شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

الأفعال رجلا ، وما هو على وزن هذه الأفعال ؛ لا تصرفه معرفة ، للتعريف ، ومثال الفعل. وتصرفه نكرة ؛ لأن السبب الواحد لا يمنع الصرف.

[فإن قلت] : ولم قلتم : إن السبب الواحد لا يمنع الصرف؟.

[الجواب] : قلنا : لأنا لو قلنا : إنّ السبب الواحد يمنع الصرف ؛ لأدى ذلك إلى أن لا يصرف اسم ما بحال. لأنه ما من اسم إلا وفيه سبب من هذه الأسباب ، ولا سبيل إلى ذلك. فعلى ما ذكرناه : تقول : هذا تغلب ، وأحمد ، ورأيت تغلب ، وأحمد ، ومررت بتغلب ، وأحمد. فلا تصرفه في المعرفة ، وتصرفه في النكرة ، لأنه : ما من شيء في عالم الله إلا ويقع عليه اسم شيء. وشيء نكرة ، فعلم بهذا أنها أصل ، وأنّ المعرفة فرع عليها. كما أن الفعل فرع على الاسم ، ولوزن الفعل ؛ لأن وزن الفعل فرع على وزن الاسم ، كما أن الفعل فرع على الاسم ؛ فلاجتماع هذين السببين ، لا تصرفه. فأما في النكرة ، فتصرفه ، لزوال أحد السببين. والسبب الواحد لا يمنع الصرف. فأما (أفعل) إذا كان صفة ، وسمّيت به ، ثم نكّرته ، لم ينصرف عند سيبويه (١) ، وانصرف عند أبي الحسن (٢) ، وذلك [١٣٦ / أ] قولهم : آدم. تقول : مررت بآدم ، فلا تصرفه ؛ لوزن الفعل ، والتعريف. فإن قلت : وآدم آخر ، صرفه الأخفش ؛ لزوال التعريف. ولم يصرفه سيبويه ؛ لأن هذا الاسم كان في الأصل صفة. فلما سمي به ، ثم نكر ، عاد إلى الأصل. وأصله الصفة. ألا ترى أن الاسم الذي كان وصفا ، ثم جعل علما ، لم يزل أصل الصفة الذي كان فيه ، على كل حال. ألا ترى أنهم قالوا : العباس ، والحارث ، والحسن. وكان حقه أن لا يدخل فيه لام التعريف ، كما لا تدخل في : زيد ، وعمرو. ولكنه جاز دخول اللام عليه ؛ لأنه كان في الأصل ، صفة. فهو ، وإن نقل إلى العلمية ، بقي فيه رائحة الصفة. فكذا : آدم ، وأحمر ، إذا جعل علما ، بقي فيه رائحة الصفة. فإذا نكّر ، عاد إلى الأصل الذي هو الوصف.

ويقال : إن أبا عثمان ، قال لأبي الحسن (٣) : ما قولك في قولهم : مررت بنسوة أربع. هل تصرف (أربعا) أم لا؟. فقال : أصرفه. فقال له : هو صفة ، وهو على وزن (أفعل) فقال : إنه ، وإن كان صفة الآن ، فأصله الاسم. فقال أبو عثمان : ف (آدم) وإن كان الآن اسما ، فأصله صفة. فلم لم تعتبر الأصل ، هناك ، واعتبرته ، هنا؟ فسكت.

فإن سميت رجلا : جملا ، أو قلما ، أو شيئا آخر من هذا الوزن ، فإنك تصرفه معرفة ، ونكرة ؛ فإن هذا الوزن ، في الأغلب ، لا يكون في الفعل ، ولا يختص به ، بل يوجد في كلا القبيلين : في الاسم ، والفعل ، جميعا. فلا يكون الفعل أخص به من الاسم ؛ وإنما لم تصرفه ، لاجتماع هذين السببين. وذلك لأن بهذين السببين تقوى الشبهية بالفعل. والفعل لا يدخله الجر ، والتنوين ، فكذلك ، أيضا ، ما يشبهه ، وجب أن يكون بمثابته.

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٩٩.

(٢) الجمل ٢ : ٢١١ ، ووافق أبا الحسن الأخفش ، المبرد في : المقتضب ٣ : ٣١٢.

(٣) أبو عثمان ، هو : المازني ، وأبو الحسن هو الأخفش.

٣٢١

[قال أبو الفتح] : ومتى انضم إلى التعريف ، سبب آخر ، فإنهما يمنعان الصرف ؛ لأن المعرفة فرع على النكرة ، لما ذكرنا ، كما أن الفعل فرع على الاسم.

[قلت] : ومتى انضم إلى التأنيث سبب آخر ، فإنهما يمنعان الصرف. وذلك لأن التأنيث فرع على التذكير ، كما أن الفعل فرع على الاسم. فحصلت الشبهية ، فمنع الصرف. والدليل على أنّ المؤنث فرع على المذكر ، والمذكر أصل [١٣٦ / ب] هو أنه : ما من مؤنث إلا ويجوز تذكيره.

قال الله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(١).

وكذلك ، أيضا ، قال : (وَقالَ نِسْوَةٌ)(٢) ، وغير ذلك من الآيات. ويحسن ذلك ، فعلم بهذا أن المذكر أصل. والمذكر قط ، لا يؤنث ؛ لأن ذلك قبيح ، على أنهم قالوا :

٣٢٢ ـ ...

 ... ما هذه الصّوت (٣)

وهو في غاية القبح. ولكن حملوه على المعنى (٤). ومع ذلك لا يحسن. والدليل على أن المؤنث فرع على المذكر ، هو أن أصل كل شيء ، إنما هو لفظة (شيء) وهو مذكر. والدليل عليه ، أيضا ، هو أنك تقول في المرأة : قائمة ، وقاعدة. فعلامة التأنيث ، إنما يكون هو التاء ، والتاء ، هاهنا ، بمنزلة زيادة ، لأنها بمنزلة اسم ثان ضم إلى الأول. والدليل على أنه بمنزلة اسم ثان ، وأنّ التاء بمنزلة الزيادة انفتاح ما قبلها ؛ وانفتاح ما قبلها ، يدل على أنه كان كالزيادة ، بمنزلة (بعلبكّ) لأن الثاني اسم ضم إلى الأول ، وجعلا شيئا واحدا ، فكذلك ، أيضا ، علامة التأنيث ، لمّا كانت كالزيادة ، علمنا بهذا أن المؤنث ليس بأصل. وإنما الأصل هو المذكر ، لأن علامة المؤنث كالزيادة ، والمذكر ، لا يحتاج إلى علامة ؛ والتأنيث المعتبر في منع الصرف ، إنما هو التأنيث الذي تكون علامته هاءا ، أو ألفا مقصورة ، أو ممدودة. فأما التأنيث الذي دخل للفرق ، بين المذكر والمؤنث ، فإنه لا يمنع الصرف ، فإنه إنما دخل للفرق ، وهو قولك : قاعدة ، وقائمة ؛ لأن هذا ، إنما كان للفرق بين المذكر ، والمؤنث. فالأسماء المؤنثة على ضربين : مؤنث بعلامة ، ومؤنث بغير علامة. والعلامة على ضربين : هاء ، وألف. وكل اسم فيه هاء التأنيث ، فإنه لا ينصرف ، معرفة ؛ وينصرف نكرة ، مثل : طلحة ، وحمزة : تقول : رأيت طلحة ، وطلحة آخر ، وحمزة ، وحمزة آخر. وإنما لم ينصرف ، معرفة ؛ لاجتماع السببين : التعريف ، والتأنيث. أما ألف التأنيث ، فعلى ضربين : ألف مفردة ، نحو : حبلى ، وسكرى ، وجمادى ، وحبارى. وألف وقعت بعد ألف زائدة ؛ فحركت لالتقاء الساكنين ، فانقلبت [١٣٧ / أ] همزة ، وذلك نحو : صحراء ، وحمراء ، وأصدقاء. فقوله : صحراء ، أصله : صحرا ، كسكرى. إلا أنهم زادوا فيها ألفا آخر ، لمد الصوت ، فقالوا : صحراا ، فوقعت ألفان

__________________

(١) ٢ : سورة البقرة ٢٧٥.

(٢) ١٢ : سورة يوسف ٣٠.

(٣) هذه قطعة بيت من البسيط ، وهو بتمامه :

يا أيها الراكب المزجي مطيته

سائل بني أسد : ما هذه الصّوت

وهو لرويشد بن كثير الطائي ، في ديوان الحماسة ١ : ٤٧ ، والتاج (صوت) ٤ : ٥٩٧.

وبلا نسبة في : الخصائص ٢ : ٤١٦ ، والإنصاف ٢ : ٧٧٣.

(٤) أي : أراد الشاعر : ما هذه الضوضاء ، والجلبة ، والصياح. التاج ٤ : ٥٩٨ (صوت).

٣٢٢

قلبت إحداهما همزة ، وأخّرت الألف التي كانت للتأنيث ، لأن علامة التأنيث ، لا تقع حشوا ، وقلبت همزة ، لالتقاء الساكنين.

وكل اسم وقعت في آخره ، واحدة من ألفي التأنيث ، فإنه لا ينصرف ، لا معرفة ، ولا نكرة.

وإنما لم ينصرف نكرة ؛ لأنه مؤنث ، وتأنيثه لازم. فكأن فيه سببين : فلزوم التأنيث نزّل منزلة سبب آخر.

وأما المؤنث بغير علامة ، فعلى ضربين ، أيضا : ثلاثي ، وما فوقها. فإن سميت المؤنث باسم مؤنث ثلاثي ساكن الأوسط ، فأنت مخير في صرفه ، معرفة ، وترك صرفه. تقول : رأيت هند ، وهندا ، وكلمت جمل ، وجملا. فمن لم يصرف ، قال : لاجتماع السببين فيه ، وهو : التعريف ، والتأنيث. ومن صرفه ، قال : إنما صرفته ، لأنه ساكن الأوسط. قال : وسكون أوسطه في غاية الخفة. فلما كان في غاية الخفة ، عورض السكون ، بسبب من السببين. قال : فلما عورض بسبب ، كان كأنّ ذلك السبب قد سقط ، فلم يبق إلا سبب واحد. والسبب الواحد لا يمنع الصرف.

