شرح اللّمع في النحو

أبي الفتح عثمان بن جنّي

شرح اللّمع في النحو

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور محمّد خليل مراد الحربي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4863-6
الصفحات: ٤٠٠

قد جاء : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (٢٣) (١) أي : فنعم القادرون نحن ، وهو عالم ، ولا يسمى عاقلا.

فقول أبي علي : أعم ، وأحسن ، لاشتماله على الصفتين : صفة القديم ، وصفة المخلوق.

[فإن قلت] : فقد قالوا : لغة ، ولغون ، وثبة ، وثبون ، وقلة ، وقلون. فجمعوا هذه الأسماء بالواو ، والنون. وهذا الجمع عندك ، لأولي العلم ، وهذه الأشياء خارجة عنهم؟!.

[قلت] : هذه الأشياء ، محذوفات اللام ، لأن لغة ، من لغوت ، أو لغا (٢) بالشيء. وقلة ، من : قلوته (٣) بالعصا. وثبة ، من : ثيّبت محاسنه. فلما كان كذلك ، جاءت هذه الجموع جبرانا لما حذفوه ، وعوضا عنه ، لأنهم مما يعوضون الشيء من الشيء. [فإن قلت] : فقد قالوا : أرض ، وأرضون ، وليس هذا من أهل العلم ، ولا مما حذف لامه ، فإن (أرضا) ، مؤنث ، وحقه أن يكون بالتاء ، كأنّ حقه : أرضة ، لأن الأرض مؤنثة ، فلما لم يستعمل التاء ، كان التاء في نية التقدير ، فصار ، ك : لغين ، وثبين. [فإن قيل] : فلم لم يقولوا : قدر ، وقدرون ، فإن [٢١ / أ] هذا كأرض؟!.

[قلت] : إنا نتكلم فيما تكلموا به ، ونعل ما نطقوا به ، فلو نطقوا بقدرين ، لكانت هذه علته.

فأما إذا استحسن شيء في موضع ، واستعمل فيه ما لم يستعمل في أخواته استحسانا ما ، فلا يلزم من أخواته ، لأن ذلك خروج عن القاعدة. فأما قوله ، عليه السّلام ، فيما روي عنه : إنه (كان تلطح أغيلمة بني عبد المطلب ، وهو يقول : أبينيّ ، لا ترموا جمرة العقبة ، حتى يطلع الفجر) (٤) ، [وقول الشاعر] :

٤٢ ـ إن يك : لا ساء ، فقد ساءه

ترك أبينيك إلى غير راع (٥)

[وقول الآخر] :

٤٣ ـ زعمت تماضر أنّني ، إما أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (٦)

فإن (أبينين) عند سيبويه (٧) : تصغير أبنا ، على وزن : أعمى اسم مكبّر ، مفرد ، لفظا ، دال على الجمع. فأبنا : أفعل ، كأعمى ، فتصغيره : أبين ، مثل : أعيم ، ثم يجمع بالواو ، والنون ، فيقال : أبينون ، كقولهم : أعيمون. فقوله : أبينيّ : منادى مضاف ، حذف النون ، للإضافة ، وأدغم الياء ، أعني

__________________

(١) ٧٧ : سورة المرسلات ٢٣.

(٢) اللسان (لغا) ١٥ : ٢٥٠.

(٣) أي : ضربت. اللسان (قلا) ١٥ : ١٩٩.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٥ ، ١٢٦ ، وكنز العمال ٥ : ٧٩ ، وفيه : (تطلع الشمس) ، بدل : (يطلع الفجر).

اللطح : الضرب بباطن الكف منشورة ضربا غير سديد. التاج (لطح) ٧ : ٩٠.

(٥) البيت من السريع ، للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي ، في : المفضليات ٣٢٣ ، والخزانة ٨ : ٣١ ، ٣٤.

(٦) البيت من الكامل ، لسلمي بن ربيعة ، في : ديوان الحماسة ١ : ٢١٢ ، وأمالي القالي ١ : ٨١ ، واللسان (خلل) ١١ : ٢١٥ ، وفيه : لسلمى بنت ربيعة ، وقد وهم ، والخزانة ٨ : ٣٠.

