شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

(أسبع) لأن العرب تستغني بالشيء عن الشيء. ولهذا استغنوا : ب (ترك) عن (وذر) و (ودع) وب (تارك) عن (واذر) و (وادع).

فإن كان الاسم على (فعال) أو (فعال) أو (فعال) فعلى ما ذكر. فإن كان الاسم (فاعلا) كسّر على (فواعل) نحو : غارب ، وغوارب ، وكاهل ، وكواهل. فإن كان صفة ، لا اسما ؛ فإنك لا تجمعه على هذا الوزن ؛ بل تجمعه على (فعلة) على أنه قد ورد من الأوصاف على هذا الوزن ، في ثلاثة مواضع ، منها : ناكس ، ونواكس ، وفارس وفوارس ، وهالك ، وهوالك ، لا غير. فإن كان الاسم رباعيا ، جمع على مثال (مفاعل) أيّ مثال كان ، نحو : عقرب ، وعقارب. وزبرج ، وزبارج ، وهو الكتاب. وسبطر ، وسباطر ، وهو من قولهم : سبط الكفّ ، وسبطر الكفّ. وجخدب ، وجخادب ، وهو : الغليظ ، وقيل : هو دويّبة. [١٤٨ / أ] وخنفس ، وخنافس ، أيضا : دويبة. وأرطى ، وأراط. اختلفوا في ذلك ، فمنهم من قال : هو على وزن (أفعل) والألف الأخير للإلحاق ، دون التأنيث. وإذا كان وزنه (فعللا) كان ملحقا : بجعفر. ويقال : هو : أديم مرطيّ. ومن قال : أديم مأروط ؛ فالهمزة فاء الفعل ، ولا يكون (أفعل) مثل أحمر. فالقياس في هذا : مأروط ، ومرطيّ.

فمرطيّ : دليل على أنه (أفعل). ومأروط : دليل على أنه (فعلل). ولا يجوز أن يكون الألف في (أرطى) للتأنيث ، بتة. لأنهم قالوا : أرطاة ، فألحقوها تاء التأنيث. وعلامتا التأنيث لا تجتمعان. ألا ترى : أن سيبويه (١) ، قال مثل ذلك ، في قولهم : بهماة (٢) ، وحكم بزيادة الألف ، دون أن يكون للتأنيث ؛ للحاق التاء إياها. ولأنهم قالوا : أرطى ؛ فنوّنوه. والتنوين لا يلحق ألف التأنيث. ألا ترى أنّ قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا)(٣) : وزنه (فعلى) والألف للتأنيث. ومن اعتقد فيه هذا ، لم يصرفه ، ويكون التاء ، بدلا من الواو ، وأصله (وترى) ومن نون ، فقال : تترى ؛ لم تكن الألف للتأنيث ؛ وإنما يكون للإلحاق بجعفر ، وسلهب. أو تكون (تترى) مصدرا. فألف التأنيث ، لا تنوّن أبدا.

فإن كان فيه حرف زائد ، حذفته أين كان ؛ إلا أن يكون رابعا : ألفا ، أو ياءا ، أو واوا. فتقول في تكسير : مدحرج : دحارج ؛ فتحذف الميم ؛ لأنها زائدة ، لأن أصله (دحرج) وكذلك ألف (عذافر) لأنك تجمعه على (عذافر) فتفتح العين في الجمع التي كانت في الواحد ، مضمومة.

والألف في (عذافر) في الجمع ، غير الألف التي في (عذافر) في الواحد ؛ وإنما لم تحذف ، إذا كان رابعا : ياءا ، أو واوا ، أو ألفا ؛ لأنها حروف المد ، واللين ، وهي خفيفة ؛ فلم تحتج إلى حذفها.

وحيث صرنا إلى الحذف ؛ إنما صرنا إليه للتثقيل.

فإن كان في الاسم. زائدتان متساويتان ، كنت في حذف أيتهما شئت ، مخيرا. فتقول في (حبنطى) في جمعه (حبانط). وإن شئت ، قلت : (حباط) لأن النون ، والياء زائدتان لأن أصله من (حبط). فإن كانت إحداهما [١٤٨ / ب] لمعنى ، والأخرى لغير معنى ؛ حذفت التي لغير معنى ،

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٢٥٥.

(٢) بهماة : نبت.

(٣) ٢٣ : سورة المؤمنون ٤٤.

٣٤١

وأقررت التي لمعنى. فتقول في تكسير (مغتسل) (مغاسل) فتحذف التاء دون الميم ؛ لأن الميم ، إنما وضعت للدلالة على معنى ؛ لأنها تدل على الفاعل. والتاء لا تدل على شيء ، فكانت أولى بالحذف. وكذلك في (منقطع) : (مقاطع).

فإن كان في الاسم ، هاء التأنيث ، وكان على (فعلة) فجمعته بالألف ، والتاء ، حركت العين بالفتح ، كقولك : جفنة ، وجفنات. وقصعة ، وقصعات. فإن كانت (فعلة) وصفا ؛ لم تحرك عينها.

فتقول في : صعبة ، وخدلة : صعبات ، وخدلات. وإنما لم تحرك عينها ؛ لأن الصفة مشتقة من الفعل.

والفعل أثقل من الاسم. فلما كان كذلك ، كان السكون بالصفة أولى منه بالاسم ؛ لما في الصفة من الثقل.

وكذلك إن كان (فعلة) اسما ؛ إلا أن عينها معتلة : واوا ، أو ياءا ، أو مدغمة ، أقررتها على سكونها. فتقول في جمع : جوزة ، وبيضة : جوزات ، وبيضات ، وسلّة ، وسلّات. ولم تحرك العين ؛ إذ لو حركت الواو ، والياء ؛ لأدى ذلك إلى أن يقلب الواو ، والياء ألفا ؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، فيكون جمعه : جازات. وهذا ، مما لا وجه له. أو حركت المدغم ؛ لظهر المدغم ، وقلت : سللات ، وهذا لا يجوز.

فإن كان الاسم على (فعلة) نحو : ظلمة ؛ جازت فيه : فعلات ، وفعلات ، بالفتح ، وفعلات ، بالسكون. فمن ضم العين ، قال : للإتباع. ومن فتح ، قال : للتخفيف. ومن سكّن ، قال : لأن السكون أخف من الفتح. وكذلك أيضا ، في (فعلة) نحو : كسرة ؛ هذا المعنى معتبر.

وأما الصفة ؛ فإن تكسيرها ، ليس بقوي في القياس. لأن الصفة ، جمعه يأتي بالواو ، والنون.

وقد جاء في : ضارب : ضرّب ، وفي : جامع : جمّع ، وغير ذلك ، كما يجيء في الأسماء. لأن الصفة ، أيضا ، اسم. فكما يأتي التكسير في الأسماء ؛ فكذلك في الأوصاف.

وقد شذت ألفاظ عن القياس ، فقالوا في جمع : ليلة : ليال. وكان القياس يقتضي أن يأتي على (أفعل). وشبه : أن يأتي على (أفعال). وذكر : أن يأتي على (أفعال) [١٤٩ / ا] ، أيضا ، لا على (مفاعيل). وسدّ ، وأسدّة : أن يأتي على (أفعل) لأنه (فعل) إلا أنه عدل به عن القياس ، وكان مخالفا للقياس. وأما حوائج ، في جمع : حاجة ، فليس بقياس. وإنما قياس حوائج ، أن يكون واحدها : حائجة ، فخالفوا.

وقالوا : باطل ، وأباطيل ، وقياسه : بواطل. وإنما أباطيل ، في القياس ، جمع : أبطال ، أو : أبطول ، أو : إبطيل. ومثله : حديث ، وأحاديث. وقالوا : أمكن ، في جمع : مكان ؛ وليس بالقياس. وأما مثل : عيسجور ، وعيضموز ؛ فإنهم حذفوا الياء ، في الجمع ، فقالوا : عضاميز ، وعساجير. ولو لم يحذفوا الياء ، لم يجز ؛ لأنه بإثبات الياء يخرج عن مثال الجمع ، إلى ما لا يوجد في كلامهم. ألا ترى أنك لو قلت : عيضامز ، لوقعت ألف التكسير رابعة ؛ وألف التكسير ، إنما تقع ثالثة ، نحو : مساجد. فلما كان يؤدي إلى هذا ، حذفوا الياء فبقي : عضموز ، فجمعوه : عضاميز ، ككردوس ، وكراديس. وهذه الياء التي جاءت في نحو : عضاميز ، بعد الميم ، حذفت في الشعر. [قال الشاعر] :

٣٤٢

٣٣٥ ـ وكحّل العينين بالعواور (١)

يريد : العواوير ، لأنه جمع : عوّار ، وهو وجع العين. ولا بد من تقدير هذه الياء ، بتة. ألا ترى : أن الياء ، لو لم يقدر إثباتها ، لكان يجب أن تقول : العوائر. لأن الواو والياء إذا وقعتا طرفين ، أو مجاورين للطرف وجب قلبهما همزة ، إذا كانتا زائدتين ، نحو : أوائل وقبائل وصحائف. فلما لم يقل : عوائر ، ثبت أنه في تقدير : عواوير ، فحذف الياء ، وهو يريدها ، نحو : طواويس.

فأما (معيشة) و (معايش) فإنه بالياء البتة. لأن الياء ، هناك ، وإن جاوز الطرف ، فهو عين الفعل ، وليس زائدة. لأن (معيشة) وزنها (مفعلة) من : عاش ، يعيش. وأصله : معيشة ، إلا أنهم نقلوا كسرة الياء إلى العين ، فقالوا : معيشة ، فيجمع : معائش ، ولا يقلب الياء همزة ، فرقا بين الأصلي والزائد ، في : قبائل ، وصحائف.

