شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

باب النّونين

(قال أبو الفتح) : وهما ثقيلة وخفيفة. فالثقيلة أشد توكيدا من الخفيفة والفعل قبلهما مبني على الفتح. وأكثر ما يدخل في القسم. تقول : والله لأقومنّ وبالله لأذهبنّ.

(قلت) : اعلم أن قوله (لأقومنّ) كان في الأصل قبل إدخال النون الثقيلة عليه معربا لأنه وقع بنفسه موقع الاسم فأعرب على ما سبق شرحه والانفصال عنه فلما دخل الحرف عليه الذي هو (النون) بني لإدخال الحرف عليه وإنما بني لأنه لا يفصل بين الفعل وبين هذه النون. ولا يلزم أن يقال : إن سائر الحروف يدخل الأسماء والأفعال ولا يبنيان معها (١٦٠ / أ) فإنا نقول : هناك يفصل بين الحروف وبين ما دخلت عليه نحو : إن زيدا قائم. فإنه يقال : إن في الدار زيدا بخلاف ما نحن فيه فإنه هاهنا لا يفصل بين النون الثقيلة والخفيفة وبين ما دخلتا عليه وبني (الفعل) (١) على الفتح لئلا يشتبه بالجمع لأنه في الجمع مضموم فتقول : والله لتضربنّ وللمرأة : والله لتضربنّ. ففي الجمع مضموم وفي التأنيث مكسور وإنما بني على الضم في الجمع لأن الضمة تدل على أن الواو حذفت فتدل الضمة عليها وإنما حذفت الواو لالتقاء الساكنين ، لأن أصله : لتضربونن فأدغمت النون في النون.

(فإن قلت) : ففي قوله : اضربانّ أيضا كسرت النون تشبيها بالتثاني. التقى ساكنان : الألف والنون الأولى.

(الجواب) : قلنا إنما لم يحذف الألف إذ لو حذفناه لأدى ذلك إلى اشتباه التثنية بالواحد ، فلم نحذفه لأنه إذا حذفت الألف يبقى قوله : اضربنّ فيشتبه بالواحد.

(فإن قلت) : كسرة النون تفرق بين التثنية والواحد فكان من الواجب أن يكتفى بالكسرة عن الألف.

(الجواب) : ليس كذلك ، وذلك لأن الكسرة ، إنما تبقى مع الألف ، فإذا حذف الألف سقطت الكسرة.

كل موضع يدخله النون الثقيلة ، فإنه يدخله النون الخفيفة (٢) ، إلا في موضع واحد وهو : التثنية وذلك لأنه لو دخلته النون الخفيفة ، لالتقى ساكنان فلم يجز إدخال النون على التثنية لالتقاء الساكنين.

وقال يونس (٣) : إنه يدخله النون الخفيفة قال وإن أدى ذلك إلى التقاء الساكنين ، لأنه قد وجد هاهنا حرف مد ولين والمد يقوم مقام الحركة. فإذا كانت المدة قائمة مقام الحركات قال :

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الكتاب ٣ : ٥٠٨ ، ونصه : (اعلم أن كل شيء دخلته الخفيفة ، فقد تدخله الثقيلة كما أن كل شيء تدخله الثقيلة تدخله الخفيفة).

(٣) الكتاب ٣ : ٥٢٧ ، ونصه : (وأما يونس وناس من النحويين فيقولون : اضربان زيدا ، واضربنان زيدا ، فهذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم).

٣٦١

فلا يؤدي ذلك إلى التقاء الساكنين. وتقول في الجمع : لا تذهبنّ معنا ومع التأنيث : لا تضربنّ فتحذف النون لزوال الرفع وذلك ، لأن قوله : يقومون : معرب وعلامة الرفع فيه : ثبات النون فأما إذا أدخلت عليه النون الخفيفة أو الثقيلة ، بنيت لإدخال الحرف عليه وحذفت الواو لالتقاء الساكنين (١٦٠ / ب).

وكذلك أيضا في التأنيث العلة هذه فإن انفتح ما قبل الواو والياء حركت الواو بالضم والياء بالكسر لالتقاء الساكنين. تقول : اخشونّ زيدا ، ولا ترضينّ عن عمرو وإنما تحرك الواو بالضمة في هذا الموضع ، لأنه لم يوجد هناك حركة من جنس الواو تدل على الواو ، لأن الحركة التي تدل على الواو ، الضمة والتي تدل على الياء ، الكسرة ولم توجد هاهنا فحرّكنا الياء والواو لهذا المعنى.

وتقول في جماعة المؤنث : اضربنانّ زيدا يا نسوة. أصلها : اضربننّ ففصلت بين النونات بالألف تخفيفا. ومثله في كلام أبي مهدية (١) في صلاته : اخسأنانّ عني (٢). وكذلك : لا تخشينانّ عمرا. فإذا وقفت على النون الخفيفة أبدلت منها للفتحة التي قبلها ألفا. تقول : يا زيد اضربا ويا محمد قوما كما تقول في الأسماء المنونة : رأيت زيدا لأنا قد بينا أن النون في هذه الأفعال ، بمنزلة التنوين في الأسماء من حيث يقوى الفعل بالنون ، ثم التنوين إذا كان ما قبله مفتوحا ، فإنه يبدل منه ألف. فكذلك ، هاهنا فإن لقيها ساكن بعدها حذفت لالتقاء الساكنين كما قال الشاعر :

٣٥١ ـ ولا تهين الكريم ...

 ... (٣)

أصله : لا تهينن ، فحذف لالتقاء الساكنين. والله أعلم.

باب النّسب

اعلم أن ياء النسبة ، تلحق الاسم الصريح في الصفات فتجعل ما لا يوصف به مما يوصف به فتقول في : بغداذ (٤) : رجل بغداذي ، وبغداذي أبوه وبغداذ : لا يوصف به قبل ياء النسبة (٥).

واعلم أن بين الياء في باب النسب وبين تاء التأنيث مناسبة وهما لا يجتمعان والدليل على

__________________

(١) هو : أفار بن لقيط الأعرابي ، دخل الحواضر واستفاد الناس منه اللغة. ينظر : طبقات الزبيدي ١٥١ ، وإنباه الرواة ٤ : ١٧٦.

(٢) اللسان (خسأ) ١ : ٥ ، والخصائص ١ : ٢٣٩ هامش (٢).

(٣) هذه قطعة بيت من المنسرح ، للأضبط بن قريع السعدي وتمامه :

 ... علك أن

تركع يوما ، والدهر قد رفعه

وهو بهذه النسبة في : الشعر والشعراء ١ : ٣٨٣ ، وأمالي القالي ١ : ١٠٨ ، وفيها : لا تعاد الفقير والخزانة ١١ : ٤٥٠ ، ٤٥٢. وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ٢٢١ ، وابن يعيش ٩ : ٤٣ ، ٤٤ ، وشافية ابن الحاجب ٢ : ٢٣٢ ، والمغني ١ : ١٥٥٥ ، ٢ : ٦٤٢ ، ولم ترد لفظة الكريم في روايات البيت.

(٤) في بغداد لغات : بالدال والذال والنون : بغداذ وبغداد وبغدان ينظر : الزاهر ٢ : ٣٩٨ ـ ٤٠٠.

(٥) وذلك لأن لياء النسبة أثرا معنويا وحكميا يلحق الاسم الذي تلحقه وأشهر هذه الأحكام أن تصيره : مشتقا بعد الجمود ونكرة بعد التعريف ومبنيا معها على الكسر بعد الإعراب ، وصفة بعد أن كان موصوفا ومتضمنا للضمير وأن تنقل إعرابه إلى الياء ، وهي حرف ينظر : كشف المشكل ٢ : ٥٦ ، والنحو الوافي ٤ : ٥٣٦.

٣٦٢

صحة هذا ، هو أن كل واحد منهما يعاقب الآخر ويقوم مقامه. فقيام كل واحد منهما مقام الآخر ، دليل قوي على المناسبة بينهما. ولا يجتمعان في اسم واحد وهذا يتضح بمسألة ، وهو قولك : فرازين ، وفرازنة (١) ، وزناديق ، وزنادقة ، فإذا ذكرت الياء فإنك لا تذكر التاء وإذا ذكرت التاء (١٦١ / أ) فإنك لا تذكر الياء ، فتقول في النسبة إلى : حمزة أو طلحة : حمزيّ ، وطلحيّ ولا تقول : طلحتيّ. لأن بين التاء ، والياء مناسبة.

وإذا علمت هذا ، فاعلم أن الأسماء على ضربين : صحيحة ومعتلة. فالصحيحة على ثلاثة أضرب. إذا كان ثلاثيا : إما أن يكون على : (فعل) أو (فعل) أو (فعل). فإن كان على (فعل) أو (فعل) فإنه لا يغير. فتقول في : جمل ، وقلم : جملي وقلمي. وفي : سمر : سمريّ. وإن كأن فعلا ، على ثلاثة أحرف أبدلت من كسرته فتحة ، هربا من توالي الكسرتين ، والياءين تقول في الإضافة (٢) إلى : نمر : نمريّ. لأن الثلاثي أخف الأشياء فلما كان كذلك طلب فيه الخفة فأبدل من كسرته فتحة.

فإن تجاوز الثلاثة لم تغيّر كسرته تقول في الإضافة إلى تغلب : تغلبيّ وإنما فعلت هذا وذلك لأن الكسرة سقط حكمها لغلبة كثرة الحروف. والثقل كان حاصلا في غايته فلم يحتج بعد ذلك إلى أن تفتح الكسرة ، إذ ذلك لا يخرجه عن كونه ثقيلا ، فبقي بحاله ، بخلاف الثلاثي ، وذلك لأنه في غاية الخفة فطلب فيه الخفة تخفيفا لها.