وأما إذا كان متحرك الأوسط ، فبالإجماع من النحاة. والعرب لا تصرفه. قالوا : وإنما لا تصرف ؛ لأن الحركة التي في الأوسط ، نزّلت منزلة حرف. قال : فصار كأنه على أربعة أحرف.

وأجمعوا على أن الاسم المؤنث ، إذا كان معرفة ، على أربعة أحرف ، فإنه لا يصرف ، معرفة لثقله.

فكذلك ، أيضا ، هاهنا ، لا يصرف ، لأن الحركة ، أقيمت مقام الحرف. فكأنه كان على أربعة أحرف. قالوا : والدليل ، على أنّ الحركة تكون بمنزلة حرف ، إجماعنا على أن الاسم المؤنث ، إذا كان على أربعة أحرف ، ويكون ساكن الأوسط ، فإنه ، بالإجماع ، في باب النسبة : لا يحذف منه شيء. تقول في حبلى ، في باب النسبة : حبلويّ ، وفي سعدى : سعدويّ. ثم إنّ هذا الاسم ، لو كان متحرك الأوسط [١٣٧ / ب] ، فإنه يحذف آخره ، نحو قولك : جمزى ، وبشكى ، فتقول في النسبة : جمزيّ ، ولم تقل : جمزويّ ، لأن كون هذا الاسم ، متحرك الأوسط ، قد نزّلت الحركة فيه ، وجعلت كأنها حرف واحد ، وكأنّ هذا الاسم ، بهذه الحركة ، على خمسة أحرف.

وأجمعوا على أنّ الاسم المؤنث إذا كان على خمسة أحرف ، فإنه ، في النسبة ، يحذف منه آخره ، فكذلك ، ما هو على أربعة أحرف. وأقيمت الحركة فيه مقام حرف واحد. فالحركات تقام مقام الحروف ، والحروف تقام مقام الحركات ، أيضا. والدليل ، على أن الحروف تقام مقام الحركات ، باب الجزم. وذلك ، لأنك تقول : هو يغزو ، ويرمي ، ويخشى. ثم إذا أدخلته حرف الجزم ؛ فإنك تحذف الحرف الأخير. والجزم لا يحذف الحروف ؛ وإنما تأثيره في إسقاط الحركات.

فلما أسقط الحروف ، هاهنا ، علمنا بهذا ، أنّ الحروف تقام مقام الحركات ، والحركات تقام مقام الحروف.

فإن تجاوز المؤنث ثلاثة أحرف ، لم تنصرف ، معرفة ، وتنصرف ، نكرة ، مذكرا سميت به ، أو مؤنثا. لأن الحرف الزائد فيه على الثلاثة ، ضارع تاء التأنيث. وذلك : ك (سعاد) و (زينب). فإن سميت مذكرا بمؤنث ثلاثي صرفته ، ساكن الأوسط ، كان أو متحركا. نحو رجل سميته (هندا)

٣٢٣

تصرفه ، البتة ؛ لخفة التذكير ، على ما ذكره في كتاب اللمع.

[قال أبو الفتح] : اعلم أن كل وصف كان على (فعلان) ومؤنثه (فعلى) ، فإنه لا ينصرف ، معرفة ، ولا نكرة. وذلك نحو قولك : سكران ، وغضبان ، لا تصرفه البتة ؛ لأنك تقول في مؤنثه : سكرى ، وغضبى. وذلك لأن هذه الألف ، والنون ضارعتا ألفي التأنيث ، في نحو قولك : صفراء ، وخضراء ؛ لأنهما زائدتان مثلهما ؛ ولأن مؤنثهما مخالف لبنائيهما ، لأن مذكر حمراء : أحمر ، ومذكر صفراء : أصفر ، كما أن مؤنث (فعلان) (فعلى). وإنما منع الصرف ، لاجتماع السببين : الوصف ، وزيادة الألف ، والنون ، كما ذكرنا.

والوصف فرع على الموصوف ؛ كما أن الفعل فرع على الاسم [١٣٨ / أ] ، والزيادة فرع على التمام. فإن كان (فعلان) ليس له (فعلى) لم ينصرف ، معرفة ؛ حملا على باب (غضبان).

وانصرف نكرة ، في مخالفته إياه ، من حيث إنه ، لا (فعلى) له. وذلك ، نحو : حمدان ، وبكران.

وكذلك : كل اسم في آخره ألف ، ونون زائدتان ، لا تصرفه ، معرفة ، وتصرفه ، نكرة.

[قلت] : ومتى انضمّ إلى الوصف سبب آخر ، منع الصرف ؛ لأن الوصف فرع على الموصوف ، كما أن الفعل فرع على الاسم ، في نحو قوله : أحمر ، وقد ذكرنا شرحه فيما تقدم.

[والعدل] : وهو فرع على الاستواء. لأن (العدل) في كلامهم : هو أن تلفظ بكلمة ، وأنت تريد أخرى. وليس هذا بالأصل ؛ إنما الأصل : أن تلفظ بكلمة وأنت تريد بها إياها. ف (عمر) معدول ، لأنه يراد به (عامر) فهو ضدّ أن تريد ب (عامر) عامرا.

والمعدول على ضربين : على وزن (فعل) ومعدول على غيره. فأما (فعل) فعلى ضربين :

أحدهما : معرف باللام ، والآخر : بالعلم. فالأول ، نحو : النّغر ، والصّرد. فهذا النحو منصرف ، لأنه ليس بمحدود (١). والضرب الآخر من العدل : موحد ، ومثنى ، وثلاث ، ورباع. هذا لا ينصرف ، عندنا ؛ للوصف ، والعدل. أما الوصف ، فالدليل عليه ، قوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٢). ألا ترى أنها جارية على (أجنحة). وهو معدول من : اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة.

والعدل : هو ما ذكرنا من ذكر لفظ ، وإرادة آخر. وإذا كان كذلك ؛ فإنما يصح هذا في اللفظ. ومن قال : إن العدل يكون في المعنى ؛ فإنه لا يصح ؛ لما بينا أن العدل ، في اللغة ، دون المعنى. ولو كان العدل في المعنى ، صحيحا ، لكان المعنى في (عمر) غير المعنى في (عامر). والمعنى في (زفر) غيره في (زافر). وفي كون المعنى ب (عمر) المعنى ب (عامر) دليل ، على أن العدل ؛ إنما يكون في اللفظ ، دون المعنى.

ومن زعم أن (مثنى) لم ينصرف ؛ لأنه عدل في اللفظ ، والمعنى ، فزعمه باطل. ألا ترى أن المعني ب (مثنى) هو المعنى : باثنين اثنين. ولو كان معدولا في المعنى ، كان المراد ب (مثنى) غير ما أريد : باثنين اثنين.

__________________

(١) أي : بمعدول.

(٢) ٣٥ : سورة فاطر : ١.

٣٢٤

وأما (آخر) فإنه لا ينصرف. قال الله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١) وقال [١٣٨ / ب] الله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٢). وإنما لم ينصرف ، لأنه صفة ، ولأنه معدول. ووجه عدله ، أنه على وزن (فعل) و (فعل) إذا كان صفة ، كان معه لام التعريف ، نحو : الصّغر ، والكبر ، والفضل.

فلما لم يستعمل اللام مع (أخر) كان معدولا عن الآخر (٣).

[فإن قلت] : فقد ذكرتم أن العدل أن تلفظ ببناء ، وأنت تريد آخر. وأنت ، إذا قلت : مررت بنسوة أخر ، وزعمت أن (أخر) معدول عن (الآخر) لم يصح ، لأنه صفة للنكرة. وإذا كان صفة للنكرة ، لم يرد به (الآخر) لأن النكرة لا توصف بالمعرفة. فما وجه ذلك؟.

[قلت] : إن (أخر) لما كان صفة ، قدّر فيه الألف ، واللام ؛ قياسا على نظائره. ولما كان ما قبله نكرة ، لم يقدر فيه اللام. ويجوز أن يكون الشيء مقدرا ، من وجه ، مطّرحا من آخر ؛ كالباء في : مررت بزيد ، واللام في : لا أبا لك. وما أشبه ذلك. وهذا ما ذكره أبو علي (٤) ، وهو أقرب ما قالوا في منع صرف (أخر). ومع ذلك ، ففيه نظر. لأن ما كان مطّرحا من وجه ، مقدرا من وجه آخر ، إنما يكون فيما هو ملفوظ به. واللام في (الآخر) غير ملفوظ به ، بخلاف : لا أبالك ، ومررت بزيد. ولعل صاحب اللمع ، أراد هذا ، حين قال : إنّ (أخر) لم ينصرف ، لأنه صفة ، ولأنه معدول عن (آخر) من كذا. وذلك ، لأنك ، إذا قلت : مررت بنسوة أخر ، فإنه في المعنى : مررت بنسوة أخر من نسوة غيرهن. ف (آخر) من كذا ، هو : أفعل منه. و (أفعل) إذا ذكرت معها (من) كان في المفرد ، والجمع ، والتأنيث ، على وجه واحد.

فزعم أن (أخر) يراد به : آخر من كذا ، كما تقول : مررت بنسوة أفضل من زيد. أو : مررت بنسوة الفضل. وهذا الذي ذكره ابن جني ، حسن ، وإن لم يسبق إليه. فاعرفه. وإذا كان كذلك ، لم يصح قول من قال في قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(٥) : إنّ (منهم) هاهنا ، على حد ما في قولهم : الزيدون ، القوم ، أفضل منهم ، ألا ترى أن (أفضل) لم يجمع حين استعملت معها (من).

وفي الآية ، قد جمع (آخرين) فثبت أن (منهم) على غير هذا الحد ، وإنما هو للتبيين.

