التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة - ج ١

شمس الدين السخاوي

التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة - ج ١

المؤلف:

شمس الدين السخاوي


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

٣٩ ـ مسجد فاطمة الزهراء : بالبقيع ، الذي قيل : إنه محل قبرها بالقرب من قبة العباس من جهة القبلة.

٤٠ ـ مسجد الفتح : الذي دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه يوم الخندق على الأحزاب ، وصلى فيه فاستجيب له ، وحوله مساجد تعرف بذلك وبغيره مما تقدم ، كأبي بكر ، وعلي ، وسلمان ، حسبما يذكر على الألسنة.

٤١ ـ مسجد الفسح : لنزول (٥٨ : ١١ تفسحوا في المساجد) ملاصق لجبل أحد على يمينك ، وأنت ذاهب إلى الشعب.

٤٢ ـ مسجد الفضيخ : لشرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه فضيخا ينش ، وهو صغير جدا شرقي مسجد قباء على شفير الوادي ، ويعرف اليوم بمسجد الشمس لردها فيه لعلي بدعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن ثبت.

٤٣ ـ مسجد قباء : وهو على ثلاثة أميال من المدينة ، والصلاة فيه تعدل عمرة وهو والمسجد العظيم : أسسا على التقوى ، وصح أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يزوره كل سبت راكبا وماشيا ، ويصلي فيه ركعتين ، وفي حظيرة بصحنه محل مبرك الناقة ، وفي قبلته دار سعد بن خيثمة عند الباب المسدود ، ودار كلثوم بن الهدم ، وهي إحدى الدور قبلته ، وبئر (أريس) تجاهه ، وقد جددت منارته وغيرها ، ونور ، وتزايدت بهجته في أيام الأشرف قايتباي.

٤٤ ـ مسجد القبلتين : لتحويل القبلة به في أثناء الظهر ، وهو بالعوالي.

٤٥ ـ مسجد بني قريظة : شرقي مسجد الشمس بعيد عنه بالقرب من الحرة الشرقية. جدده والذي قبله الأمير أيضا.

٤٦ ـ مسجد شربة مارية أم إبراهيم بالعوالي : شمالي الذي قبله ، كان بستانا لها ولدته عليه‌السلام به.

٤٧ ـ مسجد المصرع : مضى قريبا.

٤٨ ـ مسجد مصلى العيد : غربي المدينة. قيل : في رواية : (ما بين بيتي ومصلاي روضة) إنه هو المشار إليه ، بحيث قالت أم المؤمنين عائشة لمن بيته بالبلاط (تمسك به ، فالبلاط هو الممتد من المسجد إلى المصلى) ولذا بلغني عن أبي الفرج المراغي أنه كان يقول لكون بيته في طريقة : أنا ساكن في الجنة.

٤٩ ـ مسجد بني معاوية : هو مسجد الإجابة.

٥٠ ـ مسجد المغرس :

٤١

٥١ ـ مسجد الوادي : هو مسجد الجمعة كما تقدم.

المشاهد

وأما المشاهد التي بالبقيع وغيره ، ومن بها ظنا أو علما ، بعد تقرير أن أكثر الصحابة ممن مات في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعده به. وكذا سادات أهل بيته ، وقد حصر الصحابة ، منهم الإمام مالك. كما أسلفته في نحو عشرة آلاف ثم التابعون ، وفيهم المجتهدون العلماء ، والحفاظ ، والصلحاء من الغرباء وأهلها ، وآخر من علمناه من الأولياء بها : الشهاب الأبشيطي ، أحد من كتبنا عنه.

١ ـ مشهد فاطمة ابنة أسد أم علي ، وجعفر ، وعقيل : وهو شامي مشهد عثمان من جهة الشرق ، هكذا يذكر ، والأقرب : أنها عند عثمان بن مظعون ، وأن الذي بهذا المشهد : قبر سعد بن معاذ الأشهلي.

٢ ـ مشهد عثمان بن عفان : وهو أول من دفن به في بستان ، كان يقال له : «خش كوكب» بالبقيع.

٣ ـ مشهد سيدنا إبراهيم : وبه أيضا ـ فيما قيل ـ رقية ، وأم كلثوم ، وكذا به قبر عثمان بن مظعون ، أول من دفن بالبقيع ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وخنيس بن حذافة السهمي ، وأسعد بن زرارة.

٤ ـ مشهد نافع : مولى ابن عمر ، أو نافع القاري.

٥ ـ مشهد إمام دار الهجرة : مالك بن أنس الأصبحي.

٦ ـ مشهد عقيل بن أبي طالب : هو به ـ فيما قيل ـ وابن أخيه عبد الله الجواد بن جعفر الطيار ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

٧ ـ مشهد أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وقيل : إنهن في قبلة الذي قبله ، فهناك قبور أربعة ظاهرة ، ولا يعلم تحقيق تعينهن ، نعم قيل : إن منهن أم حبيبة رملة ابنة أبي سفيان صخر بن حرب الأموية ، وبالجملة : فكلهن وعائشة رضي‌الله‌عنها ، وأم سلمة بالبقيع. وأما خديجة فبمكة ، وميمونة : فبسرف كما أسلفته.

٨ ـ مشهد العباس : هو به ، وكذا قيل ـ مما هو أرجح الأقوال ـ إن فاطمة الزهراء بقبلته ، وكان أبو العباس المرسي : يقف أمام القبة ، ويسلم عليها ، ويقول : إنه كشف له عن قبرها هناك. واعتمده المحب الطبري ، ويتأيد بأن بحذاء ضريح العباس ابنها الحسن ، لقول

٤٢

ابن عبد البر : إنه دفن بجانبها وكان بوصية منه ، وكذا قيل : إن رأس أخيه الحسين هناك. بل قيل : إن بدن أبيهما علي هناك ، حمله ابنه الحسن ودفنه ، ثم وهناك زين العابدين علي بن الحسين ، وابنه محمد الباقر وابن الباقر جعفر الصادق.

٩ ـ مشهد صفية : ابنة عبد المطلب عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي به عند باب البقيع.

١٠ ـ مشهد إسماعيل بن جعفر الصادق : وهو كبير ، يقابل مشهد العباس في المغرب.

١١ ـ مشهد النفس الزكية : محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المقتول أيام المنصور أبي جعفر.

١٢ ـ مشهد حمزة عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعظم شهداء أحد ، وبينه وبين المدينة أزيد من ثلاثة أميال ، وأما أحد : فبينهما أربعة وما يقاربها ، هو ومصعب بن عمير في قبر واحد ، ويقال : إن عبد الله بن جحش بن رباب بن أخت حمزة معهما.

وهناك من الشهداء : قبر عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو بن حرام أبي جابر ، وكانا أولا في قبر واحد ، في آخرين كثيرين من الشهداء ، وفي أقصى البقيع : أبو سعيد الخدري ، وبالبقيع من أصحابنا ، قاضي المالكية : الشمس السخاري بالقرب من ضريح إمامه مالك ، والشهاب أحمد بن يونس المغربي ، وقاضي الحنابلة الشريف محيي الدين الحسني المكي ، والشهاب بن أبي السعود ، وأم هانىء ابنة ابن ظهيرة ، وزوجها ابن عمها أبو الفضل ابن ظهيرة ، وأبو الجود الجيعاني في قبة كان دفن زوجته بها ، وعلى الدمامي خطيب الأزهر في آخرين ممن يعلم من تراجمهم ، وبالجملة : فكل طريق المدينة وفجاجها ودورها وما حولها قد شملته البركة النبوية ، فإنهم كانوا يتبركون بدخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منازلهم ويدعونه إليها ، وإلى الصلاة في بيوتهم ، وشهود جنائزهم ، ولهذا امتنع مالك من ركوب دابة فيها ، قائلا «لا أطأ بحافر دابة في عراص كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي فيها بقدميه الشريفتين» ثم أصحابه الراشدون ، والصحابة البررة الكرام ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ويحرم ـ كما الأربعة ، إلا أبا حنيفة ـ صيد حرمها ، واصطياده ، وقطع شجره ، ولكن تجرأ غلام للمغيرة بن شعبة على قتل أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه ، وهو في المحراب يصلي الصبح في آخر سنة ثلاث وعشرين ، فكان مبدأ الفتن ، فقتل في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ذو النورين عثمان بن عفان حين حصره المصريون ليخلع نفسه من الخلافة ، وتجرأ عليه أراذل من رعاع القبائل ، بحيث اقتحموا عليه داره وقتلوه.

