شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

على ذلك اتصاله بالاسم كأحد حروفه (١).

أو ينقل رأي الخليل ، وكأنه من المسلمات ، فيقول : ((إن باب (إن) مشبه بالفعل في نصب ما بعده ورفعه ، وليس بفعل على الحقيقة ، فلا يتصرف فيه بحذف المشبه بالمفعول لضعفه)) (٢).

٢ ـ مع سيبويه (ت ١٨٠ ه‍):

ذكرنا أن كتاب سيبويه كان أحد المصادر المهمة لجامع العلوم في شرحه على اللمع ، فقد نهل من هذا الكتاب ما شاء له أن ينهل ، فسيبويه وآراؤه لم تغب عن ذهنه أبدا ؛ ولذا فقد ذرف ذكر سيبويه على التسعين مرة ، عدا ما ذكره بالكناية ، والإيماء ، والتكرار في الصفحة الواحدة.

وكان يورد آراءه بطرق شتى من التعبير ، منها : قال سيبويه ، والقول قول سيبويه ، وقال صاحب الكتاب ، وحكى سيبويه ، وذكر في الكتاب (٣) ... الخ.

وإذا ما نقل آراء النحويين في مسألة ما ، ونقل رأي سيبويه ، وجدناه يقف مع سيبويه ، يؤيد رأيه ، ويتبنى مذهبه.

ومن أمثلة ذلك رده على من طعن على سيبويه استشهاده في الحمل على الموضع بقول الشاعر :

معاوي ، إننّا بشر ، فأسجح

فلسنا بالجبال ، ولا الحديدا

إذ نصب (الحديدا) حملا على محل (الجبال) المجرور لفظا بحرف الجر الزائد ، المنصوب محلا ، لكونه خبر ليس.

قال جامع العلوم ، والطعن ليس بمتجه ؛ لأن سيبويه سمع هذا البيت ممن يصح الاحتجاج بقوله فسيبويه يسمع من العرب على ما يصح في لغتها ؛ فيصح له الاحتجاج به ؛ لأن من سمعه منه قوله حجة ، وإنشاده صحيح (٤).

ووجدت جامع العلوم يذهب غير مذهب سيبويه في (لبيك) و (سعديك) وما شاكلها من المصادر المنصوبة ؛ إذ إن هذه الألفاظ عند سيبويه مثناة منصوبة على إضمار الفعل المتروك إظهاره (٥).

وعند يونس أن (لبيك) اسم واحد جاء على هذا اللفظ في الإضافة ، كقولك (عليك).

وذهب جامع العلوم إلى أن (لبيك) أصله : لبى ، قال الشاعر :

دعوت لما نابني مشورا

فلبي فلبي يدي مسور

فوقف هذا الشاعر ووصل على لغة من قال في (أفعى) (أفعي). فقال : لبى. وهذا لا يكون تثنية ، كما زعمت يا صاحب الكتاب (٦).

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٢ ، ٢٨٣.

(٢) نفسه ١١٠.

(٣) نفسه : ٢٣ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٤٤ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ .. وغيرها.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ١١٤.

(٥) الكتاب ١ : ٣٤٨.

(٦) شرح اللمع لجامع العلوم ٣٠.

٤١

وعندي أن ما ذهب إليه سيبويه هو الصحيح ، لأن (أفعى وسكرى وحبلى) وما شاكلها من الأسماء المختومة بألف التأنيث ، لا تقلب هذه الألف فيها ياءا عند إضافتها إلى الضمير ، فلا يقال في (أفعاك) : أفعيك وأفعيه ، كما قالوا : لبيك ولبيه ، فبطل أن تكون (فلبى يدي مسور) على حد الوقف في (أفعي) بل هو على حد (غلامي زيد) ، فثبت أن (لبيك) تثنية كما زعم الخليل وصاحب الكتاب (١) ، لا كما قال به جامع العلوم.

٣ ـ مع الأخفش ، أبي الحسن سعيد بن مسعدة (ت ٢١٠ ه‍)

ذكر جامع العلوم آراء الأخفش في اثني عشر موضعا من شرحه. وكان في أغلب أمره ناقلا لتلك الآراء ، غير ناقض لها ، أو معترض عليها. فمثال ما نقل عنه قول الأخفش : ((إنما امتنع الجر من الأفعال ؛ لأن الأفعال أدلة على فاعليها. فهي مع فاعليها جملة ، فلا يمكن قيامها مقام التنوين)) (٢).

ونقل عنه بشأن إعراب الأسماء الستة ، قوله : ((إن هذه الحروف دلائل الإعراب)).

قال جامع العلوم : وهذا يؤول إلى قول سيبويه ، وذلك لأن القول عند سيبويه : إن هذه الحروف حروف إعراب (٣) ، والحركة فيها مقدرة ، ليبقى دليل الإعراب ، كقول الأخفش ، لا فرق بينهما (٤).

ورد جامع العلوم بعض آراء الأخفش ، ونقضها ، منها عدم تجويز الأخفش قولهم : في داره زيد ؛ وإنما لا يجوز عنده ؛ لأنه يصير كناية عن غير مذكور ، لأن (زيد) عنده يرتفع بالظرف قبله ، فيجب أن يكون على حد قولك (خلفك زيد).

قال جامع العلوم ، إذا رفع (زيد) بالظرف على زعم الأخفش فهو بمنزلة الفعل والفاعل ، كقولك : ذهب زيد ، وأنت إذا قلت : ذهب زيد ؛ فقد وقع (ذهب) موقعه فلا ينوى به التأخير ، فكذا (في داره زيد). وقد قالت العرب : ((في أكفانه درج الميت)). والتقدير : درج الميت في أكفانه. فكيف يرد أبو الحسن هذا (٥)؟!.

