تاريخ مدينة دمشق - ج ١٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

قال الأصمعي : فحدث أباه معتمرا بهذا الحديث فقال : حدثني أبي أنه رآه في المربد على فرس.

قال : وأنا جدي أبو (١) بكر الخرائطي ، نا عمرو بن منده ، نا قرّة ابن حبيب ، نا الفضل بن أبي الحكم ، عن أبي نضرة ، قال (٢) : جيء برأس الزبير إلى علي فقال : يا أعرابي حدثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا إلى جنبه قاعد : «أنّ قاتل الزبير في النار» ، يا أعرابي تبوّأ مقعدك من النار [٤٣٦٥].

أخبرنا أبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ، ابنا (٣) الحسن بن البنا ، قالا : أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا أحمد بن عبيدة إجازة ، نا محمد بن الحسين ، نا ابن أبي خيثمة ، نا ابن الأصبهاني ، أنا شريك ، عن عباس ـ يعني العامري ـ ، عن مسلم بن يزيد ، قال : لما قتل علي أهل البصرة جاء ابن جرموز واستأذن عليه فأبطأ عليه الآذن فقال : أنا قاتل الزبير ، فقال علي : أتقتل ابن صفية بعجز (٤) فليبشر بالنار ، أنّ لكل نبيّ حواريّ ، وإنه حواريّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : وحدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة ، نا أحمد بن يونس ، نا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أنا لمع علي لما التقى الصّفّان فقال : أين الزبير؟ ادعوا لي الزبير قال : فجاء الزبير فجعلت أنظر إلى يد علي وهو يقول هكذا يشير بها ، ولا يدرى إيش يقول ، إذ ولى الزبير قبل أن يقع القتال ، وقبل أن يكون شيء.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا محمد بن هبة الله ، أنا محمد بن الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب (٥) ، نا الحميدي ، نا سفيان ، نا مسعر ، حدثتني سنبلة مولاة الوحيديين قال سفيان : وقد رأيت سنبلة كانت (٦) تأتيها على

__________________

(١) بالأصل : أبا.

(٢) الخبر في سير الأعلام ١ / ٦١ وانظر تخريجه فيه.

(٣) بالأصل وم : «أنا» والصواب ما أثبت ، وقد مرّ هذا السند.

(٤) كذا رسمها بالأصل وفي م : يفتخر.

(٥) كتاب المعرفة والتاريخ ٢ / ٨١٦.

(٦) في المعرفة والتاريخ : كانت تأتينا عن مولاتنا الوحيدية.

٤٢١

مولاتها الوحيدية التي كانت تزوّجها على علي بن أبي طالب ـ قالت (١) : استأذن ابن جرموز قاتل الزبير على علي فقال علي : ائذنوا له ، وبشروه بالنار.

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي ، نا نصر بن إبراهيم الزاهد ، وعبد الله بن عبد الرزاق بن فضيل ، قالا : أنا أبو الحسن بن عوف ، أنا أبو علي بن منير ، أنا أبو بكر بن خريم ، نا هشام بن عمّار ، نا أيوب بن حسان ، نا هشام بن الغاز ، قال : جاء قاتل الزبير إلى علي وهو في فسطاطه فقال : ائذنوا لقاتل ابن صفية ، وليبشّر بالنار.

أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنا ، قالوا : أنا محمد بن أحمد بن محمد ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطوسي ، نا الزّبير بن بكّار ، قال : وحدثني إبراهيم بن حمزة ، عن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن مشيخته : أن قاتل الزبير جاء إلى علي بن أبي طالب يستأذن عليه فقال : من هذا؟ قالوا : قاتل الزبير ، قال علي : فليدخل قاتل الزبير النار.

وقال : قال علي بن عبيد وأتي علي بسيفه فنظر إليه فسلّه وقال : هذا سيف طال ما جلا الكرب عن وجه نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : وحدثنا الزبير قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، عن جدي عبد الله بن مصعب ، قال : دخل علي جعفر بن محمد حماما ، فحدثني قال : استأذن عمرو بن جرمور على علي بن أبي طالب فقال : هذا قاتل الزبير ، فقال علي : ليدخل قاتل الزبير النار.

قال : وحدثنا الزبير ، قال : وحدثنا إبراهيم بن حمزة ، عن حسين بن علي بن حسن بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، قال : جاء عمرو بن جرمور إلى علي بن أبي طالب بسيف الزبير فأخذه علي فنظر إليه ثم قال : أما والله لرب كربة (٢) وكربة قد فرجها صاحب هذا السيف عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : ثنا الزبير ، قال : وحدثني إبراهيم بن حمزة ، عن محمد بن عثمان بن أبي

__________________

(١) عن المعرفة والتاريخ وبالأصل : قال.

(٢) بالأصل : «كريه وكريه» ومهملة بدون نقط في م.

٤٢٢

حرملة الذي كان يقال له .... (١) ـ وكان من جلساء عبد الرحمن بن أبي الزياد ، عن عبد الرحمن بن أبي الزياد ، قال : لما جاء نعي الزبير إلى عليّ صاحت فاطمة بنت علي عليه ، فقيل لعلي : يا أبا الحسن هذه فاطمة تبكي على الزبير ، قال : فعلى من بعد الزبير إذا لم تبك عليه.

قال : وحدثنا الزبير ، حدثني يحيى بن محمد ، قال : استأذن عمرو بن جرموز على علي بن أبي طالب فقال : هذا قاتل الزبير ، فقال علي : بشر قاتل الزبير بالنار ، ثم أذن له ، فقال : هذا سيف الزبير ، فأخذه علي فنظر إليه ، ثم قال : سيفه لعمري سيف والله لطال ما جلوت به الغمرات عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانفصح هو وبنوه يبكون على الزبير.

