المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

....................................

__________________

[ينظر البيت للربيع بن ضبع فى أمالى المرتضى ١ / ٢٥٥ ، وحماسة البحترى ص ٢٠١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٨٤ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٦ ، والكتاب ١ / ٨٩ ، ولسان العرب (ضمن) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٨ ، وبلا نسبة فى الرد على النحاة ص ١١٤ ، وشرح المفصل ٧ / ١٠٥ والمحتسب ٢ / ٩٩].

ألا ترى أن المعنى : صرت لا أحمل السلاح ، ولا يريد بذلك صباحا من غيره ، ومن ذلك قول الآخر : [من الطويل]

فأصبحت كالهندىّ إذ مات حسرة

على إثر هند أو كمن سقى السّمّا

[ينظر شرح المقرب ٢ / ٨٩٢]

أى صرت كالهندى.

ومثال ذلك فى أمسى قوله [من البسيط] :

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أخنى عليها الّذى أخنى على لبد

[ينظر البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٥٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥ ، والدرر ٢ / ٥٧ ، ولسان العرب (لبد) ، (خنا) ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ١١١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢١٠ ، وشرح قطر الندى ص ١٣٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١١٤].

أى صارت خلاء وصار أهلها محتملين عنها ، ولم يرد حقيقة المساء إذ لم يرد أن أهلها احتملوا منها فى المساء الذى وقف به فى هذه الدار بدليل قوله : [من البسيط]

 .........

أخنى عليها الّذى أخنى على لبد

وبدليل قوله بعد [من البسيط] :

إلّا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها

 ...... البيت

[ينظر البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٤ ـ ١٥ ، ولسان العرب (عيا) ، (إلا)].

فوصفها بالدثور والفساد ، ومن ذلك قول الآخر : [من البسيط]

أمسى الفؤاد بكم يا هند مرتهنا

وأنت كنت الهوى والهمّ والوسنا

[ينظر شرح المقرب ٢ / ٨٩٦]

أى : صار بكم مرتهنا ، ومثال ذلك فى أضحى قول جميل : [من الطويل]

تذكّرت من أضحت قرى اللّدّ

دونه وهضب لتيما والهضاب وعور

[ينظر البيت فى ديوانه ص ٩١ ، ولسان العرب (لدد) ، وتاج العروس (لدد) ، وأمالى القالى ١ / ١٨٣].

أى صارت قرى اللدّ دونه ومن ذلك قول ابن الدمينة [من الطويل] :

فقد مات قبلى أوّل الحبّ وانقضى

فإن متّ أضحى الحبّ قد مات آخره

١٤١

تامّة ، فهى للدخول فى الأزمنة المذكورة (١). وقد تكون أصبح منها الإقامة فى الوقت الذى يشاركها فى الحروف ؛ ومن ذلك قولهم : «إذا سمعت بسرى القين ، فاعلم بأنه مصبح» أى : مقيم فى الصباح.

وأما غدا وراح : فإن كانتا ناقصتين ، فهما للدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان (٢) الذى يشاركهما فى الحروف وقد تكونان بمعنى : صار (٣) ، وإذا كانتا تامّتين (٤) ، فهما للدلالة على السير فى الوقت الذى يشاركهما فى الحروف.

وأما ظل وبات : فإن كانتا ناقصتين ، فتكونان بمعنى : صار (٥) ، وقد تكون ظل

__________________

أه. [ينظر : شرح المقرب ٢ / ٨٩٨]

(١) م : وقولى : «فإن كانت تامة فهى للدلالة على الدخول فى الأزمنة المذكورة» مثال ذلك قولك : أضحى عبد الله أو أمسى أو أصبح أى : دخل عليه وقت الضحى أو المساء أو الصباح. أه.

(٢) م : وقولى : «وأما غدا وراح فإن كانتا ناقصتين فهما للدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان» مثال ذلك : غدا زيد قائما وراح عبد الله مقيما أى : كان قيام زيد فى الغدو وإقامة عبد الله فى الرواح. أه.

(٣) م : وقولى : «وقد تكونان بمعنى صار» مثال ذلك فى غدا قولك : غدا زيد فارسا أى : صار فارسا ، ومن ذلك قوله : [من مجزوء الكامل]

إن يبخلوا أو يجبنوا

أو يغدروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجّلي

ن كأنّهم لم يفعلوا

[البيتان لبعض بنى أسد خزانة الأدب ٩ / ٩١ ، والكتاب ٣ / ٨٧ ، ولسان العرب (برقش) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢ / ٥٨٤ ، والبيان والتبيين ٣ / ٣٣٣ ، وديوان المعانى ١ / ١٨٢ ، وذيل الأمالى ص ٨٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٥١٥ ، وشرح المفصل ١ / ٣٦ ، وكتاب الصناعتين ص ١٠٦].

أى يصيرون مرجلين ، ألا ترى أن المعنى على عدم مبالاتهم على الإطلاق من غير اختصاص وقت دون وقت بذلك ، ومثال ذلك فى راح : راح زيد عالما أى : صار عالما. أه.

(٤) في ط : ناقصتين.

(٥) م : وقولى : «وأما ظلّ وبات فإن كانتا ناقصتين فتكونان بمعنى صار» مثال كون ظل بمعنى صار قوله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل : ٨٥] أى صار وجهه مسودا ، ومثال كون بات بمعنى صار قوله صلّى الله عليه وسلّم : «فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده».

[أخرجه مالك ١ / ٢١ كتاب الطهارة : باب وضوء النائم إذا قام من نومه حديث (٩) ، والبخارى ١ / ٢٦٣ كتاب الوضوء : باب الاستجمار وترا حديث ١٦٢ ، ومسلم ١ / ٢٣٣

١٤٢

لمصاحبة الصفة للموصوف نهاره (١) ، وبات لمصاحبته إياها ليله ، وإن كانتا تامتين ، كانت بات بمعنى : عرّس ، وظلّ بمعنى : الإقامة بالنهار (٢).

__________________

كتاب الطهارة باب كراهية غمس المتوضىء وغيره يده حديث ٨٨ / ٢٧٨ ، والشافعى ١ / ٣٩ (الأم) كتاب الطهارة : باب غسل اليدين قبل الوضوء ، وفى المسند ١ / ٢٩ ـ ٣٠ كتاب الطهارة : باب فى صفة الوضوء حديث ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، وأحمد ٢ / ٤٦٥ ، والحميدى ٢ / ٤٢٣ رقم ٩٥٢ ، وابن حبان (١٠٦٠ (الإحسان) ، وابن المنذر فى الأوسط ١ / ١٤٣ حديث ٣٥ ، وأبو عوانة ١ / ٢٦٣ كتاب الطهارة : باب إيجاب غسل اليدين ، والبيهقى ١ / ٤٥ كتاب الطهارة : باب غسل اليدين قبل إدخالهما فى الإناء ، والبغوى فى شرح السنة ١ / ٣٠٢ ـ بتحقيقنا ـ كلهم من طريق أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ قال : إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما فى وضوئه فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده].

أى : صارت ، إذ لم يختصّ بذلك يوم ليل من نهار. أه.

(١) م : وقولى : «وقد تكون ظل لمصاحبة الصفة للموصوف نهاره» إلى آخره مثال ذلك فى ظل قوله : [من الطويل]

ظللت ردائى فوق رأسى قاعدا

أعدّ الحصى ما تنقضى عبراتى

[ينظر البيت لامرىء القيس فى ديوانه ص ٧٨ ، والمخصص ١٣ / ٢٠٧].