وجوز الأخفش العطف على عاملين مختلفين ، نحو : مررت بزيد في الدار والقصر عمرو ، جوز عطف (القصر) على (الدار) المجرور ب (في) وعطف (عمرو) على (زيد) المجرور بالباء؟

واستشهد لجواز ذلك بقول الفرزدق :

وباشر راعيها الصّلا بلبانه

وكفّيه ، حرّ النّار ما يتحرف

فجر (كفيه) عطفا على المجرور بالباء ، ونصب (حر النار) عطفا على المنصوب ب (باشر) فهما عاملان مختلفان.

__________________

(١) الكتاب ١ : ٣٤٨ ـ ٣٥٣ ، واللسان (لبب).

(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ١٢.

(٣) الكتاب ١ : ١٧ ، ١٨.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٤٨ ، والإيضاح في علل النحو ١٣٠.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٣.

٤٢

ورد هذا جامع العلوم فقال : ((والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن ، وذلك ؛ لأنه لو جاز العطف على عاملين ، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك ؛ لجاز على مئتين ، وأكثر من ذلك. وهذا بين الفساد ؛ لأن حرف العطف قائم مقام العامل ، فيقوم مقام عامل واحد ، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين (١). أما ما احتج فيه من بيت الفرزدق ؛ فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيه (وهو الباء أو باشر) لجري ذكره ، والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ والكلام)).

وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه جامع العلوم ، وأضيف إلى ما رد به أبا الحسن الأخفش فأقول : إن (الباء) و (في) في جملة أبي الحسن الأخفش (مررت بزيد في الدار) يختلفان في ما يؤديانه ويفضيان إليه من معنى ، ف (الباء) (بزيد) تفيد الإلصاق ، و (في) تفيد الظرفية ، وهما معنيان كل منهما قائم بذاته ؛ فالعطف عليهما ، وهما مختلفان ، يوقع في النفس اللبس والإبهام والغموض.

ونحن نعلم أن الألفاظ لا تتحصل معانيها إلا من خلال ضرب من التأليف والترتيب. فسوء النظم لها ، يقطع الرحم والصلة بينها ، ويخرجها من جمال البيان إلى لون من الهذيان ؛ ذلك لأن الألفاظ تنسجها المعاني القائمة في النفس ، محكومة بقبول العقل ؛ فلا أظن الأخفش يستطيع أن يوجد بين (مررت بزيد في الدار) وبين (والقصر عمرو) هذه الصلة المعقولة.

٥ ـ مع المازني ، أبي عثمان بكر بن محمد (ت ٢٣٠ ه‍)

ذكر جامع العلوم أبا عثمان المازني في شرحه ثماني مرات ، نقل فيها آراءه ، وإشكالاته على أبي الحسن الأخفش. فمما نقل عنه من الآراء ، ما ذهب إليه في أن قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ)(٢) ، وقول امرئ القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

معناه : ألق ألق ، وقف قف ، فاستغنى بتثنية الفاعل ، عن تكرار الفعل لأن الفاعل جزء من أجزاء الفعل ، فإذا ثني الفاعل ؛ فكأنه كرر الفعل (٣).

وكذلك رأيه في ألف الاسم المقصور ، الموقوف عليها ، نحو : هذه عصا ومررت بعصا ، ورأيت عصا ، أنها في الأحوال الثلاث بدل من التنوين.

وقال جامع العلوم بما قال به سيبويه ، من أن هذه الألف في حالتي الرفع والجر ، هي التي حذفت من أجل التنوين ، وفي حالة النصب ، بدل من التنوين ؛ لأن قياس المعتل على الصحيح.

فكما حذفنا التنوين في الصحيح ، فقلنا في حالتي الرفع والجر : هذا زيد ، ومررت بزيد ، وقلنا في حالة النصب : رأيت زيدا فليكن المعتل بهذه المثابة (٤).

وأجاز المازني : نفسا طاب زيد ، بتقديم المنصوب ، محتجا بقول الشاعر :

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١١٨.

(٢) ٥٠ : سورة ق ٢٤.

(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٧ ، ٨٨.

(٤) نفسه ٣٦.

٤٣

فرده جامع العلوم ، فقال : وهذا لا يجوز عندنا (١) ؛ إذ نرويه

 ...

وما كان نفسي بالفراق تطيب

كذلك ذهب أبو عثمان المازني إلى أن (الرجل) في قولك : يا أيها الرجل يجوز فيه الرفع والنصب ، فقال في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(٢) ، لو قرأ واحد : يا أيها الناس ، لجاز لأن (الناس) صفة منادى مفرد ، فجاز فيه الرفع والنصب قياسا على قولهم : يا زيد الظريف.

وقد رده جامع العلوم فقال : ((وهذا القياس لا يصح ؛ لأنه لو وقف في : يا زيد الظريف ، على قولهم : يا زيد ، ولم يذكر الظريف ، جاز ، ولو اقتصر على قولهم : يا أيها ، دون الرجل ، لم يجز ؛ لأنه لا يتم ولا يفيد ، فاتضح الفرق بينهما)) (٣).

ومما نقل جامع العلوم من سؤالات المازني أبا الحسن الأخفش ، قوله : إن أبا عثمان قال لأبي الحسن : ما قولك في قولهم : مررت بنسوة أربع ، هل تصرف (أربعا) أم لا؟. فقال : أصرفه ، فقال له : هو صفته ، وهو على وزن (أفعل) فقال : إنه وإن كان صفة الآن ، فأصله الاسم. فقال أبو عثمان : ف (آدم) وإن كان الآن اسما ، فأصله صفة ، فلم لم تعتبر الأصل هناك ، واعتبرته هنا؟ فسكت.

