أبي الفتح عثمان بن جنّي
المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠
ويجوز أن يرتفع بفعل مضمر ، (انظر) تفسيره. أي : انظر أنت فانظر.
وإذا كان الأمر هكذا ، فأين قول أبي الفتح : أقمت معه أربعين سنة؟!. وهذا مسطور في أنفس كتبه (١) ، وهو تعقب هذا الكتاب حرفا حرفا ، ولم يذكره معللا لقراءة سعيد ، رضي الله عنه ، بل ارتكب ذاك الوجه الضعيف.
وأعجب من ذا ، أن الرازي (٢) قد تبعه ، ونقل عنه. أعني تشبيه (إن) ب (ما).
ولا يعجبنك إقدامنا على هذا الشيخ ، أحيانا ، وتذكر قول [الشاعر] :
١٢٥ ـ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها |
|
كفى المرء فضلا ، أن تعدّ معايبه (٣) |
فإجازته في قوله :
١٢٦ ـ ... |
|
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا (٤) |
على أنه يكون كقولك :
١٢٧ ـ ولا [٥١ / أ] ترضّاها ، ولا تملّق (٥)
وكقوله : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(٦) و (مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ)(٧) و :
١٢٨ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
... (٨) |
__________________
(١) لعله عنى كتاب الحجة ـ لأبي علي الفارسي.
(٢) هو : عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن ، أبو الفضل ، الرازي ، العجلي (ت ٤٥٤ ه). قرأ القرآن على : علي بن داود ، الداراني ، وأبي عبد الله ، الحسين بن عثمان ، المجاهدي ، وآخرين روى عنه القراءة : محمد بن إبراهيم بن محمد ، ومنصور بن محمد بن الحسن بن محمد. كان : ثقة ، وإماما في القراءات ، أوحد في طريقته ، عالما بالأدب ، والنحو : ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٦٢ ، ٣٦٣.
(٣) البيت من الطويل ، بلا نسبة في التنبيه على الأمالي ١٥ (عجزه) وفيه : نبلا ، بدل : فضلا.
(٤) عجز بيت من الطويل ، سبق ذكره رقم (٢).
(٥) من الرجز ، لرؤبة ، وقبله :
... |
|
إذا العجوز غضبت فطلق |
وهو في : ملحق ديوانه ١٧٩ ، واللسان (رضي) ١٤ : ٣٢٤ ، والخزانة ٨ : ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٣٠٧ ، والإيضاح ٢ : ٤٦٠ ، والإنصاف ١ : ٢٦ ، وشواهد التوضيح ٧٣ ، والشافية ٣ : ١٨٥.
(٦) ٢٠ : سورة طه ٧٧.
(٧) ١٢ : سورة يوسف ٩٠ ، وهي قراءة ابن كثير ، برواية (قنبل). السبعة ٣٥١ ، ومجمع البيان ٥ : ٢٥٩.
(٨) البيت من الوافر ، لقيس بن زهير العبسي ، وعجزه :
... |
|
بما لاقت لبون بني زياد |
وهو بهذه النسبة في : التحصيل ٤٨٥ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ٢ : ١٨٨ ، والخزانة ٨ : ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، ٩ : ٥٢٤.
وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٣١٦ ، والإنصاف ١ : ٣٠ ، والجمل ١ : ٤٨٢ ، وابن يعيش ٨ : ٢٤ ، وشواهد التوضيح ٧٣ ، والإيضاح ١ : ٢٧٧.
أو يكون على قوله :
١٢٩ ـ أري عينيك ما لم تر أياه |
|
كلانا عالم بالتّرهات (١) |
فحذف الألف للجزم ، ثم أبدل من الهمزة ألفا. ثم منع هذا الوجه الأخير في الفاتحة (٢) ، بعد تجويزه في مواضع شتى ، فالجواد قد يعثر ، والسيف قد ينبو.
[قال أبو الفتح] : وتكسر (إنّ) في كل موضع ، لو طرحتها منه ، لكان ما بعدها مرفوعا بالابتداء. تقول : إن زيدا قائم. فتكسر (إنّ) لأنك لو حذفتها ، لقلت : زيد قائم. وتفتح (أنّ) ، في كل موضع ، لو طرحتها منه ، وما عملت فيه ، لقلت : بلغني ذاك ومعنى الكلام ، معنى المصدر.
تقول : بلغني أنّ زيدا قائم. فتفتح (أنّ) ، لأنك ، لو طرحتها ، وما عملت فيه ، لقلت : بلغني ذاك.
ومعنى الكلام : بلغني قيام زيد.
[قلت] : اعتبر في كسر (إنّ) ، وفتحها الابتداء ب (إنّ) ، وقيام المصدر ، مقام (إنّ). وهذا ، وإن كان كذلك ، فالأحسن منه ، ما ذكره من أقام معه ، أربعين سنة ، وفهم عنه ، ما لم يفهم أحد ، وذلك ، لأنه قال : كل موضع احتمل وقوع كلتا الجملتين فيه ، فالباب كسر (إنّ). وكل موضع اختصّ بإحداهما ، فالباب فتح (أنّ) تقول : إنّ زيدا قائم ، بالكسر ، لأنك ، لو قلت : قال زيد : عمرو قائم ، أو قلت : قال زيد : قام عمرو ، جاز. وتقول : قال عمرو : إنّ محمدا رسول الله ، لأنك ، لو قلت : قال عمرو : محمد رسول الله ، أو قلت : قال عمرو : أرسل الله محمدا ، صح. وتقول : لو لا أن زيدا قائم لهلك عمرو ، فتفتح (أنّ) ، لأن (لو لا) تختص بإحدى الجملتين ، وهي الاسمية دون الفعلية. فعلى هذا يدور فتح (أنّ) وكسرها. وإن كان ما ذكره صالحا ، لكن هذا أوجه ، لأن (لو لا) يرتفع ما بعده بالابتداء ، ولا يكسر فيه (أنّ). وتقول : أول ما أقول إني أحمد الله ، بالكسر والفتح.
فالكسر ، لأنه حكاية القول ، على تقدير : أول قولي ، هذه المقالة ، والخبر محذوف. أعني خبر المبتدأ [٥١ / ب] ، والتقدير : أول قولي هذه المقالة ، موجود ، أو حاصل. والفتح على تقدير : أول ما أقوله قولي هذا ، فهو خبر. فالفتح ، لأنه مبني على المبتدأ.
وزعم (٣) أن الكلام إذا كان قصة ، وحديثا ، فالكسر. وإذا كان مبنيا على شيء ، فالفتح.
وتقول : ظننت أنّ زيدا قائم ، فتفتح (أنّ) لأن الموضع يختص بالاسمية دون الفعلية. فأما قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)(٤) وقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما
__________________
(١) البيت من الوافر ، نسب إلى سراقة البارقي ، وهو في ملحق ديوان ابن قيس الرقيات ١٧٨. والمشكل ٢ : ٣٠٤ ، والمغني ٢ / ٤٨٥.
وبلا نسبة في : الخصائص ٣ : ١٥٣ ، والشافية ٣ : ٤١.
(٢) الحجة ـ لأبي علي الفارسي ١ : ٦٨ ، ٦٩.
(٣) أي : سيبويه. الكتاب ٣ : ١٤٢.
(٤) ١٠ : سورة يونس ٦٥.
يُعْلِنُونَ) (٧٦) (١) ، فكسر (إنّ) في الآيتين ليس على القول ، بل الكلام تم عند قوله : (قولهم) ثم استأنف. وهذا ظاهر. وإنما ذكرته ، لأن بعضهم توهم ، خلاف ذلك. كما أن أكثرهم توهموا على يزيد (٢) في قراءته : (لِيَجْزِيَ قَوْماً)(٣) أن تقديره : ليجزى الجزاء قوما. قالوا : ولا يجوز : ضرب ضرب زيدا ، إنما لم يجز ، لأن المصدر إذا أقيم مقام الفاعل ، يوصف. وتقديره : ليجزى الجنة قوما (٤). ولا يجوز أنّ تقدير الآية : ليجزى الجزاء قوما ، لأن يجزى يدل على الجزاء.
ثم ذكر من بعد ذلك أن (إنّ) تأتي بمعنى : نعم. وأنشد البيت ، وهو قوله :
١٣٠ ـ ... |
|
... فقلت إنّه (٥) |
أي : نعم. وردّ على القتيبي (٦) ، قوله في غريب الحديث (٧) ، نصا في هذا البيت ، فقلت : إنه ، أي : إنه كذلك. كما قال : (فإن ذلك) (٨) ، ولم يقل : كذلك. وعدل أبو الفتح إلى هذا القول ، وأنّ الهاء للاستراحة ، وأن الكلام لا يحمل على الحذف ، ما وجد عنه مندوحة ، [و](٩) لا سيما والباب باب الحروف دون الأفعال ، وهي أقل تصرفا منها.
[قال أبو الفتح] : فإن عطفت على اسم (إنّ ، ولكنّ) بعد خبرهما ، جاز لك في المعطوف : النصب على اللفظ ، والرفع على موضع الابتداء. تقول : إن زيدا قائم وعمرا. وإن شئت ، قلت : وعمرو. وكذلك : لكنّ جعفرا منطلق وبشرا. وإن شئت ، قلت : وبشر. ولا يجوز العطف على موضع الابتداء ، مع بقية أخواتها ، لزوال معنى الابتداء منها. ولكن تقول : ليت زيدا خارج ، وبكرا.