٤٣

ثم في سنة ثلاث وستين استبيحت المدينة على يد مسلم بن عقبة المقول له لإسرافه «المسرف» حيث أتى بعسكر مخذول لامتناع أهلها من المبايعة ليزيد بن معاوية ، فقاتل أهلها. فهزمهم وقتلهم بحرتها ، على ميل من المسجد النبوي ، قتلا ذريعا ، في بقايا المهاجرين والأنصار ، وخيار التابعين ، وقراء القرآن ، وسائر الناس ، واستبيحت الفروج. فافتضت ألف عذراء ، والأنفس والأموال ، وجالت الخيل في المسجد النبوي ، وخلى من مجمع فيه ، بل قال يحيى بن سعيد : إنه لم يترك الصلاة فيه منذ كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا ثلاثة أيام يوم قتل عثمان ، ويوم الحر ، وسمي الثالث ـ ولم يلبث يزيد ، ثم نائبه هذا ـ أن هلكا ، واليوم الثالث المشار إليه هو يوم خرج به أبو حمزة الخارجي بعسكر كبير ، والتقوا مع أهل المدينة بقديد في صفر سنة ثلاثين ومائة ، فانهزم المدنيون ، واستمر داخل المدينة ، وأصيب خلق في كلا الموضعين ، ولم يلبث أيضا أن هلك.

وكذا حاصر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في سنة إحدى وخمسين ومائتين بحيث مات أهلها جوعا ، ولم يصل أحد بالمسجد النبوي ، ولم يلبث أن هلك بالجدري.

وفي أيام المعتمد : قام محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة ، وشرب الخمر علانية في المسجد النبوي ، وفسق فيه بقينة لبعض أهلها ، بل قتل أهلها سيفا وجوعا ، ولم يصل بها طول مدته فيها جمعة ولا جماعة.

وفي سنة إحدى وسبعين ومائتين : قام محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بها ، فقتلا أهلها ، وأخذا أموالهم ، وخرباها ، بحيث انقطعت الصلاة بها شهرا كاملا جمعة وجماعة ، بل قتل محمد ثلاثة عشر رجلا من ولد جعفر بن أبي طالب صبرا حسبما يجيء بسط هذا في التراجم.

ثم في سنة أربع وخمسين وستمائة ، كان ظهور النار بظاهرها من شرقيها ، وكانت من الآيات العظام. أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، ودامت أياما وأشهرا ، وظن أهلها أنها القيامة ، إلى أن انطفأت عند وصولها إلى حرمها ، ولكن لم تمض السنة حتى احترق المسجد النبوي بعد انطفائها ليلة استهلال رمضان ، وقيل : هذا كله في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. خرجت نار بالحرة ، فجاء إلى تميم الداري فانطلق معه فجعل ـ أعني تميما ـ يحوشها بيده ، حتى دخلت الشعب ، ودخل تميم خلفها ، رواها البيهقي في الدلائل.

٤٤

وبعد هذا كله بدهر : احترق المسجد في رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة بنزول صاعقة احترق بنارها سقفه ، وحواصله وخزائن كتبه ، وربعاته ، وهلال منارته الرئيسية ، ولم يبق من قناطره وأساطينه إلا اليسير جدا ، وصار كالتنور ، مع جماعة كثيرين من الأعيان وغيرهم ، حسبما شرحته في الحوادث ، وقال الشعراء في ذلك ، فأكثروا ، وكان من قديمه.

لم يحترق حرم النبي لريبة

يخشى عليه ، وما به من عار

لكنه أيدي الروافض لا مست

تلك الرسوم فطهرت بالنار

وفي ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة : نهب الطفيل بن منصور بن جماز المدينة حين بلغه صرفه عنها قبل مجيىء المتولي بأيام.

وفي ذي الحجة سنة ستين وثمانمائة : تسور بعض الأشراف من بني حسين لسطح الحجرة النبوية ، وسرق من قناديلها الذهب والفضة جملة ، ولم يفطن لذلك إلا في السنة التي تليها ، فاسترجع منه ما أمكن ، وصلب الفاعل وقتل آخرون.

ثم في سنة إحدى وتسعمائة : اقتحمها حسن بن زبيري أيام نيابته بها ، وكسر قبة الزيت ، وأخذ ما كان بها من نقد وقناديل ، وغير ذلك ، وكان سبقه لنظير فعله : جماز بن هبة ، فإنه ـ حين بلغه عزله في سنة إحدى عشرة وثمانمائة ـ كسر القبة ، وأخذ ما فيها من قناديل ذهب وفضة ، وثياب لتكفين الموتى ، وذلك شيء كثير إلى غيره ، ولم يلبث أن مات في التي تليها ، وكذا هجم على المدينة من أمرائها : عجلان بن نعير ، في سنة ثلاثين أواخر التي قبلها ، كما في ثابت بن نعير أخيه ، واستباحها ثلاثة أيام بمعاونة ذربان الحسيني الطفيلي. كما أعان ابنه مشاري حسنا ، مع كون والده زبيري هو القاتل لذربان ، وكذا هجم قبل ذلك في سنة أربع وعشرين : ابن عزيز بن هيازع ، أحد أمرائها ، وأخذ من الحاصل شيئا كثيرا. ورام ضيغم الاقتداء بهم ، فكفه الله ، كما سيأتي في تراجمهم ، وكذا شامان بن زهير ، خال صاحب الحجاز ، والد أمير المدينة فارس ، هجما في جمع كثير ، فكف أيضا ، بل : في زبيري أنه تعصب مع بعض الرافضة في ضرب بعض أهل السنة ، حتى مات.

وأبشع من هذا كله : الاطلاع في سنة سبع وخمسين وخمسمائة على رجلين من النصارى راما نقل من في الحجرة النبوية ، ورأى السلطان نور الدين محمود الشهيد مناما ، اقتضى له سرعة المجيء ، حتى ظهر له منهما ذلك ، فضرب أعناقهم ثم احترقا ، كما سيأتي في ترجمته ،

٤٥

مع ما نقل من كون الحاكم صاحب مصر رام النقل للمشار إليهم بمصر. فكفه الله بحوله وقوته ، كما أهلك من رام إخراج الشيخين خاصة ، حسبما يجيء في ترجمة لهرون بن عمر. ولما رام الخليفة ـ في سنة خمسين ـ نقل المنبر النبوي إلى الشام ، محتجا بكون عثمان قتل بالمدينة بمواطأة أهلها ، فلما حرك المنبر كسفت الشمس ، بحيث رؤيت النجوم نهارا بادية ، فتركه ، وزاد في درجة واعتذر عما هم به ، ثم رام عبد الملك بن مروان نقله ، فذكره بعض جلسائه بما تقدم ، فكف ، ثم هم ابنه الوليد بذلك ، فحذر منه فترك ، ثم إن سليمان بن عبد الملك قيل له ما وقع من أبيه وأخيه ، فقال : مالنا ولهذا أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ، ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله هذا ما لا يصلح ، والمعجزة فوق هذا.

