المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

المقرِّب ومعه مُثُل المقرِّب

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-0067-X
الصفحات: ٦٤٨

ولا يكون فاعلهما إلا ما عرّف بالألف واللام ، أو ما أضيف إلى ذلك ؛ نحو قولهم : «نعم الرجل زيد ، ونعم غلام القوم عمرو» ، أو مضمرا على شريطة تفسيره باسم نكرة بعده ؛ نحو قولك : «نعم رجلا زيد» ؛ ومن هذا القبيل : قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : ٢٧١] ، وقوله سبحانه : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠] ، أو مضافا إلى نكرة ؛ وذلك قليل جدّا ؛ نحو قوله : [من البسيط]

١٤ ـ فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

وصاحب الرّكب عثمان بن عفّانا (١)

ولا بد من ذكر [اسم] (٢) الممدوح أو المذموم ، ومن ذكر التمييز إذا كان الفاعل مضمرا.

وقد يجوز حذف ذلك كله لفهم المعنى ، ومن كلامهم : «إن فعلت كذا وكذا ، فبها ونعمت» أى : ونعمت فعلة فعلتك ؛ بحذف التمييز واسم الممدوح ، ويكون اسم الممدوح أو المذموم أخص من الفاعل ، ولا يكون أعمّ ولا مساويا ، لا يقال : نعم الرجل إنسان ، ولا نعم البعير جمل ، عند من يجعل البعير لا يقع إلا على الجمل ؛ لأنه لا فائدة فى ذلك.

__________________

(١) اختلف في نسبة هذا البيت فقيل : هو لـ «كثير بن عبد الله النهشلي» المعروف بـ «ابن الغزبرة» ، وقيل : لـ «أوس ابن مغراء» ، وقيل : لـ «حسان بن ثابت» ، وقوله : «فنعم صاحب قوم» ، قال البغدادي : قال العينى : إشارة إلى فضل عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه يغنى يوم القيامة بالشفاعة غنى من دافع في الدنيا بسلاحه عن عزل الجماعة ، وقد يكون السلاح ـ أيضا ـ عبارة عن بذله لماله وتوسعته لصحبه. فيكون ذلك أجدى من السلاح لحامله.

هذا كلامه ، وليس معنى الشعر ، إنما معناه إشارة إلى قوله يوم الدار : «من رمي سلاحه كان حرّا».

وقوله : (صاحب الرّكب). أي : ركب الحجّ.

والشاهد فيه قوله : «فنعم صاحب قوم» حيث جاء فاعل «نعم» نكرة مضافة إلى مثلها ، وهذا جائز عند الكوفيين ، وضرورة عند البصريين.

ينظر البيت لكثير بن عبد الله في : الدرر ٥ / ٢١٣ ، شرح شواهد الإيضاح ص ١٠٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١٧ ، ولكثير أو لأوس بن مغراء أو لحسان بن ثابت في : خزانة الأدب ٩ / ٤١٥ ، ٤١٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣١ ـ وليس في ديوان حسان ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٦.

(٢) سقط في أ.

١٠١

وأما من يجعل البعير واقعا على الناقة والجمل فإن ذلك جائز عنده ؛ لأنه إذ ذاك أخص من الفاعل.

وإذا كان فاعلهما مذكرا لم يكن به عن مؤنث ـ لم تلحقهما علامة التأنيث ، وإذا كان مؤنثا لم يكن به عن مذكر ـ جاز إلحاق علامة التأنيث وإسقاطها ؛ فتقول :

«نعمت المرأة هند ، ونعم المرأة هند» ؛ لأن الفاعل إنما يراد به الجنس ، وكأنك جعلت الممدوح أو المذموم جميع الجنس ؛ على حد قولهم : «أكلت شاة كل شاة» لما أثنوا على الشاة بالسمن ، جعلوها جميع الجنس.

فإذا قلت : «زيد نعم الرجل ، وزيد بئس الرجل» وجعلت زيدا جمع جنس الرجال الممدوحين أو المذمومين ؛ فصار قولك : المرأة بمنزلة : النساء ؛ كما تقول : «قام النساء ، وقامت النساء» ؛ فكذلك تقول : «نعم المرأة ، ونعمت المرأة».

فإن كان المذكر قد كنى به عن مؤنث ، ألحقتهما علامة التأنيث إن شئت (١) ؛ نحو قولك : «هذه الدار نعمت البلد» ؛ لأنّ البلد هنا كناية عن الدار ؛ وعلى ذلك قول ذى الرمة / (٢) [من البسيط] :

١٥ ـ أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة

دعائم ، الزّور نعمت زورق البلد (٣)

__________________

(١) م : وقولى : «فإن كان المذكر قد كنى به عن مؤنث ، ألحقتهما علامة التأنيث إن شئت «مثال ترك إلحاق علامة التأنيث قوله تعالى : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) [ص : ٥٦] فالمهاد ـ وإن كان مذكرا ـ قد كنى به عن مؤنث ؛ لأن جهنم مؤنثة ـ أعاذنا الله منها ـ لكن لم تلحق علامة التأنيث رعيا للفظ «المهاد» ، ومن راعى المعنى ، ألحق علامة التأنيث ؛ كما فعل فى بيت ذى الرّمة المذكور فى الكتاب [وهو بيت رقم ١٥ المذكور فى النص]. أه.

(٢) غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي ، من مضر ، أبو الحارث ، ذو الرمة : شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو عمرو بن العلاء : فتح الشعر بامرئ القيس ، وختم بذي الرمة. كان أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال ، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين. وكان مقيما بالبادية يحضر إلى اليمامة والبصرة كثيرا ، وامتاز بإجادة التشبيه ولد سنة (٧٧ ه‍) وتوفي بأصبهان وقيل : البادية سنة ١١٧ ه‍.

ينظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٠٤ ، الشعر والشعراء ٢٠٦ ، الأعلام ٥ / ١٢٤.

(٣) البيت من قصيدة مدح بها بلال بن أبي بردة.

و (الحرة) : الكريمة ، وأراد بها الناقة. و «العيطل» : الطويلة العنق و (ثبجاء) بفتح المثلثة وسكون الموحدة بعدها جيم : الضخمة الثبج وهو الصدر والثبج ، بفتحتين ما بين الكاهل إلى الظهر ؛ أي : أن هذا منها عظيم. وقال ابن يعيش : ثبجاء : عظيمة السنام. و (المجفرة)

١٠٢

فالزورق مذكر ، لكن ألحقت العلامة لما كنى به عن الحرّة ، وإن كان المؤنث قد كنى به عن مذكر ـ كان ترك العلامة إذ ذاك أحسن منه قبل أن يكون كناية عنه ؛ نحو قولك : «هذا البلد نعم الدار» وإذا كان فاعلها مضمرا ، لم يبرز فى حال تثنية ولا جمع ؛ نحو قولك : «نعم رجلين الزيدان ، ونعم رجالا الزّيدون» ؛ لأنهم استغنوا بتثنية التمييز وجمعه عن ذلك ، وقد حكى الأخفش ظهور الضمير عن قوم من العرب (١) إلا أنه لم يتحقق بقاؤهم على الفصاحة لمخامرتهم أهل الحاضرة.

ولا يجوز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر إلا إذا أفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل ، فأما قول جرير (٢) [من البسيط] :

١٦ ـ والتّغلبيّون نعم الفحل فحلهم

فحلا ، وأمّهم زلاء منطيق (٣)

__________________

بضم الميم وسكون الجيم وكسر الفاء : العظيمة الجنب الواسعة الجوف. والجفرة بالضم : الوسط ، يقال : فرس مجفر وناقة مجفرة ، إذا كانت عريضة الجرم. وصفها بأنها عظيمة القوائم ، وكني عن ذلك بدعائم الزور. و (الدعائم) القوائم. و (والزور) بفتح الزاى : أعلى الصدر. وقال ابن المستوفي : دعائم الزور : الضلوع ، وكل ضلع دعامة.

