شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

منه. وهذا أصل مرفوض.

باب حروف الجزم

أما حروف الجزم : فأربعة :

(لم) وهي نفي (فعل). تقول : لم يركب زيد. نفي لقولك : ركب زيد. وإنما يجزم الفعل ؛ لأنه يختص به ، ولا يدخل في الاسم. ويقبح الفصل بينه وبين الفعل. لو قلت ، في قولك : لم يضرب زيدا : لم زيدا يضرب ؛ قبح ، إلا في ضرورة الشعر.

وأما (لمّا) فهي من غرائب العربية ؛ وذلك ، لأنها في الأصل (لم) ضمت إليها (ما) فإذا دخلت على الفعل الماضي ؛ فهو اسم بمنزلة حين ، يستعمل ظرفا ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا)(١). ف (لمّا) هاهنا : نصب على الظرف. والعامل فيه ، جوابه الذي يقتضيه ، وهو قوله :

(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٢). فإذا دخلت على الفعل المستقبل ، فهي تجزمه ، كقولك : لمّا يركب. وهي نفي (قد فعل). تقول : قد ركب الأمير. فإذا نفيت ، قلت : لمّا يركب.

وقد يجيء (لمّا) بمعنى (إلا) في قوله ، عزّ وجل : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(٣) ، فيمن شدد ، أي : (إلا) عليها حافظ. وقد يحذف الفعل مع (لمّا). تقول جئتك ولمّا ؛ أي : ولما تفعل ، أو ولما تقم.

وأما (ألمّا) فهي (لمّا) دخلت عليه همزة الاستفهام.

وأما : لام الأمر : فتجزم [١٢٥ / ب] الأمر ، وهي مكسورة ؛ ليفرق بينها ، وبين لام التأكيد ، نحو قوله : (لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)(٤). وقد تسكن هذه اللام ، إذا اتصلت بالواو ، والفاء ، كقوله تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)(٥) ؛ بإسكانها في (وليوفوا). فأما مع (ثم) فالأكثرون لا يسكنونها.

فإن (ثم) منفصلة عنها ، بخلاف الفاء ، في : (فَلْيَنْظُرْ)(٦) ، كأنها من أصل الكلمة.

وأما (لا) فهي حرف نهي. وتجزم الفعل المضارع. والفعل بعدها مجزوم ، وليس بموقوف ، خلافا للأمر ؛ لأن الأمر ، لا عامل للجزم فيه. والنهي (لا) فيه عاملة.

باب الشرط وجوابه

وحرفه المستولي عليه (إن) .. إلى آخره.

إنما كان الحرف المستولي عليه (إن) لأنّ (إن) فصل بينه ، وبين فعله بالاسم. وقد جاء ذلك في التنزيل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ)(٧). وقال : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً)(٨). ولم يجئ ذلك في غير (إن) إلا في ضرورة الشعر. [قال الشاعر] :

__________________

(١) ٧ : سورة الأعراف ١٤٣.

(٢) ٧ : سورة الأعراف ١٤٣.

(٣) ٨٦ : سورة الطارق ٤.

(٤) ١٦ : سورة النحل ١٢٤.

(٥) ٢٢ : سورة الحج ٢٩.

(٦) ١٨ : سورة الكهف ١٩.

(٧) ٩ : سورة التوبة ٦.

(٨) ٤ : سورة النساء ١٢٨.

٣٠١

٣٠٤ ـ فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه ويعطف عليه كأس السّاقي (١)

التقدير : متى ينبهم واغل يحيوه. فينبهم : شرط ، وفصل بينه ، وبين متى بواغل ، للضرورة.

وليس في (إن) ضرورة ، لمجيئه في التنزيل. فعلم أنه أمّ الباب ، وهو على أربعة أقسام :

[الأول] : أن يكون للشرط ، كما ذكرنا.

[الثاني] : أن يكون مخففة من (إنّ) الثقيلة. وذلك ، كقراءة من قرأ : (وَإِنَّ كُلًّا)(٢). بتخفيف (إنّ) ونصب (كل). والتقدير : وإنّ كلا. وبهذه ، أعني المخففة من (إنّ) الثقيلة ، إذا دخلت على الاسم ، جاز أن تعمل فيها ، وجاز أن يبطل عمله. تقول : إنّ زيدا لقائم ، وإن زيد لقائم. وقد تدخل هذه على الفعل ، كقوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٣) ، وقوله : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ)(٤) ، وقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) (١٦٨) (٥) ، على تقدير : وإنّهم كانوا ليقولون لو أنّ عندنا ، وإنّا وجدنا أكثرهم لفاسقين ، وإنّا كنا عن عبادتكم لغافلين.

وهذا تقدير النحاة أجمعين ، سوى فارسهم (٦) ، فإنه زعم : أنه لا إضمار بعد (إن) لأنهم أرادوا تأكيد الفعل ، كما أرادوا ب (إنّ) تأكيد الاسم. فلم يمكنهم تأكيد الفعل ب (إنّ) المشددة ؛ لأنها تشبه الفعل ؛ والفعل لا يلي [١٢٦ / أ) الفعل. فخففت حيث أريد تأكيد الفعل. فليس هناك إضمار بتة. فلا بد ل (اللام) من أن يكون معها ليكون التأكيد.

[الثالث] : أن يكون (إن) بمعنى (ما) النافية ، كقوله تعالى (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)(٧) ؛ أي : ما الكافرون إلا في غرور. وإذا كان كذلك فلا بد من (إلا) في خبرها ؛ ليتبين هذا المعنى. فإن لم يكن (إلا) في خبرها ، كانت مخففة من الثقيلة ، لتأكيد الكلام ، كقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) (١٦٧) (٨) ، ولا يكون بمعنى (ما) البتة.

[الرابع] : أن تكون (إن) زائدة. [قال الشاعر] :

٣٠٥ ـ وما إن طبّنا جبن ، ولكن

منايايا ، ودولة آخرينا (٩)

__________________

(١) البيت من الخفيف ، لعدي بن زيد العبادي ، في : ديوانه ١٥٦ ، والكتاب ٣ : ١١٣ ، والتحصيل ٤٢٢ ، والإنصاف ٢ : ٦١٧ ، والخزانة ٣ : ٤٦ ، ٩ : ٣٧ ، ٣٩.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٧٦ ، وابن يعيش ٩ : ١٠.

(٢) ١١ : سورة هود ١١١. وينظر : ص ١٢٤ ، هامش (٢).

(٣) ٧ : سورة الأعراف ١٠٢.

(٤) ١٠ : سورة يونس ٢٩.

(٥) ٣٧ : سورة الصافات ١٦٧ ، ١٦٨.

(٦) المغني ١ : ٢٣٣ ، وفيه : (قال أبو الفتح : قال لي أبو علي : ظننت أن فلانا نحوي محسن ، حتى سمعته يقول : إنّ اللام التي تصحب (إن) الخفيفة هي لام الابتداء. فقلت له : أكثر نحويي بغداد على هذا).

(٧) ٦٧ : سورة الملك ٢٠.

(٨) ٣٧ : سورة الصافات ١٦٧.

(٩) البيت من الوافر ، لفروة بن مسيك ، الصحابي ، في : سيرة ابن هشام ٤ : ٢٢٨ ، والخزانة ٤ : ١١٢ ، ١١٥ ، ١١ : ١٤١ ، ١٨.

وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ١٥٣ ، ٤ : ٢٢١ ، والتحصيل ٤٢٥ ، والمقتضب ١ : ٥١ ، والخصائص : ١٠٨ ، وابن يعيش ٥ : ١٠ ، والمغني ١ : ٢٥ ، وهمع الهوامع : ٢ : ١١١.

٣٠٢

أي : ما طبّنا جبن.

[وأما : ما] : فعلى تسعة أوجه : أربعة منها حروف ، وخمسة منها أسماء. فأما الأسماء : ف (ما) الاستفهام ، كقولك : ما عندك؟. أي : أيّ شيء عندك؟. قال الله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٣) (١). ف (ما) رفع بالابتداء. ويدريك : في موضع خبره [وبقي أربعة أوجه] :

[الأول] : أن يكون (ما) خبرية ، بمعنى (الذي). كقولك : أخذت ما عندك. أي : الذي عندك ، وهي لما لا يعقل ، ولمن يعقل.

[الثاني] : أن يكون (ما) للتعجب ، كقولك : ما أحسن زيدا. ف (ما) نكرة ، في تقدير : شيء ؛ أي : شيء أحسن زيدا. وهو مرفوع بالابتداء. وما بعده : خبره. وستراه مشروحا بعد ذا ، إن شاء الله.

[الثالث] : أن يكون (ما) موصوفة ، كقوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٢).

ف (ما) هاهنا ، بمنزلة شيء. وقوله : عتيد : صفته ؛ أي : هذا شيء عتيد. ولا يجوز أن يكون (ما) هاهنا ، بمعنى (الذي) لأنه إذا كان بمعنى (الذي) كان معرفة ، ويكون في (لدي) ضمير يعود إليه ، فينبغي أن يكون (عتيد) منصوبا ، حينئذ ، لأنه لا يكون (عتيد) نكرة ، صفة لمعرفة ؛ إذ المعرفة لا توصف بالنكرة ، فيجب ، حينئذ ، أن تنصبه على الحال.

[الرابع] : أن يكون (ما) كشيء ، ليس بعده خبر ، ولا صفة ، البتة ، كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٣). أي : فنعم ، شيئا ، هي.