__________________
(١) ٣٦ : سورة يس ٧٦.
(٢) أي : أبو جعفر المدني. وقد سبقت ترجمته ص ٣١.
(٣) ٤٥ : سورة الجاثية ١٤. وهي كذلك قراءة : عاصم ، وشيبة ، والأعرج. ينظر : مجمع البيان ٩ : ٧٤ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ١٦٢ ، والنشر ٢ : ٣٧٢.
(٤) مجمع البيان ٩ : ٧٤ ، نقل عن الشارح قوله : (معناه : ليجزى الخير قوما ، فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه ، وليس التقدير : ليجزى الجزاء قوما ، لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ، ومعك مفعول صحيح).
(٥) البيت من مجزوء الكامل ، لابن قيس الرقيات ، وتمامه :
ويقلن : شيب قد علا |
|
ك ، وقد كبرت ، فقلت : إنه |
وهو في : ديوانه ٦٦ ، والتحصيل ٥٥٣ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٨٥ ، واللسان (إنن) ١٣ : ٣١ ، والخزانة ١١ : ٢١٣ ، ٢١٦.
وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ١٥١ ، ٤ : ١٦٢ ، والإيضاح ٢ : ٢٢٢ ، وابن يعيش ٣ : ١٣٠ ، والمغني ١ : ٣٨ ، ٢ : ٦٤٩.
(٦) هو : عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦ ه). أخذ عن أبي حاتم السجستاني ، وأخذ عنه ابن درستويه. من آثاره : (غريب القرآن) ، و (غريب الحديث) ، و (عيون الأخبار). وينظر : نزهة الألباء ١٥٩.
(٧) غريب الحديث ـ لابن قتيبة ١ : ٥٣٧.
(٨) جزء من حديث للرسول عليه الصلاة والسّلام سبق تخريجه ص ١١٠.
(٩) دخول الواو على : لا سيما ، واجب. قال ثعلب : من استعمله على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس :
ألا ربّ يوم صالح لك منهما |
|
ولا سيما يوم بدارة جلجل |
فهو مخطئ. ينظر : المغني : ١ / ٢٧٧.
وبكر إن عطفته على الضمير في خارج ، جاز. وفيه ضعف حتى تؤكده ، فتقول : خارج هو وبكر.
[قلت] : اعلم أنك ، إذا قلت : إن زيدا قائم وعمرو ، جاز نصب عمرو ، ورفعه. فالنصب [٥٢ / أ] على لفظ زيد ، والرفع من ثلاثة أوجه :
[الأول] : أن يكون رفع عمرو على موضع (إن زيدا) وذلك ، لأن موضع قولك : إنّ زيدا قائم ، مبتدأ. ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول : زيد قائم ، وبين أن تقول : إن زيدا قائم ، فالمعنيان واحد.
[الوجه الثاني] : أن يرتفع عمرو بالعطف على الضمير ، في قولك : إن زيدا قائم. أي : قائم هو وعمرو. ولكنك إذا أردت هذا ، فالأحسن إظهار الضمير.
[الوجه الثالث] : أن يرتفع عمرو بالابتداء ، والخبر مضمر. والتقدير : إن زيدا قائم وعمرو.
أي : وعمرو قائم. وهذه الأوجه الثلاثة ، تجوز في (لكنّ).
فأما ليت ، ولعل ، وكأنّ ، فيجوز فيهن وجهان. ولا يجوز فيه الحمل على الابتداء. ألا ترى أن قولك : ليت زيدا قائم ، بخلاف قولك : زيد قائم ، في المعنى. فلما تغير المعنى ، زال الابتداء ، ولم يجز الحمل عليه. ونظير هذا قولهم : (إن الذي يأتيني ، فله درهم) يجوز دخول الفاء في خبر الذي مع (إنّ) ، كما يجوز إذا لم تذكر (إنّ). قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ)(١) كما قال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٢) و (الذي) إذا كان مبتدأ ، دخل الفاء في خبره.
ولو قلت : ليت الذي يأتيني فله درهم ، لم يجز ، لأنه زال معنى الابتداء ، بدخول ليت. كما لم يجز العطف على موضع الابتداء في : ليت ، ولعل ، وكأن لم يجز دخول الفاء معهن فهاتان نتيجتان من بقاء معنى الابتداء ، بدخول (إنّ).
فأما (أنّ) المفتوحة ، فلا شك أنه يجوز فيه ما يجوز في (ليت) وهل يجوز فيه الوجه الآخر ، أعني الحمل على موضع (أنّ) ، فإن سيبويه ، لما ذكر الحمل على موضع (إنّ) من قولهم : إن زيدا قائم وعمرو ، قال : وقد جاء ذلك في التنزيل : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(٣) فزعم (٤) بعض الناس : أن سيبويه ، توهم أن قوله : (أنّ الله) بالكسر دون الفتح ، لهذا ذكر الآية. وإلا فلا يجوز الحمل على موضع (أنّ) ، كما لا يجوز الحمل على موضع : ليت ، ولعل ، وكأن.
وأبو الفتح سكت عن (أنّ) ، في اللمع ، وظاهر كلامه أنه أجراه مجرى (ليت) [٥٢ / ب] و (لعل). ولا ينبغي له ذلك ، لأنه ذكر في التنبيه عند قوله :
__________________
(١) ٨٥ : سورة البروج ١٠.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧٤.
(٣) ٩ : سورة التوبة ٣.
(٤) أي : سيبويه : الكتاب ٢ : ١٤٤ ، تحت باب : (ما يكون محمولا على إنّ ، فيشاركه فيه الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الابتداء).
١٣١ ـ فلا تحسبي أنّي تخشّعت بعدكم |
|
لشيء ، ولا أنّي من الموت أفرق |
ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم |
|
ولا أنّني بالمشي ، في القيد أخرق (١) |
قال : هذا شاهد لما جوزه صاحب الكتاب ، من أن قوله : (أنّ الله برئ من المشركين ورسوله) أن (أنّ) بمنزلة (إنّ) ، وأن ارتفاع قوله : (ورسوله) بالحمل على موضع (أنّ) ، كما جاز في (إن). ألا ترى أنه قال :
١٣٢ ـ ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم |
|
... |
فحمل الكلام على موضع قوله :
١٣٣ ـ فلا تحسبي أني تخشّعت بعدكم |
|
... |
ألا ترى أن الموضع ، قبل دخول (أنّ) ، والحسبان ، موضع ابتداء ، فجاء : ولا أنا ممن يزدهيه ، على ذلك.
قال : ونظيره قوله عز ، وجل : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٥٢) (٢). فجاء قوله : (وأنا ربّكم) على موضع : (هذه أمّتكم). وإذا كان كذلك ، ف (أنّ ، وإنّ) عند صاحب الكتاب ، سيان. فذكر (إنّ) ، ثم استشهد بالآية ، اعتقادا ، منه ، أن (أنّ) بهذه المنزلة. ففي قوله : (ورسوله) ، يجوز الرفع من ثلاثة أوجه :
[الأول] : أن يكون محمولا على موضع قوله : (أنّ الله بريء).
[الثاني] : أن يكون محمولا على الضمير ، في قوله : (بريء) أي : بريء هو ، ورسوله. [فإن قلت] : فإنه لم يؤكد الضمير. وقد زعمت : أن الأحسن توكيده ، إذا حمل عليه ذلك. هاهنا حسن لطيف ، وذلك ، لأنه إذا لم يظهر الضمير ، وقام مقامه مفعول ، أو غيره ، مما يشبهه يستجاز من أجله العطف على الضمير ، كما يستجاز مع تأكيد الضمير. فقوله هاهنا : (من المشركين) حسّن العطف على الضمير ، في : (فَأَجْمِعُوا)(٣) لأنه أكده بقوله : (أمركم) فحسن العطف. وإذا كانوا يقولون في قوله : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٤) : إن قوله : (آباؤنا) محمول على الضمير في : (أشركنا) لأنه طال بقوله : (ولا). و (لا) أكدت الضمير ، ولم تأت قبل واو العطف ، وإنما كانت تؤكده.
أعني الضمير إذا تقدم حرف العطف. فما ظنك بالمفعول وغيره ، حين تقدما على العاطفة. [قال الشاعر] :
١٣٤ ـ فلست بنازل إلّا ألمّت |
|
برحلي ، أو خيالتها الكذوب (٥) |
فعطف (أو خيالتها) ، على الضمير في (ألمت) ، لأنه أكد بقوله : [٥٣ / أ] برحلي. فهذا وجه
__________________
(١) البيتان من الطويل ، لجعفر بن علبة الحارثي ، في : ديوان الحماسة ١ : ١١ ، ١٢ ، والخزانة ١٠ : ٣٠٣ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٧.
(٢) ٢٣ : سورة المؤمنون ٥٢.
(٣) ١٠ : سورة يونس ٧١.
(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٤٨.
(٥) البيت من الوافر ، بلا نسبة في : ديوان الحماسة ١ : ١١٢ ، وهمع الهوامع ٥ : ٢٧٥ ، والخزانة ٥ : ١١٩.
رفع رسول.