إلى غير هذا من تعرض بعض الرافضة لبعض أهل السنة بالقتل والاتلاف ، بحيث أتلفهم الله تعالى ، وأجرى أهل السنة على ما تفضل الله عليهم به بدعاء صاحبها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومما اتفق : أنهم بينما هم في العمارة ، بعد الحريق الثاني المشار إليه ، إذ دخل جمل ـ كان ضعف عن العمل ، فراموا نحره ـ إلى المسجد النبوي. شبه المستجير به ، فأمر ناظر العمارة بعدم التعرض له وإعفائه من غير قطع لعلفه وسقيه ، بل في مصر ثلاثين وسبعمائة : جيء إلى مكة مع الركب العراقي بفيل ، وأحضر المشاعر ، ثم مضوا به إلى المدينة النبوية ، فمات بقربها بعد عجزهم عن التقدم إليها خطوة ، وقريب مما قبله : الجمل الذي رام صاحبه ذبحه لسنه ، فإنه فر إلى المسجد الحرام ، وعجزوا عن إخراجه منه ، وباتوا يحرسونه خوفا على المطاف منه. فلما كان الثلث الأخير هجم فدخله ، فطاف ثلاث أشواط ثم ذهب الثالث إلى جهة المقام الحنفي ، فسقط ميتا ، فدفن مكانه ، ولكن تعجبت من دفنه هناك.

ذكر ما تيسر ممن استعملهم

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المدينة الشريفة ، حين بروزه للغزوات ونحوها ، ثم من يليه من الخلفاء الراشدين ، فمن بعدهم ، لا على وجه الاستيعاب ، بل بحسب الامكان ، واقتضاء الانتخاب ، فأول من أرسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم : مصعب بن عمير ، قبل الهجرة ، وبعد العقبة الأولى ، ليصلي بهم ويقرئهم القرآن ، ويفقههم في الدين والإسلام ، وكان المؤذنون في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بلال ، وهو أول مؤذن في الإسلام ، وابن أم مكتوم ، وسعد القرظ. كان في الزمن النبوي ، وأبي بكر يؤذن ـ فيما قيل ـ بمسجد قباء ، نقله إما أبو بكر أو عمر للمسجد النبوي ، وزياد بن حارث الصدائي ، وأبو محذورة الجمحي ، وكان من أندى الناس صوتا ، سعد بن عبادة في ودان ، وفي غزوة ذي قرد ، مع ثلاثمائة من قومه يحرسونها ، السائب بن

٤٦

عثمان بن مظعون في بواط ، وقيل : سعد بن معاذ ، أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد في العشيرة ، زيد بن حارثة : في بدر الأولى ، وبني المصطلق ، بل قال ابن إسحاق إن الذي في بني المصطلق جعال الضميري أبو لبابة بن عبد المنذر ، في بدر الثانية ، رده من طريقها ، وضرب له بسهمه ، وفي بني قينقاع : عاصم بن عدي العجلاني ، خلفه على أهل العالية ، وبشير بن عبد المنذر في السويق ، وابن أم مكتوم ، وفي اسمه اختلاف. والأكثر : عمرو ، في ثلاثة عشر ، بل كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستخلفه عليها للصلاة بالناس في عامة غزواته ، قرقرة الكدر ، وبحران ، وعلى الصلاة في أحد ، وحمراء الأسد ، وبني النضير ، والخندق ، وقريظة ، وبني لحيان ، وذي قرد ، وفيما قيل إنه فتح مكة وغيرها.

وفي خروجه لحجة الوداع : عثمان بن عفان في غطفان ، وفيما قيل : ذات الرقاع ، أبو ذر الغفاري : في ذات الرقاع ، وفيما قيل : بني المصطلق ، عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول ، في بدر الآخرة ، سباع بن عرفطة في دومة الجندل ، وخيبر ، قيل : وتبوك ، نميلة بن عبد الله الليثي ، في بني المصطلق فيما قيل ، وكذا في خيبر ، والحديبية ، أبو رهم كلثوم بن الحصين الغفاري في عمرة القضاء ، وغزوة الفتح ، وحنين ، والطائف ، وقيل الذي في عمرة القضاء : بشير بن سعد الأنصاري ، والد النعمان ، محمد بن مسلمة الأنصاري ، في تبوك ، وأبو بكر الصديق على العسكر فيها يصلي بالناس ، بل أمره في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحج سنة تسع ، وقدمه للصلاة بالناس في مرض موته ، واستعمل على أهل قباء والعالية : عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان ، بحيث لم يشهد بدرا ، وضرب له بسهمه ، وأمر عبد الله بن سعيد بن العاص ـ وكان كاتبا ـ أن يعلم الكتابة بالمدينة.

ولما توفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعله خليفته أبو بكر على أنقاب المدينة في زمن الردة : عليا ، وطلحة ، والزبير ، وابن مسعود ، بل ألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو ، لقربهم ، واستخلف على المدينة حين برز للتوجه بجيشه لقتال أهل الردة : أسامة بن زيد ، حين قدومه بالجيش الذي جهزه ، إنفاذا لتأميره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مما كان أعظم نفع للمسلمين ، بل وخلف مع أسامة جنده ، ليستريحوا ويريحوا ظهرهم ، فناشده المسلمون الرجوع. فأبى ، قائلا «بل أواسيكم بنفسي» وعلي آخذ بزمام راحلته ، قائلا «لا تفجعنا بنفسك فو الله لئن أصبنا بك ، لا يكون للإسلام نظام» إلى أن سار إلى ذي القصة ، ونزلها في جمادي الآخرة سنة إحدى عشرة ، فرجع إلى المدينة حينئذ ، بعد أن أمضى الجيوش. وأنفذ خالد بن الوليد.

واستخلف حين حج ـ سنة اثنتي عشرة ـ على المدينة عثمان بن عفان ، ثم أمر عمر رضي‌الله‌عنهما بالصلاة بالناس في مرض موته إذ أقام خمسة عشر يوما ، لا يخرج إلى الصلاة ،

٤٧

بل كان عمر يصلي بالناس في حياته إذا غاب ، ولما دفن رضي‌الله‌عنه ـ وكان قد استخلفه ـ صعد المنبر ، فخطب بالناس ، ثم لم يتخلف عن الحج في سني خلافته إلى في الأولى فقط ، وكان على القضاء علي ، بل واستخلفه ، وفي سنة أربع عشرة : أمر عمر رضي‌الله‌عنه بالقيام في شهر رمضان في المساجد بالمدينة ، وجمعهم على أبي بن كعب ، وكتب إلى الأمصار بذلك ، وكذا جمع عمر الناس في قيام رمضان على سليمان بن أبي حثمة الآتي قريبا ، وأقام عمر أيضا : أبا حليمة ـ معاذ بن الحرث ـ الأنصاري القاري ، يصلي بالناس التراويح في رمضان ، فكان يقنت ، وفي التي تليها ـ أو التي بعدها ـ سار عمر رضي‌الله‌عنه لفتح بيت المقدس ، واستخلف على المدينة عليّا ، وفي سنة ست عشرة استخلف عليها ـ حين حج ـ زيد بن ثابت ، وكذا في التي بعدها ، حين اعتمر ، وبنى المسجد الحرام ، وأقام بمكة عشرين ليلة ، وفي غيرها من حجاته ، ثم في سنة ثماني عشرة : سار إلى الشام ، واستخلف عليا ، ثم في حجة سنة إحدى وعشرين والتي تليها معا : استخلف زيد بن ثابت ، ثم في سنة ثلاث وعشرين ، آخر حجاته : كان معه فيها أمهات المؤمنين رضي‌الله‌عنهم وعنهن.