أى : أقمت النهار كلّه على هذه الصفة ، ومثال ذلك فى بات قوله : [من المتقارب]

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذى العائر الأرمد

[ينظر البيت لامرىء القيس فى ديوانه ١٨٥ ، تخليص الشواهد ٢٤٣ ، شرح قطر الندى ١٣٦ ، وله أو لامرىء القيس بن عانس فى شرح التصريح ١ / ١٩١ ولعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ٢٠٠ ، ولعمرو أو لامرىء القيس فى سمط اللآلى ٥٣١ ، ولامرىء القيس بن عانس فى المقاصد النحوية ٢ / ٣٠ ، وله أو لامرىء القيس الكندى أو لعمرو بن معديكرب فى شرح شواهد المغنى ٢ / ٧٣٢ ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ١ / ٢٥٤ ، وجمهرة اللغة ٧٧٥ ، وشرح الأشمونى ١ / ١١٥].

أى : صاحبته ليلة بكمالها [على] هذه الصفة. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كانتا تامتين ، كانت بات بمعنى عرّس ، وظل بمعنى الإقامة بالنهار» مثال ذلك فى ظل وبات قوله : [من الكامل]

ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه

حتّى أنال به كريم المأكل

[ينظر البيت لعنترة فى ديوانه ص ٢٤٩ ، ولسان العرب (ظلل) ، والمخصص ٥ / ٣٤ ، ١٤ / ٧٣ ، ١٤٢ ، وكتاب العين ٧ / ٤٦٦ ، وتاج العروس (ظلل) ، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ٣ / ٤٣٠].

أى : أقيم عليه الليل والنهار. أه.

١٤٣

وأما صار : فإن كانت ناقصة تكن للدلالة على تحوّل الموصوف عن صفته التى كان عليها إلى صفة أخرى (١) ، وإن كانت تامة ، تكن بمعنى انتقل (٢).

وآض ، فى تمامها ونقصانها بمنزلتها (٣).

وجاء وقعد فى المثل بمنزلة صار الناقصة.

وليس : لانتفاء الصفة عن الموصوف فى الحال (٤) إن كان الخبر مبهم الزّمان ، وإن كان مقيدا بزمان نفته على حسب تقييده.

وأما ما زال وما فتئ : فللدلالة على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها (٥) على حسب ما قبلها.

وأما ما انفكّ وما برح : فإن كانتا ناقصتين ، فللدلالة ـ أيضا ـ على ملازمة الصفة

__________________

(١) م : وقولى : «وأما صار فإن كانت ناقصة تكن للدلالة على تحول الموصوف عن صفته التى كان عليها إلى صفة أخرى» مثال ذلك : صار زيد عالما ، أى : انتقل عن الجهل إلى العلم. أه.

(٢) م : وقولي : «وإن كانت تامة تكن بمعنى انتقل» مثال ذلك قوله : [من الطويل]

وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا

 ...... البيت

[ينظر البيت لامرىء القيس فى ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٨٧ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٤١ ، ولسان العرب (روض) ، والمقتضب ١ / ٧٤ وبلا نسبة فى المحتسب ٢ / ٢٦٠ ، ويروى «فصرنا» بدلا من «وصرنا»].

أى : انتقلنا من المعاينة إلى ما يحس. أه.

(٣) م : وقولى : «وآض فى تمامها ونقصانها بمنزلتها» أى بمنزلة صار ، مثالها ناقصة قوله [من الرجز] :

آض لنا ماء وكان نارا

ومثالها تامة : آض زيد إلى الحق ، أى : رجع إليه. أه.

(٤) م : وقولى : «وليس لانتفاء الصفة عن الموصوف فى الحال» إلى آخره مثال ذلك : ليس زيد قائما ، ينبغى أن تحمل ذلك على نفى القيام عن زيد فى الحال ، ولا يجوز غير ذلك وليس ذلك بمنزلة قولك : زيد قائم ، فإنه وإن كان الأظهر فى القيام المخبر به عن زيد أن يكون حالا ، فإنه قد يجوز أن يراد به المضى والاستقبال ، ولا يجوز ذلك مع ليس ؛ بل يحمل على الحال لا غير فإن دخلت على مختص بزمان ، نفته على حسب اختصاصه ، فيقول : ليس زيد عالما غدا ، ومن كلامهم : ليس خلق الله مثله. أه.

(٥) م : وقولى : «وأما ما زال وما فتئ فللدلالة على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها» مثال ذلك : ما زال زيد قائما ، وما فتئ قاعدا أى : إنه منذ قام أو قعد لم ينتقل عن ذلك. أه.

١٤٤

للموصوف مذ كان قابلا لها (١) على حسب ما قبلها ، وإن كانتا تامتين ، فللدلالة على بقاء الفاعل فى مكان أو على صفة (٢).

وأما ما دام فلمقارنة الصفة للموصوف فى الحال (٣) إن كانت ناقصة ، وإن كانت تامّة فللدلالة على بقاء الفاعل (٤).

ولا تفارق ما زال وأخواتها أداة النفى فى حال نقصانها : إما ملفوظا بها ، وإما مقدّرة ، وأنها لا تحذف منها الأداة فى فصيح الكلام إلا فى الفعل المضارع فى جواب القسم ؛ قال الله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ، ولا تحذفها مما / عدا ذلك إلا فى الشعر ؛ نحو قوله [من الطويل] :

٣١ ـ فلا وأبى دهماء زالت عزيزة

على قومها ما فتّل الزّند قادح (٥)

وقد استعملت برح ناقصة بغير أداة نفى : لا فى اللفظ ولا فى التقدير ؛ وذلك قليل

__________________

(١) م : وقولى «وأما ما انفك وما برح فللدلالة على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها» مثال ذلك : ما انفك زيد قائما ، وما برح قاعدا ، أى : إنه قد قام وقعد لم ينتقل عن ذلك. أه.

(٢) م : وقولى : «فإن كانتا تامتين فللدلالة على بقاء الفاعل فى مكان أو على صفة» مثال استعمال برح تامة قوله سبحانه : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف : ٦٠] أى : لا أزال على السير حتى أبلغ مجمع البحرين ، ومثال استعمال انفك : تامة قولك ما انفك زيد عن القيام. أه.

(٣) م : وقولى : «وأما ما دام فلمقارنة الصفة للموصوف فى الحال» مثال ذلك قولك : أقوم ما دام زيد قائما أى : ما بقى مقارنا لهذه الصفة التى هو عليها من القيام. أه.

(٤) م : وقولى : «وإن كانت تامة فللدلالة على بقاء الفاعل» مثال ذلك : أفعل هذا ما دام زيد ، أى مدّة بقاء زيد. أه.

(٥) قال البغدادي في الخزانة : هذا البيت لم أقف له على تتمة ، ولا قائل ، وقيل : هو لـ «تميم بن مقبل» ، كما في ملحق ديوانه ، لأن ذكر «دهماء» يخيل لنا بأنه لـ «ابن مقبل» ، و «دهماء» : اسم امرأة ابن مقبل.

والزند : نوع من النبات.

والشاهد فيه حذف «ما» قبل «زالت» ؛ ضرورة ، وقيل إنه فصل بالجملة القسمية وهى «وأبى دهماء» بين «لا» و «زالت».

ينظر : ملحق ديوانه ٣٥٨ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٢٨٧ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٣ ، ١٠ / ١٠٠ ، ١٠١ ، والدرر ٦ / ٢١٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٢٠ ، ومغني اللبيب ص ٣٩٣ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦.

١٤٥

جدّا ؛ قال الشاعر [من الوافر] :

٣٢ ـ وأبرح ما أدام الله قومى

بحمد الله منتطقا مجيدا (١)

ولا يجوز دخول «إلا» فى خبر ما زال وأخواتها (٢) ، وسائر أفعال هذا الباب ، إذا كانت منفية جاز دخول «إلا» فى خبرها ما لم تكن الأخبار مشتقة من أفعال لا تدخل إلا فى خبرها ؛ تقول : «ما كان زيد إلا قائما» ، ولا تقول : ما كان زيد إلا منفكّا قائما».