ورواية خارجة (٢) عن نافع (معائش) (٣) بالهمزة ، فهو تشبيه منه الأصلي بالزائد ، لما كان لفظ (معيشة) كلفظ (قبيلة) قال : معائش ، فهمز [١٤٩ / ب] كما قالوا : قبائل وصحائف. وهو مع ذلك ضعيف ، إذ لم يأت له نظير.

فأما مداين ، فإن جعلته من دان ، يدين (٤) ، فلا تهمز. وإن جعلته من : مدن (٥) ، استدلالا ، بمدن ، فهو كقبيلة.

باب القسم

اعلم أن الأصل في باب القسم : الباء ، ثم الواو ، وهو بدل من الباء ، ثم التاء ، وهو بدل عن الواو.

وبيان ذلك : أن الباء ، تدخل على المظهر ، والمضمر جميعا. فتقول : بالله ، لأقومنّ. وتقول : بك ، وبه. والواو بدل عن الباء ؛ لأن الواو ، لا تدخل إلا على المظهر ؛ فتقول : والله لأخرجنّ. ولا

__________________

(١) من الرجز ، وقبله :

وأن رأيت الدهر ذا الدوائر

حنى عظامي ، وأراه ثاغري

وهو للعجاج في الخصائص ١ : ١١٩٥ ، ٣ : ٣٢٦ ، ولجندل بن المثنى في شافية ابن الحاجب ٤ : ٣٧٤.

وبلا نسبة في الكتاب ٤ : ٣٧٠ ، التحصيل ٥٨٣ ، والإنصاف : ٧٨٥ ، وابن يعيش ٥ : ٧٠ ، ١٠ : ٩١ ، ٩٢ ، واللسان (عور) ٤ : ٦١٥.

(٢) هو" خارجة بن مصعب ، أبو الحجاج الضبعي (ت ١٦٨ ه‍). أخذ القراءة عن : نافع ، وأبي عمرو. وله شذوذ كثير عنهما ، لم يتابع عليه. روى القراءة عنه : العباس بن الفضل ، وأبو معاذ النحوي ، ومغيث بن بديل. ينظر : غاية النهاية ١ : ٢٦٨.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ١٠ ، وبه قرأ : ابن عامر ، والأعرج ، وزيد بن علي ، والأعمش. تفسير الطبري ٨ : ٢٥ ، والسبعة ٢٧٨ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٦٠٠ ، وتفسير التبيان ٤ : والبحر المحيط ٤ : ٢٧١ ، واتحاف الفضلاء ٢٢٤ ، وغيث النفع ١٣١ ، وتفسير القرطبي ٧ : ١٦٧.

(٤) أي : ملك اللسان (مدن) ١٣ : ٤٠٢

(٥) مدن : أقام. اللسان (مدن) ١٣ : ٤٠٢

٣٤٣

تقول : وك ، ولا غير ذلك ؛ لأنها تختص بالمظهرات. وإنما كان كذلك ؛ وذلك لأن الواو بدل عن الباء. والبدل أحط درجة من المبدل منه. فإذا كان المبدل منه داخلا على المظهر ، والمضمر ؛ فالبدل وجب أن يختص بأحدهما.

ويجوز إظهار الفعل ، مع الباء. فتقول : حلفت بالله. ولا يجوز إظهاره مع البدل الذي هو الواو. فلا تقول : حلفت والله ؛ وذلك لأنها بدل. وليس للبدل أن يكون مستوعبا لجميع الأشياء التي تختص بالمبدل منه. والتاء بدل عن الواو ؛ ولهذا اختص بلفظ الله تعالى ؛ لأنه بدل من بدل من الأصل ؛ فكان أدنى درجة منهما.

واعلم أن القسم قد يركّب من فعل ، وفاعل ، وقد يركب من مبتدأ ، وخبر. أما إذا كان مركبا من فعل ، وفاعل ، فهو قولهم : بالله ، لأقومنّ. فتقديره : حلفت بالله ، لأقومنّ. وقوله : حلفت : خبر ، لأنه جملة من فعل ، وفاعل ؛ وإنما ذكرت هذا الخبر ؛ لتؤكد خبرا آخر ، وهو قولك : لأقومنّ.

وأما إذا كان مركبا من مبتدأ ، وخبر ، فهو قولك : لعمرك إن زيدا قائم. لعمرك : رفع بالابتداء.

وخبره محذوف ، وتقديره : لعمرك قسمي. فحذفت الخبر لطول الكلام ؛ لأن طول الكلام ، صار عوضا عن خبر المبتدأ ، على ما ذكر في كتاب اللمع.

وتحذف الفعل ، والفاعل من قولك : بالله ، لأخرجنّ ؛ لأنهم استغنوا بهذه الكلمة عن الفعل ، والفاعل. [١٥٠ / أ] لأن هذه اللفظة ، وهو قوله : بالله ، تدل عليه. والأصل في هذا كله : أحلف بالله ، وأقسم بالله. ولكن حذف الفعل ، تخفيفا ، في أكثر المواضع.

واعلم أن جواب القسم ، على ضربين : أحدهما : أن يكون مثبتا ، والثاني : أن يكون منفيا. فإن كان مثبتا : فإنك تدخل على جواب القسم (إنّ) أو (اللام) وكلاهما للإيجاب. وإنما تفعل هذا ، تحقيقا للإثبات. وإن كان منفيا ، فإنك تدخل على جوابه (ما) أو : (لا). وكلاهما للنفي. فإن تعرى الجواب عن هذه الأشياء الأربعة التي يجاب بها في الإثبات ، وفي النفي ؛ فإنك تحملها على النفي. فتقول : والله أفعل ، فتحمله على النفي. والتقدير : والله ، لا أفعل. وإنما فعلت هكذا ؛ وذلك لأنه يحمل على الإثبات ، لأن الذي للإيجاب ، إنما هو (إنّ) و (اللام). ولا يجوز إضمارهما ، لأنهما للتأكيد ؛ والتأكيد ضد الإضمار ، فتحملهما على النفي ، لأن حروف النفي قد تحذف ، وقد تضمر لطول الكلام به. وهذا هو تفسير قوله : وربما حذفت (لا) وهي مرادة ، لأنه حملها على النفي.

والدليل على صحة هذا قول امرئ القيس على ما ذكر في الكتاب (١).

فإن حذفت حرف القسم ؛ نصبت الاسم ، بعده بالفعل المقدر. تقول : الله ، لأقومنّ. أباك ، لأنطلقنّ. وإنما تنصبه لأن حرف القسم الذي هو الباء ، يعدي الفعل إلى المفعول. لأنك تقول : مررت بزيد. فإذا حذفت حرف الجر الذي هو الباء ، تعدّى الفعل إلى المفعول بنفسه ، وتنصبه

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٥٠٤. وبيت امرئ القيس هو

فقلت : يمين الله ، أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي : لا أبرح قاعدا ؛ حذفت (لا) لطول الكلام

٣٤٤

تقديرا. والدليل عليه [قول امرئ القيس] :

٣٣٦ ـ فقالت : يمين الله ، ما لك حيلة

 ... (١)

أي : بيمين الله. ومن العرب من يجر اسم الله تعالى ، وحده ، عند حذف حرف الجر ؛ وذلك لكثرة الاستعمال ، وليس بالقياس. وتقول : ها الله ، أصله : إي آ الله ، فأبدلت من الهمزة هاء. لأن الهاء قد تبدل من الهمزة ، على ما قالوا : هرقت ، وأرقت ؛ فكأن الهاء صارت بدلا ، عن الواو تقديرا ، حيث لم يجتمع الهاء مع الواو ، وذلك في الاستفهام ، وهو قولهم : آ الله ، صارت همزة الاستفهام عوضا عن الواو ، على ما سبق كذلك في القسم [١٥٠ / ب] جرّت القسم ، لأنها صارت بدلا من الواو ، على ما سبق بيانه.

تقول : من ربّي ، ومن ربي. أصله : بربي. ومعناه : بحق ربي ، فأقيمت (من) مقام الباء ؛ لأنه على أصلنا : الحروف الجارة بعضها يقام مقام بعض. فأقيمت (من) مقام الباء. وهذا مذهب سيبويه (٢).

وأما قوله : من ربي ، قال : فهو أيضا : من ربي ؛ إلا أنه ضمّ ، وغيّر عن أصله ، لأن في باب القسم كثيرا ، ما يغيّر الأشياء عن أصولها. وقال أبو بكر السراج (٣) : ليس كذلك ، وذلك لأن أصله : أيمن ربي. قال : فحذفت الألف ، لأنها ألف وصل. قال : فلما حذفت الألف ، حذف معها الياء ؛ لأن الياء ساكنة ، ولم يمكن النطق بها ، فحذفت ، فبقي قوله : من ربي. وقال الفراء : أيمن : جمع يمين. وهذا باطل. وذلك لأنه ، لو كان جمع يمين ، لكانت الألف في الجمع للقطع. وهذه الألف ، بالإجماع ، للوصل. فإن حذفت اللام من قولك : لعمرك ؛ نصبت على ما تقدم ، فتقول : عمرك لا قمت. وهذه اللام لام الابتداء ، ويستحيل أن يقال : لام القسم ؛ لأن القسم ، لا يدخل على القسم.

وقوله : عمرك الله ، الأصل : أن يقال : عمّرتك الله تعميرا. ولكنهم مما يستغنون بالمصدر عن الفعل ، فحذفوا الفعل. فلما حذفوا الفعل ، بقي قوله : تعميرا. فحذفوا الزيادة من قوله : تعميرا ، وبقي : عمرك الله ؛ لأنهم مما يحذفون الزيادة من المصادر. ولهذا قالوا في الإعطاء : عطاءا [قال الشاعر] :

٣٣٧ ـ ...