[والجمع] : اعلم أنه ، إذا انضم إلى الجمع سبب آخر ، من هذه الأسباب ، فإنهما [١٣٩ / ا] يمنعان الصرف. لأن الجمع فرع على الواحد ، كما أن الفعل فرع على الاسم. وحكم الجمع كحكم الآحاد ، ويجري مجراها. فإن كان جمع وله نظير من الآحاد ، على وزنه منصرف ؛ فإن الجمع ، أيضا ، لا ينصرف بكل حال ، ك (رجال) ف (رجال) ككتاب ، ينصرف لانصراف

__________________

(١) ٣ : سورة آل عمران ٧.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.

(٣) الكتاب ٣ : ٢٢٤ ، وفيه : (قلت فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال (أي الخليل) : لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها ؛ وإنما هي بمنزلة : الطول ، والوسط ، والكبر ، لا يكنّ صفة إلا وفيهن ألف ولام ، فتوصف بهن المعرفة).

(٤) المقتصد ٢ : ٨٠٩ ، وفيه : (نحو : لا أبا لزيد ، فالأب منصوب ب (لا) واللام مقحمة غير معتد بها من جهة إثبات الألف في (الأب). ومن جهة تهيئة الاسم لعمل (لا) فيه ، معتد بها). وينظر : نفس المصدر ٢ : ٨١٠.

(٥) ٦٢ : سورة الجمعة ٣.

٣٢٥

الواحد. و (قفزان) ينصرف ، كقرطان. والقرطان : طنفسة تلقى على ظهر البعير. و (قتلى) إذن ، كعطشى : لا ينصرف ؛ لأن الواحد الذي على وزنه ، أيضا ، لا ينصرف إلا ما كان من الجمع على مثال : مفاعيل ، ومفاعل ، فإنه لا ينصرف ، معرفة ، ولا نكرة. وذلك ، لأنه جمع ، ولا نظير له من الآحاد. فكأنه جمع مرتين ، فلا ينصرف ؛ لاجتماع السببين ، وهو كونه : جمعا ، وكونه : لا نظير له من الآحاد كأنه جمع من وجه آخر.

فافترق هذا الجمع ، وغيره من الجموع التي لها نظير في الآحاد ، فلم ينصرف ، معرفة ولا نكرة. والأصل في هذا أن يبقى بعد الألف حرفان خفيفان ، أو حرف مشدد ، مثل (دوابّ) و (مخادّ) و (دنانير). الأصل فيه (دوابب) و (مخادد) فإن كان فيه هاء التأنيث ، لم ينصرف ، معرفة ، وانصرف نكرة ، نحو (صياقلة) لأن له نظيرا من الآحاد ، وهو (كراهية) (١) فإن كانت لامه معتلة ، انصرف في الرفع ، والجر ؛ لنقصانه ، ولم ينصرف في النصب ؛ لتمامه. تقول : هؤلاء جوار ، وغواش.

ومررت بجوار وغواش. ورأيت جواري ، وغواشي.

قال أبو علي : أصله جواري ، فتحذف الياء ؛ لأن الياء تحذف حذفا (٢) ، كما قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤) (٣) ، و : (ما كُنَّا نَبْغِ)(٤) ، وغير ذلك من المواضع. فلما حذفت الياء ، نقص الاسم ، فعوض منه التنوين. فقيل (جوار). قال : فحذف الياء ، فنقص الاسم ، وانصرف. ولم يثقل حتى لا ينصرف. فأما في حالة النصب. فإن الياء تعود ، فمنع الصرف.

وقال الزجاج : ليس كذلك. لأن أصله : جواري. قال : فحذفت الحركة من الياء للاستثقال.

فلما حذفت الحركة ، أبدل من الحركة التنوين. فلما دخل التنوين ، التقى ساكنان ، فحذفت الياء ، لالتقاء الساكنين.

[قلت] : هذا باطل. وذلك [١٣٩ / ب] لأنا نرى كثيرا من الحركات ، تحذف ثم لا يعوّض منه التنوين. والدليل عليه قولهم : يغزو ، ويرمي. وأصله : يغزو ، ويرمي. ثم إن الحركة تحذف ، ولا تبدل منه التنوين. فكذلك ، هاهنا.

[فإن قلت] : ليس هذا ك (يغزو) و (يرمي) وذلك لأنه فعل. والأفعال لا يدخلها التنوين ، بخلاف هذا.

[الجواب] : قلنا : إنما لا يدخل (يغزو) و (يرمي) التنوين الذي للفرق بين ما ينصرف ، وبين ما لا ينصرف. وهذا التنوين الذي يبدل من الحركة ، يدخل الفعل ، فكان من الواجب أن يدخل هذا الفعل ، بحذف الحركة. فلما لم يدخل ، علمنا بهذا أن التنوين ، لا يبدل من الحركة.

[والعجمة] : ومتى انضم إليه ، سبب آخر ، فإنهما يمنعان الصرف ، لأن العجمة فرع على العربية. كما أن الفعل فرع على الاسم. وهو على ضربين : أحدهما : ما يدخله الألف واللام :

__________________

(١) يعني : أن لفظة (كراهية) وهي مفرد على زنة (صياقلة) وهي جمع.

(٢) المقتصد ٢ : ١٠٢٨.

(٣) ٨٩ : سورة الفجر ٤.

(٤) ١٨ : سورة الكهف ٦٤.

٣٢٦

والثاني : ما لا يدخله الألف ، واللام.

الأول : نحو ديباج ، وفرند ، ونيروز. فهذا كله بمنزلة العربي يمنعه من الصرف ما يمنعه ، ويوجبه له ما يوجبه.

الثاني : ما لا يدخله اللام ، وهو نحو : إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق.

[والتركيب] : اعلم أن التركيب : كل اسمين ضم أحدهما إلى الآخر ، على غير جهة الإضافة.

ويفتح الأول منهما ، تشبيها للثاني بالهاء ، من قولك : قائمة. لأن الهاء ، هناك ، بمنزلة شيء مفرد ، واسم منضم إليه. ولهذا فتح ما قبله. ومهما انضم إليه سبب آخر ، فهما يمنعان الصرف. لأن التركيب ، فرع على التوحيد ، كما أن الفعل فرع على الاسم. والتركيب على ثلاثة أضرب :

[الأول] : ما يمنع الصرف ، ولا يوجب البناء.

[الثاني] : ما يوجب البناء لتضمنه معنى الواو.

[الثالث] : ما يوجب البناء ، من غير تضمنه معنى الواو.

[فالأول] : نحو قولك : هذا حضرموت ، وبعلبكّ. فيجوز لك أن تضيف ، فتقول : هذا حضرموت ، ورأيت حضرموت ، ومررت بحضرموت ، لا تصرف الثاني مرة ، للتعريف ، والتأنيث ، وتصرفه ، أخرى ؛ إذا جعلته مذكرا. وإذا لم تضف ، قلت : هذا حضرموت ورأيت حضرموت [١٤٠ / أ] ومررت بحضرموت وكذلك أيضا معدي كرب. فإن أضفت ، قلت : هذا معدي كرب ، ورأيت معدي كرب ، ومررت بمعدي كرب. فلا تصرفه ، للتعريف ، والتأنيث. وإن شئت صرفته ، وذكّرته. وكذلك ، إذا لم تضفه ، فتقول : هذا معدي كرب ، فتسكن الياء ، من : معدي كرب ، في جميع المواضع.

[فإن قلت] : فإن الياء في قوله : معدي كرب ، بمنزلة الياء ، من قوله : قاضي ، ثم إن القاضي ، إذا أضيف ، فإن ياء القاضي ، تحرك في حالة النصب ، فكذلك ، أيضا ، كان من الواجب أن تحرك.

[الجواب] : قلنا : لأنه يستثقل تحريك الياء ، هاهنا ، لأنهما اسمان ضم أحدهما إلى الآخر ، فبعد التركيب يستثقل.

[فإن قلت] : فإن المضاف ، والمضاف إليه ، أيضا ، هما كالاسمين جعلا اسما واحدا.

[الجواب] : قلنا : هناك الإضافة لا تلزم ، وهاهنا ، التركيب يلزم ، فافترقا. فالياء من (معدي كرب) ساكنة ، ركّبت ، أو أضيفت تشبيها ، للياء بالألف. لأن الياء أخت الألف ؛ والألف لا تحرك.

[والثاني] : هو أن يكون مبنيا ؛ لتضمنه ، واو العطف ، وهو : كخمسة عشر ، وتسعة عشر ، وغير ذلك. والأصل فيه : خمسة وعشرة. فلما تضمن معنى الواو ، بني. ومثله في هذا ، قولهم : هو جاري بيت بيت ، ولقيته كفّة كفّة. وهو ، هاهنا ، صباح مساء ، والقوم فيها شغر بغر ؛ أي متفرقين.

وتساقطوا بين بين.

فإنّ هذه الأشياء ، إنما بنيت ، إذا كانت : ظرفا ، أو حالا. فقوله : صباح مساء : ظرف. وإنما

٣٢٧

بني ، لأنه تضمن معنى الواو. لأن الظرف مبهم ، فيبنى قياسا على : (هذا) و (من) و (كم). والحال ، أيضا ، مشبّه بالظرف. لأنه يشبه الظرف ، في كثير من المواضع ، منها هو أنّ الحال يعمل فيه المعنى. كالظرف ، فتقول : هذا زيد قائما. فالعامل في قوله (قائما) معنى (هذا) كما تقول ، في الظرف : كلّ يوم لك درهم. فالعامل في (كلّ يوم) إنما هو قوله (لك). فتحققت المشابهة بينهما.

ومن وجه آخر ، وهو أنّ في الحال ، لا يحتاج إلى ضمير يعود ، إلى ذي الحال ، كما في الظرف. تقول في الحال : جئتك وزيد قائم. فإن هذه الجملة في [١٤٠ / ب] موضع الحال. ثم لا يعود ضمير منها إلى ذي الحال ، كما في الظرف لأنك تقول : جئتك وقت قيام زيد.