كتب إليّ أبو عبد الله بن الخطاب ، أنا أبو الفضل السعدي ، أنا أبو عبد الله بن بطة ، أنا أبو القاسم البغوي ، ثنا عبيد الله بن عمرو القواريري ، نا محمد بن الحسن الهمداني ، أنا ليث ، عن ابن عم النعمان بن بشير ، عن النعمان ، وكان .... (٢) مع علي ـ يعني ابن أبي طالب ـ قال : قرئ علي ليلة هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٣) قال : أنا منهم ، وأبو بكر وعمر وعثمان منهم ، وطلحة منهم ، والزبير منهم ، وسعد (٤) منهم ، وعبد الرحمن بن عوف شك محمد بن الحسن.

أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أخبرنا محمد بن أحمد بن حسنون (٥) ، أنا أبو القاسم موسى بن عيسى بن عبد الله السّرّاج ، نا محمد بن محمد بن سليمان ، نا محمد بن حميد ، نا يحيى ـ يعني ابن الضّريس ـ ، عن يعقوب القمي ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، قال : كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة وهو مجتنح (٦) لشقّه ، فخضنا في ذكر عثمان وطلحة والزبير ، فاجتنح لشقه الأيمن ، فقال : فيما خضتم؟ قلنا : خضنا في عثمان وطلحة والزبير ، وحسبنا أنك نائم ، فقال علي : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ

__________________

(١) لفظة غير مقروءة بالأصل وم ورسمها : «المهوب» تركنا مكانها بياضا.

(٢) لفظة غير مقروءة تركنا مكانها بياضا.

(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠١.

(٤) بالأصل : وسعيد.

(٥) بالأصل وم : «حسون» والصواب ما أثبت ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٨٤.

(٦) جنح واجتنح : مال (قاموس).

٤٢٣

لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) ، فأنا وعثمان وطلحة والزبير. ثم قال : وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير ، ثم قال : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)(١) ، قال : ذلك عثمان وطلحة والزبير ، وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

رواه البغوي عن ابن حميد فقال ليث ـ يعني ابن أبي سلمة ـ وهو الصواب.

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ. أخبرنا أبو الوليد ، نا الحسن بن سفيان ، نا أبو بكر ، نا وكيع ، عن أبان بن عبد الله البلخي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن ربعي بن حراش ، قال : قال علي : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله عزوجل : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ).

قال : ونا وكيع ، نا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، وسفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قالا : جاء ابن جرمور قاتل الزبير يستأذن (٢) على علي فحجبه طويلا ثم قال : ائذن له ، فقال ابن جرمور : أما أهل البلاء فتجفونهم ، فقال علي : بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

أنا أبو بكر الأنصاري ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو الحسن أحمد بن معروف ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد (٣) ، نا قبيصة بن عقبة ، نا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : جاء ابن جرمور فذكر نحوه.

قال (٤) : ونا قبيصة ، نا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : قال علي : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

أخبرنا أبو القاسم السمرقندي ، أنا عبد الله بن الحسن بن محمد الخلّال ، وأحمد بن محمد بن أبي عثمان ، قالا : أنا أبو علي الحسن بن القاسم بن الحسن بن

__________________

(١) سورة الحجر ، الآية : ٤٧.

(٢) بالأصل : «يستان» ولعل الصواب ما أثبت باعتبار سياق العبارة.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ١١٣.

(٤) المصدر السابق نفسه.

٤٢٤

العلاء المعروف بالخلاف ، أنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن محمد صاحب أبي صخرة ، نا علي بن مسلم الطوسي ، نا عبّاد بن العوام ، أنا حصين ، نا يوسف بن يعقوب ، عن الصّلت ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : أقبلت مع علي حين فرغ من قتال الجمل إلى الكوفة وهو آخذ بيدي حتى انتهينا إلى باب فإذا نسوة متكئين فقال : ما يبكيكنّ فسكتن ، فانتهرنّ مرة أو مرتين فقالت امرأته : ذكرنا عثمان وتشديده الاسلام وقوانينه فبكينا لذلك وذكرنا الزبير كذلك ، وذكرنا طلحة كذلك ، قال : فخرج إليّ فما كلّمهن ، قال : وهو يقول : نرجو أن نكون من الذين قال الله عزوجل : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) ومنهم إن لم يكن (١) ومنهم من لم يكن ، قال فما زال يقولها حتى أحببت أن يسكت.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا ثابت بن بندار ، أنا أبو العلاء الواسطي ، أنا أبو بكر البابسيري ، أنا أبو الأحوص بن المفضّل ، نا أبي ، نا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن الغداني ، قال : سمعت الشعبي يقول : أدركت خمسمائة سنة (٢) أو أكثر من خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول (٣) : علي وعثمان وطلحة والزبير في الجنة.

أخبرنا الشريف أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي النقيب ، أنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي ، أنا أحمد بن إبراهيم بن علي بن فراس ، أنا محمد بن إبراهيم الدّيبلي ، أنا أبو صالح محمد بن أبي الأزهر المعروف بابن زنبور المكي ، نا أبو بكر بن عياش ، نا سليمان ، عن الحسن ، قال : لما ظفر علي بالجمل دخل الدار والناس معه ، قال علي : إني لأعلم قائد فتنة (٤) دخل الجنة وأتباعه إلى النار ، فقال الأحنف : من هو يا أمير المؤمنين؟ قال : الزّبير (٥).

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أبو بكر بن سيف ، أنا السّري بن يحيى ، أنا شعيب بن إبراهيم ، أنا

__________________

(١) قوله : «ومنهم من لم يكن» عن هامش الأصل وبجانبه كلمة صح.

(٢) كذا بالأصل وم.

(٣) كذا بالأصل وم والصواب : يقولون.

(٤) بالأصل مهملة وبدون نقط ورسمها : «ما؟؟؟ د مسه» كذا بالأصل وم والمثبت عن مختصر ابن منظور ٩ / ٢٦ «قائد فتنة».

(٥) الخبر في سير الأعلام ١ / ٦٣.

٤٢٥

سيف بن عمر ، عن عبد الله بن نوح ، عن أبي نضرة ، قال : لما أتي علي بقتل الزبير وبخاتمه وسيفه بكى علي وبكى بنوه ، وقال نغّص علينا قتل الزبير ما نحن فيه.