وأما إذا كانت (ما) حرفا ، فعلى أربعة أوجه :

[الأول] : أنها إذا كان ما بعده في تقدير المصدر ، كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤) (٤) ؛ أي : سلام عليكم بصبركم. و (ما) هذه ، حرف عندنا ، خلافا للأخفش (٥) ؛ لأنه بمنزلة (أن) كما أنّ (أن) مع [١٢٦ / ب] الفعل بتأويل المصدر ، فكذا (ما). والذي زعمه الأخفش باطل ؛ لأنه لا يكون اسم موصول بغير عائد ، يعود عليه من صلته. وليس في قوله : (صبرتم) ، عائد ، يعود إلى (ما) لا ظاهرا ، ولا مضمرا ، [قال الشاعر] :

٣٠٦ ـ ...

والكافون ما جرموا (٦)

أي : جرمهم.

[الثاني] : أن يكون (ما) كافة ، تكفّ (إنّ) عن عملها. قال الله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ

__________________

(١) ٨٠ : سورة عبس ٣.

(٢) ٥٠ : سورة ق ٢٣.

(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٧١.

(٤) ١٣ : سورة الرعد ٢٤.

(٥) إذ قال باسميتها. ينظر : المغني ١ : ٣٠٥.

(٦) قطعة بيت من البسيط. لزياد بن حمل وتمامه :

الواسعون إذا ما جر غيرهم

على العشيرة والكافون ما جرموا

في : ديوان الحماسة : ٢ : ١٥٢.

٣٠٣

واحِدٌ)(١). كان قبل دخول (ما) : إنّ الله إله واحد. ف (ما) جاءت ، وكفت (إنّ) عن عملها.

وقالوا : (إنّ) للتحقيق ، و (ما) : نفي لما عدا المذكور. ودخل ليكف (إنّ) عن العمل ؛ وقالوا ؛ فكأنه قال : ما الله إلا إله واحد.

[الثالث] : أن يكون (ما) صلة ، كقوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٢) ؛ أي : فبرحمة.

[الرابع] : أن يكون (ما) نافية ، كقوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٣).

وأما (ما) التي للشرط ، فهي اسم ، كقوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها)(٤). فقال قوم : (ما) هاهنا ، اسم ، وهو منصوب ب (يفتح) فكأنه قال : أيّا يفتح الله للناس من رحمة.

وقال قوم : بل هو حرف. والأول أظهر ، حملا على (من) و (أيّ).

وأما (أيّ) فعلى ثلاثة أقسام :

[الأول] : أن يكون استفهاما ، كقولك : أيّ شيء عندك. قال الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ)(٥).

[الثاني] : أن يكون (أيّ) بمعنى (الذي) كقولك : أيّهم يأتيني ، فله درهم. أي : الذي يأتيني فله درهم. قال تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩) (٦). أي : لننزعنّ من كل شيعة الذي هو أشدّ على الرحمن عتيا. ف (أيّ) بمعنى (الذي). وبني على الضم ، هاهنا. وكان حقه النصب : لأنه مفعول (لننزعنّ) وبه قرأ هارون (٧). فيما زعم سيبويه (٨). قال : وحدثنا : هارون عن بعض الكوفيين ، وكان رأسا : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ)(٩) ، بالنصب (١٠). وإنما بني على الضم ، لأنه حذف من صلته ؛ فأشبه (قبل) و (بعد) فبني كما بني (قبل) و (بعد).

[الثالث] : أن يكون (أيّ) بمعنى الشرط ، والجزاء. قال الله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(١١). ف (أيا) منصوب ب (تدعوا) و (ما) زائدة. وتدعوا : جزم ب (أيّ). والفاء ، في

__________________

(١) ٤ : سورة النساء ١٧١.

(٢) ٣ : سورة آل عمران ١٥٩.

(٣) ٧ : سورة الأعراف ٨٥.

(٤) ٣٥ : سورة فاطر ٢.

(٥) ٦ : سورة الأنعام ١٩.

(٦) ١٩ : سورة مريم ٦٩.

(٧) هو : هارون بن موسى ، أبو عبد الله ، الأعور ، العتكي ، البصري ، الأزدي (ت ١٧٠ ه‍ على الارجح). روى القراءة عن : عاصم الجحدري ، وعاصم بن أبي النجود ، وعبد الله بن كثير ، وأبي عمرو بن العلاء ، وآخرين.

روى القراءة عنه : علي بن نصر ، ويونس بن محمد المؤدب ، وشهاب بن شرنقة ، وآخرون ، قال أبو حاتم السجستاني : كان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات ، وألفها ، وتتبع الشاذ منها ، فبحث عن إسناده.

ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٤٨.

(٨) الكتاب ٢ : ٣٩٩.

(٩) ١٩ : سورة مريم ٦٩.

(١٠) وهي قراءة : هارون ، ومعاذ بن مسلم الهراء ، وطلحة بن معرف ، والأعرج ، وزائدة ، والأعمش. مختصر في شواذ القرآن ٨٦ ، وتفسير التبيان ٧ : ١٤١ ، والبحر المحيط ٦ : ٢٠٩.

(١١) ١٧ : سورة الإسراء ١١٠.

٣٠٤

قوله : (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) جواب (أيّ).

وأما (مهما) في نحو قوله : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا) [١٢٧ / أ](بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(١) ، فإن فيه قولين :

[الأول] : أنّ (مهما) هي (مه) التي معناها : اسكت ، فضمّت إليها (ما). فحدث بالتركيب معنى الشرط والجزاء ، كما حدث بالتركيب ، امتناع الشيء لوجود غيره ، في قولهم : لو لا زيد لهلك عمرو. وهذا المعنى كان معدوما ، إذا كانت (لو) غير مركبة.

[الثاني] : أنّ (مهما) أصله (ماما) ف (ما) الأولى : (ما) الشرط ، في نحو قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢). و (ما) الثانية ، صلة وهي التي في نحو قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ) وذلك لأن العرب ، تزيد (ما) الصلة ، في حروف الشرط في نحو قول الله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً)(٣). [قال الشاعر] :

٣٠٧ ـ زعمت تماضر أنّني إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (٤)

أي : إن أمت. فزادوا (ما) مع (إن) فكذا زادوها مع (ما). إلا أنهم استثقلوا تكرار لفظة (ما) في (مهما) فأبدلوا من الألف الهاء لقربها ، منها. ألا ترى : أنهم قالوا : إيّاك ، وهيّاك ، وأرقت ، وهرقت. وقالوا : أنا ، وأنه.

وأما (أين) فعلى ضربين :

[الأول] : أن يكون استفهاما ، كقولك : أين بيتك. فبيتك : مبتدأ. وأين : خبر مقدم.

[الثاني] : أن يكون (أين) للشرط ، والجزاء ، كقولك : أين تكن أكن.

[قال الشاعر] :

٣٠٨ ـ أين تصرف بنا الغداة تجدنا

نصرف العيس نحوها للتّلاقي (٥)

فجزم (تصرف) ب (أين). وهذه دلالة قاطعة تدل على بطلان قول أبي إسحاق : إنّ (أين) إنما يجازى بها إذا اتصلت ب (ما) في نحو قوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(٦). ألا ترى : أنه قال : أين تصرف ، فجزم ، وليس معه (ما) فعلم أنه هو الجازم. و (ما) مضمومة إليها ، كما ضمت إلى (إن) في نحو قوله : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي)

وأما (متى) فعلى ضربين : استفهام ، وشرط. فالاستفهام ، نحو قولك : متى الخروج؟.

فالخروج : مبتدأ. ومتى : خبره. والشرط ، [نحو قول الشاعر] :

__________________

(١) ٧ : سورة الأعراف ١٣٢.

(٢) ٢ : سورة البقرة ٢١٥.

(٣) ١٩ : سورة مريم ٢٦.

(٤) سبق ذكره رقم (٤٣).

(٥) البيت من الخفيف ، لعبد الله بن همام السلولي ، في : الكتاب ٣ : ٥٨ ، والتحصيل ٤٠٢.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٤٨ ، وابن يعيش ٤ : ١٠٥ ، ٧ : ٤٥. وقد رواه أكثرهم. صدره :

أين تضرب بنا العداة تجدنا

 ...

(٦) ٢ : سورة البقرة ١٤٨.

٣٠٥

٣٠٩ ـ متى تأته ، تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار ، عندها خير موقد (١)

ألا ترى : أنه جزم : تجد ، وتأته ، ب (متى).

وأما (أينما) و (أيّ حين) فبمنزلة (أين) و (أيّ) فيما تقدم.

وأما (أنّى) فيكون بمعنى (أين) ويكون بمعنى (كيف). ويكون [١٢٧ / ب] للشرط ، والجزاء. [فمعنى أين] ، كقوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا)(٢) : أي : من أين لك هذا؟. [ومعنى كيف] ، قوله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٣) أي : كيف شئتم.