والشاهد فيه : أنه قد يؤنث (نعم) لكون المخصوص بالمدح مؤنثا وإن كان الفاعل مذكرا ، فإنّه أنّث نعم مع أنه مسند إلى مذكر ، وهو زورق البلد.

لأنه يريد الناقة ، فأنث على المعنى كما أنث مع البلد في قولهم : هذه الدار نعمت البلد ، حين أراد به الدّار. وكقول الراجز :

نعمت جزاء المتّقين الجنّة

دار الأماني والمنى والمنّه.

ينظر : ديوانه (١٧٤) ، وخزانة الأدب (٩ / ٤٢٠ ، ٤٢٢) ، وشرح المفصل (٧ / ١٣٦) ، ولسان العرب (زرق) ، (نعم).

(١) م : وقولى : «وقد حكى الأخفش ظهور الضمير عن قوم من العرب» حكى ذلك فى كتابه الكبير عن ناس من بنى أسد فصحاء ، قال : لقيتهم ببغداد ، قال : منهم أبو محمد وأبو صالح إلا أنه ارتاب فيهم ؛ لمخامرتهم أهل الحاضرة. أه.

(٢) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعى ، من تميم أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمانه ويساجلهم ، وكان هجّاء مرّا ، فلم يثبت أمامه إلا الفرزدق والأخطل. وكان عفيفا وهو من أغزل الناس شعرا.

ينظر : الأعلام ٢ / ١١٩ ، وفيات الأعيان ١ / ١٠٢ وابن سلام / ٩٦ ، خزانة الأدب ١ / ٣٦ ، الشعر والشعراء ص ١٧٩.

(٣) البيت لـ «جرير بن عطية» كما ذكر المصنف

والشاهد فيه قوله : «فحلا» حيث جمع بينه ، وهو تمييز ، وبين الفاعل الظاهر على

١٠٣

فانتصاب «فحل» على أنه حال مؤكدة لا تمييز ، وأما قوله [من الوافر] :

١٧ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد ، زاد أبيك زادا (١)

فيتخرج على أن يكون «زادا» المنصوب معمولا لـ «تزوّد» ، ولا يجوز دخول «من» عليه إلا فى شذوذ من الكلام أو فى ضرورة (٢) ؛ نحو قوله [من الوافر] :

١٨ ـ تخيّره ولم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامى (٣)

__________________

سبيل التأكيد ، ورأي بعضهم أن «فحلا» حال مؤكدة.

ينظر : ديوانه ص ١٩٢ ، والدرر ٥ / ٢٠٨ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٧٨٧ ، ولسان العرب (نطق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٧ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٣٧٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٦.

(١) البيت من قصيدة لـ «جرير» مدح بها عمر بن عبد العزيز.

والشاهد فيه قوله : «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» حيث جمع بين الفاعل الظاهر ، وهو قوله : «الزاد» ، والتمييز ، وهو قوله : «زادا» ، وهذا جائز عند بعض النحاة وقد خرجه المصنف على أن «زادا» معمول لـ «تزود».

ينظر : خزانة الأدب (٩ / ٣٩٤ ـ ٣٩٩) ، والخصائص ١ / ٨٣ ، ٣٩٦ ، والدرر ٥ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٧ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٢ ، ولسان العرب (زود) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٦٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٦ ، ومغني اللبيب ص ٤٦٢ ، والمقتضب ٢ / ١٥٠.

(٢) م : وقولى : «ولا يجوز دخول «من» عليه إلا فى ضرورة» أعنى : أنه لا يجوز أن تقول : نعم من رجل ، وسبب ذلك أنه أشبه التمييز المنقول ؛ لأن الأصل في نعم رجلا : نعم الرجل ، فجعلت ضمير الرجل فاعلا ، ونقلت الرجل عن أن يكون فاعلا ، ونكّرته ونصبته على التمييز ، فأشبه التمييز المنقول من الفاعل أو المفعول ؛ نحو قولك : تصبّب زيد عرقا ، الأصل : تصبب عرق زيد ، (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) [القمر : ١٢] ، الأصل : وفجرنا عيون الأرض ؛ فكما لا يقال : تصبب زيد من عرق ، وفجرنا الأرض من عيون ، كذلك لا يقال : نعم من رجل زيد ، فأما قوله : [من الوافر].

 .........

فنعم المرء من رجل تهامى

ففيه شذوذان أحدهما : إدخال «من» على التمييز.

والآخر : الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر ، وهو المرء ، وكأن الذى سهل دخول «من» على التمييز ظهور الفاعل ؛ لأن التمييز إذ ذاك لا يشبه المنقول. أه.

(٣) البيت لـ «أبي بكر بن الأسود» المعروف بـ «ابن شعوب الليثي» وقيل بجير بن عبد الله بن سلمة.

والشاهد فيه قوله : «رجل» وهو فاعل في المعنى ، ولكنه لما كان غير محول عن الفاعل جاز فيه الجر بـ «من».

ينظر : الدرر ٥ / ٢١١ وشرح التصريح ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٩٦ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٣

١٠٤

وإذا تقدم اسم الممدوح أو المذموم على الفعل ـ كان مبتدأ ، والجملة بعده فى موضع الخبر ، وأغنى العموم عن الرابط (١) ، وإن تأخر عنه ، جاز فيه أن يكون مبتدأ ، والجملة قبله خبره (٢) ، وأن يكون خبر ابتداء مضمر ، أو مبتدأ والخبر محذوف (٣) ، تقديره : الممدوح زيد ، والمذموم زيد.

__________________

والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٧ ، ٤ / ١٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٦٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ وهمع الهوامع ٢ / ٨٦.

(١) م : وقولى : «وأغنى العموم عن الرابط» أعنى : عموم الفاعل ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : زيد نعم الرجل ، إنما تريد بالرجل جميع جنس الرجال ، وجعلت زيدا جميع جنس الرجال مبالغة فى المدح ، وأمن اللبس ؛ إذ لا يتوهّم بالرجل على هذا المعنى : أنك قصدت به غير زيد.

ونظير ذلك فى إغناء العموم عن الربط قول الشاعر : [من الطويل].

ألا ليت شعرى هل إلى أمّ مالك

سبيل؟ فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا

[البيت لابن ميّادة فى ديوانه ص ١٣٤ ، والأغانى ٢ / ٢٣٧ ، ٢٥١ ، والحماسة البصرية ٢ / ١١١ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٢ ، والدرر ٢ / ١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٦٩ ، ٢٧١ ، وشرح التصريح ١ / ١٦٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٧٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٢٣ ، وأوضح المسالك ١ / ١٩٩ ، والكتاب ١ / ٣٨٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٠١ ، وهمع الهوامع ١ / ٩٨ ، ويروى «أم معمر» بدلا من «أم مالك»]

فقوله : «فلا صبرا» جملة فى موضع خبر المبتدأ الذى هو «الصبر» ولا ضمير فيها عائد عليه ؛ لأن عموم الصبر المنفى عنه وعن غيره ، يدخل فيه نفى صبره عنها ، ولا يتصور أن يكون الرابط هنا تكرار لفظ الصبر ؛ لأن الصبر الثانى لو كان هو الأول لم يكن بد من إدخال لام التعريف عليه التى تعطى أنك أردت المعهود فى اللفظ ، وأيضا : فإن لا التى للتبرئة لا يكون الاسم الذى بعدها إلا نكرة يراد بها العموم. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن تأخر عنه ، جاز فيه أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره» إنما ساغ ذلك ؛ لأن تقديم الخبر على المبتدأ ، وهو جملة ـ سائغ ، قال الفرزدق : [من الطويل]

إلى ملك ما أمّه من محارب

أبوه ولا كانت كليب تصاهره

[ينظر ديوانه ١ / ٢٥٠ ، والخصائص ٢ / ٣٩٤ ، والدرر ٢ / ٧٠ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ٣٥٧ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٤٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٥٥ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ١٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١١٨ ، ومغنى اللبيب ١ / ١١٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١١٨]

والتقدير : أبوه ما أمّه من محارب ؛ فقدم الخبر. أه.