ومعنى قوله : هو جاري بيت بيت : أي : هو جاري ، ملاصقا. ولقيته كفة كفة ؛ أي : لقيته كافّين ، فيحتمل أن يكون حالا من التاء ، أو من المفعول ، أو منهما ، كما قال الله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ)(١). ف (تحمله) يجوز أن يكون حالا من الآتية ، أو من المأتي به ، أو منهما. [قال الشاعر] :

٣٢٣ ـ أحولي تنفض استك مذرويها

لتقتلني ، فها أنا ذا عمارا

متى ما تلقني ، فردين ترجف

روانف أليتيك ، وتستطارا (٢)

فقوله (فردين) حال من اللاقي ، والملقي. فكفة كفة ، وقع موقع الحال ، فأشبه الظرف ، فبني.

وقيل تقديره : لقيته كفة عن كفة ؛ أي : كنت أكفّه ، وهو يكفّني ، فهو : كفّة عن كفة ، فبني لتضمنه معنى (عن).

وقولهم : تساقطوا أخول أخول ؛ أي : متفرقين. [قال الشاعر] :

٣٢٤ ـ يساقط عنه روقه ضارياتها

سقاط حديد القين ، أخول أخولا (٣)

ضارياتها : يعني : ضاريات الكلاب. روقه : يعني : روق الثور. [وقال الآخر] :

٣٢٥ ـ ساقطهنّ أخولا ، فأخولا (٤)

يعني : واحدا ، فواحدا.

الأصمعي : أخول ، أخول : بعضه على بعض ، ووصفه بيديه هكذا ؛ كأنه يقع بعضه على بعض.

__________________

(١) ١٩ : سورة مريم ٢٧.

(٢) البيتان من الوافر ، لعنترة ، في : ديوانه ١٤ ، وأمالي القالي ١ : ٢٠١ ، وأمالي المرتضى ١ : ١٥٦ ، وابن يعيش ٢ : ٥٦ ، ٤ : ١٤٩ ، واللسان (ذرا) ١٤ : ٢٨٥ ، وشفاء العليل ١ : ١٥٤ ، والخزانة ٧ : ٥١٤.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٤٠٢ ، وهمع الهوامع ٤ : ٣٤٠.

المذروان : طرفا الأليتين.

(٣) البيت من الطويل ، لضابئ بن الحارث البرجمي ، في : الخصائص ٢ : ١٣٠ ، ٣ ، ٩٠ ، والشعر والشعراء ١ : ٣٥٢ ، والمحتسب ٢ : ٤١ ، واللسان (سقط) ٧ : ٣١٦.

(٤) من الرجز ، لم أهتد إلى قائله.

٣٢٨

وقول سيبويه (١) ، في هذا : وأما أخول ، أخول ، فلا يخلو من أن يكون ك (كفة كفة) أو ك (صباح مساء). ولم يزد على هذا [وبهذه](٢) التقسيمات الحسنة يقسم المقسم شيئا ، فيعلم بالدليل ، بطلان أحدهما ، وصحة الآخر. وقد علم أنه ليس كصباح مساء ، فيتبين أنه ك (كفة كفة). [قال الشاعر] :

٣٢٦ ـ نحمي حقيقتنا ، وبع

ض القوم يسقط بين بينا (٣)

أي : ضعيفا غير معتد به. كما أن الهمزة إذا كانت بين بين ، كانت ضعيفة. والضعيف متردد بين الضعف ، وبين القوة ، ويغلب عليه الضعف.

[والثالث] : وهو أن تضم صوتا عجميا إلى اسم عربي ، أو عجمي ، فتبنيه ، فتقول : هذا سيبويه ، ونفطويه. ف (ويه) صوت ، والأصوات : كلها مبنية ؛ لأنها ليست بمتمكنة ، نحو (حوب) لزجر الأبل ، و (صه) و (مه) و (هج هج) و (جه جه).

فالأول استحقّ منع الصرف [١٤١ / أ] ، لاجتماع التعريف ، والعجمة فيه. ثم إنّ هذا ركّب على وجه يخالف سائر التركيبات ، بأن أضيف إليه صوت مبني عجمي ، فكأنه وجد تركيب آخر ، فاستحق البناء.

قال أبو علي : وكأنّ هذا يشير إلى أن الأول : التمكن ، ثم منع الصرف ، ثم البناء على الترتيب. ولمعنى آخر ، وهو أن (ويه) عجمي مبني ، وسبب مضاف إليه ، والمضاف قد يكتسي من المضاف إليه ، أحكاما ، فهاهنا ، اكتسى منه البناء على قوله فبني (سيبويه) و (عمرويه) لهذا المعنى.

باب العدد

اعلم أن الواحد في باب العدد ، إنما هو الأصل ، وغيره فرع عليه. وهو في الكلام يستعمل على ضربين :

أحدهما : أن يستعمل اسما.

والثاني : أن يستعمل صفة.

فأما إذا استعمل اسما ، فإنه لا يتغير : لا يؤنث ، ولا يذكر ، ولا يثنى ، فلا تقول في (رجل) : واحدة ؛ كما تقول ؛ في (ثلاثة رجال) : ثلاثة. فأما إذا كان صفة ، فإنه يؤنث ، ويجمع. أما التأنيث ، فقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)(٤). وأما الجمع [فقول الشاعر] :

__________________

(١) نقل الشارح كلام سيبويه بالمعنى ، ونصه : (وأما أخول أخول ، فلا يخلو من أن يكون كشغر بغر ، وكيوم يوم). ينظر : الكتاب ٣ : ٣٠٧.

(٢) الأصل غير واضح.

(٣) البيت من مجزوء الكامل ، لعبيد بن الأبرص ، في : ديوانه ١٣٦ ، وابن يعيش ٤ : ١١٧ ، واللسان (بين) ١٣ : ٦٦.

وبلا نسبة في : شرح شذور الذهب ٧٤ ، وشفاء العليل ١ : ٤٨١ ، وهمع الهوامع ٣ : ٢٠٤.

(٤) ٧ : سورة الأعراف ١٨٩.

٣٢٩

٣٢٧ ـ ...

فقد رجعوا كحيّ واحدينا (١)

فجمعه ، وكان القياس يقتضي أن يثنى ، أيضا ، فيقال (واحدان) إلا أنه استغنى باثنين عن هذا.

ولأنه لم يستعمل ، وقد استعمل في الجمع.

وأما (الاثنان) : فهو عدد. وكان الواجب أن يضاف إلى ما بعده. فيقال : اثنا رجل ، واثنا غلام. ولكنهم لم يضيفوه ، لأن التثنية قط ، لا تتغير ؛ لأنها لا تزيد ، ولا تنقص ؛ بل الآحاد ، والجموع ، التي تتغير ؛ لأن الواحد يكون بناؤه على (فعل) وعلى : (فعيل) وعلى (فعال) أو على غير ذلك.

وكذلك (الجمع) أيضا ، يغيّر ؛ لأنه يأتي على أبنية مختلفة. والإضافة نوع من التغير. إذ لو أضفنا (اثنان) لأدى ذلك إلى إسقاط النون ، وهو غاية التغير. ولأنك إذا أضفته ، فلا يكون فيه فائدة ، لأنه يستغنى عن (الاثنين) بما هو أخص منه ، لأنك ، إذا قلت : اثنان ، يحتمل أن يكون غلامين ، أو دارين ، أو فرسين. وإذا قلت : رجلان ، فإنه أظهر للفائدة ، على أنه قد جاء في الشعر :

٣٢٨ ـ ...

ثنتا حنظل (٢)

ولكنّ ذلك [١٤١ / ب] شاذ ، لا يجوز القياس عليه.

وأما (ثلاثة) فإنك تضيفها إلى ما بعدها ، وتثبت الهاء فيها ، في المذكر. فتقول : ثلاثة أبغل ، وثلاث بغلات ، وثلاثة أيام ، وثلاث ليال. وإنما تثبت الهاء في المذكر ؛ لأن الثلاثة جمع ، فلما قلت : ثلاثة رجال احتجت إلى علامة التأنيث ، فأدخلت الهاء ، أولا ، في المذكر ، وابتدأت به ؛ لأنه هو الأصل. فإذا جئت إلى المؤنث ، لم يبق علامة التأنيث ، فلم يدخل عليه العلامة ، وجعلت ترك العلامة ، علامة للتأنيث.

وقال المبرد (٣) : الهاء ، في قولك : ثلاثة رجال ، ليست للتأنيث ؛ وإنما هي للمبالغة ؛ إذ تدخل الهاء الكلام ، لا للتأنيث. كما تقول للرجل العالم المبالغ فيه : علّامة ، ونسّابة ، وغير ذلك.

واعلم أن أدنى العدد ، إذا كان له جمع القلة ، وجمع الكثرة ، فإنك تضيفه إلى جمع القلة ليطابق المضاف المضاف إليه لأنه أدنى العدد. فيضاف إلى أقل الجموع. وأقل الجمع ، يأتي على أربعة أوجه : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة. فتقول : خمسة صبية ، ولا تقول : خمسة صبيان ؛ لما ذكرنا.

__________________

(١) البيت من الوافر ، وصدره :

فضم قواصي الأحياء منهم

 ...

وهو للكميت ، في : شعره ٢ : ١٢٢ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٢٨٠ ، واللسان (وحد) ٣ : ٤٤٨.

(٢) هذه قطعة من الرجز ، وهو بتمامه :

كأنّ خصييه من التدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

وهو لخطام المجاشعي ، في الخزانة ٧ : ٤٠٠ ، ٥٢٦.

وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٥٦٩ ، ٦٢٤ ، والتحصيل ٥٢٧ ، والمقتضب ٢ : ١٥٦ ، والجمل ١ : ٢٧٦ ، ٢ : ٢٩ ، وابن يعيش ٤ : ١٤٤.

(٣) المقتضب ٢ : ١٥٧.

٣٣٠

[فإن قلت] : أنت قلت : إن الهاء ، تثبت للمذكر ، وتحذف من المؤنث إلى العشرة. فتقول : خمسة غلمة. وقد قال الله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(١). و (أمثالها) جمع (مثل) و (مثل) مذكر ، ومع ذلك ، لم تثبت الهاء ، في المذكر.

