدراجه» و «استمرّ أدراجه» أو ما جاء من ذلك فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٩٠ ـ جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

رفيقين قالا خيمتى أمّ معبد (٢)

ويتعدّى الفعل ـ أيضا ـ إلى ضمير المصدر نفسه (٣) ، ولا يتعدّى إلى ضمير ظرفى الزمان والمكان مطلقا ، إلا بواسطة «فى» (٤) ، إلا أن يتسع فى الظرف ، فتنصبه على التشبيه بالمفعول به ، فإنّ الفعل ـ إذ ذاك ـ يصل إلى / ضميره بنفسه ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٩١ ـ ويوم شهدناه سليما وعامرا

قليل سوى الطّعن النّهال نوافله (٥)

__________________

مثال ذلك قولك : قعد فلان قعودا أو قعد قعدتين ، وقعد القرفصاء ، وقمت أمامك ، وسرت ميلا ، وقمت زمانا وسرت يوم الجمعة ، وسرت شهرا ، وجاء زيد ضاحكا ، وتبسم ضاحكا. أه.

(١) م : وقولى : «إلا ظرف المكان المختص ، فإنه لا يصل إليه إلا بواسطة «فى» مثال ذلك : قعدت فى الدار ، ولا يجوز : قعدت الدار. أه.

(٢) البيت : لرجل من الجن ويروي صدر البيت هكذا :

جزى الله رب الناس خير جزائه

 ............

والشاهد فيه : «قالا خيمتي ..» والتقدير «في خيمتى» وهو ضرورة.

ينظر : الدرر ٣ / ٨٧ وشرح شذور الذهب ٣٠٥ ، وبلا نسبة في لسان العرب ، «قيل» همع الهوامع ١ / ٢٠٠.

(٣) م : وقولى : «ويتعدى الفعل أيضا إلى ضمير المصدر بنفسه» مثال ذلك : ضربته زيدا ، تريد : ضربت الضرب زيدا ، فأعدت الضّمير على المصدر المفهوم من الفعل. أه.

(٤) م : وقولى : «ولا يتعدى إلى ضمير ظرفى الزمان والمكان مطلقا إلا بواسطة في» أعنى بقولى «مطلقا» جميع أحواله من إبهام أو عدد أو اختصاص ، ومثال ذلك قولك : يوم الجمعة صمت فيه ، ومكانك قعدت فيه ، وثلاثة أيام صمت فيها ، والميل سرت فيه ، وهذا زمان قام فيه زيد ، وهذا مكان قعد فيه عمرو. أه.

(٥) البيت : لرجل من بني عامر.

النهال : جمع نهل بالتحريك ، وأصل النهل : أول الشرب.

٢١٣

فجعل اليوم [مشهودا اتّساعا](١) ، وإن كان مشهودا فيه.

ولا يتسع فى الظرف ، إلا إذا كان العامل فيه فعلا غير متعد (٢) ، أو متعديا إلى

__________________

النوافل : الغنائم.

الشاهد : قوله : «شهدناه» حيث نصب ضمير «اليوم» تشبيها بالمفعول به اتساعا ومجازا ، والمعنى : شهدنا فيه.

ينظر : الدرر ٣ / ٩٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب (جزي) ، وبلا نسبه في الأشباه والنظائر ١ / ٣٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٨١ ، ٨ / ٢٠٢ ، ١٠ / ١٧٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٨ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٠٣ ، والمقتضب ٣ / ١٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٣.

(١) ما بين المعكوفين سقط في أ. وفي ط : فجعل اليوم مشهورا اتساعا ، وإن كان مشهورا فيه.

(٢) م : وقولى : «ولا يتّسع فى الظرف إلا إذا كان العامل فيه فعلا غير متعدّ» إلى آخره هذا الذى ذكرته من الاتساع فى الظرف لا يجوز إلا مع الفعل أو ما جرى مجراه من أسماء الفاعلين والمفعولين ، والأمثلة التى تعمل عملها ، وهو مذهب جمهور النحويين ، وأجاز أبو الحسن الأخفش الاتساع فى «ما» تشبيها لها بليس ؛ نحو قولك : يوم الجمعة ما زيد إياه قائما ، والصحيح : أن ذلك لا يجوز ؛ لأن الحرف لا يعمل فى مفعول به أصلا ؛ فلا يعمل فى مشبّه به.