ومما قيل في قتل الزبير : قال جرير (١) :

إنّ الرزية من تضمّن قبره

وادي السباع ، لكلّ جنب مصرع

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

وبكى الزبير بناته في مأتم

ما ذا يرد بكاء من لا يسمع

وقال أيضا :

نعى الناعي الزبير غداة ينعى

فتى أهل العراق وأهل نجد

يجيب الساق تسأل الفيافي

وعند صحابه من غير عند (٢)

وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل (٣) :

غدر بن جرمور بفارس بهمة

يوم اللقاء وكلّ غير معرّد (٤)

يا عمرو لو نبّهته لوجدته

لا طائشا رعش الجنان ولا اليد

شلّت يمينك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد

وقال جرير (٥) :

غدرتم بالزّبير فما وفيتم

وفاء الأزد إذ منعوا زيادا

فأصبح جارهم حيّا عزيزا

وهذا (٦) جاركم أمسى رمادا

وقال أيضا (٧) :

__________________

(١) الأبيات في ديوانه ص ٢٥٩ من قصيدة طويلة يهجو الفرزدق.

وطبقات ابن سعد ٣ / ١١٣ ، وفي سير الأعلام ١ / ٦٣ ـ ٦٤ الأول والثاني بدون نسبة.

(٢) لم أعثر عليهما.

(٣) الأبيات في طبقات ابن سعد ٣ / ١١٢ وسير الأعلام ١ / ٦٧ وانظر تخريجها فيها.

(٤) البهمة : الشجاع ، ويقال : الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى من شدة بأسه. والمعرد : الذي يفر من الحرب.

(٥) ديوانه ص ١٠٩ من قصيدة يمدح الأزد.

(٦) عجزه في الديوان : وجار مجاشع أضحى رمادا.

(٧) الأبيات في ديوان جرير ص ٣٤٢ من قصيدة يهجو الفرزدق.

٤٢٦

إني يذكّرني الزبير حمامة

تدعو بجمع نخلتين هديلا

قالت قريش : ما أذلّ مجاشعا

جارا وأكرم ذا القتيل قتيلا

يا لهف نفسي إذ يغرك خيلهم

هلّا اتّخذت على القيون كفيلا

أفتى الندى وقت (١) الطعان غررتم

وفتى الرماح إذا تهبّ بليلا

قتل الزبير وأنتم جيرانه

غيّا لمن غرّ الزبير طويلا

لو كنت حين غررت بين بيوتنا

لسمعت من صوت الحديد صليلا

لحماك كل مغاور يوم الوغى

ولكان شلو عدوك المأكولا

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، وأبو المعالي تغلب بن جعفر ، قالا : أنا عبد الدائم بن الحسن ، أنا عبد الوهاب بن الحسن ، أنا أبو العباس بن عتّاب الرّقّي (٢) ، نا أحمد بن أبي الحواري ، نا أبو معاوية ، نا هشام ، عن أبيه ، عن الزبير : أنه أوصى بالثلث وأنه لم يدع دينارا ولا درهما. قال هشام عن أبيه : وترك من العروض (٣) قيمته خمسين ألفا.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب (٤) ، حدثني أبو بشر ، نا عثام بن علي الكلابي ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : قال لي أبي يوم الجمل : يا بني ، انظر ديني وهو ألف ألف ومائتا ألف.

أخبرنا أبو بكر بن المزرفي (٥) ، أنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد الخياط المقرئ ، نا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الفقيه الشافعي ، نا عبدان بن يزيد البعان (٦) ، نا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، نا حمزة ، نا بقية ، حدثني عمر بن واقد ، حدثني ابن الزبير بن العوام ، قال : ترك عليه الزبير من الدّين ألف ألف درهم ، فقال له رجل : ترك أبوك ألف ألف درهم ، وكان ما كان عليه من الفضل؟ إنها لم تكن عليه دينا

__________________

(١) الديوان : وفتى الطعان ... وفتى الشمال.

(٢) كذا بالأصل وم ، والصواب : «ابن الزفتي» وقد مضى التعريف به.

(٣) العروض جمع عرض ، وهو المتاع.

(٤) كتاب المعرفة والتاريخ ٢ / ٤١٥.

(٥) بالأصل : المرزقي ، وفي م : المورقي ، والصواب ما أثبت.

(٦) كذا رسمها بالأصل وم.

٤٢٧

ولكنها كانت مواعيد عليه ، فكتب مواعيده كما كتب دينه (١).

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الفضل بن البقال ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا عثمان بن أحمد ، نا حنبل بن إسحاق ، نا الحميدي ، نا سفيان ، عن هشام بن عروة ، قال : قيّم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن رشأ (٢) بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، نا محمد بن عبيد ، نا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن الزبير بن العوام ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم ومن ألفين خمسين ألف ألف درهم (٣).

قال : ونا أحمد بن مروان ، نا أحمد بن يوسف ، نا يحيى بن معين ، نا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : اقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف.

قال عروة بن الزبير : فكان الزبير بن العوام يضرب [له] في المغنم بأربعة أسهم : [سهم](٤) له ، وسهمين لفرسه ، وسهم لذي القربى (٥).

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد (٦) ، نا محمد بن عمر ، نا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كان قيمة ما ترك الزبير أحدا (٧) وخمسين أو اثني وخمسين ألف ألف.

قال (٨) : وأنا محمد بن عمر حدثني أبو حمزة ، نا (٩) عبد الواحد بن ميمون ، عن عروة ، قال : كان للزبير بمصر خطط ، وبالاسكندرية خطط ، وبالكوفة خطط ، وبالبصرة

__________________

(١) انظر الوافي بالوفيات ١٤ / ١٨٤.

(٢) بالأصل : «أبو الحسن بن رشأ» حذفنا : «بن» لأنها مقحمة.

(٣) الخبر نقله الذهبي في سير الأعلام ١ / ٦٥.

(٤) زيادة منا للإيضاح.

(٥) الخبر في الوافي بالوفيات ١٤ / ١٨٤.