قال الزهري : ما اتخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاضيا ـ ولا أبو بكر ، ولا عمر ـ حتى قال عمر للسائب بن يزيد ، ابن أخت نمر «ولو روحت عني بعض الأمر»؟ ، ونقل ابن حبان وابن عبد البر : أن السائب كان على السوق أيام عمر ، وسبقهما مصعب الزبيري ، فقال : استعمله عمر على سوق المدينة ، هو وسليمان بن أبي حثمة ، وعبد الله بن مسعود ، وأول من استعمل قاضيا ـ بعد قول عمر للسائب ـ عثمان ، وجعل عمر على بيت المال عبد الله بن الأرقم القرشي الزهري الصحابي ، لما شاهده من ائتمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، وكتب له ، ثم لأبي بكر وعمر ، وكذا استعمله عثمان على بيت المال.

وكذا كان عبد الرحمن بن عبد القاري عامر على بيت المال ، وكذا كان أبو الزناد عبد الله ذكوان الفقيه حاسب أهل المدينة بحيث وفد على هشام بن عبد الملك بحساب ديوانها.

وكان أبو زيد سعد بن عبيد الأنصاري ـ أحد من جمع القرآن في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يؤم في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر بمسجد قباء ، فلما توفي أمر عمر مجمع بن جارية أن يصلي بهم ، وأم بمسجد قباء عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري ، أحد شيوخ أبي مصعب ، ولما قتله ـ رضي‌الله‌عنه ـ أبو لؤلؤة اللعين غلام المغيرة بن شعبة ، عند صلاة الصبح : أمر عبد الرحمن بن عوف فصلى ، ثم جعل الخلافة شورى بين ستة ، وأمر أن يصلي صهيب بالناس ، حتى يستقر الأمر ، بل هو الذي صلى على عمر.

ولما كانت آخر خطبة خطبها عثمان حصبه الناس حين جلس على المنبر ، فصلّى للناس يومئذ أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري ، ثم لما حصر ـ مع كونه لم يتخلف عن الحج في

٤٨

سني خلافته ، إلا في الأولى والأخيرة ـ استخلف على المدينة في بعضها عامر بن ربيعة بن كعب العنزي العدوي.

وكان يصلي بالناس في المسجد النبوي أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، بعد استئذان سعد القرظ المؤذن عليا ، فدام أياما ، ثم صلى بهم علي ، ويقال : بل أمر على سهل ابن حنيف فصلى بالناس من أول ذي الحجة إلى يوم العيد ، ثم صلى علي بالناس العيد ، واستمر حتى قتل ، رضي‌الله‌عنهم.

وبويع لعلي ، الذي لم يتهيأ له الحج في سني خلافته ، واستخلف حين خرج دافعا لمن برز قثم بن العباس ، ثم في سنة سبع وثلاثين سهل بن حنيف ، ثم عزله واستخلصه لنفسه ، وولاها تمام بن العباس ، ثم عزله وولاها أبو أيوب الأنصاري ، ثم شخص نحو علي ، واستخلف عليها رجلا من الأنصار ، فلم يزل عليها حتى قتل علي.

وكذا ولى علي حين خرج يريد البصرة تميم بن عبد عمر وأبا حسن المازني ، ولما ترك الخلافة ابنه الحسن لمعاوية بن أبي سفيان ـ رضي‌الله‌عنهما ـ كان أبو هريرة في أثناء الفتنة يصلي بالناس ، حين جاء جارية بن قدامة ، واستعمل معاوية على المدينة مروان بن الحكم بن أمية ثمان سنين وشهرين ثم عزله ، واستعمل في أحد الربيعين سنة تسع وأربعين سعيد بن العاص ، وكان على قضائها في أيام مروان عبد الله بن نوفل بن الحارث ، فعزله سعيد حين استقر بأبي سلمة بن عبد الرحمن ، بل قيل : إن ابن نوفل كان قاضيا زمن معاوية ، وإنه أول قاض كان بالمدينة من التابعين ، وتكررت ولاية معاوية لسعيد بن العاص في الإمرة ، وكذا استعمل معاوية أبا هريرة غير مرة ، وكان إذا غضب عليه يبعث مروان ، بحيث وليها أيضا غير مرة ، ومن جملتها في سنة أربع وخمسين ، واستعمل معاوية أيضا عبد الملك بن مروان ، وهو ابن ست عشرة سنة ، وحج سنة خمس وسبعين ، وعزل معاوية مروان في سنة سبع وخمسين.

واستعمل ابن أخيه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان في سنة تسع وخمسين وإليها ، فأبقاه يزيد بن معاوية ، حين خلف أباه في سنة ستين ، بل كان العامل فيها عليها وعلى مكة معا عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، ودخل المدينة في رمضان ، وكان بشر بن أرطاة من شيعة معاوية ، وولي الحجاز واليمن ، وهدم بالمدينة دورا كثيرة ، وصعد المنبر ، فتكلم بمنكر.

ولما فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة : استعمل عليها روح بن زنباع الجذامي ، وقيل : عمر بن محرز الأشجعي ، واستعمل أبا يزيد ، أو غيره ممن هو أقرب ، على

٤٩

شرطته عمرو بن الزبير بن العوام ، لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من التفاطن ، وكانت وقعة الحرة ، واستشهد فيها عبد الله بن حنظلة الغسيل الصحابي في ذي الحجة منها ، وكانت الأوس ولته أمرها. وحين بويع في الشام لعبد الملك بن مروان بن الحكم ولى عروة بن أنيف ، وجهزه في عسكر لقتال أهل المدينة ، فهرب الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر ، متوليها لعبد الله بن الزبير. فكان ابن أنيف يدخل فيصلي بالناس الجمعة ثم يعود لمعسكره ، ودام شهرا ، ثم صار يصلي بعده عبد الرحمن بن سعد القرظ ، إلى أن عاد الحارث إلى المدينة ، ثم عزله ابن الزبير بجابر بن الأسود بن عوف الزهري ، ثم سنة سبعين بطلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ، المعروف ـ لجوده ـ بطلحة الندي ، فلم يزل حتى أخرجه طارق بن عمرو حين قدمها في سنة اثنتين وسبعين ، واستقر ثعلبة ـ رجل من أهل الشام ـ فكان يأكل وهو على منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التمر وغيره ، ليغيظ أهل المدينة ، مع شدته على أهل الريبة.

وكذا ولى عبد الملك المدينة في سنة اثنتين وسبعين طارق بن عمرو مولى عثمان المذكور خمسة أشهر.

وكان قاضيا أيامه عبد الله بن قيس بن مخرمة ، بل كان قاضيا في حياة جابر بن عبد الله الأنصاري ، واستخلفه الحجاج ، إذ ولي العراقين على المدينة.

ولى عبد الملك أيضا أبان بن عثمان بن عفان سبع سنين فأزيد.