[الثالث] : أن يرتفع قوله : (ورسوله) بالابتداء. وخبره مضمر. أي : ورسوله بريء. وروي عن عباس (١) ، عن أبي عمرو : (ورسوله) نصبا (٢) بالحمل على لفظة الله. وقد جوزوا الجر في : (رسوله) على أن يكون الواو واو القسم. وهذا كله ، أعني الحمل على موضع : (أنّ ، وإنّ ، ولكنّ) ، إنما يجوز إذا كان المعطوف بعد ذكر الخبر. فأما إذا كان قبل الخبر ، فإنه لا يجوز. لا تقول : إن زيدا وعمرو قائمان ، لأنك قد جئت ب (إنّ) وأعملته في المنصوب ، ثم جئت بالمرفوع ، حملا على الابتداء. فلا يجوز أن تشركهما في الخبر. لأن العاملين قد اختلفا. فلا يجوز من أجل ذا. فأما قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ)(٣). فليس (الصّابئون) محمولا على موضع (إنّ) ، لأنه جاء قبل الخبر. ولكنه ، كما قال سيبويه : إن التقدير : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والصابئون كذلك (٤). فالصابئون مبتدأ ، والخبر محذوف ، ففصل به بين الاسم ، والخبر. ومثله قول قائلهم :
١٣٥ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني ، وقيّار ، بها لغريب (٥) |
أي : فإني لغريب بها ، وقيار كذلك. ففصل بين الاسم ، والخبر كما ترى. وإذا جاز :
١٣٦ ـ ... |
|
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (٦) |
فما ظنك بهذا؟!. ولا فرق بين قولك : إن زيدا الظريف قائم ، وبين قولك : إن زيدا قائم الظريف ، في الحمل على الموضع ، يجوز الرفع ، والنصب في الصفة بخلاف الخبر ، لأن الخبر اختلف عاملاه. أعني عاملي اسمهما. وأما قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٤٨) (٧) فيقذف خبر. وعلام خبر آخر. ويجوز أن يكون صفة محمولة على موضع (إن). وقد روي
__________________
(١) هو : العباس بن الفضل ، الأنصاري ، البصري (ت ١٨٦ ه). أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء ، وقال فيه : لو لم يكن في أصحابي إلا عباس لكفاني. أخذ القراءة عنه حمزة بن القاسم ، وعامر بن عمر الموصلي وغيرهما.
ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٥٣.
(٢) لم أقف على هذه القراءة لأبي عمرو ، وإنما رويت عن : يعقوب ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وزيد بن علي ، والحسن.
إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٥ ، ومجمع البيان ٥ : ٤ ، وتفسير الرازي ١٥ : ٢٣١ ، وتفسير القرطبي ٨ : ٧٠.
(٣) ٥ : سورة المائدة ٦٩.
(٤) الكتاب ٢ : ١٥٥ ، وفيه : (كأنه ابتدأ على قوله (والصابئون) بعد ما مضى الخبر).
(٥) البيت من الطويل ، لضابئ بن الحارث البرجمي. في : الكتاب ١ : ٧٥ ، والتحصيل ٩٢ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ١ : ٣١١ ، والإنصاف ١ : ٩٤ ، وابن يعيش ٨ : ٦٨ ، والخزانة ٩ : ٣٢٦ ، ١٠ : ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣٢٠.
وبلا نسبة في : المغني ٢ : ٤٧٥ ، ٢٢٢ ، وهمع الهوامع ٥ : ٢٩٠ ، ٢٩١ ، والتاج (قير) ١٣ : ٥٠٠.
(٦) عجز بيت من الطويل ، سبق ذكره رقم (٥٧).
(٧) ٣٤ : سورة سبأ ٤٨.
بالنصب على هذا (١). وجاء عن الأعمش (٢) مجرورا (٣) (علّام الغيوب) فحمله على قوله : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ)(٤) (علّام الغيوب) (ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله) (٥). [قال أبو الفتح] : وتشبّه لا ، ب (إنّ).
باب لا ، في النفي
اعلم أن (لا) تنصب النكرة ، بلا تنوين ما دامت تليها. وتبنى مع ما بعدها على الفتح كخمسة عشر [٥٣ / ب] تقول : لا رجل في الدار ، ولا غلام لك.
[قلت] : اعلم أن (لا) تبنى مع ما بعدها بناء خمسة عشر ، وذلك لأنه جواب قائل قال : هل من رجل في الدار؟. فجوابه : لا رجل في الدار. لأن قولك : هل من رجل في الدار ، (من) فيه لاستغراق الجنس ، مثلها في قولك : ما جاءني من رجل. وقوله عز وجل : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٦) و (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ)(٧). فكما أن (من) هاهنا ، لاستغراق الجنس ، وهو مع المجرور كالشيء الواحد ، لا يجوز الفصل بينهما ، فكذلك جوابه : لا رجل في الدار ، يكون قولك : لا رجل ، نفيا عاما لاستغراق الجنس ، لأنهم مما يطابقون بين السؤال ، والجواب ، فيحافظون في الجواب ، ما كانوا يحافظونه في السؤال. ألا ترى أن قولهم : من زيد؟ في جواب من قال : مررت بزيد ، وذلك ، إذا قلت : تعال ، وتغدّ ، فقال لك : والله ، لا أتغدّ. ينصرف الكلام إلى هذا المتغدي المدعوّ إليه ، مراعاة بين الكلامين. وهذا أكثر من أن أحصيه لك. واعلم أن (لا) ، هذه إذا بني مع ما بعدها ، على الفتح ، لم يجز أن يتقدم عليها ما في حيزها بتة. ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ)(٨) : أن نصب قوله (يوم يرون) محمول على مضمر. وتقديره : يحزنون يوم يرون ، أو يندمون يوم يرون. ولا يحمل على بشرى يومئذ. ولا يقال التقدير فيه : لا بشرى للمجرمين [يوم](٩) يرون الملائكة ، لأن هذا ، وإن كان يصح في المعنى ، ففي اللفظ فاسد.
لأن (لا) هذه مشبهة ب (إنّ). فكما لا يجوز : طعامك إنّ زيدا آكل ، على تقدير : إنّ زيدا آكل طعامك ، فكذا هاهنا. فعند أبي الحسن : أنّ (لا) أعملت ، كما أعملت (إنّ). فخبر (لا) يرتفع
__________________
(١) قرأ بها : عيسى بن عمر ، وابن أبي إسحاق ، ينظر : إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٦٨٠ ، ومختصر في شواذ القرآن ١٢٢ ، وتفسير القرطبي ١٤ : ٣١٣.
(٢) هو : أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش (ت ١٤٨ ه). أخذ القراءة عن : إبراهيم النخعي ، وزر بن حبيش ، وزيد بن وهب ، وعاصم بن أبي النجود ، وأخذ منه القراءة : حمزة الزيات ، وأبان بن تغلب ، وغيرهما. قال هشام : ما رأيت بالكوفة أحدا أقرا لكتاب الله عز وجل من الأعمش.
ينظر : غاية النهاية ١ : ٣١٥ ـ ٣١٦.
(٣) لم أجد من قرأ بها.
(٤) ٣٤ : سورة سبا ٣.
(٥) سنن الترمذي ٤ : ٢٩٩.
(٦) ٧ : سورة الأعراف ٥٩.
(٧) ٥ : سورة المائدة ٧٣.
(٨) ٢٥ : سورة الفرقان ٢٢.
(٩) الأصل غير واضح.
عنده ، كما يرتفع خبر (إنّ). وعند سيبويه (١) ، أنّ قولك : لا رجل أفضل منك ، يرتفع أفضل ، كما يرتفع خبر المبتدأ. وفائدة هذا الخلاف تظهر في قوله : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ)(٢) لأن (فيها) ، عند سيبويه ، خبر للاسمين. أعني : لغوا وتأثيما ، لأنّ (لغوا) مبتدأ ، ولا تأثيم في موضع المبتدأ. وسد (فيها) مسد الخبرين.
وعند أبي الحسن يرتفع (فيها) [٥٤ / أ] على أنه خبر أحد الاسمين ، وخبر الآخر مضمر كما [قال الشاعر] :
١٣٧ ـ نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف (٣) |
أي : [نحن](٤) بما عندنا [راضون](٥) و «أنت](٦) بما عندك [راض](٧) [وقال الآخر] :
١٣٨ ـ رماني بأمر كنت منه ، ووالدي |
|
بريئا. ومن جول الطّويّ رماني (٨) |
أي : كنت منه بريئا ، ووالدي بريء ، ولم يذكر. وقال عز من قائل : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٩) أي : الله أحق أن يرضوه ، ورسوله كذلك ، ولم يذكر. والفارس (١٠) ، كأنه يقوّي قول أبي الحسن. وإذا ثبت هذا ف (لا) هذه ، غير جائز فيها تقديم ما في حيزها عليها ، وليست مثلها في قولهم : أنت زيدا إلا ضارب. على تقدير : أنت لا ضارب زيدا. وقولهم : جئت بلا شيء.
[وقول الشاعر] :
١٣٩ ـ إذا ما أدلجت وصفت يداها |
|
لها إدلاج ليلة لا هجوع (١١) |
و :
١٤٠ ـ ... |
|
أمسى ببلدة لا عمّ ، ولا خال (١٢) |
__________________
(١) الكتاب ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٦.
(٢) ٥٢ : سورة الطور ٢٣.
(٣) البيت من المنسرح ، لقيس بن الخطيم في : ملحق ديوانه ١٧٣ ، والكتاب ١ : ٧٥ ، والتحصيل ٩٢. وعزاه الفراء ، في معاني القرآن إلى مرار الأسدي ٢ : ٣٦٣ ، ولدرهم بن زيد الأنصاري في الإنصاف ١ : ٩٥ ، ولعمرو بن امرئ القيس في الخزانة ١٠ : ٢٩٥ ، ٤٧٦.
وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ١١٢ ، والمذكر والمؤنث ٦٧٧ ، وشفاء العليل ١ : ٢٧٤.
ورواه الشارح في الأصل :
أنت بما عندنا ، ونحن بما |
|
عندك ، راض والرأي مختلف |
وهذه الرواية لا تحقق مراد الشاعر.
(٤) في الأصل : أنت.
(٥) في الأصل : راض.
(٦) في الأصل : نحن.
(٧) في الأصل : راضون.
(٨) البيت من الطويل ، لعمرو بن أحمر الباهلي ، في ديوانه ١٨٧ ، والكتاب ١ : ٧٥ ، والتحصيل ٩٢ ، وله ، أو للأزرق بن طرفة بن العمرد الفراصي في اللسان (جول) ١١ : ١٣٢.
وبلا نسبة في : المذكر والمؤنث ٦٧٨ ، والجمل ١ : ٤٢٠ ، وهمع الهوامع ٢ : ٨٤.
والجول : ناحية البئر. الطوي : البئر
(٩) ٩ : سورة التوبة ٦٢.
(١٠) يعني به : أبا علي الفارسي.
(١١) البيت من الوافر ، لم أهتد إلى قائله.
(١٢) البيت من البسيط ، لم أهتد إلى قائله.
فإنّ (لا) في هذه المواضع ، جاز أن يعمل ما في حيزها ، فيما قبلها ، وأن يفصل بين الجار ، والمجرور ، وأن يتخطاها العامل ، كما يتخطى (ها) التي للتنبيه ، في قولهم : مررت بهذا الرجل.
[قال أبو الفتح] : فإن فصلت بينهما بطل عملها. تقول : لا لك غلام ، ولا عندك جارية.
قال الله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ)(١) وإنما بطل عملها ، لما ذكرنا ، أنه جواب سائل سأل : هل من رجل في الدار؟. فكما لا تفصل بين (من) وبين المجرور ، لا تفصل بين (لا) وبين معمولها ، مراعاة للمعنى الذي ذكرناه.
[قلت] : فإن عطفت ، وكررت (لا) ، جاز لك فيه عدة أوجه. تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، جوز في هذه خمسة أوجه ، بشرطين اثنين : أحدهما : العطف ، والثاني : التكرير ، جوّز نصبهما ، ورفعهما ، ونصب الأول ، ورفع الثاني ، ورفع الأول ، ونصب الثاني ، ثم جوز من بعد ذلك نصب الأول ، بلا تنوين ، ونصب الثاني بتنوين. والتكرار في هذا ، كأنه ليس بشرط ، وإن كان الأغلب عليه ، لأنه قد جاء ذلك ، ولا تكرار. [قال الشاعر] :
١٤١ ـ من صدّ عن نيرانها |
|
فأنا ابن قيس ، لا براح (٢) |
وأنشد سيبويه :
١٤٢ ـ تركتني ، حين لا مال أعيش به |
|
وحين جنّ زمان النّاس ، أو كلبا (٣) |
أي : حين ليس لي مال [وقال الآخر] :
١٤٣ ـ أبى جوده لا البخل ، واستعجلت به |
|
نعم ، من فتى لا يمنع الجود قاتله (٤) |
فأضافوا (لا) إلى البخل ، تصوروا فيه الاسمية. ويجوز لا البخل ، بالنصب ، على أن يكون (لا) منصوبا ب (أبى).
والبخل : بدل منه ، كما [قال الشاعر] :
١٤٤ ـ بثين الزمي (لا) أنّ (لا) إن لزمته |
|
على كثرة الواشين ، أيّ معون (٥) |
فجعل (لا) اسم (إن). وجوزوا فيه الرفع. أعني في البخل. أي : أبى جوده (لا). أي : المأبي البخل. وجوزوا زيادة (لا). أي : أبى جوده البخل ، كما قال تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
__________________
(١) ٣٧ : سورة الصافات ٤٧.
(٢) البيت من مجزوء الكامل ، لسعد بن مالك القيسي. في : الكتاب ١ : ٥٨ ، وفيه : من فر والتحصيل ٨٠ ، وديوان الحماسة ١ : ١٩٣ ، والخزانة ١ : ٤٦٧ ، ٢ : ١٧٢ ، ٤ : ٣٩ ، والتاج (برح) ٦ : ٣٠٨.
وبلا نسبة في المقتضب ٤ : ٣٦٠ ، والإنصاف ١ : ٣٦٧ ، والمشكل ١ : ٣٦٧ ، وابن يعيش ١ : ١٠٨.
(٣) البيت من البسيط ، لأبي الطفيل عامر بن وائلة الصحابي. في الكتاب ٢ : ٣٠٣ ، والتحصيل ٣٤٨ ، وشفاء العليل ٢ : ٧١٧ ، والخزانة ٤ : ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١.
(٤) البيت من الطويل ، بلا نسبة في : معاني القرآن ـ للأخفش ٢ : ٢٩٤ ، وفيه : الجوع ، بدل : الجود والخصائص ٢ : ٣٥ ، والمغني ١ : ٢٤٨.
(٥) البيت من الطويل ، لجميل بثينة ، في : ديوانه ٩٤ ، واللسان (أيا) ١٤ : ٥٩ ، وبلا نسبة في : معاني القرآن ـ للفراء ٢ : ١٥٢ ، والخصائص ٣ : ٢١٢ ، وشافية ابن الحاجب ١ : ١٦٨ ، وشفاء العليل ٢ : ٨٦٧.
أَمَرْتُكَ)(١) لقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ)(٢) وقال : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٩٥) (٣). أي : حرام على قرية أهلكناها رجوعها ، في أحد التأويلين. وإن كان قد جوز ، على أن يكون التقدير : وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون في الوجود ، فأضمر خبر المبتدأ ، كما أن خبر (لا) في قولهم : لا حول ، ولا قوة إلا بالله ، مضمر. والتقدير : لا حول ، ولا قوة في الوجود إلا بالله. وقولهم : لا إله إلا الله. أي : لا إله في الوجود إلا الله. فإضمار الخبر في باب (لا) فاش جدا ، أكثر من أن أحصيه لك.
فأما استثناء قولهم : إلا بالله ، فهو جائز أن يكون من قوله : لا حول ، ولا قوة ، بمجموعها.
وإن كان ذلك غير جائز في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا)(٤) لأن قوله : ولا قوة ، تأكيد لقوله : ولا حول. فكأنه قال : لا حول ولا حول. فالعامل واحد ، بخلاف الآية ، فإن قوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) عامل و (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٥) عامل آخر. وإذا اختلف العاملان ، اقتضى كل واحد منهما معمولا. وسيأتيك بيان ذلك ، إن شاء الله.
فأما تنوين المعطوف ، فهو : لا حول ، ولا قوة إلا بالله.
و :
١٤٥ ـ لا نسب اليوم ، ولا خلّة |
|
... (٦) |
و :
١٤٦ ـ ولا أب ، وابنا ... |
|
... (٧) |
فإنه لما لم يكن المعطوف يلي (لا) بل كان تابعا ، جاز أن ينون ، لأن ترك التنوين ، إنما وجب في معمول (لا). والبناء ، إنما كان مع (لا) ويجوز أن يختص المعطوف بشيء لا يكون للمعطوف عليه فيه حظ. ألا ترى قولهم في النداء : يا زيد العاقل والعاقل ، وكلّ شاة وسخلتها ، وربّ رجل وأخيه [٥٥ / أ]. ولا يجوز : رب أخيه ، ولا : كل سخلتها. فجاز أيضا : لا أب وابنا ،
__________________
(١) ٧ : سورة الأعراف ١٢.
(٢) ٣٨ : سورة ص ٧٥.
(٣) ٢١ : سورة الأنبياء ٩٥.
(٤) ٣ : سورة آل عمران ٨٩.
(٥) ٢٤ : سورة النور ٤.
(٦) البيت من السريع ، لأنس بن العباس بن مرداس السلمي ، وقيل لأبي عامر جد العباس بن مرداس ، وعجزه :
... |
|
اتسع الخرق على الراقع |
وهو في : الكتاب ٢ : ٢٨٥ ، ٣٠٩ ، والتحصيل ٣٤١ ، وابن يعيش ٢ : ١٠١ ، ١١٣ ، ٩ : ١٣٨. وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٣٥٢ ، ٢ : ٢٧٥ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٩٦ ، والمشكل ١ : ٣٧٣ ، وابن عقيل ١ : ٤٠٠.
(٧) البيت من الطويل ، لرجل من عبد مناة ، وتمامه :
ولا أب وابنا مثل مروان وابنه |
|
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا |
وهو بهذه النسبة في : الخزانة ٤ : ٦٧ ، ٦٨.
وبلا نسبة في : الكتاب ٢ : ٢٨٥ ، والتحصيل ٣٤٠ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٩٦ ، والزاهر ١ : ١٠٧ ، والمقتصد ٢ : ٨٠٤ (صدره) ، والإيضاح ١ : ٣٨٥.
وإن لم يجز : لا رجلا. فأما قوله : مثل مروان ، فإن رفعت ، كان وصفا للاسمين. وإن نصبت كان وصفا لأحد الاسمين ، ولا يكون لهما ، لاختلاف حكميهما. واعلم أن (لا) إذا وصف اسمه جاز في وصفه ثلاثة أوجه :
[الأول] : لا رجل ظريف عندك ، بترك التنوين.
[الثاني] : لا رجل ظريفا ، بالتنوين.