٦ ـ مع أبي إسحاق ، إبراهيم بن السري الزجاج (ت ٣١١ ه‍)

تردد ذكر أبي إسحاق الزجاج في شرح اللمع تسع عشرة مرة ، نقل جامع العلوم ، خلال ذلك أقواله وآراءه في شتى المسائل النحوية. وكان قد رده في أغلب ما نقل عنه ، فمن ذلك قول الزجاج في قولهم : ما صنعت وأباك : إن (أباك) منصوب بفعل مضمر ، على تقدير : ما صنعت ولابست أباك. فرده جامع العلوم بقوله" ((هذا قول فاسد ؛ لأن انتصاب الاسم إذا أمكن حمله على الظاهر ، لا يحمل على المضمر)) (٤). وإنما هو منصوب بالفعل الواقع قبله بتقوية الواو ، وبما فهم منه من معنى المصاحبة ، كما ذهب الزجاج إلى أن الضمير المنفصل المنصوب (إيا) اسم ظاهر ، وذهب الفراء إلى أن (إياك) بكمالها اسم.

وقال جامع العلوم : ((وقد كفانا الزجاج قول الفراء ، حيث قال : لم نر اسما تغير آخره ؛ لاختلاف المسمين ، ألا ترى أنه لا يقال : (إن (عصاك) بكمالها اسم. فكيف جاز هذا في (إياك).

والصحيح قول أبي الحسن (٥) : إن (إيا) اسم مضمر)) (٦).

وجوز أبو إسحاق أن يكون قوله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)(٧) على تقدير : أي شيء يستعجله؟

__________________

(١) أي : عنده وعند البصريين.

(٢) ٢ : سورة البقرة ٢١.

(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٧ ، ٢٨٨.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٨.

(٥) مجمع البيان ١ : ٢٥.

(٦) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٧٢.

(٧) ١٠ : سورة يونس ٥٠.

٤٤

فيكون (ما) مع (ذا) كالشيء الواحد ، مرفوعا بالابتداء ، على إضمار الهاء في (يستعجل) أي : يستعجله.

ورد عليه أبو علي (١) فقال : هذا لا يجوز ، في حال السعة ، والاختيار ؛ إنما يكون في حال اضطرار ، وإقامة وزن.

ونصر جامع العلوم أبا إسحاق في هذه المسألة ، ورد على أبي علي قوله فقال : وقد جاء مثل ما قال أبو إسحاق ، عن ابن عامر في قوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(٢) ، على تقدير : وكل وعده الله الحسنى ، فرفع (كلا) بالابتداء ، وأضمر الهاء ؛ وليس فيه اضطرار ، وإنما هو كلام الله ، فلا يختار فيه إلا الأفصح. وتخطئة ابن عامر لا تجوز (٣).

ب ـ مع النحويين الكوفيين :

١ ـ مع علي بن حمزة الكسائي (ت ١٨٩ ه‍)

الكسائي أحد القراء السبعة ، لذا روى جامع العلوم بعض قراءاته في شرحه ، ولا سيما القراءة بالإمالة (٤). فقد نقل قراءته بإمالة (كلا) من قوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)(٥).

والحروف لا تمال لأنها جمدت عن التصرف ، والإمالة ضرب من التغيير وروى جامع العلوم في شرحه عن الكسائي أنه أمال (حتى) (٦).

أما المسائل النحوية فقد نقل عنه في الأغلب ما وقع فيه الخلاف بين البصريين والكوفيين.

ومن تلك المسائل ، الكلام على رافع المبتدأ والخبر ، فنقل رأي الكسائي والفراء في أن المبتدأ يرتفع بالخبر والخبر يرتفع بالمبتدأ ، فهما يترافعان (٧).

ونقل كذلك رأي الكسائي والفراء ، في فعل الأمر ، أمبني هو على الوقف أم معرب مجزوم ، إذ ذهبا إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم (٨).

وقد نقض جامع العلوم ما قاله الكسائي والفراء ، بشأن رافع المبتدأ والخبر ، وما قالاه بشأن بناء فعل الأمر أو إعرابه ، فالقول بترافع المبتدأ والخبر يؤدي إلى (الدور) ، فيستلزم التسلسل ، وهو محال ، عند الحكماء والمتكلمين (٩).

أما فعل الأمر ، فهو مبني ((لأنه فعل ، وأصل الفعل البناء ؛ وإنما الإعراب عارض فيه .. ولأن الجزم لا يكون إلا بعامل ، وليس في الأمر عامل الجزم)) (١٠).

__________________

(١) الخزانة ٦ : ١٤٤.

(٢) ٤ : سورة النساء ٩٥ ، وينظر : البحر المحيط ٣ : ٣٣٣ ، وهمع الهوامع ٢ : ١٦. وشرح اللمع لجامع العلوم ١٨٤.

(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٧٩ ، ٢٨٠.

(٤) نفسه : ٢٤٥ ، ٤١٤ ، ٤١٥ ، ٤١٦.

(٥) ١٧ : سورة الإسراء ٢٣.

(٦) شرح اللمع لجامع العلوم ٤١٢.

(٧) شرح اللمع لجامع العلوم ٦٦ ، ٦٧ ، وثمار الصناعة ٨٢ ، والإنصاف ١ : ٤٤ ، ٤٩.

(٨) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٩٦.