وممن ولي المدينة لابن الزبير ، المقيم في الخلافة تسع سنين ـ لم يترك الحج في واحدة منها ، أولها : سنة أربع وستين ـ الحارث بن حاطب ، المشار إليه ، وكان الحارث هذا : يلي لمروان المساعي بالمدينة ، ودام إلى أيام ابنه عبد الملك ، بل استعمل عبد الملك الحجاج على مكة والمدينة ، فلما قتل ابن الزبير دخل مكة ، فبايعه أهلها لعبد الملك ، وسار إلى المدينة ، فأقام بها شهرا أو شهرين ، وتجرأ فيها على الصحابة ، وتكلم بالقبيح ، وذلك في صفر سنة أربع وسبعين ، وكذا استعمل عبد الملك هشام بن إسماعيل المخزومي ، ثم عزله ابنه الوليد الذي حج بالناس سنة سبع وتسعين.

وولي عمر بن عبد العزيز من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين.

وكان على سوق المدينة أيام إمرة عمر بن عبد العزيز سليمان بن يسار ، أحد أئمة التابعين ، ثم عزل الوليد عمر بعثمان بن حيان ، فدام ثلاث سنين ، واستعمل أخوه سليمان بن عبد الملك ـ المتوفى سنة تسع وتسعين ـ بعد عزله لعثمان بن حيان سنة ست وتسعين محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، الذي كان مقدما على الخزرج يوم الحرة.

٥٠

ومن النكت الطريفة : أن سليمان كتب إليه : أحص من قبلك من المخنثين فصحفت ب «أخص» بالخاء المعجمة ، فخصاهم ، بل قيل : إنه علم بالتصحيف قبل الفعل ، وإنه كف.

وكان ابن حزم عليها قبله لأخيه الوليد ، فإنه حكى أنه تحامل على الأحوص الشاعر تحاملا شديدا ، فسار إلى الوليد يشكوه ، وأنشد قصيدة يمتدحه بها ، من جملتها :

لا ترثين لحزمي ظفرت به

يوما ، ولو ألقي الحزمي في النار

الناخسين بمروان بذي خشب

والداخلين على عثمان في الدار

فقال له الوليد : صدقت ، والله لقد أغفلنا حزما وآل حزم.

ثم كتب بولاية عثمان بن حيان المري ، وبعزل ابن عمر ، واستصفاء أموالهم ، وإسقاطهم جميعا من الديوان.

واستعمل ابن عمهما عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم عليها خالد ابن أبي الصلت ، وعلى القضاء أبا طوالة عبد الله بن عبد العزيز بن معمر بن حزم ، بل كان أبو طوالة خليفة لابن عمه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في القضاء ، وولي قضاء المدينة لعمر عبد الرحمن بن يزيد بن جارية.

واستعمل هشام بن عبد الملك ـ الذي حج قبل خلافته بالناس سنة ست ومائة ـ كلا من خاليه إبراهيم ومحمد ابني هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي على مكة والمدينة والطائف ، وكأنه ولى إبراهيم أولا ، فإنه قدم المدينة وهو أمير في جمادي الثانية سنة ست ومائة ، ثم عزله في سنة أربع عشرة ومائة بأخيه خالد بن عبد الملك ، وكأنه صرفه أيضا ، ثم أعاده سنة سبع عشرة ومائة لكل من مكة والمدينة والطائف وحج بالناس.

ثم صرفه في التي بعدها بمحمد بن هشام أخي إبراهيم ، فكان واليها سنين ، كأنه إلى خمس وعشرين آخر أيام هشام ، وحج بالناس في أول سنيه.

وكان القاضي بها أيام إبراهيم : سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت ، والقاضي في خلافة هشام إما زبيد بن الصلت ، أو والده الصلت.

ثم لما صارت الخلافة لابن أخيهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك كتب إلى يوسف بن عمر ـ أمير المدينة ـ بالقبض على محمد وإبراهيم المذكورين ، ففعل وعذبهما حتى ماتا سنة خمس وعشرين ومائة.

وولي مكة والمدينة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان : لمروان بن

٥١

محمد ، وحج بالناس سنة سبع وعشرين ومائة ، بل كان واليها قبل ليزيد بن الوليد بن عبد الملك ، ثم أثبته مروان عليهما ، ثم عزله عنهما ـ وكان في خلافه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم على قضاء المدينة ـ بشيبة بن نصاح المقري التابعي ، وعلى إمرتها ـ مع مكة والطائف عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي وليها سنة ثلاثين ومائة ، ولم يلبث أن قتل مروان ، وانقضت دولة بني أمية.

وولى أبو العباس السفاح ـ أول خلفاء العباسيين ـ عمه داود بن علي بن عبد الله بن العباس الحرمين وغيرهما في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، ولم يلبث أن مات بعد أفعال ذميمة من قتل ونحوه كما سيأتي ، فاستعمل عليهما خاله زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي ، وكان على المدينة عبد الله بن الربيع الحائثي ، فعزله المنصور أبو جعفر الهاشمي ، وولى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس ، فدام ثلاث سنين ، ثم عزله بالحسن بن زيد العلوي والد السيدة نفيسة ، فدام خمس سنين ، ثم عزله بعمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وكان زيد بن الحسن والد الحسن هذا ـ لشرفه في بني هاشم وسنه ـ على صدقات آل عمر ، ثم عزله بسليمان بن عبد الملك ، وكذا استعمل المهدي جعفرا عليهما في سنة إحدى وستين.

وكان المنصور قد جمع لجعفر بين إمرة مكة والمدينة ، فكان أول من خطب بهما في خلافة بني هاشم ، ثم من بعده داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الآتي في «الأمين» ثم ابنه محمد الآتي في «المتوكل».

ولما قدم جعفر المدينة على إمرتها ـ وكان أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القاضي بها للمنصور ، أيام إمرة زياد بن عبيد الله الحارثي الماضي عليها معزولا محبوسا ـ أكرمه جعفر ، وأطلقه من الحبس بإشارة المنصور ، فسار إلى المنصور فأعاده.

وكذا استعمل المنصور على المدينة ، بل ومكة والطائف ـ قيل واليمامة ، بعد الثلاثين ومائة ـ زيادا الحارثي المذكور ، وشرط عليه الفحص عن محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، فلم يقدر على كشف خبرهما ، فعزله في سنة أربعين ، أو التي تليها ـ أو في رجب سنة اثنتين وأربعين ـ بمحمد بن خالد القسري ، فأقام سنتين وبلغه الميل إلى آل أبي طالب ، فعزله سنة أربع وأربعين وأربعمائة برباح بن حيان المري ، فأرسل برباح حين بلغه عزم محمد على الخروج إلى قاضي المدينة أبي عبد الله محمد بن عمران بن القرشي التميمي ، وكان قاضيا لبني أمية ، ثم لبني هاشم ، وإلى غيره من أهلها ، وحذرهم من إخفائه فضلا عن الخروج معه ، ولم يلبث أن ظهر محمد ، وحبس رباحا في جماعة ، إلى أن كان قتل محمد

٥٢

بالمدينة على يد عيسى بن موسى ابن أخي المنصور ، وولي عهده.

ثم ولي المنصور الإمرة لعثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، والمساعي للحكم ، والقضاء لعبد العزيز أخيه ابني المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزو مي ، كذا ولاه ابنه المهدي القضاء ، وولى المنصور الشرط لأبي القلمس عثمان بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المخزومي ، واستعمل المنصور على الحرمين أخاه عيسى ، بعد قتل عثمان بن نهيك ، وذلك بالهاشمية ، وحج المنصور بالناس سنة ست وثلاثين قبل خلافته ، ثم كثيرا من سنيها سنة أربعين ومائة ، ثم أربع وأربعين ، ثم سبع وأربعين ، ثم اثنين وخمسين ، ثم رامه سنة ثمان وخمسين فحالت المنية دونه ، وهو ببئر ميمونة ، ظاهر مكة.