فإن كان الاسم ثلاثيا مقصورا ، أبدلت من ألفه واوا لوقوع ياء الإضافة بعدها ، سواءا كان الاسم من بنات الواو ، أو بنات الياء فتقول في : فتى : فتويّ ، وفي رحى : رحويّ ، وفي قنى (٣) : قنويّ. فقلبت الألف واوا لالتقاء الساكنين ، ولتوالي الياءات. فهذا القسم الثاني.

فإن كان المقصور رباعيا ، وألفه غير زائدة ، كان الوجه قلبها واوا. تقول في مغزى : مغزويّ.

ويجوز الحذف فتقول : مغزيّ. فإن كانت ألفه زائدة فالوجه : الحذف تقول في سكرى : سكريّ.

ويجوز البدل فتقول : سكرويّ. لأنه ليس بقياس. وقد قالوا في دنيا : دنييّ ، فحذفوها لأنها زائدة.

وقد قالوا : دنيويّ تشبيها بمغزويّ. وقالوا : دنياويّ ، لأنهم توهموا : دنياء ممدودة ، وإن لم تكن مستعملة ، وحكاه سيبويه ، أيضا (٤).

فإن تجاوز الأربعة (١٦١ / ب) فالحذف للطول لا غير. فتقول في مرامى : مراميّ. فإن كان المقصور على أربعة أحرف وهو متحرك الأوسط فإنك تحذف الألف ، فتقول في جمزى (٥) :

__________________

(١) الفرزان من لعب الشطرنج ، أعجمي معرب وهو ما يسمى في اللعبة بالوزير. ينظر : الكتاب ١ : ٤٢٢ ، هامش ٢.

(٢) أي في النسبة.

(٣) القنا : جمع قناة ، والقنا : احديداب في الأنف. المقاييس (قنا) ٥ : ٢٩.

(٤) الكتاب ٣ : ٣٥٢ ، ونصه : (وقالوا في دنيا : دنياوي).

(٥) الجمزي : ضرب من السير ، وهو أشد من العنق. المقاييس (جمز) ١ : ٤٧٨.

٣٦٣

جمزيّ ، وفي بشكى (١) : بشكيّ. ولا تقول : جمزويّ وبشكويّ وذلك لأن الفتحة هاهنا قامت مقام حرف. فكأنه كان على خمسة أحرف ، تقديرا. فلو كان على خمسة أحرف لحذف منه فكذلك إذا كانت الحركة قائمة مقام الحرف ، وجب أن تحذف. ولا تقول في (جمزى) ما تقول في (مغزى) على ما ذكر في الكتاب (٢). تقول في حبارى ، وفي قرقرى : حباريّ ، وقرقريّ. ولا تقول : حبارويّ ، ولا قرقرويّ.

فإن كان المنقوص ثلاثيا أبدلت من كسرته ، فتحته ، فصارت ياؤه للفتحة ألفا. ثم أبدلت من ألفه واوا على ما مضى. تقول في الإضافة إلى عم : عمويّ ، والى شج : شجويّ وكان أصله : عمي ، ففتحت ثم قلبت الياء ألفا لتحركها ، وانفتاح ما قبلها فصار عما ، كعصا. ثم أبدلت منه واوا ، لئلا يؤدي إلى توالي الياءات.

فإن كان المنقوص رباعيا ، فالوجه : حذف الياء فتقول في معط : معطيّ ، بحذف الياء الأصلي. ويجوز البدل فتقول : معطويّ وقاضويّ على ما ذكر.

فإن كان في آخر الاسم ياء مشددة نحو : صبي تحذف الأولى الزائدة فيبقى (صب). ثم تفعل به ما فعلت بقولك : عم وشج وغير ذلك. فإن كانت الياء المشددة قبل الطّرف ، حذفت المتحركة فتقول في أسيّد : أسيديّ. وفي حميّر : حميريّ. وأصل أسيّد : أسيود ، وهو تصغير : أسود ، فقلبت الواو ياءا ، ثم أدغمت الياء في الياء ، فيبقى : أسيّد. ثم فعل به في الإضافة ما فعل من التخفيف.

وتقول في حنيفة : حنفيّ بحذف التاء ، لأنا قد بينا أن تاء التأنيث وياء النسبة لا يجتمعان. ثم تحذف الياء بحذف التاء ، ثم يفتح ما قبل الياء عند حذف التاء فتقول : حنفيّ وكذلك في جميع المواضع. (١٦٢ / أ).

وربما شذ شيء من ذلك ، نحو قولك في سليقة : سليقيّ. وفي الخريبة : خريبيّ. فإن كان مضاعفا ، فإنك تبقيه على حاله. تقول في شديدة ، وحديدة : شديديّ ، وحديديّ ، فلا تحذف الياء ، لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع حرفين من جنس واحد. فإن كان قبل الياء واو لم تحذف الياء فقالوا في بني حويزة : حويزيّ ، إذ لو حذفت الياء للزمك أن تفتح الواو. ولو فتحت الواو ، لانقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فبقي في النسبة : حازيّ وطاليّ في طويلة ، وهذا مما لا يجوز على أنه قد جاء : طائيّ في النسبة إلى : طيّيء.

فإن لم تكن في الكلمة تاء التأنيث لم تحذف الياء تقول في : سعيد : سعيديّ ، وفي عقيل ونمير : عقيليّ ، ونميريّ. وإنما فعلت كذلك وذلك لأنه خفيف ، فلم تحتج إلى الحذف بخلاف ما إذا كان فيه تاء التأنيث وذلك لأن هناك ، تحذف التاء. ثم حذف التاء يجرّئهم على حذف الياء.

فأما هاهنا ، فلا تاء حتى تحذف الياء لأجل التاء.

__________________

(١) البشكى : ضرب من السير ، يقال : ناقة بشكى ، أي سريعة المقاييس (بشك) ١ : ٢٥٠.

(٢) الكتاب ٣ : ٣٥٤ ، ونصه : (تقول في حبارى : حباري ، وفي جمادى : جمادي ، وفي قرقرى : قرقري).

٣٦٤

وربما قالوا في ثقيف : ثقفيّ ، وفي قريش : قرشيّ. والوجه : قريشيّ وثقيفيّ ، على ما ذكر (١) إلى قوله : تقول في : علباء : علبائيّ ، ألحقوه بسرداح. فقالوا : الألف في مقابلة الحاء من : سرداح. ثم هناك لا تحذف الياء ، ولا تقلب واوا. هاهنا ، وجب أن يكون كذلك.

ومنهم من يقول : إنّ همزته كهمزة : صحراء فقالوا : علباويّ. وقد قالوا في : قرّاء : قرّاويّ.

والأصل : قرائيّ (٢).

فإن كان في الكلمة تاء التأنيث ، حذفتها لياء النسب لأن علامة التأنيث لا تكون حشوا.

تقول في طلحة : طلحيّ. فإن نسبته إلى جماعة ، أوقعت ياء النسبة على الواحد منها تقول في رجال : رجليّ. ولا تقول : رجاليّ ، لمعنيين : أحدهما ، وهو أنه بإدخال ياء النسب تجعل الاسم الذي لا يوصف به بعد إلحاق الياء به مما يوصف به. ولو قلت : ثوب رجاليّ ، لما صح ، وذلك لأن المفرد ، لا يوصف بالجمع ، بل المفرد يوصف بالمفرد ، والجمع يوصف بالجمع (٣).

(١٦٢ / ب).

الثاني : وهو أن المقصود من قوله : ثوب رجاليّ ، إنما هو بيان الجنس والجنس قد حصل بالواحد ، فلا حاجة إلى الجمع. مع أن الواحد أخف من الجمع وهو الأصل وقد ، قالوا في الفرائض : فرائضيّ وذلك شاذ فإن سميت بالجمع واحدا أقررته في النسب على لفظة. تقول في المدائن : مدائنيّ وفي أنمار : أنماريّ لزوال المعنيين اللذين ذكرناهما.

(قال أبو الفتح) : وقد شذت ألفاظ من النسب لا يقاس عليها. قالوا : في (الحيرة) : حاريّ ، وفي (طيّيء) : طائيّ ، وفي زبينة : زبانيّ ، وفي أمس : إمسيّ ، بكسر الألف (٤). وفي الحرم : حرميّ (٥) ، وفي بني الحبلى ، حي من الأنصار : حبليّ (٦) ، وفي بني عبيدة : عبديّ وفي جذيمة (٧) : جذميّ ، والقياس : جذيميّ أو جذميّ ، وحرميّ وحبلويّ وفي طيّيء : طيّئيّ.

واعلم أن الاسمين إذا جعلا اسما واحدا ، فإنه يجوز أن تضيف إلى الأخص ، والأغلب منهما فتقول في عبد شمس : شمسيّ. وقالوا : عبشميّ ، لأن (شمسا) أخص من (عبد) وكذلك في عبد

__________________

(١) أي : على ما ذكر ابن جني. ينظر : اللمع في العربية ٣٢٣.

(٢) النسبة لما آخره همزة قبلها ألف إن كانت الهمزة للتأنيث قلبت واوا نحو : صحراء : صحراوي وإن كانت أصلية ثبتت على الأكثر ، نحو : قراء : قرائي وإن كانت منقلبة عن أصل نحو : كساء ورداء أو ملحقة بحرف أصلي نحو : علباء فالوجهان : كسائي وعلبائي وكساوي ، وعلباوي. ينظر : شافية ابن الحاجب ٢ : ٥٤ ، ٥٥.

(٣) ذكر النحويون أن النعت يتبع منعوته في عشرة وهي : الرفع ، والنصب ، والجر والتعريف والتذكير ، والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث. ينظر : الجمل ١ : ١٩٦.