[الجواب] : عن هذا ، من ثلاثة : أوجه :

[الأول] : وهو أنا نقول : هاهنا : حذف الموصوف ، وأقيمت الصفة ، مقامه. والتقدير : عشر حسنات ، أمثالها.

[الثاني] : وهو أن الأمثال ، أراد بها الحسنات. فكأنه قال : عشر حسناتها.

[الثالث] : وهو أنّ الأمثال ، مضاف إلى المؤنث ، وعشر أضيف إليها ، واكتسى المضاف من المضاف إليه التأنيث. فقيل (عشر) لأن المضاف قد يكتسي من المضاف إليه أحكامه.

[فإن قلت] : جاء في الشعر :

٣٢٩ ـ ثلاثة أنفس ...

 ... (٢)

والنفس : مؤنث ، وأثبت الهاء في المؤنث.

[الجواب] : قلنا : الأنفس : محمولة على الأشخص. فكأنه قال : ثلاثة أشخص.

[فإن قلت] : فأنتم ذكرتم أنه يضاف إلى أقل الجمع. وقد قال الله تعالى : (ثَلاثَةَ) [١٤٢ / أ](قُرُوءٍ)(٣) وقروء : أكثر الجمع.

[الجواب] : قلنا : قوله (ثلاثة قروء) أي : ثلاثة أقراء من القروء. فهو محمول على محذوف.

وقد يستغنى بالجمع الكثير عن القليل ، في نحو : ثلاثة شسوع. ولم يقولوا : ثلاثة أشسع ؛ استغناءا بشسوع عنها ، كما استغنوا ب (ترك) عن (ودع) و (وذر).

أما قولهم : ثلاثة أشياء ، فاستجازتهم الإضافة إليها ، وإثباتهم التاء في : ثلاثة. فإن (أشياء) عند الخليل (٤) : اسم مفرد ، يدل على الكثرة ، والجمع ؛ كالطرفاء (٥) ، والحلفاء ، والجامل ، والباقر. وفي التنزيل : (سامِراً تَهْجُرُونَ)(٦) ، في تقدير : سمّار. ف (أشياء) عند الخليل أصله شيئاء على وزن فعلاء ، فقلب لامها وقدّم ، فقيل : أشياء فوزنه ، إذن (لفعاء). والقلب في كلامهم ، كثير ، نحو : هار ، وهائر ، ولاث ، ولائث ، وشاك ، وشائك ، وناقة ، وأينق ، وقوس ، وقسيّ. فلما دل على الجمع ، استجيز إضافة العدد إليه ، وإن كان لفظه مفردا ، وأثبتوا التاء في العدد معها ، لأنها ، لما قلبت جرت ، بعد القلب مجرى (أفعال) فأثبتوا الهاء ، كما تثبت في قولك : ثلاثة أسماء : إلا أن

__________________

(١) ٦ : سورة الأنعام ١٦٠.

(٢) هذه قطعة بيت من الوافر ، وهو بتمامه :

ثلاثة أنفس ، وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي

وهو للحطيئة ، في : ديوانه ١٢٠ ، والكتاب ٣ : ٥٦٥ ، والتحصيل ٥٢٥ ، والخصائص ٢ : ٤١٢ ، والإنصاف ٢ : ٧٧١ ، والخزانة ٧ : ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٩٤ ، ٣٩٦.

(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٢٨.

(٤) الكتاب ٤ : ٣٨٠ ، ٣٨١.

(٥) الكتاب ٣ : ٥٩٦.

(٦) ٢٣ : سورة المؤمنون ٦٧.

٣٣١

(اسما) ينصرف ؛ لأنه على زنة (أفعال) في اللفظ ، والتقدير.

و (أشياء) لا ينصرف ؛ لأنه (فعلاء) كصحراء ، في التقدير ، وإن كان ، في اللفظ على (أفعال).

وزعم الأخفش (١) ، أن أشياء ، أصله : أشيياء ، كأصفياء وأولياء ، وأنبياء. فلم ينصرف ؛ لألفي التأنيث ، والعين من الكلمة محذوفة. قال أبو عثمان : قلت له : كيف تصغره؟. فقال : أشيّاء. فقال ، فقلت له : ألست تقول : إنه جمع؟. فسكت.

يعني أبو عثمان بهذا الكلام : أن أشياء ، إذا كانت جمعا ، وجب أن يرد إلى الواحد ، في التصغير ، ويصغر المفرد ، ويجمع بالألف ، والتاء. وكان ينبغي أن يقال : شييات ، فلما لم ليقل : شييات ، وقيل : أشياء ، صح أنه ، كصحراء ، وصحراء يصغر ، فيقال : صحيراء. قال النبي عليه الصلاة والسّلام : (يا حميراء ، لا تفعلي هذا) (٢).

قال أبو علي : وهذا لا يلزم أبا الحسن ، لأنه يصغره : أشيّاء ، كما يصغّر : أنعام ، على : أنيعام.

لأنه ، في اللفظ ، على زنة (أفعال) وإن كان في التقدير : (أفعلاء). والكلام في : أشياء ، يطول ، وفيما ذكرنا ، دليل على ما تركنا.

وأما إذا تجاوزت العشرة ، فإنه يثبت الهاء ، للمذكر في الصدر ، ويحذف [١٤٢ / ب] الهاء ، للمؤنث من الصدر ، ويثبت آخر الاسم الثاني. فتقول : ثلاث عشرة امرأة. فأما : أحد عشر ، فإنك ، لا تؤنثه في المذكر ؛ لأنا قد قلنا : إنه لا يغير. ولهذا لم تغيره في الأول ، فلم تقل في المذكر : واحدة ، كما ذكرنا في : ثلاثة ، للمذكر. فكذلك ، أيضا ، جرينا على هذه القاعدة ، ولم نثبت الهاء في العشرة ، فلم نقل : أحد عشرة رجلا ؛ لأنه يؤدي إلى الاستثقال ، فحذفنا التاء. ولهذا قرأ بعض القراء : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً)(٣). فأسكن العين ، تخفيفا. لأن في تحريكه ، أيضا ، ضرب ثقل ، من توالي ستة متحركات.

فأما في المؤنث : إحدى عشرة امرأة ، فإنك تثبت الياء ، في الصدر ، علامة للتأنيث ، وتثبت التاء في العشرة.

[فإن قلت] : هذا اسمان ، جعلا اسما واحدا. والاسمان إذا جعلا كشيء واحد ، حكمهما حكم اسم واحد. وأنتم ذكرتم : أن الاسم الواحد ، لا يجتمع فيه علامتا تأنيث. وفي : إحدى عشرة ، اجتمعت علامتان.

[الجواب] : قلنا : إنما يقبح اجتماع علامتين في اسم واحد ، إذا كانا من جنس واحد ،

__________________

(١) الإنصاف (مسألة ١١٨) ٢ : ٨١٢ ، ٨١٣.

(٢) السنن الكبرى ـ للبيهقي ١ : ٦ ، وفيه : (عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : أسخنت ماءا في الشمس ، فقال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا تفعلي ، يا حميراء ؛ فإنه يورث البرص).

(٣) ١٢ : سورة يوسف ٤. وهي قراءة : نافع ، وشيبة ، وحفص ، وطلحة بن سليمان ، وأبي جعفر ، والحسن. معاني القرآن ـ للفرّاء ٢ : ٣٤ ، ومعاني القرآن ـ للأخفش ٢ : ٣٦٦١ ، ومختصر في شواذ القرآن ٦٢ ، والمحتسب ١ : ٢٣٢ ، وتفسير التبيان ٦ : ٩٤ ، ومجمع البيان ٥ : ٢٠٧ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٧٩ ، والنشر ٢ : ٢٧٩ ، وإتحاف الفضلاء ٢٦٢.

٣٣٢

كالتاءين ، والألفين. فأما إذا كان أحدهما ياءا ، والثاني تاءا ، وهما اسمان من حيث الحقيقة ، فانفرد كل اسم بعلامة ، على حياله.

وإنما بني (أحد عشر) إلى (تسعة عشر) لأنه تضمن معنى الواو. فلما تضمن الحرف الذي هو واو العطف ، بني على الفتح. وأهل الحجاز ، لا يسكنون الكسرة من الشين ، في قولك : إحدى عشرة نسوة ، مع أنهم يسكنون الكسرة في كثير من المواضع ، مثل قولهم في (كبد) كبد ، وفي (فخذ) فخذ ، وعكسوا الأمر ، هاهنا ، ولم يسكنوا الكسرة ؛ بخلاف بني تميم. وذلك ، لأنهم ، يسكنون الكسرة من الشين. فيقولون : ثلاث عشرة.

وأما (اثنا عشر). فنقول : اثنا عشر ، إنما هو معرب ، ليس بمبني. والدليل عليه ، هو أنه ، لو كان مبنيا على الفتح ، كسائر أخواته ، لكان من الواجب ، أن يقال : اثني عشر في جميع المواضع. ثم إنه ، تارة يقال بالألف ، وتارة يقال بالياء ، فعلم ، بهذا : أنه معرب ، ليس بمبني. وأما (عشرة) فإنه كان مفتوحا ، كالعشرة ، من أخواته. وذلك لأن (عشر) قد وقع موقع النون. وذلك ؛ لأن أصل (اثنا) اثنان ، فحذفت النون ، وأقيمت العشرة [١٤٣ / أ] مقامه. والدليل ، على أنه ، في موضع النون ، هو أنه : لا يجوز إضافته إلى نفسك ، فلا تقول : اثنا عشري ، كما لا تقول : اثناني.

[فإن قلت] : كان من الواجب ، أن تجرّ (العشرة) لأنه وقع موقع النون. ألا ترى أن المضاف إليه ، لما وقع مقام التنوين ، جرّ. فكذلك ، أيضا ، إذا وقع هذا موقع النون ، وجب أن يجر.

[الجواب] : قلنا : بون بعيد بين المسألتين. وذلك ، لأن تلك المسألة ، الإضافة فيها غير لازمة ، فجرّ المضاف إليه. فأما ، هاهنا ، فهذه الإضافة لازمة ؛ فلا يجرّ ؛ بل ينصب. وهذه ليست بإضافة حقيقية ؛ إذ لو كانت إضافته لازمة ، لبطل المعنى. لأن معناه : ليس اثنان لعشرة ، بل معناه : اثنان وعشرة.