وأفعال هذا الباب كلها متصرفة إلا ليس وما دام ، وقعد وجاء فى المثل (٣).

__________________

(١) البيت لـ «خداش بن زهير» ، والشاهد فيه قوله : «وأبرح» حيث حذف «لا» شذوذا ، وهى لا تحذف مع الفعل «برح» إلا في القسم.

ينظر لسان العرب (نطق) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦٤ ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ٦١٩ ، وجمهرة اللغه ص ٢٧٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٤٣ ، والدرر ٢ / ٤٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ، وشرح ابن عقيل ص ١٣٥ وهمع الهوامع ١ / ١١١.

(٢) م : وقولى : «ولا يجوز دخول إلا فى خبر ما زال وأخواتها» أعنى أنه لا يجوز أن تقول : ما زال زيد إلا قائما ، ولا : ما انفك زيد إلا عالما ؛ وسبب ذلك أنّ قولك : ما زال زيد عالما وما انفك زيد قائما ـ إيجاب فى المعنى ، فكما لا يجوز أن تدخل إلا على الخبر إذا كان موجبا ، فكذلك لا تدخل إلا فى أخبار هذه الأفعال ، فأما قول الشاعر [من الطويل] :

حراجيج لا تنفكّ إلا مناخة

على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا

[ينظر البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ١٤١٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٢١٩ ، والكتاب ٣ / ٤٨ ، ولسان العرب (فكك) ، والمحتسب ١ / ٣٢٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٠ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٤٢ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٣ ، والإنصاف ١ / ١٥٦ ، والجنى الدانى ص ٥٢١ ، وشرح الأشمونى ١ / ١٢١ ، ومغنى اللبيب ١ / ٧٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٠].

فمناخة حال ، وليس بخبر ، وتنفك تامة لا خبر لها ، كأنه قال : حراجيج ما تنفك عن التقطير إلا فى حال الإناخة على الخسف. أه.

(٣) م : وقولى : «وأفعال هذا الباب كلها متصرفة إلا ليس وما دام وقعد وجاء في المثل» أما قعد وجاء فى المثل فلم يتصرفا ؛ لأن الأمثال لا تغير عما استعملت عليه ، وأما ما دام فلم يستعمل منه المضارع ؛ لأنه فى المعنى بمنزلة فعل شرط قد تقدم جوابه ، وفعل الشرط إذا تقدم جوابه كان ماضيا ألا ترى أنك إذا قلت : أفعل هذا ما دام زيد قائما ، كان فى المعنى قريبا من قولك : أفعل هذا إن دام زيد قائما ، فكما لا يجوز أن تقول : أفعل هذا إن يدم زيد قائما ، فكذلك لا يجوز مع ما دام ، وأما ليس فأجريت مجرى ما لم يتصرف لذلك. أه.

١٤٦

وهى بالنظر إلى تقديم أخبارها عليها ، قسمان :

قسم لا يجوز تقديم خبره عليه ، وهو : ما دام (١) وقعد فى المثل ، وما زال وأخواتها ما دامت منفية بـ «ما» ، أو بـ «لا» فى جواب قسم.

وقسم يجوز تقديم خبره عليه ، وهو : ما بقى من الأفعال (٢) ، ما لم يعرض له عارض يوجب تقديم الخبر أو تأخيره عنه (٣) ، وهى : العوارض التى أوجبت تقديم المفعول على العامل أو تأخيره عنه ، ما عدا انفصال الضمير ؛ فإنه لا يوجب تقديم الخبر (٤) بل يجوز :

«كان إيّاه زيد ، وكانه زيد» ، وإلا حسن الانفصال ؛ قال عمر بن أبى ربيعة (٥)

__________________

(١) م : وقولى : «قسم لا يجوز تقديم خبره عليه وهو مادام ...» إلى آخره إنما لم يجز تقديم خبر ما دام عليها ، فيقال : أفعل هذا قائما ما دام زيد ؛ لأن ما ظرفيّة مصدرية فهى من قبيل الموصولات ، ولا يجوز تقديم شىء من صلة الموصول عليه ، ولم يجز تقديم خبر قعد عليها فى نحو قولهم : «شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة» لأنها كالمثل والأمثال لا تغير عما استعملت عليه ، ولم يجز تقديم خبر ما زال وأخواتها عليها لا يقال قائما ما زال زيد ، ولا عالما ما انفك زيد ، لأن ما النافية من حروف الصدر فلم يتقدم كذلك ما بعدها عليها ، وكذلك لا الداخلة فى جواب القسم هى من حروف الصدر ؛ فكذلك لم يجز أن تقول والله قائما لا يزال زيد. أه.

(٢) م : وقولى : «وقسم يجوز تقديم خبرها عليها وهو ما بقى من الأفعال» مثال ذلك قائما كان زيد ، وعالما لم يزل زيد ، ومنطلقا أضحى عبد الله. أه.

(٣) م : وقولى : «ما لم يعرض عارض يوجب تقديم الخبر أو تأخيره ...» إلى آخره مثال ذلك : ما كان زيد قائما ، وهل أصبح بكر منطلقا؟ ، ألا ترى أنّ خبر كان وخبر أصبح قد كان تقديمهما جائزا قبل دخول ما النافية وأداة الاستفهام ، فلما دخلتا لم يجز التقديم ، كما أنه لا يجوز تقديم المفعول على عامله إذا دخلتا عليه ، أعنى : ما وهل ، وكذلك أيضا قولك : زيد كأنه عمرو ، أى : مثله ، لا يتقدّم الخبر هنا على كأن ؛ لأنه ضمير متصل كما أن المفعول إذا كان ضميرا متصلا لا يجوز تقديمه على العامل وكذلك سائر الموجبات لتأخير المفعول تكون أيضا موجبة لتأخير الخبر ، وتقول أيضا : أىّ رجل كان زيد ، فيلزم تقديم الخبر ؛ لأنه اسم استفهام ، كما يلزم تقديم المفعول على العامل إذا كان اسم استفهام ؛ نحو قولك : أى رجل ضربت؟ ، وكذلك سائر موجبات تقديم المفعول على العامل يوجب تقديم الخبر ، وقد تقدم تبيين الموجبات للتقديم والتأخير فى باب الفاعل ؛ فأغنى ذلك عن إعادتها ههنا. أه.

(٤) م : وقولى : «ما عدا انفصال الضمير فإنه لا يوجب تقديم الخبر» أعنى : أن انفصال الضمير فى مثل : إيّاك ضربت ـ قد كان موجبا لتقديم المفعول على العامل ، وليس موجبا لتقديم الخبر بل يجوز : عمرو كان إياه زيد ، فلذلك استثنيته. أه.

(٥) عمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي ، أبو الخطاب : أرق شعراء عصره ، من طبقة جرير والفرزدق. ولم يكن في قريش أشهر منه ، ولد في الليلة التي توفي فيها عمر بن الخطاب فسمى باسمه ، له ديوان شعر ، وكتب ابن بسام في سيرته كتابا سماه «أخبار عمر بن

١٤٧

[من الطويل] :

٣٣ ـ لئن كان إيّاه لقد حال بعدنا

عن العهد ، والإنسان قد يتغيّر (١)

ومما جاء متصلا : قول أبى الأسود (٢) [من الطويل] :

٣٤ ـ فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها (٣)

وينقسم الخبر بالنظر إلى تقديمه على الاسم وتأخيره عنه ، ثلاثة أقسام :

قسم يلزم تقديمه عليه ، وهو : أن يكون الخبر ضميرا متصلا والاسم ظاهرا (٤) ،

__________________

أبي ربيعة» وهناك كتب أخرى كتبت عنه منها : «عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل» للعقاد ، «حب ابن أبي ربيعة» لزكي مبارك ينظر : الأعلام ٥ / ٥٢ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٥٣ ، ٣٧٨ ، سرح العيون ١٩٨ ، خزانة الأدب ١ / ٢٤٠.