(٤) عند الشارح وابن برهان. وأما العلوي فضم أوله. ينظر : شرح اللمع ـ لابن برهان ٦٣١ ، واللمع في العربية ٣٢٩ ، هامش (٣) ، وشرح اللمع ـ للعلوي ٢٥٣.

(٥) بكسر الحاء وإسكان الراء. ينظر : شرح اللمع ـ لابن برهان ٦٣١ ، وشرح الثمانيني أ: ٢١٠.

(٦) ليفرقوا بينه وبين (الحبلي) لعظم بطنه. ينظر : اللمع في العربية ٣٢٩ ، هامش (٥).

(٧) جذيمة على وزن (فعيلة) وليس مصغرا. ينظر : الكتاب ٣ : ٣٣٦.

٣٦٥

قيس : قيسيّ. ولا تقول : عبديّ ، لأن (القيس) أخص من (عبد) فتضيفه إليه ، وإن شئت قلت : عبقسيّ.

وتقول فيمن يعتقد مذهب المعتزلة في الأصول ومذهب أبي حنيفة في الفروع : حنفزليّ. وفي الشافعي : شفعزليّ ، وفي حنبلي : حنبزليّ.

باب التصغير

اعلم أن التصغير في الأسماء بمنزلة الوصف له بالصّغر لأنه لا فرق بين أن تقول : رجل صغير وبين أن تقول : رجيل إلا أن العرب يؤثرون التخفيف على التثقيل. فقوله : رجيل أخف من قوله : رجل صغير. فأقاموا التصغير الذي هو : رجيل مقام الصفة وهو قولهم : رجل صغير.

والدليل على أن التصغير بمنزلة الوصف : إجماع النحويين على إعمال اسم الفاعل إذا لم يكن موصوفا. وذلك أنك تقول : هذا ضارب زيدا. فتنصب (زيدا) بقولك : ضارب. لأن اسم الفاعل مشبّه بالفعل وفيه معنى الفعل ، فأعمل. فإذا وصفته ، فإنك لا تعمله. (١٦٣ / أ) وذلك قولك : هذا ضارب ظريف زيدا (١). فلا يجوز أن تعمل ضاربا بعد كونه موصوفا وذلك لأنك إذا وصفته فقد أخرجته عن شبه الفعل ، إذ الفعل لا يوصف فلم تعمله. وكذلك إذا صغرت اسم الفاعل فإنك لا تعمله أيضا فلا تقول : ضويرب زيدا. فلما لم تعمله إذا كان موصوفا ولم تعمله إذ كان مصغرا علم بهذا أنه إنما كان كذلك لأجل أن التصغير نائب مناب الصفة. والدليل عليه أيضا أن النحويين أبدا يتبعون باب النسب باب التصغير. وذلك لأن ياء النسب يجعل الاسم مما يوصف به.

والتصغير أيضا نائب مناب الصفة. وإذا علمت هذا فاعلم أن أمثلة التصغير ثلاثة (فعيل) و (فعيعل) و (فعيعيل) على ما ذكر (٢).

أعلم أن الأصل ، إنما هو (فعيل) وهو أن تضم الفاء من كل اسم تريد تصغيره وتفتح العين وتسكن الياء للتصغير وياء التصغير ، أبدا تقع ساكنة ثالثا. وإنما وقعت ساكنة ثالثا ، حملا على جمع التكسير وهو قولك : مساجد وقناديل ومفاتيح فالألف في جمع التكسير وقعت ساكنة ثالثا.

فكذلك أيضا التصغير حمل عليه وإنما حمل التصغير على التكسير ، لما نص عليه سيبويه وهو أنه قال : التصغير والتكسير من واد واحد (٣). وإلحاق أحدهما بالآخر إنما كان لمعنى جامع بينهما وهو

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٢٩ ، وفيه قال سيبويه : (لأنه يفصل بوصف بينه وبين العامل. ألا ترى أنك لو قلت : مررت بضارب ظريف زيدا وهذا ضارب عاقل أباه ، كان قبيحا ، لأنه وصفه فجعل حاله كحال الأسماء ، لأنك إنما تبتدئ بالاسم ثم تصفه).

(٢) اللمع في العربية ٣٣٠.

(٣) الكتاب ٣ : ٤١٧ ، وفيه : الجمع بدل : التكسير إذ نصه : (التصغير والجمع من واد واحد) وإنما هو من واد واحد لأن جمع التكسير عند ما يتغير نظم واحده بالزيادة والنقصان والتصغير عند ما يتغير نظم واحده ، بياء التصغير يبقى بناؤهما وإعرابهما جاريا على الآخر منهما. ولأنهم قصدوا إلى معنى زائد في الاسم حيث غيروا صيغته تغييرا يؤذن بذلك وإن التصغير وجمع التكسير يردان الأشياء إلى أصولها وينظر : اللمع في العربية ٧٦ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ : ٥٧٢.

٣٦٦

أن ألف التكسير تغير نظم الواحد ، كما أن ياء التصغير تغير نظم المكبر فألحق التصغير بالتكبير.

واعلم أن هذه الياء التي للتصغير إذا وقعت بعدها واو متحركة فإن تلك الواو تقلب ياءا ثم تدغم الياء في الياء وهو قولك : أسود وذلك لأن تصغيره : أسيود. إلا أنهم قلبوا الواو ياءا. ثم تدغم الياء في الياء وقالوا : أسيّد وإذا كانت الواو قبل الياء فإنك تبقيها بحالها وهو قولك : جوزة وبيضة وذلك لأن تصغيره : جويزة ولا تقلب الواو ياءا لأجل الإدغام وذلك لأن من شرط الإدغام أن يكون الأول ساكنا والثاني متحركا. (١٦٣ / ب) وهاهنا الأول متحرك والثاني ساكن فلم يجز الإدغام بخلاف : أسيود على ما سبق.

ومنهم من يقول : أسيود فحمل التصغير على التكسير لأن في جمع التكسير يقال : أساود ، فصححوا الواو ، ولم يعلّوها. فكذلك في التصغير وجب أن يصحح.

فإن كان في الاسم تاء التأنيث فإنه يفتح ما قبل التاء في التصغير تقول في تصغير طلحة : طليحة ، بفتح الحاء. وإنما فعلت كذلك وذلك لأن التاء بمنزلة اسم مضموم إلى الأول ، ثان. ثم في الاسم المضموم إلى ما قبله يفتح ما قبله ، فكذلك أيضا هاهنا. وبيان ذلك وهو : بعلبكّ ، وذلك أن تصغيره : بعيلبكّ فتفتح اللام ، فكذلك أيضا هاهنا.

وكذلك ما فيه الألف والنون الزائدتان إذا لم تكسّر الكلمة عليهما. فتقول في سكران : سكيران لأنك لا تقول : سكارين كما تقول في سرحان : سراحين وإنما تقول : سكارى وذلك لأن هذه الألف والنون بمنزلة الألف في : حمراء وفي حمراء يقال : حميراء فكذلك ما يكون في مقابلته وجب أن يصغر كما يصغر المشبه به فإن كانت الياء منقلبة عن واو ، رددتها في التصغير إلى أصلها وذلك لأنك في التصغير ترد الأشياء إلى أصولها تقول في ريح : رويحة وذلك لأن أصله واو بدليل قولك : راح يروح وكذلك في ديمة : دويمة لأنه من : دام ، يدوم.

إلا أنهم قالوا في عيد : عييد (١) ، ولم يقولوا : عويد ولم يردوه إلى أصله وإنما كان كذلك وذلك لأن للعرب طريقين في التصغير : أحدهما : الإقرار والثاني : الرد إلى الأصل. ف (عيد) أصله : عود بالواو ، إلا أنهم قلبوا الواو ياءا لأجل الكسرة الموجبة لقلب الواو ياءا ، إجراءا على الأصل. ويبين هذا بمسائل منها : أنهم قالوا في وعد : يعد وأصله : يوعد فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة. ثم أقروا هذا يعني الحذف في سائر أخواته ولم تكن الواو واقعة بين الياء ، والكسرة وهو قولك : تعد ، وأعد ونعد حملا على الأصل.

وكذلك قالوا في مستقبل : أكرمت (١٦٤ / أ) : أكرم وأصله : أأكرم إلا أنهم حذفوا إحدى الهمزتين لئلا يؤدي إلى الجمع بين همزتين ثم حذفوا الهمزة في سائر أخواته وأقروا الحذف. وقالوا في المخاطب : تكرم وللمخبر عن نفسه وعن الجماعة : نكرم مع أنه يمكن أن يقال : تؤكرم ونؤكرم ولا يؤدي إلى الجمع بين الهمزتين ، حملا على الأصل وجريا عليه.

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٤٥٨ ، واللمع في العربية ٣٣٢.

٣٦٧

وقالوا : دم ويد والأصل : دمي ويدي ، فحذفوا اللام وحركوا العين بحركة اللام ثم قالوا : دميان وبقوا الميم متحركة ولم يردوه إلى أصله في السكون جريا على الحركة العارضة ومحافظة عليه حتى لا يكون الردّ كلا ردّ. فإن كانت العين ألفا رددتّها إلى أصلها واوا كانت أو ياءا. فالتي من الواو قولك في مال : مويل لأنها من الواو بدليل قولك : أموال وتقول : تموّل الرجل وليس من الميلان على ما قالوا : من أن المال سمي (مالا) لميلان الطباع إليه إذ لو كان كذلك لكان من الواجب أن يقال : مييل. وفي حال : حويلة بدليل قولك : أحوال ، وحال يحول.

(فإن قلت) : لم قلت : حويلة بالتاء ، ولم تقل : حويل؟.