وفي المؤنث ، كذلك ؛ إلا أنك تثبت التاء في الأول ، فتقول : اثنتا عشرة [فإن قلت] : قلتم : إنهما اسمان جعلا اسما واحدا. وقلتم : بأن العلامتين للتأنيث ، إذا كانتا من جنس واحد ، لا يجتمعان في اسم واحد ، وقد قلتم : اثنتي عشرة ، فأثبتم التاءين للمؤنث ، وهما علامتا التأنيث.

[الجواب] : قلنا : لا نسلم أنهما كاسم واحد ، لأنه معرب ؛ بل كل واحد منهما اسم على الكمال ، فأدخلنا علامة التأنيث ، على كل واحد منهما. وكذلك ، أيضا ، إلى (تسعة عشر) لكل واحد منهما هذا الحكم الذي ذكرناه. أعني : إثبات التاء في الصدر ، للمذكر ، وإثباتها في الطرف للمؤنث. وكل واحد منهما بني على الفتح.

فأما : عشرون ، فإنه يستوي فيه المذكر ، والمؤنث. فتقول : عشرون رجلا ، وعشرون جارية.

وهو ، في الرفع : بالواو ، والنون. وفي النصب ، والجر : بالياء ، والنون. فمن النحويين من قال : القياس يقتضي أن يكون (عشرون) بفتح العين ، لأنه : جمع عشرة. إلا أنه ، كسرت العين ، لتكون الكسرة علامة المؤنث. والواو ، والياء ، والنون ، في جميع الأحوال ، علامة المذكر. فلما اجتمع فيه علامة المؤنث والمذكر ، وقع على المذكر والمؤنث ، جميعا.

٣٣٣

ومنهم من قال : إن العين ، إنما كسرت من عشرين [١٤٣ / ب] ، لأن (عشرين) عقد ثان ، من العشرات. كما أن (الاثنين) عقد ثان من الآحاد. فلما كان أولّ (اثنين) ألف مكسور ، فكذلك ، أيضا (عشرون) الذي هو العقد الثاني ، من العشرات ، شبّه بألف الاثنين ، وكسر. وهما باطلان.

أما الأول : فباطل ب (ثلاثون) و (أربعون) و (خمسون) وغير ذلك. لأن كل عقد منها ، يقع على المذكر ، والمؤنث جميعا ، ثم لا يصار إلى ما ذكره.

وأما القول الثاني : فباطل ، أيضا. لأن ألف (اثنين) ألف وصل ، وهي زائدة. وعين (عشرين) أصلية ، فلا يجوز قياس ما هو الأصلي ، على ما هو الزائد.

بل الصحيح المعتمد عليه ، في (عشرين) أن يقال : إنه اسم ، وضع للأعداد المعلومة ، ليس بجمع عشرة. وهو عقد مستجد لهذه الأعداد. والواو ، والياء لا يدخلان ؛ على أنه : جمع. ألا ترى أنك ، لو سميت رجلا : بقنّسرون (١) ، ويبرون (٢) ، فإنهما يتغيران في حال الرفع ، والنصب ، بالواو ، والياء ؛ ثم لا يدل ذلك على أنه جمع. فكذا ، هاهنا ، وجب أن يكون ، كذلك.

والدليل ، على أنه ليس بجمع ، هو أنه ، لو كان جمعا ، لعشرة ، لكان محمولا على أدنى الجمع ، أو الكثرة. فلا يحمل على أدنى الجمع ، لأن في هذا : القياس يقتضي أن يحمل على أدنى الجمع ، وهاهنا ، يقتضي القياس أن يكون أدنى الجمع (ثلاثون). وأكثر الجمع ، ما يستغرق العشرات ، وهو مئة. فإذا لم يجز حمله ، لا على (ثلاثون) الذي هو أدنى الجمع ، ولا على المئة ، الذي هو أكثر الجمع ؛ علم ، بهذا ، أنه ليس بجمع ، وأنه اسم موضوع لهذا العدد ، ويتضح بمثال. ألا ترى أنه ، لو قال : لفلان عليّ دراهم. فإنه ، يحمل على أدنى العدد. قال ، فيوجب القاضي عليه : ثلاثة دراهم ؛ لأنه : أدنى الجمع.

ومنهم ، من قال : يحمل على أكثر العدد ؛ فيوجب عليه العشرة. فإذا قال : لفلان علي الدراهم ، قال : فإنه يجب عليه أكثر الجمع ، وهو العشرة. وذلك ، لأنه ، لما ذكره بالألف ، واللام ، وهما لاستغراق الجنس ، اقتضى ذلك أن يوجب عليه ، ما يستغرق الدراهم ، ويقع عليه الدراهم.

والدراهم ؛ إنما يقال فيما دون العشرة.

فأما [١٤٤ / أ] فيما فوق العشرة ؛ فإنما يقال (درهم). فيقال : اثنا عشر درهما ، وثلاثة عشر درهما. فعلى هذا ، إذا كان (عشرون) جمع (عشرة) يقتضي أن يكون (عشرون) عشر مرات (عشرة). كما أن العشرة : عشر مرات واحدة ، فيقتضي أن يكون أقلّ جمعه (ثلاثين) وأكثره مئة ، كما قال في العشرة ، والآحاد ، وذلك لأن في الآحاد ، أقلّ الجمع : ثلاثة ، وأكثره : عشرة. فإن

__________________

(١) قنسرون : أو قنسرين : كانت هي وحمص شيئا واحدا ، فتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة ١٧ ه‍. وقيل سميت قنسرين ؛ لأن ميسرة بن مسروق العبسي مرّ عليها فلما نظر إليها قال : ما هذه؟ فسميت له بالرومية. فقال : والله ، لكأنها قن نسر ، فسميت : قنسرين. ينظر : معجم البلدان ٤ : ٤٠٣.

(٢) يبرون ، أو بيرين : اسم لعدة أماكن ، وأشهرها أنها قرية من قرى حلب ، ثم من نواحي عزار ، ينظر معجم البلدان ٥ : ٤٢٧ ، والكتاب ٣ : ٣٧.

٣٣٤

زادت على العشرين ، نيفا ، عاملته معاملتك إياه ، وليس بنيف. فتقول : عندي خمسة وعشرون رجلا وخمس وعشرون امرأة. والنيف ، إنما هو الخمسة ، أو الستة ، أو غير ذلك ، التي على رأس العشرين ، أو الثلاثين ، أو غير ذلك. لأن عشرين عدد ، وخمسة نيّف. وفيما قبل العشرين ، ليس بنيف. فتقول : خمسة عشر ، لأنهما اسم واحد ، وضعا لعدد ، فكذلك إلى تسعة وتسعين.

فأما (المئة) فيستوي فيه القبيلان ، لأنك تضيفهما إلى المفرد ، فتجره. وإنما أضفت إلى المفرد ؛ لأنه شبّه بالعشرة ؛ لأن المئة عشرة العشرات. وإنما أفرد مميزه ، لأنه شبه بالعشرين ، في أن المئة عقد مستجدّ ، كما أن العشرين عقد مستجد. فكذلك ، إلى تسع مئة. فإذا صرت إلى الألف ، فإنه يكون كالمئة.

فأما إذا أردت تعريف شيء من العدد ، فإنه لا يخلو : إما أن يكون مضافا ، أو غير مضاف.

فإن كان غير مضاف ، لا يخلو : إما أن تعرف المعدود ، أو أن تعرف العدد. ليس من الجائز أن تعرف المعدود ، لأن المعدود ، هو نصب على التمييز ، وهو اسم نكرة ، ويقع موقع الجمع. إذن ، فإذا كان كذلك ، وجب أن لا يجوز تعريفه ، لأن ما يقع موقع الجمع ، ويكون تمييزا ، وجب أن يكون نكرة ، ليكون عامة كالجمع. فإذا عرّفته ، فقد أخرجته عن حيز العموم ، إلى الخصوص.

وهذا ، مما لا سبيل إليه.

بقي ، هاهنا تعريف العدد ، فأنت تعرّف العدد ، فتقول : قبضت الأحد عشر درهما ؛ لأن في تعريف العدد ، تعريف المعدود. ولا يجوز أن تعرف [١٤٤ / ب] المعدود ، فتقول : قبضت العشرين الدرهم ، ولا الخمسة عشر الدينار. وقال أبو الحسن : يجوز أن تعرف المعدود ، فتقول :

قبضت الأحد عشر الدرهم.

قال أبو علي : إن صحت ، هذه الرواية ، عن أبي الحسن ، فوجهه ، أن يقال : إن اللام التي في الدرهم ، ليست للتعريف ، وإنما هي زائدة. قال : وقد تدخل اللام الكلام ، لا للتعريف ، بل تدخل زيادة. الدليل عليه ما حكي

أنهم قالوا : (الوليد بن مغيرة) ، وغير ذلك من الأسماء. فإن (الوليد) إنما هو معرفة ، لكونه علما ، فلا احتياج بعد ذلك ، إلى شيء آخر ، يعرّفه. فدخول اللام ، لم يكن لأجل التعريف ، وإنما كان لأجل أن اللام ، قد تزاد ، في أول الأسماء ، على ما بينا. فإن كان مضافا ، فإنك تعرّف الاسم الآخر ، وهو المضاف إليه. فتقول : قبضت خمس المئة التي تعرف. وما فعلت في سبعة الآلاف التي كانت لفلان. فأبدا ، تعرف المضاف إليه ، ولا تعرف المضاف ؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع الألف ، واللام ، مع الإضافة. وهذا مما لا وجه له. وكذلك إن تراخى الآخر ، فإنك تعرّف الآخر ، أيضا ؛ لأنه يتعرف الأول بالآخر. فتقول : قبضت خمس مئة ألف الدرهم. فإن عرفت المضاف ، فوجب أن لا تضيفه ؛ بل تعرفه باللام ، وتعرف الثاني ، أيضا ، باللام ، وتجعل الثاني صفة له ، فتقول : قبضت الخمسة الأثواب التي كانت لفلان عليك. وعلى هذا ، قس. فإن في المسائل كثرة.