وبعد عطائك المئة الرّتاعا (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وعجزه :

 ...

وما إن أرى عنك الغواية تنجلي

وهو في : ديوانه ١٤٨.

(٢) الكتاب ٣ : ٤٩٩.

(٣) الأصول ١ : ٥٢٤.

(٤) البيت من الوافر ، للقطامي ، وصدره :

أكفرا بعد رد الموت عني

 ...

وهو في : ديوانه ٣٧ ، واللسان (عطا) ١٥ : ٦٩ ، والخزانة ٨ : ١٣٦ ، ١٣٧.

وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٢٢١ ، وابن عقيل ٢ : ٩٩ ، وشرح شذور الذهب ٤١٢.

٣٤٥

قوله : عمرك ، تقدير هذا الكلام : عمّرتك الله تعميرا ، مثل تعميرك الله نفسك. فأضمر الفعل ، والمصدر جميعا ، وحذف المضاف ، فصار : تعميرك الله ، فحذفت الزيادة ، فصار : عمرك الله. فالكاف : فاعل. والله : منصوب بالمصدر. ومعنى الكلام : وصفك الله بالبقاء ، أو : ذكرك الله بالبقاء.

وقال الأخفش : يجوز رفع لفظة الله ، على أن يكون رفعا ، بالمصدر. والكاف : مفعول في المعنى. أي : يذكرك الله بالبقاء ، فيعمّرك. وحذف الزوائد ، من هاهنا ، له نظائر كثيرة [١٥١ / أ] منها ، [قوله] :

٣٣٨ ـ ...

بمنجرد قيد الأوابد هيكل (١)

أي : بمنجرد ذي تقييد الأوابد. فحذف المضاف ، والزوائد. وعمرك الله ، في الحقيقة ، ليس بقسم ؛ لأنه لا يجاب بما يجاب به القسم. وزعم قوم ، أنه في حكم القسم ، ويجاب : بالاستفهام ، والأمر ، والنهي ، وإن ، وإلّا ، ولمّا ، بمعنى : إلا. وأنشد سيبويه ، لابن أحمر ، في إظهار الفعل ، من : عمرك ، واستعمالهم منه الفعل بالزوائد ، [قال] :

٣٣٩ ـ عمّرتك الله الجليل ، لأنّني

ألوي عليك لو أنّ لبّك يهتدي

هل لامني في صاحب صاحبته

من حاسر أو دارع ، أو مرتدي (٢)

فأجاب هذا الكلام بقوله : هل لامني. [وقال الشاعر] :

٣٤٠ ـ عمّرتك الله ، إلّا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (٣)

[وقال الآخر] :

٣٤١ ـ فقعدك أن لا تسمعيني ملامة

ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا (٤)

لأنّ (قعدك) في هذا ، بمنزلة (عمرك) لا قمت. لأن قولهم : قعدك الله ؛ أي : وصفك الله بالبقاء ، والدوام ، والثبات. وتقول : عمرك قم ، و : عمرك لا تقم. وقالوا في هذا المعنى : نشدتك الله إلا فعلت ، ولما فعلت. قال الخليل : هذا كلام محمول على النفي ؛ كأنه قال : ما سألتك بالله إلا فعلت. وذكر أبو علي : أنّ تقدير قوله : إلا فعلت ؛ أي : إلا فعلك. ومعناه : إلّا أن تفعل ، فحذفت

__________________

(١) البيت من الطويل ، لامرئ القيس ، وصدره :

وقد أغتدي والطير في وكناتها

 ...

وهو في : ديوانه ١٩ ، وابن يعيش ٣ : ٥١ ، ٩ : ٩٥ ، والخزانة ١ : ٣٥١ ، ٣ : ١٥٦ ، ٢٤٢ ، ٢٧٣ ، ٤ : ٢٥٠.

وبلا نسبة في : الخصائص ٢ : ٢٢٠.

(٢) البيتان من الكامل ، لابن أحمر ، في : ديوانه ٦٠ ، والكتاب ١ : ٣٢٣ ، والخزانة ٢ : ١٥.

وبلا نسبة في : التحصيل ٢٠٧ ، والمقتضب ٢ : ٣٢٩.

(٣) البيت من البسيط : للأحوص الأنصاري ، في شعره ١٩٩ ، والخزانة ٢ : ١٣ ، ١٤.

وبلا نسبة في : الكتاب ١ : ٣٣ ، والتحصيل ٠٧ ، والمقتضب : ٣٢٩ ، واللسان (عمر) ٤ : ٦٠٢.

(٤) البيت من الطويل ، لمتمم بن نويرة ، في : ديوانه ١٩٩ ، والخزانة ٢ : ٢٠ ، ١٠ : ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦. وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٣٣٠. والرواية عند جميعهم : قعيدك ، بدل : فقعدك.

٣٤٦

(أن). [قال الشاعر] :

٣٤٢ ـ فقالوا : ما تشاء؟ فقلت : ألهو

 ... (١)

وتقديره : فقلت : اللهو. لأنّ (أن) مضمرة.

واعلم أن العرب ، تقول : والله ، لئن جئتني لأفعلنّ. فقوله : لأفعلنّ : جواب القسم ، دون جواب الشرط ، وقد ناب عن جواب الشرط ، وأغنى عن ذلك. والدليل على أنه جواب القسم ، دون الشرط ، قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)(٢). فرفع : لا يأتون ؛ لأنه جواب القسم. أي : والله ، لئن اجتمعت الإنس ، والجن.

[قال الشاعر] :

٣٤٣ ـ لئن عاد لي عبد العزيز ، بمثلها

وأمكنني منها إذن ، لا أقيلها (٣)

فرفع (أقيلها) لأنه جواب القسم. واللام في (لئن) جئتني. زائدة مؤكدة تؤذن بأنّ جواب القسم ، منتظر ، وليست اللام في (لئن) جئتني [١٥١ / ب] للقسم ، لأنها قد حذفت في قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤).

وأما اللام ، في قولك (لعمرك) فقد ذكرنا أنه لام الابتداء ، دون القسم ؛ لأن القسم لا يدخل على القسم. ولهذا قال الخليل (٥) ، في قوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ)(٦) : إنّ الواو الأولى للقسم ، والثاني للعطف ، والثالثة ، والرابعة كذلك. كي لا يدخل قسم على قسم ، قبل أن يجاب الأول.

واستدلّ على ذلك ، بقوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) (٧). ألا ترى كيف جاءت الفاء مكان الواو ، والفاء لا يكون للقسم ؛ فكذلك الواو للعطف دون القسم. وهذا بخلاف قول الفقهاء ؛ لأنهم يقولون ، في قولهم : والله ، والرحمن ، والرحيم : إنه ثلاثة أقسام ، ولا يجعلون الكلام قسما واحدا. وقول الخليل ، لا إشكال فيه ؛ بالدليل الذي ذكرناه.

باب الصّلة والموصول

اعلم أن الأصل ، في باب الصلة ، والموصول ؛ إنما هو (الذي) ثم (من) ثم (ما) ثم (أيّ).

اعلم أن (الذي) اسم مبني ، غير معرب. وإنما كان مبنيا ؛ لأنه اسم لا يتم إلا بما بعده ، فأشبه الحروف ؛ لأن الحروف ، إنما تتم بما بعدها. فلما كان كذلك بني ؛ لأنه كبعض الاسم. وبعض الاسم لا يستحق الإعراب.

__________________

(١) الكتاب ٣ : ١٠٥ ، ١٠٦.

(٢) ١٧ : سورة الإسراء ٨٨.

(٣) البيت من الطويل ، لكثير عزة ، في : ديوانه ٣٠٥ ، والكتاب ٣ : ١٥ ، والتحصيل ، ٣٨٤ ، والخزانة ٨ : ٤٤٧ ، ٤٧٣ ، ٤٧٤ ، ٤٧٦ ، ١١ : ٣٤٠.

وبلا نسبة في : شرح شذور الذهب ٢٩٠.

(٤) ٥ : سورة المائدة ٧٣.

(٥) الكتاب ٣ : ٥٠١.

(٦) ٩١ : سورة الشمس ١ ، ٢.

(٧) ٥١ : سورة الذاريات ١ ، ٢.

٣٤٧

[فإن قلت] : يبطل هذا بالتثنية ؛ وذلك لأنه ، لو كان مبنيا ، لكان من الواجب أن يكون في التثنية ، أيضا ، مبنيا ؛ لأن في حالة التثنية ، أيضا ، لا يستقل بنفسه ؛ بل تمامه ، إنما يكون بما بعده ، ومع هذا ، هو معرب ؛ لأنه يختلف. تارة يكون بالألف ، وتارة يكون بالياء. تقول : رأيت (اللّذين) وجاءني (اللّذان).

[الجواب] عن هذا من وجهين اثنين : أحدهما ، وهو أنا نقول : (اللذان) ليس بتثنية (الذي) وإنما (اللذان) صيغة ارتجلت للتثنية (١) ، وهو مبني. هذا ، كما نقول في (هذان) وذلك لأن (هذان) ليس بتثنية (هذا) بل هي : صيغة مرتجلة للتثنية ، فكذلك أيضا ، هاهنا. قال : واختلافه ، تارة بالألف ، وتارة بالياء ، لا يدل على أنه معرب ؛ لأنا رأينا ، في كثير من المواضع أنه يختلف بالياء تارة [١٥٢ / أ] ، وبالألف أخرى. ثم لا يدل ذلك على أن الاختلاف في الأوسط إعراب. هذا ، كما تقول في قوله : جارية وجاراة ، وناصية وناصاة ؛ فإنه يختلف تارة بالياء ، وتارة بالألف. ثم لا يدل ذلك على أن هذا الاختلاف للإعراب. فكذلك أيضا ، هاهنا ، وجب أن يكون بهذه المثابة.