(١) قوله : عن العهد ، أي : عما عهدنا من شبابه وجماله ، والشاهد فيه قوله : «لئن كان إياه» حيث جاء خبر كان ضميرا منفصلا ، والأكثر أن يكون متصلا.

ينظر : ديوانه ص ٩٤ ، وتخليص الشواهد ص ٩٣ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣١٢ ، ٣١٣ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٨ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٠٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٣.

(٢) أبو الأسود الدؤلي : ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني ينسب إليه وضع علم النحو ، كان معدودا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري الجواب من التابعين.

كان واليا للبصرة في خلافة على ، ولم يزل في الإمارة إلى أن قتل على. وفد على معاوية فبالغ في إكرامه ، أول من نقط المصحف في أكثر الأقوال. له شعر جيد جمع في ديوان صغير ، مات بالبصرة ٦٩ ه‍.

ينظر : الأعلام ٣ / ٢٣٦ ، صبح الأعشى ٣ / ١٦١ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٤٠ الإصابة ترجمة ٤٣٢٢ ، خزانة الأدب ١ / ١٣٦.

(٣) البيت ـ كما ذكر المصنف ـ لـ «أبي الأسود الدؤلي» ، والشاهد فيه : وصل الضمير المنصوب بـ «كان» ، فإن القياس : «فإن لا يكن إياها أو تكن إياه».

ينظر : ديوانه ١٦٢ ، ٣٠٦ ، وأدب الكاتب ٤٠٧ ، إصلاح المنطق ٢٩٧ ، وتخليص الشواهد ٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٢٧ ، ٣٣١ ، والرد على النحاة ١٠٠ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠٧ ، والكتاب ١ / ٤٦ ، ولسان العرب (كنن) (لبن) ، والمقاصد النحوية ١ / ٣١٠ ، وبلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٨٢٣ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٣ ، والمقتضب ٣ / ٩٨.

(٤) م : وقولى : «وهو أن يكون الخبر ضميرا متصلا والاسم ظاهرا ...» إلى آخره مثال تقديم الخبر على المخبر عنه لكونه ضميرا متصلا والاسم ظاهرا قولك : عمرو كأنه زيد أى : كأنه مثله ، ومثال تقديمه عليه لكونه نكرة لا مسوغ للإخبار عنها إلا كون خبرها ظرفا أو مجرورا مقدما عليها قولك : كان فى الدار رجل ، وكان عندك امرأة ، ومثال تقديمه على الاسم لكون

١٤٨

أو يكون الاسم نكرة لا مسوّغ للابتداء بها ، إلا كون خبرها ظرفا أو مجرورا متقدما عليها ، أو يكون الاسم مقرونا بإلا أو فى معنى المقرون بها ، أو يتصل بالاسم ضمير يعود على شىء فى الخبر.

وقسم يلزم تأخيره عنه ، وهو : أن يكون الخبر ضميرا متصلا والاسم / كذلك (١) ، أو يعدم الفارق بين الاسم والخبر ، أو يكون الخبر فعلا مرفوعه ضمير مستتر فيه ، أو يكون الخبر مقرونا بإلا أو فى معنى المقرون بها.

وقسم أنت فيه بالخيار ، وهو : ما عدا ذلك.

وإذا كان للخبر معمول : فإن قدمته وحده على الخبر جاز ، ما لم يكن في الخبر مانع من الموانع التى تمنع من تقديم المفعول على العامل (٢) ، وإن قدمته على الاسم جاز إن كان ظرفا أو مجرورا ، ولم يجز فيما عدا ذلك (٣) ، وإن قدمته (٤) على الفعل جاز ؛ وعلى ذلك قوله [من الطويل] :

٣٥ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (٥)

__________________

الاسم مقرونا بإلا أو فى معنى المقرون بها قولك : لم يكن القائم إلا زيد ، وإنما كان القائم زيد أى : لم يكن القائم إلا زيد ، ومثال أن يتصل بالاسم ضمير يعود على شىء فى الخبر كان فى الدار صاحبها. أه.

(١) م : وقولى : «وقسم يلزم تأخيره عنه وهو أن يكون الخبر ضميرا متّصلا والاسم كذلك» إلى آخره مثال ذلك : زيد كنته ، أى : كنت مثله ، ومثال كون الخبر مقرونا بإلا : ما كان زيد إلا قائما : ومثال كونه فى معنى المقرون بها : إنما كان زيد قائما ، تريد : ما كان زيد إلا قائما ، ومثال عدم الفارق بين الاسم والخبر : كان موسى عيسى أى : مثله.

وقولى : «وإذا كان للخبر معمول فإن قدمته وحده على الخبر جاز» مثال ذلك : كان زيد طعامك آكلا. أه.

(٢) م : وقولى : «ما لم يكن فى الخبر مانع من الموانع التى تمنع من تقديم المفعول على العامل» مثال ذلك : كان زيد ما يريد عمرا ، لا يجوز أن تقول : كان زيد عمرا ما يريد. أه.

(٣) م : وقولى : «وإن قدمته على الاسم جاز إن كان ظرفا أو مجرورا ، ولم يجز فيما عدا ذلك» مثال جوازه فى الظرف والمجرور قولك : كان فى الدار زيد قائما ، وكان عندك زيد جالسا ، ومثال امتناعه فيما عدا ذلك : كان زيد آكلا طعامك ، لا يجوز فيه : كان طعامك زيد آكلا. أه.

(٤) في ط : في الديوان : وإن قدمته.

(٥) البيت للمعلوط بن بدل القريطي.

وفي البيت شاهدان : أولهما قوله : «ما إن رأيته» حيث زاد «إن» بعد «ما» المصدرية الظرفية. وثانيهما قوله : «خيرا لا يزال يزيد» حيث قدم معمول خبر «لا يزال» على «لا

١٤٩

وإن قدمته مع الخبر على الاسم ـ فلا يخلو من أن يكون ظرفا أو مجرورا أو غير ذلك :

فإن كان ظرفا أو مجرورا جاز (١) ، وإن كان غير ذلك ، فلا يخلو أن يكون قبل الخبر أو بعده :

فإن كان قبله ، لم يجز (٢) ؛ نحو قولك : «كان طعامك آكلا زيد» وإن كان بعده ، جاز (٣) ؛ نحو قولك : «كان آكلا طعامك زيد».

وإن قدمتها على الفعل ، لم يجز ذلك إلا حيث يجوز تقديم الخبر وحده (٤).

وإذا اجتمع فى هذا الباب اسمان : فإمّا أن يكونا معرفتين ، أو نكرتين ، أو معرفة ونكرة :

فإن كانا معرفتين ، جعلت الذى تقدر المخاطب يجهله الخبر (٥) ، فإن كان يعلمهما إلا أنّه يجهل النسبة ، فالمختار جعل الأعرف منهما الاسم ، والأقل تعريفا الخبر (٦) ، وقد

__________________

يزال» نفسها.

ينظر : شرح التصريح ١ / ١٨٩ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٥ ، ٧١٦ ، ولسان العرب (أنن) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٥٢ ، ٩٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٨٧ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٤٦ ، والجنى الداني ص ٢١١ ، وجواهر الأدب ص ٢٠٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٤٣ ، والخصائص ١ / ١١٠ والدرر ٢ / ١١٠ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧٨ ، وشرح المفصل ٨ / ١٣٠ ، والكتاب ٤ / ٢٢٢ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٥. وهمع الهوامع ١ / ١٢٥.