(٩) كشاف اصطلاحات الفنون ٤٦٧ ، ٤٦٨.

(١٠) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٩٦ ، والإنصاف ٢ : ٥٢٤.

٤٥

٢ ـ مع يحيى بن زياد الفراء (ت ٢٠٧ ه‍):

نقل جامع العلوم عن الفراء رأيه في تسع عشرة مسألة ، ولم أجده وافقه أو سكت عنه ، إلا في مسألة واحدة ، هي ما ذهب إليه الفراء من قولهم : كلمته فاه إلى في ، إذ انتصب (فاه) ب (جاعل) مقدر ، والتقدير عند الفراء : كلمته جاعلا فاه إلى فيّ ، فهو منصوب بعامل تقديره (جاعل) (١).

واكتفى جامع العلوم بشأن هذه المسألة بأن قال : وعند الخليل وسيبويه : فاه : في موضع الحال ، وتقديره كلمته مشافها ... وهذا هو الصواب (٢).

وأما غير ذلك من المسائل فقد ردها جامع العلوم ، متتبعا كلام الفراء ناقضا له ومن أمثلة ذلك : قال الفراء : اللهم ، أصله : الله أمنا بخير من : أمه يؤمه ؛ إذا قصده فحذفوا الهمزة ، فصار : اللهم. قال : والدليل على بطلان قولهم : جواز : ياللهم في الشعر. ولو كانت الميم بدلا من (يا) لم يجتمعا ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه (٣).

ورد جامع العلوم قول الفراء هذا فقال : (وهذا الذي ذكره باطل ؛ لأنا نقول اللهم أهلك الكافرين. ولو كان التقدير : الله أمنا بخير ؛ لوجب أن يقال : وأهلك الكافرين ، ولأنه يقال : اللهم ، اغفر لي ، ولا يقال : اللهم ، واغفر لي ...) (٤).

٣ ـ مع أحمد بن يحيى ثعلب (ت ٢٩١ ه‍)

على الرغم من كون ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة في زمانه ، فإن جامع العلوم لم يحتفل به كثيرا ؛ إذ لم يذكره في شرحه الكبير سوى ثلاث مرات حكى في الأولى روايته عن العرب أنهم قالوا : خذ اللص قبل يأخذك ؛ أي : قبل أن يأخذك (٥) باضمار (أن).

والثانية تجويزه : إلا زيدا قام القوم (٦). والثالثة : أسقط جامع العلوم فيها اعتراض من اعترض على ثعلب في قوله : فاخترنا أفصحهن (٧) ؛ إذ لم يقل فصحاهن ، بدليل قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٨).

فافرد وذكر ؛ لأن الإفراد مع الإضافة أحسن من : التثنية والجمع والتأنيث (٩).

وبعد هذه الإلمامة بموقف جامع العلوم من عدد من النحويين الكوفيين أستطيع أن أقول :

١ ـ إن جامع العلوم كان قليل النقل أو الرواية عن الكوفيين.

٢ ـ اقتصر نقله ، في الغالب ، على المسائل الخلافية.

__________________

(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٩٢.

(٢) نفسه ١٩٢.

(٣) نفسه ٢٨٩.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٨٩ ، ومعاني القرآن للفراء ١ : ٣٠٣.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٦٤.

(٦) نفسه ٢٢٨.

(٧) نفسه ٢٢٨.

(٨) ٢ : سورة البقرة ٩٦.

(٩) شرح اللمع لجامع العلوم ٢٢٨.

٤٦

٣ ـ كان يتتبع آراءهم ، مبطلا إياها ، ناقضا لها في الأعم الأغلب.

الخاتمة ونتائج البحث :

إن السنتين اللتين عشتهما مع شرح اللمع لجامع العلوم ، قارئا ، وناسخا ، ودارسا ، ومحققا قد تكللتا بحمد الله ، بإنجاز هذا السفر النفيس القيم من تراث أمتنا المجيد. والعمل الذي أقدمه اليوم بين أيدي الدارسين والباحثين ، أستطيع أن أجمل نتائجه بما يأتي :

١ ـ أول النتائج هو إخراج الكتاب.

٢ ـ إن تحقيق هذا الشرح قد حماه من الضياع.

٣ ـ الكشف عن أثر جديد من آثار جامع العلوم النافعة.

٤ ـ أكدت من خلال الدراسة ، ما ذهب إليه الدكتور محمد الدالي بأن كتاب ((إعراب القرآن)) المنسوب للزجاج ؛ إنما هو كتاب ((الجواهر)) لجامع العلوم.

٥ ـ القطع بأن مذهبه في النحو هو مذهب البصريين.

٦ ـ اهتمامه بالقراءات القرآنية شواهد على ما يذهب إليه من أقوال ، هو دليل على اعتباره إياها من مصادر اللغة ، والدرس النحوي ، واللهجات الفصيحة.

٧ ـ قلة استشهاده بالحديث الشريف دليل جريه على رأي من سبقه من النحويين.

٨ ـ يتسم شرحه بالشمول والسعة ، فهو منهل ثر ، ومرجع أصيل للعلماء والباحثين.

٩ ـ من خلال دراسة خمسة شروح من شروح اللمع ، استطعت أن أبين مكانة شرح جامع العلوم من تلك الشروح.

١٠ ـ إن ما حشد في شرحه من آراء ، وتعليلات ، ونقول ومناقشات ، ليعد مصدرا مهما توثق منه تلك المعارف في علوم العربية.

١١ ـ إعطاء إحصاء دقيق بأسماء الكتب التي ألفها يوفر فرصة للبحث عنها ، والكشف عنها في مظانها.