وتقول : عندي ثلاث شياه ذكور. فتؤنث العدد ، لأن الشياه ، مؤنث في الأصل ، وإلحاق

٣٣٥

الصفة لا يغير الأصل ؛ فكذلك : ثلاث من الشياه ذكور ؛ لأن (من) لتحقيق الإضافة. وتقول : عندي ثلاث أعين من الرجال ؛ لأن العين مؤنث. وثلاثة أشخص من النساء ؛ لأن الشخص مذكر وثلاثة أنفس ، وثلاث أنفس فيه التذكير ، والتأنيث ؛ لأن النفس جاء فيه الوجهان. [قال الشاعر] :

٣٣٠ ـ ثلاثة أنفس ، وثلاث ذود

لقد جار الزّمان على عيالي (١)

وتقول : هذه عشر أبطن ؛ فتؤنث ؛ لأن المعنى : القبائل ، فذهب به ، مذهب التأنيث. [قال الشاعر] :

٣٣١ ـ وإنّ كلابا ، هذه عشر أبطن [١٤٥ / أ]

وأنت بريء من قبائله العشر (٢)

وتقول : سرنا خمس عشرة ، من بين يوم ، وليلة. فتؤنث ؛ لأن الليالي لها الغلبة ، في باب التواريخ. وقيل : لأن ابتداء الشهر بالليلة. قال الله تعالى : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٣) ، أي : وعشر ليال.

فأنث لهذا المعنى. وقالوا : أعطاه خمسة عشر من بين عبد ، وجارية ؛ لأنه ليس فيه ما في الأول من التاريخ. [قال الشاعر] :

٣٣٢ ـ فطاف ثلاثا بين يوم ، وليلة

وكان النكير أن تضيف ، وتجأرا (٤)

واعلم أنك لا تقول : ثلاثة بشر ، وثلاثة قوم ؛ لأن (بشرا) يقع على الواحد ، والجمع. قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً)(٥). وهو في المفرد ، وقال : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٦) ، وهو جمع. فلما كان كذلك ؛ لم يستجيزوا إضافة العدد إليه. وأما (قوم) فالأصل فيه المصدر ، والمصادر تقع ، على القليل ، والكثير ، فلم تجز الإضافة إليه. وتقول : ثلاثة رجلة ، لأنه صار بدلا من رجال ، في هذا الوجه.

واعلم أنك تشتق من العدد ، أسماء الفاعلين ، فتضيفه إلى لفظ الأعداد ، كقولك : عندي ثاني اثنين ، وثالث ثلاثة ، ورابع أربعة ، إلى قولك : عاشر عشرة. قال الله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(٧). وقال ، حكاية عن الكفرة : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)(٨). ومعنى هذا الكلام : أحد اثنين ، وأحد ثلاثة [وكذلك](٩) خامس أربعة ، على معنى : صيّر الأربعة خمسة [وا](١٠) لتنوين هو الوجه. والإضافة جائزة وفي الأول ، الإضافة هو الوجه.

ويجوز ، خامس أربعة ، ورابع ثلاثة ، ولا يجوز : ثاني واحد ، لأن الواحد ليس من العدد ، ولا

__________________

(١) سبق ذكره رقم (٣٢٩).

(٢) البيت من الطويل ، بلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٥٦٦ ، والتحصيل ٥٢٤ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ١ : ١٢٦ ، والمقتضب : ١٤٨ ، والخصائص : ٤١٧ ، والإنصاف : ٧٦٩ ، والخزانة ٧ : ٣٩٥.

(٣) : سورة البقرة ٢٣٤.

(٤) البيت من الطويل ، للنابغة الجعدي ، في : ديوانه ٦٤ ، والكتاب ٣ : ٥٦٣ ، والتحصيل ٥٢٤ ، والخزانة ٧ : ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤١١ ، ٤١٣.

(٥) ١٢ : سورة يوسف ٣١.

(٦) ٣٦ : سورة يس ١٥.

(٧) ٩ : سورة التوبة ٤٠.

(٨) ٥ : سورة المائدة ٧٣.

(٩) الأصل غير واضح.

(١٠) الأصل : بياض.

٣٣٦

يقبل التقسيم. [وأما](١) ثنّيت واحدا فمعناه عطفته بخلاف خمّست أربعا. وتقول : هذه امرأة ثانية اثنتين ؛ فتؤنث. وثالثة ثلاث ، ورابعة أربع ؛ فتحذف الهاء ، ولا تحذف من اثنتين ؛ لأن إسقاط الهاء ، جاء فيما فوق الاثنين. وتقول : خامس خمسة ، إذا كان أربع نسوة معهن رجل ، تغلب التذكير ، فإن أردت أنه صيّر أربع نسوة خمسة ، قلت : خامس أربع.

فأما (أحد عشر) فالأصل فيه أن تشتق منه [١٤٥ / ب] ، فتقول : حادي عشر ، أحد عشر ، لكنهم حذفوا ، فقالوا : حادي أحد عشر ، ومنهم من يقول : حادي عشر. فإذا قلت : حادي أحد عشر ، فهو معرب. وإذا قلت : حادي عشر ، فهو مبني ؛ لأن الأول ثلاثة أشياء ، فلم يجز أن تصيّر كشيء واحد ، وجاء تصيير شيئين ، كالشيء الواحد. وكذلك تقول : عندي ثالث ثلاثة عشر ، وثالثة ثلاث عشرة ، على قياس : خامس أربعة ، وخامسة أربع. فأما قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ)(٢) ، فمعناه : ولا تقولوا : إلهنا ثالث ثلاثة ، فحذف المبتدأ و «الموصوف] المضاف. وهذا هو التقدير ، لا غيره ؛ لأنه ردّ لقولهم : الله ثالث ثلاثة ، فقال ، لا تقولوا : هو ثالث ثلاثة ، فحذف واختصر.

باب الجمع

اعلم أن الجمع على ضربين : جمع سلامة ، وجمع تكسير. وقد ذكرنا في أول الكتاب طرفا من الجمع. وهذا الباب قصر فيه الكلام على جمع التكسير. وكان حقّه أن يذكر من جمع السلامة فصلا آخر. ولم يذكره ، فنقول في ذلك : إن الأسماء المجموعة ، لا تخلو : إما أن تكون صحيحة ، أو منقوصة ، أو مقصورة ، أو مضافة ، أو فيها ياء النسب.

الأول : قولك : زيد ، وعمرو. تقول : الزيدون ، والعمرون.

والمنقوص : قولك : قاض ، وداع. تقول : قاضون وداعون ، والأصل : قاضيون ، وداعيون ، استثقلت الضمة في الياء ، فحذفت الضمة ، وسكنت ، والواو بعدها ساكنة ، فحذفت الياء ، لالتقاء الساكنين.

فصار في الرفع (قاضون) وفي النصب ، والجر (قاضين).

وأما المقصورة ، فنحو : المثنّى ، والمعلّى ، وموسى ، وعيسى.

تقول في الجمع : مثنّون ، ومعلّون ، وموسون ، وعيسون. والأصل : مثنّيون ، حذفت الحركة من الياء ، فسكنت الياء. والواو بعدها ساكنة ، فحذفت الياء ، لالتقاء الساكنين ، فصار (مثنّون) في الرفع. وقال : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)(٣). في الرفع. وقال : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) (٤).

فعلى هذا تقول : ضرب موسونا عيسيكم. ف (موسونا) الفاعل ، والنون محذوفة للإضافة.

و (عيسيكم) مفعول به ، وحذفت النون ، [١٤٦ / أ] أيضا ، للإضافة.

__________________

(١) الأصل : بياض.

(٢) ٤ : سورة النساء ١٧١.

(٣) ٣ : سورة آل عمران ١٣٩.

(٤) ٣٨ : سورة ص ٤٧.

٣٣٧

وأما المضاف ، نحو : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأبي زيد ؛ فإنك تقول : عبدو الله. والأصل (عبدون) فحذفت النون للإضافة ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. فتقول : ضرب عبدو الله عبدي الرحمن. فالأول : الفاعل. والثاني : المفعول. وهؤلاء أبو زيد. والأصل : أبون ، فحذفت النون للإضافة ، لأنهم قالوا في (الأب) : أبون. وقد جاء في الشعر. [قال جرير] :

٣٣٣ ـ إذا بعض السّنين ، تعرّقتني

كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (١)

أي : أبين ، فحذفت النون للإضافة.

ويجوز أن تقول : عباد الله ، وآباء زيد. ولا يجوز : آباء الزّيدين ؛ لأن المقصود : تعريف الأول بالثاني ؛ فيكفي الإفراد ، في الثاني ؛ لأنه يحصل به التعريف. وقد قالوا ، في مثل ذلك : هؤلاء أبناء عمّ.

وأما ما فيه ياء النسب ، فنحو : الأشعريّ. تقول في جمعه : الأشعرون ، ومثله قوله : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠) (٢) ، وواحده : إلياسيّ ، فحذفت ياء النسب ، في الجمع ، وعوضت منها الواو ، والنون.

وأما إذا سميت رجلا (مساجد) و (مفاتيح) فإنك تقول في الجمع : مساجدون ، ومفاتيحون ، ولا تجمعه جمع التكسير ؛ لأن هذا اللفظ نهاية ، في الجمع. فإن سميته (أعدالا) جاز أن تقول في جمعه ؛ أعاديل ؛ لأن (أعدالا) جمع قلة ؛ وليست بنهاية في الجمع.

وإن سميته : ب (مسلمين) أو (زيدين) حذفت الواو ، والياء ، في الجمع ، فقلت : مسلمون ، ومسلمين. ولا تقول : مسلمونون ، ولا مسلمينين ؛ لأن الاسم لا يعرب من جهتين ؛ بل الإعراب ، تغيّر يلحق الآخر ، للفصل بين الفاعل ، والمفعول ، فيكتفى فيه بعلامة واحدة.