وكذا حج المهدي بالناس سنة ستين ، ثم سنة أربع وستين ، وأنفق في الأولى بالحرمين ـ فيما قيل ـ ثلاثين ألف درهم ، وثلاثمائة ألف دينار ، ومائتي ألف درهم ، ومائة وخمسين ألف ثوب.

وحج ابنه الرشيد بالناس تسع حجج متفرقة : سنة سبعين ومائة ، وثلاث وسبعين ، واثنين بعدها ، ثم سبع وسبعين وتسع وسبعين ، ثم إحدى وست وثمان وثلاثتها ـ بعد الثمانين ـ وفرق في بعضها بالحرمين أموالا جمة ، وهو آخر خليفة حج من العراق.

وممن ولي قضاء المدينة ـ سوى من ذكر ـ رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب القرشي العامري التابعي ، وإبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري ، وسعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق ، وأبو بكر ابن نافع مولى ابن عمر ، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وكذا أبوه ، وهما تابعيان ، وكانا من قضاة العدل ، وسعد يقضي في المسجد ، وكذا ولي قضاءها من التابعين سعيد بن الحارث بن المعلي ، وكان قاضي الحرمين : أبو محمد عبد الله بن أبي المعالي يحيى بن عبد الرحمن الشيباني الطبري موجودا سنة خمس وستمائة ، ووصف أيضا بابن القاضي.

وولي بعض أمراء المدينة ـ في زمن مالك ـ خيثم بن عراك بن مالك الغفاري ، فأنكر ذلك مالك ، فعزله.

وولي خراج المدينة وحسبتها سليمان بن بلال أبو أيوب الحافظ ، أحد شيوخ العقبيين ، بل أحد شيوخ مالك.

وكان الأمير في زمن المهدي ـ كما تقدم ـ جعفر بن سليمان ، وكذا عمر بن عبد العزيز بن

٥٣

عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري ، ثم آخره ولده الهادي ، وفي سنة ست وستين : إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وحج بالناس في التي بعدها ، وكان القاضي في زمن المهدي عبد العزيز بن المطلب ، وعبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم القرشي ، وكذا كان ثانيهما قاضيا للرشيد

وكان عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان القرشي الجمحي خلف والده على قضاء المدينة في زمن المهدي.

والقاضي لابنه ولي عهده موسى الهادي : أبو بكر بن أبي سبرة.

واستعمل أخوه الرشيد أبو جعفر هارون : بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام على أمرتها ثنتي عشرة سنة وأشهرا. بل كان ابتداء ولايته في حياة أبيه المهدي ، إذ توجه إلى بغداد. وكان أبوه عبد الله من خواص المهدي. فولاه المدينة واليمن ومكة ، وكان لكراهته الامرة : ألزمه الرشيد أياما ، وهو يمتنع. ثم أجاب. كما في ترجمته.

وممن كان أمير المدينة في زمن الرشيد ـ كان عليها ـ وعلى الصوائف ـ عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي. وأمرتها خاصة : عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي ، بحيث أنه هو الذي صلى على مالك بن أنس. وذلك سنة تسع وسبعين ومائة.

وكذا كان واليا بالمدينة : أخوه عبد العزيز بن محمد من قبل والدهما.

واستعمل الأمين داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس على الحرمين. وكان نائبه على المدينة ابنه سليمان.

واستعمل المأمون عبيد الله بن الحسن بن عبد الله الهاشمي ، على الحرمين ، في سنة أربع ومائتين. وحج بالناس فيها وفي بعدها اللتين بعدها. فكان على شرطته أبو مصعب أحمد بن القاسم الزهري القرشي ، بل ولى قضاءها.

وكذا ولي قضاءها للمأمون : عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق صاحب مالك. كما كان أبوه قاضيها. بل ولي عبد الجبار : أمرة المدينة مرة بعد أخرى قبل قضائها.

وكذا استعمل المأمون على المدينة ومكة واليمن سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، سنة أربع عشرة ومائتين ، وحج بالناس ، وكان يتداول العمل عليها هو وابنه محمد ، ثم عزله المعتصم.

٥٤

وفي سنة ثلاثين ومائتين ، أيام الواثق بالله ـ أبي جعفر هارون بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون ـ كان حاكمها محمد بن صالح ، وكانت حادثة.

وفي سنة إحدى وخمسين ومائتين ، كان العامل على المدينة ، علي بن الحسين بن إسماعيل ، أيام المعتز بالله أبي عبد الله بن المتولي جعفر وقبله.

وفي أيام المعتمد على الله أبي العباس أحمد بن المتوكل جعفر العباسي عقد لأخيه الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل على إمرة الحرمين ، في صفر سنة سبع وخمسين ومائتين ، مع زيادة عليهما ، وعقد في سنة إحدى وسبعين ومائتين على المدينة ، وطريق مكة ، لأحمد بن محمد الطائى ، وكانت حادثة.

وكان قاضيا على الحرمين بضع عشرة سنة قبل سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ، وشيخ الحنيفة في زمانه : أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله النيسابوري ، وكان قاضي المدينة : أبو مروان عبد الملك بن محمد المتوفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.

وكان في أيام الطائع بالله ـ أبي القاسم الفضل بن المقتدر ، جعفر بن المعتضد أحمد ، والعزيز صاحب مصر ـ أمير المدينة : طاهر بن مسلم ، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.

وكان في أيام القائم بأمر الله ـ أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر الهاشمي ـ جرت لشكر أبي هاشم ابن أبي الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد الحسني العلوي أمير مكة : حروب مع أهل المدينة ، ملك في بعضها المدينة ، وجمع له بين الحرمين ، ومات في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.

وكان قاضيها عبد الملك بن مروان بن محمد بن محمد بن عمر بن عبد العزيز المرواني المالكي ، أحد شيوخ القاضي عبد الوهاب البغدادي.

وأم خالد بن الياس القرشي العدوي من أتباع التابعين بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوا من ثلاثين سنة ، وكذا أم به النظام أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن الحسن المسعودي المتوفى سنة ثمان وخمسين وستمائة ، وأم به ـ بل وبمكة وبيت المقدس ـ المجد والبهاء أبو محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر الطبري ، ومات سنة إحدى وتسعين وستمائة بالقدس.

وكان على رأس الستمائة أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد مجير الدين طاشتكين المقتفوي : ممن وصف بأمير الحرمين والحاج ، وأنه حج بالناس ستا وعشرين حجة على طريق الملوك.

واستعمل الناصر لدين الله أبو العباس أحمد العباسي مملوكه أقباس الناصري ، لما تزعم على الحرمين وإمرة الحج ، فحج بالناس سنة سبع عشرة وستمائة ، فقتل بعد انقضاء أيام منى منها.

٥٥

وكان ذكوان بن صالح السمان المدني ، التابعي ـ أحد كبار علمائها ـ مؤذنا ، فربما أبطأ الإمام فيصلي هو بالناس ، فلا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء.

وممن كان يقص بها من التابعين : سليمان أبو عبد الله الأعز ، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج ، وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان القاص الواعظ المذكور.

وممن كان يكتب بها الوثائق ، ويقسم المواريث خارجة بن زيد ثابت ، وطلحة بن عبد الله بن عوف القاضي أيام يزيد بن معاوية ، كما تقدم.