وبلا نسبة في : ابن يعيش ٩ : ٥ ، ٤١.

(٧) الكتاب ٣ : ٤٥٦ ، وفيه : (كما قالوا : ابينون. كأنهم حقروا : أبنى ، مثل أعمى) ، وفي موضع آخر (٣ : ٤٨٦) وردت (ابنا) مقصورة.

١٠١

ياء الجمع ، في ياء المتكلم ، فصار : أبينيّ. وزعم الفراء (١) : أن أبينون : تصغير : أفعل ، بضم العين ، وهو جمع : ابن. كأنه : ابن ، وأبن ، كدلو ، وأدل. فصغر (أبن) على وزن : أدل. فقال : أبين ، مثل : أديل ، ثم جمع بالواو ، والنون ، فقال : أبينون ، كما تقول : أديلون. وزعم أبو عبيد (٢) : أنه تصغير : بنين. فلا الأول ، ولا هذا ، وإنما القول ، قول صاحب الكتاب. فأما فساد قول الفراء ، فلأن أفعالا : جمع موضوع للقلة ، والواو ، والنون للقلة ، فلا يجمع بين علامتي قلة ، ما أمكن المصير إلى غيره ، ولأن أفعلا ، وأفعالا ، وأفعلة ، وفعلة : جموع القلة. فيصغر على ألفاظها ، ولا يجمع بالواو ، والنون.

ألا ترى قوله في أول الحديث : (كان يلطح أغيلمة بني عبد المطلب) وهو تصغير : أغلمة ، فصغره على لفظه ، كما قالوا في أنعام : أنيعام. وإذا بطل هذا ، والقول الآخر أيضا ، من أنه تصغير بنين من حيث إنه ليس في بنين لفظة أبينون ، صح قول سيبويه ، وأنه تصغير : أبنا ، على ما يوجبه القياس ، لأن أبنا : أفعل ، مثل : أعمى ، وهو يدل على الكثرة ، كأضحى.

[فإن قلت] : فلم أنكرت [٢١ / ب] أن يكون تصغير : أفعل ، وقد أنشد صاحبكم [أبو بشر] :

٤٤ ـ قد رويت إلّا الدّهيدهينا

قليّصات ، وأبيكرينا (٣)

فابيكرين : تصغير : أبكر ، وهو جمع : بكر ، فليكن : أبينون كذلك؟!.

[قلت] : نقول في أبيكرين ، ما قلنا في أبينين ، من أنه تصغير : أبكر ، بفتح العين ، كأبينين ، تصغير : أبنا ، وإن لم يستعمل. والتصغير ، والجمع من واد واحد ، جاء فيهما الأمر ، بخلاف آحادهما ، ومكبّرهما. ألا ترى أن مثل : إبل ، ومذاكير ، ومشابه ، ومحاسن : جموع ، لا آحاد لها.

كما قالوا : مغيربان ، وعشيشية ، والثريا.

وأنيسيان ، في قوله (٤) ، لا على طريق الاستشهاد ، ولكن على سبيل استعماله ، لغة العرب :

٤٥ ـ وكان ابنا عدوّ كاثراه

له ياءي حروف أنيسيان (٥)

واعلم أن نون الجمع مفتوحة ، بخلاف نون التثنية ، لأنها مكسورة. وفعل ذلك في الموضعين ، لالتقاء الساكنين. إلا أن الفتح في الجمع أولى ، والكسر في التثنية ، وذلك ، لأنك في الجمع تخرج من الواو إلى النون ، فالفتحة بعد الواو مستخفة. وتخرج في التثنية من الألف إلى النون. فالكسرة أولى هناك ، لأن في ذلك جمعا بين : الألف ، والكسرة ، وفي الجمع ، جمعا بين الواو والفتحة. فهو

__________________

(١) الخزانة ٨ : ٣٣ ، وفيها : (ذهب الفراء إلى أنه ... على أفعل ، مضموم العين ككلب ، وأكلب).

(٢) هو : القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ ه‍). أخذ عن : الكسائي. من تصانيفه : (الغريب المصنف) و (غريب الحديث). ينظر : مراتب النحويين ٩٣ ، ٩٤ ، وطبقات النحويين واللغويين ١٩٩ ، والبلغة ١٨٦.