وأما الشرط فلا أعلمه في التنزيل ، ولكن في الشعر ، [قال الشاعر] ،

٣١٠ ـ فأصبحت أنّى تأتها ، تلتبس بها

كلا مركبيها ، تحت رجلك شاجر (٤)

وأما (حيثما) فإن (حيث) إذا ضمت إليها (ما) فيكون للشرط ، والجزاء. وقبل دخول (ما) لا يكون كذلك ؛ لأنه يكون مضافا إلى الجمل ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ)(٥). وتقول في الكلام : أجلس حيث زيد جالس. ف (حيث) أبدا ، يضاف إلى الجملة ، ولا يضاف إلى المفرد ، فقول القائل : من حيث (كونه) بالجر ، خطأ. إنما الوجه : من حيث (كونه) كذا. فإذا جاءت (ما) سهّلت وقوع الشرط ، والجزاء بعدها. وكذا حكم (إذ) قبل دخول ما يضاف إلى الجملة ، كقولك : أتذكر إذ الخليفة منصور؟. فإذا جاءت (ما) جزمت.

[قال الشاعر] :

٣١١ ـ إذ ما أتيت على الرّسول ؛ فقل له

 ... (٦)

فدخول الفاء ، يدل أن (إذ ما) شرط.

[قال أبو الفتح] : والشرط ، وجوابه مجزومان ، لا خلاف بين النحاة في أنّ الشرط منجزم ب (إن). وإنما الخلاف في الجزاء إذا ترتّب على الشرط وكان فعلا مضارعا ، نحو : إن تذهب

__________________

(١) البيت من الطويل ، للحطيئة ، في : ديوانه ٥١ ، والكتاب ٣ : ٨٦ ، والتحصيل : ٤١٤ ، والخزانة ٣ : ٧٤ ، ٥ : ٢١٠ ، ٧ : ١٥٦ ، ٩ : ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٦٥ ، وابن يعيش ٢ : ٦٦ ، ٤ : ١٤٨. وابن عقيل ٢ : ٣٦٥.

(٢) ٣ : سورة آل عمران ٣٧.

(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٢٣.

(٤) البيت من الطويل ، للبيد ، في : ديوانه ٥٨ ، والكتاب ٣ : ٥٨ ، والتحصيل ٤٠١ ، وابن يعيش ٤ : ١١٠ ، والخزانة ٧ : ٩١ ، ٩٣ ، ١٠ : ٤٥ ، ٤٦.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٤٨.

(٥) ٧ : سورة الأعراف ٢٧.

(٦) البيت من الكامل ، للعباس بن مرداس ، وعجزه :

 ...

حقا عليك إذا اطمأن المجلس

وهو في : ديوانه ٧٢ ، والكتاب ٣ : ٥٧ ، والتحصيل ٤٠٠ ، وابن يعيش ٤ : ٩٧ ، ٧ : ٤٦ ، والخزانة ٩ : ٢٩ ، ٣٠.

وبلا نسبة في المقتضب ٢ : ٤٧ ، والخصائص ١ : ١٣١.

٣٠٦

أذهب. فاختلف الناس في جزم (أذهب) التي هي الجواب. فذهب سيبويه (١) إلى أنه منجزم ب (إن). وذهب المبرد (٢) ، إلى أنه منجزم ب (إن) مع الشرط. وذهب أبو عثمان (٣) إلى أن : الشرط ، والجزاء هما مبنيان على الوقف ؛ وليسا مجزومين ، وليس ل (إن) فيه تأثير. واحتج بأن الإعراب ، في هذه الأفعال ، عارض ، وليس بأصل ؛ وإنما يكون معربا ، إذا وقع موقع الأسماء. فأما إذا لم يكن للاسم ، هناك ، موقع ، ـ فلا يعرب الفعل إذ ذاك. وقد علمنا أنّ الاسم ، لا مجال له في باب الشرط ، والجزاء.

فأما المبرد ، فقد احتج : بأنّ الجزاء ، لا يجيء إلا بعد (أن) مع الشرط. ومن المحال أن يحال بجزمه على (إن) وحدها. فكيف يدّعى فيه ذلك؟!.

وأما سيبويه : فإنه يجزم الجواب بما يجزم به الشرط ، كما رفع الاسم [١٢٨ / ا] ب (كان) ونصب الخبر به ، ونصب الاسم ب (إنّ) ورفع الخبر به. وهذا ، لأن (إن) يعقد الجزاء بالشرط ، في المعنى. فوجب أن يكون للفظ فيه تأثير على ما كان من المعنى ؛ لأن الشيء ؛ إنما يعمل في الشيء على حسب معناه. و (إن) يقتضي الجزاء ، كما يقتضي الشرط ، فوجب أن يعمل فيه. والذي ذكره أبو عثمان ، باطل ، لما تقدم من أن الفعل المضارع ؛ إنما أعرب لمضارعته الاسم. وهذا الفعل فيه حرف المضارعة ، فوجب أن يكون معربا ، غير مبني. وأما المبرد ، فالذي ذكره ، لا يصح ؛ لأن الجمل لا تعمل في شيء ، وإنما العمل للحروف في الأصل.

[قال أبو الفتح] : وجواب الشرط ، على ضربين : فعل مضارع ، والفاء. فالفعل المضارع مجزوم ، كما تقدم. وأما الفاء ، فيكون مع ما بعده ، في موضع الجزم ؛ لكونه جوابا. قال الله تعالى :

(فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)(٤). فقوله : (فَلا يَخافُ) في موضع الجزم. والتقدير : فهو لا يخاف. وقد قرئ : (فَلا يَخافُ)(٥) ، بالجزم ، وهو نهي الغائب ، وليس بجواب الشرط. والدليل على أنه في موضع الجزم ، قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ)(٦) ، في قراءة حمزة (٧).

فلو لا أن قوله : (فَلا هادِيَ) في موضع الجزم ، لم يجز : (وَيَذَرُهُمْ) ومثله ، قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ

__________________

(١) الكتاب ٣ : ٦٢. وفيه : (واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال ، وينجزم الجواب بما قبله).

(٢) المقتضب ٢ : ٤٩.

(٣) الإنصاف (مسألة ٨٤) ٢ : ٦٠٢.

(٤) ٧٢ : سورة الجن ١٣.

(٥) وهي قراءة : يحيى بن وثاب ، والأعمش : وإبراهيم. مختصر في شواذ القرآن ١٦٣ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٣ : ٥٢٤ ، وتفسير القرطبي ١٩ : ١٧.

(٦) ٧ : سورة الأعراف ١٨٦.

(٧) والكسائي ، وأبي عمرو فيما ذكر أبو حاتم ، وابن مصرف ، والأعمش ، وخلف. السبعة ٢٩٩ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٦٥٤ ، والحجة ـ لابن خالويه ١٦٧ ، والكشف ـ للقيسي ١ : ٤٨٥ ، والتيسير ١١٥ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٠٥ ، وتفسير الرازي ١٦ : ٣٢٦ ، والتبيان ـ للعكبري ١ : ٢٩٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٣٤ ، والبحر المحيط ٤ : ٤٣٣ ، والنشر ٢ : ٢٧٣.

٣٠٧

فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ)(١). فجزم قوله : (ويكفّر) ؛ لأن قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) :) في موضع الجزم. وهذه الفاء ، إذا كانت في جواب الشرط ، ينبغي أن يكون بعدها جملة من مبتدأ وخبر. ويجوز إضمار المبتدأ ، وإظهاره. فالإضمار قوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٢) ؛ أي : فهو ينتقم منه. والإظهار [قولك](٣) : إن تأتني فزيد يقوم. لا بد من ذلك.

وقد يقع الشرط ، والجزاء بلفظ الماضي ، والمراد بهما : المستقبل. كقولك : إن قمت قمت.

والتقدير : إن تقم أقم ؛ لأن المعنى على المضي ، لا يصح ؛ إذ الشرط إنما يصح في المستقبل من حيث إنما يجيء فيما يكون على الغرر. فأما ما ثبت ، ومضى ؛ فالشرط لا يؤثر فيه. [١٢٨ / ب].

[فإن قلت] : فقد جاء في التنزيل : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)(٤) ، وهذا ماض ، ولا يصح فيه الاستقبال ، ألا ترى ، إلى سياق الآية : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٥) ، يعني في الدنيا ، فيقول : إن كنت قلته في الدنيا ، فقد علمته ، قلنا ، [الجواب] : أنّ المعنى ، إن صح ، وثبت : أني كنت قلته ، فقد علمته ، فهذا أيضا يرجع إلى المستقبل من حيث الصحة ، والثبوت.

[قال أبو الفتح] : وقد حذف الشرط ، وأقيمت أشياء مقامه. وذلك في الأشياء التي ، إذا كان جوابها بالفاء ، كان منصوبا ، وهو : الأمر ، والنهي ، وأخواتهما. ألا ترى : أنك ، إذا قلت : اضرب أكرمك ، معناه : إن تضرب أكرمك ؛ فحذف الشرط ، وأقيم الأمر مقامه. وقد جاء في التنزيل ، في غير هذه الأشياء. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (١٠) (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(٦) إلى أن قال : (يَغْفِرْ لَكُمْ) فجزم (يغفر) لأن قوله : (تؤمنون) ، في موضع : آمنوا ؛ كما يوضع الأمر مقام الخبر ، في نحو قوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)(٧) ؛ أي : ما أبصره ، وأسمعه.

وذهب المبرد (٨) ، إلى أنّ قوله : (يغفر) جزم ، جواب (هل أدلّكم). وأخطأ ؛ لأن المغفرة ، لا تجب بالدلالة على الإسلام ؛ لأن المغفرة تجب بالإيمان ، لأن من دله الرسول على الإسلام ، غفر الله له. ألا ترى أنه [صلّى الله عليه وسلّم] قد دعا أبا جهل إلى الإسلام ، ودلّه عليه ، ومع ذلك ، فهو مؤبّد في النار. وإنما ذلك ، لمن آمن ، خاصة. أعني المغفرة.