(٦) طبقات ابن سعد ٣ / ١١٠.

(٧) بالأصل : «أحد» والمثبت عن ابن سعد.

(٨) المصدر نفسه.

(٩) في ابن سعد : أبو حمزة عبد الواحد.

٤٢٨

دور ، [و] كانت له غلّات تقدم عليه من أعراض المدينة.

أنبأنا أبو سعد المطرّزي أبو علي الحداد ، قالا : أنا أبو نعيم ، أنا محمد بن حبان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور ، نا محمد بن أبي معشر ، نا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : قتل الزبير وترك أربعة نسوة فورثت كل امرأة منهن ربع الثمن ألف ألف درهم (١).

أخبرنا أبو القاسم الحسيني ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، عن القحذمي ، قال : كانت عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل تحت الزبير بن العوام. لما قتل الزبير كتبت إلى عبد الله بن الزبير بعد حين قد علمت حبس نفسي بعد أبيك فإن كان لي عندك شيء فابعث به ، فبعث إليها بألفي ألف ، ربع من مال الزبير ، وكن (٢) نساؤه أربعا ، مات عنهن وهن : أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعاتكة بنت زيد ، وابنة خالد بن سعيد ، وأم مصعب الكلبية.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب (٣) ، قال : قرأت في كتاب أخي محمد عن (٤) عبد الله بن عثمان بن نفيل (٥) ، عن عبد الله بن المبارك ، قال : بلغ حكيم بن حزام (٦) أربعين ومائة سنة وهي في ذلك يحج ، ولكن ينعش على سرير تحمله الرجال.

قال عبد الله : أتى (٧) عبد الله بن الزبير ، حكيم بن حزام (٨) يستعينه على قضاء دين الزبير ، قال : فقال حكيم : إن الزبير إنه كان يباري الريح ، فإنه لا طاقة لي بما يصنع ، قال لك مائة ألف قال : لا تقع مني موقع (٩) قال : لك ثلاثمائة ألف لا تقع مني موقع (١٠) قال : إني لا أطيق ذلك لك أربعمائة ألف قال : إني لم أرد منك هذا ،

__________________

(١) انظر حلية الأولياء ١ / ٩١.

(٢) كذا بالأصل وم.

(٣) كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان الفسوي ٢ / ٤١٢.

(٤) بالأصل «بن» والصواب عن المعرفة والتاريخ.

(٥) راجع ترجمته في تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٣ ولم يذكر في عامود نسبه : بن نفيل.

(٦) بالأصل : حرام بالراء ، والصواب بالزاي ، انظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٠٩ وسير الأعلام ١ / ٦٦.

(٧) بالأصل : «أبي».

(٨) بالأصل : حرام بالراء ، والصواب بالزاي ، انظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٠٩ وسير الأعلام ١ / ٦٦.

(٩) كذا والصواب : موقعا.

(١٠) كذا والصواب : موقعا.

٤٢٩

ولكن تنطلق معي إلى عبد الله بن جعفر فتكلمه ، قال : نعم ، قال : فانطلق وانطلق معه بعبد الله بن عمر وغير احد يستشفع بهم على عبد الله بن جعفر ، قال : فلما دخلوا عليه قال عبد الله بن جعفر : ما جئت بهؤلاء استشفع بهم هي لك ، قال : لا أريد ذلك ، قال فأعطى بها نعليك (١) هاتين أو نحو هذا ، قالت لا أريد ذلك ، قال : هي لك إلى يوم القيامة قال : لا أريد ذلك ، قال فحكمه قال : أعطيك بها أرضا قال : نعم ، فخرج معه ، قال : فجعل عبد الله بن الزبير ويقول هذه كذا و [يعاتبه](٢) ، فقال عبد الله بن جعفر : اصنع ما شئت ، قال : فأعطاه أرضا بذلك المال ، قال فرغب معاوية بعد فاشتراها منه بأكثر من ذلك. قال عبد الله : وكان مال عبد الله بن جعفر أربعمائة ألف.

أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد بن الحسن ، وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ، ابنا (٣) الحسن بن البنا ، قالوا : أنبأنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني ، نا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل إملاء من أصله :

حدثنا الحسين بن يزيد الجصاص ، نا أبو أسامة ، نا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما وقف الزبير يوم الجمل دعا لي فقمت إلى جنبه فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما ، وإنّ من أكثر همي لديني أفترى يبقي من مالنا شيئا ، قال : يا بني بع ما لنا واقض ديني وأوصي بالثلث وثلثيه ، فإن فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك (٤).

قال هشام : وكان بعض ولد عبد الله بن الزبير قد وازى بعض بني الزبير خبيب وعبّاد ، قال : وله يومئذ تسع بنات. قال عبد الله بن الزبير : فجعل يوصي بدينه ويقول : يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاي عليه ، قال : فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبة من مولاك؟ قال : الله عزوجل قال : فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت : يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه.

__________________

(١) كلمتان غير مقروءتين ، والمثبت «نعليك هاتين» عن المعرفة والتاريخ وم.

(٢) لفظة غير واضحة ورسمها : «ويكابشه» وفي المعرفة والتاريخ : «ويكاسبه» والمثبت عن م.

(٣) بالأصل وم : «أنبأنا» والصواب ما أثبت.

(٤) الخبر نقله الذهبي في سير الأعلام.

٤٣٠

قال : وقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلّا أرضين منها الغابة (١) وأحد عشر دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا (٢) بالكوفة ، ودارا (٣) بمصر.

قال : وإنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه فيقول الزبير : لا ولكن هو سلف إني أخاف عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي.