وهذا الجواب ذكره أبو علي.

وقال أبو سعيد السيرافي : إن سلمنا أن (اللذان) تثنية : (الذي) فنقول : يجوز أن يعرب التثنية ، ولا يعرب الواحد. وذلك ، لأنا ، حيث ، بنينا قوله (الذي) إنما بنيناه ، لأنه يشبه الحرف ؛ لما ذكرنا.

وبالتثنية زال عن شبه الحرف ، لأن التثنية لا يدخل الحرف ، فرددناه إلى أصله ، وأعربناه.

[فإن قلت] : يبطل هذا بالجمع. وذلك لأن الجمع ، أيضا ، لا يدخل الحروف ، ومع ذلك قوله (الذين) مبني ؛ فلم بني؟.

[الجواب] : قلنا : من النحويين من قال : يجوز أن يقال (اللذون) (٢) بالواو ، في لغة بعض من العرب. فإن قلنا بهذا ؛ فلا كلام. وإن عملنا بالظاهر ، فنقول : الجمع مشابه للواحد ، بدليل أن الجمع إعرابه يجري على آخره ، كالمفرد ، سواء ؛ بخلاف التثنية. لأنك تقول : هذه دؤور ، وقصور ، فإعرابه جار على آخره ، كما يجري في قوله : هذا دار وقصر ؛ بخلاف التثنية. وذلك لأن إعرابه ، إنما هو بالحروف ، بالياء ، والألف ؛ فجاز أن يعرب التثنية التي لا مشابهة بينها ، وبين الواحد. وأن يبنى الجمع للمشابهة التي بين الجمع ، وبين الواحد ؛ لأن الواحد ، مبني. فكذلك ما يشابهه ، وجب أن يكون مبنيا.

واعلم أنّ (الذي) معرفة. وتعريفه ليس بالألف ، واللام. لأن الألف ، واللام زائدتان ؛ وإنما تعريفه بالصلة. والدليل عليه سائر أخواته (من) و (ما) وغير ذلك. فإن تعريفها بالصلة ، لا بالألف ، واللام. فكذلك أيضا ، تعريف (الذي) بالصلة ، لا بالألف ، واللام ؛ لأنهما زائدتان.

واعلم أن (الذي) إنما جيء بها في الكلام ، توصلا إلى وصف المعارف بالجمل. وذلك لأن

__________________

(١) المقتصد ١ : ١٩١ ، وفيه : (وأما هذان ، فإن النون فيه ليس بمنزلة النون في (رجلان) ؛ وإنما هو صيغة مرتجلة للتثنية).

(٢) الكتاب ٣ : ٤١١.

٣٤٨

الجمل نكرات. والنكرات لا تجري وصفا ، على المعارف [١٥٢ / ب] ، لما ذكرنا ، من أن التعريف ، والتنكير ضدان. فلما لم يجز : مررت بزيد كريم ؛ على الوصف. لم يجز : مررت بزيد أبوه قائم ، ولا : مررت بزيد قام أبوه ؛ على الوصف. فجيء ب (الذي) توصلا إلى وصف زيد ، ونظائره بهذه الجملة. فقالوا : مررت بزيد الذي قام أبوه ، ومررت بزيد الذي أبوه قائم. لأن (الذي) معرفة بالصلة. وفي لفظه لام التعريف ؛ فكان مطابقا للموصوف ؛ لدخول اللام عليه ، فصار موافقا للموصوف.

[فإن قلت] : ولم لم تكن تلك الوصلة ، ب (من) و (ما) و (أيّ) وكانت (بالذي)؟.

[الجواب] : أنّ (الذي) على ثلاثة أحرف ، فكانت موافقة للصفات. مثل : العمي ، والشّجي ، وخدلة ، وصعبة. فلم تكن تلك الوصلة (بمن) و (ما) لنقصان عدتهما عن الصفات ؛ إذ هما على حرفين.

[فإن قلت] : (فأيّ) على ثلاثة أحرف ؛ فلم لم تكن الوصلة بها؟

[الجواب : أنّ] (أيا) تكون أبدا مضافة ، فلم يكن للام التعريف عليه سبيل. لأن لام التعريف ، والإضافة لا يجتمعان. فلما كان كذلك ؛ لم يجز : مررت بزيد (الأيّهم) في الدار ، كما جاز : مررت بزيد الذي في الدار ؛ ولأن الإضافة تكسب التعريف. والصفة ، إنما تكون بالأفعال ، ومما اشتق منها ؛ فلم يكن ذلك مناسبا للإضافة.

واعلم أنّ هذه الأسماء ، لا تتم معانيها إلا بما بعدها ، بصلات توضحها ، وتخصصها. ولا تكون صلاتها إلا الجمل ، والظروف. وقد تكون الصلة جملة ، من : مبتدأ ، وخبر. [أو] جملة من : فعل ، وفاعل. أما كون الجملة ، من فعل ، وفاعل ، فقولك : مررت بالذي قام أبوه (فقام) فعل ، و (أبوه) فاعله. وهما من صلة (الذي). وأما المبتدأ ، والخبر ، فقولك : مررت بالذي أبوه قائم ، كذلك.

واعلم ، أنه لا بد في الصلة من ضمير ، يعود إلى الموصول ، فتقول : جاءني الذي قام أبوه.

فتأتي بالهاء ؛ لتعود إلى الموصول ، وهو (الذي). ولو قلت : جاءني الذي قام زيد ؛ لم يكن فيه فائدة. وما لا فائدة فيه ، ملغى مطّرح في كلام العرب. فلهذا ، قلنا : لا يجوز.

[فإن قلت] : أنتم تقولون : إنّ الصلة تحتاج إلى ضمير يعود [١٥٣ / أ] إلى الموصول ، وقد قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ)(١) ؛ (فالذي) هو موصول. وقوله : إله : رفع بالابتداء. وفي السماء : خبره ، وهو صلة (الذي) ولا ضمير في الصلة يعود منها إلى الموصول.

[الجواب] : تقديره : وهو الذي هو إله في السماء. فالضمير مضمر ، وهو : هو.

واعلم ، أن الصلة ، لا تكون إلا جملة خبرية ، تحتمل الصدق ، والكذب. فتقول : جاءني الذي قام أبوه. ولا يجوز أن تقول : جاءني الذي هل قام أبوه ؛ لأنه استفهام. والاستفهام لا يحتمل الصدق ، والكذب.

__________________

(١) ٤٣ : سورة الزخرف ٨٤.

٣٤٩

ولا يجوز تقديم الصلة ، ولا شيء منها على الموصول. فلا تقول : قام أبوه الذي. لأنه ، لا يجوز تقديم بعض الصلة على الموصول ؛ لأن الصلة مع الموصول ، بمنزلة اسم واحد. وكما لا يجوز تقديم بعض اسم ، على بعض ؛ فكذلك ، أيضا ، لا يجوز تقديم الصلة ، أو بعض منها على الموصول.

ولا يجوز الفصل بين الصلة ، والموصول ، بالأجنبي. فلا تقول : الذي زيد قام أبوه ؛ لأنهما بمنزلة اسم واحد ، ولا يجوز الفصل بين حروف اسم واحد بالأجنبي. ولا تعمل الصلة في الموصول ، ولا في شيء قبله ؛ لأن بعض الاسم ، لا يعمل في بعض ، على ما ذكر في اللمع. فتقول : جاءني من غلامه زيد. (فمن) رفع ؛ لأنه فاعل. غلامه : رفع بالابتداء. زيد : رفع ، خبر الابتداء.

والمبتدأ ، والخبر : صلة (لمن) وهو فاعل قوله : جاءني. وكذلك : رأيت ما رأيته ، على هذا النسق.

واعلم أن الألف ، واللام ، في قوله : نظرت إلى القائم أخوه عندنا : اسم. والدليل على أنه اسم ، أنه يعود الضمير إليه. ولو كان حرفا ، لما عاد الضمير إليه. لأن الضمير لا يعود إلى الحرف.

والدليل على هذا قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ)(١). فقوله (هم) ضمير يعود إلى الألف واللام.

والدليل عليه ، قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ)(٢) فعطف على قوله : (للذين). ولو لا أن الألف ، واللام كانا كاسم واحد ؛ وإلا لما عطف على : الذين. لأن الحرف لا يعطف على الاسم. و (قلوبهم) ضمير يعود إلى الألف ، واللام. وعند أبي الحسن الأخفش : الألف ، واللام : حرف واقع موقع الاسم ؛ لأنه بمعنى (الذي) فلهذا جاز أن يعود [١٥٣ / ب] الضمير إليه.

واعلم أن صلة الألف ، واللام ، لا تكون جملة من مبتدأ ، وخبر. وإنما تكون بالفاعل. فلا تقول : الزيد القائم. ويفارق (الذي) لأن (الذي) يوصل بالجملة ، من المبتدأ ، والخبر. وبالجملة من الفعل ، والفاعل ؛ لأنها ، إنما أتي بها للوصلة ، إلى وصف المعارف بالجملة. والجملة قد تكون اسمية ، وفعلية ؛ بخلاف الألف ، واللام. لأنك تقول : الذي قام أخوه زيد. فإذا ذكرت بالألف ، واللام ؛ تقول : القائم أخوه زيد ، فدخل اللام على اسم الفاعل. ونقل الفعل إلى اسم الفاعل. والألف ، واللام ، هاهنا ، تعرّف الجملة. والألف ، واللام بمعنى (الذي).