(١) م : وقولى : «وإن قدمته مع الخبر على الاسم ، فلا يخلو من أن يكون ظرفا أو مجرورا أو غير ذلك ، فإن كان ظرفا أو مجرورا جاز» مثال ذلك : كان فى الدار قائما زيد. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كان غير ذلك فلا يخلو من أن يكون قبل الخبر أو بعده ، فإن كان قبله لم يجز» مثال ذلك : كان طعامك آكلا زيد ، لا يجوز ذلك ؛ لأنك أوليت كان ما ليس اسما لها ولا خبرا. أه.

(٣) م : وقولى : «وإن كان بعده جاز» مثال ذلك : كان آكلا طعامك زيد. أه.

(٤) م : وقولى : «فإن قدمتهما على الفعل لم يجز ذلك إلا حيث يجوز تقديم الخبر وحده» مثال ذلك : طعامك آكلا كان زيد ، لا يمتنع ذلك كما لا يمتنع قائما كان زيد ، ولا تقول : طعامك آكلا ما كان زيد ، كما لا يجوز أن تقول قائما ما كان زيد. أه.

(٥) م : وقولى : «فإن كانا معرفتين جعلت الذى تقدر المخاطب يجهله ـ الخبر» مثال ذلك : كان زيد أخا عمرو ، إن قدرت المخاطب يعلم زيدا ، ويجهل أنه أخو عمرو ، فإن قدرت المخاطب يعلم أخا عمرو ويجهل أنه زيد قلت : كان أخو عمرو زيدا. أه.

(٦) م : وقولى : «فإن كان يعلمهما إلا أنه يجهل النسبة ، فالمختار جعل الأعرف منهما الاسم والأقلّ تعريفا الخبر» مثال ذلك قولك : كان زيد غلام الملك ، وكان غلام الملك زيدا إذا قدرت المخاطب يعلم زيدا بالسماع ، ويعلم غلام الملك بالسماع ـ أيضا ـ أو بالسماع

١٥٠

يجوز عكس ذلك ، فإن كانا فى رتبة واحدة من التعريف ، جعلت أيّهما شئت الاسم ، والآخر الخبر (١).

وإن كانا نكرتين ، جعلت الاسم التى لها مسوغ للإخبار عنها ، والأخرى الخبر (٢) ، ولا يجوز عكس ذلك.

فإن كان لكل واحدة منهما مسوّغ : جعلت أيّهما شئت الاسم ، والأخرى الخبر (٣) ، وإن كان أحدهما معرفة والآخر نكرة ، جعلت الاسم المعرفة والنكرة الخبر (٤) ، ولا يجوز عكس ذلك إلا فى الشّعر (٥).

__________________

والعيان إلا أنه يجهل أن زيدا المعلوم عنده بالسماع هو غلام الملك المعلوم عنده أيضا بالسماع ، أو بالسماع والعيان ، فالاسمان على هذا غير مجهولين ، وإنما المجهول نسبة أحدهما إلى الآخر ؛ فلذلك جاز فى كل واحد منهما أن يجعل اسما وخبرا إلا أنّ جعل زيد اسما وغلام الملك الخبر أولى ؛ لأن العلم أعرف من المضاف إلى ما عرّف بالألف واللام. أه.

(١) م : وقولى : «وإن كانا فى رتبة واحدة من التعريف ، جعلت أيهما شئت الاسم والآخر الخبر» مثال ذلك : كان زيد صاحب عمرو ، وإن شئت قلت : كان صاحب عمرو زيدا وإنما تساويا فى الحسن ؛ لأن المضاف إلى العلم فى رتبة العلم في التعريف أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كانا نكرتين جعلت الاسم التى لها مسوغ للإخبار عنها والأخرى الخبر» مثال ذلك : كان خير من زيد امرأة ، جعلت خيرا اسم كان ؛ لأن فيها مسوغا للإخبار عنها وهو مقاربتها للمعرفة ، ولا يجوز أن تقول : كانت امرأة خيرا من زيد. أه.

(٣) م : وقولى : «فإن كان لكل واحدة منهما مسوغ ، جعلت أيهما شئت الاسم والآخر الخبر» مثال ذلك : كان خير من زيد شرّا من عمرو ، وكان شرّ من عمرو خيرا من زيد. أه.

(٤) م : وقولى : «وإن كان أحدهما معرفة والآخر نكرة ، جعلت الاسم المعرفة والنكرة الخبر» مثال ذلك : كان زيد قائما. أه.

(٥) م : وقولى : «ولا يجوز عكس ذلك إلا فى الشعر» ، مثال ذلك قوله : [من الوافر]

قفى قبل التّفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا

[البيت للقطامى فى ديوانه ص ٣١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٧ ، والدرر ٣ / ٥٧ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٤٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٤٩ ، والكتاب ٢ / ٢٤٣ ، ولسان العرب (ضبع) ، (ورع) ، واللمع ص ١٢٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٩٥ ، والمقتضب ٤ / ٩٤ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ٩ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٩٣ ، والدرر ٢ / ٧٣ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٦٨ ، وشرح المفصل ٧ / ٩١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٥٢]. أه.

١٥١

باب الأفعال الجارية مجرى كان وأخواتها

وأعنى بذلك أفعال المقاربة ، وهى : عسى ويوشك واخلولق وكاد وكرب وأخذ وجعل وطفق ، بفتح الفاء وكسرها ، وهذه الأفعال كلّها / داخلة على المبتدأ والخبر ؛ ككان وأخواتها ، فما كان اسما لكان ، كان اسما لها.

وأما أخبارها : فلا تكون إلا أفعالا ، فأما عسى ويوشك واخلولق : فلا تقع الأفعال موقع أخبارها إلا مع «أن» (١) ، وقد تحذف مع عسى ويوشك ، وهو قليل ، وبابه الشعر ؛ ومنه قوله [من الوافر] :

٣٦ ـ عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب (٢)

وقول الآخر [من المنسرح] :

٣٧ ـ يوشك من فرّ من منيّته

فى بعض غرّاته يوافقها (٣)

__________________

(١) م : باب الأفعال الجارية مجرى كان وأخواتها قولى : «فأما عسى ويوشك واخلولق ، فلا تقع الأفعال موقع أخبارها إلا مع أن» مثال ذلك : عسى زيد أن يقوم ، ويوشك عمرو أن يخرج ، واخلولق زيد أن يتوب. أه.

(٢) البيت من قصيدة لـ «هدبة بن خشرم» ، قالها في الحبس ، الكرب : الهم. قال ابن المستوفي : روى بفتح التاء وضمها من (أمسيت). والنحويون إنما يروونه بالضم ، والفتح عندى أولى ، لأنه يخاطب ابن عمه أبا نمير ، وكان معه في السجن.

والشاهد فيه قوله : «يكون وراءه» حيث وقع خبر «عسى» فعلا مضارعا مجردا من «أن» المصدرية ، وهذا قليل.

ينظر : خزانة الأدب ٩ / ٣٢٨ ، ٣٣٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢ ، والدرر ٢ / ١٤٥ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٤٣ والكتاب ٣ / ١٥٩ ، واللمع ص ٢٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٤ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٢٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٣١٢ ، وتخليص الشواهد ص ٣٢٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣١٦ ، والجنى الداني ص ٤٦٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٥ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٦ ، وشرح المفصل ٧ / ١١٧ ، ١٢١ ، ومغنى اللبيب ص ١٥٢ ، والمقتضب ٣ / ٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

(٣) البيت لأمية بن أبي الصلت ، ونسب لرجل من الخوارج ولعمران بن حطان والشاهد في : مجىء خبر «يوشك» غير مقترن بـ «أن» وهذا قليل.