ومما يدل على أن الشرط ، في هذه الأشياء ، مراد ، قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ)(٩) ، فنصب قوله : (فأصّدّق) ، لما كان فيه الفاء ؛ وجزم : (أكن) ، حملا على موضع الفاء ، كما ذكرنا في شرط

__________________

(١) ٢ : سورة البقرة ٢٧١.

(٢) ٥ : سورة المائدة ٩٥.

(٣) في الأصل (قوله) والصحيح ما أثبته ؛ لأن التمثيل ليس قرآنا.

(٤) ٥ : سورة المائدة ١١٦.

(٥) ٥ : سورة المائدة ١١٦.

(٦) ٦١ : سورة الصف ١٠ ، ١١.

(٧) ١٨ : سورة الكهف ٢٦.

(٨) المقتضب ٢ : ٨٢.

(٩) ٦٣ : سورة المنافقون ١٠.

٣٠٨

الصحيح الصريح ، في نحو : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ)(١).

فأما قوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ)(٢) ، وقوله تعالى [١٢٩ / ا] : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦) (٣) ، بالرفع ، والجزم : فالرفع في الأول ، على أنه صفة للولي. والجزم : جواب الدعاء.

لأن المعنى : إن تهب لي وليا ، يرثني. وأما الرفع في قوله : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) فإن الفعل في موضع النصب ، على الحال ؛ أي : لا تمنن مستكثرا ، وهو قراءة السبعة.

وأما الحسن ، فإنه يجزم (٤) : (تَسْتَكْثِرُ) وله وجهان : الأول : أن تكون جواب النهي ، فجزم ؛ لأن النهي قائم مقام الشرط. والوجه الثاني : أن (تَسْتَكْثِرُ) ، كأنه وقف عليه ؛ لأنه من الفواصل ، فوّفق بينه ، وبين قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧) (٥) ، فيما بعد (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٥) (٦) ، فيما قبل ذلك ، والله أعلم.

باب التّعجب

التّعجب يكون بلفظين : أحدهما : ما أفعله ، والثاني : أفعل به.

فالأول : قولك : ما أحسن زيدا. وقد اختلف الناس في (ما) هذه. فذهب سيبويه (٧) إلى أنّ (ما) هاهنا : نكرة. ومعناه : شيء. وهو مرفوع بالابتداء. وما بعده ، جملة في موضع خبره. وذهب أبو الحسن (٨) إلى أنّ (ما) هاهنا ، بمعنى (الذي) موصول ، و (أحسن) صلته. وخبره مضمر. تقديره : الذي أحسن زيدا ، موجود. ولم يستعمل إظهاره ، كما لم يستعمل خبر المبتدأ الواقع ، بعد (لو لا) في قولهم : لو لا زيد لهلك عمرو.

وهذا الذي ذكره ، ليس بصحيح ؛ لأن (ما) إذا كانت موصولة ، كانت معرفة. والتعجب إنما يكون في شيء مستبدع منكور ، لا من شيء قد عرف ، ووجد. واللائق به : شيء أحسن زيدا ، وما يقوم مقامه (شيء).

[فإن قلت] : هذا التقدير ، لا يستتب (٩) لكم في جميع الأشياء. ألا ترى أنا نقول : ما أعظم الله ، ولو قدرناه تقدير : شيء أعظم الله ، كان كفرا.

[الجواب] : قولنا : ما أعظم الله ، وما أحسن زيدا ، وغير ذلك ؛ إنما هو تقدير. وفي الحقيقة ، هذا (الشيء) هو هو ، أو صفة فيه. لأنا إذا قلنا : ما أحسن زيدا ، فالتعجب من كمال حسنه. وإذا قلت : ما أعظم الله ، فالتعجب من كمال عظمته ، وقدرته ، على معنى أنّ هذا [١٢٩ / ب] الكمال ،

__________________

(١) ٧ : سورة الأعراف ١٨٦.

(٢) ١٩ : سورة مريم ٥ ، ٦.

(٣) ٧٤ : سورة المدثر ٦.

(٤) وكذلك جزم ابن أبي عبلة. مختصر في شواذ القرآن ١٦٤ ، ومجمع البيان ١٠ : ٣٨٣ ، وإتحاف الفضلاء ٤٢٧.

(٥) ٧٤ : سورة المدثر ٧.

(٦) ٧٤ : سورة المدثر ٥.

(٧) الكتاب : ١ : ٧٢.

(٨) الأصول ١ : ١١٥ ، ١١٦ ، وابن يعيش ٧ : ١٤٩.

(٩) أي لا يستقيم.

٣٠٩

ليس في غيره ، والكمال صفة له تعالى وتقدس ، لا أنّ هناك : [شيئا](١) أعظمه. وذلك شيء مغاير له ، فاعرفه.

و (أحسن) في قولك : ما أحسن زيدا ، فعل ، عندنا (٢). وقال الفراء : هو اسم. قال : لأنه قد جاء فيه التصغير (٣) ، لأنهم قالوا : ما أميلح زيدا ، وما أحيسنه! [قال الشاعر] :

٣١٢ ـ يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا

من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر (٤)

وهذا الذي ذكره ، ليس بحجة ؛ لأن التصغير ؛ إنما هو في الحقيقة ، لاحق للفاعل ؛ ولكنّه ألحق الفعل ، لأن الفاعل كالجزء من الفعل ، فتصغير الفعل ، كتصغير الفاعل. والدليل على أنّ (أحسن) هاهنا ، فعل ، قولك : ما أحسنني ، فتلحقه الضمير ، على حد إلحاقها في الأفعال ، دون الأسماء. ولو كان اسما لقيل : ما أحسني ، كما تقول : غلامي.

واعلم : أنه يزاد (كان) في باب التعجب ، فتقول : ما كان أحسن زيدا. ويكون إعراب المسألة ، بحالها إذا لم يكن فيها (كان) لأن (كان) كما قدمنا ، يكون مثل [قول الشاعر] :

٣١٣ ـ ...

على ، كان ، المسوّمة العراب (٥)

ألا ترى أن (على) قد عمل في المسومة ؛ فكذا هنا ، لا يتغير الإعراب. فإن قلت : ما أحسن ما كان زيد ، لم تكن (كان) زائدة ؛ وإنما تكون تامة ، كقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ)(٦).

فيكون (ما) مصدرية ، على تقدير : ما أحسن كون زيد ؛ كقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(٧). ف (ما) مصدرية. وتقديره : وكونهم جاحدين بآياتنا. فإن قلت : ما كان أحسن ما كان زيد. ف (كان) الأولى : زائدة. والثانية تامة. و (ما) مصدرية ، على ما تقدم.

واللفظ الثاني ، من لفظي التعجب : أفعل به.

قال الله تعالى : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ.) وقال في موضع آخر : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)(٨). فمعنى هذا : ما أسمعهم ، وما أبصرهم!. فالجار ، والمجرور ، في موضع الرفع لأنه فاعل. [قلت] ولهذا لم يثنّ ، ولم يجمع ، ولم يؤنث حين قلت : يا زيدان ، أجمل بعمرو ، ويا هند أجمل بزيد ، لأن المعنى :

__________________

(١) في الأصل : شيء

(٢) أي : عند البصريين. ينظر : الإنصاف (مسألة ١٥) ١ : ١٢٦.

(٣) الإنصاف ١ : ١٢٧.

(٤) البيت من البسيط ، نسب لعدة شعراء ، منهم : العرجي ، في ديوانه ١٨٣ ، كما نسب إلى مجنون ليلى ، وذي الرمة ، والحسين بن مطير ، وهو بهذه النسب المختلفة.

وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ١٢٧ ، والأشموني ٤ : ١٦٧ ، والمغني ٢ : ٦٨٢ ، وشافية ابن الحاجب ١ : ١٩٠ ، ٢٨٠ ، ٢٨٩ ، وهمع الهوامع ١ : ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ٥ : ٥٤ ، ٦ ، ١٥١ ، والخزانة ١ : ٩٣ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩ : ٣٦٣ ، والتاج (ملح) ٧ : ١٥٠.

(٥) عجز بيت من الوافر ، سبق ذكره رقم (١٠١).

(٦) ٢ : سورة البقرة ٢٨٠.

(٧) ٧ : سورة الأعراف ٥١.

(٨) ١٨ : سورة الكهف ٢٦.

٣١٠

يا زيدان ما أجمل عمرا ، ويا هند ، ما أجمل زيدا ؛ أي [تقول] شيء صيّر عمرا ذا جمال. كما تقول : أجرب الرجل [فإن قلت] فإذا كان الجار ، والمجرور ، في قوله : (أبصر بهم) ، في موضع الرفع لكونه فاعل (أسمع) فأين الفاعل ل (أبصر) وقد ذكرتم أن الفاعل لا يجوز حذفه ، فإن قلتم : فهو مضمر ، فما علامة الإضمار في قوله : (وأبصر)؟

[فالجواب] : الفاعل لا يحذف ولكن لما جرى ، هاهنا ، ظاهرا ، في الفعل الأول ، جاز إضماره في الثاني ، لجري ذكره ، مع الأول. ألا ترى أنّ سيبويه (١) ، لا يجيز العطف على عاملين ، كقولك : مررت بزيد في الدار ، والقصر عمرو ، على تقدير : وفي القصر عمرو ، لم يجز ذلك ، ثم أنشد [قول الشاعر] :

٣١٤ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرءا

ونار توقّد بالليل نارا (٢)

فقال : التقدير : وكلّ نار ، فأضمر (كلا) لجري ذكره في الأول ، ولم يعطفه على الأول. فكذا ، هنا ، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) و (ضربت) زيدا ، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) حتى تقول في التثنية ، في قولهم : ضربني ضرباني ، وضربت الزيدين. ثم أجاز حذف الفاعل في :

(أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) لجري ذكره في الأول.