(٣) م : وقولى : «أو أن يكون خبر ابتداء أو مبتدأ والخبر محذوف» إنما ساغ تكلف إضمار الخبر أو المبتدأ مع إمكان ألا يكون فى الكلام حذف ؛ لأن «نعم» للمدح ، و «بئس» للذم ، وتكثير الجمل وإطالة الكلام مما يناسب المدح والذم ؛ لأنهما مقاما إسهاب وإطالة. أه.

١٠٥

وكل فعل ثلاثى يجوز فيه أن يبنى على وزن «فعل» (١) بضم العين ، ويراد به معنى المدح أو الذم ؛ وذلك فى الأفعال التى يجوز التعجب منها بقياس ، ويكون حكمه إذ ذاك كحكم نعم وبئس فى الفاعل والتمييز واسم الممدوح أو المذموم.

وما يجرى مجرى نعم وبئس فى المعنى «حبّذا» فتقول إذا أردت المدح : «حبذا زيد» ، وإذا / أردت الذم : «لا حبّذا زيد» ، وهى فى الأصل مركبة من : «حبّ وذا» الذى هو اسم إشارة ، فجعلا بمنزلة شىء (٢) واحد (٣) ، وحكم لهما بحكم الأسماء ، فإذا قلت : «حبّذا زيد» فحبّذا : مبتدأ أو خبر متقدم ، كأنك قلت : «المحبوب زيد» ؛ ولذلك لم يتغير «ذا» بحسب المشار إليه ؛ بل تقول : «حبذا الزيدان ، وحبذا الزيدون ، وحبذا الهندات» ، وكثرة (٤) إدخالهم حرف النداء على «حبذا» ؛ نحو قول جرير [من البسيط] :

١٩ ـ يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل

وحبّذا ساكن الرّيّان من كانا (٥)

__________________

(١) م : وقولى : «وكل فعل ثلاثى يجوز أن يبنى على وزن فعل ...» إلى آخره ، من ذلك قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [الكهف : ٥] ؛ ألا ترى أن فاعل «كبرت» مضمر على شريطة التفسير بما بعده ولا يعود الضمير على ما بعده ، إلا فى أبواب معلومة ، منها باب نعم وبئس ، فلو لا أن «كبرت» كلمة بمنزلة «نعم رجلا» لم يجز ذلك. أه.

(٢) في ط : اسم.

(٣) م : باب حبذا.

قولى : «فجعلا بمنزلة شئ واحد» مما يدل على أن حبّ مع ذا بمنزلة كلمة واحدة : أنه لا يجوز الفصل بينهما بشىء ؛ كما يجوز الفصل بين الفاعل والفعل ؛ لا يجوز أن تقول : حب اليوم ذا زيد ، تريد : حبذا زيد اليوم ، فلما جعلا بمنزلة شىء واحد ، غلّب حكم الاسم على الفعل ؛ لأن التركيب أغلب على الأسماء ؛ نحو : بعلبك ، منه على الأفعال ؛ نحو : هل يفعلن ، ومما يدل ـ أيضا ـ على أن «حبذا» بمنزلة الاسم ـ ما ذكرناه من كثرة مباشرته لحرف النداء. أه.

(٤) فى ط : وكثر

(٥) الشاهد فيه دخول فيه دخول حرف النداء «يا» على حبذا ؛ وهو كثير فى الشعر وفيه شاهد آخر أن «ذا» من «حبذا» لا تتبع المخصوص ، بل تلزم الإفراد والتذكير.

ينظر : ديوانه ص ١٦٥ ، والدرر ٥ / ٢٢٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٣ ، ولسان العرب (حبب) ، ومعجم ما استعجم ص ٦٩٠ ، ٨٦٧ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٨٨ ، والأول منهما بلا نسبة في أسرار العربية ص ١١١ ، والجني الداني ص ٣٥٧ ، وخزانة الأدب

١٠٦

مما يدل على أنها اسم ولذلك لم يستوحشوا من مباشرة حرف النداء لها ؛ كما استوحشوا من مباشرته الفعل ، فى نحو قوله [من الطويل] :

٢٠ ـ ألا يا اسقيانى قبل غارة سنجال

 ......... (١)

ولذلك قل ، والاسم المنتصب بعد «حبذا» جامدا كان أو مشتقّا ، تمييزه بجواز دخول «من» عليه ، تقول : «حبذا من رجل زيد ، وحبذا من راكب زيد».

__________________

١١ / ١٩٧ ، ١٩٩ ، شرح المفصل ٧ / ١٤٠.

(١) صدر بيت «للشماخ بن ضرار» وعجزه :

 .........

وقبل منايا قد حضرن وآجال

والشاهد فيه قوله : «يا اسقياني» حيث جاءت «يا» للنداء ، ويجوز أن تكون للتنبيه ، والمنادي محذوف ، أي : يا هذان.

ينظر : ملحق ديوانه ص ٤٥٦ ، وتذكرة النحاة ص ٦٨٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٢٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ، وشرح المفصل ٨ / ١١٥ وو الكتاب ٤ / ٢٢٤ ، ومعجم ما استعجم ص ٧٦٠ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥٦ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٣٧٣.

١٠٧

باب التّعجّب

التعجب استعظام زيادة فى وصف الفاعل خفى سببها ، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره ، أو قل نظيره.

فقولنا : استعظام ؛ لأن التعجب لا يتصور إلا ممن يجوز فى حقه الاستعظام ؛ ولذلك لا يجوز أن يرد التعجب من الله تعالى ، فإن ورد ما ظاهره ذلك ، صرف إلى المخاطب ؛ نحو قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] أى : هؤلاء ممن يجب أن يتعجب منهم.

وقولنا : زيادة ؛ أكثر التعجب لا يكون إلا ممن يزيد وينقص.

وأما الخلق الثابتة : فلا يجوز أن يتعجب منها إلا أن يشذ من ذلك شىء ، فيحفظ ولا يقاس عليه ، والذى شذ من ذلك : «ما أحسنه ، وما أقبحه ، وما أطوله ، وما أقصره ، وما أهوجه ، وما أحمقه ، وما أنوكه ، وما أشنعه».

وقولنا : فى وصف الفاعل : لأنه لا يجوز التعجب من فعل المفعول ؛ لا يجوز أن نقول : «ما أضرب زيدا» إذا تعجبت من الضرب الذى أوقع به ، إلا إن شذ من ذلك أيضا شىء ؛ فيحفظ ولا يقاس عليه ؛ والذى شذ منه (١) : «ما أشغله ، وما أولعه بالشىء ، وما أعجبه برأيه ، وما أحبه إلىّ ، وما أمقته عندى ، وما أبغضه إلى / ، وما أخوفه عندى» ؛ بدليل قول كعب بن زهير (٢) [من البسيط] :

٢١ ـ فلهو أخوف عندى إذ أكلّمه

وقيل إنّك محبوس ومقتول

_________________

(١) في أ: يشذ.

(٢) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني ، أبو المضرب : شاعر عالي الطبقة ، من أهل نجد ، له ديوان شعر ، كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ وأقام يشبب بنساء المسلمين فأهدر النبي دمه فجاءه «كعب» مستأمنا وقد أسلم ، وأنشده لا ميته المشهورة التي مطلعها : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول. فعفا عنه النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وخلع عليه بردته ، وهو من أعرق الناس شعرا.

ينظر : خزانة الأدب ٤ / ١١ ، ١٢ ، والشعرو الشعراء ٦١ ، وابن سلام ٢٠ ، وابن هشام ٣ / ٣٢ ، عيون الأثر ٢ / ٢٠٨ ، جمهرة أشعار العرب / ١٤٨ ـ وسمط اللآلي / ٤٢١.