ينظر : ديوانه ص ٤٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٧ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٦ ، والعقد الفريد ٣ / ١٨٧ ، والكتاب ٣ / ١٦١ ، ولسان العرب (بيس) ،

١٥٢

وأما كاد وكرب : فتقع الأفعال موقع خبريهما بغير «أن» (١) ، وقد تدخل عليهما «أن» ، وذلك قليل ، وبابه الشّعر ؛ ومنه قوله [من الرجز] :

 ٣٨ ـ ...................

قد كاد من طول البلى أن يمصحا (٢)

وقول الآخر [من الطويل] :

 ٣٩ ـ ............... ـ ...

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا (٣)

وأما أخذ وجعل وطفق : فلا تقع الأفعال موقع أخبارها إلّا بغير «أن» (٤).

والسبب فى ذلك : أن عسى ويوشك واخلولق فيها تراخ ، فلما كانت الأفعال التى فى موضع أخبارها مستقبلة ، أدخلوا عليها أن المخلّصة للاستقبال.

__________________

(كأس) ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٧ ، ولعمران بن حطان في ديوانه ص ١٢٣ ، ولأمية أو لرجل من الخوارج في تخليص الشواهد ص ٣٢٣ ، والدرر ٢ / ١٣٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٢ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٩ ، ١٣٠.

(١) م : وقولى : «وأما كاد وكرب فتقع الأفعال موقع خبريهما بغير أن» مثال ذلك : كاد زيد يقوم ، وكرب زيد يخرج. أه.

(٢) البيت لرؤبة بن العجاج.

والشاهد فيه : دخول «أن» بعد «كاد» ضرورة والمشهور إسقاطها.

ينظر : ملحق ديوانه ١٧٢ ، الدرر ١٤٢ ، شرح شواهد الإيضاح ٩٩ شرح المفصل ٧ / ١٢١ ، الكتاب ٣ / ١٦٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢١٥ ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٤١٩ وأسرار العربية ص ٥ وتخليص الشواهد ص ٣٢٩ ، ولسان العرب (مصح) ، والمقتضب ٣ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

(٣) عجز بيت لأبي زيد الأسلمي وصدره :

سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما

 ............

والشاهد فيه : قوله «أن تقطعا» حيث جاء خبر «كرب» فعلا مضارعا مقترنا بـ «أن» والأكثر عدم الاقتران وهذا نادر فى خبر هذا الفعل.

ينظر : تخليص الشواهد ص ٣٣٠ ، والدرر ٢ / ١٤٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ، شرح عمدة الحافظ ص ٨١٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٩٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٣ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٥٥ ، وشرح ابن عقيل ص ١٩٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

(٤) م : وقولى : «وأما أخذ وجعل وطفق فلا تقع الأفعال موقع أخبارها إلا بغير أن» مثال ذلك : جعل زيد يضحك ، وأخذ يقوم ، وطفق يمشى ، قال تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) [طه : ١٢١]. أه.

١٥٣

وأما أخذ وجعل وطفق : فالأفعال الواقعة موقع أخبارها أحوال ؛ فلم يسغ لذلك دخول أن عليها.

وأما كاد وكرب : فلمقاربة ذات الفعل ، فمن أدخل أن على أخبارهما ، فتشبيها لهما بعسى ؛ لأنها مستقبلة ، ومن لم يدخلها ، فتشبيها لهما بجعل ؛ لكثرة المقاربة ؛ ألا ترى أن معنى قولك : «كاد زيد يقوم» : قارب القيام حتى لم يبق بينه وبين الدخول فيه زمن ؛ كما أن الذين حذفوا أن من خبر عسى ويوشك شبّهوهما بكاد.

ولا تقع الأسماء موقع أخبار هذه الأفعال ـ وإن كان ذلك هو الأصل فى الكلام ـ نحو قولهم : «عسى الغوير أبؤسا» (١) ، أو فى ضرورة ؛ نحو قوله [من الرجز] :

٤٠ ـ أكثرت فى العذل ملحّا دائما

لا تكثرن إنّى عسيت صائما (٢)

وإنما رفض هنا الاسم ، وإن كان الأصل ؛ لأنّ المناسبة التى قصدوها بين هذه الأفعال وأخبارها لا تتصوّر فى الأسماء.

وقد تسدّ «أن» مع صلتها مسدّ الاسم والخبر فى «عسى» و «يوشك» ، فتقول : عسى أن تقوم ، ويوشك أن تقوم ؛ كما سدّت مسد المفعولين فى : «ظننت وأخواتها».

وقد تقدم أخبار هذه الأفعال على أسمائها / ؛ فتقول : «عسى أن يقوم زيد ، ويوشك أن يقوم عمرو» على أن يكون زيد اسم عسى ، وعمرو اسم يوشك ، وأن والفعل فى موضع الخبر.

وإذا اتصل بعسى ضمير متكلم أو مخاطب ، جاز فيها أن تبقى على وزنها ، وأن

__________________

(١) ينظر معجم الأمثال ٢ / ٣٤١.

(٢) البيت لرؤبة. والشاهد فيه مجيء خبر «عسى» ، وهو قوله «صائما» مفردا.

ينظر ديوانه ص ١٨٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٢ ، والخصائص ١ / ٨٣ ، والدرر ٢ / ١٤٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٦١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ، والخزانة ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، والجنى الداني ص ٤٦٣ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٤٤٤ ، وشرح ابن عقيل ص ١٦٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٨٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ١٤ ، مغني اللبيب ١ / ١٥٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

١٥٤

تكون على وزن «فعل» بكسر العين فتقول : «عسيت أن أقوم ، وعسيت أن تقوم» بفتح العين وكسرها.

وإذا كان فاعلها ظاهرا أو ضمير غيبة ، لم تستعمل إلا على «فعل» بفتح العين ، ما عدا ضمير جماعة المؤنثات ، فإنها تستعمل معه باللغتين.

وتقول فى التثنية والجمع : «الزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا ، والهندات عسى أن يقمن» إن لم تقدّر فى عسى ضميرا ؛ بل تكون أن وصلتها فى موضع الاسم والخبر ، فإن جعلتها متحملة للضمير ، قلت : «عسيا وعستا وعسوا وعسين».

ولا يكون فاعل الفعل الواقع فى موضع أخبار أخوات عسى إلا ضميرا عائدا على أسمائها ، فأما قوله [من البسيط] :

٤١ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلنى

ثوبى فأنهض نهض الشّارب الثّمل (١)

فعلى إقامة السبب ، وهو الإثقال مقام المسبّب ، وهو النهوض نهض الشارب الثمل ، والمعنى : وقد جعلت أنهض نهض الشارب الثمل لإثقال ثوبى إياى ، فقدّم ذكر السبب ؛ كما قال تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢] ؛ فاستشهاد الرجل والمرأتين ليس سببه ضلال إحداهما ؛ بل التذكير

__________________

(١) اختلف في نسبة البيت بين عمرو بن أحمر الباهلي ، وأبي حية النمري ، والحكم بن عبدل.

ويروي عجز البيت هكذا :

 ............

ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر

قال البغدادي. القافية رائية لا لامية كما وقع في إنشاد النحويين.

والشاهد فيه تقديم ذكر السبب ؛ وهو الإثقال على المسبب ؛ وهو النهوض نهض الشارب الثمل ، وفيه شاهد آخر هو مجىء «جعل» للشروع ، وخبره جملة شرطية مصدرة بإذا.