[قال أبو الفتح] : وكل ما جاز فيه (ما أفعله) جاز فيه (أفعل به). وهو (أفعل منه) تقول : ما أحسن زيدا ، وأحسن به ، وزيد أحسن من عمرو. هذه الأشياء الثلاثة تستتب في الأفعال الثلاثية.

فأما ما زاد على ذلك ، أو كان في تقدير الزيادة ، لا يجيء منه أحد هذه الأشياء الثلاثة ؛ لأنه ، لا يمكن النطق به ، فإنما يتوصل إلى ذلك بفعل ثلاثي منه يصاغ لفظ التعجب ، ولفظ التفضيل ، ثم يوقع التعجب ، والتفضيل على مصدر ذلك الفعل الزائد على الثلاثي. كقولك في (دحرج) ما أشدّ دحرجة عمرو ، وأشدد بدحرجة عمرو ، وزيد أشدّ دحرجة من عمرو.

[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) (٣). قوله : (أعمى) : أفعل التفضيل ، وانتم لا تجيزون : ما أعمى زيدا ، وما أعور زيدا ، ولا تجيزون : أعم بزيد ، وأعور بزيد. فهذه الآية تبطل قولكم.

[الجواب] : نعم .. التعجب لا يجيء من هذه الأشياء ؛ لأن هذه الأشياء ، في تقدير الزيادة. ألا ترى [١٣٠ / ب)] : أن عور في معنى (أعور) لأن هذا المعنى ، أعني : الألوان ، والأدواء ، إنما وضع له (افعلّ). والدليل عليه تصحيح الواو ، في (عور) و (حول). ولو لم يكن في معنى (اعورّ) و (احولّ) لقيل : عار ، وحال ، كما قالوا في (خوف) : خاف وفي (نوم) : نام ، إلا أنه قيل : ما أشدّ حوله ، وهو أشدّ عورا من زيد. وأما الآية ، فإن قوله (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) قالوا فيه : إنه من عمى القلب ، لا من عمى العين. فاعرفه.

__________________

(١) الكتاب ١ : ٦٦.

(٢) سبق ذكره رقم (٢٢٧) ، (٢٧٨).

(٣) ١٧ : سورة الإسراء ٧٢.

٣١١

وأما قوله : لا يقال : ما أحمره ، من الحمرة ، فهو صحيح. ولكن يقال من الحماريّة : ما أحمره ، وهو أحمر منه ، وزيد أحمر من عمرو. وأحمر بزيد. وكذلك يقال في السيادة : ما أسود زيدا ، وأسود بزيد ، وزيد أسود من عمرو. ولا يقال من السّواد ذلك. لا يقال : ما أسود زيدا ، وإنما يقال : ما أشدّ سواد زيد.

[فإن قلت] : فإن أبا الطيب ، قد قال :

٣١٥ ـ ...

لأنت أسود في عيني من الظّلم (١)

وهو (أفعل) التفضيل.

[قلت] : إنّ معنى هذا : لأنت أسود من الظّلم في عيني. ف (من) صفة أسود ، وليس لابتداء غاية الذي في قولك : زيد أسود من عمرو. قالوا : وقوله : من الظلم ، هو المستعمل ثلاث ظلم.

أي : أنت أحد هذه الظلم.

باب نعم وبئس

اعلم أنّ : نعم وبئس : فعلان ماضيان ، غير متصرفين ، ومعناهما المبالغة في المدح ، والذم.

وأصله : نعم ؛ فأسكنت العين ، ونقلت حركتها إلى الفاء ، فقيل : نعم. وفيه أربع لغات : نعم ، ونعم ونعم ونعم. وفيه لغة خامسة ، وهي : نعيم ، والدليل عليه قول الله ، سبحانه ، وتعالى ، في قراءة من قرأ : (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(٢) بفتح النون ، والميم (٣). وقد قرئت فيه هذه اللغات في كتاب الله : (فَنِعِمَّا هِيَ) ، و (فَنِعِمَّا هِيَ)(٤) و (فَنِعِمَّا هِيَ)(٥). وبئس ، يجوز فيه هذه اللغات إلّا في قوله : نعيم. فنعم ، على أصله. ونعم : نقلت حركة العين إلى الفاء. ونعمّا : أسكنت حركة العين ، وبقيت الحركة التي قبلها ، على ما كانت عليه ، ولم تنقل إليه حركة العين. ونعيم : أشبعت الكسرة. ونعم ، وبئس :

__________________

(١) البيت من البسيط ، وصدره :

ابعد ، بعدت بياضا لا بياض له

 ...

وهو في : ديوانه ٤ : ٣٥.

(٢) ١٣ : سورة الرعد ٢٤.

(٣) وهو : ابن وثاب ، وقد قرأها بفتح النون ، والميم ، وكسر العين : ابن يعمر. مختصر في شواذ القرآن ٦٦ ، والمحتسب ١ : ٣٥٦ ، والكشاف ٢ : ٣٥٨.

(٤) ٢ : سورة البقرة ٢٧١. من قرأ (فنعما) بفتح النون ، والميم ، وكسر العين. هم : ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش ، واعتبرها الفخر الرازي قراءة سائر القراء ؛ إذ قال : (من قرأ بهذه القراءة فقد أتى بهذه الكلمة على أصلها) ، وهي (نعم). قال طرفة :

نعم الساعون في الأمر المبر

 ... البيت

ومن قرأ (فنعما) بكسر النون ، والعين ، هم : أبو عمرو ، وعاصم ، ونافع ، وابن كثير ، ويعقوب ، والأعشى ، والبرجمي.

إعراب القرآن ـ للنحاس : ١ : ٢٩٠ ، والحجة ـ لابن خالويه ١٠٢ ، وحجة القراءات ١٤٧ ، والتيسير ٨٤ ، وتفسير التبيان ٢ : ٣٥٠ ، والكشاف ١ : ٣٩٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٨٣ ، وتفسير الرازي ٧ : ٧٧ ، ٧٨ ، وتفسير القرطبي ٣ : ٣٣٤ ، والبحر المحيط ٢ : ٣٢٤ ، والنشر ٢ : ٢٣٥ ، وإتحاف الفضلاء ١٦٥.

(٥) لم أقف على هذه القراءة.

٣١٢

فعلان إلا أنهما لمّا تضمنتا معاني ؛ وتلك المعاني لا تستفاد إلا من الحروف ، ولا توجد إلا في الحروف ، منعا التّصرف ، كالحروف ، وهو [١٣١ / ا] دلالتهما على المدح ، والذم ، تشبيها بالحروف ، فمنعا التصرف. واعلم أن فاعليهما لا يكونان إلا اسمين معرفين باللام ، تعريف الجنس.

فنقول : نعم الرجل زيد. فنعم : فعل. والرجل : مرفوع بفعله. وفعله (نعم). والألف ، واللام : لاستغراق الجنس. وفي (زيد) وجهان : فمنهم من قال : إن (زيدا) رفع بالابتداء. والجملة التي قبله ، من فعل ، وفاعل : خبره.

[فإن قلت] : قد ذكرتم أنّ الجملة إذا كانت خبرا عن المبتدأ ؛ فلا بد فيها من ضمير يعود إلى المبتدأ ، وهاهنا ، الجملة خبر المبتدأ ، ولا ضمير فيها ، فأين الضمير؟.

[الجواب] : قلنا : إنّ الجملة ، إنما تحتاج إلى ضمير يعود إلى المبتدأ ، إذا كانت الجملة أجنبية لا تحتمل المبتدأ ، وهاهنا ، الجملة ليست بأجنبية ؛ لأنها تحتمل المبتدأ وغيره. والرجل ، هاهنا ، انتظم (زيدا) وغيره. وإذا كان كذلك ، فلا احتياج بعد ذلك ، إلى ضمير يعود من الجملة إلى المبتدأ.

والثاني : أن يكون (زيد) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هو زيد ، على ما ذكر في الكتاب (١).

ويكون فاعلاهما مضمرين ، على شريطة التفسير ، معرّفين ، مفسّرين بمنكور بعدهما. فنقول : نعم رجلا زيد. أي : نعم الرجل رجلا زيد. فلما أضمرت المعرّف ، فسرته بقولك : رجلا. والمضاف إلى اللام كاللام ، أي : له حكم الاسم الذي دخله الألف ، واللام. فتقول : نعم غلام الرجل زيد ، وبئس وافد العشيرة بكر. والتقدير : نعم الغلام ، وبئس الوافد. وقوله : نعم رجلا ، رجلا : نصب على التمييز. فإن كان الفاعل مؤنثا ، كنت في إلحاق العلامة ، وتركها مخيرا. فإن شئت قلت : نعم المرأة هند ، وإن شئت قلت : نعمت المرأة هند ، والترك أولى من الإلحاق. قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)(٢) ، فلم يلحق العلامة ، في نعم ، مع أنّ الدار مؤنثة ، هاهنا. فمن ألحق العلامة ، قال : هذا فعل كسائر الأفعال ، ومن لم يلحقها قال : لأنه أراد بقوله : نعم المرأة ، جنس النساء ، والجنس مذكر ، فغلب المذكر على المؤنث ، فقال (نعم) بغير العلامة.

