أبي الفتح عثمان بن جنّي
المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠
الألف ، واللام على (الحسن) صح ، وجاز ، لأن الإضافة غير محضة. والدليل على أن في قولك : حسن الوجه ، ضميرا ، أنك لو قلت : مررت برجل حسن الوجه أبوه ، فترفع (الأب) ب (حسن) صح ، وجاز. وإذا ارتفع به الظاهر ، كان الضمير فيه مرفوعا ، إذ لم تذكر الظاهر. وكذلك ، لو قلت : مررت بامرأة حسنة الوجه ، أنثت (حسنة) لأن فيه ضميرا يعود إلى الأول فيجوز في قولك : مررت برجل حسن وجهه ، عشرة أوجه :
[أحدها] : هذا ، وهو رفع الوجه ب (حسن) مضافا إلى ضمير الرجل.
[الثاني] : مررت برجل حسن الوجه ، فتجعل في (حسن) ضميرا ، وتضيفه إلى الوجه.
[الثالث] : مررت برجل حسن وجه ، فتنكر (الوجه).
[الرابع] : مررت برجل حسن وجها ، فتنصب (وجها) على التمييز ، والتشبيه بالمفعول.
[الخامس] : مررت برجل حسن الوجه ، فتنصب (الوجه) تشبيها بالمفعول.
[السادس] : مررت برجل حسن الوجه ، فترفع (الوجه) عندنا ، لأنه بدل من الضمير ، في (حسن) وقال الكوفي : ترفع الوجه ب (حسن) وتقدر الضمير ، كأنك ، قلت : مررت برجل حسن الوجه منه ، فحذفت (منه). أو يكون الألف ، واللام قائما مقام الضمير ، كما [قال الشاعر] :
٢٣٧ ـ لحافي لحاف الضّيف ، والبيت بيته |
|
... (١) |
أي : وبيتي بيته. فقوله عزّ وجل : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (٥٠) (٢) ، يرتفع (الأبواب) عندنا ، لأنه بدل من الضمير في (مفتحة) وعندهم على التقديرين المتقدمين. أي : الأبواب منها ، أو : يكون أبوابها. فأقام اللام مقام الضمير.
[السابع] : مررت برجل حسن وجهه ، فتضيف (حسنا) إلى الوجه ، ثم تضيف (وجها) إلى ضميره. هذا جائز عند سيبويه (٣). وأنكره جميع النحويين. والقول قول سيبويه ، بدلالة قول [الشاعر] :
٢٣٨ ـ أمن دمنتين ، عرّس الرّكب فيهما |
|
بحقل الرّخامى ، قد عفا طللاهما |
أقام على ربعيهما ، جارتا صفا |
|
كميتا الأعالي ، جونتا مصطلاهما (٤) |
فقوله : جارتا صفا : فاعل أقام. وقوله : كميتا الأعالي : صفة لهما. وقوله : [٩٣ / ب] جونتا مصطلاهما : حقه ، على قول النحويين : جونتا المصطلى. كما تقول : رجلان حسنا الوجه. لكن جاء (جونتا) مضافا إلى (مصطلى). ثم أضاف (مصطلى) إلى (الجارتين). وإن زعمت أن الضمير يعود إلى الأعالي ، لأن المعنى : كميتا الأعليين ، فوضع (الأعالي) موضع (الأعليين) ، فلا يقال : كميتا الأعالي : جونتا مصطلى الأعالي ، لأن ذلك فاسد في المعنى دون اللفظ.
__________________
(١) صدر بيت من الطويل ، لم أهتد إلى قائله.
(٢) ٣٨ : سورة ص ٥٠.
(٣) الكتاب ١ : ١٩٩ ، وينظر هامش : (١) ، والجمل ١ : ٥٧٤.
(٤) البيتان من الطويل ، للشماخ ، في : ديوانه ٨٦ ، والكتاب ١ : ١٩٩ ، والتحصيل ١٦٠ ، وأمالي المرتضى ٢ : ٣٠ ، والخزانة ٤ : ٢٩٣ ، ٨ : ٢٢٠ ، ٢٢٢. وبلا نسبة في : ابن يعيش ٦ : ٨٦.
[الثامن] : مررت بالرجل الحسن وجهه.
[التاسع] : مررت بالرجل الحسن الوجه.
[العاشر] : مررت بالرجل الحسن الوجه. على البدل. هذه المسائل الثلاث : الأخيرة بالألف واللام. والسبع الباقية بغيرهما.
[والثالث] : من وجوه الإضافة التي ليست بمحضة : إضافة (أفعل) إلى ما هو بعض منه.
تقول : زيد أفضل القوم. ف (زيد) بعض القوم ، لكن فضله يزيد على فضل القوم. و (أفعل) هذه تستعمل على ثلاثة أوجه :
[أحدها] : أن تستعمل مع (من). تقول : زيد أفقه من عمرو.
[الثاني] : أن تستعمل مضافا ، كقولك : زيد أفقه القوم.
[الثالث] : أن تستعمل مع الألف ، واللام. فأما إذا استعمل مع (من) فإنه لا يثنى ، ولا يجمع ، ولا يؤنث. لأنك ، إذا قلت : زيد أفقه من عمرو ، فمعناه : يزيد فقهه على فقه عمرو. فلما تضمن المصدر ، والمصدر : لا يثنى ، ولا يجمع ، فكذا هذا. وإذا كان معه (من) لم يلزم أن يكون ما بعد (من) من جنس ما قبله ، بل يجوز أن يكون من جنسه ، ومن غير جنسه. تقول : زيد أفضل من القوم ، وزيد أفضل من الفرس ، والياقوت أفضل من الحجارة.
[وأما] أن يكون مضافا ، ففيه وجهان : التثنية ، والجمع ، والإفراد. وقد جاء في التنزيل : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(١). ولم يجمع ، بل أفرد. وإذا كان كذلك ، فاعتراض من اعترض على ثعلب ، في قوله : فاخترنا أفصحهنّ ، أنه لو قال : فصحاهن ، لكان أفصح : ساقط لأنه قال : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ) فأفرد. ولم يجمع. فثبت أن الإفراد مع الإضافة ، أحسن من : التثنية ، والجمع ، والتأنيث [٩٤ / أ]. لكنه لو اعترض عليه في إجازته : زرّه ، بالأوجه الثلاثة ، لكان على موضعه ، لأنه ، لا يجوز إلا الضم في : زرّه ، لأنه ، كأنه قال : زروا. فهذا النوع يلزم أن يكون بعض ما أضيف إليه. فتقول : زيد أفضل القوم. ولا تقول : أفضل الحمير ، لأنه ، ليس منها. فعلى هذا ، تقول : زيد أفضل الأخوة ، ولا تقول : أفضل إخوته. لأنك ، لما قلت : أفضل إخوته ، أخرجته منهم ، بدلالة قولك : من إخوته؟. فتقول : بكر ، وخالد ، وفضل ، ولا تقول : زيد. ولو قال : من الإخوة؟ : عددت فيهم زيدا.
[وأما] : أن يكون (أفعل) مستعملا بالألف ، واللام. كقولك : زيد الأفضل. فيجوز فيه : التثنية ، والجمع. فتقول : زيد الأفضل ، والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون. وهند الفضلى والهندان الفضليان ، والهندات الفضل. فأفعل هذه لا تستعمل معها (من) لاستغنائها بالألف واللام الموجب للتعريف عن التخصيص ب (من).
[قال الشاعر] :
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ٩٦.
٢٣٩ ـ ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر (١) |
فالتقدير : لست منهم بالأكثر. ولا يتعلق (من) ب (الأكثر) لأنه معرف باللام ، فلا يحتاج إلى التخصيص ب (من).
[والرابع] : من وجوه الإضافة التي ليست بمحضة : إضافة الشيء إلى ما يتوهم أنه صفته ، وهو في الحقيقة ، بخلاف ذلك. وذلك قولهم : مسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، ودار الآخرة ، وحقّ اليقين ، وحبّ الحصيد. فلا يتوهم أن قولك (مسجد) أضيف إلى (الجامع) ، والجامع ، صفة له ، وأصله : المسجد الجامع. وإنما الجامع : صفة موصوف محذوف. والتقدير : مسجد اليوم الجامع.
وكذلك : صلاة الأولى ، تقديره : صلاة الساعة الأولى. وكذلك : دار الآخرة. أي : الساعة الآخرة.
فالموصوف قد حذف ، في هذه الأشياء ، وإليه وقعت الإضافة ، لا إلى الصفة. لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته من حيث إنّ صفته (هو). والشيء لا يضاف إلى نفسه. فبطل قول من ادعى في هذا ذلك.
فأما قولهم : نفسه ، وكلّه [٩٤ / ب] فليس إضافة الشيء إلى نفسه ، وإنما الأول من الثاني بمنزلة الأجنبي. والإضافة بمعنى اللام ، لأنه يصح أن تقول : له نفس ، وله كل. و (كل) محمول على الأجزاء ، والأجزاء تضاف إلى المجزّأ. تقول : هذه أجزاء العشرة. فلما كان (كل) منتظما للاجزاء ، حمل عليها ، واستجيز إضافتها ، كما يستجاز إضافة الأجزاء. فتأمل هذا.