(٣) من الرجز ، بلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٤٩٤ ، واللسان (هده) ، ١٣ : ٤٩٠ ، والخزانة ٨ : ٣٢ ـ ٣٤.

الدهداه : صغار الإبل. القلوص : الفتية من الإبل ، بمنزلة الجارية الفتاة من النساء. اللسان (قلص) ٧ : ٨١.

(٤) أي : أبو الطيب المتنبي (ت ٣٥٤ ه‍).

(٥) البيت من الوافر ، للمتنبي ، في ديوانه ٤ : ٢٦١.

١٠٢

أحسن من الجمع بين الألف ، والفتحة ، والواو ، والكسرة.

باب جمع التأنيث

اعلم أن الاسم المؤنث ، على ثلاثة أضرب : مؤنث بالتاء ، ومؤنث بالألف المقصورة ، ومؤنث بالألف الممدودة. فما كان من ذلك مؤنثا بالتاء ، فنحو : مسلمة ، وعمة ، تقول في جمعه : مسلمات ، وعمات. والأصل : مسلمتات ، وعمّتات.

فحذفت التاء الأولى ، كي لا تجتمع في الاسم الواحد علامتا تأنيث ، ولأنها لو أثبتت لكان علامة التأنيث حشوا. وهي لا تكون إلا طرفا. ألا ترى أن من قال علقاة ، لم يحكم على ألفها بألف التأنيث ، كما حكم عليها في علقى ، لأن علامة التأنيث ، لا تقع ، حشوا. وهذه التاء تكون في الرفع مضمومة ، وفي النصب والجر مكسورة. تقول : هذه مسلمات ، ورأيت مسلمات ، ومررت بمسلمات. قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [٢٢ / أ](أَنْ تَزُولا)(١). وإنما كسرت في موضع النصب ، ولم تفتح ، لأن هذا جمع سلامة المؤنث. والمؤنث فرع للمذكر. وقد أثبتنا بالدليل ، قبل ، أن المذكر يستوي نصبه ، وجره ، إذا قلت : رأيت الزيدين ، ومررت بالزيدين ، فالمؤنث تابع له ، وسوي بين نصبه ، وجره ، بأن كسرت التاء منه. والكسرة بعض الياء. والتنوين التي بعد الكسرة ، والضمة ، هاهنا ، بمنزلة النون هناك. ألا ترى أن : عرفات ، من قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ)(٢) : اسم ، مؤنث ، معرفة يجب ترك صرفها ، ولم يصرف ، والتنوين التي فيها ، ليست التنوين التي للفرق بين الصرف ، وتركه ، وإنما هو بإزاء النون.

[فإن قلت] : وكيف تدّعون هذا ، وأنتم تقولون : للمسلمات ، فتحذفون التنوين مع الألف ، واللام ، ولا يجوز حذف النون معهما ، ألا ترى إنكم تقولون : المسلمون. فكيف يكون التنوين بإزاء النون؟! [قلت] : إن التنوين بإزاء النون ، وإنما حذفت لسكونها. فهي مشابهة بالتنوين الذي للفرق بين الصرف ، وتركه. فأما النون ، فثبتت مع الألف ، واللام ، لأنها تحركت ، لالتقاء الساكنين ، فتحرّكها قواها ، فلم تتسلط المعرفة على حذفها. فالتنوين هناك ، كالنون. فأما إذا سميت بمسلمات ، قلت : هذه مسلمات ، ورأيت مسلمات ، ومررت بمسلمات ، فتكسر التاء ، وتبقي التنوين ، كعرفات. ومنهم من يفتح التاء في النصب ، والجر ، فيحذف التنوين ، فيقول : رأيت مسلمات ، ومررت بمسلمات ، وقد رووا [قول امرئ القيس] :

تنوّرتها من أذرعات ، وأهلها

بيثرب ، أدنى دارها ، نظر عالي (٣)

ومنهم من يكسر التاء ، ويترك التنوين. وهو قول أبي إسحاق (٤) ، والمبرد (٥). وليس بالصواب. والوجه : الفتح مع ترك التنوين. قال ، لأنه كطلحة. ولا اعتداد

__________________

(١) ٣٥ : سورة فاطر ٤١.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١٩٨.