١٢ ـ القطع بأن لقبه المتداول بين الناس ، وعلماء عصره ، هو (جامع العلوم) ، وليس (الجامع النحوي) أو ما سواه ، كما ذهب ، أو قد يذهب إلى ذلك غيري.

١٣ ـ جامع العلوم أحد علماء القرن السادس الهجري ، فبتحقيق كتابه ، أكون قد نوهت بأحد أعلامه ، وذكر بعض ميزاته.

وانا إذ أشرفت على النهاية ؛ فإني أبتهل إلى الله العلي القدير ، أن يصلي على سيدنا ، وحبيبنا ، وشفيعنا محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه الغر الميامين ، وأن يجعل عملي هذا ، خالصا لوجهه تعالى ، وخدمة كتابه العظيم ، الذي يسره لنا بلسان رسوله الكريم ، وأن ينفعني به يوم الدين ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

٤٧

وصف المخطوط ومنهج التحقيق

أ: وصف المخطوط :

هي نسخة وحيدة ، مكتوبة بخط نسخي جميل جدا ، مقيد بالشكل الكامل ، تحتفظ بها المكتبة الشعبية ، بصوفيا ، في بلغاريا ، قد جاء في وصفها في الفهرس ، بأن جعلت عبارة (قال أبو الفتح) و (قلت) بالحمرة ، وعنوانات الأبواب بالسواد (١) ؛ غير أن جهاز التصوير لم يلتقط ما كتب بالمداد الأحمر والأسود وأمللت ذلك واضعا إياه بين قوسين معقوفين [].

ويسبق نص الشرح أربع صفحات ، على الأولى عنوان الكتاب ، وهو ((هذا كتاب شرح اللمع في علم النحو)) وإلى جنبه من يسار القارئ تمليك جاء فيه : ((من الكتب التي أودعها الدهر لدى أفقر العباد ، محمد بن أبي النصر بن محمد الشيخ الشهير بالعماد (٢) ، غفر الله ذنوبهم ، وستر عيوبهم يوم التناد ، بمنه العظيم ، وكرمه العميم)).

ويتناثر على الصفحة تفسير لغوي لبعض الألفاظ كالقريض ، والإحاطة ، والرشاء ، والرواء ، والضرام ، وغيرها.

وفي أسفل الصفحة ، على يمين القارئ ، أربعة أسطر قصيرة متراكبة ، ضمت حكمة تبين فضل العلماء ، وخسة الجهلاء ؛ وهم الدكتور عبد القادر السعدي ، فظنها أبياتا من الشعر (٣) ، وهي : البركة في القرى ، والظلم في الأمصار. الجاهل في القرى ، والعالم في الأمصار. تنتقل البركة من القرى إلى المصر ببركة العلماء ، وينتقل الظلم من المصر إلى القرى بشؤم الجهلاء.

وضمت الصفحتان الثانية والثالثة عنوانات ، أبواب الكتاب وحظيت الصفحة الثانية في أعلاها من اليمين بعبارة مهمة جدا ، وهي ((قوبل ثلاث مرات)). أما الصفحة الرابعة ، فقد ضمت العنوان ثانية والتمليك السابق نفسه على الجانب الأيسر منها ؛ وقد ابتدأه بقوله : ((من عواري الدهر وودائع العصر)) ثم ساق الألفاظ أنفسها. وتحته تاريخ بدء قراءة العماد للكتاب ؛ إذ ورد : ((ابتدأت بقراءته ضحى يوم الأربعاء ، السابع و «العشرين من صفر ، سنة ثلاث وخمسين وستمئة])) (٤).

وفي أعلى الصفحة تمليك ثان ، نصه : ((الله أكبر. من كتب الفقير حشمة المولوي ، غفر الله له)). أما الجهة اليمنى من الصفحة ، فقد ضمت بقية أبواب الكتاب وتمليكا ثالثا ، نصه : ((مما ساقه الله الملك القدير ، إلى سلك ملك مالكه الفقير ، محمد بن مصطفى الحقير ، الشهير بباقر ، عفي عنهما يوم الحشر والنشر)).

وفي الصفحة الأخيرة من المخطوط ، ذكر الناسخ تاريخ انتهاء نسخه اياه ؛ إذ قال : ((وقع الفراغ من كتابته نصف النهار من يوم الخميس التاسع عشر من شوال ، لسنة سبع عشرة وست

__________________

(١) فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في المكتبة الشعبية بصوفيا ٢ : ١٣١.

(٢) لم أعثر له على ترجمة.

(٣) الجامع النحوي ١ : ٦٠ (الدراسة).

(٤) في الأصل طمس ، أثبته من إنباه الرواة ٢ : ٢٤٨.

٤٨

مئة هجرية)).

وبجانب هذه العبارة ، من اليسار ، عبارة مقابلة لهذا الكتاب ، كان قد أجراها صاحبه ، وهي : ((فرغ من مقابلته صاحبه اسماعيل بن محمد الحاكم (١) ، عشية الأربعاء ، الخامس عشر ، من جمادى الآخرة ، سنة سبع وعشرين وست مئة ، والحمد لوليه ، رحم الله من دعا له بالمغفرة)).

ويشتمل المخطوط على ست وأربعين وثلاث مئة صفحة (٢) ، في كل صفحة تسعة عشر سطرا ، متوسط عدد الكلمات في كل سطر أربع عشرة كلمة.

وعلى هامش الصفحة من الجانبين ، في أقصى اليمين وأقصى اليسار ، عنوانات الموضوعات الفرعية التي يتحدث عنها جامع العلوم ، ضمن العنوان الكبير لذلك الباب ، وبعض الإيضاحات والتعليقات على ما ورد في الكتاب.