قال عبد الله بن الزبير : فحسبت (٤) ما كان عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ، قال : فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال : يا [بن] أخي كم على أخي من الدّين؟ قال : فيكتمه ، فقال : مائة ألف ، فقال : والله ما أرى أموالكم تتسع لهذه قال : فقال عبد الله : أفرأيت إن كان ألفي ألف ومائتي ألف ، قال : ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا [بي] وقال : وكان الزبير اشترى الغابة بتسعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألفي (٥) ألف وستمائة ألف ثم قام فقال : من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة قال : فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف ، فقال لعبد الله : إن شئتم تركتها لكم ، فقال عبد الله : لا ، قال : إن شئتم جعلتها فيما تؤخرون إن أخرتم ، قال عبد الله : لا ، قال : فاقطعوا لي قطعة ، قال عبد الله من هاهنا إلى هاهنا ، قال : فباع منها فقضى دينه فأوفى ، وبقي منها أربعة أسهم ونصف قال : فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة ، فقال معاوية : كم قوّمت الغابة؟ قال : كل سهم بمائة ألف ، قال : فكم بقي قال : أربعة أسهم ونصف ، فقال المنذر بن الزبير : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال عمرو بن عثمان : قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن زمعة : قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية : كم بقي؟ قال : سهم ونصف ، قال : قد أخذته بخمسين ومائة ألف.

فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير : أقسم بيننا ميراثنا ، قال : أما والله

__________________

(١) بالأصل : «العابر» والصواب عن ابن سعد وسير الأعلام.

(٢) بالأصل : «ودار» والصواب عن ابن سعد وسير الأعلام.

(٣) بالأصل : «ودار» والصواب عن ابن سعد وسير الأعلام.

(٤) بالأصل : «فحسب» والصواب عن ابن سعد.

(٥) كذا ، وفي المصدرين السابقين : بألف ألف.

٤٣١

لا أقسم فيكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه ، قال : فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضت أربع سنين قسم بينهم قال : وكان للزبير أربع نسوة ، ورفع الثلث (١) ، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة (٢) ألف قال : فجميع ماله خمسين (٣) ألف ألف ومائتي ألف.

رواه البيهقي عن الحاكم ، عن علي بن عيسى ، عن جعفر بن عبد الله بن سوار ، عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام ، عن أبي أمامة ، قال : تسع بنات ، قال : وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة.

أخبرناه أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، فذكره.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عيسى السكري.

أنبأنا أبو يعلى زكريا بن يحيى المنقري ، نا الأصمعي ، عن يونس بن حبيب ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : الذي ولي دفن الزّبير بن العوّام بوادي السباع عبد الله بن مسعدة بن حكيم من بني بدر بن عمرو بن حيوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي القيسي.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا [أبو](٤) عمر بن حيّوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن الفهم.

وأخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا الحسن بن محمد بن يوسف ، أنا أحمد بن محمد بن عمر ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قالا :

نا محمد بن سعد (٥) ، أنا محمد بن عمر ، أنا عبيد الله بن عروة بن الزبير ، عن أخيه عبد الله ، عن عروة ، قال : قتل أبي يوم الجمل ، وقد زاد على الستين أربع سنين.

__________________

(١) في ابن سعد : «وربّع الثمن».

(٢) في الحلية ١ / ٩١ ومائتا ألف.

(٣) في ابن سعد : خمسة وثلاثون.

(٤) زيادة لازمة منا للإيضاح.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ١١٣.

٤٣٢

قالا : ونا محمد بن سعد (١) ، أنا محمد بن عمر ، قال : سمعت مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يقول : شهد الزبير بن العوام بدرا وهو ابن تسع وعشرين سنة ، وقتل وهو ابن أربع وستين سنة.

حدثنا أبو بكر يحيى بن إبراهيم السّلماسي ، أنا أبو الحسن نعمة الله بن محمد المرندي ، نا أبو مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البلخي ، نا محمد بن أحمد بن سليمان ، أنا سفيان بن محمد بن سفيان ، حدثني عمي الحسن بن سفيان ، نا محمد بن علي بن محمد بن إسحاق ، قال : سمعت أبا عمر الضرير يقول : قتل الزبير بن العوّام في جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين ، وهو يومئذ ابن أربع وستين.

أخبرنا أبو محمد السّلمي ، نا أبو بكر الخطيب.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال : قال ابن بكير ، وقتل الزبير سنة ست وثلاثين ودفن بوادي السباع.

قال : وثنا يعقوب ، ثنا الحجاج ، ثنا جدي ، عن الزهري ، قال : التقوا يوم الجمل فولى الزبير منهم فأدركه ابن جرمور وهو رجل من بني تميم فقتله ، ورمي طلحة [وهو] معتزل في بعض الصفوف بسهم غرب فقطع من رجله عرق النّسا فتنبّج (٢) حتى نزف (٣) طلحة فمات ، وملك على العراق كله ، وذلك على ستة أشهر من مقتل عثمان.

أخبرنا أبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ابنا البنا ، قالا : أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا أحمد بن عبيد بن الفضل إجازة ، نا أبو عبد الله الزّعفراني ، نا أبو بكر بن أبي خيثمة ، أنا المدائني ، قال : قتل الزبير ابن أربع وستين سنة ، ويقال : اثنتين وستين سنة ، ويقال : ابن إحدى وستين ، وقتل يوم الجمل في جمادى الآخرة.

أخبرنا أبو الأعزّ قراتكين ابن الأسعد ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو الحسن بن لؤلؤ ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين بن شهريار ، نا أبو حفص الفلاس ، قال : وقتل

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) في القاموس : نبجت القيحة : خرجت ، وصوبها شارحه : القبجة أي ذكر الحجل ، قال : والمعنى خرجت من جحرها ، وقد أخطأ في هذا المعنى ، والصواب ما في القاموس. وتنبج العظم : تورم.

(٣) بالأصل مهملة بدون نقط ورسمها : «نزل» وفي م : نزل والصواب عن مختصر ابن منظور ٩ / ٢٨.

٤٣٣

الزبير بوادي السباع سنة ست وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة ، ويكنى بأبي عبد الله.

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني ، أنا أبو محمد بن أبي نصر :

أخبرنا أبو الميمون بن راشد ، نا أبو زرعة ، قال : وقال أحمد بن حنبل : كان الجمل سنة ست وثلاثين.