(٣) البيت من الطويل ، في ديوانه ٣١.

(٤) أي : الزجاج.

(٥) المقتضب ٣ : ٣٣٣ ، ٤ : ٣٨.

١٠٣

بالألف. كما لا اعتداد بها في : هيهات. حيث فتحت التاء.

فإن كان المؤنث ، بألف مقصورة ، قلبتها ياءا في الجمع ، كقولك : حبلى. تقول في جمعها : حبليات. وسكرى ، تقول في جمعها : سكريات. ولم تحذف الألف هاهنا ، كما حذفت التاء في مسلمة ، لأن الألف هاهنا [٢٢ / ب] تغيرت صورتها إلى الياء ، فلم يكن ذلك مؤديا إلى جمع بين علامتي تأنيث. فإن كان المؤنث بألف ممدودة ، قلبتها واوا في الجمع. تقول في صحراء : صحراوات. ولم تقلبها ياءا ، للفرق بين المقصور ، والممدود ، ولا تدعها همزة ، كما كانت في المفرد ، لأنه يجتمع ثلاث ألفات. وكان قلب هذا واوا أولى من قلبها ياءا. والياء بالمقصورة أولى ، لقولهم : سكرى ، وحبلى ، بالإمالة. والإمالة ممتنعة ، في الممدودة ، فاعرف ذلك.

باب جمع التكسير

جمع التكسير : كل جمع ينكسر فيه لفظ الواحد ، نحو : رجل ، ورجال. فهذا الجمع يخالف جمع السلامة من أربعة أوجه :

[الأول] : أن جمع السلامة ، يصح فيه لفظ الواحد ، نحو : زيد ، والزيدين. ألا ترى أن لفظ زيد ، قد سلم في الزيدين ، وجمع التكسير بخلافه ، لأن لفظة رجل ، لم تصح في رجال.

[الثاني] : أن جمع السلامة ، يكون إعرابه بالحروف ، نحو قولك : الزيدون ، والزيدين ، وإعراب جمع التكسير بالحركات ، كقولك : دور ، وقصور.

[الثالث] : أن جمع السلامة ، يختص بأولي العلم ، والعقل. وجمع التكسير ، كما يكون في العقلاء ، يكون في غيرهم. ألا ترى أنك. تقول : زيد ، وزيود ، كما تقول : سقف ، وسقوف.

[الرابع] : أن جمع السلامة ، لا يجوز تأنيث فعله ، وجمع التكسير يجوز تأنيث فعله. تقول : قام الزيدون ، ولا تقول : قامت الزيدون.

وتقول : قام الرجال. وقامت الرجال.

[فإن قلت] : فقد قال :

٤٧ ـ ... لم تستبح إبلي

بنو اللّقيطة ... (١)

فأسند : تستبح ، إلى جمع السلامة ، فأنث؟!.

[فهناك] : ثلاثة أجوبة :

[الأول] : أن قوله : بنو اللقيطة ، الاسم مضاف إلى المؤنث ، والمضاف يكتسي من المضاف إليه التأنيث. تقول : سقطت بعض أصابعه. وقد جاء عن الحسن (٢) :

__________________

(١) البيت من البسيط ، لقريط بن أنيف العنبري ، وتمامه :

لو كنت من مازن ، لم تستبح إبلي

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

وهو في : ديوان الحماسة ١ : ٤ ، والخزانة ٨ : ٤٤٦.

(٢) هو : أبو سعيد ، الحسن بن أبي الحسن ، يسار البصري (ت ١١٠ ه‍). قرأ على : حطان بن عبد الله ، الرقاشي ، عن : أبي موسى ، الأشعري ، وعلى : أبي العالية ، عن : أبي ، وزيد ، وعمر. روى عنه : أبو عمرو بن العلاء ، وسلام بن سليمان الطويل ، ويونس بن عبيد ، وعاصم الجحدري. قال فيه الشافعي : (لو أشاء أقول :

١٠٤

(تلتقطه بعض السّيّارة) (١) وقال : (لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)(٢) [وقال الشاعر] :

٤٨ ـ إذا بعض السّنين تعّرقتني

كفى الأيتام ، فقد أبي اليتيم (٣)

[وقال الآخر] :

٤٩ ـ مشين ، كما اهتزّت رياح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النواسم (٤)

فأنث تسفهت ، والفاعل [٢٣ / أ] مر الرياح ، لأنه مضاف إلى المؤنث.