باب حبّذا

(حبذا) ليس له من الأفعال نظير ، من وجهين [١٣١ / ب] :

[الأول] : أنّ أصله : حبب. وحبب : بناء لازم ، مثل : كرم. وفعل ، أبدا ، لا يتعدّى. وقد جاء ، مع كونه لازما ، منه : محبوب. ومحبوب يجيء من المتعدي ، مثل المضروب : من (ضرب) ومقتول من (قتل) هذا هو الظاهر.

وقد تأولوا (محبوبا) فقالوا : هذا ما حذفت منه الزيادات ، كقولهم ، في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْنَا

__________________

(١) الكتاب ٢ : ١٧٧. وفيه : (كأنه قال : نعم الرجل ، فقيل له : من هو؟ فقال : عبد الله).

(٢) ١٦ : سورة النحل ٣٠.

٣١٣

الرِّياحَ لَواقِحَ)(١) ، على تقدير : ملقحات. وقالوا : أسعد ، فهو : مسعود ، على تقدير : مسعد. وكذا (محبوب) من : أحبّ هو ، على تقدير : محبّ ، فحذفت. وقد قيل : حبّ ، جاء متعديا. قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي)(٢) ، فيمن قرأ بفتح التاء (٣). فعلى هذا ، لا إشكال في (محبوب).

[الثاني] : في خروج (حبذا) من نظائره : أنه جعل مع (ذا) بمنزلة شيء واحد. فأجروها مع (ذا) مجرى فعل واحد ، فقالوا : هو بمنزلة (نعم) في المدح. فقالوا : حبذا الرجل زيد ، وحبذا رجلا زيد. كما تقول : نعم الرجل زيد ، ونعم رجلا زيد. ومنهم من يجري حبذا مجرى الاسم ، فيقول :

حبذا زيد ، ويرفع (حبذا) بالابتداء ، وزيد في موضع خبره.

[فإن قلت] : فإنّ الفعل ، لا يكون ، قط ، مرفوعا بالابتداء. لم يقولوا في : ضرب زيد : إنّ (ضرب) مرفوع بالابتداء ، وزيد : في موضع خبره ؛ فكيف قالوا : حبذا : مرفوع بالابتداء ، وزيد في موضع خبره؟.

[الجواب] : قلنا : إنّ هذا الفعل ، لمّا جعل مع (ذا) بمنزلة شيء واحد ؛ و (ذا) اسم ؛ تبع الفعل الاسم ، فسقط حكم الفعل منه ، وكان الحكم ل (ذا) وهو اسم. فكما إذا قالوا : ذا زيد ؛ ارتفع (ذا) بالابتداء ، وزيد في موضع خبره ، فقالوا في (حبذا) كذلك ؛ إذ حكم الفعل ، لمّا تبع الاسم ، حكم الاسم ؛ لأن الأصل في الكلام ، الأسماء. والأفعال فروع عليها ؛ بدليل أن الكلام يستقل من الاسم ، ولا فعل معه. وإذا كان كذلك صح أن قوله : حبذا : مرفوع بالابتداء.

وفي (حبذا) بهذه اللفظة ، دليل على أن الفاعل يجري من الفعل ، كأحد حروفه. ولهذا المعنى بقّوه في المذكر ، والمؤنث ، على لفظة واحدة ، ولم يقولوا : حبذه ؛ لأنه يراد [١٣٢ / ا] به الجنس فيما بعده ، ويجري (ذا) من (حبّ) كحرف من حروفه.

وقول أبي الفتح ، أولا ، حبذا زيد : حبذا : مرفوع بالابتداء ، وزيد : خبره ، هو على الوجه الذي قدّمنا. وقوله : من بعد (حبذا) يجري مجرى (نعم) يعني في قولهم :

٣١٦ ـ يا حبّذا القمراء ،

والليل السّاج (٤)

كما تقول : نعم الرجل. فإن قولك : نعم الرجل ، تقديره : نعم الرجل زيد ، فحذف للعلم به.

قال الله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٥) ، أي : أيوب فحذف للعلم به. قال الله

__________________

(١) ١٥ : سورة الحجر ٢٢.

(٢) ٣ : سورة آل عمران ٣١.

(٣) وهي قراءة أبي رجاء العطاردي. الكشاف ١ : ١٨٤ ، والبحر المحيط ٢ : ٤٣١.

(٤) من الرجز ، وبعده :

 ...

وطرق مثل ملاء النّسّاج

وهو بلا نسبة في مجمع البيان ١٠ : ٥٠٤.

(٥) ٣٨ : سورة ص ٤٤.

٣١٤

تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ)(١) ، فيجوز أن يكون (الذين) جرا ، صفة للقوم.

والمخصوص بالذم محذوف. والتقدير : بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله ، مثلهم. ويجوز أن يكون التقدير : بئس مثل القوم ، مثل الذين. فحذف المضاف ، وارتفع الذين ؛ لقيامه مقام المضاف. فأما قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا)(٢) ف (ما) موصول. والجملة : وصل له. و (أن يكفروا) هو المخصوص بالذم. والتقدير : بئس المشترى به أنفسهم ، كفرهم. وقد قدر قوم (ما) منكورا ، في تقدير : شيء. والجملة : وصف له ، والوجه الأول. ومثله قوله تعالى : (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(٣) ؛ أي : نعم الذي يعظكم به وعظه. فحذف المخصوص بالمدح. ويجوز : نعم شيئا يعظكم به وعظه. فتكون الجملة وصفا.

والفصل بين نعم ، وما عمل فيه ، قد جاء بالظرف ، نحو قوله : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٤). ولم يجيزوا في التعجب ، نحو : ما أحسن اليوم زيدا. وعلى هذا القياس ، جائز. أعني : بئس اليوم ، الرجل زيد.

باب عسى

اعلم أنّ (عسى) فعل ، غير متصرف. وإنما قلنا : غير متصرف ؛ لأنه للطمع ، والإشفاق ، فأشبه (لعلّ). و (لعلّ) لم يتصرف ؛ لأنه للطمع ، ولأنه حرف. فكذلك ما يشبهه ، وجب أن لا يكون متصرفا. و (عسى) هاهنا ، بمنزلة (لعل) فلهذا ، قلنا : لا يتصرف. و (كاد) و (عسى) من باب واحد. و (كاد) للمقاربة ، و (عسى) أيضا للمقاربة. إلا أن (كاد) أشدّ مقاربة من (عسى) لأن (كاد) للحال ، و (كاد) [١٣٢ / ب] مشبّه ب (عسى) و (عسى) مشبه ب (لعل) وقد يقال : كاد يكاد ، ويجيء منه المستقبل.

[فإن قلت] : لم جاء المستقبل من (كاد) ولم يجئ من (عسى)؟.

[الجواب] : أنا نقول : (عسى) مشبه ، ب (لعلّ) و (كاد) مشبه ب (عسى) ف (عسى) بمشابهته الحرف ، أقرب ، وأولى ؛ فقلنا : إنه لا يجيء منه المستقبل. فأما (كاد) فمشبه ب (عسى) فجاز أن يأتي منه المستقبل. ولمعنى آخر ، وهو : أنّ (عسى) لا يكون إلا للطمع. والطمع لا يصح إلا في الاستقبال.

فأما الطمع فيما مضى ، من الأزمنة ، فمحال. فلما كان كذلك ، قلنا : إنه يبنى منه (فعل) ولا يبنى منه المستقبل ؛ لأن الماضي أخف من المستقبل ، لأن في المستقبل ، حرفا زائدا ، على الماضي ؛ فاخترنا الماضي لخفته ، واكتفينا بأن يقوم في الدلالة على المستقبل ، لأن (أن) من دلالات المستقبل ، فاكتفينا به ، لأنه بمعنى الطمع. والطمع يصح في المستقبل ، لأنا لو قلنا : إنه يبنى منه فعل المستقبل ، فيقال (يعسو) كان يقع على الحال ، وعلى الاستقبال. والطمع لا يصح في الحال.

__________________

(١) ٦٢ : سورة الجمعة ٥.

(٢) ٢ : سورة البقرة ٩٠.

(٣) ٤ : سورة النساء ٥٨.

(٤) ١٨ : سورة الكهف ٥٠.

٣١٥

فيقال : إنه يبنى على صيغة لا تحتمل إلا شيئا واحدا ، فبنيناه على الفعل الماضي ، وإن كان للاستقبال.

واعلم أنّ (عسى) إنما منع التصرف ، لأنه تضمن معنى (لعلّ). فلما دل على معناه ، وتضمنه ، وهو الطمع ، فمنع التصرف ؛ لأن الحروف وضعت للمعاني ، والأفعال وضعت لدلالتها على الزمن ، والحدث. والأسماء وضعت لدلالتها على المسميات. فإذا رأيت فعلا تضمن ما يدل عليه الحرف ؛ فإنه يمنع عن التصرف ، وإذا رأيت اسما تضمن معنى الحرف الذي يدل عليه ، فإنه يمنع التصرف.