واعلم أنه يضاف أسماء الزمان إلى الأفعال ، والجمل. تقول : هذا يوم قام زيد. وهذا يوم يقوم زيد ، وهذا زمن الحجّاج أمير. فتضيف اسم الزمان إلى الأفعال ، لأن الأفعال تدل على الزمان ، فهو كإضافة بعض إلى كل في قولك : ثوب خز. والإضافة في هذا وقعت إلى نفس الفعل. فإذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. فيوم : مضاف إلى هذه الجملة.
والفراء (٢) يدعي أن الإضافة وقعت إلى المصدر ، وإنك ، إذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. يجوز في (يقوم) النصب على تقدير (أن). فإذا قلت : هذا يوم يقوم زيد. أي : يوم قيام زيد. وندل على ذلك فيما بعد هذا.
[قال أبو الفتح] : واعلم أن المضاف قد يكتسي كثيرا من أحكام المضاف إليه ، نحو : التعريف ، والتنكير ، والاستفهام ، والعموم ، ومعنى الجزاء ، وغير ذلك. ويأتي ذلك في أماكنه. معنى قوله : وغير ذلك : يعني : البناء ، والتأنيث ، والنفي. وقد ذكر أنه يذكره في أماكنه ، وليس من شرط أماكنه هذا الكتاب ، إذ لم يذكرها فيه. وأنا أفصله لك ، إن شاء الله.
[أما التعريف] فلأنك تقول : هذا غلام ، فيكون نكرة ، ثم تقول : هذا غلام زيد ، فيتعرف
__________________
(١) البيت من السريع ، للأعشى ، في : ديوانه ١٤٣ ، والخصائص ١ : ١٨٥ ، ومقاييس اللغة (كثر) ٥ : ١٦١ ، وابن يعيش ٦ : ١٠٠ ، ١٠٣ ، واللسان (كثر) ٥ : ١٣٢ ، والخزانة ١ : ١٨٥ ، ٢ : ١١ ، ٣ : ٤٠٠ ، ٨ : ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤.
(٢) معاني القرآن ١ : ٣٢٦ ، وليس فيه كما صرح به الشارح ، وإنما قال : " ترفع (اليوم) ب (هذا) ويجوز أن تنصبه ، لأنه مضاف إلى غير اسم".
بالإضافة.
[وأما التنكير] : فتقول : هذا الغلام ، ثم تقول : هذا غلام امرأة ، فتنكر.
[وأما الاستفهام] فلأنك تقول : أيّهم تضرب. فتنصب (أيّهم) ب (تضرب). ولا يجوز : تضرب أيّهم ، لأن الاستفهام : لا يعمل فيه ما قبله. وكذلك إذا أضفت إلى (أي) قلت : غلام أيّهم تضرب. تنصب (غلام أيهم) ب (تضرب). [٩٥ / أ]. ولو قلت : تضرب غلام أيهم ، لم يجز ، لأن المضاف قد اكتسى من (أيهم) معنى الاستفهام ، وحكمه ، فلا يجوز فيه ، ما لا يجوز في (أيّ).
[وأما العموم] فقولك : نعم الرجل زيد. ففاعل (نعم) اسم معرّف باللام. واللام لاستغراق الجنس ، فإذا أضفت إلى هذا الاسم ، قلت : نعم غلام الرجل عمرو ، فيكتسي المضاف معنى العموم من المضاف إليه ، فيسند إليه (نعم).
و «أما معنى] الجزاء ، فإنك تقول : غلام من تضرب فله درهم. فتنصب (غلاما) ب (تضرب) الذي هو الشرط ، ولا تنصبه بالجزاء.
لا يجوز : غلام من تضرب أضرب ، فيكون منصوبا ، ب (أضرب). لأن ما يعمل في الشرط لا ينتصب بالجواب. فكذا ما أضيف إليه ، لأن المضاف قد اكتسى منه حكمه.
[فإن قلت] : لم زعمتم : أنه يجوز : غلام من تضرب فله درهم ، وأضفتم إلى الشرط الذي هو (من تضرب). وقد زعم سيبويه (١) أنه لا يجوز؟!. أتذكر ، إذ من يأتنا فأته ، بإضافة (إذ) إلى الشرط والجزاء فهذا منكم مناقضة لأصله.
[الجواب] : في هذا ، أنه أجاز ، أيضا : غلام من تضرب أضرب ، بالإضافة إلى الشرط ، وإن لم يجز إضافة (إذ) و (إذا) إليهما. والفصل بينهما من دقائق أبي علي (٢). ولم يذكره أبو سعيد ، ولا غيره. ولو لا أني شرطت أن لا أكتمك ما منحنيه ربي ، لكان بالأحرى كتمان هذه الدقيقة. فنقول : أما على مذهب أبي إسحاق الزيادي ، فلا فرق بين المسألتين ، وأنّ (إذ) و (إذا) يضافان إلى (من) كإضافة غلام.
وأما على مذهب سيبويه : فإنه مستكره إضافة (إذ) و (إذا) إلى الشرط (٣). فقال أبو سعيد : هذه رواية عن العرب ، ولم يزد على هذا.
وقال أبو علي (٤) : إنما لم يجز عنده : أتذكر ، إذ من يأتنا نأته ، بإضافة (إذ) إلى ما بعده ، لأن
__________________
(١) الكتاب ٣ : ٧٥.
(٢) المسائل المشكلة ٢٩٤ ، ٢٩٥.
(٣) الكتاب ٣ : ٧٥ ، ونصه : " وإنما كرهوا الجزاء هاهنا ، لأنه ليس من مواضعه ، ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : أتذكر إذ إن تأتنا نأتك". وقال في ٣ : ٥٦ : " ولا يكون الجزاء في (حيث) ولا في (إذ) حتى يضم إلى كل واحد منهما (ما) ".
(٤) المقتصد ٢ : ١١١٢ ، ١١١٥ ، إذ ذهب أبو علي إلى أن (إذ) لا يجازى بها حتى تلزمها (ما) ، لأن (إذ) ظرف يضاف إلى الجمل ، وفعل الجملة بعدها في تأويل المصدر ، فكيف عن الإضافة ب (ما) إذا قصد المجازاة به ، ليكون فعل الشرط واقعا عند الابتداء ، وصدر الكلام ، لا مضافا.
ما بعده (إذ) وهو الشرط ، منقطع عنده. والإضافة شرطه الاتصال دون الانقطاع ، فهو ضده.
فكما لا يجوز الإضافة إلى : ما بعد لام الابتداء ، فكذا هاهنا ، لاجتماعهما في انقطاع ما بعدهما ، مما قبلهما. فأما : غلام من تضرب [٩٥ / ب] أضربه ، فجاز ، لأنه منصوب بالشرط ، وهو (تضرب) كما أنه يجوز : ب (من تمرر أمرر) وب (من تنزل عليه أنزل) فيكون الجار ، والمجرور منصوبا بالشرط ، فكذا هاهنا. المضاف منصوب بالشرط ، فهو غير منقطع انقطاع (إذ). ألا ترى أن (إذ) غير منصوب بالشرط. فهذا فرقان ما بينهما. وقد ذكرنا هذا في (المختلف) مستقصى.
ولنعد فنقل : ويكتسي المضاف من المضاف إليه : البناء. كقولك : هذا حين قام زيد ، فتبني (حين) على الفتح ، لأنه مضاف إلى المبني. [قال الشاعر] :
٢٤٠ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا |
|
فقلت : ألمّا أصح. والشيب وازع (١) |
فبنى (حين) على الفتح ، لأنه أضافه إلى الماضي ، وهو (عاتبت). والماضي : مبني. وعلى هذا قراءة من قرأ : (مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ)(٢) بفتح (يوم) (٣)(وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)(٤) و (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ)(٥).
كل هذا مبني. لأنه مضاف إلى (إذ). فاكتسى المضاف من (إذ) البناء. وكذلك قراءة من قرأ : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ)(٦). بني على الفتح ، لأنه مضاف إلى مبني. [ومثله قوله] :
٢٤١ ـ فتداعى منخراه بدم |
|
مثل ما أثمر حمّاض الجبل (٧) |
[وقال الشاعر] :
__________________
(١) البيت من الطويل ، للنابغة الذبياني ، في : ديوانه ٤٤ ، والكتاب ٢ : ٣٣٠ ، والتحصيل ٣٦١ ، والخزانة ٢ : ٤٥٦ ، ٦ : ٥٥٠.
وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ١٩٢ ، وابن يعيش ٨ : ١٣٦.
(٢) ٧٠ : سورة المعارج ١١.
(٣) وهي قراءة : نافع ، والكسائي ، وأبي جعفر ، وأبي حيوة ، والبرجمي ، والشموني. التيسير ٢١٤ ، وتفسير التبيان ٦ : ٢٠ ، وتفسير الرازي ٣٠ : ١٢٦ ، والبحر المحيط ٨ : ٣٣٤ ، والنشر ٢ : ٢٨٩ ، وإتحاف الفضلاء ٤٢٤ ، وغيث النفع ٣٥٠.