(الجواب) : لأن الحال مؤنث فكان من الواجب أن يقال : حالة إلا أنهم لما حذفوا في الأصل فبالتصغير ردوه إلى الأصل. والأصل في التأنيث أن تكون فيه العلامة ، فردوه إلى أصله وألحقوا التاء به لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها.

وفيما يكون من الياء يقول في ناب : نييب (١) ، وفي عاب : عييب لأنه من الياء بدليل قولك : أنياب وأعياب ويجوز أن تقول في شيخ وعيب : شييخ وعييب بكسر الشين من شيخ والعين من عيب (٢). لمجاورة الياء على ما ذكر إلى قوله : عجوز (٣) ، تقول : عجيز كما فعلوه في : أسود فقالوا :

أسيود ثم قلبوا الواو ياءا وأدغموا الياء في الياء فقالوا : أسيّد ولمعنى آخر وهو أن الواو في المكبر ، وقعت ساكنة. فلو حركناه في المصغر ، لأدى ذلك إلى انتقاض باب التصغير ، لأن التصغير ، إنما بني على الحذف ، ولو حركناه في المصغر لأدى (١٦٤ / ب) ذلك إلى زيادة شيء عليه. وذلك لأن الأصل في الحروف السكون والحركة زائدة عليها ، لأن الحركة بمنزلة حرف آخر. فإن كانت الواو لاما قلبتها لضعفها ياءا البتة. تقول في تحقير عروة : عريّة ، وفي شكوة : شكيّة. وإنما تنشّأ ضعفها من وقوعها طرفا ، فإن حقرت بنات الخمسة (٤) ، حذفت الحرف الأخير ، لتناهي مثال التحقير دونه. تحذفه أي تحذف الحرف الأخير لوقوعه طرفا ، ومايلي الطرف حكمه حكم الطرف فتحذف كما تحذف ما هو في الطرف ، تحذفه اعتبارا بحاله في جمع التكسير ، فتفعل به ما تفعل في جمع التكسير. تقول : في تصغير سفرجل : سفيرج وإن شئت : سفيرل على ما قاله إلى قوله : حبارى تحمله في التصغير على جمع التكسير. فأما : حبارى ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون : حبيّر فتحذف الألف الأخيرة وتقلب الأولى ياءا. وإن شئت قلت حبيرى فتبقي الأخيرة بحالها وتحذف الأولى وإن شئت قلت : حبيرة فتحذف الأخيرة وتبدل منها هاءا وتحذف الأولى.

فإن كان الاسم المحقر ثلاثيا مؤنثا ، ألحقت في تحقيره الهاء فتقول في (شمس) شميسة وفي (قدر) قديرة وفي (دار) دويرة (٥). وكان الأصل في هذه الأسماء أن يكون فيها التاء لأنها مؤنثة فلم

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٤٢٦ ، وفيه : (منهم من يقول في (تاب) تويب وهو غلط).

(٢) الكتاب ٣ : ٤٨١ ، واللمع في العربية ٣٣٤ ، ٣٣٥.

(٣) الكتاب ٣ : ٤٧٠.

(٤) الكتاب ٣ : ٤٤٨ ، واللمع في العربية ٣٣٦.

(٥) اللمع في العربية ٣٤٢.

٣٦٨

يدخلوا التاء عليها ، وخالفوا الأصل. فلما صغرناها رددناها إلى أصلها وأدخلنا التاء عليها لأن في باب التصغير ترد الأشياء إلى أصولها إلا أنه شذت أشياء عن القياس تقول في قوس : قويس ، وفي فرس : فريس ، وفي نعل : نعيل ، و (الجيّد) (١) : قويسة ، وفريسة ، ونعيلة. وفي حرب : حريب ، وفي عرس : عريس (٢).

فإن تجاوز المؤنث ثلاثة أحرف لم تلحقه تاء التأنيث لطول الاسم بالحرف الرابع لأن الحرف الرابع كأنه قائم مقام تاء التأنيث. فلو أدخلنا التاء في قوله : عناق لأدى ذلك إلى التطويل في باب التصغير والتصغير إنما سمي تصغيرا لأنه يطلب فيه الخفة والحذف. فإذن تقول في (عناق) : عنيّق (٣). ولا (١٦٥ / أ) تقول : عنّيقة ، لأن الحرف الرابع قائم مقام التاء فلا احتياج إلى إدخال التاء ومع ذلك قالوا في (قدّام) قديديمة وفي (وراء) وريّئة وفي (أمام) أميّمة.

وتقول في تحقير الأسماء المبهمة (٤) ، في (ذا) ذيّا. اعلم أن (ذا) عندنا أصله : ذوي (٥) ، على وزن : فعل فحذفت الياء للاستثقال. فلما حذفوا الياء بقي : ذو فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فبقي (ذا). وقال أبو علي : أدغمت الواو في الياء ثم خفف كما خففوا (ميتا) في : ميّت فحذفت العين. واستدل بأنهم صغروا على لفظ (ذا) فقالوا : ذيّا وأصله : ذييّا فالمحذوف عندنا (٦) ، إنما هو عين الفعل لا لام الفعل إذ لو قلنا : إن المحذوف هو لام الفعل لأدّى ذلك إلى أن تكون الياء بعد الذّال ، عين الفعل. الأخرى ، إنما هو ياء التصغير. ولا يجوز ذلك لأن ياء التصغير قط لا تكون متحركة وإنما تكون ساكنة فإذن الوجه أن يقال : إن المحذوف إنما هو عين الفعل والياء التي بعد الذال ياء التحقير والياء التي بعد ياء المحذوف ، إنما هو لام الفعل والألف عوض عن الضمة التي يجب لحاقها أول التحقير فلما لم يلحق أول (ذيّا) الضمة التي تلحق في نحو : رجيل عوضت عنها الألف.

وكذلك (اللّذيا) الألف عوض عن الضمة ومثله (اللّتيّا) وقلنا : إن أصل (ذا) ذوي [ولم نقل](٧) : ذيي لأن باب : طويت وشويت أكثر من باب القوّة والحوّة. والحمل على الأكثر أولى وقال بعضهم : (ذا) الأصل إنما يكون هو الذال. والألف زائدة وكذا قالوا في (الّذي) و (الّتي) فإن الألف واللام زائدتان و (تي) و (ذي) اسم.

__________________

(١) الأصل غير واضح.

(٢) اللمع في العربية ٣٤٢.

(٣) الكتاب ٣ : ٤٨١ ، واللمع في العربية ٣٤٢.

(٤) الكتاب ٣ : ٤٨٧ ، واللمع في العربية ٣٤٢.

(٥) بالضم بلا تنوين لبنائه وجاء في الأصل منونا (ذوي) وهو وهم ينظر : شرح الشافية ١ : ٢٨٤.

(٦) أي : عند البصريين أما الكوفيون فعندهم أن (الذال) من (ذا) هو الاسم والألف زائدة بدليل ذهابها في التثنيه نحو (ذان ، وذين) فإذا أرادوا تصغيرها زادوا عليها زيادة تكمل لها بناء التصغير ولم ير ابن يعيش بأسا على من ذهب إلى أن (ذا) ثنائي لا أصل له في الثلاثي فهو شبه : من وكم في المبهمة وأن الألف أصل كألف : لدى وإذا ينظر : ابن يعيش ٣ : ١٢٦ ، ١٢٧ ، وشرح الشافية ١ : ٢٨٥ هامش (١).

(٧) الأصل غير واضح.

٣٦٩

وقد شذت أشياء من هذا الباب لا يقاس عليها. قالوا في عشيّة (١) : عشيشية. وفي مغرب : مغيربان. وفي إنسان : أنيسيان وفي الأصيل أصيلان. وأبدلوا من النون لاما ، فقالوا : أصيلال.

اعلم أن الجمع لا يصغر لأن الجمع والتصغير ، ضدان لأن أحدهما للتكثير والآخر للتقليل فهما لا يجتمعان. فأصيل : جمعه أصل. وأصلان : جمع أصل فقال قائلون : إن أصلانا : ليس بجمع أصل بل هو اسم صيغ للجمع فدخل التصغير (١٦٥ / ب) قياسا على : نفر ورهط وذلك لأنهما اسمان صيغا للجمع فأدخلوا عليهما التصغير فقالوا : نفير ورهيط.

قلنا : هذا باطل وذلك لأن (فعلانا) يأتي جمعا ل (فعل) ومنهم من قال : إنه اسم معرفة صيغ لهذا الوقت بعينه قلنا : هذا محال وذلك لأنه لو كان كذلك لكان من الواجب أن لا ينصرف ، لاجتماع السببين فيه : التعريف ، وزيادة الألف ، والنون فإذن الوجه أن يقال : إن هذا شذ عن القياس والقياس يقتضي أن لا يصغر ولكن هو شاذ عن القياس ، كما ذكر سيبويه (٢).

باب ألفات القطع وألفات الوصل

الألفات على ضربين على ما ذكر فقوله : همزة القطع ما تقطع اللفظ بها ما قبلها عما بعدها.

وذلك قولك : إبل وفي الفعل : أكرم. فإنك تقول : هذه إبل فلان فتقطع اللفظ بها ولا تسقطها كما تقول في ألف الوصل وذلك أنك تقول : يا زيد اضرب عمرا فإنك تصل ما قبلها بما بعدها وتحذفها استغناءا عنها.

واعلم أن كل همزة وقعت في أول كلمة فهي همزة قطع إلا ما أستثنيه لك وذلك نحو قولك : أخذ وأخذ وأكرم ، وأكرم. فإن هذه كلها ألفات القطع.