[الثاني] : أنه حمل (بنو اللقيطة) ، على القبيلة ، فأنثها حملا على المعنى. وباب الحمل على المعنى ، باب واسع. ألا ترى أنه قد جاء : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا)(٥) ولا يقال : نصرت منه ، ولكنه حمل قوله : (ونصرناه) على قوله : (وَنَجَّيْناهُ)(٦) فعداه بمن ، كما يعدّى : نجينا.

وكذلك قال الله تعالى : (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)(٧) فعدى (تقسطوا) بإلى ، كما يعدى : يحسنوا ، فكأنه قال : وتحسنوا إليهم.

[الثالث] : أن قوله : بنو اللقيطة ، ليس : بنون ، جمع : ابن على حده ، لأن جمعه على لفظه : أبنون. فلما غير عن لفظ الواحد ، جرى مجرى جمع التكسير ، فأنث فعله ، كما كان يؤنثه ، لو قال : لم تستبح الرجال.

واعلم أن جمع التكسير ، على أربعة أوجه :

[الأول] : أن يكون التكسير ، أكثر حروفا ، من المفرد ، كقولك : رجل ، ورجال.

[الثاني] : أن يكون لفظ الجمع ، أقل من لفظ المفرد ، كقولك : كتاب ، وكتب ، وحمار ، وحمر ، وجدار ، وجدر.

[الثالث] : أن يكون الفرق بين المفرد ، والجمع ، هاء التأنيث ، كقولك : نخلة ، ونخل ،

__________________

إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت لفصاحته). ينظر : غاية النهاية ١ : ٢٣٥.

(١) ١٢ : سورة يوسف ١٠ ، وهي قراءة : مجاهد ، وأبي رجاء ، والحسن ، وقتادة. إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١٢٦ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٨٤.

(٢) ٢ : سورة البقرة ٦٩.

(٣) البيت من الوافر ، لجرير ، في : ديوانه ٥٠٧ ، والكتاب ١ : ٥٢ ، ٦٤ ، والتحصيل ٧٦ ، ٨٣ ، واللسان (عرق) ١٠ : ٢٤٥ ، والخزانة ٤ : ٢٢٠ ، ٢٢١.

وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ١٩٨ ، وابن يعيش ٥ : ٩٦ ، وشفاء العليل ٢ : ٧٠٧.

وفي جميع رواياته : تعرقتنا ، بدل : تعرقتني.

عرقتني ، من : عرقته الخطوب ، أي : أخذت منه ، وذهبت بلحمه ، اللسان (عرق) ١٠ : ٢٤٥.

(٤) البيت من الطويل ، لذي الرمة ، في : ديوانه ٢ : ٧٥٤ ، وفيه : رويدا ، بدل : مشين ، والكتاب ١ : ٥٢ ، والتحصيل ٣٧ ، ٤٧ ، واللسان (سفه) ١٣ : ٤٩٩ ، والخزانة ٤ : ٢٢٥.

وبلا نسبة في : المقتضب ٤ : ١٩٧ ، والخصائص ٢ : ٤١٧ ، والأشموني ٣ : ٤٠٢ ، وعمدة الحافظ ٨٣٨ ، وشفاء العليل ١ : ٤١٣.

(٥) ٢١ : سورة الأنبياء ٧٧.

(٦) ٢١ : سورة الأنبياء ٧١.

(٧) ٦٠ : سورة الممتحنة ٨.

١٠٥

وحبة ، وحب.

[الرابع] : أن يكون لفظ المفرد كلفظ الجمع ، سواءا ، وذلك قولهم : فلك ، للواحد. وفلك للجمع. قال الله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(١) فهو مفرد. وقال في الجمع : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(٢) فقال : وجرين ، لأنه جمع. ففلك ، في الواحد ، مثل : قفل وفي الجمع ، مثل : أسد. ويقال : ناقة هجان (٣) ، ونوق هجان. فهجان ، في المفرد ، ككتاب. وهجان ، في الجمع ، كظراف ، وكأنهم شبهوا في المفرد بفعيل ، لمّا كان فيه الألف التي هي أخت الياء ، في فعيل ، فاستجازوا أن يقال : هجان ، وهجان ، كما قالوا : ظريف ، وظراف ، وكريم ، وكرام. [قال الشاعر] :

٥٠ ـ ...

كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك (٤)

باب الأفعال

وهي على ثلاثة أضرب ، تنقسم بانقسام الزمان : ماض ، وحاضر ، ومستقبل.

اعلم أن هذه المسألة اختلف الناس فيها. فقال سيبويه (٥) ، وأصحابه ، وجميع النحويين ، والمتكلمين [٢٣ / أ] إن الأفعال ثلاثة. وقال قوم من الفلاسفة ، إن الأفعال قسمان : إما أن يكون موجودا ، وإما أن يكون معدوما. فالموجود في حيز الماضي ، والمعدوم في حيز المستقبل (٦). وليس بين هذين شيء ، فيسمى حالا. فقولكم حال إذن محال. وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد ، نقلا ، وعقلا ، وإجماعا. أما النقل ، فقوله تعالى : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ)(٧). فقسم الأزمنة ثلاثة أقسام. فما بين أيدينا : الماضي. وما خلفنا : المستقبل. وما بين ذلك : هو الحال.

فالحال صحيح. ولأن العرب قالت للماضي : قبل. وللمستقبل : بعد. وللحال : الآن. فلو لا أن الحال صحيحة ، وإلا لم يكن لقولها : الآن ، معنى ، ولأنا إذا قلنا : زيد يصلي ، فإنا لا نعني به صلاة ماضية ، ولا صلاة مستقبلة ، وإنما نعني به أنه يصلي في هذه الحالة ، وهو متلبس بهذه الصلاة.

فقولهم إذن محال ، والحال صحيحة ، إلا أنه دقّ فلم يفهموه ، فنقول : الأفعال ثلاثة : فعل

__________________

(١) ٢٦ : سورة الشعراء ١١٩.

(٢) ١٠ : سورة يونس ٢٢.

(٣) يقال : بعير هجان ، وناقة هجان ، وأينق هجان. والهجان من الإبل : البيضاء الخالصة اللون. اللسان (هجن) ١٣ : ٤٣١.

(٤) البيت من الطويل ، لتأبط شرا ، وصدره :

أهز به في ندوة الحي عطفه

 ...

وهو في : ديوانه ١١٥ ، وديوان الحماسة ١ : ٢٢ ، وأمالي القالي ٢ : ١٣٨ ، والعقد ٣ : ٢١ الهجان الأوارك : الإبل ترعى الأراك.

(٥) الكتاب ١ : ١٢ ، وفيه : (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ، ولما يكون ، ولم يقع ، وما هو كائن لم ينقطع).

(٦) التعريفات ـ للجرجاني ١٣٧ ، وفيه : (الموجود : هو مبدأ الآثار ، ومظهر الأحكام في الخارج. وحدد الحكماء الموجود ، بأنه الذي يمكن أن يخبر عنه. والمعدوم بنقيضه ، وهو ما لا يمكن أن يخبر عنه).

(٧) ١٩ : سورة مريم ٦٤.

١٠٦

ماض ، وقد مضى زمان وجوده وزمان إخباره الآن. وفعل : زمان إخباره الآن ، وزمان وجوده لم يأت بعد ، وهو المستقبل. وفعل : زمان إخباره ، وزمان وجوده الآن ، وهو الحال. وقد قال سيبويه : (وأما الفعل ، فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء). فبنيت لما مضى ، ولما يأتي ، ولما هو كائن لم ينقطع) فهذا هو الحال. ثم ذكر للماضي ، ما يحسن اقتران أمس به ، كقولك : قام زيد أمس (١). وقد ذكرنا أنه لم بني على الحركة ، ولم اختير الفتح؟. وأما يفعل ، فيصلح للحال ، والاستقبال جميعا ، إذا قلت : زيد يفعل ، فهذا صالح لهما. فإذا أردت تخصيصه بالمستقبل ، جئت بالسين ، وسوف ، فيختص بالمستقبل. وإذا أردت تخصيصه بالحال ، قرنت به الآن ، فقلت : هو يفعل الآن. وإذا تجرد عن هذه الأشياء ، فقد اختلفوا بأي القبيلين أولى. والصحيح أنه بالحال أولى ، حتى إنه لو قال : كل مملوك أملكه ، فهو حر ، فإنه يحمل على ما في ملكه في الحال ، دون الاستقبال. وقد ذكرنا ذلك في موضع [٢٤ / أ] آخر.