(٤) ١١ : سورة هود ٦٦. وهي قراءة : نافع ، والكسائي ، وعاصم ، والشنبوذي ، وشعبة ، وأبي جعفر ، والأعشى ، وورش ، وقالون. معاني القرآن ـ للأخفش الأوسط ٢ : ٣٥٤ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٩٩ ، والحجة ـ لابن خالويه ١٨٨ ، وحجة القراءات ٣٤٤ ، والكشف ـ للقيسي ١ : ٥٣٢ ، والتيسير للداني ١٢٥ ، وتفسير التبيان ٦ : ٢٠ ، ومجمع البيان ٥ : ١٧١ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٢٢ ، والتبيان ـ للعكبري ٢ : ٤١ ، وتفسير القرطبي ٩ : ٦١ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٤٠ ، والنشر ٢ : ٢٨٩ ، وإتحاف الفضلاء ٢٥٧ ، وغيث النفع ١٦٧.
(٥) ٢٧ : سورة النمل ٨٩. وهي قراءة : نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وأبي جعفر ، وخلف. إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٥٣٧ ، والحجة ـ لابن خالويه ٢٧٦ ، وحجة القراءات ٥٤٠ ، والتيسير ـ للداني ١٧٠ ، وتفسير التبيان ٨ : ١٢٢ ، ومجمع البيان ٧ : ٢٣٥ ، والنشر ٢ : ٣٠١ ، وإتحاف الفضلاء ٣٤٠ ، وغيث النفع ٢٥٢.
(٦) ٥١ : سورة الذاريات ٢٣. وهي قراءة العامة.
(٧) البيت من الرمل ، بلا نسبة في : أبن يعيش ٨ : ١٣٥ ، واللسان (حمض) ٧ : ١٤٠.
٢٤٢ ـ لم يمنع الشرب منها ، غير أن نطقت |
|
حمامة في غصون ذات أو قال (١) |
فبنى (غير) على الفتح ، وهو : فاعل ، لأنه مضاف إلى (أن). فاكتسى منه البناء. وهذا كله إنما يكون في الأسماء المبهمة الشائعة : ك (مثل) و (غير) و (يوم). فأما نحو : رجل ، وفرس ، وزيد ، فلا يكون فيه ذلك ، لأنه ، لما شارك المضاف إليه في الإبهام ، أخذ منه حظه.
[وأما التأنيث] : فإن المضاف قد يكتسي من المضاف إليه ، التأنيث. وذلك ، إذا صلح أن يقع المضاف إليه ، على المضاف في المعنى. مثل ما جاء عن الحسن : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)(٢).
فأنث (تلتقطه) لأن (بعضا) من السيارة. والسيارة تقع عليه. وقيل في قوله : (لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)(٣). إن (لونها) مبتدأ. و (تسر) خبره. وجاء : تسر ، بالتاء ، لأن (لونها) مضاف إليه.
[قال الشاعر] :
٢٤٣ ـ إذا بعض السنين تعرّقتني |
|
كفى الأيتام ، فقد أبي اليتيم (٤) |
فقال : تعرقتني. فعلى هذا ، لا يجوز : قامت غلام امرأة ، بتأنيث (قامت) لأن اسم المرأة ، لا يقع على الغلام. [٩٦ / أ]
[وأما النفي] : فكقولهم : ما أخذت باب دار أحد : نفي : وهو استغراق الجنس. فكذا ما أضيف إليه.
معرفة ما يتبع الاسم في الإعراب
وهو على خمسة أضرب : أولها
باب الوصف
[قال أبو الفتح] : اعلم أن الوصف : لفظ يتبع الاسم الموصوف تحلية له. وتخصيصا ، ممن له مثل اسمه ، بذكر معنى في الموصوف ، أو في شيء من سببه.
[قلت] : الصفة على ثلاثة أضرب : صفة تذكر للتخصيص ، مثل قولك : جاءني رجل ظريف.
وقولك : رجل من بني تميم قائم. ف (رجل) نكرة غير مخصوص. فلما أردت تخصيصه ، جئت بالصفة ، ليتميز من رجل غير ظريف ، ومن رجل من غير بني تميم.
[الضرب الثاني] : صفة تذكر للتحلية ، والبيان ، كقولك : جاءني زيد الظريف.
[الضرب الثالث] : صفة تذكر على سبيل المدح ، والثناء ، أو على سبيل الذم.
قال الله عز ، وجل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فقوله : الرحمن الرحيم : صفتان جاريتان على
__________________
(١) البيت من البسيط ، لأبي قيس بن الأسلت ، في الخزانة ٣ : ٤٠٨. وبلا نسبة في : الكتاب ٢ : ٣٢٩ ، والتحصيل ٣٦٠ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ١ : ٣٨٣ ، والإنصاف ١ : ٢٨٧ ، والمغني ١ : ١٥٩ ، وهمع الهوامع ٣ : ٢٣٣.
(٢) ١٢ : سورة يوسف ١٠. وهي قراءة مجاهد ، وأبي رجاء ، وقتادة. إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١٢٦.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٦٩.
(٤) سبق ذكره رقم (٤٨).
الموصوف ، على سبيل الثناء ، والمدح ، والتعظيم ، لا على جهة التخصيص ، ولا على جهة التحلية.
والصفة تتبع الموصوف في عشرة أشياء : في الرفع ، والنصب ، والجر ، والتوحيد ، والتثنية ، والجمع ، والتعريف ، والتنكير ، والتذكير ، والتأنيث. فالمعرفة لا توصف بالنكرة ، والنكرة لا توصف بالمعرفة. لأن الصفة جزء من الموصوف. ومن المحال أن يكون الاسم الواحد في حالة واحدة : معرفة ، ونكرة ، لأن الضدين لا يجتمعان.
واختلفوا في العامل في الصفة. فقال سيبويه (١) : العامل في الصفة : هو العامل في الموصوف.
وزعم الأخفش : أن العامل في الصفة : كونه تابعا للموصوف. فالتبعية : هي العاملة ، وإن كانت معنوية. واحتج في ذلك : بأن هذا ، أعني التبعية ، مؤكدة ، في هذا الباب. لأنه جاء في التوابع ، ما لا يلي العامل ، وذلك ، نحو : أجمعين ، وأكتعين. فلا يجوز : جاءني أجمعون ، فتوليه العامل. فعلم أنّ إعرابه ، إنما هو : لكونه تبعا. ويحتج ، أيضا ، بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٢). [٩٦ / ب] أن الموت : اسم (إنّ). و (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) : صفة له. وقوله : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) : هو الخبر. والفاء : زائدة. ولا أجعل الفاء غير زائدة ، احتجاجا ب (أنّ) الذي ، لما جرى وصفا على الموت ، صار كالجزء منه ، وصار كأنه اسم (إنّ). فجاءت الفاء ، لأن الاسم تضمن معنى الشرط ، والجزاء ، كأنه قال : (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ). هذا لا يجوز ، بتة ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى. أما من جهة اللفظ ، فإن الجزء الذي هو الشرط لازم لترتيب الجزاء عليه. والوصف غير لازم للموصوف ، لأن الاسم يجوز أن يوصف ، ويجوز أن لا يوصف. فإذا لم يلزم الوصف الاسم ، لم يلزم إدخال الفاء ، في خبر الاسم ، لأن وصفه بما يوجب إدخال الفاء غير لازم ، بخلاف الشرط. وأما من جهة المعنى ، فإن ما كان شرطا ، يجوز أن يكون ، ويجوز أن لا يكون. والموت لاق : فروا أو لم يفروا. فإن ، الفاء لم يلحق لمعنى الجزاء ، ولا لمعنى العطف ، فثبت أنها زائدة.
وأما سيبويه ، فإنه يجعل العامل في الصفة ، هو العامل في الموصوف. ويحتج بالآية (٣). لأن الفاء دخلت ، لمّا جرى الموصول على اسم (إنّ) فصار الموصول كأنه هو الاسم. لأن الصفة كالجزء من الموصوف ، ولهذا يعتبر فيه التعريف ، والتنكير ، كما يعتبر في الموصوف. والجزاء صالح في الآية ، رادا على من اعتقد أنّ فراره من الموت ينجيه. فقال : إنه لاق ، وإن فررتم. وهذا [قول الشاعر] :
٢٤٤ ـ ومن هاب أسباب المنيّة ، يلقها |
|
ولو رام أسباب السّماء بسلّم (٤) |
__________________
(١) الكتاب ١ : ٤٢١ ، وقد ذكر الشارح قول سيبويه بالمعنى ، ونصه : " فقولك : مررت برجل ظريف قبل ، فصار النعت مجرورا مثل المنعوت ، لأنهما كالاسم الواحد".
(٢) ٦٢ : سورة الجمعة ٨.
(٣) يعني آية : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ٦٢ : سورة الجمعة ٨.
(٤) البيت من الطويل ، لزهير بن أبي سلمى ، في : ديوانه ٢٣ ، والخصائص ٣ : ٣٢٤ ، واللسان (سبب) ١ : ٤٥٨.
فالفاء هو على جهة الشرط ، والجزاء. وليس لك في الآية حجة ، يا أبا الحسن (١). وأما أجمعون ، فإنه لم يل العامل ، لأنهم لم يستعملوه. والقياس لا يمنع من ذلك. فهذا بمنزلة الأمثال التي تحكى ، ولا تغير ، من جهة السماع.