وما ذكرته من أن الفعل المتعدى إلى ثلاثة لا يجوز الاتساع فيه هو مذهب أبى بكر بن السراج وكثير من النحويين ، ومن النحويين من ذهب إلى إجازته ، والصحيح : أن ذلك لا يجوز ؛ لأنه يكون إذ ذاك بمنزلة فعل يتعدى إلى أربعة مفعولين ، والمفعول به نهاية ما يأخذ الفعل منه ثلاثة ، فلما لم يكن له فى حال التشبيه أصل يلحق به ، لم يجز.

وأما المتعدى إلى مفعولين ، فجمهور النحاة يجيز الاتساع فى الظرف إذا كان معمولا له ؛ لأنه يجىء إذ ذاك ملحقا بباب ما يتعدى إلى ثلاثة ؛ كأعلم ، والصحيح عندى أن ذلك لا يجوز ؛ لأنه لم يرد السماع بالاتساع فى الظرف ، إلا فيما لا يتعدى ؛ نحو قولك : يوم الجمعة صمته ، ومن ذلك قوله [من الرجز] :

يا سارق الليلة أهل الدار

[ينظر الكتاب ١ / ١٧٥ ، ١٩٣ ، همع الهوامع ١ / ٢٠٣ ، والدرر ١ / ١٧٢ ، أمالى ابن الشجرى ٢ / ٢٥٠]

أو فيما يتعدى إلى واحد ؛ نحو قوله : [من الطويل]

ويوم شهدناه سليما وعامرا

 ............

[تقدم البيت في نصّ الكتاب برقم (٩١)].

وقول الآخر [من الرجز] :

فى ساعة يحبّها الطّعام

[وهو بلا نسبة فى لسان العرب (حبب) ، وتاج العروس (حبب) ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٨ ، والمخصص ١٢ / ٢٤٣ ، ١٤ / ٧٥ ، معانى القرآن ١ / ٣٢].

٢١٤

واحد ، أو ما عمل عمله ، إن كان من جنس ما ينصب المفعول به.

وأمّا الحال : فلا يضمر.

والمصدر ينقسم بالنّظر إلى التصرّف والانصراف ، أربعة أقسام :

أحدها : أن يكون متصرفا ، لا منصرفا ، وهو : كلّ ما أقيم من الصفات التى لا تنصرف ، مقام مصدر محذوف ، وكلّ ما جمع من المصادر جمعا متناهيا ، أو كانت فيه ألف تأنيث مقصورة ، أو ممدودة ؛ نحو : رجعى وكبرياء (١).

والثانى : عكسه ؛ نحو : سبحان الله (٢) ، ومعاذ الله ، وربحانه ، أى : استرزاقه ، وعمرك الله ، وقعدك الله ، وغفرانك لا كفرانك ، أى : استغفارا ، وحجرا ، أى : تحريما لذلك وبراءة منه ؛ قال تعالى : (حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢].

وحنانيك ، وهذاذيك ، وحذاريك ، ودواليك ، ولبّيك ، وسعديك.

والثالث : أن يكون لا متصرّفا ، ولا منصرفا ، وهو : [سبحان ، إذا جعل علما ولم يضف](٣) ؛ نحو قوله [من السريع] :

٩٢ ـ أقول لما جاءنى فخره

سبحان من علقمة الفاخر (٤)

أى : براءة منه.

__________________

أى : يحبّ فيها الطعام ، ولا يحفظ من كلامهم اتساع فى المتعدى إلى اثنين ؛ كما لم يسمع ذلك فى المتعدى إلى ثلاثة ، ويعضد امتناع السماع فيما يتعدى إلى مفعولين من طريق القياس من جهة أنه ليس له ما يلحق به فى حالة الاتساع ، إلا الفعل المتعدى إلى ثلاثة ، وليس فى كلام العرب ما يتعدى إلى ثلاثة بطريق الأصالة ؛ ألا ترى أنه لا يوجد متعد إلى ثلاثة إلا منقولا ؛ كـ «أعلم وأرى» أو مضمنا كـ «أنبأ وأخبر وخبر ونبأ وحدّث» فلما لم يكن له أصل يلحق به كذلك امتنعوا من الاتساع فى الظرف إذا كان معمولا له. أه.

