شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

قولك : أحق الناس بمال أبيه دل على الابن. وقولك : بمال ابنه دل على الأب. فقول من قال في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) (١) إن الهاء من (أنها) تعود إلى الذكرى ، من قوله : (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤) (٢) والتقدير : إن الذكرى تذكرة ، قول فاسد ، إذ لم يفد بذكر الخبر على هذا التقدير شيئا. فالخبر للإفادة ، كما أن الصفة للإفادة. وإذا كان كذلك [فقول الشاعر] :

٨٨ ـ يداك ، يد : إحداهما الجود كلّه

وراحتك الأخرى طعان تغامره (٣)

فقوله : يداك : مبتدأ. وقوله : يد ، في موضع خبره ، وهو مفرد اللفظ ، ومعناه : التثنية.

والتقدير : يداك يدان. وجاز : يداك يدان ، لأن قوله : إحداهما : مبتدأ ، والجود خبره. والجملة في موضع الوصف ، لقوله : يد. فجاز : يداك يد ، وإن لم يكن في قوله (يد) وإن أراد به ، يدان ، فائدة ، لأنه ، لما وصفه بالجملة ازداد بذكر الجملة [دلال] ة (٤) لم تكن في المبتدأ. فهذا مساغ هذا الباب.

ولا يجوز أن يكون اسم كان نكرة ، والخبر معرفة ، إلا في ضرورة الشعر. وأنشد [قول القطامي] :

٨٩ ـ قفي قبل التفرّق ، يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٥)

فموقف : نكرة ، وجعله اسم كان. والوداع : معرفة ، وجعله خبر كان. قال : وهو ضرورة.

وإنما حسن هذه الضرورة ، أعني : جعل اسم كان نكرة ، لأن الكلام نفي. وفي باب النفي ، يجوز أن يكون الاسم ، والخبر ، جميعا ، نكرتين. تقول : ما كان أحد مثلك. قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) (٦). فكفؤا : نكرة ، وهو خبر كان. واحد : نكرة ، وهو اسم كان.

[قال أبو الفتح] : ويجوز تقديم أخبار كان ، وأخواتها على أسمائها ، وعليها أنفسها ، تقول : كان قائما زيد ، وقائما كان [٤٢ / أ] زيد. وكذلك : ليس قائما زيد ، وقائما ليس زيد. [قلت] : هذا الكلام منه مطلق ، ولا ينبغي أن يكون على هذا الإطلاق ، وذلك ، لأن الخبر في هذا الباب ، ينقسم ثلاثة أقسام :

[الأول] : أن يجوز فيه تقديم الخبر على الاسم ، وعلى الفعل ، وذلك في : كان وصار ، وأصبح ، وأمسى ، وظل ، وبات. لا خلاف عند البصريين في جواز : كان قائما زيد ، وقائما كان

__________________

(١) ٨٠ : سورة عبس ١١.

(٢) ٨٠ : سورة عبس ٤.

(٣) البيت من الطويل ، لم أهتد إلى قائله.

(٤) طمست الكلمة في الأصل سوى (ة) ، والسياق على ما أثبت.

(٥) البيت من الوافر ، للقطامي (عمرو بن شييم) ، في : ديوانه ٣١ ، والكتاب ٢ : ٢٤٣ ، والتحصيل ٣٢٤ ، والمقتضب ٤ : ٩٤ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٢٩١ ، وشفاء العليل ١ : ٣١٧ ، والخزانة ٢ : ٣٦٧ ، ٩ : ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٨٨ ، ٢٨٣.

وبلا نسبة في : شواهد التوضيح ٨٨ ، وابن يعيش ٧ : ٩١ ، والجمل ١ : ٣٥٤ ، والمغني ٢ : ٤٥٣.

(٦) ١١٢ : سورة الإخلاص ٤.

١٤١

زيد. قال الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(١). فقدم المنصوب على المرفوع. وهو : (حقا). فأما : قائما كان زيد ، فالكوفي يأباه ، والحجة عليه قوله تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)(٢). ف (تستهزئون) في موضع النصب ، خبر (كنتم). وقوله (أَبِاللهِ) متعلق ب (تَسْتَهْزِؤُنَ). وتقدير الآية : أتستهزئون بالله وآياته ورسوله كنتم. فلما جاز تقديم معمول تستهزئون على كنتم ، دل على جواز تقديم تستهزئون على كنتم ، وأوضح منه قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ)(٣). فأين خبر كنتم ، وقدمه عليه وما : صلة زائدة. وفي الأخرى : (أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ)(٤). وقال في قصة عيسى ، عليه السّلام : (أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(٥) فأينما : خبر كنت ، وقد قدمه عليه.

[الثاني] : ما في أوله : (ما) وهو : ما زال ، وما انفك ، وما برح ، وما فتئ ، وما دام. يجوز : ما زال قائما زيد. ولا يجوز : قائما ما زال زيد ، وإنما لم يجز : قائما ما زال زيد ، لأن (ما) : حرف نفي ، وزال : نفي ، فدخل النفي على النفي ، فصار إثباتا. وإذا كان (ما) نفيا ، لم يجز فيه تقديم ما في حيزه عليه. ألا ترى أنه لا يجوز : زيدا ما ضربت. على تقدير : ما ضربت زيدا ، لأن النفي كالاستفهام. فكما لا يتقدم ما في حيز الاستفهام عليه ، فكذا في النفي. فقولك : ما زال زيد قائما ، وما انفك أخوك سائرا ، وما فتئ ، وما برح ، كل هذا نفي دخل على النفي ، فصار إثباتا. والدليل على صحة ذلك ، أنه لا يجوز : ما زال زيد إلا قائما. ولو كان معنى ما : الذي ، هو النفي ، باقيا ، لجاز : ما زال زيد إلا قائما ، كما جاء ما زيد إلا قائم. [وعليه](٦) فقد أنشد [ذو الرمة] :

٩٠ ـ حراجيج ما تنفكّ الّا مناخة

على الخسف ، أو نرمي بها بلدا قفرا (٧)

فقوله : ما تنفك ، أي : ما تنفك الحراجيج. فاسمها مضمر. ومناخة : خبرها. فأدخل (إلا) على الخبر. وقد زعمت (٨) : أنه لا يجوز [قلت : إن] أبا علي ذكر أن قوله : تنفك في البيت ، معناه : تنفصل (٩). يقال : انفك ، ينفك : إذا انفصل. أي : ما تنفصل من موضع إلى موضع. وليس هو الانفكاك الذي هو الزوال. قال (١٠) : ويجوز أن يكون (على الخسف). الخبر. أي : ما تنفك على

__________________

(١) ٣٠ : سورة الروم ٤٧.

(٢) ٩ : سورة التوبة ٦٥.

(٣) ٥٧ : سورة الحديد ٤.

(٤) ٥٨ : سورة المجادلة ٧.

(٥) ١٩ : سورة مريم ٣١.

(٦) الأصل غير واضح.

(٧) البيت من الطويل ، لذي الرمة. في : ديوانه ١٧٣ ، والكتاب ٣ : ٤٨ ، والتحصيل ٣٩٦ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ : ٢٨١ ، وابن يعيش ٧ : ١٠٦ ، وشفاء العليل ١ : ٣١٨ ، وهمع الهوامع ٢ : ٩٧ ، ٣ : ٢٧٤.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٣٩٨ ، والإنصاف ١ : ١٥٦ ، والمغني ١ : ٧٣ ، وشرح نهج البلاغة ٧ : ٢٦٣ ، وتفسير القرطبي ٢٠ : ١٤١ ، والخزانة ٩ : ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٥.

(٨) المخاطب هو : الكوفي.

(٩) معاني القرآن ـ للفراء ٣ : ٢٨١ ، وفيه : (فلم يدخل فيها أي : في (تنفك) إلا (إلا) وهو ينوي بها التمام ، وخلاف يزال) ، وهذا قول صراح بتمام تنفك.

(١٠) أي : أبو علي. ينظر : الخزانة ٥ : ٢٥٣.

١٤٢

الخسف. فإذا احتمل الوجهين ، لم يكن لرد الأصمعي (١) ، وتغليطه ذا الرمة وجه (٢). وأما : ما دام زيد قائما ، فالأصل فيه ، إذا قلت : اجلس ما دام زيد جالسا ، أن تقول : إن تقديره : اجلس مدة دوام جلوس زيد. فما دام : مصدرية ، موضوع موضع دوام. وحذف المضاف منه ، وهو : المدة.

والمصدر لا يتقدم عليه معموله بتة. لا يجوز في : سرني قيامك يوم الجمعة ، أن تقول : سرني يوم الجمعة قيامك ، إذا علقت الظرف بالقيام.

[الثالث] : هو : ليس : تقول : ليس زيد قائما ، وليس قائما زيد. فعلى مذهب من قال : إن ليس فعل (٣) ، يجوز : قائما ليس زيد. وعلى مذهب من قال : إن (ليس) حرف ، لا يجوز تقدم الخبر عليه. وقد ذكرنا بطلان ذلك ، بالآية التي لا يمكن الانفصال عنها ، ولو أمكنني أن أسقيك دفعة واحدة ، ما هو حاضري ، لسقيتك ، والله الموفق للصواب.

[قال أبو الفتح] : وتكون (كان) دالة على الحدث ، فتستغني عن الخبر المنصوب. تقول : كان زيد ، أي : قد حدث ، ووقع. كما تقول : أنا ، مذ كنت ، صديقك ، أي : أنا صديقك ، مذ كنت ، وخلقت (٤). [قال الشاعر] :

٩١ ـ إذا كان الشّتاء ، فأدفئوني

فإنّ الشيخ يهدمه الشّتاء (٥)

أي إذا حدث الشتاء ، ووقع.