١٠٨

من ضيغم بثراء الأرض مخدره

ببطن عثّر غيل دونه غيل (١)

إذ لا يبنى أفعل التى للمفاضلة إلا مما يبنى منه فعل التعجب.

وقولنا فى الحد : «خفى سببها وخرج بها المتعجب منه عن نظائره أو قل نظيره» ؛ لأنّ ما تكثر نظائره في الوجود لا يستعظم.

وللتعجب ثلاثة ألفاظ : ما أفعله ، وأفعل به ، وفعل :

فإذا أردت التعجب من فعل على طريقة «ما أفعله» فإما أن يكون مزيدا أو غير مزيد : فالمزيد : إن كان على غير وزن أفعل ـ لم يجز التعجب منه نفسه ، إلا أن يشذ من ذلك شئ ؛ فيحفظ ولا يقاس عليه ، والذى يحكى من ذلك : ما أفقره ، من «افتقر» ، وما أغناه ، من «استغنى» ، وما أتقاه ، من «اتقى» ، وما أقومه ، من «استقام» ، وما أمكنه عند الأمير ، من «تمكن» وما أملأ القربة ، من «امتلأ» القربة وما أبل زيدا أى : ما أكثر إبله ، وإنما يقال : تأبل إبلا : إذا اتخذها ؛ ولذلك لم يجز التعجب من العاهات والألوان ؛ لأن أفعالهما فى الأصل على وزن : افعلّ وافعالّ ، وهما أزيد من ثلاثة أحرف ؛ ولذلك لم يعلّوا حول وعور وسود ؛ لأنها فى معنى : احولّ ، واعورّ ، واسودّ ، وأما قوله [من البسيط] :

٢٢ ـ إذا الرّجال شتوا واشتدّ أكلهم

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ (٢)

فلا يقاس عليه ؛ لأنه ضرورة.

__________________

(١) ويروي البيت الأول :

لذاك أهيب عندي إذ أكلّمه

وقيل إنّك منسوب ومسئول

ويروي البيت الثاني :

من خادر من ليوث الأسد مسكنه

من بطن عثّر غيل بعده غيل

وعثر اسم مكان قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم : هو واد من أودية العقيق.

وقال أبو سعيد : عثر جبل بتبالة ، وهذا أصح والضيغم : الأسد.

والشاهد في الأول : «أخوف» حيث بني أفعل التفضيل من المبني للمجهول ، وهو الفعل «خيف» ، وهذا جائز إذا أمن اللبس

ينظر : ديوانه ص ٦٦ ، والدرر ٦ / ٢٦٣ ، وبلا نسبة في رصف المباني ٢٣١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٦٦.

(٢) البيت لـ «طرفة بن العبد» ابن العشرين ، ولصدره روايات مختلفة نذكر منها رواية الديوان :

أمّا الملوك فأنت أنت ألأمهم

لؤما وأبيضهم سربال طبّاخ

والشاهد فيه قوله : «أبيضهم» حيث جاء أفعل التفضيل من البياض ، والكوفيون يجيزون

١٠٩

وإن كان على وزن «أفعل» ، ولم تكن همزته للتعدية ـ جاز التعجب منه ؛ نحو قولهم : «ما أخطأه ، وما أصوبه ، وما أنتنه ، وما أظله ، وما أضوأه» ولم يقولوا : ما أجوبه ، استغناء عن ذلك بقولهم : «ما أحسن جوابه» ، وإن كانت للتعدية لم يجز التعجب منه إلا أن يشذ من ذلك فيحفظ ولا يقاس عليه ، والذى شذ من ذلك قولهم :

«[ما آتاه للدراهم ، و] (١) ما أعطاه ، للدنانير ، وما أولاه للمعروف ، وما أضيعه للشىء» ، ومن ذلك قول ذى الرمة : [من الطويل]

٢٣ ـ بأضيع من عينيك للماء كلّما

توهّمت ربعا أو تذكّرت منزلا (٢)

وغير المزيد : إن كان على أزيد من ثلاثة أحرف لم يجز التعجب منه (٣) ، وإن كان على ثلاثة أحرف / [فإن كان غير متصرّف ، لم يجز التعجّب منه] ؛ نحو : نعم وبئس ، وإن كان متصرفا (٤) : فإن كان من الخلق الثابتة ، لم يجز التعجب منه ، إلا إن شذ من ذلك شىء ؛ فيحفظ ولا يقاس عليه ؛ والذى شذ من ذلك قولهم : «ما أحسنه ، وما أقبحه ، وما أطوله ، وما أقصره ، وما أهوجه ، وما أحمقه ، وما أنوكه ، وما أشنعه» ، وإن لم يكن من الخلق الثابتة : فإن كان من باب «كان» لم يجز

__________________

مجىء أفعل التفضيل من السواد والبياض ، وهذا شاذّ عند البصريين.

ينظر : ديوانه ص ١٨ ، ولسان العرب (بيض) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٩ ، وأمالي المرتضى ١ / ٩٢ ، والإنصاف ١ / ١٤٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٠ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٣ ، ولسان العرب (بيض) ، (عمى).

(١) سقط في ط.

(٢) الشاهد فيه قوله : «بأضيع من» حيث صاغ «أفعل» التى للتفضيل من فعل على وزن «أفعل» وهو «أضاع» والهمزة فيه للتعدية ؛ ولذلك فإنه قد يتعجب من الفعل الذى على وزن «أفعل» وهمزته للتعدية ؛ لأن كل ما جاز بناء «أفعل» التفضيل منه جاز التعجب منه أيضا.

ينظر : ملحق ديوانه ص ١٨٩٨ ، ولسان العرب (سقي) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣١٤ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٤١٣.

(٣) م : باب التعجب وقولى : «وغير المزيد إن كان على أزيد من ثلاثة أحرف لم يجز التعجب منه» مثاله : دحرج. أه.

(٤) م : وقولى : «وإن كان غير متصرف ، لم يجز التعجب منه» إنما لم يجز التعجب من الفعل غير المتصرف ؛ لأنه لا يتعجب منه حتى يبنى منه أفعل ، وبناء «أفعل» منه تصرف فيه ؛ فلم يجز كذلك التعجب منه.

[لم نجد هذا القول بنصه ولعله تفريعا على المتصرف] أه.

١١٠

التعجب منه (١) ، وإن كان من باب «ظننت» لم يجز التعجب منه إلا بشرط أن يقتصر فيه على الفاعل (٢) ؛ فتقول : ما أظن زيدا ، ولو قلت : «ما أظنّ زيدا عمرا قائما» لم يجز ههنا (٣) ، وإن كان من غير ذلك من الأبواب ، جاز التعجب منه.

وإن أدخلت اللام عليهما معا ، لم يجز ، لأنه لا يعمل فعل فى مجرورين بحرف واحد ، إلا على وجه التبعية ، ولا يجوز حذف أحدهما اختصارا ؛ لأنه كالمذكور ، ولا يصح تقديره منصوبا ولا مجرورا ، وإن كان من باب أعلم ، لم يجز فيما همزته للنقل ، ولا فيما زاد على الثلاثة بغير همزة.