إذا علم هذا ، فأول الأمراء من أشراف المدينة : حسين بن مهنا الأكبر بن داود بن أحمد بن القاسم بن أبي عبد الله عبيد الله ، نقيب المدينة ، بن أبي القاسم طاهر بن يحيى النسابة المؤرخ ، بن الحسين جعفر ، الملقب بحجة الله بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني ، ثم ابنه مهنا الأعرج ، ثم ابناه الحسين ، والعز القاسم أبو فليتة ، واحدا بعد آخر.

وكان ثانيهما أول من عرف من أمراء هذا البيت ، كان أميرا بعد الستين وخمسمائة أيام الخليفة المستضيء بأمر الله بن المستنجد بالله العباسي ، والسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، الذي كان زائد الحب فيه ، وله من الولد : هاشم ، لم يل ، نعم ولي بعده أكبر بنيه العز جماز ، جد الجمامزة ، ثم بعد موته ابنه قاسم ، فدام خمسا وعشرين سنة إلى أن قتله بنو لأم في سنة أربع وعشرين وستمائة ، فملك بعده ابن عمه أبو عيسى شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا ، انتزاعا لها من الجمامزة ، ولم يتمكن الجمامزة من نزعها منه ، ولا من ذريته إلى الآن ، ودام شيحة في الإمرة طويلا ، وكان يستنيب في غيبته ابنه عيسى ، وقدر قتل شيحة وهو متوجه إلى العراق على يد بني لأم أيضا ، واستقل عيسى ، وأمه مريم ابنة جماز بن القاسم ، ثم في حياته أخوه أبو الحسين منيف سنة خمسين ، أو تسع وأربعين وستمائة ، وأمه فاطمة ابنة منيف الوحاحدية ، وفي أيامه كانت النار التي ظهرت بالمدينة ، فأقلع وأناب ، وأعتق جميع مماليكه ، وكذا تاب أهل المدينة ، فكشف الله كربهم ، ومات سنة سبع وخمسين.

ثم بعد موته : أخوهما العز أبو سند جماز باني الحصن ، الذي صار محلا للأمراء للتحصن به ، وأمه صبحا بنت فليتة بن حسين من آل كثير ، ثم انتزعها منه ابن أخيه أبو هاشم مالك ابن منيف سنة ست وستين وستمائة ثم تركها اختيارا لعمه جماز بن شيحة ، فلما كبر استقر ابنه أبو غانم منصور سنة سبعمائة ، أو اثنتين وسبعمائة ، وفي أيامه انتقل القضاء لأهل السنة ، ولاطفه المستقر ، وهو السراج عمر بن أحمد الدمنهوري ، كما سيجيء في ترجمته ، وبعد قتله : انتزعها في رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة واستقر ابنه كبيش ، ثم بعد قتله أخوه طفيل.

٥٦

ثم انتزعها في صفر سنة سبع وعشرين وسبعمائة عمهما أبو مزروع ودي بن جماز ، وتوجه لمصر طمعا في الاستمرار به ، فاعتقل بها ، واستمر طفيل أميرا ، أزيد من ثمان سنين بأيام ، فوليها ودي في شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، ثم عاد طفيل عنوة سنة ثلاث وأربعين ، واستمر أميرا ، حتى صرف سنة خمسين ، فخرج عنها بعد نهب أصحابه لها ، وقصد مصر ، فاعتقل بها حتى مات معتقلا في شوال سنة اثنتين وخمسين.

وكان الذي استقر بعد عزله سعد بن ثابت بن جماز بن شيحة ، ودخل المدينة في ذي الحجة سنة خمسين ، ثم مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين فاستقر ابن عمه فضل بن قاسم بن قاسم بن جماز ، وأكمل الخندق الذي كان ابتدأ به سعد حول السور ، ثم بعد موته تولى مانع بن علي بن مسعود بن جماز.

ثم انفصل بالجماز بن منصور بن جماز بن شيحة في ربيع الأول سنة تسع وخمسين ، فلم تتم السنة حتى قتل ، واستقر بعده أخوه عطية ، وجيء له بالتقليد والخلعة في ربيع الآخر من التي تليها ، ثم انفصل بابن أخيه هبة بن جماز بن منصور ، في سنة ثلاث وسبعين ، ثم أمسك بمكة ، وأعيد عطية سنة اثنتين وثمانين ، ثم ماتا في التي تليها ، فاستقر ابنه جماز بن هبة بن جماز ، ووصلها في ذي القعدة منها إلى أن أشرك معه ابن عم أبيه محمد بن عطية بن منصور في سنة خمس وثمانين ، ثم تغلب جماز ، بحيث انفرد بها ، ثم عزل في سنة سبع وثمانين بن محمد بن عطية ، شريكه قبل ، فلم يلبث أن مات في أحد الجمادين من التي تليها ، فأعيد جماز ، ثم انفصل في أحد الربيعين سنة تسع بثابت بن نعير بن منصور بن جماز ، فدام إلى صفر سنة خمس وثمانمائة ، فأعيد جماز بعد اعتقاله بالإسكندرية نحو ست سنين ، ودخلها في جمادي الثانية منها.

ثم انفصل في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بثابت بن نعير بسؤال صاحب مكة ، الشريف حسين بن عجلان للناصر فرج في عوده ، وحينئذ أضيف إليه النظر على إمرتي المدينة وينبع وسائر الحجاز ، ولم يصل التوقيع بذلك إلا بعد موت ثابت ، ففوضها صاحب مكة لأخي المتوفى عجلان بن نعير ، أبي زوجته موزة ، بل جاء توقيعه بذلك ، بشرط رضى الشريف حسن ، ثم صرفه بسليمان بن هبة جماز بن منصور أخي جماز ، فقبض عليه لسوء سيرته ، في أواخر ذي الحجة سنة خمس عشرة وثمانمائة.

وقرر أمير الحاج حينئذ يلبغا المظفري ابن أخيه غرير ـ بمعجمة مضمومة وراءين ـ بن هيازع بن هبة جماز ، وحمل سليمان وأخاه محمدا فسجنا بمصر ، حتى مات سليمان في السجن سنة سبع عشرة ، واستمر غرير إلى أن هرب في ذي الحجة سنة تسع عشرة ، خوفا من

٥٧

القبض عليه.

وعاد عجلان إلى الإمرة ، ثم عزل بغرير في أواخر ذي الحجة سنة إحدى وعشرين ، ثم عزل في ذي الحجة سنة أربع وعشرين بعجلان بن نعير ، وحمل غرير للقاهرة ، فحسن بها ، ولم يلبث أن مات في أوائل التي تليها ، ثم صرف بمانع بن علي بن عطية بن منصور في أثناء سنة إحدى وثلاثين ، واستمر إلى أن قتل في سنة تسع وثلاثين ، فاستقر ابنه أميان ، فعزل في أواخر سنة اثنتين وأربعين ابن غرير إلى أن مات ، فولي ـ باجتماع المدنيين ـ عمه ونائبه حيدرة بن دوغان بن هبة في ربيع الآخر سنة ست وأربعين ، فقتل في رمضانها ، واستقر يونس بن كبش بن جماز باتفاق من أهل المدينة وأمير الترك المقيم بها ، ثم انفصل في المحرم من التي تليها بضيغم بن خشرم بن نجاد بن نعير بن منصور بن جماز ، ثم أعيد في سنة خمسين أميان ، فدام نحو ثلاث سنين ، ثم مات ، فولي زبيري بن قيس بن ثابت بن نعير بن منصور سنة أربع وخمسين ، ثم عزل في سنة خمس وستين بزهير بن سليمان بن هبة بن جماز بن منصور ، ثم عزل في سنة تسع وستين ـ تقريبا ـ بضيغم بن حشرم بن نجاد أخي ضيغم ثم صرف بعد أربعة أشهر ، وأعيد زهير ، فدام إلى سنة أربع وسبعين تقريبا ، فمات ، فأعيد ضيغم ، واستمر إلى أن قتل الزكوي بن صالح أواخر سنة اثنتين وثمانين ، فلم يواجه ضيغم أمير الحاج المصري.