وبعد هذا كله ؛ فإن هذه النسخة التي أنجزت تحقيقها ، بفضل الله ومنه ، هي مما تفضل به علي الدكتور طارق الجنابي ، فأعطانيها رسالة للدكتوراه ، وهي ـ كما قلت ـ نسخة ، مصورة عن أصلها في مكتبة صوفيا ، ببلغاريا. وهذه النسخة ـ كما قال لي الدكتور طارق الجنابي ـ هي من مقتنيات تلميذه الدكتور حازم سعيد يونس ، من أهل الموصل ، فإلى الدكتور حازم سعيد ، شكري ودعائي له بظهر الغيب ، أن يجزيه الله خير ما يجزي العلماء العاملين والرجال الساهرين على لغة القرآن وأهلها.

ب ـ منهج التحقيق

بعد الفراغ من نسخ شرح اللمع ، شرعت ، في تحقيق ، ما ورد فيه من الآي الحكيم ، والقراءات ، والشعر قصيده ورجزه ، والفكر النحوي ، وأسماء الأعلام من القراء والنحويين واللغويين ، وغير ذلك مما يهم الدارس معرفته ، على النحو الآتي :

١ ـ توثيق الشاهد القرآني : رجعت إلى نص المصحف الشريف ، زيادة في الاستيثاق ، ذاكرا رقم السورة واسمها ورقم الآية.

٢ ـ توثيق القراءات : وثقتها من أغلب كتب هذا العلم ، ومن التفاسير الشهيرة ، ومن كتب علوم القرآن ، نحو : السبعة ، لابن مجاهد ، ومختصر في شواذ القرآن ، والحجة في القراءات السبع ، لابن خالويه ، والحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي ، وحجة القراءات لأبي زرعة ، والتيسير للداني ، والنشر ، لابن الجزري ، وإتحاف فضلاء البشر ، للدمياطي ، وغيث النفع للصفاقسي ، ومن التفاسير تفسير الطبري ، وتفسير التبيان للطوسي ، والكشاف للزمخشري ، ومجمع البيان ، للطبرسي ، وتفسير الرازي ، وتفسير القرطبي والبحر المحيط لأبي حيان ، ومعاني القرآن للفراء ، وإعراب القرآن للنحاس ... وغيرها.

٣ ـ توثيق الحديث النبوي الشريف : رجعت في توثيقه إلى كتب الحديث المشهورة نحو : سنن

__________________

(١) لم أعثر على ترجمته.

(٢) في المخطوط ورقتان مكررتان ؛ فعدته على ما ذكرت وليست ثلاث مئة وخمسين صفحة.

٤٩

ابن ماجة ، وسنن الترمذي ، وسنن الدارمي ، وسنن أبي داود وغريب الحديث ، لابن قتيبة ، والمعجم الكبير للطبراني .. وغيرها.

٤ ـ توثيق الشاهد الشعري : وثقته على النحو الآتي :

أـ إكمال البيت إذا كان ناقصا.

ب ـ ذكر بحره.

ج ـ إعطاؤه رقما خاصا ، للإحالة على ذلك الرقم. إن تكرر البيت.

د ـ عزوه إلى قائله.

ه ـ إرشاد القارئ إلى مكانه من : الديوان ، وكتب النحو ، ككتاب سيبويه ، ومقتضب المبرد ، وأصول ابن السراج ، وكتب أبي علي الفارسي ، وكتب ابن جني ، وخزانة الأدب ، للبغدادي ، وكتب المجاميع الشعرية ، كالمفضليات ، للضبي ، وحماسة أبي تمام ، وحماسة البحتري ، وغيرها.

وـ لم ألح في ذكر اختلاف رواياته ، لعدم جدوى ذلك ، اللهم إلا إذا كانت الرواية تذهب بالشاهد ، فأذكرها عند ذاك.

ز ـ شرحت ما اشتمل عليه من غريب اللغة. أو مبهم المعنى ، واعتمدت في ذلك على معجمي : لسان العرب ، وتاج العروس.

٥ ـ توثيق الفكر النحوي : وأعني به الآراء النحوية. والمسائل الخلافية التي استقاها من النحويين السابقين. ولا سيما البصريون ، وما نقله أو رواه عن النحويين الكوفيين ؛ فرجعت لتوثيق ذلك إلى كتب سابقيه ، فكان كتاب سيبويه ، ومقتضب المبرد ، وأصول ابن السراج ، ومعاني الفراء ، ومعاني الأخفش ، وآثار أبي علي ، وابن جني ، المورد الأول ، في ارتشاف ذلك واقتناصه. فإن لم أجده تسقطت ذلك عن طريق الشاهد الشعري في تراث لاحقيه ، ومروياته من بعده من علماء النحو ، كشرح المفصل ، لابن يعيش ، وشرح جمل الزجاجي ، لابن عصفور ، وخزانة الأدب للبغدادي ... وغيره ، فكان للطلب وراء مظان الشاهد الشعري ، في تلكم الأسفار ، الأثر البالغ في ظفري بالكثير من تلك الأفكار والآراء ، مما لم أجده في كتب سابقيه ، وهذا هو الأمر الذي حدا بي لأن أوثق الشاهد الشعري من مصادر عدة ، إتماما للفائدة ، وتيسيرا للمتتبع.