[الثالث] : لا رجل ظريف ، على الموضع. والتنوين في الصفة مثلها في المعطوف ، لما لم يل (لا). وإذا كان الاسم مضافا ، أو مشابها للمضاف ، انتصب بعد (لا) انتصابا صحيحا. تقول : لا غلام رجل عندك ، ولا خيرا من زيد في الدار. ألا ترى أنه ، لو لم ينتصب ، انتصابا صحيحا لم ينوّن قولك : لا خيرا من زيد. فلما نوّن علم أن انتصابه صحيح ، وأنه ليس كالمفرد في قولك : لا رجل في الدار. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(١) لم ينتصب قوله (اليوم) بنفس عاصم ، لأنه لو انتصب به ، لصار قوله (عاصم) عاملا فيه. وإذا عمل فيه أشبه قولك : لا خيرا من زيد. ولو أشبهه لكان مثله. ولو كان مثله ، وجب تنوينه. وفي إجماع الأمة على أنه غير منون ، دليل على أن (اليوم) لا يتعلق بعاصم ، إذ لم ينون. وإن قلت : فبماذا يتعلق إذن؟ فذاك كلام آخر. والمقصود أن يتعين ، أنه ليس بمعمول لعاصم ، كما أن قوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(٢) وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٣) وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ)(٤) وقوله : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٥) وما أشبه ذا من كلامهم نحو قولهم : (لا خير بخير بعده النّار ولا شرّ بشرّ بعده الجنّة ولا آمر بالمعروف يوم الجمعة) (٦).
لا يتعلق شيء من هذه الأشياء ، بما عمل فيه (لا) لأنها غير منونة (٧) ، بخلاف ما يقوله بعض البغداديين. ألا ترى أن في تعليق ذلك به ، إيجاب التنوين ، لأنها مشابهة للمضاف ، من حيث كان عاملا فيما بعده ، كما أن المضاف عامل فيما بعده ، وإن اختلف العمل.
فاليوم متعلق بالخبر. والخبر ، قوله : (من أمر الله). والتقدير [٥٥ / ب] : لا عاصم كائن من أمر الله اليوم. ولا يكون اليوم الخبر : و (من أمر الله) متعلق به ، لأن ذاك يوجب جواز : زيد يوم الجمعة. ولا فائدة في ذلك ، لما أعلمتكه في بابه. ولا يجوز أيضا أن يتعلق اليوم بالمصدر الذي هو : أمر الله ، لأن ما في صلة المصدر لا يتقدم عليه.
[قال أبو الفتح] : وتثنّي بالنون ، فتقول : لا غلامين لك ، ولا جاريتين. إنما قال ذلك ، لأن الواحد غير منون. وقد ذكر في باب التثنية أن النون عوض من الحركة والتنوين اللتين كانتا في
__________________
(١) ١١ : سورة هود ٤٣.
(٢) ١٢ : سورة يوسف ٩٢.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢.
(٤) ٢ : سورة البقرة ٢٥٤.
(٥) ٢ : سورة البقرة ١٩٧.
(٦) همع الهوامع ٢ : ١٢٨ ، وفيه : (لا خير بخير بعده النار).
(٧) الكتاب ٢ : ٢٨٧ (الهامش ٣) (ه).
الواحد ، فقال هاهنا : إنّ النون تثبت في التثنية ، وإن لم يكن في الواحد تنوين ، كما ثبت في تثنية قولهم : الرجل والرجلان. ولم يكن في المفرد تنوين ، لأن ضرب التثنية ضرب واحد ، فلا يختلف ، وإن كان الأصل أن يكون بدلا منهما ، وقد يكون بدلا من أحدهما ، كما تقدم في بابه. وزعم (١) أن يونس ، سمع العرب تقول : لا يدي بها لك. فحذفوا النون من التثنية ، مع الفصل بين الكاف ، والاسم ، فأجازوا على ذلك : لا غلامي لك (٢) فقدروا زيادة اللام. وكأنه قيل : لا غلاميك.
فجاؤوا باللام ، لأن اللام تؤكد الإضافة (٣). وقد قالوا : لا أبالك. فهذه اللام تقدر زيادتها من وجه ، وإثباتها من وجه. فمن حيث عمل (لا) في أب ، كانت اللام ثابتة ، حتى لا يكون داخلا فيه ، إلا على تقدير : لا أب لك.
وزعم المبرد ، أنه لا يجوز : لا غلامين (٤) ، بالتثنية. قال : لأن الواحد مبني ، فلا يصح فيه التثنية ، لأن الياء حرف إعراب. وقد ذكرنا أن يونس حكى عنهم : لا يدي بها ، لك. أي : لا طاقة بها لك. والسماع لا يردّ ، ولا سيما القياس يعتمده. وذلك ، لأن مذهب سيبويه ، أن الفتحة في قولك : لا رجل في الدار ، فتحة إعراب (٥) ، وليس بفتحة بناء ، والدليل عليه : لا غلام في الدار ، وجارية ، بالتنوين. فثبات التنوين في الثاني دليل على أن الأول [٥٦ / أ] معرب. وإذا كان معربا جاز تثنيته.
[فإن قلت] : فكيف زعمت ذلك ، وسيبويه قال : لا رجل ، بمنزلة : خمسة عشر (٦)؟.
[قلت] : ذلك يريد به ، أنه كما لا تفارق خمسة من عشر ، لم تفارق (لا) من (رجل). ولم يعن أن الحركة حركة البناء. وقولهم : لا يدي بها لك ، ولا يدي اليوم لك ، عند سيبويه ، كلاهما يجوز في الشعر. لا يجيز سيبويه الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، بما يتم الكلام به ، وبما لا يتم (٧). ويونس يجيز الفصل بما لا يتم الكلام به ، نحو : لا يدي بها لك. ولا يجيز : لا يدي اليوم لك. قال : لأن ما لا يتم به الكلام ، يعلم منه احتياج الأول إلى الثاني. فجاز الفصل به ، وكلاهما عند سيبويه شاذ (٨).
ولما فرغ من ذكر المرفوعات ، أخذ يبين أقسام المنصوبات. وقسمها قسمين : مفعول ، ومشبه. ثم المفعول خمسة أقسام ، فقال : مفعول مطلق ، ومفعول به ، ومفعول فيه ، ومفعول له ، ومفعول معه.
باب المفعول المطلق ، وهو المصدر
[قال أبو الفتح] : اعلم أن المصدر : كل اسم دل على حدث ، وزمان مجهول. وهو وفعله ،
__________________
(١) أي : سيبويه. الكتاب ٢ : ٢٧٩ ، فيه : (قبح أن تقول : لا يدى بها لك ..... وإثبات النون أحسن).
(٢) الكتاب ٢ : ٢٧٦.
(٣) الكتاب ٢ : ٢٧٧.
(٤) المقتضب ٤ : ٣٦٦ ، والمغني ١ : ٢٣٨.
(٥) الكتاب ٢ : ٢٧٤.
(٦) الكتاب ٢ : ٢٧٤.
(٧) الكتاب ٢ : ٢٧٦.
(٨) الكتاب ٢ : ٢٧٩.
من لفظ واحد. والمصدر اسم للفعل ، والفعل مشتق من المصدر.
[قلت] : إنما سمي المصدر : مفعولا مطلقا ، احترازا عن المفعول به. وذلك ، لأنك إذا قلت : ضربت ضربا. فضرب : فعلك فعلا مطلقا. وليس كذلك : ضربت زيدا ، إذ لست محدثا لزيد ، كما أحدثت ضربا. وقوله : (المصدر يدل على حدث ، وزمان مجهول).
هذا كلام يخالف فيه كلام سائر البصريين (١). وذلك ، لأنهم زعموا أنّ مدلول المصدر ، إنما هو الحدث ، فحسب. والفعل ، إنما صيغ ، ليدل على الحدث ، والزمان جميعا. فلو كان المصدر يدل عليهما لم يحتج إلى صيغ الأفعال. وربما يقول أبو الفتح ، في جواب ذلك أنّ الفعل يدل على الحدث ، والزمان المخصوص. والمصدر يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، فيقال له : إن هذا الزمان المجهول ، لا ينفك عنه مخلوق ، إذ عليه أجرى الله العادة في خلق هذه الأشياء ، في هذه الأزمنة ، فليس [٥٦ / ب] للمصادر به اختصاص. فلو قلت : إنّ قولك : ضرب ، يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، قيل لك : زيد يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، إذ في الزمان خلق ، كما أن الضّرب في الزمان حدث. ولو لزمت ذلك ، لزمك أن تقول : إن الضّرب ، يدل على الحدث ، والزمان المجهول ، والمكان الواقع فيه ، لأنه لا يقع إلا في مكان.
وفي المسألة إشكال. ولم يقولوا فيه أكثر ، مما قلته لك. وقوله : والمصدر : اسم للفعل ، والفعل مشتق منه ، يعني بالفعل الأول ، الحدث ، لأنه فعل حقيقي. ويعني بالفعل الثاني صيغة الفعل ، نحو : ضرب يضرب. هذا المشتق من الضرب عندنا. وعند الكوفيين ، الضّرب مشتق ، من ضرب.