[قال أبو الفتح] : ولا تكون الصفة إلا من فعل ، أو راجع إلى معنى الفعل. فالذي من الفعل ، كقولك : مررت بزيد الظريف. فالظريف : مشتق من (ظرف). والذي هو راجع إلى معنى الفعل ، [٩٧ / أ] قولك : مررت برجل أبي عشرة. فقولك : أبو عشرة : راجع إلى معنى الفعل. كأنك قلت : مررت برجل والد عشرة. وكذلك : مررت برجل خزّ صفة سرجه. أي ليّن صفة سرجه. وإذا ذكرت موصوفا ، وأتبعته صفات شتى ، فلك أن تتبعها الموصوف ، وأن تقطعها منه. كقولك : مررت بزيد الأديب الفاضل الكريم ، لك : الجر ، على الإتباع ، والنصب على المدح. على تقدير : أمدح وأخص. والرفع على المدح ، على تقدير : هو الأديب الفاضل. [قال الشاعر] :
٢٤٥ ـ لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سمّ العداة ، وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطيّبون ، معاقد الأزر (٢) |
لك رفع (النازلين) و (الطيبين) : على الإتباع ، ونصبهما : على المدح. ورفع الأول ، ونصب الثاني ، ونصب الأول ، ورفع الثاني ، كما بينا. وقد جاء : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ)(٣) إلى أن قال : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) فنصب على المدح. ثم قال : (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فرفع على المدح.
وجاء : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ)(٤) إلى قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) فرفع على المدح. ثم قال : (وَالصَّابِرِينَ) فنصب على المدح. وإن قلت : إنّ رفع قوله : (وَالْمُوفُونَ) بالعطف على : (مَنْ آمَنَ) فليس في : (الصابرين) إلا النصب على المدح. وإن زعمت أنّ : (الصابرين) ، عطف على المنصوب ، وهو : (ذَوِي الْقُرْبى) ، فقد أفسدنا ذلك فيما تقدم ، وسنفسده في باب الموصول ، إن شاء الله.
[قال أبو الفتح] : والأسماء المضمرة لا توصف (٥) ، لأنها إذا أضمرت ، فقد عرّفت ، ولم تحتج إلى الوصف لذلك. هذا كما قال (٦) : لو قلت : مررت به المسكين ، وجعلت المسكين صفة للهاء ، لم يجز ، لأن الهاء ، في غاية الإيضاح ، والبيان ، فلو احتاج إلى الوصف ، لكان إظهاره أولى من إضماره. [فإن قلت] : فقد جاء : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٧). فجعل (العزيز الحكيم) وصفا ل (هو). [قلت ليس] بوصف ، لأنه يمكن أن يكون بدلا من (هو) أو خبر مبتدأ. فلا احتجاج
__________________
(١) أي : الأخفش.
(٢) البيتان من مرفل الكامل ، للخرنق بنت هفان ، في : ديوانها ٢٩ ، والكتاب ١ : ٢٠٢ ، ٢ : ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٤ ، والإنصاف ٢ : ٤٦٨ ، والأشموني ٤ : ٣١٩ ، والخزانة ٥ : ٤١ ، ٤٢ ، ٤٤. وبلا نسبة في : معاني القرآن ـ للفراء ١ : ١٠٥.
(٣) ٤ : سورة النساء ١٦٢.
(٤) ٢ : سورة البقرة ١٧٧.
(٥) الكتاب ٢ : ١١.
(٦) أي : سيبويه. الكتاب ٢ : ٧٦.
(٧) ٣ : سورة آل عمران ٦.
فيه. فالمضمر لا يوصف ، لاستغنائه عن الوصف. وقوله : بذكر معنى في الموصوف : يعني : [٩٧ / ب] الظريف بعد زيد ، وهو ذكر للظرافة في الموصوف. وقوله : أو بشيء من سببه. يعني نحو قوله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها)(١) ف (الظالم) صفة للقرية ، وهو فعل أهلها.
وجاز ، لأن (أهلها) مضاف إليها. وقد قدمنا ذلك في باب الإضافة ، وهو باب حسن الوجه.
[قال أبو الفتح] : وتقول : هذا رجل مثلك ، ونظرت إلى رجل شبهك ، وشرعك ، وغيرك.
وهذا رجل ضارب زيد ، وشاتم بكر ، فتجري هذه الألفاظ ، أوصافا على النكرات ، وإن كن مضافات إلى المعارف. لتقديرك فيهن الانفصال ، وأنهن لا يخصّصن شيئا بعينه.
أما (مثلك) و (غيرك) ، وأخواتها ، فنكرات لا يتعرفن بالإضافة. وذلك ، لأنك إذا قلت : هذا رجل مثلك ، فإنه يماثلك في وجوه شتى ، وله أمثال أخر. فالإضافة لا تكسوه تعريفا. وكذلك ، إذا قلت : هذا رجل غيرك ، فإن له أغيارا كثيرة. وإذا كان كذلك ، لم يتعرف بالإضافة ، وجاز جريه على النكرة.
[فإن قلت] فقد قال الله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٢) ، فجر (غير) وصفا ل (الذين) و (الذين) معرفة. وقال : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)(٣) ، فمن رفع (٤) جعله : وصفا ل (القاعدين) ومن جره (٥) جعله : وصفا ل (المؤمنين).
وكل ذلك معارف.
[الجواب] : أنّ الجر في (غير المغضوب) قيل : هو على البدل. وبدل النكرة من المعرفة جائز.
وقيل : هو صفة ل (الذين). فمن قال هذا ، فله جوابان : أحدهما : قول النحاة : من أن (الذين) وإن كان معرفة فليس مقصودا. قصدهم : ففيه الشيوع ، والعموم. وجاء (غير) وصفا له. وقال أبو بكر (٦) : إن (غيرا) إنما يكون نكرة ، إذ كان هناك أغيار. فأما إذا قلت : مررت بالمسلم غير الكافر ، فليس غير المسلم إلا الكافر ، فللمسلم ضد واحد ، والمنعم عليه ضد واحد ، وهو : المغضوب عليه. فقد تعرف (غير) هاهنا ، فجاز جريه وصفا عليه. وكذا الآية : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إما أن يكون على البدل ، أو [٩٨ / أ] يكون (القاعدون) غير مخصوصين ، وكذا الجر.
فأما قولهم : ما أحسن بالرجل مثلك أن يفعل كذا. فقد قيل : إنّ الرجل لا يراد به واحد بعينه ، فجرى (مثل) وصفا عليه. وقد قيل : الألف ، واللام زائدة. وقد ذكرناه في (الخلاف). وأما اسم الفاعل في نحو : هذا رجل ضارب زيد ، فقد استقصيناه في الباب المتقدم.
واعلم أن النكرة توصف بالجملة ، من المبتدأ والخبر ، والفعل ، والفاعل. قال الله تعالى :
__________________
(١) ٤ : سورة النساء ٧٥.
(٢) ١ : سورة الفاتحة ٧.
(٣) ٤ : سورة النساء ٩٥.
(٤) وهي قراءة العامة.
(٥) وهما : أبو حيوة ، والأعمش. إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٤٤٧ ، والكشاف ١ : ٥٥٥ ، وتفسير القرطبي ٥ : ٣٤٣ ، والبحر المحيط ٣ : ٣٣٠.
(٦) أي : أبن السراج. مجمع البيان ١ : ٢٩.
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ)(١). فقوله : (أنزلناه) : جملة من فعل ، وفاعل ، في موضع الرفع : صفة ل (كتاب). فكما أن (مباركا) رفع فكذا (أنزلناه). وقال الله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢) ف (يحبّهم) و (يحبّونه) جر : صفة ل (قوم). كما أن : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، كذلك. وليس قول من قال : إن المفرد ، والجملة ، إذا اجتمعا وصفا ، وجب تقديم المفرد ، بشيء. ألا ترى أن الآيتين بخلاف ذلك. وهذه الجملة إذا جاءت بعد المعرفة ، كانت حالا ، ولم تكن صفة.
تقول : مررت بزيد قام أبوه. فتجعل (قام أبوه) حالا ، بإضمار (قد). لأن الماضي لا يكون حالا إلا بإضمار (قد). قال الله تعالى : (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٣). فقوله : (حصرت صدورهم) : في موضع الحال ، بإضمار (قد) أي : قد حصرت صدورهم. [قال الشاعر] :
٢٤٦ ـ وطعن كفم الزّقّ |
|
غذا ... (٤) |
أي : فقد غذا ، فأضمر (قد) لما ذكرنا ، لا بد من إضماره. وتقول في الجملة الأخرى : مررت بزيد أبوه قائم. فالجملة : في موضع الحال. ولا تكون وصفا ، لأن الجملة نكرة ، فلا تجري وصفا على المعرفة ، لما ذكرناه في أول الباب. واعلم أنك ، إذا قلت : مررت برجل أفضل منك أبوه ، لم يجز أن تجعل (أفضل) صفة ل (رجل) وترفع (أبوه) به ، بخلاف قولك : مررت برجل ضارب زيدا أبوه ، و : بحسن أبوه (٥). وإنما لم يجز في (أفضل) هذا ، إعماله في الظاهر ، لأن الأصل في الإعمال : الفعل ، ثم اسم الفاعل الجاري عليه ، ثم الصفة المشبهة باسم الفاعل ، لقوة تصرف هذين.
فأما (أفضل) فهو في الدرجة الرابعة. وليس له تصرّف ، فضعف عن [٩٨ / ب] شبه الفعل ، فلم يعمل في الظاهر ، وإنما عمل في المضمر ، لو قلت : مررت برجل أفضل منك. فتجعل فيه ضميرا مرفوعا ، جاز جريه ، وصفا على الأول. فأما لو قلت : مررت برجل أفضل منك أبوه ، لم يجز رفع الظاهر به. وإنما ينبغي أن تقول : مررت برجل أفضل منك أبوه. فترفع (أفضل) بالابتداء ، وما بعده الخبر. والجملة في موضع الجر ، وصفا للمجرور. فاعرف هذا.