واعلم أنّ (عسى) يرفع الاسم ، وينصب الخبر. إلا أن خبره ، لا يكون إلا فعلا مستقبلا يدخله (أن). تقول : عسى زيد أن يقوم. فوقوع الفعل ، بعد (عسى) أظهر للمقصود. ولأن (عسى) إنما وضع للطمع ، والمقاربة. والطمع في الاستقبال يوجد. فقلنا : إنّ خبره ينبغي أن يكون فعلا مستقبلا ؛ ليكون أقرب إلى المعنى ؛ لأنه ، لما غيّر من المستقبل ، إلى الماضي ، احتاج [١٣٣ / أ] إلى شيء يعرف به. و (أن) معناه : الاستقبال. فما وجدناه إلا أن يدخله (أن) لأنّ (أن) يدخل على الأفعال المستقبلة. ولا يجوز أن تقول : عسى زيد قائما ، لما ذكرناه ؛ وإن أتى في الأصل المرفوض : (عسى الغوير أبؤسا) (١). فعلم بهذا أن خبر (عسى) في موضع النصب. وكان من الواجب أن يقال : عسى الغوير أن يبأس. إلا أنهم ذهبوا إلى أصل مرفوض.

واعلم أنّ (كاد) يشبّه ب (عسى) بأن يدخل على خبره (أن). فتقول : كاد زيد أن يقوم.

و (كاد) خبره لا يكون إلا حالا. و (عسى) أيضا ، يشبّه ب (كاد). فتجعل خبره فعلا ، حالا.

تقول : عسى زيد يقوم. وإنما اختص الحال ب (كاد) لأن (كاد) للمقاربة. والحال أقرب إليه من غيره ، فاختصّ به.

و (عسى) و (كاد) يرفعان الاسم ، وينصبان الخبر. والدليل على أنّ (كاد) يدخل على خبره (أن) فتقول : كاد زيد أن يقوم [قول الشاعر] :

٣١٧ ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا (٢)

واعلم أنّ (عسى) يدخل عليها الضمير ، ويتأكد شبهيتها ب (لعل). ثم عند ذلك ، ينصب الاسم ، ويرفع الخبر. فتقول : عساني أفعل. وهذا لا يكون إلا في المضمرات. فأما في المظهرات ، فلا [قال الشاعر] :

٣١٨ ـ ولي نفس ، أقول لها إذا ما

تنازعني : لعلّي ، أو عساني (٣)

__________________

(١) مجمع الأمثال (٢ : ١٧) (رقم ٢٤٣٥).

(٢) من الرجز ، لرؤبة ، وقبله :

 ...

رسم عفاه الدهر طولا فامّحى

وهو في : ديوانه ١٧٢ ، والكتاب ٣ : ١٦٠ ، والإنصاف ٢ : ٥٦٦.

(٣) البيت من الوافر ، لعمران بن حطان ، في : الكتاب ٢ : ٣٧٥ ، والتحصيل ٣٣٧٥ ، وابن يعيش ٣ : ١٠ ، ١١٨ ، ١٢٠ ، ٧ : ١٢٣.

وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٧٢ ، والخصائص ٣ : ٢٥.

٣١٦

لما كان معه نون العماد ، دل ، أنه منصوب. والتقدير : عساني أنازعه. فالياء : اسم (عسى) وهو في موضع النصب. وأنازعه : خبره ، وهو في موضع الرفع.

[فإن قلت] : إنكم قلتم : إنّ خبر المبتدأ ، مشبّه بالفاعل. والفاعل لا يجوز حذفه ، فكذلك خبر المبتدأ المشبّه به ، وجب أن لا يحذف ، وقد حذفتم ، هاهنا.

[الجواب] : قلنا : هو مشبّه بالفاعل ؛ ولكن ، هاهنا ، لما أعمل فيه الحرف ، خرج عن شبهية الفاعل ؛ فجاز حذفه.

واعلم أنك تقول : عسى زيد أن يقوم. ف (زيد) اسم (عسى). وأن يقوم : خبره. [وإن شئت] ، قدم (زيدا) الذي هو الاسم ، هاهنا : فتقول : زيد عسى أن يقوم. وفي التثنية : الزيدان عسيا أن يقوما. وفي الجمع : الزيدون عسوا أن يقوموا. فتظهر الضمير ؛ لأن في (عسى) ضمير زيد ؛ فدخل عليه [١٣٣ / ب] الضمير. وكذلك في المؤنث ، تقول : هند عست أن تقوم. والهندان عستا أن تقوما. والهندات عسين أن يقمن. ويجوز أن تجعل : أن يقوم : اسم (عسى) وإذا جعلت (أن يقوم) اسم (عسى) وأقمته مقامه ؛ فإنه يستغني عن الخبر. لأنّ (أن يقوم) يدل على القيام. فتقول في هذه الصورة : عسى أن يقوم زيد. فإذا قدمت (زيدا) في هذه الحالة ، تقول : زيد عسى أن يقوم ، والزيدان عسى أن يقوما ، والزيدون عسى أن يقوموا. لأن (أن يقوم) هي الفاعلة ، والضمير فيها ، كما ذكر أبو الفتح ، في الكتاب ، والله أعلم.

باب كم

اعلم أن (كم) اسم مفرد ، لعدد مبهم. وهو مبني على السكون. وإنما بني ، لأنه تضمن معنى الحرف الذي هو همزة الاستفهام. فبني ؛ لأن الاسم ، إذا تضمن معنى الحرف يبنى. و (كم) هاهنا ، في الاستفهام ، تضمن معنى همزة الاستفهام. لأنك ، إذا قلت : كم غلاما جاءك ؛ فكأنك قلت : أعشرون أم ثلاثون ، أم عشرة. فلما تضمن ذلك بني. هذا ، إذا كان استفهاما ، فأما إذا كان خبرا ، فإنه يبنى ، أيضا : لأنه ، هناك ، محمول على نقيضه. ونقيضه (ربّ) لأن (كم) للتكثير ، و (ربّ) للتقليل ، و (ربّ) مبني ؛ فكذلك ، أيضا ، ما هو نقيضه ، وجب أن يكون مثلها ؛ لأنه قد جرت ، من عادة العرب ، حمل النقيض على النقيض ، والنظير على النظير. وإذا كان خبرا ، فإنه يكون له صدر الكلام ؛ ك (ربّ) سواءا.

[فإن قلت] : ولم قلتم : إنّ (ربّ) لها صدر الكلام؟.

[الجواب] : لأن (ربّ) للتقليل ، والتقليل كالنفي. وللنفي ، والاستفهام ، صدر الكلام ، اعتناءا بهما. فإذا قلت في الاستفهام : كم غلاما جاءك. فإن (كم) موضعه : رفع بالابتداء. و (غلاما) نصب على التمييز. و (جاءك) رفع ، خبر المبتدأ.

و (كم) مع ما بعده ، بمنزلة : أحد عشر ، إلى تسعة وتسعين. ويكون ما بعدها منصوبا ، كما كان منصوبا في الأعداد.

[فإن قلت] : ولم شبهتموه بالأعداد؟.

٣١٧

[الجواب] : قلنا ، لأنه سؤال عن الأعداد. فلما كان سؤالا ، عن الأعداد ، جرى مجرى العدد.

ثم ما بعد العدد ، يكون منصوبا على التمييز ، ويكون نكرة ، فكذلك ، أيضا ، ما بعد (كم).

[فإن قلت] : [١٣٤ / أ] : ولم كان نكرة مفردة. أعني ما بعد الأعداد ، وبعد (كم)؟.

[قلت] : لأن النكرة ، أخف من المعرفة ، ولأن المقصود من الذي بعد (كم) إنما هو معرفة الجنس. والجنس يعرف بهذه النكرة. والنكرة أخف من المعرفة ؛ فلهذا قلنا : إنّ النكرة تقع بعد الأعداد.

وأما إذا كانت خبرية ، فإن ما بعدها ، مجرور ، كما بعد (ربّ). فتقول : كم غلام جاءك ؛ في الخبر. فإن فصلت بين الجار ، والمجرور ، انتصب النكرة بعدها على التمييز. فتقول : كم حصل لي غلاما. أي : ربّ غلام حصل لي. وإنما النصب ، لأن الفصل بين الجار والمجرور قبيح ، فانتصب.

ومنهم من يعمله ، مع الفصل ، ويجر ما بعد (كم). [قال الشاعر] :

٣١٩ ـ كم بجود ، مقرف نال العلا

وكريم ، بخله قد وضعه (١)

وتقديره : كم مقرف بجود ؛ ففصل بين الجار ، والمجرور ، ومع ذلك ، لم يبطل عمل الجار.

ومنهم من ينصب ما بعد (كم) إذا كانت خبرية ، تشبيها ب (كم) الاستفهامية. وأما [قول الشاعر] :

٣٢٠ ـ كم نالني منهم فضلا ...

 ... (٢)

فالتقدير : كم فضل نالني منهم. وقوله : من الإقتار أجتمل ، بالجيم. أي : لا أكاد أذيب الشحم من الإقتار. والحاء ، فاسد ، هاهنا ، لا معنى له. وأما [قول الشاعر] :

٣٢١ ـ كم عمّة ، لك يا جرير ، وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (٣)

[ف](٤) (عمة) يجوز فيه : الرفع ، والنصب ، والجر. فأما النصب ، فإنه يكون على التمييز.

ويكون (كم) استفهامية ، وموضعها : رفع بالابتداء. وحلبت : خبرها. وإذا كانت (العمة) مرفوعة ؛ فإن (عمة) تكون رفعا بالابتداء ، وحلبت : خبرها. و (كم) نصب على الظرف. لأن (كم) إذا

__________________

(١) البيت من الرمل ، لأنس بن زنيم ، في الخزانة ٦ : ٤٦٨.