والدليل ، على أن الألف ، واللام ، اسم ، وإن كان في صورة الحرف ، وليست خلفا عن (الذي) قول القائل : مررت بالرجل القائم أبوه ، لا القاعدي ، أجازوا هذه المسألة : بالألف ، واللام ، ولم يجيزوها : (بالذي). فلم يقولوا : مررت بالرجل القائم أبواه ، لا الذي قعد ، ولا الذي قعدا. أما امتناع قولهم : لا الذي قعد ، لو أجيز ؛ فإنه ، لأجل أن الأبوين تثنية ، فلا يسند إليه الصفة ، مفردة ؛ لأن فعل المفرد ، لا يصح بعد المثنّى. ولا يجوز : لا الذي قعدا ؛ لأنه صفة الرجل ، وهو مفرد.

فلما امتنع (بالذي) وجاز بالألف ، واللام ؛ علم أنه ليس بخلف عنه. وجاز مع اللام ؛ لأن

__________________

(١) ٣٩ : سورة الزمر ٢٢.

(٢) ٢٢ : سورة الحج ٥٣.

٣٥٠

اللام يؤوّل الكلام فيه ، فيجري في اللفظ ، على وجه التأويل. ألا ترى أنك تقول : مررت بامرأة حسنة الوجه ؛ فتؤنث (الحسن) لجريه على المرأة. والحسن في المعنى للوجه. فكذلك يجري اسم الفاعل على الرجل ، وهو للأبوين. و (بالذي) لا يجوز هذا المعنى.

وهذا يبين لك : أن الألف ، واللام ، في صورة الحرف ، وهو في معنى الاسم ، وليس بخلف عنه. وهذا الفصل ذكره أبو الفتح ، مرموزا ، في قوله : ونظرت إلى القائم أخوه ؛ أي : الذي قام أخوه. وعجبت من الجالسة أخته ؛ أي : من الذي جلست أخته. قال الله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [١٥٤ / أ](الظَّالِمِ أَهْلُها)(١) ؛ أي : التي ظلم أهلها. وهذا أصل كبير بين النحويين ، بنى النحويون عليه مسائل جمة. وذلك أنهم يقولون في الجمل ، نحو : زيد منطلق ، وقام زيد : أخبر عن زيد ، وأخبر عن منطلق (بالذي) ونحو ذاك. وأخبر عنه بالألف ، واللام.

ويعنون بهذا الكلام : انزع زيدا من موضعه ، وأقم مقامه ، ضميرا يعود إلى (الذي) واجعل زيدا خبرا عن (الذي) فإذا قلت : زيد منطلق ، وأردت أن تخبر عن زيد (بالذي) قلت : الذي هو منطلق زيد. فتأتي (بالذي) في أول الكلام ، وتضع موضع زيد ، ضميرا يعود إلى (الذي) وتجعل منطلقا خبرا لذلك الضمير. والضمير مع خبره صلة الذي. وزيد : خبر الذي مع صلته.

وإذا قيل لك : أخبر عن : منطلق ؛ قلت : الذي زيد هو منطلق. فتضع موضع منطلق ، ضميرا يعود إلى (الذي). وتجعل منطلقا ، خبرا عن (الذي).

وإذا قيل لك : أخبر عن الضمير في : منطلق ؛ فإنه لا يمكن أن تخبر عنه ؛ لأنك تقول : الذي زيد منطلق هو هو. فيكون هو الأول : إما أن يرجع إلى (زيد) أو إلى (الذي). وإلى أيهما رجع احتيج إلى (هو) أخرى ؛ فلا يجوز. وأما (هو) الثانية ، فهو الخبر ؛ فامتنع من أجل هذا.

وتقول : زيد ضربته. فإن أخبرت عن زيد بالذي ؛ قلت : الذي هو ضربته زيد. فالذي : مبتدأ. وهو : ابتداء. وضربته : خبر هو. والهاء يعود إلى (هو) وزيد : خبر الذي. وهذه الهاء ، أعني الهاء في : ضربته ، كان قبل دخول الذي ، يعود إلى : زيد ، وهو الآن ، يعود إلى (هو). فهذا معنى قول فارسهم : فخيّرت ما في (ضربته) من الضمير. يعني : كان قبل (لزيد) وهو الآن ، (لهو) (٢).

وإنما قلنا : الذي هو ضربته زيد ، ولم نقل : الذي ضربته زيد ؛ لأنك إذا قلت : الذي ضربته زيد ؛ كان قبل الذي ضربت زيدا ؛ فأدخلت (هو) هاهنا ؛ لتفرق بين هذا ، وبين ذاك.

وتقول : ذهب عمرو. فإذا قيل لك : أخبر عن عمرو ، بالألف ، واللام ، قلت : الذاهب عمرو.

فالألف ، واللام : مبتدأ. وذاهب. صلة له. وفيه ضمير يعود إليه. وعمرو : الخبر. وتقول في الذي : الذي ذهب عمرو. فالإخبار بالذي يجوز في [١٥٤ / ب] كلتا الجملتين : الاسمية ، والفعلية.

والإخبار بالألف ، واللام ، يختص بالفعلية. وهذا الباب يشتمل على أربعة عشر وجها :

[الأول] : المبتدأ ، والخبر. وقد ذكرنا.

[الثاني] : الفعل ، والفاعل ، نحو : ذهب عمرو. وقد ذكرنا.

__________________

(١) ٤ : سورة النساء ٧٥.

(٢) المقتصد ١ : ٢٦٤.

٣٥١

[الثالث] : الفعل المتعدي إلى مفعول واحد. كقولك : ضرب زيد عمرا. إذا قيل لك : أخبر عن عمرو [بالألف](١) واللام ، قلت : الضّاربه زيد عمرو. فالضارب : مبتدأ. والهاء : يعود إلى الألف ، واللام. وزيد : فاعل. وعمرو : الخبر. وإن شئت قلت : الضارب زيد إياه عمرو. فتضع المنفصل ، هاهنا ، بعد زيد ؛ لأن موضعه ؛ أعني موضع المفعول به بعد الفاعل. وتقول في الذي : الذي ضرب عمرا زيد.

[الرابع] : الفعل المتعدي إلى مفعولين. ولك الاقتصار على أحدهما ، نحو قولك : أعطى زيد عمرا درهما. إذا أخبرت عن زيد بالذي ، قلت : الذي أعطى عمرا درهما زيد. وبالألف ، واللام : المعطي عمرا درهما زيد. ففي : أعطى ، ومعط ، ضمير يعود إلى الذي ، والألف ، واللام.

والمفعولان على حدهما قبل. وزيد : هو الخبر. وإن أخبرت عن عمرو ، قلت : الذي أعطاه زيد درهما عمرو. وبالألف ، واللام : المعطيه زيد درهما عمرو. وإن شئت : المعطي زيد إياه درهما عمرو. وهو الأحسن ؛ لأنك تأتي بضميره بعد الفاعل ، فيكون منفصلا. وإذا أخبرت عن درهم ، قلت بالألف ، واللام : المعطي زيد عمرا إياه درهم. وإن شئت : المعطيه زيد عمرا درهم.

وبالذي ، قلت : الذي أعطاه زيد عمرا درهم. وإن شئت : الذي أعطى زيد عمرا إياه درهم.

[الخامس] : الفعل المتعدي إلى مفعولين. وليس لك الاقتصار على أحدهما ، نحو قولك : ظنّ زيد عمرا قائما. إن أخبرت عن زيد بالذي ، قلت : الذي ظنّ عمرا قائما زيد. وبالألف واللام : الظانّ عمرا قائما زيد. ففي : ظنّ ، وظانّ ، ضمير. وإن أخبرت عن عمرو ، قلت : الذي ظنه زيد قائما عمرو. وبالألف ، واللام : الظانه زيد قائما عمرو. وإن شئت : الظانّ زيد إياه قائما عمرو.

فتضع المنفصل ، موضع المفعول. وإن أخبرت عن قائم ، قلت : [١٥٥ / أ] الذي ظنه زيد عمرا قائم. وبالألف ، واللام : الظانه زيد عمرا قائم. وإن شئت : الظانّ زيد عمرا إياه قائم.

[السادس] : الفعل المتعدي إلى ثلاثة مفعولين. نحو قولك : أعلم الله زيدا عمرا خير الناس.

إذا أخبرت عن الفاعل بالذي ، قلت : الذي أعلم زيدا عمرا خير الناس الله. ولا يجوز أن تثني هذه المسألة ؛ لأن الله واحد ، لا شريك له ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ولكن إن كان الفاعل المعلم غيره ، قلت : اللذان أعلما زيدا عمرا خير الناس بكران. فإن أخبرت بالألف ، واللام ، قلت :

المعلم زيدا عمرا خير الناس الله. وإن أخبرت عن زيد ، قلت : المعلم الله إياه عمرا خير الناس زيد. وإن شئت : المعلمه الله عمرا خير الناس زيد. وإن أخبرت عن عمرو ، قلت : المعلم الله زيدا إياه خير الناس عمرو. وإن شئت : المعلمه. وإن أخبرت عن خير الناس ، قلت : المعلم الله زيدا عمرا إياه خير الناس. فالمعلم : مبتدأ. والله : الفاعل. وزيد : المفعول الأول. وعمرو : المفعول الثاني. وإياه : المفعول الثالث. وخير الناس : الخبر.

[السابع] : الذي لم يسم فاعله ؛ نحو : ضرب زيد. تقول : الذي ضرب زيد. ففي : ضرب ، ضمير يعود إلى الذي. وزيد : خبر الذي. فإن شئت قلت : اللذان ضربا الزيدان. وفي الجمع : الذين

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٣٥٢

ضربوا الزيدون. وبالألف ، واللام : المضروب زيد ، والمضروبان الزيدان ، والمضروبون الزيدون.