كما إني لا أكتم أحدا سرا ، فقد عجزت عن توثيق (بعض) الآراء ، ولا سيما تلك التي عبر عنها جامع العلوم ب (قال بعضهم) أو (زعم قوم) أو نسبها لمن تقدمه ، ولم أجدها في آثار سابقيه ، أو كان الأثر الذي يضم ذاك الرأي ، أو تلك المسألة ، مخطوطا ، ولكن ما يزال مفقودا.

٦ ـ ترجمت لجميع الأعلام الذين وردت أسماؤهم في متن الشرح ، من القراء ، والنحويين واللغويين ، وغيرهم.

ولم أشأ ترجمة الشعراء الذين لم أطمئن لتصريح جامع العلوم بأسمائهم ، لأن آلة التصوير كما قلت ، لم تلتقط أسماءهم. والذين ذكرهم جامع العلوم ، لا يتجاوزون بضعة شعراء ، فطويت

٥٠

كشحي عن ترجمتهم ؛ لشهرتهم وقلة عددهم ، ولئلا ألزم نفسي بمنهج تراجم شعراء ، ربما لم يكن جامع العلوم قد ذكرهم بالاسم ، وأنه ربما كان يقول : ((قال الشاعر)).

ورجعت في ترجمة الفئات الثلاث : القراء والنحويين واللغويين إلى المصنفات التي تعنى بفن كل منهم ، نحو : مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي وأخبار النحويين البصريين ، للسيرافي وطبقات النحويين واللغويين ، لأبي بكر الزبيدي ، وإنباه الرواة على إنباه النحاة ، للقفطي ، وغاية النهاية في طبقات القراء ، لابن الجزري ، وغير ذلك من كتب التراجم.

ونوهت للمترجم : باسمه ، ووفاته ، وعمن أخذ ، ومن أخذ عنه ، وحرصت أن تكون الترجمة قدر الإمكان موجزة مفيدة.

٧ ـ عمدت إلى النص المحقق فشكلته جميعا ، حرفا حرفا ، حفظا للسان قارئه من أن يزل ، وضبطا للنص من أن تند منه لفظة ، أو ينتقل نظري فيه ؛ لأني لم أضع تلك الحركات إلا ومعاني الكلام قائمة في نفسي ، آخذ بعضها باعناق بعض.

٨ ـ وضعت فهارس فنية مفصلة ، لما ورد في متن الشرح ، وصنعتها لما أجد فيها من النفع الكبير ، ودفع العسر ، والعناء عن الباحثين ، أو المستفيدين من هذا الكتاب ، وما للفهارس من عون في تلبية الحاجة الملحة ، باختزال الزمن ، والظفر بالبغية بأيسر السبل حتى كانت الفهارس قسما برأسه ، استغرق ثمانين صفحة ونيفا.

٩ ـ استخدمت أربعة أنواع من الأقواس ، على الترتيب الآتي :

أـ الأقواس المزهرة لحصر () الآيات القرآنية الكريمة.

ب ـ الأقواس الصغيرة الحجم وبخط مختلف (()) لحصر الأحاديث النبوية الشريفة.

ج ـ الأقواس الصغيرة المفردة (الهلالان) () لحصر ما قصد لفظه.

د ـ الأقواس القائمة المعقوفة [] لحصر ما لم تلتقطه آلة التصوير ، وللزيادة التي يقتضيها السياق ، وللانتقال من صفحة إلى أخرى من صفحات مخطوط شرح اللمع.

٥١

٥٢

٥٣

٥٤

٥٥
٥٦

القسم الثاني / تحقيق كتاب شرح اللمع

لجامع العلوم

٥٧
٥٨

[١ / أ] بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.

[قال أبو الفتح](١) : الكلام كله ، ثلاثة أضرب : اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى.

[قلت] : الكلام : رفع بالابتداء. كله : ابتداء ثان. ثلاثة أضرب : خبر (كله) والجملة : خبر الابتداء. ويجوز أن يكون الكلام ، مبتدأ ، وكله تأكيدا ، وثلاثة أضرب ، هو الخبر في الحقيقة ، تقويه قراءة أبي عمرو (٢) : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(٣). ألا ترى أن (كله) مبتدأ ، و (لله) خبره ، والجملة : خبر (إن). فهذا تقوية للوجه الأول. وتقوية الوجه الثاني ، قراءة الجماعة بالنصب لأنه تأكيد الأمر.

فإن قلت : فلم ذكر : الاسم ، والفعل مطلقين ، ولما جاء إلى ذكر الحرف ، قال : وحرف جاء لمعنى ، فقيده بهذا التقييد؟ قلت : إنما أطلق الاسم ، والفعل ، لأن كل واحد منهما يدل على معنيين. ألا ترى أن الاسم في قولك : (جاءني زيد) يدل على كونه فاعلا ، وعلى شخص زيد. وكذلك : (رأيت زيدا) ، يدل : (زيد) على أنه مفعول ، وعلى شخصه. والفعل أيضا يدل على معنيين ، على الحدث ، وعلى الزمان الواقع فيه. ألا ترى أن (ضرب) يدل على الضرب. وعلى الزمان الواقع فيه.