فأما لفظ الأمر ، فإنه مبني على الوقف (٢). وهو أيضا متردد ، بين الحال ، والاستقبال ، نحو : اذهب. وأما النهي فمجزوم ، لما في أوله من حرف المضارع. وسيأتيك أيضا شرحه ، في بابه ، بأكثر مما تقدم.

باب المبتدأ

[قال أبو الفتح] : وهو كل اسم ابتدأته ، وعرّيته من العوامل اللفظية ، وعرّضته لها ، وجعلته أولا لثان ، يكون الثاني خبرا عن الأول ، مسندا إليه ، وهو مرفوع بالابتداء. تقول : زيد قائم ، ومحمد منطلق ، فزيد ، ومحمد مرفوعان بالابتداء ، وما بعدهما خبر عنهما.

قلت : شرط في هذا شروطا. أعني في رفع المبتدأ. وهو : تعرية الاسم من العوامل اللفظية ، وتعريتك له. وجعلك إياه أولا لثان. فقولك : زيد منطلق. زيد مرفوع بالابتداء ، لأنه معرى من العوامل. وهي : باب كان ، وإنّ ، وظننت. وهو معرّض لهذه العوامل ، لأنك لو قلت : إن زيدا قائم.

وكان زيد قائما ، وظننت زيدا قائما ، صلح ، وجاز : وزيد أول قولك : منطلق. ومنطلق حديث عنه ، حتى إنك ، لو قلت : زيدا ضربت ، لم يرتفع زيد بالابتداء ، لأنه وإن كان أولا ، لقولك : ضربت ، فليس هو مسندا إليه ، فإذا جئت بضميره ، فقلت : زيد ضربته ، فحينئذ ارتفع زيد بالابتداء ، لأن ضميره في الجملة التي بعده ، ربط الجملة به وصيرها خبرا عنه ، ومسندا إليه.

فإن قلت : إن تعرية الاسم من العوامل اللفظية شيء معدوم ، وهو عدم العامل. فكيف عمل هذا المعنى ، وعدم الشيء لا يؤثر في شيء؟!.

قلت : لو اقتصرنا على هذا القدر ، لكان ما قلت. ولكنا ضممنا إلى هذا أشياء أخر. والكل يعود إلى قصدك إلى الاسم ، تخبر عنه ، أو تربط به جملة ، من غير أن تدخل على الاسم عاملا.

__________________

(١) الكتاب ١ : ٢٥ ، وفيه : (فأما المستقيم الحسن (أي : من الكلام) ، فقولك : أتيتك أمس ، وسآتيك غدا).

(٢) يعني بالوقف : السكون.

١٠٧

فإن قلت : فلم كان هذا المعنى موجبا عملا ، وحق العامل أن يكون ملفوظا به ، وهذا غير ملفوظ به؟!.

قلت : إن العوامل على ضربين : لفظي ، ومعنوي. وهذا من جملة المعنوي. وجاز أن يكون هذا المعنى عاملا ، لأنه معنى يختص بالأسماء ، فكما أن العامل اللفظي ، إذا اختص بالاسم أو الفعل [٢٤ / ب] عمل فيه ، فكذا المعنى إذا اختص بأحدهما ، عمل فيه. فنظير هذا المعنى في المستقبل ، وقوعه موقع الاسم. ألا ترى أنه عامل معنوي ويجيء على مذهب أبي الحسن عامل معنوي غير ذينك ، وهو كون التابع جاريا على متبوعه ، نحو : مررت بزيد الظريف ، ينجر ظريف عنده ، لكونه تابعا للمجرور (١).