[قلت] : اعلم أن (كان) على أربعة أقسام :

[الأول] : أن تكون ناقصة. ولها سيق الباب. تقول : كان زيد قائما.

[الثاني] : أن تكون تامة ، فتكون ملتقية بالاسم ، دون الخبر ، كقولك : قد كان زيد. قال الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ)(٦). أي : وإن وقع ذو عسرة ومنه [٤٣ / أ] قراءة من قرأ (إِلَّا أَنْ

__________________

(١) هو : عبد الملك بن قريب بن أصمع ، الباهلي (ت ٢١٦ ه‍). كان صاحب : النحو ، واللغة ، والغريب ، والأخبار ، روى عن : أبي عمرو بن العلاء ، وقرة بن خالد ، ونافع بن أبي نعيم. روى عنه : ابن أخيه ، وأبو عبيد بن القاسم ، والسجستاني ، والرياشي ، واليزيدي. ينظر : طبقات النحويين واللغويين ١٦٧ ـ ١٧٤ ، ونزهة الألباء ٩٠ ـ ١٠١.

(٢) خطأ : الأصمعي ، وأبو عمرو بن العلاء ، والجرمي ، ذا الرمة في هذا البيت ، لأنه أدخل حرف الاستثناء (إلا) على خبر (تنفك). وقال الأصمعي ، والمازني ، وابن جني : ولا يستقيم له إلا أن يجعل (إلا) زائدة.

وروي أن ذا الرمة لما نبه إلى ذلك فطن ، فقال : إنما قلت : إلا مناخة ، أي شخصا. التحصيل ٣٩٦ ، والإنصاف ١ : ١٥٧ (ه) ، وابن يعيش ٧ : ١٠٧.

(٣) الإنصاف (مسألة ١٨) ١ : ١٦٠ ، وهذه مسألة خلافية ، على ما فيها من آراء في : فعلية ليس ، أو حرفيتها ، فالكوفيون لم يجيزوا تقديم خبرها عليها ، والبصريون أجازوه. وينظر : ابن عقيل ١ : ٢٦٣.

(٤) الكتاب ١ : ٤٦ وفيه : (وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه. تقول : قد كان عبد الله ، أي : قد خلق عبد الله ، وقد كان الأمر ، أي : وقع الأمر).

(٥) البيت من الوافر ، للربيع بن ضبع الفزاري ، في : حماسة البحتري ٣٢٢ ، وأمالي المرتضى ١ : ٢٥٥ ، وبلا نسبة في : اللمع في العربية ٩٩ ، وشرح شذور الذهب ٣٥٤ ، واللسان (كون) ١٣ : ٣٦٥.

(٦) ٢ : سورة البقرة ٢٨٠.

١٤٣

تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١). أي : تحدث ، وتقع. فأما قول أبي الفتح ، بعد هذا الفصل : وقد يضمر فيها اسمها ، وهو ضمير الشأن ، والقصة ، والحديث ، فتقع الجمل بعدها أخبارا عنها ، تقول : كان زيد قائم ، أي : كان الحديث ، والشأن : زيد قائم. فهذا ليس بقسم على حياله ، وإنما هو داخل في القسم الأول. أعني في الناقصة ، لأنه يحتاج إلى الاسم ، والخبر. ثم اعلم ، بعد ذلك ، أن قول النحويين : هو : ضمير الشأن ، والحديث ، يعنون به ضميرا تذكره العرب ، لتفخيم الأمر ، وتعظيم الشأن ، كي يستمعه المخاطب ، فيتشوف إلى ما بعده. وذلك يقع في المبتدأ ، والخبر ، ويقع ، بعد العوامل الداخلة على المبتدأ ، والخبر. ولهذا الضمير شرائط :

[الأولى] : أن يكون غير عائد إلى مذكور.

[الثانية] : أن لا يجوز إظهاره بتة.

[الثالثة] : أنه لا يجوز أن يعطف عليه ، أو يبدل منه ، أو يؤكد.

[الرابعة] : أن يفسر بجملة ، إما من مبتدأ ، وخبر ، وإما من فعل ، وفاعل.

[الخامسة] : أنه لا يجوز أن يقدم عليه هذه الجملة.

[السادسة] : أن لا يكون في هذه الجملة ، عائد يعود إلى المبتدأ الذي هو ضمير الشأن.

فافهم هذه الشرائط الست ، فإنا قد فهمناها من فحوى كلامه (٢) ، ولا أعلم من نص عليها. فمما جاء من ذلك في كتاب الله ، عز ، وجل ، في أوضح التأويلين : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) (٣). أي : قل : الأمر ، والشأن : الله أحد. وقال : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤). أي : فإذا القصة : أبصار الذين كفروا شاخصة فهي مبتدأ ، وأبصار الذين كفروا : مبتدأ [ثان]. وشاخصة : خبر مقدم.

والجملة : تفسير هي. وهذا الضمير ، إذا كان مذكرا ، فهو : ضمير الأمر ، والشأن : وإذا كان مؤنثا ، فهو : ضمير القصة.

وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً)(٥). فيمن قرأ بالتاء (٦). تقديره : أو لم تكن القصة. فاسم كان مضمر. وأن يعلمه : مبتدأ. وآية : خبره. والجملة : خبر كان ، وهي تفسير القصة. وأنكر أبو علي ، أن تكون آية : اسم تكن. وأن يعلمه : خبره ، لأن ذلك يكون في ضرورة الشعر [كقول الشاعر] :

٩٢ ـ ...

ولا يك موقف منك الوداعا (٧)

__________________

(١) ٤ : سورة النساء ٢٩ ، وهي قراءة : ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، وابن عامر. وقرأها بالنصب ، خبرا لكان : حمزة ، والكسائي ، وعاصم. السبعة ٢٣١ ، وحجة القراءات ١٩٩ ، وتفسير القرطبي ٥ : ١٥١ ، ومجمع البيان ٣ : ٣٦ ، والنشر ٣ : ٢٤٩.

(٢) يعني : أبا علي.

(٣) ١١٢ : سورة الإخلاص ١.

(٤) ٢١ : سورة الأنبياء ٩٧.

(٥) ٢٦ : سورة الشعراء ١٩٧.

(٦) ورفع (آية) : ابن عامر ، والجحدري ، وبنصب (آية) قرأ : ابن عباس ، السبعة ٤٧٣ ، وحجة القراءات ٥٢١ ، والبحر المحيط ٧ : ٤١.

(٧) عجز بيت من الوافر ، سبق ذكره رقم (٨٩).

١٤٤

[٤٣ / ب] وكلام الله ، لا يحمل على الضرورة. والكلام في هذا طويل. أعني في هذه الآية.

وهو أيضا ، من جملة الأشياء المأخوذة ، على أبي إسحاق. ولا يتجه أخذه عليه ، لأن آية ، وإن كان نكرة ، فقد تخصص بقوله : (لهم). إذ كان (لهم) : صفة للآية. والنكرة الموصوفة ، بمنزلة المعرفة.

ومما جاء من ذلك أيضا ، في الشعر ، [قول الشاعر] :

٩٣ ـ إذا متّ ، كان الناس : نصفان : شامت

وآخر : مثن بالذي كنت أصنع (١)

ففي كان ضمير الشأن مرفوع به. والناس : مبتدأ. ونصفان : خبره. والجملة خبر كان ، تفسير للأمر ، والشأن. [ومنه قول الآخر] :

٩٤ ـ هي الشّفاء لدائي ، لو ظفرت بها

وليس منها شفاء الدّاء مبذول (٢)

ففي : ليس ، ضمير الشأن. وشفاء الداء : مبتدأ. ومبذول : خبره. والجملة : تفسير الأمر ، والشأن. وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ)(٣) قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (٤). ففي كاد ضمير الأمر ، والشأن. وتزيغ قلوب فريق منهم : جملة فعلية ، في موضع خبر كاد ، تفسير للأمر ، والشأن. وزعم المبرد (٥) : أن قوله : قلوب فريق منهم : مرتفع بكاد ، وتزيغ : خبره ، فهو مقدم مؤخر. ولو كان ، كما زعم ، لكان : كادت ، كما جاءت تزيغ. وإن قال : فقد قرئ : يزيغ ، فإن فاعله بعده ، لا يلتبس. وهذا يلتبس. ومثل الآية [قول الشاعر] :

٩٥ ـ فأصبحوا ، والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ النّوى ، يلقي المساكين (٦)

أي : ليس الأمر ، والشأن يلقي المساكين كل النوى. وعلى هذا [قول الآخر] :

٩٦ ـ ...

ليس يحيك الملام في همم (٧)

أي : ليس الأمر ، والشأن يحيك الملام. فالملام : مرتفع بيحيك. فهذا في باب المبتدأ ، وكان.

فأما في باب : إنّ ، فقد قال عز ، وجل : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً)(٨). أي : إن الأمر ، والشأن.

__________________

(١) البيت من الطويل ، للعجير السلولي في : الأغاني ١٣ : ٥٨ ، وفيه : نصفين ، بدل : نصفان ، وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه ، والتحصيل ٩٠ ، وبلا نسبة في : الكتاب ١ : ٧١ ، وابن يعيش ١ : ٧٧.

(٢) البيت من الطويل ، لهشام بن عقبة ، أخي ذي الرمة ، في : الكتاب ١ : ٧١ ، ١٤٧ ، والتحصيل ٩٠. وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ١٠١ ، وابن يعيش ٣ : ١١٦.