وأما همزة الوصل ، فإنك تدخل في الكلم الثلاث : الاسم والفعل والحرف فدخولها في الأسماء في موضعين : اسم غير مصدر واسم مصدر. فأما التي من غير المصادر فعشرة وهي : ابن ، وابنة ، وامرؤ ، وامرأة ، واثنان ، واثنتان واسم واست وابنم وايمن. فالعشرة التي ذكرها تنصرف إلى قوله : إلا ما أستثنيه لك لأن الهمزة في هذه الأسماء كلها وقعت أولا. ثم هذه كلها همزة الوصل فهذا هو المستثنى.

اعلم أن قوله : ابن أصله : بنو لأن جمعه : بنون فهذا يدل على أن أصله : بنو لكن حذفوا الواو للاستثقال. فلما حذفوا الواو سكنوا الباء فلما سكّنوها أدخلوا عليها همزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن لأنه لا يمكن النطق بما (١٦٦ / أ) هو ساكن وجمعه : بنون وأصله : بنوون. ولكنهم حذفوا الواو التي هي للجمع وعلامة له.

واسم أصله : سمو فحذفوا الواو. فلما حذفوه بقي الاسم على حرفين فأسكنوا السين ثم أتوا بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن فقالوا : اسم.

(فإن قلت) : يجوز أن يقال : إن أصله : سمو لأن جمعه يأتي على (أفعال) وهو : أسماء ، وأفعال : جمع : فعل ، كجبل ، وأجبال ، وأسد ، وآساد. فكذلك أيضا لما أتى جمعه على (أفعال) استدللنا بهذا على أن أصله : سمو.

__________________

(١) الكتاب ١ : ٤٨٤.

(٢) الكتاب ٣ : ٤٨٤.

٣٧٠

(الجواب) : ليس كذلك. وذلك لأن (أفعالا) يكون جمعا للأبنية الثلاثية كلها إلا (فعلا) بسكون العين فإن جمعه يأتي على (أفعل). على أن جموع الثلاثي كلها تتداخل. فيجوز أن يكون أصله (فعلا) ثم يأتي جمعه على : (أفعال) هذا كما تقول في : الزمن وذلك لأن جمعه يأتي على (أزمن) مع أن القياس يقتضي أن يكون جمع (فعل) (أفعالا) ثم إنه يأتي جمعه على هذا. فكذلك أيضا هاهنا وجب أن يكون بهذه المثابة لأن جموع الثلاثي تتداخل والدليل على أن أصله : سمو (قول الشاعر) :

٣٥٢ ـ باسم الذي في كلّ سورة سمه (١)

 ...

وأصله : سموه ، ولكنه حذفت الواو للمعنى الذي ذكرناه.

وأما : اثنتان ، واثنان فأصلهما : ثنوان وثنوتان لأن أصله : ثنو أو : ثني. فالمحذوف هو الياء أو الواو على اختلاف النحاة ولكنهم لما حذفوا الياء قالوا : ثنتان وهذا لا واحد له لأنّ واحده من غير لفظه ، وهو : واحد. وكذلك جمع القلة إلى العشرة لا واحد له من لفظه وهو : أثناء.

وأما است ، فإن أصله : سته بدليل قوله : أستاه وستيه ولكنهم حذفوا الهاء كما حذفوا الواو ، لأن بين الهاء وبين حروف المد واللين مشابهة لأنها من مخرج واحد فلما حذفوا الهاء بقي الاسم على حرفين فأسكنوا الأول وأدخلوا عليه ألف الوصل فقالوا : است والدليل على أن بين الهاء (١٦٦ / ب) وبين حروف المد واللين مشابهة هو : أنهم أبدلوا الهاء من الألف في قولهم : هرقت وأرقت وأبدلوا الألف من الهاء وهو في قولهم : ماء وذلك لأن أصله : ماه بدليل قولهم : مويهة ، وأمواه.

وابنم : الميم زائدة وهو : ابن (٢). وقالوا (٣) : سه في : أست وأصله : سته فحذفوا التاء والدليل

__________________

(١) من الرجز ، وبعده :

قد وردت على طريق تعلمه

وهو بلا نسبة في : المقتضب ١ : ٢٢٩ ، والإنصاف ١ : ١٦ ، وشافية ابن الحاجب ٢ : ٢٨٥ ، وابن يعيش ١ : ٤٢ ، واللسان (سما) ١٤ : ٤٠١.

(٢) إن الناسخ انتقل نظره فحجب عنا ما تكلم به جامع العلوم عن لفظة (ابنم). ومجمل ما قال النحويون واللغويون أن الميم في (ابنم) زائدة كميم زرقم. والزرقم : الأزرق الشديد الزرق واللام منه محذوفة إذ الأصل (بنو).

يقال : هذا ابنك ويزاد فيه الميم فيقال : هذا ابنمك فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين فقيل : هذا ابنمك فضمت الميم وأعرب بضم النون وضم الميم ومررت بابنمك ورأيت ابنمك ، تتبع النون الميم في الإعراب والألف مكسورة على كل حال ومنهم من يعربه من مكان واحد فيعرب الميم لأنها صارت آخر الاسم ويدع النون مفتوحة على كل حال فيقول : هذا ابنمك ومررت بابنمك ورأيت ابنمك وهذا ابنم زيد ومررت بابنم زيد ورأيت ابنم زيد قال حسان :

ولدنا بني العنقاء ، وابني محرّق

فأكرم بنا خالا ، وأكرم بنا ابنما

وقال الآخر :

 ...

ولم يحم أنفا عند عرس ولا ابنم

ينظر : اللسان (بني) ١٤ : ٨٩ ، ٩٠ ، وشرح الشافية ٢ : ٢٥٠ ، ٢٥٢.

(٣) من حق هذه العبارة أن تأتي بعد شرحه لفظة (است) إذ لا علاقة لها بما قبلها.

٣٧١

عليه قولهم : أستاه وستيه وقال عليه السّلام : (العينان وكاء السّه) (١).

وأما ايمن فإن الألف ألف الوصل بدليل أنها تسقط كما (في قول الشاعر) :

٣٥٣ ـ فقال فريق الحي ، لما نشدتهم :

نعم. وفريق : ليمن الله ، ما ندري (٢)

وأما امرؤ ، فأصله : مرء. فأسكنوا الميم على غير قياس كما أسكنوا السين من : اسم والباء من : ابن وادخلوا عليه ألف الوصل فإذا أدخلوا ألف الوصل أتبعوا الراء الهمزة. فقالوا : امرؤ وامرءا ، وامرئ فحركة الراء تبع لحركة الهمزة.

وأما أسماء المصادر فهو كل مصدر ماضيه متجاوز لأربعة أحرف في أوله همزة وهو مثل : استخراج واصفرار.

وأما دخولها في الأفعال ففي موضعين : أحدهما : الماضي إذا تجاوز عدّته أربعة أحرف وفي أوله همزة فتلك همزة الوصل. وذلك : استخرج وانطلق.

والآخر : مثال الأمر المواجه من كل فعل انفتح فيه حرف المضارعة ويسكّن ما بعده وهو قولك في الأمر : اضرب لأنه من : ضرب يضرب. وقد حذفوا همزة الوصل مع فاء الفعل في ثلاثة مواضع في الأمر المواجه : وهو قولهم : خذ ، كل ، مر. والأصل : أؤخذ أؤكل أؤمر. إلا أنهم حذفوها ، تخفيفا وقد ورد في القرآن : أؤمر وهو قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ)(٣).

وأما دخولها الحرف فهو في موضع واحد وهو لام التعريف نحو : الغلام والجارية.

واعلم أن همزة الوصل إذا وقع الاستغناء عنها بغيرها حذفت. وإذا وجدت همزة الاستفهام فتقول في الاستفهام : أبن زيد هذا؟ ومعناه : أإبن زيد هذا؟ ولكن لما وقعت الغنية عن همزة الوصل بهمزة الاستفهام حذفتها فقلت : أبن زيد؟ فإن كانت الهمزة مع لام التعريف (١٦٧ / أ) لم تحذفها مع همزة الاستفهام لئلا يلتبس الخبر بالاستفهام تقول : آ الرجل قال ذلك؟ آ الغلام خرج؟

وهذا لأن الأصل فيه : ألف الوصل. ثم إنهم أدخلوا عليه الهمزة للاستفهام ولم يمكن حذف همزة الوصل فأدخلوا عليها مدة. لأن أصله : آ الرّجل؟ فزادوا عليها المدة ولم يحذفوا ألف الوصل لئلا يشتبه الخبر بالاستفهام. وعلى هذا قول الله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ)(٤). وتقول في القسم : آلله ، لأذهبنّ فلم تحذفها لأنها صارت عوضا عن واو القسم. فلم تحذف التي للوصل ، لأنها عوض عن الواو ولا التي للاستفهام لأنها لا يفهم منها معنى الاستفهام بعد حذفها.

وتقول في النداء : يا ألله اغفر لي لأن الألف واللام هناك بدل من همزة (إله). وهمزة الوصل أبدا مكسورة نحو : إضرب وإجرح ، [و] إبن وإستخرج [و](٥) إمرؤ. إلا أن ينضمّ ثالثها ضما لازما فتضم هي وهو أن يكون للإتباع فتقول : اخرج فتضم الهمزة إتباعا لضمة الراء. وقال :

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٤٩ ، وسنن أبي داود ١ : ٩٢ ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ١٩ : ٣٢٠ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٩١.

(٢) البيت من الطويل لنصيب ، في : شعره ٩٤

(٣) ٢٠ : سورة طه ١٣٢.

(٤) ١٠ : سورة يونس ٥٩.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٣٧٢

اغزي يا جارية وإنما ضمت الهمزة ، لأن أصل : أغزي : أغزوي فضمّت الهمزة إتباعا لضمة الزاء على ما ذكر.