[فإن قلت] : فإنكم تقولون : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل ، منه في عين زيد.
فترفعون الكحل ب (أحسن). وهذا نقض لما ذكرتم. وقد قال عليه الصلاة والسّلام : " ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الّصّوم من عشر ذي الحجة" (٦). فرفع (الصوم) ب (أحب) وجر (أحب) وصفا
__________________
(١) ٦ : سورة الأنعام ١٥٥.
(٢) ٥ : سورة المائدة ٥٤.
(٣) ٤ : سورة النساء ٩٠.
(٤) البيت من الهزج ، للفند الزماني ، وتمامه :
وطعن كفم الزق |
|
غذا ، والزق ملآن. |
وهو في : ديوان الحماسة ١ : ٧ ، والأمالي ١ : ٢٦٠ ، والخزانة ٣ : ٤٣٢.
(٥) أي : مررت برجل حسن أبوه.
(٦) سنن الترمذي ٣ : ١٣١ ، ومنثور الفوائد ٥٠ ، والتاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ٢ : ٩٥ ، وينظر : الكتاب ٢ : ٣٢.
ل (الأيام) فكيف جاز هذا ، وقد منعتم منه رفع الظاهر به؟!.
[الجواب] : أنّ الكحل ، والصوم ، جاز أن يرتفعا ب (أحسن) و (أحب) لأنهما معنيان في الفاعل ، فجريا مجرى ضمير الفاعلين ، فجاز فيهما ذلك. فأما (أبوه) بعد قولك : أفضل منك ، فبخلاف ذلك. ويجوز أن يكون اللفظ ، إذا كان بمعنى الأول ، له حكم بخلافه إذا لم يكن الأول.
ألا ترى أنه قال (١) : إذا قلت : ما قام إلا زيد إلا عمرا ، لم يجز رفع الاسمين جميعا ، بل يجب رفع أحدهما ، ونصب صاحبه ، لأن الفعل لا يعمل في فاعلين إلا بحروف العطف. فلو قلت : ما قام إلا زيد ، إلا أبو عبد الله ، وأبو عبد الله هو زيد ، جاز الرفع ، لأنه هو. [قال الشاعر] :
٢٤٧ ـ ما لك من شيخك إلّا عمله |
|
إلّا رسيمه ، وإلّا رمله (٢) |
فكذلك ، إذا كان الكحل هو الأول في المعنى ، جرى مجرى ضميره.
[فإن قلت] : فإنه قال في [قول الشاعر] :
٢٤٨ ـ لعمرك ، ما معن بتارك حقّه |
|
ولا منسئ معن ، ولا متيسّر (٣) |
أنه لا يجوز جر (منسئ) بالعطف على (تارك حقه). قال : لأنه رفع به (معن) و (معن) [لم](٤) يره قائما مقام ضميره ، وإن كان (معن) الثاني هو الأول ، فلم يجر الظاهر مجرى المضمر.
فكيف استجاز : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، قياسا على : مررت برجل [٩٩ / ا] أفضل منك.
[الجواب] : أنّ قولهم : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد استجيز رفع الكحل ب (أحسن) وإن لم يجز رفع الظاهر ب (أفعل) في : أفضل منك أبوه ، لأن (منك) في : أفضل منك ، إنما هو بيان المفضول والفاضل ، هو الأب ، وليس للمفضول في الفضل مع الأب شيء. بخلاف قولك : الكحل ، لأن الفاضل هو الكحل ، والمفضول أيضا هو الكحل ، لكن في موضع آخر. لأنك فضلت الكحل على نفسه في هذا الموضع ، من كونه في موضع آخر. وكذلك الصوم ، مفضل في أيام ذي الحجة ، على نفسه ، من فضله في غيرها. فالهاء في قوله : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، يعود إلى نفس الكحل. أي : الكحل أحسن منه في هذا الموضع ، من كونه في عين زيد. ولا يجوز أن ترفع (أحسن) بالابتداء. و (الكحل) بأنه خبر. لأنك فصلت حينئذ بين (أحسن) وبين ما يتعلق به ، وهو (منه) بالخبر. وهذا لا يجوز. وإن قدمت (منه) وقلت : ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه الكحل في عين زيد ، لم يجز. لأنك ذكرت (منه) وهو الكحل ، قبل ذكره.
__________________
(١) أي : سيبويه الكتاب ٢ : ٣٤١.
(٢) من الرجز ، بلا نسبة ، في : الكتاب ٢ : ٣٤١ ، والتحصيل ٣٦٦ ، والجمل ٢ : ٢٥٧ ، وشفاء العليل ١ : ٥٠٦.
(٣) سبق ذكره رقم (١٧٠).
(٤) الأصل غير واضح.
وليس هذا كقولهم : ضرب غلامه زيد ، و : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) (١) لأن المفعول ينوى بعد الفاعل ، لأن مرتبته بعده ، ولا ينوى ب (منه) إذا وقع بعد (أحسن) في موضع آخر ، لأنه وقع في موقعه ، فهو كقولهم : ضرب غلامه زيدا. فلما كان هذان الوجهان يعرضان في هذه المسألة ، لم يكن بد من أن يرفع به الظاهر ، وإن لم يرفع ب (أفضل) منك ، ولا (منسئ معن).
والشيء إذا عرض فيه جهة واحدة ، فلم تعمل فيه تلك الجهة تأثيرا ، فبجهة أخرى تنضم إلى الأولى ، يستجاز ما لا يستجاز في غيره مع الجهة الواحدة.
قال سيبويه (٢) : ولو قلت : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه. وتجعل الهاء لرجل ، وتحذف منه التي للكحل ، جاز ، كما قالوا : الله أكبر ، ولم يقولوا : من كذا. ومثله : " ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجّة". وتقديره : أحبّ إلى الله فيها الصوم [٩٩ / ب] منه إليه من عشر ذي الحجة. فحذف (منه) التي للصوم. [قال الشاعر] :
٢٤٩ ـ مررت على وادي السبّاع ، فلا أرى |
|
كوادي السبّاع ، حين يظلم واديا |
أقلّ به ركب ، أتوه تئيّة |
|
وأخوف ، إلّا ما وقى الله ساريا (٣) |
وتقديره : أقلّ به ركب أتوه منهم به. فحذف (منهم) و (به). فالهاء في (به) الأولى تعود إلى (واد). وفي (به) الثانية تعود إلى (وادي السباع). فافهمه ، فإنه من لطائف العربية ، ومن لم يفهم مثل هذا حرم عليه تعاطيه ، لكتاب الله عز ، وجل ، وأخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ومن لطائف هذا الباب : أنّ اسم الفاعل ، أو المصدر ، إذا وصفا ، لم يجز إعمالهما في شيء ، وخرجا بالوصف عن ذلك. لا يجوز : مررت برجل ضارب ظريف زيدا ، فتنصب (زيدا) ب (ضارب) بعد وصفك إياه ب (ظريف) لأنه إنما يعمل لشبهه بالفعل ، وقد خرج عن شبه الفعل بالوصف ، لأن الفعل لا يوصف. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً)(٤). فقوله : (مكانا) : لم يعمل فيه قوله (موعدا) ، لأنه وصف بالجملة ، وهو قوله : (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ). ذكره أبو علي (٥) ثم ، قال : [وأما قول طفيل] :
٢٥٠ ـ وراكضة ، ما تستجنّ بجنّة |
|
بعير حلال غادرته مجعفل (٦) |
فنصب (بعير حلال) ب (راكضة) بعد وصفها بقوله : ما تستجن بجنة ، وكأنه يحمله على إضمار فعل آخر. ولم ينسب أبو علي البيت إلى طفيل ، ولم يذكر فيه جهة الاستدلال.
__________________
(١) ٢٠ : سورة طه ٦٧.
(٢) الكتاب ٢ : ٣٢.
(٣) البيتان من الطويل ، لسحيم بن وثيل الرياحي ، في : الكتاب ٢ : ٣٢ ، والتحصيل ٢٤٦ ، والخزانة ٨ : ٣٢٧ ، ٣٢٨.
(٤) ٢٠ : سورة طه ٥٨.
(٥) مجمع البيان ٧ : ١٥.
(٦) البيت من الطويل ، لطفيل الغنوي ، في : ديوانه ٦٨٥ ، وأمالي القالي ١ : ١٠٤ ، واللسان (جعل) ١ : ١١٣.
وبلا نسبة في : المخصص ٧ : ١٤٧.
جعفله : صرعه ، والمجعفل : المقلوب. حلال : مركب من مراكب النساء.
وذكر ابن السري (١) : أن الصفة على ضربين : صفة محضة ، وصفة غير محضة. فالأول على خمسة أقسام : حلية كالزرقة ، والحمرة ، في : مررت برجل أزرق ، وأحمر. وصفة بفعل ، كضارب ، وقاتل. وصفة بغير هذين ، كفهم ، وعاقل. وصفة بشيء منسوب إلى أب ، أو بلدة ، كقولك :
مررت برجل بصريّ ، أو هاشميّ. وصفة بذي ، الذي معناه : صاحب ، كقولك : مررت برجل ذي مال. وكنا قديما ذكرنا فصلا في (ذي) في أول الكتاب.