(٣) قرأ : حمزة ، وحفص عن عاصم (يزيغ) بالياء. وقرأ بالتاء : الكسائي ، وابن عامر ، وابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وشعبة ، وخلف ، ويعقوب ، وأبو جعفر. السبعة ٣١٩ ، وحجة القراءات ٣٢٥ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٤٤ ، والتيسير ١٢٠ ، وتفسير التبيان ٥ : ٣١٣ ، والكشف ـ للقيسي ١ : ٥١٠ ، ومجمع البيان ٥ : ٧٨ ، والبحر المحيط ٥ : ١٠٩ ، والنشر ٢ : ٢٨١ ، وإتحاف الفضلاء ٢٤٥ ، وغيث النفع ١٥٣.

(٤) ٩ : سورة التوبة ١١٧.

(٥) في المقتضب ٣ : ٧٥ ، وفيه : (فلا تذكر خبرها إلا فعلا ، لأنها لمقاربة الفعل في ذاته).

(٦) البيت من البسيط. لحميد بن مالك الأرقط ، في : الكتاب ١ : ٧٠ ، ١٤٧ ، والتحصيل ٩٠ ، والخزانة ٩ : ٢٧٠ ، وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ١٠٠ ، وابن يعيش ٧ : ١٤٠ ، وابن عقيل ١ : ٢٨٤.

(٧) البيت من الخفيف ، لم أهتد إلى قائله.

(٨) ٢٠ : سورة طه ٧٤.

١٤٥

وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(١). أي : إن القصة. وقال : (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)(٢). أي : إن القصة. وقد جاء حذف هذا الضمير في باب إن [في قول الشاعر] :

٩٧ ـ إنّ من لام في بني بنت [٤٤ / أ] (م)

حسّان ألمه ، وأعصه في الخطوب (٣)

أي : إنه من لام. ولا يجوز أن تنصب من ب (إنّ) ، لأنه جزم الجواب ، وهو : ألمه. ولا يعمل في الشرط ، ما قبله.

وفي باب : ظننت ، قد جاء [قول الشاعر] :

٩٨ ـ أكنيه حين أناديه ، لأكرمه

ولا ألقبه. والسّوءة اللقب

كذاك أدّبت ، حتى صار من خلقي

أنّي وجدتّ ملاك الشّيمة : الأدب (٤)

أي : إني وجدته. أي : إني وجدت الأمر ، والشأن فملاك الشيمة : مبتدأ. والأدب : خبره.

والجملة تفسير الأمر ، والشأن المحذوف في وجدت.

[فإن قلت] : فهل حذف هذا الضمير جائز في حال السعة ، والاختيار ، أم يختص ذلك بضرورة الشعر؟

[قلت] : زعم (٥) أنه يختص بضرورة الشعر ، دون حال السعة ، والاختيار. والعلة فيه : أن باب (إنّ) مشبه بالفعل ، في نصب ما بعده ، ورفعه ، وليس بفعل على الحقيقة ، فلا يتصرف فيه. بحذف المشبه بالمفعول ، لضعفه. كذا قال [الخليل](٦). فحذف الخبر قد جاء ، أعني خبر (إنّ) في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٧) و (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ)(٨). وفيما روي أن المهاجرين قالوا للنبي ، عليه السّلام ، إن الأنصار قد فضلونا ، وآوونا ، وفعلوا وفعلوا. فقال النبي عليه السّلام : (أو لستم تعرفون ذلك؟! فقالوا : بلى ، يا رسول الله. قال : فإن ذلك) (٩). ولم

__________________

(١) ٢٢ : سورة الحج ٤٦.

(٢) ٣١ : سورة لقمان ١٦.

(٣) البيت من الخفيف ، للأعشى ، في ديوانه ٣٣٥ ، وصدره فيه :

من يلمني على ابنة ...

 ...

وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.

والكتاب ٣ : ٧٢ ، والتحصيل ٤٠٨ ، والإنصاف ١ : ١٨٠ ، والخزانة ٥ : ٤٥٠ ، ٤٢١ ، ٩ : ٧٥ ، ١٣٩ ، ١٠ : ٤٣٠ ، ٤٤٨ ، ٤٥٠ ، ١١ : ٢٣٠.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٤٢٧ ، ٤٤٢ ، ٤٧٠ ، وابن يعيش ٣ : ١١٥ ، والمغني ٢ : ٦٠٥.

(٤) البيتان من البسيط عزاهما أبو تمام في حماسته لبعض الفزاريين. ديوان الحماسة ٢ : ١٨ ، وجاءت الرواية بنصب القافية ، وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه ، وهو بهذه النسبة في الخزانة ٩ : ١٣٩.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٣١٤ ، وابن عقيل ١ : ٤٣٧ ، وهمع الهوامع ٢ : ٢٢٩.

(٥) أي : سيبويه ، الكتاب : ٦٩ ، ٧٠ ، ٣ : ١٣٤.

(٦) الكتاب ٢ : ١٣١ وفيه : (زعم الخليل ... أنها لا تصرف تصرف الأفعال ، ولا يضمر فيها المرفوع كما يضمر في كان).

(٧) ٢٢ : سورة الحج ٢٥.

(٨) ٤١ : سورة فصلت ٤١.

(٩) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٧٧.

١٤٦

يقل : كذلك. فإذا جاز حذف الخبر في حال السعة ، فما بال حال الاسم لم يجز حذفه في السعة؟!.

[الجواب] ذلك ، لأن الخبر يشبه خبر المبتدأ ، وقد جاز حذف خبر المبتدأ ، لدلالة الكلام عليه. فأما حذف الاسم ، وإن كان مبتدأ في الأصل ، فهو مشبه بالمفعول ، وليس بمفعول في الحقيقة ، فلا يتصرف فيه ، لضعفه. وقد جاء حذف الاسم ، أعني حذف اسم إنّ ، وليس بضمير الشأن. [قال الشاعر] :

٩٩ ـ فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتي

ولكنّ زنجيّ غليظ المشافر (١)

أي : ولكنك زنجي. [فإن قلت] : فإنك زعمت أن المضمر المجهول (٢) ، إنما يكون في باب المبتدأ أو العوامل الداخلة عليه ، وقد قالوا في قوله تعالى : (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها) [٤٤ / ب](لَهُمْ)(٣) : إن الهاء من (أسرها) ، كناية عن هذا الضمير.

أي : أسر القصة ، ثم فسرها بقوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً)(٤). و (أسر) ليس بعامل داخل على المبتدأ والخبر. [قلت] : نقول في جواب هذا : إن (أسرها) ، أي : أسر الإجابة أو المقالة. ويعني بالمقالة : المقول. وإذا احتمل هذا ، لم يكن قدحا فيما قلنا. وكيف يكون (أسرها) للمجهول ، والهاء مفعول به ، وهو فضلة في الكلام. وهذا المجهول معتمد الكلام ، فكيف يكون هذا مثله ، والمضمر على شريطة التفسير ، لم يجئ في كلامهم على هذا الحد ، لأنه جاء على وجهين : الأول : أن يفسر بجملة ، وهو الذي تقدم ذكره. والآخر : أن يفسر بمفرد ، وهو في باب نعم ، نحو : نعم رجلا زيد ، أي : نعم الرجل رجلا ، فهو فاعل مفسر بمذكور. ونحو قولهم : ربّه رجلا. فرجلا تفسير للهاء المضمر في ربّه. فإذن هو ضربان : مفرد مفسر بمفرد ، ومفرد مفسر بجملة ، وليس فيها جملة تفسير لمفرد من جملة أخرى. فهذه دعوى لا طائل تحتها. [فإن قلت] : فإن الهاء في قوله : (فأسرّها) وإن كانت فضلة ، فإنه جاز أن يفسر كما جاز تفسير الهاء في : ربه رجلا ، والجار ، والمجرور أيضا فضلة في الكلام. [الجواب] : هذا لم يمتنع لأجل الفضلة ، أو غير الفضلة ، وإنما امتنع ، لأنه جملة يدّعى فيها أنه تفسير مفرد من جملة أخرى.

[قال أبو الفتح] : من أقسام (كان) : أن يكون بمعنى : صار. والفرق بين (كان) و (صار) أن

__________________

(١) البيت من الطويل ، نسب للفرزدق ، وليس في ديوانه وهو بهذه النسبة في : الكتاب ٢ : ١٣٦ ، والتحصيل ٢٨١ ، والأغاني ٢١ : ٣٣٢ ، وجاءت روايته فيه :

فلو كنت قيسيا إذن ما حبستني

ولكنّ زنجيا غليطا مشافره

وابن يعيش ٨ : ٨٢ ، واللسان (شفر) ٤ : ٤١٩ ، والخزانة ٩ : ٢٢٨ ، ١٠ : ٤٤٤ ، ٤٤٦ ، والتاج (شفر) ١٢ : ٢١٠.

وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ١٨٢ ، والجمل ١ : ٤٢٦ ، ٤٤٢ ، وشواهد التوضيح ٢٠٦ ، والمغني ١ : ٢٩١.

(٢) المراد بالمضمر المجهول : ضمير الأمر ، والشأن.

(٣) ١٢ : وسورة يوسف ٧٧.

(٤) ١٢ : سورة يوسف ٧٧.

١٤٧

(كان) لا يوجب التنقل ، و (صار) يوجب التنقل. تقول : صار زيد [غنيا](١) ولم يكن قبل ذلك بهذه الصفة. فمما جاء من ذلك ، قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)(٢) أي : من صار الآن في المهد. ولم يريدوا أن يخبروا بشيء كان قد مضى ، لأنه ليس بموضع التعجب ، إذ كل أحد كان صبيا في المهد ، فلا يجوز أن يكون لما مضى. و «قال الشاعر] :

١٠٠ ـ والرّأس قد كان له شكير (٣)

أي : صار. ألا ترى أنه لا يقال : قد كان فيما مضى شكير ، لأن الشكير ، إنما يظهر في الحال دون ما مضى ، فصح هذا. [والقسم الآخر] : أن تكون كان زائدة [٤٥ / أ] خروجها كسقوطها.