باب الاستفهام

(قال أبو الفتح) : ويستفهم بأسماء غير ظروف وبظروف ، وبحروف. فالأسماء : (من) و (ما) و (أيّ).

اعلم أن (من) على أربعة أقسام :

(الأول) : أن يكون موصولا فتقول : من عندك ظريف بمعنى : الذي وإذا كان كذلك فإنه إنما يكون مبنيا لأن الصلة مع الموصولات بمنزلة شيء واحد فكان (من) بعض الاسم وبعض الاسم لا يستحق الإعراب على ما سبق بيانه في مواضع.

(الثاني) : وهو أن يكون استفهاما. فتقول : من عندك؟ وإذا كان استفهاما فإنه إنما يكون مبنيا لتضمنه معنى همزة الاستفهام لأنك إذا قلت : من عندك؟ فمعناه : أزيد أم عمرو وما يكون متضمنا لمعنى الحرف فإنه يبنى.

(الثالث) : وهو أن يكون بمعنى الشرط والجزاء. تقول : من تضرب أضرب وإنما يكون مبنيا هاهنا لأنه تضمن معنى الحرف وهو (إن) لأنه هو حرف الشرط والجزاء.

(الرابع) : وهو أن يكون موصوفا وعليه قول (الشاعر) :

٣٥٤ ـ لا افتخار إلا (١٦٧ / ب) لمن لا يضام

مدرك أو محارب لا ينام (١)

فمن جرّ قوله : مدرك فهو إنما جره لأنه صفة لقوله : لمن أي : لرجل مدرك.

وأما (ما) فإنه يأتي على ثمانية أقسام : أربعة منها أسماء وأربعة حروف فأما كونه اسما ففي أربعة مواضع :

(الأول) : أن يكون موصولا.

(الثاني) : أن يكون موصوفا كما قال الله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٢). ف (عتيد) صفة لقوله (ما). ومعناه : هذا شيء لدي عتيد. ولا يجوز أن يقال : إنّ (ما) هنا ، موصولة. إذ لو كانت موصولة ، لكان من الواجب أن يقال : هذا ما لدي العتيد. فلما كان (عتيد) دون العتيد ، علمنا بهذا ، أن (ما) موصوفة في هذا الموضع.

[الثالث] : أن يكون بمعنى الشرط. قال الله تعالى (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ)(٣). فهو اسم.

والدليل على أنه اسم ، هو أن الضمير يعود إليه من قوله : يعلمه.

[الرابع] : وهو (ما) التعجب. نحو : ما أحسن زيدا!

وأما إذا كان حرفا ، ففي أربعة مواضع ، منها (ما) الكافة : وهو قولك : إنما ، وكأنما.

[الثاني] : وهو (ما) المصدرية.

__________________

(١) البيت من الخفيف للمتنبي ، في : ديوانه ٤ : ٩٢.

(٢) ٥٠ : سورة ق ٢٣.

(٣) سورة البقرة ١٩٧.

٣٧٣

[الثالث] : وهو (ما) الصلة الزائدة. وهو قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ)(١). وإنما سميت صلة ؛ لأن الكلام يوصل بها.

[الرابع] : وهو (ما) التي للنفي. ترفع الاسم ، وتنصب الخبر : فتقول : ما زيد قائما. لأنها حرف بمنزلة : هل ، وبل. [واعلم](٢) أن من : إنما تكون للعقلاء ، ولا تكون لغير العقلاء. وما : إنما يكون لغير العقلاء.

[فإن قلت] : قال الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٥) (٣) ، أقسم الله سبحانه وتعالى بذاته ، ب (ما) وهو تعالى عالم. فعلم بهذا أن (ما) يستعمل في العقلاء.

[الجواب] : قلنا : ليس كذلك ، وذلك لأن (ما) هناك ، المصدرية. فالتقدير : والسماء وبنائها.

[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٤) ، ومعلوم أن النّسوان من جملة العقلاء.

[الجواب] : قلنا ليس كذلك ، وذلك لأن (ما) هناك ، صفة للعقلاء. و (ما) يكون صفة للعقلاء. فالتقدير : فانكحوا المحلّلة من النساء.

وأما (أيّ) فقد تقدم شرحه في باب الموصول (٥).

والظروف : متى ، وأين ، وكيف ، وأنّى ، وأيّان ، وأيّ حين.

اعلم أن (متى) ظرف زمان. ويكون [١٦٨ / أ] خبرا عن الحدث ، ولا يكون خبرا عن الجثة.

تقول : متى انطلاقك؟. ولا يجوز : متى زيد؟. فإن قلت : متى زيد قائم ، وعلقت (متى) بقائم ؛ جاز. ولو قلت : متى زيد قائما ؛ لم يجز أن تنصب : قائما ، على الحال ؛ بخلاف (أين) لأن (متى) زمان ، فلا يكون زيد مبتدأ ، و (متى) خبره. كما يكون (أين) خبر زيد. وقولهم : متى أنت وبلادك ؛ إنما جاز لأن المعنى : متى عهدك ببلادك؟. فعهدك : حدث محذوف. فلما حذف المضاف انفصل المتصل ، فصار (الكاف) (أنت) كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٦) ؛ أي فنعما إبداؤها. فحذف الإبداء ، فانفصل فصار (ها) (هي). فكذا. هاهنا. وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ)(٧) ، فتقديره : متى البعث؟. ف (هو) كناية عن البعث.

و (أين) ظرف ، سؤال عن المكان. و (كيف) ظرف. سؤال عن الحال.

[فإن قلت] : فكيف : اسم. ولا تعلّق له بالزمان ، فكيف يقع عليه اسم الظرفية؟.

[الجواب] : نعم. ولكن معناه يدل على الظرفية. لأن معنى (كيف) : على أي حال ، وأيّ حال : ظرف زمان.

و (أيّ حين) حين : ظرف. وأيّ : اسم ، ولكن ، لما أضيف إلى الظرف ، اكتسى منه الظرفية.

__________________

(١) سورة آل عمران ١٥٩.

(٢) الأصل غير واضح.

(٣) ٩١ : سورة الشمس ٥.

(٤) ٤ : سورة النساء ٣.

(٥) ص ٣٦٩.

(٦) ٢ : سورة البقرة ٢٧١.

(٧) ١٧ : سورة الإسراء ٥١.

٣٧٤

و (أيان) بمعنى (متى) و (أنّى) بمعنى (متى) وقد يكون بمعنى (كيف).

والحروف : الهمزة. وأم ، وهل.

اعلم أن أم الباب ، في الاستفهام ، إنما هو : الهمزة. وذلك لأنه بالهمزة يستفهم عن المعلوم ، وغير المعلوم. يستفهم بها عن المعلوم ، على سبيل التقدير ، كما قال :

أطربا ، وأنت قنّسريّ .... (١)

وقد تحقق عنده أنه قنسري ، ثم استفهم عن طربه ، مع أنه قد تحقق عنده أنه قنسري. ولكن هذا الاستفهام ، إنما كان على سبيل التقدير. وكذلك ، أيضا ، قال الله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) (٢). وقد علم رسول الله ، عليه الصلاة والسّلام ، شرح صدره ؛ ولكنه ، إنما استفهم عنه تقريرا لهذا ؛ فعلم أن أم الباب في الاستفهام ، إنما هو الهمزة ؛ لأنها يستفهم بها عن المعلوم ، على سبيل التقرير ، وعن المشكوك فيه على سبيل التوبيخ ؛ بخلاف (هل) و (أم) وذلك لأنه يستفهم بها عن المعلوم ؛ إذ لا فائدة فيه. [١٦٨ / ب] ؛ ألا ترى أنك لو قلت : هل ضربت؟ فاستفهمت عن ضربه ، وعلمت أن الضرب منه ، فإنه لا يكون لهذا فائدة. وأما قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)(٣) ، ف (سأل) متعد إلى مفعولين. وهاهنا ، المفعول الأول ، في قوله (يسألونك) الكاف الذي للخطاب. والمفعول الثاني : الجار والمجرور ، وقد استوفى مفعوليه. فأيان مرساها ، محلّه ماذا؟

[الجواب] : قلنا : أيان مرساها : بدل عن قوله : (عن السّاعة) فمحلّه : نصب ، لأنه بدل عن المفعول الثاني. ويجوز أن يكون تفسيرا للساعة. فيكون تقديره : يسألونك عن الساعة ، ويقولون : أيان مرساها.

وأما (الهمزة) و (أم) فقد تقدم ذكرهما في باب العطف (٤).

فأما (هل) فكقولك : هل قام زيد؟ وهل يقوم زيد؟ إذا كان للاستفهام ، فجوابه في هذا الموضع (نعم) أو (لا) وقد يكون (هل) بمعنى (قد) كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٥) ؛ أي : قد أتى. و (هل) يكون مع ما بعدها بمنزلة الأمر ، كما قال الله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(٦) ؛ أي انتهوا.

واعلم أن (من) و (ما) و (أيا) في الاستفهام نكرات غير موصولات. وإذا لم تكن موصولات

__________________

(١) من الرجز ، للعجاج ، وبعده :

والدهر بالإنسان دوّاريّ

في : ديوانه ٣١٠ ، والكتاب ١ : ٣٣٨ ، والتحصيل ٢١١ ، والخزانة ١١ : ٢٧٤ ، ٢٧٥.

وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٢٢٨ ، وشفاء العليل ١ : ٤٥٦.

(٢) ٩٤ : سورة الشرح ١.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ١٨٧.

(٤) ص ٢٥٥.

(٥) ٧٦ : سورة الإنسان ١.