(١) م : وقولى : «نحو رجعى وكبرياء» إنما امتنع من مثل رجعى وكبرياء الصرف ؛ للتأنيث اللازم ، وأما تصرفهما فإنهما مستعملان فى موضع الرفع والنصب والخفض ؛ تقول رجع رجعى وتكبر كبرياء ، وهذه رجعى وهذه كبرياء ، وعجبت من رجعاك ومن كبريائك. أه.

(٢) م : وقولى : «وعكسه سبحان الله ...» إلى آخره ، أما عدم تصرفها ، فلأنها لا تستعمل إلا منصوبة على المصدرية ، وأما انصرافها ، فلأنها إما مضافة وإما منونة. أه.

(٣) سقط في أ.

(٤) البيت للأعشى.

٢١٥

والرابع : أن يكون متصرفا منصرفا ، وهو ما عدا ذلك ؛ نحو : ضرب (١).

وأعنى بالتصرّف : استعمال الاسم فى موضع النّصب ، والرفع ، والخفض ، وبالانصراف : دخول التنوين أو ما عاقبه.

وكذلك أيضا ينقسم ظرف الزمان بالنّظر إلى التصرّف والانصراف ، أربعة أقسام :

أحدها : أن يكون لا متصرّفا ولا منصرفا ، وهو : سحر إذا أردتّه من يوم بعينه (٢).

والثانى : أن يكون متصرفا لا منصرفا ، وهو : غدوة ، وبكرة (٣) ، وعشيّة ، إذا كانت أعلاما ، إلا أنّ استعمال عشيّة علما يقلّ.

والثالث : أن يكون منصرفا لا متصرفا ، وهو : سحير إذا أردتّ به سحر ليلتك ،

__________________

والشاهد فيه نصب «سبحان» على المصدر ، ولزومها للنصب لأنها مصدر جامد ، وقد منعت من الصرف لأنها علم للتسبيح ، فجرت مجرى «عثمان» الممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون فيه. وقيل : الشاهد فيه أن «سبحان» قد بقيت بدون تنوين ، لأنها مضافة إلى مضاف إليه محذوف ، والمضاف قد يبقى بعد حذف المضاف إليه بلا تنوين.

ينظر : ديوانه ص ٩٣ ، وأساس البلاغة ص ٢٠٠ (سبح) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٩ ، وجمهرة اللغة ص ٢٧٨ ، وخزانة الأدب ١ / ١٨٥ ، ٧ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٨ ، والخصائص ٢ / ٤٣٥ ، والدرر ٣ / ٧٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٧ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٠٥ ، وشرح المفصل ١ / ٣٧ ، ١٢٠ ، والكتاب ١ / ٣٢٤ ، ولسان العرب (سبح) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٣ / ٣٨٨ ، ٦ / ٢٨٦ ، والخصائص ٢ / ١٩٧ ، ٣ / ٢٣ ، والدرر ٥ / ٤٢ ، ومجالس ثعلب ١ / ٢٦١ ، والمقتضب ٣ / ٢١٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٠ ، ٢ / ٥٢.

(١) م : وقولى : «متصرف منصرف ، وهو ما عدا ذلك ، نحو : ضرب» أما انصرافه : فلأنه يدخله التنوين والخفض ، وأما تصرّفه ، فلأنه يستعمل مرفوعا ومنصوبا ومخفوضا ؛ نحو قولك : ضربت ضربا ، وهذا ضرب ، وعجبت من ضرب عمرا. أه.

(٢) م : وقولى : «وهو سحر معينا» مثال ذلك : خرجت يوم الجمعة سحر ، فلا ينصرف ؛ لتعريفه وعدله عن الألف واللام ؛ وذلك أن سحر قد استعمل نكرة ؛ فكان ينبغي إذا عرّف أن يعرف بالألف واللام ؛ فعدل عن ذلك ، ولا يتصرّف ؛ لأنه لا يستعمل إلا منصوبا على الظرفية. أه.

(٣) م : وقولى : «متصرفا لا منصرفا ، وهو «غدوة وبكرة» معينتين» مثال ذلك قولك : خرجت يوم الجمعة غدوة ، وقعدت يوم الخميس بكرة ، فيمنعان الصرف للتأنيث والتعريف ، وهما مع ذلك متصرفان ؛ لأنهما يستعملان فى موضع الرفع والنصب والخفض ، تقول : هذه غدوة وبكرة ، وخرجت غدوة وبكرة ، وذهبت من غدوة وبكرة. أه.