ينظر ملحق ديوان عمرو بن أحمر ص ١٨٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ولأبي حية النمري في الحيوان ٦ / ٤٨٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٧٤ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٧٣ ، ولابن أحمر أو لأبي حية النمري في الدرر ٢ / ١٣٣ ، ولأبي حية أو للحكم بن عبدل في شرح شواهد المغني ٢ / ٩١١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٠٥ ، وشرح الأشموني ١ / ١٣٠ ، وشرح التصريح ١ / ٢٠٦ ، ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٩.

١٥٥

إن ضلت ، فعومل الضلال معاملة التذكير ؛ لما كان سببه.

وقد تعمل عسى عمل : لعلّ إذا كان الاسم الواقع بعدها ضميرا ؛ فيقال : عساك أن تقوم وعسانى أن أخرج ؛ قال [من الوافر] :

٤٢ ـ ولى نفس أقول لها إذا ما

تنازعنى : لعلّى أو عسانى (١)

* * *

__________________

(١) البيت لعمران بن حطان.

والشاهد فيه قوله : «عساني» حيث اتصل ضمير النصب بـ «عسى» مما يدل على أن «عسى» حرف بمعنى «لعل».

ينظر : تذكرة النحاة ص ٤٤٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٣٣٧ ، ٣٤٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٤ ، وشرح التصريح ١ / ٢١٣ ، وشرح المفصل ٣ / ١٢٠ ، ٧ / ١٢٣ ، والكتاب ٢ / ٣٧٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٢٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٤٩٥ ، الجنى الداني ص ٤٦٦ ، والخزانة ٥ / ٣٦٣ ، والخصائص ٣ / ٥ ، ورصف المباني ص ٢٤٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠ ، ١١٨ ، والمقتضب ٣ / ٧٢.

١٥٦

باب ما ولا ولات

اعلم : أن «ما» لها شبهان : عامّ وخاصّ :

فالعامّ : شبهها بالحروف التى لا تخصّ الاسم بالدخول عليه ؛ إذ هى غير خاصّة بالاسم.

والخاصّ : شبهها بـ «ليس» فى أنها للنفى ، وأنها إن دخلت على المحتمل ، خلصته للحال ؛ كم أنّ «ليس» كذلك (١).

فبنو تميم / راعوا الشبه العام ؛ فلم يعملوها ، وأهل الحجاز ونجد راعوا الشبه الخاصّ ، فأعملوها عمل ليس ، إلا أنهم لم يعملوها عملها إلا بشروط ثلاثة (٢) :

أحدها : أن يكون الخبر غير موجب.

والآخر : ألا يتقدّم الخبر على اسمها ، وليس بظرف ولا مجرور.

والثالث : ألا يفصل بينها وبين الاسم بـ «إن» الزائدة.

فإن فقد شىء من ذلك ، رجعوا إلى اللغة التميمية (٣) ، فأما قول الفرزدق (٤)

__________________

(١) م : باب ما ولا ولات وقولى : «وأنّها إن دخلت على المحتمل خلّصته للحال كما أن ليس كذلك» مثال ذلك قولك : ما زيد قائما ، ألا ترى أن قائما من قولك : زيد قائم يحتمل الحال وغيره ، وإن كان أظهر فى الحال ، فلما دخلت ما النافية خلّصته للحال ؛ كما أن ليس كذلك ، وقد تقدم تبيين ذلك فى موضعه. أه.

(٢) م : وقولى : «إلا أنهم لم يعملوها عملها إلا بثلاثة شروط» إلى آخره ، مثال ذلك قولك : ما زيد قائما. أه.

(٣) م : وقولى : «فإن فقد شئ من ذلك رجعوا إلى اللغة التميمية» مثال ذلك قولك : ما زيد إلا قائم ، رفعت الخبر لما كان موجبا ، وكذلك أيضا ترفع الخبر فى مثل قولك : ما قائم زيد ؛ لتقدمه ، وليس بظرف ولا مجرور ، وكذلك أيضا ترفع الخبر فى مثل قولك : ما إن زيد قائم ، لفصلك بينها وبين الاسم بإن الزائدة. أه.

(٤) همام بن غالب بن صعصعة التيمي الدارمي ، أبو فراس ، الشهير بالفرزدق : شاعر ، من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، كان يقال : لو لا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة ، ولو لا شعره لذهب نصف أخبار الناس يشبه بزهير بن أبي سلمى. وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى : زهير في الجاهليين ، والفرزدق في الإسلاميين ، وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفا في قومه وفي شرح نهج البلاغة : كان الفرزدق لا ينشد بين يدى الخلفاء إلا قاعدا وقد جمع بعض شعره في ديوان ،

١٥٧

[من البسيط] :

٤٣ ـ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (١)

ف «مثلهم» : مرفوع إلا أنه مبنى على الفتح ؛ لإضافته إلى مبنىّ (٢) ؛ نحو قول الآخر [من الرمل] :

٤٤ ـ تتداعى منخراها بدم

مثل ما أثمر حماض الجبل (٣)

__________________

و «نقائض جرير والفرزدق» ثلاثة مجلدات ينظر الأعلام ٨ / ٩٣ ، ابن خلكان ٢ / ١٩٦ ، جمهرة أشعار العرب ١٦٣.

(١) هذا البيت من قصيدة للفرزدق يمدح بها عمر بن عبد العزيز الأموي.

والشاهد فيه : مجىء «مثل» مبنيّا على الفتح ، لإضافته إلى مبنى ، وهو الضمير «هم» وهو فى الأصل مرفوع وفيه شاهد آخر أن «ما» الحجازية عملت مع تقدم خبرها على اسمها.

ينظر : ديوانه ١ / ١٨٥ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٢٠٩ ، ٣ / ١٢٢ ، وتخليص الشواهد ص ٢٨١ ، والجنى الداني ص ١٨٩ ، ٣٢٤ ، ٤٤٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣٣ ، ١٣٨ ، والدرر ٢ / ١٠٣ ، ٣ / ١٥٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٢ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٣٧ ، ٢ / ٧٨٢ ، والكتاب ١ / ٦٠ ، ومغني اللبيب ص ٣٦٣ ، ٥١٧ ، ٦٠٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٦ ، والمقتضب ٤ / ١٩١ والهمع ١ / ١٢٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٨٠ ، ورصف المباني ص ٣١٢ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢٢ ، ومغني اللبيب ص ٨٢.

(٢) م : وقولى : «فمثلهم مرفوع إلا أنه بنى على الفتح لإضافته إلى مبنى» إن اعترض ذلك معترض فقال : لا يسوغ ذلك ؛ لأن مثلا فى بيت الفرزدق مضاف إلى مضمر ، والمضمر ـ وإن كان مبنيّا ـ فإنه يرد الأشياء إلى أصولها ، ألا ترى أنك تقول : بك لأفعلن ، ولا يجوز أن تقول : تك لأفعلن ، ولا : وك لأخرجنّ ، بل لا يجر المضمر من حروف القسم إلا الباء ؛ لأنها الأصل فى باب القسم ، وكذلك أيضا تقول : أعطيتموا زيدا درهما وأعطيتم زيدا درهما ، فإذا قلت : الدرهم أعطيتموه زيدا ، لم يجز أن تقول : أعطيتمه زيدا ، بل يلزم الأصل بسبب الضمير وأمثال ذلك كثيرة ؛ فكذلك ينبغى أن لا يبنى «مثل» لإضافتة إلى الضمير ؛ لأن الضمير كثيرا ما يرد الأشياء إلى أصولها ، فالجواب أنه قد استقر من كلام العرب بناء المضاف إلى المضمر ؛ أنشد الكوفيون : [من الرجز]

لم يبق إلا المجد والقصائدا

غيرك يابن الأكرمين والدا

[ينظر : همع الهوامع ١ / ٢٢٣ ، الدرر ١ / ١٩١].