(٦) ٥ : سورة المائدة ٩١.

٣٧٥

فإنها تصير نكرات ؛ لأن تعريف الموصول إنما يكون بالصلة. وإذا لم يكن موصولا لم يكن معه معرّفا.

وقوله : إعراب الجواب ، على حسب إعراب السؤال ، نذكره في موضعه ، في باب الحكاية (١).

باب ما يدخل على الكلام فلا يغيره

وهو كل ما دخل على الاسم ، والفعل جميعا. وذلك نحو : إنما وكأنما ولكنما وليتما ولعلما.

اعلم أن هذه الحروف ، قبل إدخال (ما) عليها ، خصّ عملها بالأسماء ، فنصبت الأسماء ، ورفعت الأخبار. وبعد إدخال (ما) عليها ، صارت مكفوفة عن العمل. لأن (ما) الكافة ، كفتها عن عملها ، حتى إنها لم تعمل في شيء. فكان دخولها في الأسماء ، كدخولها في الأفعال. وإنما احتاجوا إلى إدخال (ما) الكافة ، على هذه الحروف ؛ وذلك : أنّ (إنّ) للتوكيد ، وكذلك أخواتها ، لكل واحد منها معنى بعينه.

فالعرب احتاجوا إلى التوكيد في الأفعال ، كما احتاجوا إلى التوكيد في الأسماء. فلم يمكنهم [١٦٩ / أ] إدخال (إنّ) في الأفعال ، فأدخلوا عليها (ما) الكافة. حتى كفت (إنّ) وأخواتها عن العمل ، وصارت مشتركة بين الأسماء ، والأفعال ، والحروف.

واعلم أن (ما) الكافة ، تدخل الأسماء ، فتكفها عن العمل. وتدخل الأفعال ، أيضا ، فتكفها عن عملها. وتدخل الحروف كذلك.

أما دخولها الأسماء ، فنحو قولك : بعد ما خرج زيد ، وبعد ما زيد خارج. وقبلما ضرب زيد ، وقبلما زيد ضارب. ف (بعد) الذي هو الاسم ، كان جارا ، وكان يجر ما بعده ؛ فيقال : بعد خروج زيد. ثم لما دخل (ما) عليها كفه عن الجر ، وكان ما بعده جملة مركبة من مبتدأ ، وخبر ، وفعل ، وفاعل. فالمبتدأ ، والخبر [قول الشاعر] :

٣٥٦ ـ أعلاقة ، أمّ الوليّد ، بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس (٢)

وأما دخولها الأفعال ، فنحو قولك : قلما يقوم زيد ، وقلما يخرج زيد. ف (قلّ) فعل. وقوله : يقوم : فعل. والفعل لا يدخل على الفعل ، إلا أنه لما دخله (ما) كفته عن امتناع دخوله في الأفعال ، حتى [لما اتصلت](٣) : دخلت الأفعال ، فقيل : قلما يقوم زيد. ولو لا وجود (ما) لما جاز دخول (قل) على (يقوم).

وأما دخول الحروف ، فنحو دخولها في (إنّ) و (لعلّ) وغير ذلك. وهذه الأشياء التي تدخل على الكلام ، فلا تغيره ، كثير. منها ما ذكرناه في (لعل) ومنها (إذ) و (إذا) و (هل) وهمزة

__________________

(١) ص ٤٠٩.

(٢) البيت من الكامل ، للمرار الأسدي ، أو الفقعسي ، في : الكتاب ١ : ١١٦ ، ١٦٨ ، : ١٣٩ ؛ وللمرار الفقعسي في : التحصيل ١١٤ ، ٢٨٣ ، والخزانة ١٠ : ٢٣٠ ، ٢٥١ ، ١١ : ٢٣٢ ، ٢٣٤.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٥٤ ، وابن يعيش ١ : ١٣١ ، وشفاء العليل ١ : ٢٤٦ ، وهمع الهوامع ٣ : ١٩٤.

(٣) الأصل غير واضح.

٣٧٦

الاستفهام ، وجميع الظروف المستفهم بها ، إذا كانت ملغاة غير مستقرات ، نحو قولك : إنما قام زيد. ف (قام) فعل ماض. وزيد : رفع بفعله ، وفعله : قام. وإنما زيد أخوك. فزيد : رفع بالابتداء.

وأخوك : رفع خبر المبتدأ. وإنما (ما) ملغاة في جميع المواضع.

وأما إذا كانت مستقرة ، غير ملغاة ؛ فإن الكلام يتغير بدخولها عليه. وهو نحو قولك : أين زيد قائما. وذلك لأن (أين) مستقرّ ، هاهنا ، لأن (زيد) رفع بالابتداء. و (أين) الذي قد تقدم ، الذي هو الاستفهام : خبره. وإذا كان كذلك ، فإنه يختلف ، ويتغير ، فينصب (قائم) الذي بعده على الحال. والعامل فيه ، إنما هو الظرف. والتقدير : أين استقرّ زيد قائما. وكذلك ، أيضا ، في سائر [١٦٩ / ب] أخواتها ، إذا كانت ملغاة ، فإنه لا يتغير الكلام بعدها. تقول : إنما زيد أخوك ، ولكنما جعفر منطلق ، وكأنما أخوك الأسد ، ولعلما أنت حاكم. فهذه كلها إذا كانت ملغاة ، فإن الكلام ، بعدها ، لا يتغير.

وأما (ليتما) خاصة ؛ فإن جعلت (ما) فيها كافة ، بطل عملها. وإن جعلتها زائدة للتوكيد ، لم يتغير نصبها. وإنما كان (ليتما) كذلك ، لأنه استعمل كذا ما كافة وإن شئت قلت : ليتما أخاك قائم. وينشد بيت النابغة ، على الوجهين : بالرفع والنصب :

٣٥٧ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ، ونصفه فقد (١)

وتقول : قمت إذ زيد جالس. وتقول أين زيد قائم ، وقائما ، على ما تقدم إذا كان مستقرا ؛ نصبت قائما ، وجالسا ، على الحال. وإذا قلت : متى زيد قائم رفعت (قائما) البتة. لأن (متى) ظرف زمان. وظروف الزمان ، لا تكون أخبارا عن الجثث. ولكن لو قلت : متى انطلاقك سريع ، وسريعا ؛ لجاز ، لأن الانطلاق حدث. وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث. قال أبو الفتح : إذا قلت : سريع ، ف (متى) يكون حالا للإنطلاق. ولو قلت : متى زيد جالس ؛ لم يكن (متى) حالا ؛ لأن ظروف الزمان كما لا تكون أخبارا عن الجثث ، لا تكون أحوالا لهم.

باب الحكاية

إذا استفهمت ب (من) عن الأعلام ، والكنى ، فإن شئت رفعت على الظاهر ، في جميع الأحوال ، وإن شئت حكيت الإعراب. إذا قلت : رأيت زيدا ، قلت : من زيد؟ وإن شئت : من زيدا؟ وتقول : مررت بزيد ، قلت : من زيد؟ وإن شئت : من زيد؟ اعلم أن هذا إنما يختص بأسماء الأعلام ، والكنى وهو للمطابقة بين الجواب ، والسؤال ، وإجراء الجواب ، على وفق السؤال. وهو إذا قال : رأيت زيدا ، قلت : من زيدا؟ فهذه خصيصة الأعلام ، والكنى وإنما اختصت بهذا الأعلام ، والكنى ؛ لأن للأعلام والكنى حرمة ، فيما بين [١٧٠ / أ] العرب ؛ لأنها أكثر ما يستعمل في كلامهم. ولكثرة ما يستعمل في كلامهم ، ولحرمتهم إياها ، اختصت بهذه الخصيصة ، وهو أن يجرى الجواب فيها على وفق السؤال ، حتى إنه لو كان

__________________

(١) البيت من البسيط ، في : ديوانه ١٦ ، والكتاب ٢ : ١٣٧ ، والتحصيل ٢٨٢ ، وشرح شذور الذهب ٢٨٠.

وبلا نسبة في : ابن يعيش ٨ : ٥٨ ، شفاء العليل ١ : ٢٠١.

٣٧٧

اسما ليس بعلم ، ولا كنية ؛ فإنه لا يجوز فيها إجراء الجواب ، على وفق السؤال؟. وبيان ذلك ، وهو أنه لو قال أحد : رأيت أخاك ، وضربت غلامك ؛ لم يجز لك أن تقول : من غلامك؟ ومن أخاك؟

كالسؤال عن العلم. وعلى العكس من هذا ، يجوز هذا في الأعلام ، والكنى ولم يجز في (الغلام) ولا في (الأخ) لأنه ليس بعلم ، ولا كنية.

واعلم أنه ، إذا قال : ضربت زيدا فقلت : من زيدا؟ فإنه ، وإن كان منصوبا ، في اللفظ فهو مرفوع في المعنى. لأن زيدا : رفع بالابتداء. و : من ، الذي تقدم ، هو خبره فهو في المعنى مرفوع بالابتداء. ونظير هذا قولهم : مررت بزيد. فإن قوله بزيد وإن كان مجرورا في اللفظ ؛ فهو منصوب في المعنى. وكذلك قولهم : هذه عصا فإنه وإن كان منصوبا في اللفظ فهو مرفوع في المعنى والضم فيه مقدر. فكذلك أيضا الجواب إذا كان على وفق السؤال في النصب ، والجر ؛ فإنه وإن كان منصوبا ومجرورا في اللفظ ؛ فإنه مرفوع بالابتداء ، ومرفوع في المعنى. فإذا قلت : من زيد فإنه يحتمل أن يكون استفهاما عن ذلك الشخص المذكور الذي هو زيد بعينه. ويجوز أن يكون استفهاما عن زيد آخر. وإذا قلت : ومن زيد؟ فأدخلت حرف العطف عليه ؛ فإنه الاستفهام عن ذلك الذي جرى ذكره في أول الكلام. لأن الواو حرف يقتضي ربط الكلام بكلام آخر قد جرى. إذ لا يجوز الابتداء بحرف العطف ، فلا يجوز الحكاية.