٢١٦

وبكرة ، وعشيّة ، وعتمة ، وضحوة ، وضحى ، [وعشاء ، ومساء ، وصباح ، وليل ، ونهار ، إذا أردت بها أزمانا معينة](١) / ، وصباح مساء ، وبين ، وذات مرّة ، وذو صباح ، وذو مساء (٢).

ومن العرب من يجعل ذات مرّة ، وذات يوم ، وذا صباح ، وذا مساء ، متصرّفة ، وهى لغة خثعم ؛ قال [من الوافر] :

٩٣ ـ عزمت على إقامة ذى صباح

لأمر ما يسوّد من يسود (٣)

والرابع : أن يكون متصرّفا منصرفا ، وهو ما بقى منها (٤) ، إلا أنّ التصّرف يقبح فيما كان منها صفة فى الأصل ؛ نحو قولك : «سير عليه طويلا ، وسير عليه حديثا»

__________________

(١) سقط في ط.

(٢) م : وقولى : «ومنصرف لا متصرف ، وهو : بكرا وسحيرا ...» إلى آخره.

أما انصرافها ؛ فلأنها منونة ؛ نحو : بكر وسحير وأخواتها معينات أو مضافة ؛ نحو : بعيدات بين ، وذات مرة ، وأما عدم تصرفها ؛ فلأنها لا تستعمل إلا منصوبة على الظرفية ؛ نحو قولك : خرجت يوم الجمعة بكرا ، أو خرجت سحيرا ، وقعدت عشية ، وأقمت عتمة ، وسرت صحوة ، وأبيت ضحى ، وسرت عشاء ، وقعدت مساء ، وزرتك صباحا ، وأقمت ليلا ، وخرجت نهارا ، تريد بجميع ذلك وقتا معينا ، وأتيتك بعيدات بين ، أى : أوقاتا متفرقة ، وقعدت ذات مرة ، وذا صباح ، وذا مساء ، أى : مرة ، وصباحا ، ومساء. أه.

(٣) نسب هذا البيت لأكثر من شاعر ، ونسبه البغدادي في الخزانة لأنس بن مدركة.

وللبيت قصة ذكرها البغدادي حيث قال :

قال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب : هذا البيت لأنس بن مدركة الخثعمي. وذلك أنه غزا هو ورئيس آخر من قومه بعض قبائل العرب متساندين فلما قربا من القوم أمسيا فباتا حيث جنّ عليهم الليل ، فقام فانصرف ولم يغنم ، وأقام أنس حتى أصبح فشنّ عليهم الخيل فأصاب وغنم ، وغنم أصحابه ، فهذا معنى قوله على إقامة ذي صباح.

وفي البيت شاهدان أولهما : جر «ذي صباح» بالإضافة اتساعا ومجازا والوجه فيه الظرفية.

وثانيها : قوله «لأمر ما» حيث جاءت «ما» مفيدة التهويل والتعظيم.

ينظر : خزانة الأدب ٣ / ٨٧ ، ٨٩ ، الحيوان ٣ / ٨١ ، الدرر ١ / ٣١٢ ، ٣ / ٨٥ ،

شرح المفصل ٣ / ١٢ ، ونسب البيت لأنس بن نهيك في لسان العرب (صبح) ، ولرجل من خثعم في شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٨٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢٥٨ ، والجنى الداني / ٣٣٤ ، ٣٤٠ ، الخصائص ٣ / ٣٢ ، الكتاب ١ / ٢٢٧ ، المقتضب ٤ / ٣٤٥ ، همع الهوامع ١ / ١٩٧.

(٤) م : وقولى : «ومتصرفا منصرفا ، وهو ما بقى من ظروف المكان» مثال ذلك قولك : ـ قعدت أمامك ، وهذا أمامك ، وجئت من أمامك. أه.

٢١٧

إلا أن توصف ؛ نحو : سير عليه طويل من الدهر ، أو يكون صفة خاصّة بالموصوف ؛ نحو : سير عليه ملىّ ، أو مستعملة استعمال الأسماء ؛ نحو : سير عليه قريب ، فإنّ تصرّفه يحسن إذ ذاك.

وظرف المكان ينقسم بالنّظر إلى التّصرف والانصراف ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون متصرّفا لا منصرفا ، وهو : كلّ ما أقيم من الصفات التى لا تنصرف مقام ظرف مكان محذوف (١) ، أو كان جمعا متناهيا.