ويصح فى أنبأ ، وأخبر ، مع الاقتصار على الفاعل لا غير ، ومن أجاز الاقتصار على المفعول الأول ، قال : «ما أخبر زيدا لعمرو» ، وإن كان من غير ذلك من الأبواب ؛ نحو : «ما أضربه لزيد ، وما أعطاه للدراهم» ، فلا يجوز ذكر المفعولين ، والاقتصار ـ

__________________

(١) م : وقولى : «فإن كان من باب كان ، لم يجز التعجب منه» إنما لم يجز ذلك ؛ لأن كان وأخواتها بمنزلة ما كان من الأفعال متعديا إلى مفعول واحد ، نحو : ضرب زيد عمرا ، والفعل الذى يتعدى إلى واحد ، إذا تعجبت منه ، نقلته بالهمزة فصار فاعله مفعولا ، وأدخلت على مفعوله الذى كان له قبل النقل ـ اللام ، فتقول : ما أضرب زيدا لعمرو ؛ فكان يلزم على هذا أن لو تعجبت من «كان» أن تقول : ما أكون زيدا لقائم ، فتدخل اللام على الخبر ، ودخول اللام على الخبر غير سائغ. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كان من باب ظننت ، لم يجز التعجب منه إلا بشرط أن تقتصر على الفاعل» فتقول : ما أظن زيدا ، وإنما لم يجز التعجب منه إلا بشرط الاقتصار على الفاعل ؛ لأن الفعل المتعدى لا يجوز أن يتعجب منه حتى يبنى على «فعل» بضم العين ، وسبب ذلك : أن فعل من أفعال الغرائز والنجائز ، فجعل الفعل الذى يتعجب منه كأنه غريزة ونجيزة فى المتعجب منه ، فنقل إلى «فعل» من أجل ذلك ، وفعل لا يتعدى ، فإذا نقل بالهمزة ، صار متعديا إلى واحد ، وهو الاسم الذى كان فاعلا قبل النقل ، ولزم إدخال حرف الجر على ما عدا ذلك ؛ فلذلك لم يجز التعجب من ظننت وأخواتها ، إلا بعد الاقتصار على الفاعل ؛ لأنك لو أدخلت حرف الجر على المفعولين ولم تحذفهما فقلت : ما أظنّ زيدا لعمرو لقائم ؛ كما تقول : ما أضرب زيدا لعمرو ، لم يجز ؛ لأنه لا يتعدى فعل إلى مجرورين بحرفى جر من جنس واحد إلا وأحدهما معطوف على الآخر ؛ نحو قولك : مررت بزيد وبعمرو ، ولا يجوز : مررت بزيد بعمرو ، ولا يجوز أن يحذف أحد الاسمين ويترك الآخر ، وتدخل عليه اللام ، فتقول : ما أظن زيدا لعمرو أو ما أظن زيدا لقائم ؛ لأن المفعولين فى هذا الباب لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر. أه.

(٣) فى ط قوله : من ههنا.

١١١

هنا ـ جائز بخلاف الظن ؛ فلذلك لا يجوز : ما أظنّ زيدا لعمرو إلا ألفاظا استغنت العرب عن التعجّب منها بغيرها ، وهى : قام ، وقعد ، ونام ، وسكر ، وغضب ، وجلس ، و «قال» من القائلة.

وكل ما ذكرنا أنه لا يجوز التعجب منه نفسه ، فإنك تتوصل إلى التعجب منه بأن تأتى بدله بفعل يجوز أن يتعجب منه ، وتنصب مصدر الفعل الذى تعذر التعجب منه ، على أنه مفعول للفعل الذى تتعجب منه وتقتصر إن شئت على المفعولات أو تأتى بجميعها ، فتقول : «ما أشدّ دحرجته ، وما أشدّ استخراج زيد للدراهم ، وما أكثر انطلاقه ، وما أكثر ظنّك زيدا منطلقا ، وما أحسن إخبار زيد بكرا عمرا قائما ، وما أسوأ عمى بكر ، فإن لم يكن له مصدر ، أدخلت «ما» المصدرية عليه ؛ نحو قولك : «ما أكثر ما يذر زيد / الواجب عليه ، فإن لم يجز دخول «ما» المصدرية عليه ، لم يتعجب منه أصلا ؛ نحو : نعم وبئس.

والفعل الذى تتعجب منه إن كان على وزن «فعل» بضم العين (١) ، بنيت منه أفعل من غير تغيير ، وإن كان على وزن «فعل» بفتح العين أو كسرها ، فلا بد من تحويله إلى «فعل» بضم العين ؛ وحينئذ : يتعجب منه (٢).

وقد حذفت الهمزة فى موضعين قالوا : «ما خير اللبن للصحيح ، وما شره

__________________

(١) م : وقولى : «والفعل الذى يتعجب منه إن كان على وزن فعل بضم العين» إلى آخره ، مثال ذلك ظرف ؛ تقول فيه : ما أظرفه. أه.

(٢) م : وقولى : «وإن كان على فعل بفتح العين أو كسرها ، فلا بد من تحويله إلى فعل بضم العين ، وحينئذ يتعجب منه» الدليل على تحويله إلى فعل بضم العين : شيئان :

أحدهما : كون الفعل يصير غير متعد ، وقد كان قبل التعجب منه متعديا ؛ ألا ترى أن «ضرب» لو بقى فى حال التعجب منه على تعدّيه ، للزم إذا تعجبت منه وأدخلت عليه الهمزة التى للنقل ـ أن يتعدى إلى مفعولين ؛ فكنت تقول : ما أضرب زيدا عمرا ، وهم لا يقولونه ؛ فدل ذلك على أنه لم يتعجب منه حتى حول إلى فعل ؛ لأنها لا تتعدى.

والآخر : أنه يجوز لك فى فعل المفتوح العين أو المكسورها إذا أردت التعجب منه : أن تنقله إلى فعل بضم العين ، فتقول : ضرب الرجل ، وشرب ، أى : ما أضربه وأشربه ، ولا يجوز إذا أردت معنى التعجب أن تبقيهما على وزنيهما الأصليين ؛ فدل ذلك على أنه لا يجوز التعجب من الفعل حتى يحول إلى فعل بضم العين ، والسبب فى ذلك ما ذكرناه ، أنهم أرادوا أن يجعلوا الفعل كأنه غريزة فى المتعجب منه مبالغة. أه.

١١٢

للمبطون» ، وهو شاذّ لا يقاس عليه.

و «ما» فى هذا الباب اسم تام ، فى موضع رفع على الابتداء (١) ، والفعل الذى بعده فى موضع خبره وفاعله ضمير مستتر فى الفعل ، عائد على «ما» ، وهو مفرد مذكر أبدا على لفظها ، فيقال : ما أحسن الزّيدين ، وما أحسن الزّيدين (٢).

ويجوز زيادة «كان» بين «ما» والفعل الذى فى موضع خبرها ؛ فتقول : «ما كان أحسن زيدا» إذا أردت التعجب مما وقع وانقطع. فإن أردت التعجب مما وقع ولم ينقطع إلى حين تعجبك ـ لم تدخل «كان» وقد حكيت زيادة «أصبح وأمسى» (٣) بينهما ، إلا أن ذلك لا يقاس عليه ، قالوا : «ما أصبح أبردها ، وما أمسى أدفأها».

ولا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه (٤) ؛ لأنه لا يتصرف ، فلم يتصرف لذلك فى معموله ؛ وسواء كان المعمول ظرفا أو مجرورا أو غير ذلك ، ويجوز عندى تقديم معموله المجرور على المنصوب ، ومن كلامهم : «ما أحسن بالرجل أن يصدق» ، ومن

__________________

(١) م : وقولى : «و «ما» فى هذا الباب اسم تام فى موضع رفع على الابتداء» هذا الذى ذكرته هو مذهب سيبويه أعنى أن «ما» اسم تام بمنزلة شىء ، وساغ الابتداء بالنكرة ؛ لأن التعجب سوغ ذلك ؛ ألا ترى أنك تقول : عجب لزيد ؛ فعجب نكرة ، وجاز الابتداء به ؛ لما دخل الكلام من معنى التعجب ، ومذهب الأخفش : أن ما موصولة ، والجملة التى بعدها فى موضع الصلة والخبر محذوف ؛ كأنّه قال : ما أحسن زيدا عظيم ، أى : الذى حسنه فى عينى عظيم من الحسن ، وحذف ذلك ؛ لأن المعنى يدل عليه.

ومذهب سيبويه أولى لأمرين :

أحدهما : أنه لا يكون فى الكلام إذ ذاك ادعاء حذف.