أخبرنا أبو عبد الله الخلّال ، وأبو المطهر عبد المنعم بن أحمد بن يعقوب ، قالا : أنا أبو طاهر أحمد بن محمود ، أنا أبو بكر المقرئ ، قال : سمعت مكحولا البيروتي قال : سمعت عثمان بن خرّزاد يقول : سمعت مصعب الزّبيري وغيره يقول : قتل الزبير بعد عثمان بشهرين ، كذا فيه.

وقد أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو خازم (١) بن الفراء ، أنا أبو يوسف بن عمر ، نا محمد بن مخلد ، نا عباس بن محمد.

وأخبرنا أبو يعلى حمزة بن الحسن بن الفرج ، أنا أبو الفرج بن الإسفرايني ، وأبو نصر أحمد بن محمد بن سعيد ، قالا : أنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى ، أنا منير بن أحمد بن الحسن ، أنا جعفر بن أحمد بن إبراهيم ، نا أحمد بن الهيثم.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الفضل المقرئ ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو عمرو بن السماك ، نا حنبل ، قالا : ثنا أبو نعيم ، قال : وقتل طلحة والزبير في سنة ست وثلاثين ، وقال بعضهم في رجب.

أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ، قالوا : أنا محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان :

حدثنا الزّبير بن بكّار ، قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال : اشترك في قتل الزبير عمرو بن جرموز التميمي بن مجاشع ، والنّعر وفضالة بن حابس التميميان (٢) ثم السعديان ، وكان الذي ولي قتله عمرو بن جرموز التميمي بن مجاشع والنّعر

__________________

(١) بالأصل : حازم ، بالحاء المهملة ، والصواب : أبو خازم بالخاء المعجمة ، وقد مضى التعريف به.

(٢) بالأصل : التميمان.

٤٣٤

وفضالة بن حابس التميميان (١) ثم السعديان ، وكان الذي ولي قتله عمرو بن جرموز ورفده فضالة بن حابس والنعر وقال أحد الشعراء يمدح الزبير :

ألم تر أبناء الزبير تحالفوا

على المجد ما صامت قريش وصلّت

قريش غياث في السنين وأنتم

غياث قريش حيث صارت وحلّت

قال الزبير : وقتل الزّبير وهو ابن سبع وستين ، أو ست وسبعين (٢) سنة ، وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي الزّبير بن العوّام (٣) :

غدر ابن جرموز بفارس بهمة

يوم اللقاء وكان يوم معرّد

يا عمرو لو نبّهته لوجدته

لا طائشا رعش (٤) السنان ولا اليد

ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما

حلّت عليك عقوبة المتعمّد (٥)

إنّ الزبير لذو بلاء صادق

سمح سجيته كريم المشهد

كم غمرة قد خاضها لم يثنه

عنها طرادك يا ابن فقع القردد (٦)

فاذهب فما ظفرت (٧) يداك بمثله

فيما مضى فيما تروح وتغتدي؟

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الحسين الطّيّوري ، أنا أبو الحسين العتيقي.

وأخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنا ثابت بن بندار ، أنا الحسين بن جعفر ، قالا : أنا الوليد بن بكر ، أنا علي بن أحمد ، أنا صالح بن أحمد ، أخبرني أحمد ، قال طلحة والزبير لم يقتلهم أصحاب علي ، طلحة قتله مروان بن الحكم ، والزّبير قتله ابن جرموز وهو منصرف.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا ثابت بن بندار ، أنا أبو العلاء ، أنا أبو بكر بن أبي أمية ، نا أبي قال : وفي سنة ست وثلاثين طلحة والزبير ـ يعني قتلا ـ.

__________________

(١) بالأصل : التميمان.

(٢) في نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٢٣٥ : قتل وهو ابن سبع أو ست وستين سنة.

(٣) تقدمت الأبيات قريبا.

(٤) بالأصل : «رعيش» والمثبت عن الرواية السابقة ، وهو الذي أخذته الرعدة.

(٥) بالأصل : المعتمد ، والصواب عن نسب قريش ص ٣٦٦.

(٦) الغمرة : الشدة. وفي سير الأعلام : الفدفد بدل القردد.

(٧) في ابن سعد ٣ / ١١٢ وسير الأعلام ١ / ٦٧ ثكلتك أمك هل ظفرت.

٤٣٥

أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي ، ثم حدثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أحمد بن الحسن ، والمبارك بن عبد الجبار ، ومحمد بن علي ، ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أحمد : وأبو الحسين الأصبهاني ، قالوا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمد بن سهل ، أنا محمد بن إسماعيل ، قال (١) : الزّبير بن العوّام أبو عبد الله القرشي الأسدي قتل في رجب سنة ست وثلاثين شهد بدرا.

قرأت على أبي محمد السّلمي ، عن أبي محمد التميمي ، أنا محمد بن مكي ، أنا أبو سليمان بن أبي محمد الرّبعي ، قال : وكانت وقعة الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جماد الآخرة ـ يعني سنة ست وثلاثين ـ وقتل أبو عبد الله الزّبير بن العوّام بن خويلد بوادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة ، قتله ابن جرموز.

كتب إليّ أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن سليم ، وحدثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنا أبو بكر الباطرقاني ، أنا أبو عبد الله بن مندة ، قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس (٢) : الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى يكنى أبا عبد الله شهد فتح مصر واختط بمصر وكان أمير ربع ..... (٣) أول من طلع الحصن. روى عنه من أهل مصر سفيان بن وهب الخولاني ، وثابت بن طريف المرادي ، قتل بوادي السّباع منصرفه من الجمل سنة ست وثلاثين.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا محمد بن طاهر ، أنا مسعود بن ناصر ، أنا عبد الملك بن الحسن ، أنا أحمد بن محمد بن الحسين ، قال : الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني شهد بدرا وأمه صفية بنت عبد المطّلب بن هاشم ، سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم روى عنه ابناه عبد الله وعروة في «العلم» و «الزكاة» و «البيوع» ، قتل يوم الجمل ، فكان يوم الجمل يوم الجمعة لعشر خلون من جماد الآخرة سنة ست وثلاثين قتله ابن جرموز بوادي السباع ، قاله خليفة بن خياط (٤) ، وقال الواقدي يوم الخميس مثله ، وقال الزهري : قال يحيى بن بكير نحو

__________________

(١) التاريخ الكبير ٢ / ١ / ٤٠٩.