والثانى : عكسه ، وهو : «مكانك» إذا دخلها معنى «عوضك» ، و «دونك» إذا أريد بها نقصان المرتبة فى صفة من الصفات ، و «فوقك» إذا أريد بها علوّ المرتبة فى صفة من الصفات ، و «سواك» و «سواك» و «سواءك» و «عند» و «مع» و «وسط» ساكنة السين (٢) ، إلا أن «عند» و «مع» قد يدخل عليهما من ، ولا تتصرّف بأكثر من ذلك.

وأمّا الحال : فإن كانت مبيّنة اشترط فيها : أن تكون نكرة (٣) ، أو فى حكمها ؛ نحو قولهم : أرسلها العراك ، وطلبته جهدى ، وطاقتى ، كلمته فاه إلى فىّ ، ورجع

__________________

(١) م : وقولى : «نحو أسفل وأعلي» مثال ذلك : جلست أسفل وقعدت أعلى ، وهما متصرفان لأنهما يستعملان مرفوعين ومخفوضين ؛ فتقول : هذا أسفل ، وهذا أعلى ، وجئت من أسفل ، وأتيت من أعلى. أه [لم نجد هذا القول بنصه].

(٢) م : وقولى : «وعكسه ، وهو سواك وسواءك وسواك ، وعند ووسط ساكنة السين» أعنى : أنها منصرفة لإضافتها ، وغير متصرفة لأنها لا تستعمل إلا ظروفا نحو قولك : قعدت عندك ، وجلست وسط القوم ، وقام القوم سواك ، ولا يجوز استعمال «سوى» اسما إلا فى ضرورة ؛ نحو قول الأعشى : [من الطويل]

تجانف عن جوّ اليمامة ناقتى

وما قصدت من أهلها لسوائكا

[ينظر ديوانه ص ١٣٩ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٦٤ ، ١٧٢ ، والأضداد ص ٤٤ ، ١٩٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٥ ، ٤٣٨ ، ٤٤١ ، والدرر ٣ / ٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٣٧ ، والكتاب ١ / ٣٢ ، ٤٠٨ ، ولسان العرب (جنف) ، (سواء) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ١ / ٢٩٥ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٤ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٥٤ ، والمحتسب ٢ / ١٥٠ ، والمقتضب ٤ / ٣٤٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٢].

فجرّ «سوائك» باللام. أه.

(٣) م : وقولى : «اشترط فيها أن تكون نكرة» مثال ذلك قولك : جاء زيد ضاحكا. أه.

٢١٨

عوده على بدئه ، وجاء القوم قضّهم بقضيضهم ، وجاء زيد وحده ، ومررت بالقوم ثلاثتهم وأربعتهم إلى العشرة ، أى : معتركة العراك ، ومجتهدا جهدى ، ومطيقا طاقتى ، وجاعلا فاه إلى فىّ ، وعائدا عوده على بدئه ، ومنقضين قضّهم بقضيضهم ، ومنفردا وحده ، ومنفردا ثلاثتهم بالمرور ، فحذفت النكرات ، وأقيم معمولها مقامها.

وأما : «ادخلوا الأول فالأول» / و «جاء القوم الجمّاء الغفير» ـ فالألف واللام فيهما زائدتان.

والغفير : وصف لازم ؛ كلزوم وصف «من» فى قولك مررت بمن معجب لك.

ويشترط فيها ـ أيضا ـ : أن تكون مشتقة (١) ، أو فى حكمها ، وأعنى بذلك :

أن تكون فى معنى ما أخذ من المصدر ، وإن لم تكن مأخوذة منها نحو قولك : علمته الحساب بابا بابا ، أى : مفصلا ، ويشترط فيها ـ أيضا ـ أن تكون منتقلة ، أى : غير لازمة ، أو فى حكمها ، نحو : خلق الله الزّرافة يديها أطول من رجليها.

فهذه الصفة ـ وإن كانت لازمة للزرافة ـ فإنها تشبه بعد «خلق» غير اللازم ؛ إذ كان من الجائز أن يخلقها الله تعالى على خلاف ذلك.

ويشترط فيها ـ أيضا ـ أن يكون قد تم الكلام دونها ، أو فى حكم ما تمّ الكلام دونه ؛ نحو قولك : ضربى زيدا قائما ، وبابه ، ألا ترى أنّ قائما ههنا لا يتم الكلام إلا به ؛ لنيابته مناب الخبر ، ولو ظهر الخبر على الأصل ، فقيل : ضربى زيدا إذا وجد قائما ـ لم تكن لازمة (٢).