والآخر : أن ما إذا قدّرت نكرة ، كان معنى التنكير مناسبا لمعنى التعجب ؛ لأن التعجب لا يكون ـ كما تقدم ـ إلا خفى السبب ، و «ما» هى الواقعة على ذلك السبب الذى لأجله كان التعجب فينبغى أن تكون نكرة ؛ لأن التنكير مناسب لمعنى الخفاء ، وإذا جعلناها موصولة ، كانت معرفة ، فينبغى إذ ذاك ألّا تقع إلا على معلوم ، والمعنى الذى بسببه كان التعجب ليس معلوما ؛ فناقض معنى الموصولة معنى التعجب لذلك. أه.

(٢) فى ط : الزيدون.

(٣) م : وقولى : «فى زيادة أصبح وأمسى» إن ذلك لا يقاس وهو مذهب البصريين ، وأما الكوفيون ، فقاسوا ذلك في أصبح وأمسى ؛ حملا على قولهم : ما أصبح أبردها ، وما أمسى أدفأها ، يعنون الدنيا ، أى : ما أبردها فى الصباح ، وما أدفأها فى المساء. أه.

(٤) م : قولى : «ولا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه» مثال ذلك قولنا : ما أحسن زيدا يوم الجمعة ، لا يجوز أن تقول : زيدا ما أحسن يوم الجمعة ، ولا : يوم الجمعة ما أحسن زيدا. أه.

١١٣

كلام عمرو بن معدى كرب (١) :

«ما أشدّ فى الهيجاء لقاءها ، وأكرم فى اللّزبات عطاءها ، وأثبت فى المكرمات بقاءها».

وأما التعجب على طريقة «أفعل به» ، فلا يكون إلا من الأفعال التى يتعجب منها على طريقة «ما أفعله» ، إلا أنه لا بد من بنائه أولا على وزن «أفعل» ، التى يراد بها : صار ذا كذا (٢) ، نحو قولهم : أبقل المكان ، أى : صار ذا بقل ، وحينئذ يبنى الأمر عليه ، فيقال : أسمع بزيد ، وأبصر بعمرو ، وأصله : أسمع زيد ، وأبصر عمرو ؛ لأنه مبنى من فعل لا يتعدى (٣) وفاعله ظاهر ، وساغ وقوع الظاهر فاعلا للأمر بغير لام ، لما لم يكن / أمرا فى الحقيقة ، بل المعنى الخبر (٤) ، والأمر قد يجىء بمعنى الخبر ؛ قال تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] أى : فيمد له الرحمن مدّا ، لكن زيدت «الباء» فى الفاعل ، ولزمت ، حتى صار لفظ الفاعل كلفظ المجرور ، فى نحو قولك : «امرر بزيد» إصلاحا للفظ ؛ ويدل على أن المجرور فى موضع الفاعل ، وأن الفعل لم يتحمل ضميرا ـ إبقاء اللفظ على صورة واحدة فى

__________________

(١) عمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبد الله الزبيدي : فارس اليمن ، وصاحب الغارات المشهورة ، وفد على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أسلم وارتد بعد وفاة النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ثم عاد إلى الإسلام ، شهد عدة معارك منها القادسية واليرموك ، كان عصيّ النفس أبيها ، وله شعر مجموع في ديوان باسمه.

ينظر : الإصابه ترجمة (٥٩٧٢) ، وسمط اللآلي ٦٣ ، ٦٤ وابن سعد ٥ / ٣٨٣ ، وشرح الشواهد / ١٤٣ ، خزانة الأدب ١ / ٤٢٥ ، والشعر والشعراء ١٣٨ الأعلام (٥ / ٨٦).

(٢) م : وقولى : «ولا بد من بنائه أولا على أفعل الذى يراد به صار ذا كذا» الدليل على صحة ذلك قطع همزة (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ؛ فدل ذلك على أنه من «أسمع وأبصر» ، ولو كان من سمع ، ولم ينقل إلى أسمع ، لكانت الهمزة همزة وصل ولكانت مكسورة فكنت تقول اسمع بفتح الميم وكسر الهمزة. أه.

(٣) م : وقولى : «والأصل أسمع زيد وأبصر عمرو ؛ لأنه مبنى من فعل لا يتعدى» أردت بذلك أن أبين أن المجرور فاعل والباء زائدة ؛ لأنه أمر من أسمع ، أى : صار ذا سمع ، وأسمع بهذا المعنى لا يتعدى ؛ فكذلك لا يتعدى الأمر الذى يكون منه. أه.

(٤) م : وقولى : «وساغ وقوع الظاهر فاعلا للأمر بغير لام ، لما لم يكن أمرا فى الحقيقة ؛ بل المعنى الخبر» أعنى : أنّ الأمر الصحيح بغير لام إنما يكون فاعله ضمير خطاب ؛ نحو قولك : قم ، اقعد ، فلولا أن الأمر الذى يراد به التعجب ليس بأمر صحيح ، وإنما هو خبر فى المعنى ، لم يجز مجىء الفاعل منه ظاهرا ، وإنما سوّغ ذلك فيه كونه خبرا فى المعنى ؛ فجاء الفاعل معه ظاهرا ؛ كما يجىء ذلك مع الخبر. أه.

١١٤

خطاب الواحد المذكر والواحدة المؤنثة والمثنى والمجموع ؛ فتقول : «يا عمرو أحسن بزيد ، ويا عمران ، أحسن بزيد ، ويا عمرون ، أحسن بزيد ، ويا هند أحسن بزيد ، ويا هندات أحسن بزيد» ، وإنما حذف من قول أوس بن حجر (١) يصف درعا : [من الطويل]

٢٤ ـ تردّد فيها ضوءها وشعاعها

فأحسن ، وأزين بامرئ أن تسربلا (٢)

وفى قوله تعالى فى أحد القولين : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ؛ بكونه فى اللفظ بمنزلة الفضلة.

وأما التعجب على طريقة «فعل» : فلا يجوز أيضا إلا مما يتعجب منه على طريقة «ما أفعله» بقياس ، ولا يلزم فى الفاعل الألف واللام ؛ فتقول : «ضرب زيد (٣) ، وضرب الرجل» أى : ما أضربهما ، ويجوز دخول الباء الزائدة على الفاعل ؛ فيقال :

__________________

(١) أوس بن حجر بن مالك التميمي ، أبو شريح ، شاعر تميم في الجاهلية ، أو من كبار شعرائها. في نسبه اختلاف بعد أبيه حجر وهو زوج أم زهير بن أبي سلمى ، كان كثير الأسفار وأكثر إقامته عند عمرو بن هند في الحيرة ، عمّر طويلا ولم يدرك الإسلام ، في شعره حكمة ورقة ، كانت تميم تقدمه على سائر شعراء العرب ، وكان غزلا ، مغرما بالنساء. قال الأصمعي : أوس أشعر من زهير.

ينظر : الأغاني ١١ / ٧٠ ، خزانة الأدب ٢ / ٢٣٥ ، سمط اللآلي / ٢٩٠ شعراء النصرانية / ٤٩٢ ، طبقات فحول الشعراء / ٨١ الأعلام ٢ / ٣١.

(٢) ويروى عجز البيت في ط : فأحصن وأزين بامرئ أن تسربلا.

والشاهد في البيت قوله : «وأحسن» ، حيث حذف الباء التي تجر المتعجب منه مع «أن» المخففة.

ينظر : ديوانه (٨٤) ، وشرح ديوان زهير (٢٠١) ولسان العرب (عزل) ، وتاج العروس (عزل) ، وبلا نسبة في الدرر (٥ / ٢٣٦) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩٠).

(٣) م : وقولى : «ولا يلزم فى الفاعل الألف واللام ؛ فتقول : ضرب زيد» هذا المذهب الذى ذكرته هو مذهب الأخفش والمبرد ، وهو الصحيح ، وإن كان جمهور النحويين لا يجوز عندهم أن يكون الفاعل إذ ذاك إلا ما يكون فاعلا فى باب نعم وبئس ؛ لأنه إذا قدر فيه معنى التعجب ، لم يكن من باب نعم ، وإن قدّر فيه معنى المدح إن كان الفعل يقتضي مدحا ، أو الذم إن كان الفعل يقتضى ذما ؛ حينئذ : ينبغى أن يجرى مجرى نعم وبئس ؛ ومما يبين أنه لا ينبغى أن يعامل معاملة نعم وبئس ، إذا ضمن معنى التعجب ـ زيادة الباء فى الفاعل فى قوله : [من المديد].