قالوا ، لأنا نقول : ضربت ضربا (٢) ، فنعمل ضربت في المصدر ، والعامل قبل المعمول ، ولأنا نقول : ضربت ضربا ، فنؤكد ضربت بالمصدر ، والمؤكّد قبل المؤكّد. قالوا ، ولأنا نقول : صمت صياما ، وقمت قياما. والأصل : صوام ، وقوام ، فاعتلا لاعتلال الفعل ، فعلم أن الفعل متبوع ، والمصدر تابع. والصحيح ، قول سيبويه ، حيث قال : وأما الفعل ، فأمثلة (٣) أخذت من المصادر ، وذلك ، لأن الضرب : يدل على الحدث. وضرب : يدل على الحدث ، والزمان جميعا. وكذلك يضرب : يدل عليهما. وإذا كان كذلك ، فالمعنى الدائر في الصيغ كلها ، هو الحدث. والزمان قد يكون ثابتا ، وقد يكون بخلاف ذلك. فما دل على الحدث ، كان الأصل. وما دل عليهما ، كان فرعا. نظيره من المحسوسات : الذهب ، والفضة ، مع الصيغ المتخذة منهما. أفيقال : إن صيغة الخلخال ، والخاتم ، أصل ، والذهب فرع ، بل الذهب أصل ، لأنه دائر في الصيغ كلها ، ولأن مدلول المصدر ، هو الحدث ، ومدلول الفعل : الحدث ، والزمان جميعا. والواحد أصل للاثنين. وقولهم : إن الفعل يعمل في المصدر ، والعامل الأصل. قلنا : إنّ ، وأنّ ، ولن ، يعملن في الأسماء [٥٧ / أ] والأفعال. وما أظنك تنازعني في كون الحرف فرعا مترتبا على الأسماء ، والأفعال. ومع ذلك ، عمل الحرف فيهما لا
__________________
(١) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١ : ٢٣٥ ، ٢٣٧.
(٢) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١ : ٢٣٥.
(٣) الكتاب ١ : ١٢ ، وفيه : (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء).
يوجب له التقدم عليهما. وقولهم : المؤكّد أصل والمؤكّد فرع. قلنا : الأسماء التي ليست بمصادر تؤكّد بها ، ومع ذلك ، لا يوجب لها ذلك تأخرا ، وقصورا ، وحصرا ، عما لنظائره.
وأما اعتلال : صيام ، وقيام ، لاعتلال : صام ، وقام ، فقد يحمل الأصل على الفرع ، في بعض المواضع ، كما يحمل الفرع على الأصل. ألا ترى أن الفراء ، زعم في فتح (ضرب) ، أنه محمول على (ضربا) وحمل الواحد على الاثنين. ولا خلاف أن الواحد قبل الاثنين ، فلم أنكر منا ما قال به هناك؟! وأولى الأشياء بذلك من الدلائل ، تسمية النحاة ، أجمع ، الضرب ، والأكل : مصدرا ، لصدور الفعل عنه.
ولو زعم أن المصدر بمعنى الصادر ، لم يسمع منه ، لأن الأكثر ما قلنا. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)(١) يحكم ب (أفضى) أنه مشتق من الفضاء ، ولا يحكم بالفضاء أنه مشتق من (أفضى).
[قال أبو الفتح] : فإذا ذكر المصدر مع فعله ، فضلة ، فهو منصوب به. تقول : قمت قياما ، وقعدت قعودا ، أعلمك أن انتصاب المصدر ، إنما يكون إذا ذكر الفعل قبله لفظا ، أو تقديرا. أو يكون المصدر تأكيدا للفعل الذي قبله ، فضلة.
ألا ترى أنك ، إذا قلت : قمت قياما ، لم يفهم منه أكثر مما يفهم من قولك : قمت وإنما قال : فضلة ، لأنك إذا قلت : ضرب ضرب شديد ، أو أعجبني ضرب زيد ، لم ينتصب ، لأن المصدر ها هنا ، عمدة في الكلام ، وليس بفضلة.
[قال أبو الفتح] : وإنما يذكر المصدر ، مع فعله ، لأحد ثلاثة أشياء ، وهي : توكيد الفعل ، وبيان النوع ، وعدد المرات. تقول في توكيد الفعل : قمت قياما. وفي بيان النوع : قعدت قعودا طويلا. وفي عدد المرات [٥٧ / ب] : قمت قومتين ، وقعدت قعدتين ، وضربت ثلاث ضربات. ولا يجوز تثنية المصدر ، ولا جمعه ، لأنه اسم الجنس ، ويقع بلفظه على القليل ، والكثير ، فجرى لذلك مجرى الماء ، والزيت ، والتراب.
[قلت] : اعلم أن المصدر اسم للجنس ، يتناول القليل ، والكثير. وأسماء الأجناس لا تثنى ، ولا تجمع ما دامت تتناول القليل ، والكثير ، إلا إذا اختلفت أنواعه ، فحينئذ جاز فيه ما يجوز في سائر الأسماء. قال الله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢) (٢). والتقى : فعل على وزن افتعل ، بمعنى تلاقى. كما أن اجتوروا بمعنى : تجاوروا. ولا يكون التفاعل إلا بين اثنين.
تقول : تخاصم زيد وعمرو ، ولا يجوز : فعمرو ، تحقيقا للشركة ، والجمع. وجاز التقى الماء ، لأنه جنس يتناول القليل ، والكثير ، كما جاز : المال بين القوم. ولا يقال : المال بين زيد. وجاز بين القوم ، لأنه يدل على أكثر من واحد.
__________________
(١) ٤ : سورة النساء ٢١.
(٢) ٥٤ : سورة القمر ١٢.
ولما نظر ابن مسعود (١) إلى اختلاف النوعين ، ماء السماء ، وماء الأرض ، قرأ : (فالتقى الماءان) (٢) كما جاء : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا)(٣) بالجمع. ولم يقل : تظنون بالله الظن ، إذ كل واحد منهم ظنّ ظنا مخالفا ، لظنّ صاحبه. ألا ترى أن المؤمنين تيقّنوا بالنصرة ، والمنافقين يظنّون بالله غير الحق ظنّ الجاهلية.
قال سيبويه : قد جاء الحلوم والأشغال (٤) ، لاختلاف الأنواع. ولما كان الفعل ، نحو : أكل يأكل ، يتناول جنس الأفعال ، لم يستجيزوا فيه التثنية ، والجمع ، لما ذكرنا. وقد قالوا : زيد أفضل من عمرو ، والزيدان أفضل من عمرو ، والزيدون أفضل من عمرو ، فلم يثنوا ، ولم يجمعوا. قال أبو بكر محمد بن السري (٥) ، لأن قولهم : زيد أفضل من عمرو ، معناه : يزيد فضله على فضل عمرو.
فلما كان (أفضل) اسما صريحا كسائر الأسماء. وتضمن معنى المصدر ، لم يستجيزوا فيه التثنية ، والجمع. والفعل ، أيضا ، نحو : أكل ، تضمن معنى الأكل ، ولم يستجيزوا فيه التثنية ، والجمع ، فما ظنك بالمصدر؟! وكل ذلك رفض في هذه الأشياء من أجله. [٥٨ / أ]
[قال أبو الفتح] : واعلم أن الفعل ، يعمل في جميع ضروب المصادر ، من المبهم ، والمختصّ.
تقول في المبهم : قمت قياما ، وانطلقت انطلاقا. وفي المختص : قمت القيام الذي تعلم ، وذهبت الذهاب الذي تعرف. ويعمل ، أيضا ، فيما كان من غير فعله الذي أخذ منه. تقول : قعد القرفصاء (٦) ، واشتمل الصّمّاء (٧) ، ورجع القهقرى ، وسار الجمزى (٨) ، وعدا البشكى (٩).
[قلت] : أما عمله في المبهم ، فلا شك فيه ، لأن الفعل مبهم نكرة ، فجاز أن يعمل في مطابقه. وأما عمله في المختص ، فإن المختص ، وإن كان أعلى منه في الاختصاص ، فلا يخرج عن كونه ضربا منه. فإذا قلت : قمت القيام الذي تعرف ، فالقيام المعروف نوع من جنس القيام. فجاز أن يعمل فيه (قمت) ، لأنه يقتضي ما يتناول هذا وغيره. وأما قوله : قعد القرفصاء ، فقد اختلف
__________________
(١) هو : عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ (ت ٣٢ ه). أحد السابقين ، والبدريين ، والعلماء. أول من أفشى القرآن من في رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وإليه تنتهي قراءة : عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش. ينظر : غاية النهاية ٤٥٨ ، ٤٥٩.
(٢) ٥٤ : سورة القمر ١٢. الكشاف ٤ : ٣٧ ، وتفسير الرازي ٢٩ : ٣٩ ، وتفسير القرطبي ١٧ : ١٣٢ ، والبحر المحيط ٨ : ١٧٧.
(٣) ٣٣ : سورة الأحزاب ١٠.
(٤) الكتاب ٣ : ٤٠١.
(٥) هو : ابن السراج.
(٦) القرفصاء : ضرب من القعود ، وهو أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ، ويحتبي بيديه ، يضعهما على ساقيه. اللسان (قرفص) ٧ : ٧٢.
(٧) الصماء : أن يشتمل بثوب واحد ، ويتغطى به ، ثم يرفعه من أحد جانبيه واضعا إياه على منكبيه. اللسان (صمم) ١٢ : ٣٤٦.
(٨) الجمزى : عدو دون الحضر الشديد. اللسان (جمز) ٥ : ٣٢٣.
(٩) البشكى : العدو السريع. اللسان (بشك) ١٠ : ٤٠١.