وأما قولهم (امرؤ) و (ابنم) فإن حرف الإعراب : الهمزة ، والميم ، والراء ، والنون ؛ إنما يتغيران على سبيل التبع ، للحرف الأخير. فتقول : هذا امرؤ ، ورأيت امرءا ، ومررت بامريء ، وهذا ابنم ، ورأيت ابنما ، ومررت بابنم. ومن قال : إنّ هذين الاسمين ، أعربا من جهتين ، فقد أخطأ ، في ذلك ؛ لما أعلمتكه.

وأما نحو : طلحة ، وحمزة ؛ فإنك تقول ، في جمعه : طلحات ، وحمزات. ولا تجمعه بالواو ، والنون ؛ كي لا يجمع على الاسم [١٤٦ / ب] الواحد علامة التذكير ، وعلامة التأنيث. فلا تقول : طلحتون. وعلى هذا القياس ، لو سميت رجلا (بنتا) لم تقل في جمعه : بنتون ؛ وإنما تقول : بنات.

وأما جمع التكسير ؛ فإنه ينقسم قسمين : جمع قلة ، وجمع كثرة.

وجمع القلة أربعة ألفاظ (٣) (أفعال) نحو : أنعام ، وأعدال. و (أفعل) نحو : أكلب. و (أفعلة) نحو : أقفزة. و (فعلة) نحو : غلمة ، وصبية. وما عدا هذه الألفاظ ، فهو جمع كثرة ، نحو : فعال ، وفعول ، وفعلان ، ومفاعيل ، وأشباه ذلك.

وجمع القلة قد أجروا عليها حكم الآحاد ، في مواضع من كلامهم ، فعاملوها معاملة الآحاد.

__________________

(١) سبق ذكره رقم (٤٨) ، (٤٣).

(٢) ٣٧ : سورة الصافات ١٣٠.

(٣) يعني بها : ألفاظ أبنية هذا الجمع.

٣٣٨

فمن ذلك ، قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(١) ، فالهاء ، في بطونه ، يعود إلى الأنعام ، لأنه (أفعال) وقد جرى مجرى الآحاد. وقال تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)(٢) ، ولم يقل (فيها) لأن (أزواجا) (أفعال). وقال (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٣) ، أي : من مثل الأنداد. وقد قالوا : ثوب أسمال ، وحبل أرمام ، وملحفة أخلاق فجعلوها وصف المفرد ، وقد صغروها تصغير ، الآحاد ، فقالوا : أنعام ، وأنيعام. ولو كان حكمه حكم الجمع ، لردّ إلى الواحد ، ويصغّر الواحد ، ويجمع بالواو ، والنون ، أو بالألف ، والتاء ؛ لأن الجموع ، إذا صغّرت ، فهذا حكمها. كقولك ، في تصغير : فقراء : فقيرون. وفي تصغير : شعراء : شويعرون.

فأما الأسماء الثلاثية ، فهي عشرة أبنية. وكان حكم التركيب ، اقتضى اثني عشر بناءا ؛ لأن الفاء ، والعين ، واللام ، إذا حرّك الفاء ، والعين بحركتين متفقتين ، أو مختلفتين ، أو إذا سكّن العين ، جاء منه اثنا عشر بناءا. ألا ترى ، أنك تسكّن العين ، وتفتح الفاء ، أو تضمه ، أو تكسره ، فتقول : فعل ، مثل : فلس ، و : فعل ، مثل : قفل : وفعل ، مثل : كحل. أو تفتح العين ، أيضا : فتقول : فعل ، مثل : جبل ، أو تضمهما ، فتقول : فعل ، مثل : عنق. أو تكسرهما ، فتقول : فعل ، مثل : إبل. أو تفتح الفاء ، وتضم العين ، فتقول : فعل ، نحو : عضد. أو تفتح الفاء ، وتكسر العين ، فتقول : فعل ، ككبد ، وكتف. أو تكسر الفاء ، وتفتح العين ، [١٤٧ / أ] فتقول : فعل ، كضلع ، وقمع أو تضم الفاء ، وتفتح العين ، فتقول : فعل ، كصرد ، ونغر ، فهذه عشرة مستعملة.

فأما كسر الفاء ، وضم العين : فعل ، أو ضم الفاء ، وكسر العين : فعل ؛ فمطّرحتان في الأسماء ، غير مستعملتين. وقد جاء منه : دئل. ومنه نسبة أبي الأسود الدؤلي (٤) ، عند النحاة. وقال أصحاب كتب الأنساب ؛ إنما هو أبو الأسود الدّئلي ، بكسر الدال ، وفتح الهمزة. ودئل ؛ بضم الدال : قبيلة أخرى ، غير قبيلة أبي الأسود.

وأبنية الجموع ، على ثلاثة عشر بناءا : فعل ، فعل ، فعلة ، فعلة ، أفعل ، فعيل ، فعال ، فعول ، فعالة ، فعولة ، فعلان ، فعلان ، أفعال.

فأفعل ، وأفعال : بناءان للقليل.

وفعال ، وفعول : أخوان ، وهما للكثير. وفعال ، وفعول ، ومؤنثاهما ، يجريان مجراهما. والثلاثي يجيء أكثره ، على بناء هذه الأربعة. وفعول ، وفعالة : أخوان. وليست : أفعل ، وأفعال : أخوين ؛ لأن ما يجيء على بنية : فعال ، يجيء فيه ، بعينه كثيرا : فعول ، وفعلان. وفعلان ، أيضا للكثير. وما لم يخصّ القليل ، ولا الكثير منها ؛ فهو اسم للجمع ، ومنها : فعل ، وفعل : إلا أن يكون مقصورا من :

__________________

(١) ١٦ : سورة النحل ٦٦.

(٢) ٤٢ : سورة الشورى ١١.

(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٣.

(٤) هو : ظالم بن عمرو بن سفيان (ت ٦٩ ه‍). وهو واضع علم النحو بتعليم علي ، رضي الله عنه. وكان من تلامذته : يحيى بن يعمر ، وعنبسة الفيل ، وميمون الأقرن. أخبار النحويين البصريين ١٠ ـ ١٧ ، والخزانة ١ : ٨١.

٣٣٩

فعول ، وفعال.

وفعلة ، وفعلة ؛ إن لم تكن مقصورة من : فعالة ، وفعيل ، وفعولة ، فإن كان الاسم الثلاثي على غير مثال : فعل ؛ كسّر في القلة ، على : أفعال. وذلك نحو : قلم ، وأقلام ، وجبل وأجبال ، وكبد وأكباد ، وعجز ، وأعجاز. فإن القياس في غير : فعل ، أن يأتي جمعه ، في القلة ، على : أفعال. وفي :

فعل ، على : أفعل.

وفي الكثرة ، جمعها على وتيرة واحدة. فإنه يأتي في الكثرة ، على : فعال ، أو فعول ، نحو : كلاب ، وكعوب. وكذلك ، أيضا ، في غير : فعل ، يأتي على : فعال ، أو فعول ، نحو : جبل ، وجبال ، وطلل ، وطلول ، وكبد ، وكبود.

وفي جمع القلة ، يقال : إبل ، وآبال. قال أبو عثمان المازني : أصله : فعل ؛ لأنه ليس في كلام العرب اسم ، على مثال : فعل. فأما التحريك ؛ فإنما كان لأجل الإتباع. وقال سيبويه (١) : إنما هو أصلي. واسمان في كلام العرب ، أتيا على هذا الوزن ، أحدهما : إبل ، والثاني : امرأة بلز ؛ أي :

ضخمة. وقد ذكر ، في الكتاب ما لا يحتاج إلى [١٤٧ / ب] شرحه ، ولم نذكره.

فإن كان عين الاسم ، معتلة ، واوا ، أو ياءا ؛ كسّر في القلة ، على : (أفعال). فتقول : ثوب ، وأثواب ، وبيت ، وأبيات. وكان القياس يقتضي أن يأتي جمع : فعل ، في القلة ، على (أفعل) إلا أنهم ، قالوا في : ثوب : أثواب. وفي : بيت : أبيات ؛ ولم يقولوا : أبيت ؛ لاستثقال الضمة على الياء. وقد جاء : أثوب ، فجمعوه على (أفعل) وقلبوا الواو همزة. وقد جاء [في قول الشاعر] :

٣٣٤ ـ لكلّ دهر ،

قد لبست أثؤبا (٢)

فإذا صرت إلى الكثرة : ف (فعول) مثل ما ذكر في الكتاب (٣). والجموع ، كلها تتداخل. يعني جموع الثلاثي ، من حيث كان العدد منتظما لجميعها ، وكان كل واحد من هذه الجموع ، على ثلاثة أحرف ، فتداخلت. فتقول في : فرخ : أفراخ ، وكان جمعه في القلة : أفرخ ؛ إلا أنه تتداخل.

وجبل ، وأجبل ، وزمن ، وأزمن. وكان القياس يقتضي أن يقال (أفعال) إلا أنه تداخلت. وقال بعضهم : إن الحركة التي على العين من (زمن) كالساكن ، فهو ، أيضا (فعل) فلهذا جمع على (أفعل) على ما ذكره من التداخل (٤).

وربما اقتصر في بعض ذلك ، على جمع القلة ، وفي بعضه ، على جمع الكثرة ، نحو : رجل ، وأرجل ؛ ولم يتجاوزوا ذلك. وقلم ، وأقلام. وقد قالوا : سباع ، ورجال ، فاكتفوا بسباع ، عن

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٥٧٤.

(٢) من الرجز ، وبعده :

حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا

نسبه في اللسان (ثوب) ١ : ٢٤٥ إلى معروف بن عبد الرحمن.

وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٥٨٨ ، والتحصيل ٥٣٢ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ٣ : ٩٠ ، والمقتضب : ١ : ٢٩ ، والجمل ٢ : ٥١ ، وابن يعيش ١٠ : ١١.

(٣) الكتاب ٣ : ٥٨٨.

(٤) الكتاب ٣ : ٥٨٦.

٣٤٠