(٢) استدركت اللفظة عن هامش الأصل وبجانبها كلمة صح.

(٣) لفظة غير مقروءة بالأصل ورسمها في م : «المرد».

(٤) انظر تاريخ خليفة ص ١٨١.

٤٣٦

ذلك ، وزاد : وسنه أربع وستون سنة ، وشهد بدرا وهو ابن تسع وعشرين سنة وقال عمرو بن علي : قتل سنة ست وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة.

أخبرنا أبو عبد الله بن الخطاب في كتابه ، أنا القاضي أبو الحسين الهمداني ، أنا أبو عبد الله التميمي ، أنا أبو الفضل الحميري ، نا الحسين بن نصر بن المعادل ، قال : سمعت أحمد بن صالح قال : قرأت على أبي نعيم ، قال : وقتل الزبير وهو ابن ثنتين وخمسين.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أبو بكر بن الطّيّوري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب ، حدثني محمد بن عبد الرحيم ، قال : سمعت عليا قال : سمعت سفيان يقول جاء ابن جرموز إلى مصعب بن الزبير فقال : أقدني بالزبير ، قال : فكتب إلي عبد الله بن الزبير في ذلك فكتب إليه أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ خلّ عنه ، ولا بشسع نعله (١).

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن المقرئ ، أنا أبو محمد المصري ، أنا أبو بكر الدّينوري ، نا النضر بن عبد الله ، نا الأصمعي ، عن عبد الله بن مصعب ، عن فروة بن خالد ، قال : كتب مصعب إلى عبد الله بن الزبير : إني قد أخذت قاتل الزبير بن العوام فكتب إليه عبد الله : لا تخفف عنه ، دعه يلق الله بدم الزبير. فتركه. فأسف فخرج إلى الصياقلة (٢) فنظر إلى سيف ، فأعجبه ، فاشتراه ثم حكم في عرض الناس ، فقتل.

أخبرنا أبو الحسين بن أبي يعلى ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله ، ابنا (٣) أبي علي قالوا : أنا أبو جعفر المعدّل :

أخبرنا أبو طاهر الذهني ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزّبير بن بكّار ، قال : وحدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح ، عن سالم (٤) بن عبد الله بن عروة ، عن أبيه

__________________

(١) نقله الذهبي في سير الأعلام ١ / ٦٤.

(٢) الصياقلة جمع صيقل ، وهو شحاذ السيوف وجلاؤها (القاموس).

(٣) بالأصل : «أنبأنا» والصواب ما أثبت ، وقد مرّ هذا السند.

(٤) في سير الأعلام ١ / ٦٤ مسالم.

٤٣٧

عبد الله بن عروة أن عمير بن جرموز مرثد (١) عمرو بن جرموز (٢) أتى (٣) مصعبا حتى وضع يده في يده فقذفه في السجن ، وكتب إلى عبد الله بن الزبير فذكر له ، فكتب إليه : أن بئس ما صنعت ، أظننت أني قاتل أعرابيا من بني تميم بالزبير؟ خلّ سبيله ، فخلاه. حتى إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رخّ (٤). ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه فطرحه عليه فقتله وكان قد كره الحياة لما كان يهوّل عليه ، ويرى في منامه ، وذلك دعاه إلى ما فعل. وهو في حديث سالم.

أخبرنا أبو محمد هبة الله بن محمد بن طاوس ، أنا محمد بن علي بن الحسن ، أنا علي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن صفوان ، نا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني محمد بن سهل الأسدي ، حدثني يعقوب بن سليمان الهاشمي ، حدثني شيخ من موالينا قال : ـ قال محمد : ثم رأيت الشيخ فسألته فحدثني به قال ـ كنت يوما مع قوم فتذاكرنا أمر علي وطلحة والزبير فكأني نلت من الزبير ، فلما كان في الليل أريت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة ، فيها خلق كثير عراة ، رءوسهم رءوس الكلاب ، وأجسادهم أجساد الناس ، مقطّعي الأيدي والأرجل من خلاف ، فيهم رجل مقطوع اليدين والرجلين ، فلم أر منظرا أوحش منه ، فامتلأت رعبا وفزعا. قلت : من هؤلاء؟ قيل : هؤلاء الذين يشتمون أصحاب محمد ، قلت : ما بال هذا (٥) من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل هذا أعلاهم في شتم علي عليه‌السلام ، قال : فبينا أنا كذلك إذ رفع لي باب فدخلته ، فإذا درجة فصعدتها إلى موضع واسع ، وإذا رجل جالس حواليه جماعة ، قيل لي : هذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدنوت منه ، فأخذت بيده ، فجذب يده من يدي ، وغمز يدي غمزة شديدة ، وقال : تعود؟ فذكرت ما كنت قلت في الزبير ، فقلت : لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيء من ذلك ، قال : فالتفت عليه‌السلام إلى رجل خلفه فقال : يا زبير ، قد ذكر أنه لا يعود فأقله. قال : قد أقلته يا رسول ، قال : فأخذت يده فجعلت أقبلها وأبكي ، وأضعها على صدري. قال : فانتبهت ، وإنه ليخيل إليّ أني أجد بردها في ظهري.

__________________

(١) كذا ، ما بين الرقمين بالأصل.

(٢) كذا ، ما بين الرقمين بالأصل.

(٣) بالأصل : «أبي» والمثبت عن سير الأعلام.

(٤) كذا بالأصل ، وفي سير الأعلام : «أزجّ».

(٥) بالأصل : هؤلاء. والصواب عن مختصر ابن منظور ٩ / ٢٩.