أصحابنا فيه. فمنهم من قال : إنه منصوب بنفس (قعد) كما أن القيام الذي تعلم منصوب ، بنفس (قمت). ومنهم من قال : إن القرفصاء ، صفة مصدر مضمر ، أي : قعد القعدة القرفصاء ، فحذف الموصوف ، وأقيمت صفته مقامه ، كما تقول : أعطيته جزيلا ، أي : عطاءا جزيلا. وكما قال تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (١٢) (١) ثم قال : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها)(٢) أي : وجنة دانية عليهم ظلالها. وقال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(٣) أي قوم : يحرفون الكلم. وإن قدّرت : من الذين هادوا من يحرفون الكلم ، ف (من) موصوف ، وليس بموصول ، لأن الموصولة لا تحذف. وقد جاء : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)(٤) أي : وما أنتم بمعجزين من في الأرض ولا من في السماء. فحذف الموصوف ، وأقيمت صفته مقامه. وقد جاء حذف الصفة ، وهو قليل. قال تعالى : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ)(٥) ولم يقل : من أمّ.
[قال الشاعر] :
١٤٧ ـ لو قلت : ما في قومها ، لم تيثم |
|
يفضلها في حسب ، وميسم (٦) |
أي : ما في قومها أحد يفضلها ، فحذف.
[وقال آخر] :
١٤٨ ـ أتنتهون؟ ولن ينهى ذوي شطط |
|
كالطّعن يذهب فيه : الزّيت ، والفتل (٧) |
فليس على حذف [٥٨ / ب] الموصوف ، على تقدير : فلن ينهى ذوي شطط ، شيء كالطعن ، لأن الفاعل لا يحذف ، وإن ألزمت ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤) (٨) مع قوله : ومن لا يفعل بها في الواجب هذا ، فإنه قد قال ، وعلى : لا يفعل به هذا.
[قال الشاعر] :
١٤٩ ـ إنّ الكريم ، وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل (٩) |
التقدير : إن لم يجد يوما من يتكل عليه. و (على) زائدة. وقد قال ذلك ، ف (من) زائدة ، وإن قال ذلك. فقولهم : قعد القرفصاء ، لهذا حمله على حذف الموصوف ، أعني المبرد. ومعنى قولهم :
__________________
(١) ٧٦ : سورة الإنسان ١٢.
(٢) ٧٦ : سورة الإنسان ١٤.
(٣) ٤ : سورة النساء ٤٦.
(٤) ٢٩ : سورة العنكبوت ٢٢.
(٥) ٤ : سورة النساء ١٢.
(٦) من الرجز ، نسب إلى حكيم بن معية ، وحميد الأرقط. في : معاني القرآن ـ للفراء ١ : ٢٧١ ، والخزانة ٥ : ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٨.
وبلا نسبة في : الكتاب ٢ : ٣٤٥ ، والتحصيل ٣٦٧ ، والخصائص ٢ : ٣٧٠ ، وابن يعيش ٣ : ٥٩.
(٧) سبق ذكره رقم (٨).
(٨) ٦ : سورة الأنعام ٣٤.
(٩) من الرجز ، بلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٨١ ، والتحصيل ٤١٢ ، والخصائص ٢ : ٣٠٥ ، والمغني ١ : ١٤٤ ، والعقد ٥ : ٣٩٢ ، واللسان (عمل) ١١ : ٤٧٥ ، وشفاء العليل ٢ : ٦٦٥ ، والخزانة ١٠ : ١٤٣.
قعد القرفصاء ، أي : قعد قعودا محتبيا بيديه ، لا بثوبه ، وهو مضموم الأول ، ممدود. وفيه لغة أخرى : قعد القرفصا ، مقصور ، مكسور الأول. ويقال : قرفصته : أي ، شددت يده على ركبته.
وأبو سعيد قدر هذا الكلام ، فقال ، تقديره : قعد القعود القرفصاء ، وليس بالوجه ، وإنما الوجه : قعد القعدة القرفصاء ، لأن الألف للتأنيث (١).
وكذلك اشتمل الصماء ، أي : الاشتمالة الصماء ، وهو أن يتجلل بثوب ، ويكون يداه داخل الثوب.
ورجع القهقرى ، أي : الرجعة القهقرى. ويقال : قهقر الرجل : إذا تراجع إلى خلف. والقهقر ، والقهقور (٢) : حجر أملس أسود ، وكأنه لدورانه ، سمي بهذا الاسم.
وسار الجمزى ، أي : السّيرة الجمزى. ويقال : جمز يجمز جمزا ، وجمزى : إذا أسرع.
والجمّيزى : شجرة ، كالتين. والجمّيز : ضرب من التمر. وفي الحديث : (أنه ضاق عليه ، كمّا جمّازة كانت عليه) (٣) يعني : درعا ضيقة الكمّ.
وعدا البشكى : البشكى : خفّة القوائم. يقال : فرس بشكى اليدين : خفيفهما ، أي : عدا العدوة البشكى ، أي : عدوة خفيفة سريعة.
[قلت] : واعلم أنّ كل ما يضاف إلى المصدر ، فإنه ينتصب انتصاب المصدر. تقول : ضربت أحسن الضرب. والتقدير : ضربت ضربا أحسن الضرب ، فحذفت الموصوف ، وأقمت الصفة مقامه ، كما فعلت ذلك فيما تقدم. وإذا قلت : ضربت ضرب زيد ، فتقديره : [٥٩ / أ] ضربت ضربا مثل ضرب زيد فحذفت الموصوف ، وهو المصدر ، وأقمت الصفة مقام الموصوف ، فصار التقدير : ضربت مثل ضرب زيد ، ثم حذفت المضاف ، وأقمت المضاف إليه مقامه ، فصار التقدير : ضربت ضرب زيد. لا بد من هذا التقدير ، لأنك ، إنما تفعل مثل فعل زيد ، ولا تفعل فعل زيد.
فإذن صحّ ما قدّرنا. وتقول : أنت سيرا. وتقديره : أنت تسير سيرا ، فحذفت الفعل ، لأن المصدر يدل عليه ولو رفعت ، فقلت : أنت سير ، فتجعله عين المصدر ، جاز ، من ثلاثة أوجه : إما أن يكون على تقدير : أنت ذو سير. أو على تقدير : أنت سائر ، كقوله تعالى : (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً)(٤) أي : غائرا. أو يكون اتساعا ، على تقدير جعله سيرا. [قال الشاعر] :
١٥٠ ـ ترتع ما رتعت ، حتّى إذا ادّكرت |
|
فإنّما هي إقبال ، وإدبار (٥) |
__________________
(١) الكتاب ٤ : ٢٩٦ ، وفيه : (ويكون (أي : ما لحقته ألف التأنيث) على مثال : فعللاء ... قالوا : القرفصاء ، وهو اسم).
(٢) اللسان (قهر) ٥ : ١٢١.
(٣) كتاب الغريبين (غريبي : القرآن ، والحديث) ١ : ٣٩٣.
(٤) ١٨ : سورة الكهف ٤١.
(٥) البيت من البسيط ، للخنساء ، في : ديوانها ٢٦ ، والكتاب ١ : ٣٣٧ ، والتحصيل ٢٠٩ ، وفيه : ما غفلت ، بدل : ما رتعت ، ومعاني القرآن ـ للأخفش ١ : ٩٧ ، والخصائص ٢ : ٢٠٣ ، ٣ : ١٨٩ ، والمقتضب ٣ : ٢٣٠ ، ٤ : ٣٠٥ ، واللسان (قبل) ١١ : ٥٣٨.
وبلا نسبة في : المقتصد ١ : ٢٤٥ (عجزه) ، وابن يعيش ١ : ١١٥.
أي : فإنما هي ذات إقبال ، وإدبار. أو يكون : فإنما هي مقبلة ، ومدبرة. أو جعلتها الإقبال ، والإدبار ، اتساعا ، كما قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)(١) وقال : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ)(٢) فجعلهم برّا ، وجعل الأشهر حجّا ، لوقوعه فيها. وقد قالوا : ولكنّ ذا البرّ. وقد قالوا : ولكن البار.
وقد قالوا : ولكنّ البرّ برّ من آمن. ومن ذلك قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ)(٣) لأن قوله : (ترى الجبال تحسبها) ، دل على أنه صنع ذلك ، فجاء صنع الله عليه. وقال (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(٤) ، وقال : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٥) لأن قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(٦) دل على أنه كتب ، فجاء : (كتاب الله) على ذلك.
ومن قال : إنّ التقدير : عليكم كتاب الله ، فانتصب ب (عليكم) متقدما ، كما انتصب به متأخرا ، فليس بالسهل ، لأن (عليك) غير متصرف. فلا يبلغ من قوته تقديم المعمول عليه. وإن قال ، فقد [قال الشاعر] :
١٥١ ـ يا أيّها المائح ، دلوي ، دونكا (٧)
أي دونك دلوي ، فقدّم. قلنا : بل ، دلوي : مبتدأ. ودونك : الخبر. فليس لك فيه حجة.
ومثل قولهم : أنت سير ، قولهم : أنت واحدة ، والتقدير : أنت ذات [٥٩ / ب] تطليقة واحدة.
فحذف المضاف ، فصار : أنت تطليقة واحدة. ثم حذف الموصوف ، فصار : أنت واحدة ، فتقع عليها طلقة. ولا يكون كقولهم : أنت قاعدة ، لأن (قاعدة) نعت المرأة. وواحدة : نعت التطليقة.