فلما كان الاسم ، والفعل ، كل واحد منهما يدل على معنيين ، والحرف لا يدل إلا على معنى واحد ، خص (٤) الحرف بقوله : (جاء لمعنى) أي : لمعنى واحد بخلاف ما يكون عليه الاسم ، والفعل. مثال ذلك : (هل) فإنه يدل على الاستفهام ، فحسب. و (سوف) يدل على تخليص الاستقبال ، و (اللام) تدل على التعريف. فإن قلت : إن الكلام يتركب من شيئين : فعل ، واسم ، كقولك : قام زيد. واسم ، واسم ، كقولك زيد قائم. فلم قال : ثلاثة أضرب ، وقد أريناك من شيئين؟ قلت : إن في الكلام [١ / ب] مضمرا ، وتقديره : ألفاظ الكلام كله ثلاثة أضرب فحذف

__________________

(١) هو : عثمان بن جني الموصلي ، النحوي ، اللغوي (ت ٣٩٢ ه‍). كان من حذاق الأدب. صحب أبا علي الفارسي ، واستملى منه ، وأخذ عنه ، وصنف في زمانه ، ووقف أبو علي على تصانيفه واستجادها. له :

(الخصائص) ، و (المنصف) ، و (المحتسب) ، و (سر صناعة الإعراب) ، و (اللمع في العربية). ينظر : نزهة الألباء في طبقات الأدباء ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ، وإنباه الرواة على إنباه النحاة ٣٣٥ ـ ٣٤٠.

(٢) هو : زبان بن العلاء ، أبو عمرو التميمي ، المازني ، البصري (ت ١٥٤ ه‍). ليس في القراء السبعة من أكثر شيوخا منه. سمع أنس بن مالك ، وغيره. وقرأ على : الحسن البصري ، وأبي العالية ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم. روى عنه القراءة جماعة ، منهم : يحيى بن المبارك اليزيدي ، ويونس بن حبيب. ينظر : طبقات النحويين واللغويين ٣٥ ـ ٤٠ ، وغاية النهاية في طبقات القراء ١ : ٢٨٨ ـ ٢٩٠.

(٣) ٣ : سورة آل عمران ١٥٤. وقرأ بها يعقوب. السبعة في القراءات ٢١٧ ، وحجة القراءات ١٧٧ ، وتفسير القرطبي ٤ : ٢٤٢.

(٤) الفاعل محذوف يعود على صاحب اللمع ، أي : خص ابن جني.

٥٩

المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، كما قال الله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(١) أي : أهل القرية.

فكذلك هاهنا. عنى أن الكلام ، يتركب إذا أفاد من الثلاثة ، على معنى أنه لا يوجد لهذه الثلاثة رابع. ويتركب من شيئين من جملة الثلاثة. فإن قلت : ومن أين لكم أن تقولوا : إن الكلام ، ثلاثة أضرب. وهل أدرك أحد جميع كلام العرب ، حتى يجوز له القطع ، والبتات على ثلاثة أضرب؟

قلت : إن هذا الكلام عبارة عن المعنى. والمعنى شيء يشترك فيه جميع الناس ، فما من معنى يمكن أن يعبر عنه بكلمة إلا رجعت تلك الكلمة إلى هذه الثلاثة ، وهذا معقول. فإن قلت : ليس الأمر كذلك ، لأنا قد وجدنا في كلامهم أشياء خارجة عن الاسم ، والفعل ، والحرف ، وذلك قولهم : (صه ، ومه ، وها ، ورويد) وأشباهه ، فإن قولنا : (صه) ، لا يكون اسما ، لأن الكلام مستقبل به ، والاسم الواحد لا يكون كلاما. وبهذا المعنى يبطل كونه حرفا ، فيبقى أن يكون فعلا. ولا يجوز كونه فعلا ، لدخول التنوين عليه ، في نحو : (صه) و (مه). قلت : إن (صه) اسم للفعل ، وهو داخل في هذه الثلاثة ، وليس بخارج منها ، لدخول التنوين عليه. والتنوين على هذا الحد ، شيء يختص بالأسماء ، وذلك ، لأن (صه) معرفة ، إذ معناه : اسكت الآن.

و (صه) نكرة ، إذ معناه : اسكت سكوتا. والتنوين فارق بين التعريف والتنكير ، فلم يختص بالأسماء.

بقي أنه ما (٢) كان كلاما مفيدا بنفسه ، والاسم المفرد لا يكون كلاما. وإنّما كان كذلك ، لأن (صه) اسم (اسكت). و (اسكت) جملة غير مفرد ، فكذلك (صه) بمنزلته ، فكما أن في (اسكت) ضمير الفاعل ، وتقديره : اسكت أنت ، فكذا (صه) أنت.

ويدل على أن هذا النوع : اسم دخول الألف واللام ، في قولك : النجاك ، بمعنى : انج والألف واللام من خصائص الاسم.

[قال أبو الفتح] :

الاسم : ما حسن فيه حرف من حروف الجر ، أو كان عبارة عن شخص ، فحرف الجر ، نحو قولك : (من زيد) و (إلى عمرو) [٢ / أ] وكونه عبارة عن شخص. نحو قولك ، هذا رجل ، وهذه امرأة.

[قلت] : إن علامات الاسم كثيرة ، ولا تخلو من أحد أربعة مواضع : إما أن يكون في أوله ، نحو حرف الجر ، والألف واللام ، أو في آخره ، كالتنوين ، والتثنية ، والجمع على حدها ، أي حد التثنية ، أو يكون في أوسطه ، كياء التصغير ، وألف التكسير في (رجيل ومصابيح) ، أو يكون في معناه ، ككونه عبارة عن شخص. وإذا ثبت هذا ، فهل للاسم حد ، لغة ، أم لا؟ فقد اختلفوا فيه.

والصحيح : أن لا حد له ، لغة ، لأن حد كل شيء ما يمنع أن يدخل فيه ما ليس منه.

وأن يخرج منه ما هو فيه. فكل ما يحد به الاسم ، يخرج منه شيء ، ألا ترى أن قول ابن

__________________

(١) ١٢ : سورة يوسف ٨٢.

(٢) ما : موصولة بمعنى : الذي.

٦٠