وتقول : أعطي زيد درهما. فإن أخبرت عن زيد ، قلت : الذي أعطي درهما زيد. ففي : أعطي ضمير يعود إلى الذي ، وقد قام مقام الفاعل. ودرهما : المفعول الثاني. وزيد : الخبر. وبالألف ، واللام : المعطى درهما زيد. ففي : المعطى ضمير [الألف و](١) اللام : مرتفع بمعطى. ودرهما : المفعول الثاني. وزيد : الخبر. فإن أخبرت عن درهم ، بالذي ، قلت : الذي أعطي زيد إياه درهم.

هذا هو الوجه ؛ فتضع إياه موضع درهم. ولو قلت : الذي أعطيه زيد درهم ؛ فأتيت بالمنصوب المتصل ، جاز. ولو قلت : الذي أعطي زيدا درهم ؛ فتجعل في : أعطي ضميرا يعود إلى الذي ، وتقيمه مقام [١٥٥ / ب] الفاعل ، وزيدا : المفعول الثاني ، جاز ، ولكنه ضعيف ؛ لأن قولك : أعطي زيدا درهم ، ضعيف. والوجه : أعطي زيد درهما ؛ لأن زيدا : فاعل من وجه ؛ لأنه أخذ ، والدرهم مأخوذ معطى ، فهو مفعول من كل وجه.

[الثامن] : باب كان. تقول : كان زيد قائما. فإن أخبرت عن زيد بالذي ، قلت : الذي كان قائما زيد. وبالألف ، واللام : الكائن قائما زيد. ففي : كان ، والكائن ، ضميران مرفوعان بهما.

وزيد : هو الخبر. فإن أخبرت عن قائم ، ففيه خلاف ، أجازه قوم ، ومنعه قوم. فمن أجاز ، قال : الذي كان زيد إياه قائم. والكائن إياه زيد قائم. فلا بد من : إياه ؛ لأنه موضع المنفصل. ألا ترى أنك تقول : ليس زيد إياه. وكان زيد إياه. وقال بعضهم : أجيز : الكائنه زيد قائم. فيأتي بالمتصل ، استدلالا ، بقول [الشاعر] :

٣٤٤ ـ فإلّا يكنها أو تكنه ، فإنّه

أخوها ، غذته أمّه بلبانها (٢)

[التاسع] : الظرف ، وهو على ضربين : ضرب يكون اسما يرتفع ، وينتصب ، وينجرّ. وظرف بخلافه ، لا يتمكن. فالأول : ظرف يرتفع ، وينتصب ، وينجر. فما كان من هذا النوع ، جاز الإخبار عنه ، نحو قولك : قمت اليوم ، وسرت الشهر. تقول : الذي قمت فيه يوم. والقائم فيه أنا يوم. والمسير فيه شهر. والذي سرت فيه شهر. والثاني : ظرف لا يتمكن ، نحو : ذات مرة ، وعند ، وبعيدات بين. لا تخبر عن هذا ؛ لأنه لا يتمكن. فلا تقول : المقيم فيه أنا ذات مرة. لأنه لا يتصرف.

[العاشر] : المصدر ، وما كان مذكورا من المصادر ، على سبيل التأكيد للفعل ، لا تخبر عنه ، نحو : ضربت ضربا ، وأكلت أكلا. وإنما يخبر عن المصدر ، إذا صح قيامه مقام الفاعل. وما لا يصح قيامه مقام الفاعل ، لا يخبر عنه. فكما لا يجوز : ضرب ضرب ، لا يجوز : الذي ضربته ضرب. والمضروب ضرب ؛ لأنه لا فائدة فيه. ولكن تقول : الذي ضربته ضرب شديد. والضاربه أنا ضرب شديد ؛ لأنه يجوز : ضرب ضرب شديد.

[الحادي عشر] : المضاف ، وهو [١٥٦ / أ] على ضربين : أحدهما : أن يكون المضاف مع المضاف إليه ، اسما واحدا ، نحو : عبد الله ، وأبي الحارث ، وحمار قبّان ، وقوس قزح. فهذا لا يجوز

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) سبق ذكره رقم (٨٦).

٣٥٣

الإخبار عنه ؛ لأن المضاف إليه كأحد حروف الاسم ؛ ولا يخبر عن بعض الاسم. وأما المضاف ، فلا يجوز الإخبار عنه ؛ لأن الإخبار عنه يقتضي أن تضع موضعه مضمرا. والمضمر لا يضاف أبدا.

والضرب الآخر من المضاف ، نحو : دار زيد ، وغلام عمرو. فهذا إذا أخبرت عن المضاف إليه ؛ جاز. لو قلت : الذي نزلت في داره زيد. والمنزول في داره زيد ، فتضع موضع المضاف إليه الضمير.

[الثاني عشر] : البدل. اختلف النحويون في الإخبار ، في هذا الباب. فمنهم من لا يجيز الإخبار عن المبدل منه ، إلا والبدل معه ، كما يفعل في النعت. ومنهم من يجيز الإخبار عن المبدل منه ، دون البدل. فأما إذا قلت : مررت برجل أخيك ، فأخبرت عن رجل ، قلت : الذي مررت به رجل أخوك. والمارّ به أنا رجل أخوك. تجعل الرجل خبرا ، ثم تبدل الأخ منه ، كما كان في أصل المسألة. وقوم يقولون : المارّ به أنا أخيك رجل. فيجعلون الأخ بدلا من الاسم المضمر ، كما كان بدلا من مظهره.

[الثالث عشر] : العطف. كقولك : ضربت زيدا ، وعمرا. إذا أخبرت عن زيد بالذي ، قلت : الذي ضربته وعمرا زيد. والضاربه أنا وعمرو زيد ؛ فيجوز جر عمرو ، ونصبه ، فالنصب ؛ لأن الضارب بمعنى : الذي ضرب. والجر ؛ لأن الهاء مجرورة. فإن أخبرت عن عمرو ، قلت : الذي ضربت زيدا وإياه عمرو. وإن اخبرت عنهما ، قلت : اللذان ضربتهما زيد وعمرو. والضاربهما أنا زيد وعمرو. وإن أخبرت عن عمرو [بالألف (١) و] باللام ، قلت : الضارب زيدا وإياه أنا عمرو.

[الرابع عشر] : الإخبار عن المضمر. تقول : ذهبت. فإذا أخبرت عن التاء بالذي ، قلت : الذي ذهب أنا. وبالألف ، واللام : الذاهب أنا ، ففي : ذهب ، وذاهب ، ضميران يعودان إلى الذي و «الألف](٢) واللام. وأنا : الخبر. وكذلك إذا قلت : ذهبت ، فأخبرت بالذي ، قلت : الذي ذهب أنت. والذاهب أنت. وكذلك : ذهبت [١٥٦ / ب] يا امرأة ، قلت : التي ذهبت أنت. والذاهبة أنت.

وقول أبي الفتح : مررت بالجالسة أخته ؛ أي : بالرجل الذي جلست أخته. فالجالسة فعل الأخت والعائد إلى [الألف و] واللام ، المضاف إليه المجرور. وعلى هذا ، الآية لأن (الظَّالِمِ)(٣) صفة للقرية ، وهو فعل الأهل ؛ فقدره : التي ظلم أهلها.

وإذا قلت : كان زيد منطلق ، على تقدير : كان الأمر ، والشأن ، وأردت أن تخبر عن ذلك الضمير المجهول ، في (كان) وقلت : الذي كان زيد منطلق هو. أو الكائن زيد منطلق هو ؛ لم يجز ، لأن هو : هذه ، يقع في الابتداء ، فيفسر بجملة ، نحو قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) (٤). وقوله

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) ٤ : سورة النساء ٧٥.

(٤) ١١٢ : سورة الإخلاص ١.

٣٥٤

تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(١). وقوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً)(٢) ، فيمن رفع (آية) وأنث (تكن) (٣) على ضمير القصة.

فإذا أوقعته في آخر الكلام ، ولم تفسره بجملة بعدها ، خرجت عن كلامهم ، وتركت التفسير. وتقول : ضربي زيدا قائما. فإن أخبرت عن زيد ، قلت : الذي ضربيه قائما زيد. وإن شئت : الذي ضربي إياه قائما زيد ؛ فتفصل الضمير. لأن ضربي : اسم ؛ فيجوز معه وصل الضمير ، وفصله بخلاف الفعل. وإن أخبرت عن ضربي ، وقلت : الذي هو زيدا قائما ضربي ؛ لم يجز ؛ لأن ضمير المصدر ، لا يعمل عمل المصدر ، فلا ينصب زيدا. وقد ذكرنا ، أن قولهم : مروري بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ؛ فتعمل هو ، لا يجوز هذا ؛ لأن ضمير المصدر ، يخالف المصدر. وإن أخبرت عن قائم ، وقلت : الذي ضربي زيدا إياه قائم ؛ لم يجز ؛ لأن الحال لا تكون [إلا](٤) نكرة.

والمضمر أعرف المعارف ، فلا يقع موقع الحال. ولهذا لم يجز : جاء زيد مسرعا ، وخرج زيد إياه.

فهذا مختصر من أصل طويل ، وددت أن أعلمك بعضه ، لتستدلّ به على شرف هذا العلم.

ولنعد إلى كتاب اللمع ؛ فنقول : وتقول : لأضربنّ أيّهم قام صاحبه. اعلم أن (أيّا) على أربعة أقسام :

[الأول] : أن يكون بمعنى (الذي) كقولك : لأضربن أيّهم قام. (فأيّهم) بمعنى : الذي [١٥٧ / أ] ، وهو موصول بقام قال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)(٥). فأيّهم : بمعنى : الذي ، وهو مرفوع ، لأنه بدل من الضمير في : يبتغون ؛ أي : يبتغي الوسيلة الذي هو أقرب. وهو محذوف من الصلة ، كما جاء في قوله : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ)(٦) ؛ أي : هو أشدّ.