وأنشد في ذلك :

١٠١ ـ ...

على كان المسوّمة العراب (٤)

أي : على المسومة. و (كان) هذه ، لا تعمل شيئا ، لأنها زائدة. وإذا كان كذلك فقول محمد بن يزيد في قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً)(٥) : أن (كان) زائدة ، ليس بالمتجه ، لأنه نصب (فاحشة) ولو كان زائدة لم تعمل. [فإن قلت] : فقد أنشد :

١٠٢ ـ فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام (٦)

وحكم بزيادة (كانوا) وقد أعملها في الاسم ، وإن لم يكن قد أعملها في الخبر. [قلت] : إن الاسم مشبه بالفاعل. والفاعل كالجزء من الفعل على ما تقدم. ألا ترى أنهم قالوا : زيد ظننت قائم. فألغوا الفعل مع الفاعل ، لما كان كالجزء منه : وكذا (كانوا) هاهنا ، ألغي ، وإن اتصل به الاسم. على أنّ الواو في (كانوا) يجوز أن يكون تأكيدا للضمير في الظرف ، وهو : (لنا) ، إذ هو صفة للمجرور ، ويجوز أن يكون خبر (كانوا) ، مقدما. والتقدير : وجيران كانوا لنا. ف (لنا) : خبر مقدم. ولا ينوى به التأخير ، لأنه في موضعه ، فليس إعماله في الفاعل كإعماله في الخبر ، فافهمه.

[قال أبو الفتح] : وأخبار (كان) وأخواتها كأخبار المبتدأ من المفرد ، والجملة ، والظرف.

تقول في المفرد : كان زيد قائما. وفي الجملة : كان زيد وجهه حسن. وفي الظرف : كان زيد في

__________________

(١) الأصل غير واضح.

(٢) ١٩ : سورة مريم ٢٩.

(٣) من الرجز. لم أهتد إلى قائله. وشكير الرأس : شعره. اللسان (شكر) ٤ : ٤٢٦.

(٤) البيت من الوافر ، وصدره :

سراة بني بكر تسامى

 ...

وهو بلا نسبة في : ابن يعيش ٧ : ٩٨ ، واللسان (كون) ١٣ : ٣٧٠ ، وشفاء العليل ١ : ٣٢٢ ، والخزانة ٩ : ٢٠٧ ، ٢١٠ ، ١٠ : ١٨٧.

(٥) ٤ : سورة النساء ٢٢. المقتضب ٤ : ١١٧ (ه) ، ومجمع البيان ٣ : ٢٦.

(٦) البيت من الوافر ، للفرزدق ، في ديوانه ٢ : ٥٥٦ ، والكتاب ٢ : ١٥٣ ، والتحصيل ٢٩٠ ، والمقتضب ٤ : ١١٦ ، واللسان (كون) ٢ : ٣٧٠ ، والخزانة ٩ : ٢١٧ ، ٢٢١ ، ٢٢٢.

وبلا نسبة في : ابن عقيل ١ : ٢٨٩ ، والجمل ١ : ٤٠٩ ، والمغني ١ : ٢٨٧.

١٤٨

الدار. [قلت] : قوله : كان زيد وجهه حسن. زيد : اسم (كان). ووجهه مبتدأ. وحسن : خبره.

والجملة : في موضع النصب ، خبر (كان). ويجوز : كان زيد وجهه حسنا ، بنصب (حسن) ، فيكون (وجهه) : بدلا من زيد. و (حسنا) : خبره. وفي بعض النسخ ذكر هذا ، واستشهد [بقول الشاعر] :

١٠٣ ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما (١)

فقيس : اسم كان. وهلكه : مبتدأ. وهلك واحد : خبره. والجملة في موضع النصب ، خبر (كان). ويجوز : هلك واحد ، بالنصب ، فيكون : هلكه : بدلا من قيس. وهلك واحد ، خبره. وهذا من بدل الاشتمال. ووجهه في المسألة بدل بعض من كل.

[قال أبو الفتح] : وتزاد الباء في خبر ليس ، مؤكدة. فيقال : ليس زيد بقائم ، أي : ليس زيد قائما. وليس محمد بمنطلق ، أي : ليس محمد منطلقا. فإن عطفت على قائم ، جاز في المعطوف وجهان [٤٥ / ب] : الجر على اللفظ ، والنصب على الموضع. تقول : ليس زيد بقائم ولا قاعد ، ولا قاعدا أيضا. [قال الشاعر] :

١٠٤ ـ معاوي ، إننّا بشر ، فأسجح

فلسنا بالجبال ، ولا الحديدا (٢)

[قلت] : اعلم أن الباء في الكلام على ثلاثة أقسام :

[الأول] : أن تكون للإلصاق. كقولك : عمل النجار بالقدوم ، لأنه ألصق النجارة بالآلة.

[الثاني] : أن تكون الباء للإيصال. كقولك : مررت بزيد. أوصل الباء المرور إلى زيد.

[الثالث] : أن تكون الباء زائدة. وذلك قد جاء في مواضع ، منها قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(٣) فالباء زائدة ، لقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٤). ومنها قوله في أحد التأويلات : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(٥) أي : تنبت الدهن. ومنها زيادتها في خبر ليس. تقول : ليس زيد بقائم. فالباء زيدت ، لتأكيد النفي. والجار ، والمجرور منصوب الموضع ، لأنه خبر ليس. وكذلك يكون ذلك في : (ما) كقولهم : ما زيد بقائم. واستدل على ذلك بالبيت. وهو قوله :

١٠٥ ـ ...

فلسنا بالجبال ، ولا الحديدا (٦)

فحمل الحديد على موضع الجار. وقد طعنوا في ذلك ، وقالوا : إن القافية مجرورة ، وقبل البيت :

أكلتم أرضنا فجرزتموها

فهل من قائم أو من حصيد

__________________

(١) البيت من الطويل ، لعبدة بن الطبيب. في : ديوانه ٨٨ ، والكتاب ١ : ١٥٦ ، والتحصيل ١٢٤ ، وديوان الحماسة ١ : ٣٢٨ ، والأغاني ٢١ : ٢٦ ، وأمالي المرتضى ١ : ١١٤ ، وابن يعيش ٣ : ٦٥ ، والشعر والشعراء ٢ : ٧٢٨.

(٢) البيت من الوافر ، لعقبة بن هبيرة الأسدي ، في : الكتاب ١ : ٦٧ ، ٢ : ٢٩٢ ، ٣٤٤ ، ٣ : ٩١ ، والتحصيل ٨٧ ، ٣٤٢ ، والإنصاف ١ : ٣٣٢ ، والخزانة ٢ : ٢٦٠ ، ٤ : ١٦٥ ، ١٠ : ٣٠١ ، ١١ : ٣٩٧.

وبلا نسبة في : المقتضب ٢ : ٣٣٨.

(٣) ١٠ : سورة يونس ٢٧.

(٤) ٤٢ : سورة الشورى ٤٠.

(٥) ٢٣ : سورة المؤمنون ٢٠.

(٦) سبق ذكره ، رقم (١٠٤).

١٤٩

في أبيات ، إلى أن أتى إلى قوله : فلسنا بالجبال ولا الحديد. وهذا البيت [استشهد (١)] : به سيبويه (٢) في الحمل على الموضع. والطعن ليس بمتجه ، لأن سيبويه قد سمع هذا البيت ممن يصح الاحتجاج بقوله مع أبيات أخر منصوبة القافية ، وقبلها :

١٠٦ ـ أقيموها بني حرب إليكم

ولا ترموا بها الغرض البعيدا (٣)

إلى أن أتى إلى قوله :

١٠٧ ـ ...

فلسنا بالجبال ، ولا الحديدا

وها أنا أبين لك هذه القاعدة ، لكن ننهاك عن الإقدام على الطعن في هذه الأبيات. أعني أبيات سيبويه ، وذلك ، لأن البيت ربما يقوله قائله على وجه ، ثم العرب تنشده على ما يصح في لغتها ، وإن لم يكن على الجهة التي قالها قائله. فسيبويه يسمعه من العرب على ما يصح في لغتها ، فيصح له الاحتجاج به ، لأن من سمعه منه قوله حجة ، وإنشاده صحيح. ألا ترى أنه قد احتج في ترخيم معاوية ، أنه يجوز ذلك بعد حذف التاء ، حذف الياء ، فتقول : يا معاو أقبل. وقد أنشد [٤٦ / أ] في ذلك [قول الشاعر] :

١٠٨ ـ فقد رأى الرّاؤون غير البطّل

أنّك يا معاو يا ابن الأفضل (٤)

والذي في بيت العجاج :

١٠٩ ـ إنّك يا يزيد يا ابن الأفضل

ولكن سمعه من العربي الذي قوله حجة ، كقول العجاج. ثم إن طعن الطاعن في قوله :

١١٠ ـ يا معاو يا ابن الأفضل

لا يصح ، حيث يقول : إنه حذف التاء فحسب ، وإنه بقي : يا معاوي. فقال :

١١١ ـ يا معاوي ابن الأفضل

وليس على : يا معاوي ، ثم نداءات أخر ، لأن ما قاله سيبويه ، محتمل. وإذا احتمل ، وانضم إلى ذلك [قول الشاعر] :

١١٢ ـ أيا بجي ، أيا بجي

إن أخي غير دعي (٥)

يريد : يا بجيلة ، فحذف اللام بعد حذف التاء ، فافهمه. ثم إن بيت عقبة الأسدي ، شاهد في الحمل على الموضع. ولم يقنع به سيبويه ، بل ضم إلى ذلك أبياتا أخر ، منها قول [الشاعر] :

__________________

(١) الأصل غير واضح.