وقدم الشريف محمد بن بركات المدينة في أثناء التي تليها في طلبته ، فما تهيأ له فترك بالمدينة عسكرا والشريف قسيطل بن زهير بن سليمان وأقاربه من آل جماز وكاتب بذلك ، فجاءت المراسم بولاية قسيطل إلى أن فوض أمر الحجاز ـ المدينة وغيرها ـ لصاحب مكة ، فأعاد زبيري ـ بعد استشارة المدنيين ـ في أحد الجمادين سنة سبع وثمانين إلى أن مات في رمضان من التي تليها ، فاستقر صاحب الحجاز بابن المتوفى حسن ، ودام إلى أن اقتحم القبة ، كما تقدم ، فاستقر بفارس بن شامان بن زهير بن زيان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني ، وفي جده منصور تجمع آل منصور ، وآل عمار ، وآل زيان ، وغيرهم وهو ابن خال صاحب الحجاز ، وزوج ابنته حزيمة ، ووصلها في رجب سنة إحدى وتسعمائة ، فأحسن السيرة ، وقمع الرافضة ، بعد استخلاصه من الأموال المأخوذة جملة ، وتأدب مع أهل السنة ، ولما قدمت ـ وهو بها ـ أكرمني ، بل كنت أشهد فيه لوائح الإمرة قبل ذلك حين كنت في تلك المجاورة بها ، فالله تعالى يبارك فيه ويسعده وإيانا بصاحب الحجاز وبينه ، فهو الجمال حسنا ومعنى ، والجمال للأثقال إحسانا وحسنا.

٥٨

حرف الألف

١ ـ آبي اللحم الغفاري : صاحبي شهير ، حديثه عند الترمذي ، والنسائي ، والحاكم وروى بسنده عن أبي عبيدة : أن اسمه عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غفار ، وكان شريفا شاعرا ، وشهد حنينا ومولاه عمير ، وإنما قيل له «آبي اللحم» لأنه كان يأبى أن يأكل اللحم ، وقال الواقدي : كان ينزل الصفراء ، وعده مسلم في المدنيين ، وقيل في اسمه أيضا : خلف بن عبد الملك ، وقيل : الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك ، وقيل إنه أدرك الجاهلية ، وقال ابن عبد البر : هو من قدماء الصحابة وكبارهم ، ولا خلاف أنه شهد حنينا ، وقتل بها وهو في التهذيب والإصابة.

٢ ـ آدم بن عبد العزيز ابن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، أبو عمر القرشي ، الأموي المدني : الآتي أبوه وجده. كان من فحول الشعراء ، وفيه لعب وخلاعة ، بحيث اتهمه المهدي بالزندقة لمجونه ، وقوله في الخمر ، وضربه ليقر ، فقال : والله لا أقر على نفسي بباطل ، والله ما كفرت بالله طرفة عين ، ثم أنه تنسك ، مات في ... وترجمته في تاريخي مطولة.

٣ ـ آدم المغربي النجار : تصاحب هو وعبد الرحمن المغربي على خير ، فإنهما كانا يجتمعان ـ بعد المغرب والصبح ـ على أذكار جليلة صالحة في المسجد النبوي ويجتمع إليهما جماعة من المغاربة ، تنشرح القلوب لأصواتهم وأذكارهم ، واستمرا كذلك حتى ماتا ، ودفنا بالبقيع ، وكانت مجاورتهما مدة طويلة بعد الثلاثين وسبعمائة ، ذكره ابن صالح.

٤ ـ أبان بن أرقم العنزي الكوفي ، ثم المدني : ذكره أبو جعفر الطوسي في الشيعة الإمامية ، وقال : روى عن أبي عبد الله جعفر الصادق ، ارتحل إليه فسمع منه حديثا كثيرا ، وألحقه شيخنا بالميزان.

٥ ـ أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن مناف ، أبو الوليد بن

٥٩

أبي أحيحة القرشي الأموي : صحابي ، قدم المدينة مسلما ، ثم خرج مع أخويه خالد وعمرو ، حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيبر ، واستعمله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر تسع على البحرين ، فلم يزل عليها حتى توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرجع إلى المدينة ، فأراد أبو بكر أن يرده إليها ، فقال «لا أعمل لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» وقيل : بل عمل لأبي بكر على بعض اليمن ، وهو ممن كان تخلف عن بيعة أبي بكر لينظر ما يصنع بنو هاشم ، فلما بايعوه بايع ، واختلف في وقت وفاته ، فقيل : استشهد يوم أجنادين على الأصح ، سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر ، وقيل : على عهد عمر ، الزهري قال : إنه أملى مصحف عثمان على زيد بن ثابت ، بأمر عثمان ، وهذا يقتضي أنه تأخر عما تقدم ولأجله زعم بعضهم أنه توفي سنة تسع وعشرين ، وقال أبو حسان الزيادي : في خلافة عثمان سنة سبع وعشرين ، ومال إليه شيخنا ، وأمه هند ابنة المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.

٦ ـ أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي : مولاهم ، حجازي ، من رجال التهذيب ، أصله ـ كما قاله ابن حبان ـ من المدينة ، ولكنه سكن الكوفة ، ثقة ، ورع كبير القدر. يروي عن أنس فمن دونه ، وعنه ابن جريح ، وابن إسحاق وآخرون ، مات في حد الكهولة سنة بضع عشرة ومائة.

٧ ـ أبان بن عثمان بن عفان بن العاص بن أمية ، أبو سعيد ، وأبو عبد الله القرشي الأموي المدني : أحد كبار التابعين وثقاتهم ، وشقيق لعمرو ، وأمهما أم عمرو ، ويقال لها أيضا : أم النجوم ، ابنة جندب بن عمرو الدوسية ، ذكره مسلم في ثانية في تابعي التابعين ، وهو ممن عده يحيى القطان في فقهاء المدينة ، زاد غيره : كان أبو بكر بن حزم ممن يتعلم منه القضاء ، بل قال عمرو بن شعيب : ما رأيت أحدا أعلم بحديث ولا أفقه منه ، ولي المدينة لعبد الملك بن مروان سبع سنين ، فيما قاله الواقدي ، زاد غيره وشهورا ، ومات قبله بالمدينة سنة خمس ومائة ، بعد أن فلج بسنة مع صمم كان به ، وحديثه عن أبيه في صحيح مسلم ، مصرح فيه بالسماع منه ، وكذا روى عن زيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد ، روى عنه ابنه عبد الرحمن ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو الزناد ، والزهري ، ونبيه بن وهب وغيرهم ، وحكي : أن عمر بن عبد العزيز لما فرغ من بنيان المسجد النبوي أرسل إليه ، فحمل في كساء خز حتى انتهى به إليه ، فقال : أين هذا البناء من بنيانكم؟ فقال : إنا بنيناه بناء المسجد ، وبنيتموه بناء الكنائس ، وقيل : إنه قال هذا للوليد بن عبد الملك نفسه ، فالله أعلم.

٨ ـ إبراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سيد البشر بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم : سماه باسم أبيه إبراهيم الخليل ، أمه مارية القبطية ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان ، ومات في ربيع الأول سنة عشرة ، عن سبعة عشر شهرا وثمانية أيام فأكثر ، بل روى عن عائشة ثمانية عشر

٦٠