حبّ بالزّور الّذى لا يرى

منه إلا صفحة أو لمام

والباء لا تزاد فى فاعل «نعم» ، و «بئس». أه.

١١٥

ضرب بزيد ؛ إجراء له مجرى : «أضرب بزيد» ؛ لأنهما فى معنى واحد ، ومن ذلك قوله [من المديد] :

٢٥ ـ حبّ بالزّور الّذى لا يرى

منه إلا صفحة أو لمام (١)

وإذا بنيت الفعل المعتل اللام بالياء على فعل ، قلبت الياء واوا ؛ لانضمام ما قبلها ؛ فتقول : رمو الرّجل.

__________________

(١) البيت للطرماح بن حكيم.

والشاهد فيه قوله : «حب بالزور» حيث جاء بفاعل «حب» التي تفيد معنى «نعم» مقترنا بالباء الزائدة ، وذلك من قبل أن المعنى قريب من معنى صيغة التعجب.

ينظر : ديوانه ص ٣٩٣ ، والدرر ٥ / ٢٣٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٩٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٨١ ، وجواهر الأدب ص ٥٤ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٨٠ ، ولسان العرب (زور) وهمع الهوامع ٢ / ٨٩.

١١٦

باب ما لم يسمّ فاعله

يحتاج فى هذا الباب إلى معرفة خمسة أشياء : الأفعال التى يجوز بناؤها للمفعول ، وكيفية بنائها له ، والسبب الذى لأجله يحذف الفاعل ، والمفعولات التى تقام مقام الفاعل ، والأولى منها بالإقامة إذا اجتمعت.

فأما الأفعال : فثلاثة أقسام :

قسم لا يجوز بناؤه للمفعول باتفاق ، وهو : الأفعال التى لا تتصرف ؛ نحو : نعم وبئس.

وقسم فيه خلاف ، وهو : كان وأخواتها المتصرفة ، والصحيح : أنها تبنى للمفعول ؛ بشرط أن / تكون قد عملت فى ظرف أو مجرور ؛ فيحذف اسمها ؛ كما يحذف الفاعل ويحذف الخبر ؛ إذ لا يتصور بقاء الخبر دون مخبر عنه ، ويقام الظرف أو [الجار] (١) والمجرور مقام المحذوف ؛ فيقال : ليس فى الدار ، وليس يوم الجمعة.

وقسم لا خلاف فى جواز بنائه للمفعول ، وهو : ما بقى من الأفعال المتصرفة.

وأما كيفية بنائه للمفعول : فإن الفعل لا يخلو من أن يكون صحيحا غير مضاعف أو معتلّا ، أو مضاعفا غير معتل : فإن كان صحيحا غير مضاعف : فإنه إن كان فى أوله همزة وصل ، ضممت أوله وثالثه وكسرت ما قبل آخره (٢) ، وإن كان فى أوله تاء زائدة ، ضممت أوله وثانيه [وكسرت ما قبل آخره] (٣) ، وإن لم يكن فى أوله شىء من ذلك ، ضممت أوله (٤) وكسرت ما قبل آخره (٥) ، وإن كان ما قبل الآخر مكسورا ، أبقيته على كسره.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) م : باب ما لم يسم فاعله

قولى «إن كان فى أوله همزة وصل ، ضممت أوله وثالثه ، وكسرت ما قبل آخره» مثال ذلك : انطلق تقول فيه : انطلق ، وكذلك : اقتدر واستخرج وأشباه ذلك تقول فيهما : اقتدر واستخرج. أه.

(٣) م : وقولى : «وإن كان فى أوله تاء زائدة ، ضممت أوله وثانيه ، وكسرت ما قبل آخره» مثال ذلك : تضرّب وتكرّم وتدحرج تقول فيها : تضرّب وتكرّم وتدحرج. أه.

(٤) في أ: أوله وثانيه.

(٥) م : وقولى : «وإن لم يكن فيه شئ من ذلك ضممت أوله وكسرت ما قبل آخره» مثال ذلك : ضرب وأكرم ودحرج. أه.

١١٧

ولا تغيّر صنفا من هذه الأصناف بأكثر من ذلك ، إلا أن يكون ثانيه ياء أو ألفا زائدتين أو ثالثه ألفا زائدة ؛ فإنك تقلبها واوا لانضمام ما قبلها.

والمضارع من جميع ذلك يضم أوله إن كان مفتوحا ويبقى على ضمه إن كان مضموما ، ويفتح ما قبل آخره إن كان مكسورا أو مضموما (١) ، ويبقى على فتحه إن كان مفتوحا ، وإن كان معتلا أو مضاعفا غير معتل ، فعل به ما يفعل بالصحيح ، أو لا يكون التغيير اللاحق له بعد ذلك على حسب ما يقتضيه التصريف (٢).

وأما السبب الذى لأجله يحذف الفاعل : فإنه يحذف إما لعلم المخاطب (٣) ، أو لجهل المخاطب (٤) ، أو للخوف منه (٥) ، أو للخوف عليه (٦) ، أو للتعظيم وذلك إذا كان المفعول حقيرا (٧) ، أو للتحقير وذلك إذا كان المفعول عظيما (٨) ، أو إيثارا لغرض السامع ، أو لإقامة الوزن ، أو لتوافق القوافى (٩) ، أو لتقارب

__________________

(١) م : وقولى : «والمضارع من جميع ذلك يضم أوله ويفتح ما قبل آخره» مثال ذلك : ينطلق ويقتدر ويستخرج ويتدحرج ويكرم ويضرب ويدحرج. أه.

(٢) م : وقولى : «والمعتل يتغير على حسب ما يحكم به فى التصريف» مثال ذلك : قيل وبيع ، أصلهما قول وبيع ، لكن الإعلال صيّرهما قيل وبيع ومن يشمّ الضم فى الباء من بيع والقاف من قيل ، فإشعارا بأن الأصل الضم.

ومنهم من يقول : قول وبوع ، وذلك كله شىء أوجبه حكم التصريف. أه.

(٣) م : وقولى : «أنه يحذف لعلم المخاطب به» مثال ذلك قولك : أنزل المطر. أه.

(٤) م : وقولى : «أو جهل المخاطب» مثال ذلك : قولك : ضرب زيد ، إذا كنت لا تعلم الضارب. أه.

(٥) م : وقولى : «أو للخوف منه» مثال ذلك : قتل ابن جبير ، ولا تذكر قاتله ، وهو الحجاج خوفا منه. أه.

(٦) م : وقولى : «أو للخوف عليه» مثال ذلك : قتل زيد ، فلم يذكر القاتل ؛ خوفا عليه من القود. أه.

(٧) م : وقولى : «أو للتعظيم وذلك إذا كان المفعول حقيرا» ؛ مثال ذلك : ضرب اللص ، ولا يذكر الفاعل تهاونا باللص وتحقيرا له. أه.

(٨) م : وقولى : «أو للتحقير إذا كان المفعول عظيما» مثال ذلك : طعن عمر ، ولا تذكر العلج ؛ اجلالا لعمر ـ رضى الله عنه ـ عن أن يذكر اسم العلج معه. أه.

(٩) م : وقولى : «أو لإقامة الوزن أو لتوافق القوافى» مثال ذلك : قوله : [من البسيط]

وأدرك المتبقى من ثميلته

ومن ثمائلها واستنشئ الغرب

[البيت لذى الرمة فى ديوانه ص ٥٥ ، لسان العرب (غرب) ، ثمل ، نشأ ، وتهذيب

١١٨

الأسجاع (١).