(٢) الكتاب ١ : ٦٧.

(٣) سبق ذكره رقم (١٠٤).

(٤) من الرجز ، للعجاج ، في : ديوانه ١٦٣ ، ١٦٤ ، والكتاب ٢ : ٢٥٠ ، والتحصيل ٢٢٧.

وبلا نسبة في : الخصائص ٣ : ٣١٦ ، والخزانة ٢ : ٣٧٨.

(٥) من مجزوء الرجز. لم أهتد إلى قائله.

١٥٠

١١٣ ـ كشحا طوى من بلد مختارا

من يأسة اليائس أو حذارا (١)

فحمل قوله : حذارا ، على موضع قوله : من يأسة ، أي : طوى كشحا من اليأس ، ومن حذار ، أي : لأجل اليأس ، والحذار. وأنشد [قول الشاعر] :

١١٤ ـ فإن أنت لم يصدقك علمك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ ، فلتزعك العواذل (٢)

فنصب قوله : ودون معد ، على موضع قوله : من دون عدنان. وقد قال أبو علي في قوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣) : إن نصب (يوم القيامة) ، محمول على موضع قوله : (في هذه الدنيا). أي : أتبعوا في هذه الدنيا ، وفي يوم القيامة لعنة. كما قال : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٤). وقال أيضا في قوله : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٥) فيمن نصب (٦) ، إنه محمول على موضع قوله : (بإسحق). وإذا كان كذلك ، فطعن هذا الطاعن ساقط ، لأنه وإن لم يكن بيت الأسدي حجة ، فما يقول في غيره.

[قال أبو الفتح] : وشبّه (ما) بليس في لغة أهل الحجاز ، فيقولون : ما زيد قائما. كما يقولون : ليس زيد قائما. فترفع زيدا ، لأنه اسم (ما) وتنصب (قائما) ، لأنه خبرها. وأما بنو تميم ، فيجرونها مجرى (هل) ، فلا يعملون (ما) ، بل يتركون ما بعدها بحاله ، فيقولون : ما زيد قائم. فيرفعون زيدا بالابتداء [٤٦ / ب] وقائم خبره.

[قلت] : اعلم أن العرب قد اختلفت في إعمال (ما) النافية ، فشبهها أهل الحجاز بليس ، لأن (ما) لنفي الحال ، كما أن (ليس) كذلك. فلما أشبهها أعملوها إعمالهم ليس ، فرفعوا بها الاسم ، ونصبوا بها الخبر ، فقالوا : ما زيد قائما ، كما قالوا : ليس زيد قائما. وبلغتهم نزل القران. قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً)(٧) وقال (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٨). وأما بنو تميم ، فلا يعملونها ، ويرفعون ما بعدها بالابتداء ، والخبر ، فيقولون : ما زيد قائم ، لأنهم رأوا (ما) تدخل على القبيلين ، أعني الأسماء والأفعال ، نحو : ما زيد قائم ، وما قام زيد ، فلا ينبغي أن يعمل كما لا يعمل : هل ، وبل ، وإنما ، وأنما ، وغير ذلك.

__________________

(١) من الرجز ، للعجاج في : ديوانه ٣٩٢ ، والكتاب ١ : ٦٩ ، والتحصيل ٨٩ ، والإنصاف ٢ : ٣٣٣.

(٢) البيتان من الطويل ، للبيد ، في : ديوانه ٢٥٥ ، والكتاب ١ : ٦٨ ، والتحصيل ٨٨ ، والمقتضب ٤ : ١٢٥ ، وأمالي المرتضى ١ : ١٧١ ، وهمع الهوامع ١ : ٢١٨ ، ٥ : ١٥٩ ، والخزانة ٢ : ٢٥٢ ، ٩ : ١١٢.

وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ٣٣٤ ، والمغني ٢ : ٤٧٣ ، والأشموني ٢ : ٢٤١.

(٣) ١١ : سورة هود ٦٠.

(٤) ٢٤ : سورة النور ٢٣.

(٥) ١١ : سورة هود ٧١.

(٦) وهي : قراءة العامة.

(٧) ١٢ : سورة يوسف ٣١.

(٨) ٥٨ : سورة المجادلة ٢.

١٥١

ويقرؤون : (ما هنّ أمّهاتهم) بالرفع (١). وقد رواها المفضل (٢) عن عاصم (٣) هكذا.

[قال أبو الفتح] : فإن قدمت الخبر ، أو نقضت النفي بإلا ، لم يكن فيه إلا الرفع. تقول : ما قائم زيد. وما زيد إلا قائم ، ترفع في اللغتين جميعا.

[قلت] : اعلم أن أهل الحجاز ، إنما يعملون (ما) إعمال (ليس) بثلاث شرائط :

[الأولى] : أن لا ينقض النفي.

[الثانية] : أن لا يتقدم الخبر على الاسم.

[الثالثة] : أن لا يفصل بين (ما) والاسم بفاصل إلا الظرف. وإنما لم يذكر أبو الفتح هذا الوجه ، لأن هذا الحكم ثابت في باب (كان) أيضا. فتقول : ما زيد إلا قائم ، ترفع (زيد) بالابتداء ، وترفع (قائم) بالخبر ، لأن (إلا) أبطلت معنى النفي ، وصيرت الكلام إلى الإثبات. وكذلك : ما زيد قائما ، بل قاعد ، ترفع قاعدا على تقدير : بل هو قاعد. ولا يجوز أن تنصب ، فتقول : بل قاعدا ، لأن (بل) أبطلت معنى النفي. وكذلك تقول : ما قائم زيد. ترفع قائما بالابتداء ، وزيد مرفوع بقائم.

وهذا لا خلاف فيه. أعني رفع قائم بالابتداء هاهنا ، لأنه قد اعتمد على حرف النفي.

وكذلك تقول : ما طعامك زيد آكل. ترفع زيدا بالابتداء ، وآكل خبره ، وطعامك منصوب بآكل ، مقدم على المبتدأ ، فأبطل عمل (ما) ، لأن الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي ليس بالوجه.

وكذلك لا يجوز : كانت زيدا الحمى تأخذ. لا يجوز إلا على إضمار [٤٧ / أ] الباء (٤). وسيبويه (٥) منع ذلك ، وأجازه الأخفش ، وقال : لو قلت : مررت بزيد في الدار ، والقصر عمرو ، جاز أن تعطف القصر على المجرور بفي ، وتعطف عمرا على المجرور بالباء. وأخذ يحتج لذلك بأشياء منها ، قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٦).

وتقدير الآية : وإنا أو إياكم لعلى هدى ، أو إنا وإياكم في ضلال مبين. و (أو) : نائب عن (إنّ) الأول. والمتقدم : اللام ، وإنّ. وعطف عليهما ، فجاز ذلك. ومنها قراءة من قرأ : (آيات)

__________________

(١) وهي ، كذلك قراءة : أبي معمر ، والسلمي. السبعة ٦٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٧ : ٧٩ ، والبحر المحيط ٨ : ٢٣٢.

(٢) هو : المفضل بن محمد بن يعلى ، الضبي ، الكوفي (ت ١٦٨ ه‍). أخذ القراءة عن : عاصم ، والأعمش. وروى القراءة عنه : الكسائي ، وجبلة بن مالك ، وسعيد بن أوس ، وآخرون. قال أبو زيد الأنصاري : سمعت المفضل يقول : كنت آتي عاصما أقرا عليه وإذا لم آته أتاني في بيتي ، ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٠٧.

(٣) هو : عاصم بن بهدلة أبي النجود (ت ١٢٠ ه‍ على الأرجح). أخذ القراءة عن : زر بن حبيش ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي عمرو الشيباني ، وروى القراءة عنه : أبان بن تغلب ، وحفص بن سليمان ، وأبو بكر شعبة بن عياش ، وآخرون. وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي. ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩.

(٤) أي : كانت بزيد الحمى تأخذ.

(٥) الكتاب ٢ : ٣٨١.

(٦) ٣٤ : سورة سبأ ٢٤.

١٥٢

بالكسر (١) ، من قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٢) إلى قوله : (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٣) فجر قوله : (واختلاف) بالعطف على (خلقكم) ونصب (آيات) بالعطف على (آيات) كما أنّ (وَفِي خَلْقِكُمْ) معطوف على قوله (إِنَّ فِي السَّماواتِ) و (آيات) معطوفة على المنصوب ب (إنّ). ف (إنّ) و (في) : عاملان مختلفان ، فاستجاز العطف عليهما ، فدل على جوازه [قال الشاعر] :

١١٥ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

فليس بآتيك منهيّها

ولا قاصر عنك مأمورها (٤)

فجرّ (قاصرا) بالعطف على (آتيك) ، ورفع (مأمورها) بالعطف على (منهيها) والعاملان : الباء ، وليس [وقال الفرزدق] :

١١٦ ـ وباشر راعيها الصّلا ، بلبانه

وكفّيه ، حرّ النار ، ما يتحرّف (٥)

فجرّ و (كفيه) عطفا على المجرور بالباء. ونصب (حرّ النار) عطفا على المنصوب ب (باشر).