[الثاني] : أن يكون (أيّ) استفهاما ، ويعمل فيه ما بعده ، كقوله تعالى : (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٧) ؛ أي : أيّ انقلاب. فأيّ : منصوب ب (ينقلبون) ، نصب المصادر ، ولا ينتصب ب (سيعلم) ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام.

[الثالث] : أن تكون (أيّ) شرطا ، وجزاءا ، كقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٨) ، وقد تقدم ذلك مشروحا.

__________________

(١) ٢٢ : سورة الحج ٤٦.

(٢) ٢٦ : سورة الشعراء ١٩٧.

(٣) وهما : ابن عامر ، والجحدري ، السبعة ٤٧٣ ، والحجة ـ لابن خالويه ٢٦٨ ، وحجة القراءات ٥٢١ ، والكشف ٢ : ١٥٢ ، والتيسير ـ للداني ١٦٦ ، وتفسير التبيان ١ : ٦٠ ، ومجمع البيان ٧ : ٢٠٣ ، والكشاف ٣ : ١٢٨ ، وتفسير الرازي ٢٤ : ١٦٩ ، والتبيان ـ للعكبري ٢ : ١٧٠ ، وتفسير القرطبي ١٣ : ١٣٩ ، والبحر المحيط ٧ : ٤١ ، والنشر ٢ : ٣٣٦ ، وإتحاف الفضلاء ٣٣٤.

(٤) الأصل بياض ، و (إلا) يقتضيها السياق.

(٥) ١٧ : سورة الشعراء ٥٧.

(٦) ١٩ : سورة مريم ٦٩.

(٧) ٢٦ : سورة الشعراء ٢٢٧.

(٨) ١٧ : سورة الإسراء ١١٠.

٣٥٥

[الرابع] : أن تكون (أيّ) تعجبا. كقولك : مررت برجل أيّما رجل.

[قال الشاعر] :

٣٤٥ ـ فأومأت إيماءا خفيّا لحبتر

ولله عينا حبتر ، أيّما فتى (١)

فينجر (أيّ) وصفا لما قبله.

واعلم أن الضمير العائد من الصلة إلى الموصول ، على ضربين : متصل منصوب ، ومتصل بالجار.

فالأول : قولك : رأيت الذي رأيته. فالهاء في (رأيته) مفعول وحذفها مستحسن في الكلام.

وفي التنزيل لم يأت إثباتها إلا في موضعين : أحدهما ، قوله : (كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٢). والآخر : قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا)(٣). كذا ذكره العبدي (٤) ، وأبو الحسين (٥). ووجدت لهما ثالثا ، وهو : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ)(٦). وإنما حسن حذفها ؛ لأن الموصول ، قد طال : بالفعل ، والفاعل ، والضمير ؛ فاجتمعت أربعة أشياء : الموصول ، والفعل ، والفاعل ، والضمير. فحسن حذفها لذلك.

فأما إذا اتصل بالجار ، نحو قولك : الذي مررت به زيد ؛ فإن حذفه ، هاهنا ، قالوا : لا يجوز ، فلم يجيزوا : الذي مررت زيد. وقد جاء : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا)(٧) ، فقدروه : كالذي خاضوا فيه. فحذف (في) فصار التقدير : كالذي خاضوه. ثم حذف الضمير.

وحكي عن يونس (٨) : أنّ (الذي) في الآية ، مصدرية. والتقدير : وخضتم كخوضهم. فأجرى (الذي) مجرى (ما) وقالوا في [قول الشاعر] :

٣٤٦ ـ عسى الأيّام أن [١٥٧ / ب] يرجعن

قوما كالّذي كانوا (٩)

أي : كالذي كانوا عليه. فحذف (على) فصار : كالذي كانوه. ثم حذفت الهاء ، فصار :

__________________

(١) البيت من الطويل ، للراعي النميري ، في : ديوانه ٢٥٧ ، والكتاب ٢ : ١٨٠ ، والتحصيل ٣٠١ ، والخزانة ٩ : ٣٧٠ ، ٣٧١.

وبلا نسبة في : ابن عقيل ٢ : ٦٥.

(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧٥.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ١٧٥.

(٤) هو : أبو طالب ، أحمد بن بكر العبدي ، (ت ٤٠٦ ه‍) ، أخذ العربية عن : السيرافي ، والرماني ، والفارسي.

ينظر : نزهة الألباء ٢٤٦ ، ٢٤٧.

(٥) هو : محمد بن الوليد بن ولاد ، التميمي ، (ت ٢٩٨ ه‍) ، قرأ كتاب سيبويه على المبرد. ينظر : طبقات النحويين ٢١٧.

(٦) ٦ : سورة الأنعام ٧١.

(٧) ٩ : سورة التوبة ٦٩.

(٨) والأخفش كذلك. ينظر : مجمع البيان ٥ : ٤٨ ، إذ نقل فيه عبارة الشارح : (قال جامع العلوم النحوي البصير ...) أوردها كما في المتن.

(٩) البيت من الهزج ، للفند الزماني ، في : ديوان الحماسة ١ : ٦ ، وأمالي القالي ١ : ٢٦٠ ، والخزانة ٣ : ٤٣١.

٣٥٦

كانوا. وعند يونس تقديره : ككونهم. ويكون (كان) تامة.

(قال أبو الفتح) : والحروف الموصولة ، ثلاثة (ما) و (أن) الخفيفة ، و (أنّ) الثقيلة. ومعاني جميعها بصلاتها ، المصادر. تقول : سرني ما قمت ، أي : سرني قيامك. وعجبت مما قعدت ، أي : عجبت من قعودك. قال الله تعالى : (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ)(١) ، أي : بتكذيبهم.

(قلت) : (ما) هذه : حرف ، عندنا. وعند الأخفش (٢) : اسم ، لأنه يدخل عليه عوامل الأسماء.

فصارت كالأسماء ، نحو الباء ، في : (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ،) والكاف ، في : (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا)(٣). وحروف الجر من خصائص الأسماء.

قال : ولا يلزم أنه لا يعود إليه ، من الصلة ضمير ظاهر ، لأني أقدر الهاء في الصلة. ويكون الهاء كناية عن المصدر. فتقدير قوله : (كَما نَسُوا ،) أي : كما نسوه. فالهاء : كناية عن النسيان ، وهو يعود إلى (ما) المنبئ عن النسيان.

وإن قلتم : إنّ ضمير المصدر ، ليس كصريحه ، بدليل امتناع قولهم : مروري بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ، قلت لكم : ضمير المصدر ، وإن خالف صريحه في هذا ، فلم يخالفه في تعدية الفعل إليه. ألا ترى : أنا نقول : أعجبني قيام قمته ، فتعدى (قمت) إلى ضمير قيام ، كما تقول : قمت قياما. وتقول : ضربته زيدا كما تقول : ضربت ضربا زيدا. [فضمير](٤) المصدر ، وصريحه غير مخالفين في هذا ، بل هما متفقان. فلا وجه لإنكار إضمار هذا الهاء ، في صلة (ما).

[ثم](٥) : إنّ (ما) هاهنا ، حرف ، ودخول الجار عليه ، إنما جاز ، لأنه مع ما بعده في تأويل المصدر ، فهو بمنزلة (أن) و (أنّ) حيث جاز دخول الجار عليه في قولك : عجبت من أن قمت لما كان في تأويل : قيامك ، فهو إذن حرف. وقد نص عليه سيبويه (٦) ، وقاسه (بأن).

وإضمار العائد في صلته ، دعوى فاسدة ، إذ لم يظهر في موضع ، ولا يحتاج إلى إضماره ، في تصحيح الكلام. والكلام بدونه مستقيم. (١٥٨ / أ) ولو جاز لأحد ادعاء ذلك لجاز مثله الآخر ، في (أن) وفي : أن لم يضمر أحد هاءا في صلة (أن) دليل على مثله في (ما) والمسألة طويلة ، وقد ذكرتها في (الخلاف بين النحاة).

وأما (أنّ) الثقيلة ، فقد مضى ذكرها. وأما (أن) الخفيفة ، فهي ناصبة للفعل. والفعل ، بعدها أيضا صلتها تقول : أريد أن تقوم. ويجوز أن تعطف عليه فتقول : أريد أن تقوم وتضرب زيدا فتنصب : تضرب لأنه معطوف على الأول. لأن الضرب داخل في الإرادة ، لأن إرادته إنما هي :

الضرب ، والقيام.

(فإذا قلت) : أريد أن أزورك فيمنعني البواب.

(فالجواب) : لا تنصب قوله : يمنعني لأنه كلام مستأنف مرفوع ، وليس بعطف لأن المنع لا

__________________

(١) ٩ : سورة التوبة الآية ٧٧.

(٢) وأبي بكر كذلك ينظر : المغني ١ : ٣٠٥.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ٥١.

(٤) الأصل غير واضح.

(٥) الأصل بياض.

(٦) الكتاب ٣ : ١٠٢.

٣٥٧

يدخل في الإرادة ، لأن إرادته الزيارة دون المنع فإذا كان كذلك تقول : فيمنعني البواب. على تقدير : فإذا يمنعني البواب. والدليل عليه قول الشاعر :

٣٤٧ ـ يريد أن يعربه ، فيعجمه (١)

 ...

لأنه ليس بمعطوف على قوله : يعربه ، إذ لو كان كذلك لانتقض المعنى لأن إرادته الإعراب ، دون الإعجام. فإذن قوله : يعجمه : كلام مستأنف ، ولو نصب لفسد المعنى.