وأما الصفة التي ليست بمحضة [١٠٠ / أ] ، فثلاثة أقسام : صفة بمفرد ، كقولك : هذا رجل له إبل مئة. وصفة بمضاف ، كقولك : مررت برجل أبي عشرة. وصفة بموصول ، كقولك : مررت برجل أفضل منك. والله أعلم.
باب التوكيد
[قال أبو الفتح] : اعلم أن التوكيد : لفظ يتبع الاسم المؤكّد ، لرفع اللبس ، وإزالة الاتساع.
[قلت] : التأكيد على ضربين : تأكيد بلفظ غير محيط بالأول. وتأكيد بلفظ محيط بالأول.
فالأول على ضربين : تأكيد بلفظ مكرر. وتأكيد بلفظ في المعنى ، هو الأول دون اللفظ.
فالأول : يلحق الأسماء ، والأفعال ، والحروف ، والجمل ، وغير ذلك. تقول : جاءني زيد زيد. وقام زيد قام زيد وفي الدار في الدار زيد قائم فيها. قال الله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها)(٢). وقال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) (٣) فهذا في الجملة الفعلية. وقال في الاسمية : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٠) (٤). وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)(٥) ثم قال : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا)(٦).
وأما الآخر ، فقولك : جاءني زيد نفسه عينه ، فتكرر بمعناه دون لفظه. ف (نفسه) في هذا الموضع ، كقولك (حقا) في قولك : جاءني زيد حقا. وتقول : قمت أنت نفسك. ولا تقول ، قمت نفسك. كما لا تقول : قمت وزيد ، حتى تقول : قمت أنت وزيد. فالتأكيد كالعطف.
[قال أبو الفتح] : وإنما تؤكّد المعارف دون النكرات ، مظهرها ، ومضمرها. فالمضمر : قمت أنت نفسك. والمظهر : جاءني زيد نفسه.
والثاني ، من التأكيد : ما يكون محيطا بالأول ، وذلك نحو : كل ، وأجمع ، وأكتع ، وأبصع ، وجمعاء ، وكتعاء ، وبصعاء ، وجمع ، وكتع ، وبصع. جاءني القوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون ، هذا في الظاهر. وفي المضمر : جاؤوني أجمعون أكتعون أبصعون ، ويجوز : جاؤوني أجمعون ، ولا يجوز : جاؤوني أنفسهم ، حتى تقول : هم أنفسهم. لأن أجمعين قد تمكّن في التبعية ، وأنفسهم لم يتمكن تمكنه. فجاز فيه ما لا يجوز في ذلك. [١٠٠ / ب].
وإنما جاز تأكيد المعرفة ، دون النكرة ، لأن النكرة لم تثبت لها عين ، فتؤكد ، ولأن الأسماء
__________________
(١) الأصول ٢ : ٢١ ، ٢٦.
(٢) ١١ : سورة هود ١٠٨.
(٣) ٥٥ : سورة الرحمن ١٣.
(٤) ٨٣ : سورة المطففين ١٠.
(٥) ٢ : سورة البقرة ٢٥٣.
(٦) ٢ : سورة البقرة ٢٥٣.
المؤكّد بها معارف ، فلا تجري على النكرات.
[فإن قلت] : فقد جاء :
٢٥١ ـ أرمي عليها ، وهي فرع ، أجمع |
|
... (١) |
فأكد (فرعا) بقوله : أجمع ، وهو نكرة.
[الجواب] : أن قوله : أجمع تأكيد للضمير في (فرع) دون فرع. وهو تأكيد لمعرفة. فليس هذا بنقض.
واعلم أن (كلّا) يلي العامل. و (أجمع) لا يلي العامل. تقول : جاءني كلّهم ، ولا تقول : جاءني أجمعون ، لأن (كلّا) أقوى منه. ومع ذلك ، فهذا مستكره فيه ، أيضا. وهو لفظ مفرد ومعناه : الجمع ، فتوحد ضميره ، مرة على اللفظ ، وأخرى على المعنى. قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣) (٢) ، فوحد. وقال : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٣) ، فجمع. فنظير (كل) في تأكيد الجمع (كلا) في تأكيد الاثنين ، لأن (كلا) مفرد اللفظ ، مثنى المعنى. تقول : جاءني الرجلان كلاهما. والدليل على أنه مفرد اللفظ / ، أنّ مؤنثه (كلتا). وقد قال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(٤) ، ولم يقل : آتتا. فعلمت أن لفظه مفرد. ألا ترى أنه لا يجوز : الزيدان قام. [قال الشاعر] :
٢٥٢ ـ كلا أخوينا ذو رجال كأنّهم |
|
أسود الشّرى من كلّ أغلب ضيغم (٥) |
ولم يقل : ذوا رجال. [وقال الآخر] :
٢٥٣ ـ كلاهما حين جدّ الجري بينهما |
|
قد أقلعا ، وكلا أنفيهما رابي (٦) |
فثنى ضمير (كلا) حين قال : أقلعا.
و (كلا) إذا أضيف إلى المظهر ، كانت على حالة واحدة في : الرفع ، والنصب ، والجر. تقول : كلا أخويك جاء. ورأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك ، فهو بمنزلة (معا). و «لكن](٧) إذا أضيف إلى المضمر ، فإنك تقول : جاءني الرجلان كلاهما ، ورأيتهما كليهما ، ومررت بهما كليهما ، فتقلب الألف ياءا ، في موضع : النصب ، والجر ، لا لأن (كلا) تثنية ، ولكن لأنه ، لما لزم الإضافة ،
__________________
(١) من الرجز ، وبعده :
... |
|
وهي ثلاث اذرع وإصبع |
وهو بلا نسبة في : الخصائص ٢ : ٣٠٧ ، واللسان (ذرع) ٨ : ٩٣ ، و (فرع) ٢٤٧ ، والخزانة ١ : ٢١٤ ، والتاج (ذرع) ٢١ : ٥.
(٢) ١٩ : سورة مريم ٩٣.
(٣) ٢٧ : سورة النمل ٨٧.
(٤) ١٨ : سورة الكهف ٣٣.
(٥) البيت من الطويل ، بلا نسبة في : الإنصاف ٢ : ٤٤٢.
(٦) البيت من البسيط ، للفرزدق ، وليس في ديوانه ، وهو بهذه النسبة في : الخصائص ٣ : ٣١٤ ، والخزانة ١ : ١٣١ ، ٤ : ٢٩٩. وبلا نسبة في : ابن يعيش ١ : ٥٤ ، والإنصاف ٢ : ٢٤٧ ، والمغني ١ : ٢٠٤.
(٧) الأصل غير واضح.
ولم يفارقها ، شبّهت ب (عليك) و (إليك) و (لديك) في قلب الألف ياءا. وجاء التشبيه في موضع النصب ، والجر ، دون الرفع ، لأن (عليك) و (أختيها) لا يستعملن مرفوعة ، فلم يجز الياء في موضع الرفع.
والدليل [١٠١ / أ] على أنه مفرد في اللفظ ، مثنى في المعنى ، أنك تقول : مررت بهما كليهما ، فتضيفه إلى التثنية. ولو كانت في اللفظ مثناة ، لكان إضافة الشيء إلى نفسه. وهذا محال ، لما تقدم.
وأما (كلتا) فالتاء فيه بدل من الياء ، أو الواو ، لأن لام (كلا) عند الجماعة ، واو. وعند الآخرين ياء. فمن قال : هو واو ، استدل ب (كلتا) كما يستدل ببنت ، وأخت ، في : ابن ، وأخ. ألا ترى أن لامي ابن ، وأخ ، واوان ، بدليل إبدال التاء منه. والتاء لا تبدل من الياء إلا في حرف واحد ، وهو قولهم : " أسنت القوم" (١). وأصله : أسنى ، وأسنينا. ومن قال : التاء بدل من الياء ، قال : لأنه جاءت الإمالة في (كلا). قال الله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)(٢). فقرأها حمزة ، والكسائي ، بالإمالة (٣). ولو كانت بدلا من الواو ، امتنعت الإمالة. فالتاء في (كلتا) بدل من الواو ، أو الياء. والألف ألف التأنيث ، عوملت معاملة (كلا) فقالوا : كلتا أختيك جاءت و : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) ، ومررت بكلتا أختيك. وقالوا في المضمر : جاءتني المرأتان كلتاهما ، ورأيتهما كلتيهما ، ومررت بهما كلتيهما ، تشبيها : ب (عليك) ، و (لديك) ، و (إليك). فوزن (كلتا) فعلى ، عندنا. وقال الجرمي : وزن (كلتا) فعتل. والتاء زائدة ، والألف لام الفعل. وهذا باطل ، لأن التاء ، لم تزد في حشو الكلمة. وليس في الكلام : فعتل. فركوب ما [لا](٤) يخرج من كلامهم ، ليس بالوجه.
فهذه ثلاثة فصول في (كلا) : أحدها : أن لفظه مفرد ، خلافا للكوفي (٥). والثاني : أن لامه واو (٦) ، خلافا لأبي سعيد. والثالث : أن التاء بدل ، وليست بزائدة ، خلافا للجرمي. وإذا ثبت هذا ، فالواجب في التأكيد أن يبدأ ب (كل). فيقال : جاءني القوم كلّهم أجمعون. قال تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) (٧). ولو قيل : جاءني القوم أجمعون كلهم ، لم يجز لقوة (كل) حيث يلي العامل ، ولضعف (أجمعين).