فهما عاملان مختلفان. والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن ، وذلك ، لأنه لو جاز العطف على عاملين ، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك ، لجاز على مئتين ، وأكثر من ذلك ، وهذا بين الفساد ، لأن حرف العطف قائم مقام العامل ، فيقوم مقام عامل واحد ، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين. فأما ما احتج به من الآي ، والأبيات ، فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيها لجري ذكره. والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ ، والكلام. فقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ) فتقديره : أو لفي ضلال ، فأضمر اللام لجري ذكره ، على أن اللام ليست بعاملة [٤٧ / ب] : في اللفظ ، وكلامنا في اللفظ ، لا في المعنى. وأما قوله : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ) فتقديره : وفي اختلاف الليل. وأضمر ، لأن قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) دل على ذلك. كما أن قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ)(٦) تقديره : فله أنّ له نار جهنم.

فأضمر له بعد الفاء ، لأنه مذكور في صلة (أنّ).

__________________

(١) وهم : حمزة ، والكسائي ، ويعقوب. تفسير الرازي ١ : ٢٥٩ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ١٥٧ ، والنشر ٢ : ٣٧١.

(٢) ٤٥ : سورة الجاثية ٤ ، ٥.

(٣) ٤٥ : سورة الجاثية ٥.

(٤) البيتان من المتقارب ، للأعور الشني ، في : الكتاب ١ : ٦٤ ، والتحصيل ٨٣ ، والخزانة ٤ : ١٣٦ ، ولابن أبي حازم في العقد ٣ : ٢٠٧.

وبلا نسبة في : المغني ١ : ١٤٦ ، ٢ : ٤٨٧ ، ٥٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ : ١٣٠ ، ٤ : ١٨٨.

(٥) البيت من الطويل ، للفرزدق ، في : ديوانه ٢ : ١٢٠.

الصلا : التدفؤ ، والاصطلاء. لبانه : صدره. يتحرف : يميل ، وينحرف.

(٦) ٩ : سورة التوبة ٦٣.

١٥٣

وزعم محمد بن يزيد (١) أن الآية محمولة على التكرار. وتقديره : وفي خلقكم وما يبث من دابة واختلاف الليل ، والنهار. فهو عطف على السموات. ولو ذكر هكذا ، علم منه ما يعلم منها الآن ، إلا أنه ذكر آيات تكرارا وتأكيدا للآيات المذكورة قبل في قوله : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ)(٢). ولو قال قائل : إن في الدار عمرا ، والقصر عمرا ، وكرر عمرا ، جاز ذلك. وأما قوله :

١١٧ ـ ...

ولا قاصر عنك مأمورها (٣)

فالرواية بالنصب ، بالحمل على موضع : بآتيك المنصوب بليس ، فهو عطف على ليس فحسب. وروي بالرفع على الاستئناف. فأما الجر ، فزعم أنه تصور قوله : مأمورها ، كأنه من المنهي. فهو كقولهم : ليس زيد بقائم ، ولا قاعد أبوه ، فكأن قال : ولا قاصر عنك مأمور منهيها.

فجاء مأمورها ، ولم يقل : مأموره ، كما جاء : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٤) لما كانت الأمثال مضافة إلى الحسنات ، اكتسى منه التأنيث. فأما قول الفرزدق ، فقد أضمر الباء فيه لجري ذكره. وفي المسألة طول ، وفيما ذكرت لك كفاية.

ولنعد إلى قوله : ليس زيد بقائم ، ولا قاعد عمرو ، أنه لا يجوز ، لأنك عطفت على عاملين.

فإذا قلت : ولا قاعدا عمرو جاز ، لأنك عطفت قاعدا على موضع بقائم ، وعطفت عمرا على زيد. فزيد مرفوع (بليس) ، و (بقاعد) في موضع النصب ، خبر ليس ، فهو عطف على عامل واحد.

فأما إذا قلت : ما زيد بقائم ، ولا قاعد عمرو لم يجز جرّ قاعد ، ولا نصبه. أما الجر ، فلأنه عطف على عاملين. وأما النصب ، فلأن قاعدا لو نصب لكان محمولا على موضع بقائم ، وكان عمرو محمولا على (ما) فيصير كأنك قلت : ما قاعدا عمرو. وقد ذكرنا أنه إذا تقدم [٤٨ / أ] الخبر بطل عمله. قال : وتقول : ما زيد كعمرو ، ولا كشبيه به ، ولا شبيها به ، بالجر ، والنصب. فالجر على تقدير : ما زيد كعمرو ، ولا كشبيه به. ففيه إثبات شبيه له. وإذا قلت : ما زيد كعمرو ، ولا شبيها به ، نفيت الشبيه على كل حال ، لأنك كأنك قلت : ما زيد مثل عمرو ، وما زيد شبيها به ، فهذا الفرق بين الجر ، والنصب.

باب إنّ وأخواتها

وهي : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، وليت ، ولعلّ. فهذه الحروف كلها تدخل على المبتدأ ، والخبر ، فتنصب المبتدأ ، فيصير اسما لها. وترفع الخبر ، ويصير خبرها. واسمها مشبه بالمفعول ، وخبرها مشبه بالفاعل. تقول : إنّ زيدا قائم.

__________________

(١) المقتضب ٢ : ٣٥٦ ، ٣٥٧.

(٢) ٤٥ : سورة الجاثية ٣.

(٣) عجز بيت من المتقارب ، سبق ذكره رقم (١١٥).

(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٦٠.

١٥٤

اعلم أن هذه الحروف ، إنما أعملت ، لأنها تشبه الأفعال من حيث إن أواخرها مبنية على الفتح ، كما أن أواخر الأفعال الماضية كذلك. ولأن الضمير يتصل بها كما يتصل بالأفعال. تقول : إنني ، وإنك ، كما تقول : سرني ، وسرك ، ولأن أم الباب هو : إنّ ، وتذكر للتأكيد ، كما أن الفعل الحقيقي كذلك ، يذكر للتأكيد ، نحو : ضربت ضربا. ألا ترى أن ضربا ذكر ، لتأكيد ضربت. إلا أنه لما أعمل لمشابهته الفعل قدّم فيه المنصوب ، على المرفوع ، فقيل : إن زيدا قائم. كما تقول : ضرب عمرا زيد ، وإنما فعل كذلك ليفرق بين باب (كان) وباب (إنّ) لأن باب (كان) فعل على الحقيقة ، وباب (إن) مشبه به ، وليس به. ثم ذكر من بعد ذلك الفرق بين معاني هذه الحروف.

فقال : إنّ ، وأنّ : للتحقيق. وكأنّ : للتشبيه. [ولكنّ : للاستدراك](١). وليت : للتمني ولعل : للترجي.

والفرق بين التمني ، والترجي ، أن التمني يصح في المستحيل ، وغير المستحيل. والترجي ، لا يكون إلا في غير المستحيل. تقول : ليت الشباب يعود ، كما تقول : ليت زيدا قادم. ولا تقول : لعل الشباب يعود. وأخبار إنّ كأخبار المبتدأ من المفرد ، والجملة ، والظرف.

[قال أبو الفتح] : ولا يجوز تقديم أخبارها على أسمائها ، إلا أن يكون الخبر ظرفا. تقول : إن في الدار زيدا. ولعل عندك عمرا.

[قلت] : هذه المسألة تدل على أن الظرف قسم على حياله ، وإن القائل إذا [٤٨ / ب] قال : في الدار زيد ، لا يصح أن يدعي فيه أن ارتفاع زيد ، إنما هو في قول الأخفش (٢) باستقر الذي تعلق به الظرف ، وإن المعاملة مع ذلك الفعل ليس الأمر كذلك ، لأنا نقول : إن في الدار زيدا. ولو كانت المعاملة مع استقر الذي تعلق الظرف به ، لم يقع الفصل به بين (إنّ) واسمه ، كما لا تقول : إن قام زيدا. ولما جاز : إن في الدار زيدا ، ولم يجز : إن قام زيدا ، لم تكن المعاملة مع ذلك الفعل.

فقوله تعالى ، يا أبا إسحاق (٣) : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)(٤).

يرتفع (أميون) بالظرف ، عند أبي الحسن ، لا باستقر الذي تعلق به منهم ، لأن ذلك الفعل قد رفض ، وخزل ، ولم يعمل. وإنما المعاملة مع الظرف فاعرفه. وجاز أن تكون المعاملة مع الظرف ، لأنه جرى في كلامهم ، قائما مقام الفعل ، مغنيا عن ذكر الفعل.

[قال أبو الفتح] : وتدخل اللام المفتوحة في خبر إن المكسورة ، دون سائر أخواتها ، زائدة مؤكدة. تقول : إن زيدا لقائم. ولو قلت : ليت زيدا لقائم ، أو نحو ذلك ، لم يجز. لأن هذه اللام للابتداء ، وهي تحقق ، وتقوي معنى الابتداء ، وحكمه. وليت ، ولعل قد زال معهما معنى الابتداء ، وأحكامه.

__________________

(١) إضافة غفل الشارح عن ذكرها.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٤٤.

(٣) أي : الزجاج ، ينظر : مجمع البيان ١ : ١٤٤.

(٤) ٢ : سورة البقرة ٧٨.

١٥٥

[قلت] : اعلم أن قول القائل : إن زيدا لقائم ، أصله : لأنّ زيدا قائم. لأن (اللام) لام الابتداء ، ومرتبته قبل (إنّ). وقد جاء ذلك [في قول الشاعر] :

١١٨ ـ ...