فافترق الحال بينهما. واعلم أنهم قد أقاموا أسماء الفاعلين مقام المصادر ، فعاملوها معاملتها ، فقالوا : أقائما وقد قعد الناس. كما قالوا : ضربا زيدا ، على تقدير : اضرب زيدا. وكما قالوا : الحذر الحذر ، على تقدير : احذر احذر. ف (أقائما) كأنه : أتقوم قائما ، فأضمروا ، كما أضمروا ثمّ. [قال الشاعر] :
١٥٢ ـ ألم ترني عاهدتّ ربّي. وإنني |
|
لبين رتاج ، قائم ، ومقام |
على حلفة ، لا أشتم الدّهر ، مسلما |
|
ولا خارجا من فيّ زور كلام (٨) |
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ١٩٧.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١٧٧.
(٣) ٢٧ : سورة النمل ٨٨.
(٤) ٤٧ : سورة محمد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ٤.
(٥) ٤ : سورة النساء ٢٤.
(٦) ٤ : سورة النساء ٢٣.
(٧) من الرجز ، لجارية من الأنصار ، وبعده :
... |
|
إني رأيت الناس يمدحونكا |
وهو بهذه النسبة في : سيرة ابن هشام ٣ : ٣٢٥.
وبلا نسبة في : مقاييس اللغة (ميح) ٥ : ٢٨٧ ، والمذكر والمؤنث ٣٣٢ (بتمامه) ، والإنصاف ١ : ٢٢٨ ، وشرح شذور الذهب ٤٠٧ ، وأوضح المسالك ٥٤٩ ، والمغني ٢ : ٦٠٩ ، ٦١٨ ، والتاج (ميح) ٧ : ١٥٧.
المائح : الذي يستقي الماء من البئر.
(٨) البيتان من الطويل ، للفرزدق ، في : ديوانه ٢ : ٤٨٠ ، والكتاب ١ : ٣٤٦ ، والتحصيل ٢١٣ ، والمقتضب ٤ : ٣١٣ ، وأمالي المرتضى ١ : ٦٣ ، وابن يعيش ٢ : ٥٩ ، والخزانة ١ : ٢٢٣ ، ٤ : ٤٦٤ ، ٤٦٥ ، ٤٦٦.
وفي جميع هذه المصادر ورد (قائما) ، بدل : (قائم) عدا الخزانة ١ : ٢٢٣.
قال : التقدير : ولا يخرج خروجا. فوضع خارجا موضع خروج. وهو محمول على (لا أشتم). ولا (أشتم) جواب (عاهدتّ ربي). أي : عاهدته لا أشتم ، ولا يخرج ف (خارج) في موضع خروج. كما قال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ)(١). أي : تنفّل تنفّلا. فدل على تنفل : تهجد. ودل على التنفل : نافلة. وزعم عيسى (٢) أن قوله : لا أشتم الدهر ، في موضع الحال (٣) ، أي : عاهدتّ ربي على حلفة ، غير شاتم ، ولا خارجا ، فحمل خارجا على موضع الفعل ، والفاعل ، لأنه في موضع المفرد. وقد ذكرنا نظائر ذا ، وسيأتيك ، إن شاء الله.
فأما قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٤) (٤) فتقديره : بلى نجمعها قادرين ، لأن قوله : (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)(٥) دل على نجمعها ، فهو كقولك : قائما قد علم الله. أي : يقوم قائما.
فكذا نجمعها قادرين. وقد يوضع غير الفاعلين ، مقام الفاعلين ، فينصب كما ينصب المصدر.
فالأصل أن تقول : أنت سيرا ، ثم يليه : أقائما وقد قعد الناس ، تشبيها لقائم ، بقيام ، كما قال : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ)(٦) أي : على خيانة ، ثم يليه : أتميميا مرة ، وقيسيا أخرى (٧) ، تشبيها ب (أقائما). كأنه يقول : أتتحول تميميا مرة ، وقيسيا أخرى. فأجرى غير المشتق مجرى المشتق.
وعلى هذا ما روي عن علي [٦٠ / أ] رضي الله عنه : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(٨) بفتح التاء (٩). أي : نجتمع عصبة. وإن زعمت أنه ، [قال الشاعر] :
١٥٣ ـ إنّا بني منقر ، قوم ذوو حسب |
|
... (١٠) |
فإن ذاك معرفة ، يأتي للاختصاص ، والمدح ، وليس عصبة كذلك. ألا ترى أنه لم يجز (١١) ذلك في [قول الشاعر] :
__________________
(١) ١٧ : سورة الإسراء ٧٩.
(٢) هو : عيسى بن عمر ، الثقفي ، مولى خالد بن الوليد ، المخزومي (ت ١٤٩ ه). أخذ عن ابن أبي إسحاق ، وكان فصيحا يتقعر في كلامه ، ويعدل عن سهل الألفاظ إلى الوحشي ، والغريب. صنف كتابي : (الجامع) ، و (الإكمال) في النحو ، ولم يصلا إلينا. ينظر : أخبار النحويين البصريين ٢٥ ، ٢٦ ، وطبقات النحويين ٤٠ ـ ٤٥ ، ونزهة الألباء ٢٨ ـ ٣٠.
(٣) المقتضب ٤ : ٣١٣ ، وفيه : (وأما عيسى بن عمر فإنه كان يجعل (خارجا) حالا).
(٤) ٧٥ : سورة القيامة ٤.
(٥) ٧٥ : سورة القيامة ٣.
(٦) ٥ : سورة المائدة ١٣.
(٧) الكتاب ١ : ٣٤٣.
(٨) ١٢ : سورة يوسف ١٤.
(٩) مختصر في شواذ القرآن ٦٢ ، والكشاف ٢ : ٣٠٤ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٩٣.
(١٠) البيت من البسيط ، لعمرو بن الأهتم المنقري ، وعجزه :
... |
|
فينا سراة بني سعد وناديها |
وهو بهذه النسبة في : الكتاب ٢ : ٢٣٣ ، والتحصيل ٣١٩.
وبلا نسبة في : الخزانة ٨ : ٣٠٦.
(١١) يعني : سيبويه. الكتاب ٢ : ٢٣٥.
١٥٤ ـ نحن بنو أمّ البنين الأربعة (١)
لما لم يكن قوله : بنو أم البنين موضع فخر ، ولا موضع تحلية ، فكذا هاهنا.
وبقية هذا الباب ، من قوله : يعجبني حبا ، وأشنؤه بغضا ، وأبغضه كراهية ، خارج على ما ذكرناه ، من قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ)(٢) و (كِتابَ اللهِ)(٣).
ألا ترى أنّ : أشنؤه ، وأبغضه ، وأكرهه. وأحببته ، ويعجبني ، واحد. والسّخون ، والبرود (٤) ، ضربان من الثياب.
باب المفعول به
[قال أبو الفتح] : الفعل في التعدي إلى المفعول به ، على ضربين : فعل متعد بنفسه ، وفعل متعد بحرف جر. فالمتعدي بحرف جر ، نحو قولك : مررت بزيد ، ونظرت إلى عمرو ، وعجبت من بكر. ولو قلت : مررت زيدا ، وعجبت عمرا ، فحذفت حرف الجر ، لم يجز ذاك إلا في ضرورة الشعر. غير أنّ الجارّ ، والمجرور جميعا في موضع نصب بالفعل قبلهما.
[قلت] : الأفعال على ضربين : لازم ، ومتعد. ويستويان في نصب خمسة أشياء : ينصبان المصدر. تقول : جلست جلوسا ، كما تقول : ضربت ضربا.
وينصبان ظرف الزمان. تقول : جلست اليوم ، كما تقول ضربت اليوم. وتقول : جلست خلفك ، كما تقول : شتمت بكرا خلفك. وتقول : جلست إكراما لك ، كما تقول : أعطيت زيدا ، إكراما لك ، فينصبان المفعول له ، وينصبان المفعول معه. تقول : قمت وزيدا ، كما تقول : رأيت عمرا ، وزيدا. أي : رأيت مع زيد ، عمرا. وربما لا يعتد بالمفعول معه. ويقال : يتعديان إلى الحال ، فتقول : جلست ضاحكا ، كما تقول : ضربت موجعا.
واللازم يعدّى بثلاثة أشياء.
يعدى بحرف الجر ، كقولك : مررت بزيد. أصله : مر زيد. فلما أردت التعدية ، جئت بالباء.
ويعدّى ، أيضا ، بالهمزة. تقول : أمررت زيدا ، وأذهبت زيدا.
ويعدى بتشديد العين ، تقول : كمل الشيء [٦٠ / ب] وكمّلته. [قال الشاعر] :
__________________
(١) من الرجز ، للبيد ، وبعده :
... |
|
ونحن خير عامر بن صعصعة |
وهو في : ديوانه ٩٢ ، والكتاب ٢ : ٢٣٥ ، والتحصيل ٣٢٠ ، وأمالي المرتضى ١ : ١٩١ ، وفيه : (نحن بني) ، واللسان (خضع) ٨ : ٧٤.
(٢) ٢٧ : سورة النمل ٨٨.
(٣) ٤ : سورة النساء ٢٤.
(٤) اللمع في العربية ١١٧ ، حيث أنشد ابن جني :
يعجبه السخون ، والبرود |
|
والتمر حبا ماله مزيد |
والسخون ، والبرود : نوعان من الأطعمة ، والأشربة ، لا ضربان من الثياب ، فالسخون من المرق : ما يسخن.
اللسان (سخن) ١٣ : ٢٠٦ ، والبرود من الشراب : ما يبرد الغلة. اللسان (برد) ٣ : ٨٣ ، والتاج (برد) ٧ : ٤١٢.