واعلم أنّ (أجمع) لم يستعمل تثنيته ، واستغنى عنه ب (كلا) كما استغنوا ب (ترك) عن (ودع) و (وذر). [١٠١ / ب]. و (أجمع) لا ينصرف ، للتعريف (٨) ، ووزن الفعل. فهو مثل : أحمد.
وليس مثل : أحمر ، لأنهم قالوا : أجمعون ، وأجمعين. ولو كان (أجمع) صفة ، كأحمر ، لقيل : جمع ، كما قيل : حمر ، في (أحمر). فلما قيل : أجمعون ، علم أن الأمر بخلاف ما ادعاه أبو إسحاق.
__________________
(١) أسنت القوم : أجدبوا ، وأصابهم قحط. التاج (سنت) ٤ : ٥٦٩.
(٢) ١٧ : سورة الإسراء ٢٣.
(٣) وكذلك أمالها : خلف. إتحاف الفضلاء ٢٨٢ ، والخزانة ١ : ١٣١.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) الإنصاف (مسألة ٦٢) ٢ : ٤٣٩.
(٦) الكتاب ٣ : ٣٦٤.
(٧) ١٥ : سورة الحجر ٣٠.
(٨) المقتضب ٣ : ٣٤٢ ، والأصول ٢ : ١٩.
وقولهم : جمعاء ، لا يدل على أنه مثل : أحمر ، وحمراء ، لأن (جمعاء) كالطرفاء ، والقصباء ، والحلفاء.
و (جمع) لا ينصرف ، أيضا لأنه معرفة وهو معدول عن (جماعى) لأن (جمعاء) اسم كصحراء فيجمع على : صحارى. فلما عدل عن (جماعى) إلى (جمع) وكان معرفة ، لم ينصرف.
وسنرى ذلك ، إن شاء الله. ف (أجمع) ليس بصفة ، ك (أجمعين). كما أن (الأعجمين) في قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (١٩٨) (١) ، ليس بجمع (أعجم) إنما جمع أعجم : عجم.
مثل : أحمر ، وحمر. ف (أعجمون) جمع أعجميّ. جمع بالواو ، والنون. مثل (إلياسين) في جمع (إلياس) في قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) (١٣٠) (٢) ، ومقتوين. [قال الشاعر] :
٢٥٤ ـ تهدّدنا ، وتوعدنا. رويدا |
|
متى كنّا ، لأمّك مقتوينا (٣) |
ف (مقتوين) جمع : مقتويّ ، شاذ عن القياس ، لأنه كان ينبغي أن يقال : مقتون ، لأنه : مقتى ، ومقتون. وهو من : اقتوى ، يقتوي. ووزن (اقتوى) : افعلّ ، وليس : افتعل ، من قوي ، إنما هو من القتو. وأصله : اقتووا. إلا أن الواو الأخيرة ، قلبت ياءا ، لوقوعها خامسة. فنظير اقتوى : ارعوى.
لأن ارعوى [افعلّ](٤) وهو لازم ، وليس بمتعد. [قال الشاعر] :
٢٥٥ ـ ... |
|
فإنّي ، خليلا صالحا ، بك مقتوي (٥) |
لا ينتصب (خليلا) بمقتو ، لأنه لازم ، وإنما ينتصب بمضمر. أي : متخذ خليلا ، أو متبدل خليلا بك ، فأضمره ، لأنه مفهوم.
باب البدل
[قال أبو الفتح] : اعلم أن البدل يجري مجرى التوكيد ، في التحقيق ، والتشديد ، ومجرى الوصف في الإيضاح ، والتخصيص.
[قلت] : نعم. البدل ، كما قال في الإيضاح ، والتخصيص ، كالصفة. ولكن يفارقه في باب العامل. لأن العامل مكرر في البدل. والبدل ، في التقدير ، من جملة أخرى [١٠٢ / أ] ، بخلاف الوصف ، لأن العامل ، في الصفة ، هو العامل في الموصوف. وفي البدل ، ليس كذلك. قال تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ)(٦). فقوله : (من آمن) ، بدل : (للذّين). وكرر اللام ، وأعادها ، فيكون في المرفوع ، والمنصوب كذلك.
__________________
(١) ٢٦ : سورة الشعراء ١٩٨.
(٢) ٣٧ : سورة الصافات ١٣٠.
(٣) البيت من الوافر ، لعمرو بن كلثوم. في : المعلقات السبع ٢٥٠ ، واللسان (قوا) ١٥ : ١٦٩ ، والخزانة ٧ : ٤٢٧ ، ٤٢٨ ، ٨ : ٨٠ ، ٨١.
(٤) الأصل غير واضح.
(٥) البيت من الطويل ، ليزيد بن الحكم الثقفي ، وصدره :
تبدل خليلا بي كشكلك شكله |
|
... |
وهو في : الخزانة ٣ : ١٣٣.
(٦) ٧ : سورة الأعراف ٧٥.
والصفة بخلاف هذا. فلو قلت : زيد ذهب عمرو أخوه ، امتنع من وجه ، وجاز من وجه. إن جعلت أخاه بدلا ، لم يجز ، لأنه في تقدير : زيد ذهب عمرو ، ذهب أخوه. فلا يكون في : ذهب عمرو ، عائد يعود إلى المبتدأ ، لأن البدل في تقدير تكرير العامل. وإن جعلت (أخاه) صفة لعمرو ، صحت المسألة ، لعود الضمير من الصفة إلى المبتدأ. والعائد من الصفة ، كالعائد من الموصوف ، لأن الصفة كالجزء من الموصوف ، وكبعض حروفه ، بدلالة : لا رجل ظريف في الدار ، ويا زيد بن عمرو ، ويا زيد الظريفاه ، في قول يونس (١). والبدل يفارق الصفة ، من جهة أخرى ، وهو أنه ، يجوز صفة الاسم بالجملتين. تقول : مررت برجل قام أبوه ، وبرجل أبوه قائم. فتصف المنكور بالاسمية والفعلية. ولا يجوز أن تبدل الجملة من المفرد ، لأن البدل في تقدير تكرير العامل. والعامل لا يستعمل مع هذه الجمل. وجاز الوصف بها ، كما جاز الوصل بها ، كما جاز الوصل بها في قولك : مررت بالذي قام أبوه ، وبالذي أبوه قائم ، من حيث إن الوصف كالوصل. ويفارق البدل الصفة ، من جهة أخرى.
وهو أن الصفة ينبغي أن تكون طبق الموصوف في : التعريف ، والتنكير ، والإظهار ، والإضمار ، والبدل بخلافه ، لأن إبدال النكرة من المعرفة ، والمعرفة من النكرة ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من المظهر ، جائز حسن ، جاء به التنزيل على ما ذكره في الأصل. فهذا فرقان ما بينهما.
[قال أبو الفتح] : وعبرة البدل ، أن يصلح فيه حذف الأول ، وإقامة الثاني مقامه. هذا فيه نظر ، وقد اعتمده الحذاق. وإنما قالوا ذلك من حيث الإعراب ، لا أن الأول [١٠٢ / ب] ، يقدر إسقاطه من الكلام رأسا. ألا ترى أنه قد جاء : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٢). فقوله : (أن يوصل) : في موضع الجر ، بدل من الهاء. ولو قدرنا إسقاط الهاء من اللام ، لم يكن في الصلة ، ما يعود إلى الموصول.
[قال الشاعر] :
٢٥٦ ـ وكأنه لهق السّراة ، كأنّه |
|
ما حاجبيه معيّن بسواد (٣) |
ف (حاجبيه) بدل من الهاء. ثم قال : معين ، ولو لم تكن عبرة البدل ، بالمبدل منه. لقال : معيّنان. فثبت أن المبدل منه معتبر ، معتمد ،. وإنما يكون ذلك في باب الإعراب.
ثم قسم البدل إلى أربعة أقسام : بدل الشيء من الشيء : وهما لعين واحد ، كقولك : رأيت زيدا ، أبا عبد الله. فأبو عبد الله ، هو زيد. ولو كان (أبو عبد الله) غيره ، لم يجز أن يكون بدلا منه. فإذن ، قول الرماني ، في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) (٤) : إن انتصاب كل على البدل من المنصوب ب (إنّ) فاسد.
__________________
(١) الكتاب ١ : ٤٢٨ ، وفيه : " زعم يونس أنه يقول : مررت بزيد مثلك ، إذا أرادوا بزيد المعروف بشبهك ، فتجعل مثلك معرفة".
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧. وينظر : مجمع البيان ١ : ٦٩.
(٣) سبق ذكره رقم (٧٩).
(٤) ٥٤ : سورة القمر ٤٩.
والثاني : بدل بعض من كل : كقولك : ضربت زيدا ، رأسه ، وصرفت وجوهها أوّلها ، بدلا من المضاف إليه. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١). فجر (من) على البدل من الناس ، بعضا من كل.