وأما المفعولات التى تقام مقام الفاعل فالمصدر ؛ بشرط أن يكون مختصا (٢) لفظا أو تقديرا ، ومتصرفا ، والظرف الزمانى والمكانى ؛ بشرط أن يكونا متصرفين ، والمفعول به المسرح ، والمقيد وأعنى به : المجرور.

وأما الأولى منها بالإقامة إذا اجتمعت (٣) : فالمفعول به المسرح إذا اجتمع مع غيره لم

__________________

اللغة ٣ / ١١٣ ، ١٥ / ٩٣ ، وديوان الأدب ٤ / ١٢٩ ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤٢٠ ، وجمهرة أشعار العرب ص ٩٤٩ ، وتاج العروس غرب ، ثمل ، نشأ]

ألا ترى أنه لو بنى أدرك للفاعل ، لكان ذكر الفاعل يفسد الوزن ، وكذلك : لو بنى «استنشىء» للفاعل ، لكان الغرب منصوبا ؛ فتختلف القوافى ، فلما بنى «استنشىء» للمفعول ، اتفقت القوافى بذلك. أه.

(١) م : وقولى : «أو لتقارب الأسجاع» مثال ذلك قول أعربى : «فالحمد لله الذى لا يكتّ نعمه ، ولا يفسد قسمه» ألا ترى أنه لو قال : لا يكت أحد نعمه ، لتفاوت ما بين السجعين. أه.

(٢) م : وقولى : «فالمصدر بشرط أن يكون مختصّا ...» إلى آخره مثال المختص في اللفظ قولك : سير عليه سير شديد ، ومثال المختص تقديرا : قيل فيه قول ، أى : قول حسن ، فحذفت للدلالة ، ونعنى بالتصرف : أن يستعمل فى موضع الرفع والنصب والخفض ، نحو : ضرب وقيام وسير ، فإن لزم النصب على المصدرية ؛ نحو : سبحان الله ، ومعاذ الله ، لم يجز أن يقام مقام الفاعل ، لا يقال : سبح سبحان الله ، ومثال ظرفى المكان والزمان المتصرفين قولك : سير عليه يومان ، ومرّ به فرسخان ، فإن كانا غير متصرفين ، لم يجز ذلك فيهما ، لا يقال : سير عليه ، بعيدات بين ، ولا قعد عندك ؛ لأن بعيدات بين وعندك لا يتصرفان ؛ بل يلتزم العرب فى بعيدات بين النصب على الظرفية ، وفى عند النصب على الظرف أو الجر بمن ، فأمّا ما حكى من قول العرب : أو لك عند فقد أخرجت فيه عند عن معناها ، وجعلت بمعنى مكان كأنه قال : أو لك مكان يختص بك ؛ وإلّا فمعلوم أنّ كل أحد لا بد له من أن يكون عند شىء ؛ أو يكون عنده شىء ومثال المفعول به المسرح : ضرب زيد ، ومثال المقيّد : سير بزيد. أه.

(٣) م : وقولى : «وأما الأولى منها بالإقامة إذا اجتمعت» إلى آخره مثال اجتماع المفعول به المسرح مع غيره ممّا يقام مقام الفاعل : «سميت أخاك بزيد يوم الجمعة أمام عمرو تسمية» تقول إذا بنيته للمفعول : «سمى أخوك بزيد يوم الجمعة أمام عمرو تسمية» ولا يجوز غير ذلك.

ومثال ما لا يكون له مفعول مسرح من الفعل المبنى للمفعول : المسألة المذكورة إذا حذفت منها الأخ ، فتقيم إذ ذاك أى البواقى شئت ، فإن أقمت المجرور نصبت يوم الجمعة وأمام عمرو وتسمية ، فتقول : سمى بزيد يوم الجمعة أمام عمرو تسمية وإن أقمت يوم الجمعة ، رفعته ، وتركت ما عداه على حاله فتقول : سمّى بزيد يوم الجمعة أمام عمرو تسمية ؛ وكذلك إن أقمت الأمام أو تسمية رفعت المقام منهما ، وتركت ما عداه على حاله إلا أن يكون المصدر

١١٩

...............................................

__________________

مختصّا فى اللفظ ؛ فإن إقامته إذ ذاك أولى من إقامة ما عدا المفعول به المسرّح ؛ نحو قولك : سير بزيد يوم الجمعة أمام عمرو سير شديد ، فرفع «سير» وترك ما عداه على حاله أولى من إقامة المجرور أو أحد الظرفين.

ومثال إقامة الأول فى باب «أعطيت» أعطى زيد درهما ، وقد يجوز أن يقال : أعطى درهم زيدا ، فيقام الثانى ، والمعنى واحد ، ومن النحويين من يزعم أنك ، إذا أقمت الثانى ، انعكس المعنى ، وكأنك جعلت زيدا هو المعطى للدرهم مجازا ؛ وذلك باطل ؛ لأنه لم يحوج إلى ذلك شىء ، وإنما حملهم على ذلك : أنهم رأوا قدماء النحويين قد حملوا : أدخل القبر زيدا على القلب ، فتوهموا أن الموجب لذلك كون المقام ـ مقام الفاعل ـ هو الثانى ، وليس الأمر كذلك ؛ بل الذى أوجب ادعاء القلب فى قولك : أدخل القبر زيدا : أن قولك : أدخلت زيدا القبر ، من قبيل ما اجتمع فيه مفعولان ، أحدهما مسرح ، والآخر مقيّد ؛ لأن دخل لا يتعدى إلى القبر وأمثاله إلا بنية حرف الجر ، والأصل : أدخلت زيدا فى القبر.

وإذا اجتمع المقيد فى التقدير مع المسرح لفظا وتقديرا فإنّما يقام المسرح ، فلو لا القلب ، لما جاز إقامة القبر ؛ لأنه إذا قلت : أدخل القبر زيدا ، صار القبر هو المسرح وزيد المقيد ؛ فكأنك قلت ؛ أدخلت القبر فى زيد ، وما ذكرته من جواز إقامة أى المفعولين شئت فى باب «أعطيت» إنما ذلك مع أمن اللبس ، فإن لم يؤمن اللبس ، لم يقم إلا الأول ؛ نحو قولك : أعطى عمرو بكرا زيدا ، لا يجوز إلا إقامة بكر فتقول أعطى بكر زيدا ، لا يجوز أن تقول : أعطى زيد بكرا ، على معنى : أعطى بكر زيدا ؛ بل إن قلت ذلك ، كان المعنى على إعطاء بكر لزيد.

ومثال إقامة الأول فى باب «ظننت» : ظن زيد قائما ، ومثال إقامة الثانى فيه : ظن قائم زيدا ، والمعنى واحد فى الحالين.

ومثال إقامة الأول فى باب «أعلم» : أعلم زيد بكرا منطلقا ، وإنما لم يجز فى باب أعلم إلا إقامة الأول ؛ لأنه مفعول صحيح ، وأما الثانى والثالث فهما مبتدأ وخبر فى الأصل ، وإنما نصبا بالتشبيه بمفعولى أعطيت ، وإلا فحق الجمل ألّا يغيرها العامل ، فلما اجتمع المفعول الصحيح مع ما ليس كذلك ، لم يجز إقامة سواه ، هذا هو القياس عندى ؛ وبه ورد السماع قال : [من الخفيف]

أو منعتم ما تسألون فمن حد

ثتموه له علينا العلاء

[ينظر البيت للحارث بن حلزة فى ديوانه ص ٢٧ ، وتخليص الشواهد ص ٤٦٨ ، والدرر ٢ / ٢٨٠ ، شرح التصريح ١ / ٢٦٥ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٦٩ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٨٧ ، وشرح المعلقات السبع ص ٢٢٥ ، وشرح المعلقات العشر ص ١٢٢ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٦ ، والمعانى الكبير ٢ / ١٠١١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٤٥ ، وبلا نسبة فى تذكرة النحاة ص ٦٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٣ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٢٥٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٥٩].

١٢٠