وإذا سألت ب (من) عن نكرة ، حكيت الإعراب ب (من) نفسها. إذا قلت : رأيت رجلا ، قلت : منا؟ : وإذا قلت : جاءني رجل ، قلت : منو؟ وإذا قلت : مررت برجل ، قلت : مني؟

وهذا عندنا ليس هو بإعراب ؛ بل هو تغير لأجل الوقف (١) لأنه بالوصل ، لا يتغير. وهو حكاية الإعراب ، وليس بإعراب. فإذا قلت : رأيت رجلا قلت : منا [١٧٠ / ب] ، وحكيت الإعراب في الجواب كان الاستفهام عن الرجل الذي تقدم ذكره. وإذا قلت : من؟ فإنه يحتمل أن يكون استفهاما عنه ، وعن غيره. وإذا قلت : من يا فتى؟ فإنه يكون استفهاما عن المجرى ذكره ؛ لقوله : يا فتى ، وبحرف العطف على ما ذكر إلى آخر الباب.

باب الخطاب

إذا خاطبت إنسانا فاجعل أول الكلمة للمذكور الغائب ، وآخرها للحاضر المخاطب. تقول ، إذا سألت رجلا عن رجل : كيف ذاك الرجل ، يا رجل؟ اعلم أن (ذا) إشارة إلى الأقرب. و (الكاف) للخطاب. فإذا قلت : ذاك ؛ فإنه يكون إشارة إلى الأقرب. فإذا زدت فيه اللام ، فقلت : ذلك ، فإنه يكون إشارة إلى الأبعد. وذلك ؛ لأن (ذا) للإشارة واللام دلالة على البعد ، و (الكاف) للخطاب.

[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ)(٢). فقوله : ذلك إشارة إلى الأبعد ،

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٤١٠ ، ونصه : (حدثنا يونس أن ناسا يقولون ابدا : منا ، ومني ، ومنو : عنيت واحدا ، أو اثنين ، أو جميعا في الوقف). وينظر : اللمع في العربية ٣٦٨.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١ ، ٢.

٣٧٨

والكتاب حاضر قريب فكان من الواجب أن يقول : الم ذاك الكتاب ؛ لأن (ذاك) إشارة إلى الأقرب.

[الجواب] : قلنا : ليس كذلك وذلك لأن أحدهما يقوم مقام الآخر. والدليل عليه ، [قول الشاعر] :

٣٥٨ ـ أقول له ، والرّمح يأطر متنه :

تأمّل ، خفافا ، إنّني أنا ذلكا (١)

فأشار بذلك إلى نفسه ، وهو قريب. ولمعنى آخر : وهو أن (ذلك) أراد به التورية ، وهو بعيد. والكاف للخطاب. من قولك ذلك ، لا محل له من الإعراب ؛ لأنه لا يخلو : إما أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا. ليس من الجائز أن يقال : إنه مرفوع أو منصوب ، لأنه لا ناصب له ، ولا رافع. بقي أن يقال : إنه مجرور وليس كذلك ؛ لأنه لو كان مجرورا بالإضافة إليه ، لكان من الواجب أن يحذف نون التثنية ، عند الإضافة إليه ، ومع ذلك لا تحذف. تقول : كيف ذانك الرجلان ، يا رجل؟ فقال : ذانك. ولو كان مجرورا بإضافة (ذا) إليه ، لكان من الواجب ، أن تسقط النون ، كما تسقط في قولك : غلاما زيد ، عند الإضافة.

وكذلك أيضا لو كان مجرورا ، بالإضافة إليه ، لكان من الواجب أن يجوز توكيده ، فيقال [١٧١ / أ] : ذاك نفسك ، كما تقول : مررت بك نفسك. فلما لم يجز توكيده ، ولم تسقط نونه ؛ علمنا بهذا أنه ليس بمجرور ، ولا محل له من الإعراب. والله أعلم.

باب الإمالة

والإمالة ، هي ما ذكرها ، وهي : أن تنحو بالفتحة ، نحو الكسرة ؛ فتميل الألف نحو الياء ؛ لضرب من تجانس الصوت.

واعلم أن الإمالة تستحسن في الكلام. والأسباب التي تجوز لها الإمالة ستة. وهي ما ذكره من الكسرة ، والياء ، وأن تكون الألف منقلبة عن الياء ، أو بمنزلة المنقلبة عن الياء ، أو لأن الحرف الذي قبل الألف قد ينكسر في حال من الأحوال ، أو إمالة لإمالة.

فالمقصود من الإمالة ، تجانس الصوت. والعمل من وجه واحد ؛ وذلك ؛ لأن النطق بالألف ، والفتحة ، تخالف الكسرة لأنهما ضدان ألا ترى أن السين إذا وقعت في كلمة وبعدها الطاء قلبت السين صادا نحو الصراط : لتجانس الصوت. لأن الطاء من حروف الإطباق ، والصاد كذلك ؛ بخلاف السين لأن السين مهموسة وليست من حروف الإطباق. فكما قلبوها صادا ؛ لتوافق الطاء فكذلك أمالوا ألف عالم ؛ لأجل الكسرة حتى يكون تسفّلا بالكسرة ، بعد التصعد بالألف ، لأن التسفل ، والتّصعّد ضدان فلم يجمعوا بينهما.

وكذلك أمالوا مع الياء في شيبان وغيلان لأن الألف ضد الياء على ما بينا. وكذلك أمالوا قضى وسعى لأن الألف أصله الياء بدليل قضيت وسعيت فأمالوها ليكون العمل من جهة واحدة.

__________________

(١) البيت من الطويل ، لخفاف بن ندبة ، في : ديوانه ٦٥ ، والخصائص : ١٨٦ ، والإنصاف ٢ : ٧٢٠ ، والخزانة ٥ : ٤٣٨ ، ٤٣٩ ، ٤٤٠.

٣٧٩

وكذلك أمالوا خاف لانكسار الخاء في خفت تنبيها على أن الألف بدل من حرف مكسور في خاف إذ أصله خوف.

وكذلك أمالوا حبلى لأن هذه الألف وإن كانت زائدة فهي في حكم المنقلبة ، بدليل قولهم : حبليان لأنك لو اشتققت منه فعلا قلت حبليت وكذلك أمالوا عملت حسابي [١٧١ / ب] وكتبت كتابي أمالوا الألف الأولى لكسرة الفاء. وأمالوا الثانية التي هي بدل من التنوين لأجل الإمالة التي قبلها.

واعلم أنه يأتي حروف تسمى : الحروف المستعلية فتمنع الإمالة وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف فلا تميل طالبا ، ولا ظالما ولا صالحا ولا ضامنا ولا غالبا ولا خالدا ولا قائما وإن وجدت الكسرة لأن الاستعلاء تصعّد أعني الاستعلاء بالألف والاستعلاء بهذه الحروف فتغلبان الكسرة فتمتنع الإمالة من أجل ذلك.

[فإن قلت] فلم قالوا صفاف وقفاف فامألوهما مع وجود المستعلية؟

[الجواب] : وإن كان كذلك فالمستعلية مكسورة فتغلب الكسرة ، فتميل الألف من أجل الكسرة التي في المستعلية.

وقد قالوا في مقلاة : مقلاة فأمالوا الألف. وفي مصفاة : مصفاة وإن لم تكن الكسرة في المستعلية تقديرا منهم كسرة الميم ، كأنها في المستعلية لأن المستعلية جاورت المكسور ، فكأنّ الكسر فيها.

ونظير هذا إبدالهم الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة ، في نحو موسى. قالوا : مؤسى كما قالوا في وجوه : أجوها. وفي وقّتت : أقّتت. فقدروا الضمة قبل الواو وكأنها في الواو ، فاستجازوا إبدالها همزة ، كإبدالهم المضمومة ، فكذلك هاهنا قدروا الكسرة كأنها في المستعلية.

[فإن قلت] : فقد قالوا قارب وصارم وضارب وطارد [وقال الشاعر] :

٣٥٩ ـ عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرّباب سكوب (١)

فأمالوا هذه الألفات مع وجود المستعلية

[الجواب] : وإن كان كذلك ، فإن الراء ، لما فيها من التكرير ، كأنه حرفان. وإذا كان بمنزلة حرفين مكسورين ، غلبت على المستعلية فجازت الإمالة معها بخلاف ما إذا كانت الراء مفتوحة ، أو مضمومة مع وجود الكسرة ، نحو راشد وفراش فإن الإمالة ممتنعة هنا لأن الراء غلبت على الكسرة ، هاهنا فمنعت الإمالة. فإن اجتمعت مكسورة ومفتوحة نحو القرار والأبرار غلبت المكسورة فجازت الإمالة كما غلبت المستعلية في قارب [١٧٢ / أ] وقادر لأن أقصى أحوال المفتوحة أن تكون بمنزلة المستعلية ونظير الإمالة من تجانس الصوت ، ما ذكرناه من نحو : الصّراط والصّويق وصقت. ولو كان

__________________

(١) البيت من الطويل ، لهدبة بن خشرم ، في : ديوانه ٧٦ ، والكتاب ٣ : ١٥٩ ، ٤ : ١٣٩.

وبلا نسبة في : التحصيل ٤٣٧ ، والمقتضب ٣ : ٤٨ ، وابن يعيش ٧ : ١١٧.

٣٨٠