٤٣٨

٢٢٤٠ ـ الزّبير بن الصّلت الكندي المدني (١)

وجهه أبوه بكتابه إلى معاوية بن أبي سفيان.

أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس ، وأبو الزكاة عبد الوهاب بن المبارك وغيرهما ، قالوا : أنبأنا ثابت بن بندار ، أنا أبو ثعلب عبد الوهاب بن علي بن الحسن الملحمي ، نا أبو الفرج المعافا بن زكريا النّهرواني ، نا محمد بن الحسن بن دريد ، أنا السكن بن سعيد ، عن محمد بن عبّاد ، عن ابن الكلبي ، عن أبي (٢) المسكين ، قال : كان أهل المدينة إذا نسبوا رجلا إلى الإقبال قالوا : لقي ليلة كثيّر بن الصلت ، قال : فسألت شيخانهم عن ذلك فقالوا : أمر معاوية رجلا من آل أبي بكر أن يبني له منزلا بالمدينة ينزله إذا اجتاز إلى مكة ، ففعل ، وأقبل معاوية والبكري يسايره ، إذ نظر من الثنية (٣) إلى منزل كثيّر بن الصّلت الكندي أحد بني وليعة ، وهم أخوال علي بن عبد الله بن العباس ، فقال معاوية للبكري : أمنزلي (٤) هذا؟ فقال : ليس به يا أمير المؤمنين ، ومنزلك قريب ، ولو صرت إلى قرار المصلّى لقد رأيته ، وهكذا منزل كثيّر بن الصلت ، فقال معاوية : إنّ منزل كثيّر لهنيء ، أفتراه بائعه؟.

ونظر إلى كثيّر في موكبه على بعير له ، فبعث إليه ، فدعاه وسايره ، وسأله عن رأيه في المنزل ، فقال : لست أقدر على بيعه يا أمير المؤمنين ، قال : أوليس لك؟ قال : بلى ، ولكن قدمنا هذا الحرم ونحن ننسب إلى آبائنا ونعرف بأحسابنا ، فاستولى على ذلك هذا المنزل ، وصرنا نعرف به ، وهو بعد سبعون مختمرة ، ليس يحول بين الناس وبين معرفة حالهن إلّا حائطه ، ولو خرجن (٥) منه كشف منه ما لا يقدر على احتماله فقال : أيمنك ، وأنيخ بعيرك فأصبّ على هامته وسنامه حتى أوار يهما ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني لا أجد إلى ذلك سبيلا ، لما أعلمتك وكانت له نفس شديدة.

فقضى معاوية حجّه ، وفيه عنه إعراض ، وقد كان أسلفه مائتي ألف درهم في غرم

__________________

(١) ترجمته في الوافي بالوفيات ١٤ / ١٨٦ وفيه : الزبير بن كثير بن الصلت الكندي المدني.

(٢) عن مختصر ابن منظور وبالأصل «ابن».

(٣) في المختصر : القبة.

(٤) بالأصل : «أمنزل» والصواب عن المختصر.

(٥) عن المختصر وبالأصل : حرض.

٤٣٩

لزمه ، فلما نفذ معاوية أوصى مروان بن الحكم بقبض المال منه ، وقال : إن استأجلك فأجله أجلا قصيرا ، فإن وافاك بالمال ، وإلّا فبع ربعه وملكه حتى تستوفي ذلك منه ، وكان الذي بين مروان وكثيّر قبيحا.

فلما نفذ معاوية أرسل مروان إلى كثيّر فأعلمه ما أمر به ، فاستأجله شهرا فقبل ، وقال : في شهر ما كفى.

ورجع كثيّر إلى منزله ، وقد ضاقت به الأرض فدعا ابنه الزبير ، وكان به يكنى وقال : يا بني إنا لسنا نجد لنا خيرا من أمير المؤمنين ، وإن كان قد أمر فينا بما أمر ، فكتب له ووجّهه ، وعظم الحق.

فلما كان في آخر يوم من الأجل ولم يأته عن ابنه خبر فعلم أن مروان سيهجم عليه بما يكره ، أتى سعيد بن العاص فقال له : ما جاء بك؟ قال : الشّرّ ، قال : لا شرّ عليك ، فأخبره بخبره ، فقال له سعيد : إن أحببت أن أتولى المال ودفعه ، واكتتاب البراءة لك بذلك فعلت : وإن شئت حمل إليك. فجزاه خيرا ، وانصرف.

حتى إذا كان ببعض الطريق ذكر قيس بن سعد بن عبادة ، فقال : قيس سيد هذا الحرم من ذي يمن وقد ابتليت بما علم ، فلو أتيته وأسندت (١) أمري إليه لكان لي عون صدق ، فجاء إلى قيس فقال له : ما جاء بك؟ قال : الشر ، قال : لا شر عليك ، فأخبره خبره فقال له قيس أمسيت عن حاجتك ، وهي مصبحتك غدا إلى منزلك ، وإن أحببت ولينا حملها عنك إلى مروان.

فانصرف كثيّر حتى إذا أخذ حلقة باب داره ذكر عبد الله بن جعفر ذي الجناحين فقال : ما فيهم أحد أشد إكراما لي منه ، فإن بلغه ما صنعت وما صنع الرجلان لم استقلها منه أبدا فدخل إليه وهو يتعشى وبين يديه شمعة عظيمة فسمع وطئ كثيّر وكان جسيما فلما دخل عليه قال : يا أبا الزبير ، العشاء ، قال : أصبت منه ما كفى ، قال : ما جاء بك؟ قال : الشّرّ ، قال : لا شر عليك ، فأخبره الخبر فالتفت إلى هانئ وكيله قال : ما عندك قال : مائة ألف ، قال : ما جاء من شيء نصفه إلّا تمّ بإذن الله ، ثم نظر في وجوه جلسائه ومعه رجل من بني الأرقط من ولد علي ، فضحك وقال : هي عندي. قال : من أين لك؟

__________________

(١) بالأصل : وأنشدت ، والمثبت عن المختصر.

٤٤٠