وبلا نسبة في الكتاب ٢ : ١٦٧ ، والتحصيل ٢٩٧ ، والمقتضب ٣ : ٦١ ، والإنصاف ١ : ٣٠٣ ، وابن يعيش ٤ : ١٣٢.

(٢) هذه قطعة بيت من البسيط ، وتمامه :

كم نالني منهم فضلا على عدم

إذ لا أكاد من الإقتار أجتمل

وهو للقطامي في : ديوانه ٦ ، والكتاب ٢ : ١٦٥ ، والتحصيل ٩٦ ، وابن يعيش ٤ : ١٣١ ، والخزانة ٦ : ٤٦٩ ، ٤٧٧ ، ٤٧٨ ، ٤٨٣.

وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٦٠ ، والإنصاف ١ : ٣٠٥.

(٣) البيت من الكامل ، للفرزدق ، في : ديوانه ١ : ٥٨٣ ، والكتاب ٢ : ٧٢ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، والتحصيل ٢٦٣ ، والمقتضب ٣ : ٥٨ ، وابن يعيش ٤ : ١١٣٣ ، وشفاء العليل ٢ : ٥٨٠.

وبلا نسبة في : الأشموني ١ : ٢٧٧ ، ٢٨٨ ، وهمع الهوامع ٤ : ٨١.

(٤) ليست في الأصل ، وزيدت الفاء الرابطة للسياق.

٣١٨

وقعت على الظرف ، تكون ظرفا ، وإذا وقعت على المصدر ، فإنها تكون مصدرية. فهاهنا ، نصب على المصدر ، أو الظرف.

والتقدير : كم حلبة ، أو : كم مرة حلبت. والعامل فيه قوله : حلبت ، أو الفعل في جميع المواضع.

واعلم أنّ (كم) تكون فاعلة ، ومفعولة ، ومجرورة. فأما الفاعلة : تقول : كم رجلا جاءك.

ف (كم) [١٣٤ / ب] ، موضعها : رفع بالابتداء. ورجلا : نصب على التمييز. وجاءك : رفع ، خبر الابتداء. وأما المفعولة ، نحو : قولك : كم إنسانا ضربت. فإنّ موضعها نصب ، وهي مفعولة. وأما المجرورة : فتقول : بكم إنسان مررت. ف (كم) مجرورة. والباء : تتعلق ب (مررت) وتقول : بكم ثوبك مصبوغ. فثوبك : رفع بالابتداء. ومصبوغ : خبره. وقولك : ب (كم) يتعلق ب (مصبوغ) والسؤال ، هاهنا ، عن أجرة الصبغ. وبكم ثوبك مصبوغا : ثوبك : رفع بالابتداء. وبكم خبره.

ومصبوغا : نصب ، على الحال ، والسؤال ، هاهنا ، عن ثمن الثوب. فكأنه قال : بكم ثوبك ، في حالة ما هو مصبوغ.

واعلم أنّ (كم) مفرد اللفظ ، مجموع المعنى. فهو ك (من) و (كلّ) ؛ لأن كل واحد منهما مفرد اللفظ ، مجموع المعنى. والدليل عليه ، قوله ، سبحانه : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً)(١). فقال : شفاعتهم ، فجمعه ، وحمله على المعنى. وكذلك قوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) (٢). فجمعه ، وحمله على المعنى. وأما (من) فقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ)(٣). فأفرد ما بعده ، وحمله على اللفظ. وكذلك : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ)(٤) ، فجمعه ، وحمله على معناه.

وأما (كلّ) فقوله تعالى : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٥). فجمعه ، وحمله على المعنى. وقال في موضع آخر : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) (٦) فأفرده ، وحمله على اللفظ.

واعلم أنّ (كم) إذا كانت استفهامية ، فإنه يفرد ما بعده. فتقول : كم رجلا ، ولا يجوز أن يقال : كم رجالا ، كما في الأعداد ؛ ولأن المقصود ، إنما هو العدد ، والسؤال عن العدد ، وعن الجنس ، وبهذا يحصل. ولفظ النكرة أخف من لفظ المعرفة. والله أعلم.

باب ما ينصرف وما لا ينصرف

اعلم أنّ الأصل في الأسماء : الصرف ؛ وذلك ، لأنها متمكنة. فلتمكنها استحقّت الصرف. فأما إذا عارض التمكن سببان من هذه الأسباب التسعة التي ذكرها ، فيكون كل واحد من السببين فرعا على أصل ، فإنهما [١٣٥ / أ] يمنعان الصرف ، ويزيلان التمكن ، ولكن لا يوجبان البناء. والمقصود

__________________

(١) ٥٣ : سورة النجم ٢٦.

(٢) ٧ : سورة الأعراف ٤.

(٣) ١٠ : سورة يونس ٤٣.

(٤) ١٠ : سورة يونس ٤٢.

(٥) ٢٧ : سورة النمل ٨٧.

(٦) ١٩ : سورة مريم ٩٥.

٣١٩

بمنع الصرف : إنما هو التنوين فقط. ولكن إذا لم يدخل التنوين ، فيما لا ينصرف ، فإن الجر ، أيضا لا يدخله ؛ تبعا للتنوين. لأن الجر يعاقب التنوين ؛ وإنما لم يدخله الجر ؛ تبعا للتنوين.

[فإن قلت] : فلم قلتم بأنه إذا لم يدخله التنوين ، وجب أن لا يدخله الجر؟.

[الجواب] : لأن التنوين من خصائص الأسماء ، والجر ، أيضا ، من خصائصها. فحيث دخل التنوين ، دخل الجر.

فأما إذا دخل الألف ، واللام هذا الاسم ، أو أضيف ، فإنه يدخله الجر. وذلك لأنه ، هناك ، أمن من دخول التنوين ، فلما أمن من دخول التنوين عليه ، دخله الجر ؛ لأن الجر ، إنما لا يدخل في اسم ، لا يدخله التنوين ، ويمكن أن يدخله. فهاهنا ، لما لم يمكن أن يدخله التنوين ، دخله الجر. فنقول : هذا أحمد ، ورأيت أحمد ، ومررت بأحمد. فقوله : مررت بأحمد. أحمد : مجرور ، وعلامة الجر فيه ، فتحة الدال. وهو كما تقول ، في قولك : رأيت مسلمات ، فإنه منصوب. وعلامة النصب فيه : كسرة التاء. فكذلك ، أيضا ، هاهنا. والفتحة ، في قوله : مررت بأحمد ، فتحة إعراب ، لا فتحة بناء ، كما ذكرنا. ولأن الشبهية بالأفعال ، لا توجب البناء ؛ وإنما تمنع الصرف ، والشبهية بالحروف توجب البناء ، وهاهنا ، لم توجد الشبهية بالحروف ؛ فلهذا قلنا : إنّ هذه الفتحة ، في حالة الجر ، فتحة إعراب ، لا فتحة بناء.

[فإن قلت] : يجوز أن يكون هذا الاسم ، في حالة الرفع ، والنصب معربا ، وفي حالة الجر مبنيا ، لأن المعرب قد يعود مبنيا. هذا كما تقول ، في قولك : يا زيد. وذلك لأن (زيدا) معرب. ثم يطرأ عليه ما يبنيه ، فكذلك ، أيضا ، جاز أن يكون ، هاهنا ، في حالة الرفع ، والنصب معربا ، وفي الجر يعود مبنيا.

[الجواب] : قلنا : ليس كذلك ، وذلك ، لأن في المنادى ، إنما بني لأنه وقع موقع المضمر ، فبني. وهاهنا ، لم يقع موقع المضمر ، فلم يبن.

والأسباب التي تمنع الصرف : تسعة ، وهي : وزن الفعل الذي يغلب عليه ، أو يخصه ، والتعريف ، والتأنيث لغير فرق ، والألف ، والنون المضارعتان لألفي التأنيث ، والوصف ، والعدل [١٣٥ / ب] ، والجمع ، والعجمة ، وأن تجعل الاسمين اسما لشيء واحد.

الأول : وزن الفعل الذي يغلب عليه ، أو يخصه : وقولنا : يغلب عليه ، يعني (الأغلب) أنه إنما يكون في الأفعال ، ولا يكون في الأسماء ، إلا نادرا. لأن قوله : يضرب ، ويشتم ، وغير ذلك من الأفعال التي تأتي على وزن (يفعل) فإن أكثره ، وأغلبه ؛ إنما يوجد في الأفعال. فأما الأسماء ، فإنه عدة أسماء على وزن (يفعل) نحو : يزيد ، ويشكر ، وتغلب ، وغير ذلك. فالأغلب الذي يكون على هذا الوزن ، فإنه يكون في الأفعال.

وقولنا : يخصه : معناه : يختص بالفعل ، ولا يوجد في الأسماء اسم على هذا الوزن ، وهو مثال (انفعل) أو (فعل) فإنه لا يوجد في الأسماء اسم على هذا الوزن إلا قولهم : أنقحل ، ودئل. وهما شاذان ، لا يقاس عليهما كل ما كان على وزن (أفعل) و (يفعل) و (نفعل) و (تفعل) و (فعل) و (انفعل). فإن بعض هذه الأوزان ، أغلبها في الفعل ، وبعضها يختص بالفعل. فإذا سميت بهذه

٣٢٠