ويشترط فيها ـ أيضا ـ أن تكون منصوبة على معنى «فى».

والباب فيها : إن تأخّرت عن ذى الحال ، أن تكون من معرفة أو من نكرة مقاربة المعرفة (٣) ، أو غير مقاربة لها إن كانت الحال يقبح أن تكون وصفا لذى الحال ؛ نحو قولهم : مررت ببرّ قفيزا بدرهم ، ومررت بماء قعدة رجل ، ووقع أمر فجأة.

__________________

(١) م : وقولى : «وأن تكون مشتقة» المشتقة هى المأخوذة من المصدر ؛ نحو قولك : جاء زيد مسرعا ؛ ألا ترى أن مسرعا مشتق من السّرعة. أه.

(٢) ثبت في ط زيادة : «كانت الحال آتية بعد الجملة من الفعل ومرفوعه ، وهي تامة في الأصل ، قبل إضافة الظرف «إذا» إليها ، وإنما عرض لها اللزوم في حال الإضافة.

(٣) م : وقولى : «أن تكون من معرفة ، أو من نكرة مقاربة للمعرفة» مثال مجيئها من معرفة :

٢١٩

وقد يجىء من نكرة غير مقاربة للمعرفة ، وإن كانت ممّا يحسن وصف ذى الحال به ، إلا أنّ ذلك قليل ، فإن تقدّمت على ذى الحال ، جاءت من المعرفة والنكرة (١) على كل حال.

وإن كانت الحال مؤكّدة ، اشترط فيها جميع ما يشترط فى المبينة إلا الانتقال (٢) ، ويجوز أن يقع موقع الاسم المنتصب على الحال الظرف ، والمجرور التامّان (٣) ، والجملة المحتملة للصدق والكذب ، فإن كانت الجملة اسميّة ، فإنّها تدخل عليها واو الحال.

ويلزم إن كانت الجملة غير مشتملة على ضمير عائد على ذى الحال (٤) ، ملفوظ به ، أو مقدّر.

ولا يلزم إن كانت مشتملة عليه (٥) ، بل المختار لحاقها ، وإن كانت فعليّة / وكان

__________________

المثال المتقدم ، ومثال مجيئها من نكرة مقاربة للمعرفة قولك : جاء خير من زيد ضاحكا ، وجاء رجل من إخوتك ضاحكا ، ومن ذلك قوله [من البسيط] :

يا عين جودى بدمع منك محمودا

وابك ابن أمّى إذا ما مات مسعودا

أه.

(١) م : وقولى : «فإن تقدمت على ذى الحال ، جاءت من المعرفة والنكرة» مثال ذلك قولك جاء ضاحكا زيد ، وجاء مسرعا رجل ، قال الشاعر : [من الطويل]

فهلا أعدونى لمثلى تفاقدوا

وفى الأرض مبثوثا شجاع وعقرب

[ينظر فى خزانة الأدب ٣ / ٢٠٩ ، الحماسة بشرح المرزوقى ص ١٢٤ ، كتاب الجيم ٢ / ١٩٣] أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كانت الحال مؤكدة اشترط فيها جميع ما اشترط فى المبينة إلا الانتقال» ومثال ذلك قولك : تبسم زيد ضاحكا ، ألا ترى أن الضحك لازم للتبسم غير مفارق ؛ فلا يتصور منه الانتقال أصلا. أه.

(٣) م : وقولى : «ويجوز أن يقع موقع الاسم المنصوب على الحال الظرف والمجرور التامان» مثال ذلك قولك : جاء زيد فى زينته ، وجاء عمرو أمام بكر ، وأعنى بالتمام أن يكون فى جعلهما حالين فائدة ، فإن لم يفيدا ، كانا ناقصين ؛ لا يجوز أن تقول : جاء زيد فيك ، ولا أن تقول : هذا زيد اليوم. أه.

(٤) م : وقولى : «ويلزم إن عريت الجملة من ضمير عائد على ذى الحال» مثال ذلك قوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ...) [آل عمران : ١٥٤].

(٥) م : وقولى : «ولا يلزم إن لم تعر منه» مثال دخول الواو مع وجود الضمير قول الشاعر : [من الكامل].

٢٢٠