فغير فاعل «يبقى» ، وقد بنى لإضافته إلى المضمر ؛ ألا ترى أنك إن لم تجعله فاعلا ، لزمك حذف الفاعل وحذفه لا يسوغ. أه.

(٣) والشاهد فيه أن «مثل» مبنى لإضافته إلى غير متمكن ، و «ما» مصدرية ، وهي مع ما بعدها في تأويل مصدر مضاف إليه.

١٥٨

وكذلك قول الآخر [من الطويل] :

٤٥ ـ وما الدّهر إلا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذّبا (١)

يتخرّج على أن يكون «معذّب» مصدرا كممزّق ؛ وكذلك : منجنون ، التقدير :

وما الدهر إلا دوران منجنون ، وما صاحب الحاجات إلا تعذيبا ؛ فيكون من باب «ما أنت إلا سيرا».

ويجوز دخول الباء فى خبرها ، تأخر عن الاسم أو تقدم عليه ؛ نحو قوله : [من الوافر] :

__________________

ينظر : الأشباه والنظائر ٥ / ٢٩٦ ، ورصف المباني ص ٣١٢ ، وشرح المفصل ٨ / ١٣٥ ، ولسان العرب (حمض).

(١) هذا البيت نسبه ابن جني في كتاب «ذا القد» لبعض العرب ، قيل : هو من بني سعد.

والمنجنون : الدولاب الذي يستقي عليه ، وهو مؤنث. قال ابن جني (في شرح تصريف المازني المسمى بالمنصف) : ليس منجنون من ذوات الخمسة ، هذا محال ، لأجل تكرير النون ، وإنما هو مثل حندقوق ملحق بعضرفوط ولا يجوز أن تكون الميم زائدة ؛ لأنا لا نعلم في الكلام مفعلولا. ولا يجوز أن تكون الميم والنون جميعا زائدتين ، على أن تكون الكلمة ثلاثية من لفظ الجن ، من جهتين : إحداهما أنك كنت تجمع في أول الكلمة زيادتين وليست الكلمة جارية على فعل مثل منطلق ومستخرج. والأخرى : أنا لا نعلم في الكلام منفعولا فيحمل هذا عليه. ولا يجوز أيضا أن تكون النون وحدها زائدة لأنها قد ثبتت في الجمع في قولهم : مناجين ، ولو كانت زائدة لقيل : مجاجين ، فإذا لم يجز أن تكون الميم وحدها زائدة ، ولا النون وحدها زائدة ، ولا أن يكونا كلتاهما زائدتين ، لم يجز إلا أن يكونا أصلين وتجعل النون لاما مكررة ، وتكون الكلمة مثل : حندقوق ملحقة بعضرفوط.

والشاهد فيه إعمال «ما» مع انتقاض خبرها بـ «إلا» وهذا شاذ ، وخرّج أيضا غير تخريج المصنف على أنه بتقدير : وما الدهر إلا يشبه منجنونا وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا ، فهما منصوبان بالفعل الواقع خبرا ، وقيل : يجوز أن يكون «منجنونا» منصوب على الحال ، والخبر محذوف ، أي : وما الدهر إلا مثل المنجنون لا يستقر في حاله ، وعلى هذا تكون عاملة قبل انتقاض نفيها ، وكذا يكون التقدير في الثاني ، أي : وما صاحب الحاجات موجودا إلا معذبا ، ولا تقدر ، هنا ، «مثل» لأن الثاني هو الأول.

ينظر : شرح شواهد المغني ص ٢١٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٧٦ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧١ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣٠ ، ٩ / ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، والدرر ٢ / ٩٨ ، ٣ / ١٧١ ، ورصف المباني ص ٣١١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢١ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٧٥ ، ومغني اللبيب ص ٧٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٣ ، ٢٣٠.

١٥٩

٤٦ ـ أما والله أن لو كنت حرّا

وما بالحرّ أنت ولا القمين (١)

وإذا أتيت بعد حرف العطف باسم واحد ، فإن كان حرف العطف يقتضى الإيجاب ، رفعت ليس إلا ؛ نحو قولك : «ما زيد قائما لكن قاعد ، وبل قاعد» ، وإن كان لا يقتضيه وعطفته على الخبر ـ كان المعطوف على حسبه إن كان مرفوعا أو منصوبا (٢) ، وإن كان مخفوضا ، جاز فيه الحمل على الموضع ، فترفع إن قدرتها تميمية ، وتنصب إن قدرتها حجازية ، والحمل على اللفظ ؛ فتخفض (٣).

فإن أتيت بعد حرف العطف بصفة وموصوف ، وأوليت الوصف الحرف ، وكان الموصوف سببيّا (٤) من اسمها ، كان الوصف على حسب الخبر إن كان مرفوعا (٥) ، ويجوز فيه الرفع والنصب إن كان منصوبا (٦) ، ويجوز فيه الرفع والنصب والخفض إن

__________________

(١) البيت بلا نسبة فى : الإنصاف ١ / ١٢١ ، خزانة الأدب ٤ / ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٠ / ٨٢ ، الجنى الداني ٢٢٢ ، جواهر الأدب ١٩٧ ، والدرر ٤ / ٩٦ ، ٢١٩ ، رصف المباني ١١٦ ، شرح التصريح ٢ / ٢٣٣ ، شرح شواهد المغني ١ / ١١١ ، مغني اللبيب ١ / ٣٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٠٩ ، همع الهوامع ٢ / ١٨ ، ٤١.

والشاهد فيه : دخول حرف الجر فى خبر «ما» ؛ حيث دخل حرف الجر «الباء» على الخبر «الحر» وفيه شاهد آخر وهو زيادة «أن» بعد القسم.

(٢) م : وقولى : «وإن كان لا يقتضيه وعطفته على الخبر ، كان المعطوف على حسب الخبر إن كان مرفوعا أو منصوبا» مثال ذلك : ما زيد قائما ولا قاعدا ، وما زيد قائم ولا قاعد. أه.

(٣) م : وقولى : «وإن كان مخفوضا جاز فيه الحمل على الموضع فترفع إن قدّرتها تميمية ، وتنصب إن قدرتها حجازية ، والحمل على اللفظ فتخفض» مثال ذلك : ما زيد بقائم ولا قاعد ، وإن شئت قلت : ولا قاعدا ، وإن شئت قلت : ولا قاعد ، وليس ما يزعمه الفارسى من أن الباء لا تدخل فى خبر التميمية كما لا تدخل فى خبر المبتدأ ـ بشىء ويلزمه على قياس مذهبه ألا يدخل الباء فى الخبر إذا تقدم ، فلا يقال : ما بقائم زيد ، ووجود ذلك من كلامهم يدل على أن الباء تدخل فى الخبر ، وإن لم تعمل فيه «ما». أه.

(٤) في أ: سببا.

(٥) م : وقولى : «فإن أتيت بعد حرف العطف بصفة وموصوف ، وأوليت الوصف الحرف ، وكان الموصوف سببيا من اسمها ، كان الوصف على حسب الخبر إن كان مرفوعا» مثال ذلك قولك : ما زيد قائم ولا ذاهب أخوه ، فلا يجوز فى ذاهب إلا الرفع على وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على قائم ، وأخوه مرفوع به.

والآخر : أن يكون مرفوعا على أنه خبر مقدم للمبتدأ الذى بعده ، وهو أخوه ، والجملة معطوفة على الجملة التى قبلها. أه.

(٦) م : وقولى : «ويجوز فيه الرفع والنصب إن كان منصوبا» مثال ذلك قولك : ما زيد

١٦٠