والثالث : بدل الاشتمال : كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٢). فجر (قتالا) على البدل من (الشهر) لأنه مشتمل عليه. ومن رفع (قتالا) (٣) فكأنه أضمر همزة الاستفهام ، على تقدير : أقتال فيه ، وهو ضعيف جدا ، لأن إضمار الهمزة قد جاء إذا كان في الكلام دليل عليه ، مثل [قول الشاعر] :
٢٥٧ ـ لعمرك ، لا أدري ، وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر ، أم بثمان (٤) |
أي : أبسبع؟. فحذف لدلالة (أم) عليها. إلا أن أبا الحسن ، قد قال ، في قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ)(٥) : إنّ المعنى : أو تلك نعمة ، فحذف الهمزة (٦). وقيل في قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٧) : إن التقدير : أفظنّ : فحذف (٨).
والرابع : بدل الغلط : وهو لا يجيء في الفصيح من الكلام ، كقولك : مررت برجل حمار ، أردت : بحمار ، فنسيت ، فقلت : برجل ، ثم تذكرت ، فقلت : بحمار. وحقه أن تقول : بل حمار.
[قال أبو الفتح] : ويجوز أن تبدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، والمعرفة [١٠٣ / أ] من النكرة ، والنكرة من المعرفة ، والمظهر من المظهر ، والمضمر من المضمر ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من المظهر ، كل ذلك جائز.
فبدل المعرفة من المعرفة : قام أخوك زيد.
وبدل النكرة من النكرة ، نحو : مررت برجل ، غلام.
وبدل النكرة من المعرفة : مررت بزيد ، غلام امرأة. قال الله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(٩) ، فأبدل (ناصية) من (الناصية). وقوله : بزيد ، غلام امرأة ، أبدل (غلاما) من (زيد) وهو على غير لفظه ، بخلاف الآية. فزعم الكوفي : أنّ هذا غير جائز ، وإنما ينبغي أن يكون إبدال النكرة من المعرفة ، إذا كان على لفظه. والأمر بخلاف ما قال ، لأن الأمرين قد جاءا.
__________________
(١) ٣ : سورة آل عمران ٩٧.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢١٧.
(٣) وهو : الأعرج. تفسير القرطبي ٣ : ٤٤.
(٤) البيت من الطويل ، لعمر بن أبي ربيعة ، في : ديوانه ٢٦٦ ، والكتاب ٣ : ١٧٥ ، والتحصيل ٤٤٢ ، والمقتضب ٣ : ٢٤٩ ، والمغني ١ : ١٤ ، والخزانة ١١ : ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٣٢. وبلا نسبة في : ابن عقيل ٢ : ٢٣٠.
(٥) ٢٦ : سورة الشعراء ٢٢.
(٦) معاني القرآن ـ للأخفش ٢ : ٤٢٦ ، وتفسير القرطبي ١٣ : ٩٦ ، وفيه : رد النحاس على الأخفش.
(٧) ٢١ : سورة الأنبياء ٨٧.
(٨) والذي قال ذلك هو : سليمان ، أبو المعتمر. ينظر : القرطبي ١١ : ٣٣٢.
(٩) ٩٦ : سورة العلق ١٥ ، ١٦.
[قال الشاعر] :
٢٥٨ ـ إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم |
|
كساعد الضّبّ ، لا طول ، ولا قصر (١) |
فأبدل (طولا) مما قبله ، وهو على غير لفظه. والأول معرفة ، والثاني نكرة.
[وقال الشاعر] :
٢٥٩ ـ فلا وأبيك ، خير منك ، إنّي |
|
ليؤذيني التّحمحم ، والصّهيل (٢) |
فأبدل (خير منك) وهو على غير لفظ (أبيك) منه ، فبطل قول الكوفي.
[قال أبو الفتح] : وبدل المعرفة من النكرة : مررت برجل ، زيد. وبدل النكرة من المعرفة : ضربت زيدا ، رجلا.
وبدل المظهر من المضمر : مررت به ، أبي محمد. [قال الفرزدق] :
٢٦٠ ـ على حالة ، لو أنّ في القوم حاتما |
|
على جوده ، لضنّ بالماء حاتم (٣) |
جرّ (حاتما) لأنه بدل من الهاء في (جوده).
قوله : مررت به ، أبي محمد ، أجمعوا على جوازه. ولو قلت : مررت بك ، أبي محمد ، أو : مررت بي ، أبي محمد ، لم يجز ، لأن الإبدال ، أعني : إبدال الشيء من الشيء ، وهما لمعنى واحد في باب المتكلم ، والمخاطب ، ممتنع ، لغاية وضوحه ، وبيانه ، بخلاف ضمير الغائب ، لأنه يقع فيه اللبس. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)(٤) : لا يكون (الذين) بدلا من الكاف والميم في (ليجمعنّكم) لما ذكرنا. [فإن قلت] : فقد أنشد الفراء :
٢٦١ ـ فلأحشأنّك مشقصا أوسا ، |
|
أويس من الهباله (٥) |
فنصب (أوسا) على البدل من الكاف. [وقال الشاعر] :
٢٦٢ ـ ذريني ، إنّ أمرك لن يطاعا |
|
وما ألفيتني ، حلمي مضاعا (٦) |
__________________
(١) البيت من البسيط ، لم أهتد إلى قائله.
(٢) البيت من الوافر ، لشمير بن الحارث الضبي ، في : نوادر أبي زيد ١٢٤ ، والخزانة ٥ : ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٧. وبلا نسبة في : المقرب ٥٢.
(٣) البيت من الطويل ، في : ديوانه ٢ : ٥٤٠ ، وفيه :
على ساعة لو كان في القوم حاتم |
|
على جوده ، ضنت به نفس حاتم |
وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه ، واللسان (حتم) ١٢ : ١١٥ ، وبلا نسبة في : شرح شذور الذهب ٢٤٥.
(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٢.
(٥) البيت من مجزوء الكامل ، بلا نسبة في : اللسان (هيل) ١١ : ٦٨٧.
حشأه سهما : رماه ، وأويس : مصغر أوس ، وهو : الذئب ، وأويس : منادى ، الهبالة : اسم ناقة لأسماء بن خارجة.
(٦) البيت من الوافر ، لعدي بن زيد العبادى ، في : ديوانه ٣٥ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٤٢٤ ، ولرجل من خثعم أو بجيلة. في : الكتاب ١ : ١٥٦ ، والتحصيل ١٢٤. وبلا نسبة في : ابن يعيش ٣ : ٦٥ ، وابن عقيل ٢ : ٢٥١.
فأبدل (حلمي) من ياء المتكلم.
[وقال الآخر] ، [١٠٣ / ب] :
٢٦٣ ـ أوعدني بالسّجن ، والأداهم |
|
رجلي ، ورجلي شثنة المناسم (١) |
فأبدل (رجلي) من ياء المتكلم ، في (أوعدني). فما بال (الذين خسروا) ، لم يجز أن يكون بدلا من الكاف والميم؟.
[قلت : إن] أبا علي زعم أنّ انتصاب (أوس) على أنه مصدر من : أسته أوسا ، فنصب (أوسا) ب (لاحشأنك) لأنه كأنه قال : لأؤوسنّك أوسا ، فلا حجة فيه. وأما البيتان الآخران ، فالبدل فيهما : بدل الاشتمال ، لا بدل الشيء من الشيء ، وهما لعين واحد كما هو في الآية. وأما قول الفرزدق :
... |
|
على جوده لضنّ بالماء حاتم |
فإنه كما قال. جر (حاتما) على البدل من الهاء. وقد روي :
... |
|
... ضنّت به نفس حاتم |
فعلى هذا ، لا حجة في البيت ، على إبدال المظهر من المضمر ، فحينئذ ، الحجة : (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٢) والبيت الذي أنشدتكه. وروي :
... |
|
... ما جاد بالماء حاتم |
فهو حجة ، أيضا. وليس لأحد أن يرفع (حاتما) ب (ضن) أو (جاد) لأن القافية مجرورة وقبله :
٢٦٤ ـ فلمّا تصافنّا إلأداوة ، أجهشت |
|
إليّ غضون العنبريّ الجراضم |
فجاءت بجلمود له مثل رأسه |
|
ليشرب ماء القوم بين الصّرائم (٣) |
على حالة ... |
|
... البيت (٤) |
فكما أن هذه القوافي مجرورة ، فكذلك : ما جاء بالماء حاتم.
وبدل المضمر من المظهر : رأيت زيدا ، إياه.
وبدل المضمر من المضمر : رأيته ، إياه.
واعلم أن الفعل يبدل من الفعل ، كما أن الاسم يبدل من الاسم. وإنما يجوز ذلك ، إذا كان الفعل الثاني ضربا من الأول ، أو : هو هو ، كقولك : إن تأت تمش ، آتك. فتبدل (تمش) من (تأت) لأنه ضرب منه. ولو قلت : إن تأت تأكل ، آتك ، لم يجز ، لأن الأكل ليس من الإتيان ، في شيء.
__________________
(١) من الرجز ، للعذيل بن الفرخ. في : الخزانة ٥ : ١٨٨ ، ١٨٩ ، ١٩٠.
وبلا نسبة في : ابن يعيش ٣ : ٧٠ ، وابن عقيل ٢ : ٢٥١ ، وشرح شذور الذهب ٤٤٢.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧.
(٣) البيتان من الطويل ، في : ديوانه ٥٣٩.
تصافنا : اقتسمنا الماء. أجهشت : بكت. الجراضم : الأكول. الصرائم : جمع صرمة ، وهي القطيع من الإبل.
(٤) قطعة بيت من الطويل ، سبق ذكره رقم (٢٦٠).