(قلت) : اعلم أنه لا يؤكد الموصول وقد بقيت منه بقية فلا تقول : مررت بالضاربين أجمعين زيدا بل تقول مررت بالضاربين زيدا أجمعين فإن جعلت قوله : أجمعين تأكيدا للضمير الذي في الضاربين جاز. ويكون التقدير : مررت بالضاربين هم أجمعون زيدا ولا يوصف ولا يعطف عليه وقد بقيت منه بقية لأن الصلة مع الموصول بمنزلة اسم واحد. وإذا لم ينقض الموصول مع الصلة ، فلا يعطف على بعض الاسم.

واعلم أن المصدر ، على ثلاثة أقسام :

مصدر تنونه ، وهو قولك : أعجبني ضرب زيد عمرا. فإنه إذا كان منونا ، فإنه يعمل غاية العمل وذلك لتحقق شبهيته بالفعل ، والفعل أيضا نكرة وقولك : أعجبني ضرب زيد عمرا فإن قولك : ضرب : مرفوع بفعله (١٥٨ /) وفعله : أعجبني.

وزيد : ارتفع بالفعل الذي في المصدر. وهاهنا يجوز أن يحذف الفاعل. فتقول : أعجبني ضرب زيدا ولا يحتاج إلى الفاعل لأن قوله : ضرب : اسم صريح فلا يحتاج إلى اسم آخر بخلاف الفعل وذلك لأن الفعل خبر والخبر لا بد من مخبر عنه فلهذا قلنا : لا يجوز حذف الفاعل من الفعل.

والقسم (الثاني) : أن تضيفه فتقول : أعجبني ضرب زيد عمرا وهاهنا يجوز أن تضيفه إلى الفاعل وتنصب المفعول بعده ويجوز أن تضيفه إلى المفعول وترفع الفاعل بعده فتقول : أعجبني ضرب زيد عمرو والدليل عليه قول الشاعر :

٣٤٨ ـ ...

قرع القواقيز أفواه الأباريق (٢)

بالنصب. إذا كان مضافا إلى الفاعل وأفواه الأباريق : بالرفع إذا كان مضافا إلى المفعول.

__________________

(١) من الرجز ، للحطيئة ، وقبله :

فالشعر صعب ، وطويل سلمه

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

وهو في : ديوانه ٢٣٩ ، واللمع في العربية ٣٠٣.

(٢) البيت من البسيط ، للأقيشر الأسدي ، وصدره :

أفنى تلادي وما جمعت من نشب

وهو بهذه النسبة في : الخزانة ٤ : ٤٩١.

وبلا نسبة في : المقتضب ١ : ٢١ ، والإنصاف ١ : ٢٣٣ ، واللمع في العربية ٣٠٧ ، والمغني ٢ : ٥٣٦ ، واللسان (ققز) ٥ : ٣٩٦. القواقيز : الكؤوس.

٣٥٨

والضرب (الثالث) : هو أن يدخل الألف ، واللام المصدر فتقول : أعجبني الضرب زيد عمرا فقال أبو علي في كتاب الإيضاح (١) : إنه لا يعمل إذا دخله الألف ، واللام. وذلك لأن الألف واللام ، لما دخلاه عرّفاه ، وأخرجاه عن شبهية الفعل ، لأن الفعل منكر ، والمصدر معرّف. وإذا كان كذلك ، فلا يجوز أن يعمل المصدر مع أنه قد خرج من شبيهة الفعل ، فوجب أن لا يعمل ، وذهب أكثر أهل النحو إلى إعماله مع دخول الألف واللام عليه. وأنشدوا في ذلك أشعارا ، واحتجوا بأبيات. منها (قول الشاعر) :

٣٤٩ ـ ضعيف الّنكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (٢)

فنصب : أعداءه بالنكاية ، وهو مصدر مع دخول الألف ، واللام عليه. قال أبو علي : تقديره : ضعيف النكاية في أعدائه. فحذف (في) فلما حذف (في) انتصب بنزع حرف الجر عنه. فأبو علي نصبه بحذف حرف الجر عنه. وعامة أهل النحو نصبوه بنفس المصدر الذي هو : النكاية.

والأولى أن يصار إلى إعماله لأن الله تعالى قال : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ)(٣) ، قال أبو علي في الحجة ورجع عن القول الأول ، قال : ويومئذ : منصوب وناصبه (١٥٩ / أ) إنما هو المصدر الذي فيه الألف ، واللام فرجع وقال : المصدر إذا كان فيه الألف ، واللام ، فإنه يعمل (٤). وقال : هذا كقولهم : الوزن الدراهم. ونصب (الدراهم) (بالوزن). وهذا القول هو الأصح. لأن الله تعالى قال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)(٥). ف (من) رفع بالمصدر ، وهو (الجهر) وقال : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ)(٦) ف (من) فاعل الشفاعة وإذا ثبت أن المصدر يعمل فنقول : المصدر مع ما بعده بمنزلة (أن) مع ما بعده. و (أن) موصولة وما بعدها صلتها ولا يجوز تقديم ما بعد (أن) و (أنّ) على ما قبلهما لأن الصلة لا تتقدم على الموصول للمعنى الذي سبق بيانه.

وكذلك أيضا المصدر إذا كان ما بعده بمنزلة (أن) فوجب أن لا يجوز تقديم ما بعد المصدر على المصدر ، وما قبله لأن المصدر موصول وما بعده صلته. فإذا قلت : أعجبني ضرب زيد عمرا ، أي : عجبت من أن ضرب زيد عمرا. فإذا ذكرت المصدر ، فقد ذكرت (أن) مع ما بعده وإذا ذكرت (أن) مع ما بعده ، فقد ذكرت المصدر. ولا يفصل بين المصدر وبين ما هو من صلته

__________________

(١) المقتصد ١ : ٥٦٣ ، ونصه : (وأقيس الوجوه الثلاثة في الإعمال الأول (أي : المنون) ثم المضاف. ولم أعلم شيئا من المصادر بالألف ، واللام معملا في التنزيل).

(٢) البيت من المتقارب ، بلا نسبة في : الكتاب ١ / ١٩٢ ، والتحصيل ١٥٥ ، وابن يعيش ٦ / ٥٩ ، ٦٤ ، وابن عقيل ٢ / ٩٥ ، وشرح شذور الذهب ٣٨٤ ، والمقتصد ١ / ٥٦٣ ، والخزانة ٨ / ١٢٧.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ٨.

(٤) المقتصد ١ : ٥٦٣ ، ونصه : (ومثال ما أعمل من المصادر وفيه الألف واللام قولك أعجبني الضرب زيد عمرا) ومما جاء في الشعر من هذا قوله :

ضعيف النكاية أعداءه ... البيت

(٥) ٤ : سورة النساء ١٤٨.

(٦) ٤٣ : سورة الزخرف ٨٦.

٣٥٩

بالأجنبي لما ذكرنا من أن الموصول مع الصلة بمنزلة اسم واحد. ولا يجوز تقديم بعض الاسم على بعض فتقول : عجبت عمرا من ضرب زيد وأنت تريد : عجبت من ضرب زيد عمرا ولا تقول : عجبت أمس من ضرب زيد عمرا ، وأنت تريد : عجبت من ضرب أمس زيد عمرا ، على ما ذكرنا.

والدليل على أنه يجوز حذف الفاعل عند ذكر المصدر ، قول الله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً)(١). فحذف الفاعل ونصب (يتيما) بقوله (إطعام). وتقول : سرني قيامك يوم الجمعة ولو قلت : سرني يوم الجمعة قيامك على أن يكون (يوما) منتصبا بقوله : (قيامك) لم يجز وذلك لأن (المصدر) هو الموصول. و (يوم) من صلته ولا يجوز تقديم الصلة على الموصول.

(فإن قلت) : إنه يجوز الفصل بين (١٥٩ / ب) المصدر ، وبين معموله. والدليل عليه قول الله تعالى : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ)(٢). فقوله (إذ) ظرف وهو منصوب. وعامله قوله (لمقت الله) وقد فصل بين المصدر وبين معموله بقوله : (أكبر من مقتكم).

(الجواب) : أنّ (إذ) محمول على مضمر دل عليه (مقت الله) وتقديره : مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان ومثله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(٣) و : (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٤). والتقدير :

وكانوا فيه من الزاهدين فيه. وأنا على ذلكم من الشاهدين على ذلك. لأن الألف واللام بمعنى (الذي). (قال الشاعر) :

٣٥٠ ـ ...

كان جزائي ، بالعصا أن أجلدا (٥)

في أحد التأويلين. وإذا كان كذلك فقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(٦). لم ينتصب (أياما) ب (الصيام) للفصل بينه وبين (أيام) بقوله (كما كتب) الذي هو صفة مصدر (كتب عليكم) ولا يجوز أيضا تعلق الكاف بمحذوف ، يكون حالا من (الصيام) لأنه يصير الحال منبئا بأن الاسم قد انقضى بكماله وآذن بتمامه فلا يجوز أيضا أن يكون في موضع الحال لأنه أيضا فصل بين المصدر وصلته فبطل قوله كما بطل قول أبي إسحاق. وصح قوله الآخر إنه على تقدير : صوموا أياما لكون الصيام مذكورا في أول الكلام.

__________________

(١) ٩٠ : سورة البلد ١٤ ، ١٥.

(٢) ٤٠ : سورة غافر ١٠.

(٣) ١٢ : سورة يوسف ٢٠.

(٤) ٢١ : سورة الأنبياء ٥٦.

(٥) من الرجز ، للعجاج ، وقبله :

ربيته حتى إذا تمعددا

وهو بهذه النسبة في : المحتسب ٢ : ٣١٠ ، والخزانة ٨ : ٤٣٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣٢. وبلا نسبة في : إعراب ثلاثين سورة ٢١ ، وابن يعيش ٩ : ١٥١.

(٦) ٢ : سورة البقرة ١٨٣ ، ١٨٤.

٣٦٠