لهنّك من برق عليّ كريم (١)

أي : لأنك. فلما أبدل من الهمزة الهاء استجاز دخول اللام عليه ، لما تغيرت الصورة. ولا أحمله على أنه : لاه ، إنك من برق. أي : والله ، إنك من برق ، كما زعمه أبو زيد ، وقواه أبو علي (٢) ، لأن فيه حذف الألف من لاه ، والهمزة من إنّ. وعلى مذهب صاحب الكتاب (٣) ، ليس فيه إلا الإبدال. وإذا ثبت رتبة اللام قبل (إنّ) واللام لام الابتداء ، وهي للتأكيد ، و (إنّ) للتأكيد ، ولم يزل بدخول (إن) على المبتدأ ، والخبر ، معنى الابتداء ، بل هو باق مع (إن) على ما كان عليه قبل (إن) ، ألا ترى أن قولك : زيد قائم ، وقولك : إن زيدا قائم ، سواء ، ولم يجز اجتماع حرفي معنى في موضع واحد. ووجب [٤٩ / أ] : تأخير اللام دون (إن) ، لأن (إن) عاملة ، واللام غير عاملة ، صح اختصاص هذه اللام ب (إن) من دون سائر الحروف. والمقصود أن لا تجتمع اللام ، وإن. فإذا حصل هذا المقصود ، وهو أن لا يوقع مع (إن) فإن شئت أدخلته على الخبر ، أو ما يقع موقع الخبر ، أو على الاسم إذا كان الخبر ظرفا مقدما على الاسم. تقول : إن زيدا لقائم ، وإن في الدار لزيدا ، وإن زيدا لطعامك آكل ، فتدخل اللام في (طعامك) لأنه واقع موقع الخبر. قال الله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢) (٤) فأدخل اللام على الظرف ، لما وقع موقع الخبر ، لأن موقع الخبر بعد الاسم. ولو قلت : إن زيدا آكل لطعامك ، لم يجز ، لأن (طعامك) هاهنا جاء بعد الخبر ، بخلاف الأول ، لأن الأول وقع فيه موقع الخبر ، والخبر بعد مضمون. فاللام تدخل على الاسم ، أو الخبر ، أو ما يقع موقع الخبر. ولا تدخل على الفضلة ، ولا على الاسم ما لم يكن بين (إن) والاسم فاصل.

__________________

(١) البيت من الطويل ، لمحمد بن مسلمة ، وصدره :

إلا يا سنا برق على قلل الحمى

 ...

وهو بهذه النسبة في اللسان (لهن) ١٣ : ٣٩٣ ، ولرجل من بني نمير في : أمالي القالي ١ : ٢٢٠ ، والخزانة ١٠ : ٣٣٨ ، ٣٥١.

وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٣١٥ ، ٢ : ١٩٥ ، والجمل ١ : ٤٣٣ ، وابن يعيش ٨ : ٦٣ ، ٩ : ٢٥ ، والمغني ١ : ٢٣١.

(٢) الخزانة ١٠ : ٣٣٩ ، ونص العبارة : قال أبو زيد : قال أبو أدهم الكلابي : له ، ربي ، لا أقول ذلك ، بفتح اللام ، وكسر الهاء في الإدراج. ومعناه : والله ربي ، لا أقول ذلك.

(٣) الكتاب ٣ : ١٥٠ ، ونصه : (تقول : لهنك لرجل صدق ، فهي (إنّ) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف ، كقوله : هرقت).

(٤) ١٥ : سورة الحجر ٧٢.

١٥٦

[فإن قلت] : فلم جاز : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً)(١) و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً)(٢) ، وقد فصلت بين (إن) واسمها بالأجنبي ، وهو اللام؟

[قلت] : اللام ، لما لم يكن محدثا لمعنى ، لم يكن الفصل به ، فصلا ، لأن معنى اللام معنى إنّ. فكأنك كررت (إن). فاللام يختص ب (إن) دون سائر الحروف.

[فإن قلت] : فقد جاء عن ابن جبير (٣) : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٤) بفتح (أن) (٥).

[قلت] : اللام عندنا في هذه القراءة ، محمولة على الزيادة ، إذ لا يصح الجمع بين أنّ المفتوحة ، ولام التأكيد ، كما قدّرنا في (إن). ألا ترى أن (أن) المفتوحة ، لا يقع الابتداء بها. وهذه اللام إذا دخلت في موضع كانت (أن) فيه مفتوحة أوجبت اللام كسرها. تقول : ظننت أن زيدا منطلق ، فتفتح (أن). فإذا جئت باللام ، كسرت ، فقلت : ظننت إنّ زيدا لمنطلق. لأن التقدير فيه : ظننت لإنّ زيدا منطلق. وأنت إذا قلت : ظننت لزيد في الدار ، لم تعمل ظننت في زيد ، وإنما اللام تعلّق الظن عن أن يعمل في اللفظ. أو يكون ظننت جاريا [٤٩ / ب] مجرى القسم ، كما جرى علمت مجراه حين قال : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(٦) وقال [الشاعر] :

١١٩ ـ ولقد علمت. لتأتينّ منيّتي

 ... (٧)

فقوله : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(٨) : (ظَنُّوا) تجري فيه مجرى (أَقِيمُوا) ، وقوله : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) : جواب (أقسموا). والجملة تجري مجرى القسم. وهذا عند من لا يقف على : (ظَنُّوا) بل وصل. فأما من وقف ، وهو سهل (٩) والأنباري (١٠) ، وابتدءا ، وقالا : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) وكأن

__________________

(١) ٧٩ : سورة النازعات ٢٦.

(٢) ١٥ : سورة الحجر ٧٧. وغيرها.

(٣) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (ت ٩٥ ه‍ ، وقيل ٩٤ ه‍). عرض على عبد الله بن عباس ، عرض عليه أبو عمرو بن العلاء ، والمنهال بن عمرو. ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٠٥ ، ٣٠٦.

(٤) ٢٥ : سورة الفرقان ٢٠.

(٥) ينظر : ص ٤٨ ، هامش (٥).

(٦) ٢ : سورة البقرة ١٠٢.

(٧) البيت من الكامل ، للبيد بن ربيعة العامري ، وعجزه :

 ...

إن المنايا لا تطيش سهامها

وهو في ديوانه ١٧١ ، وفيه :

صادفن منها غرة فاصبنها

 ...

والكتاب ٣ : ١١٠ ، والتحصيل ٤٢١ ، والخزانة ٩ : ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ١٥٨ ، والمغني ٢ : ٤٠١ ، ٤٠٧ ، وشرح شذور الذهب ٣٦٥ ، وأوضح المسالك ٢١٦ ، وقطر الندى ١٧٦ ، وشفاء العليل ١ : ٣٩٩.

(٨) ٤١ : سورة فصلت ٤٨.

(٩) هو : سهل بن محمد ، أبو حاتم السجستاني (ت ٢٥٥ ه‍). عرض على يعقوب الحضرمي ، ويقال عرض على سلام الطويل ، وأيوب بن المتوكل. روى القراءة عنه : محمد بن سليمان المعروف بالزردقي ، وأبو سعيد العسكري النفاط ، وأبو بكر بن دريد ، وآخرون. كان حسن العلم بالعروض ، وإخراج المعمى ، وقول الشعر الجيد.

ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٢٠ ، ٣٢١ ، ونزهة الألباء ١٤٥ ـ ١٤٨.

(١٠) هو : محمد بن القاسم بن محمد ، أبو بكر بن الأنباري ، البغدادي (ت ٣٢٨ ه‍). روى القراءة عن أبيه :

١٥٧

المعنى عنده : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا)(١) أي : ظنوا الظن ، وعملوا عليه ، ولم يعملوا بالدليل ، ولا بما أخبرهم الرسول ، فما لهم من محيص في الآخرة. فاللام في قراءة ابن جبير زائدة ، وتختص هي ب (إنّ) لأن (أنّ) لا يبتدأ به. ولهذا قال : عندي أنك منطلق ، ارتفع (أن) بالظرف ، دون الابتداء ، كما يرتفع زيد ، إذا قلت : عندي زيد ، بالابتداء ، لأن (أن) يكسر في الابتداء. فلما فتح ، وقيل : عندي أنك منطلق ، [كقول الشاعر] :

١٢٠ ـ أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا

فنيّتنا ، ونيّتهم فريق (٢)

رفع بالظرف ، ولم يحمله على الابتداء ، لأنه يجب كسره في الابتداء.

و (إنّ) هذه ، تخفف فتلزمه هذه اللام ، حينئذ ، سواء دخلت على الاسم ، أو الفعل ، لأنها إذا خففت ، جاز دخولها على الفعل ، لزوال شبه لفظها بالفعل ، لأنها لما كانت مثقلة ، لم تدخل على الفعل ، لأن الفعل لا يلي الفعل. فقوله : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)(٣). وقوله : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) (١٦٧) (٤)(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)(٥)(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٦) : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ)(٧). اللام في هذه المواضع ، لا بد منها ، لأن إسقاطها يؤدي إلى اشتباه (إن) التي بمعنى (إنّ) ب (إن) التي معناها : النفي في قوله : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ)(٨) و (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)(٩).

وقول من قال في هذه الآي : إن (إن) بمعنى (ما) وإن اللام بمعنى إلا ، لو طولب بإقامة دليل على مجيء اللام بمعنى (إلا) لم يمكنه أن يري ذلك. فقوله قول فاسد ، ودعواه مضمحلة.

__________________

القاسم بن محمد ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، والحسن بن الحباب ، وآخرين. روى القراءة عنه : عبد الواحد بن أبي هاشم ، وأبو الفتح بن بدهن ، وأحمد بن نصر ، وآخرون. له كتاب : (الوقف والابتداء) ، و (المشكل وغريب الحديث) ، و : (شرح المفضليات) ، وغيرها. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، ونزهة الألباء ١٩٧ ـ ٢٠٤.

(١) ٤١ : سورة فصلت ٤٨.

(٢) البيت من الوافر ، للعبدي في : الكتاب ٣ : ١٣٦ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٨٢ ، ولرجل من عبد القيس في : التحصيل ٤٣٠ ، وللمفضل النكري ، في : الأصمعيات ٢٠٠ ، وفيها :

ألم تر أن جيرتنا استقلوا

 ...

وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه.

وبلا نسبة في : الجمل ١ : ٤٢١ ، واللسان (فرق) ١٠ : ٣٠١.

(٣) ١١ : سورة هود ١١١ ، وقراءة (أن) مخففة ، هي قراءة : نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وشعبة ، وابن محيصن.

معاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٢٨ ، وتفسير الطبري ١٢ : ١١٤ ، والسبعة ٣٣٩ ، وحجة القراءات ٣٥٠ ، ٣٥٢ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١١٤ ، والتيسير ١٢٦ ، وتفسير التبيان ٦ : ٧٣ ، والكشاف ٢ : ٢٩٥ ، ومجمع البيان ٥ : ١٩٦ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٧١ ، وتفسير القرطبي ٩ : ١٠٤ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٦٦ ، والنشر ٢ : ٢٩٠ ، ٢٩١ ، وإتحاف الفضلاء ٢٦٠ ، وغيث النفع ١٧٠.

(٤) ٣٧ : سورة الصافات ١٦٧.

(٥) ٢ : سورة البقرة ١٩٨.

(٦) ٧ : سورة الأعراف ١٠٢.

(٧) ١٠ : سورة يونس ٢٩.

(٨) ٢١ : سورة الأنبياء ١٧.

(٩) ٦٧ : سورة الملك ٢٠.

١٥٨

[فإن قلت] : فقد جاء في قراءة ابن جبير : (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) (١) بتخفيف (إنّ) ونصب [٥٠ / أ] (عباد) (٢) فمن أي الحزبين؟! أهي : إنّ ، خففت ، كما خففت (أنّ) في [قول الأعشى] :

١٢١ ـ في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى ، وينتعل (٣)

فإن كان كذلك ، فأين اللام؟ وما الناصب لعباد؟ وأين العائد إلى الموصول؟. وإن كانت الأخرى التي بمعنى (ما) فأين (إلا)؟ وما معنى الكلام؟ وهل يصح قول أبي الفتح ، أنه شبه (إن) ب (ما) فأعمل في الذين ، ونصب به عبادا؟

[قلت] : إن قول أبي الفتح ، لا يصح ، وذلك ، لأنه يقول ، إنه شبه (إن) التي للتحقيق ، ب (ما) التي للنفي فأعملها معاملة (ما) ، لأن (إن) أيضا ، تجيء بمعنى (ما). فلما كان اللفظ كاللفظ يعني لفظة (إن) التي للتحقيق كلفظة (إن) التي للنفي و (إن) التي للنفي تشبه (ما) ، رفع ب (إن) التي للتحقيق ، الاسم ، وهو : (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ونصب به (عبادا أمثالكم) كما تقول : ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم. هذا كلامه. ولو كانت صحبته مع الشيخ (٤) ، كما يدعيه ، وأنه لم يفهم أحد كلام الشيخ ، فهمه ، وأنه أقام معه أربعين سنة ، فلم يفهموا من قوله ، في قولهم : (هذا حلو حامض) أن الضمير كيف يعود من الاسمين إلى المبتدأ ، كما فهمه ، وأنّ معنى قول الشيخ : يعود من الاسمين إلى الأول. أي : من مجموعهما ، لا من كل واحد منهما. فإن تأثير الصحبة في هذه الآية لم يظهر ، لأن الشيخ ، رحمه الله ، ورضي عنه ، ذكر في الآية وجهين.

فأين منهما أبو الفتح ، ولم يفهمهما؟!.

قال : إنّ (إن) مخففة من الثقيلة. و (الَّذِينَ تَدْعُونَ) نصب ، اسمه على قراءة من قرأ : (وإن كلّا). والعائد إلى الموصول ، محذوف. والتقدير : إنّ الذين تدعونهم. وقوله : (عبادا أمثالكم) : منصوب على البدل ، من الضمير العائد إلى الذين من الصلة. أو يكون حالا منه ، فهذا وجه نصب (عباد).

فأما خبر (إنّ) فيكون كقوله : (فَإِنَّ ذلِكَ)(٥) فكما لم يقل كذلك ، لم يقل هاهنا (مخلوقون).

قال : وإن شئت يكون الخبر : فادعوهم ، لما يتعقبه من قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) لأن الشي قد يكون

__________________

(١) ٧ : سورة الأعراف ١٩٤.

(٢) إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٦٥٧ ، ومختصر شواذ القرآن ٤٨ ، والمحتسب ١ : ٢٧٠ ، والكشاف ٢ : ١١٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٤٢.

(٣) البيت من البسيط ، للأعشى. ديوانه ٥٩ ، وفيه :

إما ترينا حفاة لا نعال لنا

إنا كذلك ما نحفى وننتعل

والكتاب ٢ : ١٣٧ ، ٣ : ٧٤ ، ٤٥٤ ، والتحصيل ٢٨٢ ، ٤١٠ ، والخصائص ٢ : ٤٤١ ، والإنصاف ١ : ١٩٩ ، وشفاء العليل ١ : ٣٧١ ، والخزانة ٥ : ٤٢٦ ، ٨ : ٣٩٠ ، ١٠ : ٣٩١ ، ٣٩٣ ، ١١ : ٣٥٤.

وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ٩ ، وابن يعيش ٨ : ٧١.

(٤) يعني : أبا علي الفارسي ، لأن ابن جني صحبه أربعين سنة. ينظر : نزهة الألباء ٢٤٥.

(٥) هذا جزء من حديث النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سبق تخريجه ص ١١٠.

١٥٩

بانفراده لا يفيد. فإذا انضم إليه شيء آخر ، أفاد. فجاز : (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم) لما ذكر [٥٠ / ب](فَلْيَسْتَجِيبُوا) ، أفاد. ولو قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ)(١) ولم يذكر (فليستجيبوا) لم يكن ليجوز.

[فإن قلت] : فكيف يكون : (فادعوهم) خبرا ، وهو أمر ، فإنه [كقول الشاعر] :

١٢٢ ـ ولو أصابت ، لقالت ، وهي صادقة

إنّ الرّياضة ، لا تنصبك للشّيب (٢)

[قلت] : فقد زعم في قوله :

١٢٣ ـ وقائلة : خولان ، فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين ، خلو كما هيا (٣)

أنّ خولان : رفع بهذه مضمرة. ولم يرتفع بالابتداء ، على أن يكون الخبر (فانكح) ، لأن الفاء تمنع من ذا ، فكيف جاز أن يكون (فَادْعُوهُمْ) : خبر (إِنَّ الَّذِينَ)؟. ذلك جاء ، لما تضمن الاسم معنى الشرط ، والجزاء. وإذا كان قد جاء : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إلى أن قال : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ)(٤). وقوله : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٥) مع أن الاسم غير موصول ، وإنما كان وصفه موصولا ، فجاء الفاء ، لما عد الوصف كالجزء ، من الموصوف ، وإن كان الوصف غير لازم للاسم لزوم الشرط. ألا ترى أنك مخير بين وصف الاسم وتركه ، ومع ذلك جاءت الفاء ، فما ظنك إذا كان الاسم هو الموصول؟ [فإن قلت] : فكيف وجه قوله :

١٢٤ ـ أرواح مودّع ، أم بكور

أنت ، فانظر لأيّ ذاك تصير (٦)

فإنّ (أنت) هاهنا مرتفع بالمصدر. فكأنه قال : أتروح أم تبكر أنت. فليس بإسناد فانظر إليه. ويجوز أن يرتفع على أن يكون : أرواح ، بمعنى [الفعل](٧) كأنه أرائح أم باكر أنت.

ويجوز أن يرتفع على تقدير : أذو رواح ، وبكور أنت.

__________________

(١) ٧ : سورة الأعراف ١٩٤.

(٢) البيت من البسيط ، للجميح الأسدي ، في : المفضليات ٣٤ ، والخزانة ١٠ : ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، وفيها : لو أرادت.

وبلا نسبة في الجمل ١ : ٤٢٨.

(٣) البيت من الطويل ، بلا نسبة في : الكتاب ١ : ١٣٩ ، ١٤٣ ، ٣ : ١٧٨ ، والتحصيل ١١٩ ، ومعاني القرآن ـ للأخفش ١ : ٧٦ ، ٨٠ ، والمقتصد ١ : ٣١١ ، وابن يعيش ١ : ١٠٠ ، ٨ : ٩٥ ، والمغني ١ : ٢٧١ ، ٢ : ٤٨٣ ، واللسان (خلا) ١٤ : ٢٣٩ ، وشفاء العليل ١ : ٣٠٢ ، والخزانة ١ : ٣١٥ ، ٤٥٥ ، ٤ : ٣٦٩ (ه) ، ٨ : ١٩ ، ١١ : ٣٦٧.

(٤) ٢ : سورة البقرة ١٨٥.

(٥) ٦٢ : سورة الجمعة ٨.

(٦) البيت من الخفيف ، لعدي بن زيد العبادي. وروي عجزه :

 ...

لك فاعلم لأي حال تصير

وهو في : ديوانه ٨٤ ، والكتاب ١ : ١٤٠ ، والتحصيل ١٢٠ ، والخصائص ١ : ١٣٢ ، والأغاني ٢ : ١٥٢ ، واللسان (مغن) ، والخزانة ١ : ٣١٥.

(٧) الأصل غير واضح.

١٦٠