فإن قلت : فهذا المعنى الذي ادعيتموه ، ليس مخصوصا بالاسم ، بل هو موجود في الفعل أيضا ، فلم عمل فيه ، وكل عامل يشمل القبيلين ، لم يعمل في واحد منهما ، وذلك قولهم : (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) (٢) فقولك : تسمع ، معرى من العوامل اللفظية ، مجعول للخبر عنه ، وهو قولك : خير من أن تراه فهو كقولك : زيد منطلق؟!.

قلت : إن قولهم : تسمع بالمعيدي ، لم يوجد فيه إحدى الشرائط ، وذلك ، لأنه وإن كان معرى من العوامل اللفظية ، فهو غير معرّض لها. ألا ترى ، أنك ، لو قلت : إنّ تسمع ، أو كان تسمع ، أو ظن تسمع ، لم يجز. على أنّ قولهم : تسمع بالمعيدي في تقدير أن تسمع بالمعيدي ، فحذفت أن ، وهي مرادة. وأن وما بعده في تقدير المصدر. وتقديره : سماعك بالمعيدي خير من أن تراه. فلما حذفت (أن) ارتفع الفعل على ما كان في الأصل. وحذف (أن) في الكلام سائغ حسن. قال عز من قائل : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٦٤) (٣). أي : تأمروني أن أعبد غير الله. فحذف أن. وقال الله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا)(٤). فيمن قرأ بالياء (٥). أي : أن

__________________

(١) الإنصاف (مسألة ٥) ١ : ٤٧.

(٢) مثل من أمثال العرب ، وفيه روايتان أخريان هما : لأن تسمع ، وأن تسمع ، والمختار : أن تسمع. وروي : تسمع بالمعيدي لا أن تراه. ويضرب لمن خبره خير من مرآه. البرصان ـ للجاحظ ٨٣ ، والزاهر ٢ : ٤٧ ، ومجمع الأمثال ١ : ١٢٩ ، رقم ٦٥٥ ، واللسان (م ع د) ٣ : ٤٠٦.

(٣) ٣٩ : سورة الزمر ٦٤.

(٤) ٨ : سورة الأنفال ٥٩.

(٥) وهي ، قراءة : ابن عامر ، وحمزة ، وحفص. السبعة ٣٠٧ ، وحجة القراءات ٣١٢.

وإنما اشترط الشارح القراءة بالياء ، لأنها تستدعي حذف (أن) ، لأن (الذين كفروا) هو الفاعل ، ويبقى الفعل (حسب) يطلب مفعوليه ، فأين هما؟ لذا فالكلام ينبسط على أحد أوجه ثلاثة : الأول : أن يكون النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ هو : الفاعل ، فيكون تقدير الكلام : ولا يحسبن النبي ، الذين كفروا سبقوا. فالذين ، وما بعده سد مسد مفعولي حسب.

الثاني : أن يكون على تقدير حذف (أن). كأنه قال : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا ، أي : أنهم سبقوا.

فجملة أن سبقوا سدت مسد مفعولي حسب. فهو مثل : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) ٢٩ : سورة العنكبوت ٢.

الثالث : أن يكون قد أضمر المفعول الأول. والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا.

١٠٨

سبقوا. فحذف أن. وقال فيما أنشده سيبويه :

٥١ ـ فلو لا رجال من رزام أعزّة

وآل سبيع أو أسوءك علقما

قال : كأنه قال : لو لا ذاك ، أو أن أسوءك. لا بد من ذا ، لأن الفعل لا يحمل على الاسم.

ولهذا قال الخليل ، إن قوله : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ)(١). أنه محمول على (أن) أخرى (٢) ، دون التي في قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ)(٣) لأن في حمله على : أن يكلمه الله ، فساد المعنى ، لأنه يصير التقدير : وما كان لبشر أن يكلمه الله أو يرسل رسولا. ومعنى قوله : أو يرسل رسولا : أو يرسله رسولا ، أو يرسل إليه رسولا ، وكلاهما [٢٥ / أ] في الحمل على (أن يكلم) ، من قوله : أن يكلمه الله : فاسد لأن كثيرا من البشر أرسلوا رسولا ، وأرسل إليهم رسول. فإذا بطل حمله على : أن يكلمه الله ، حمل على (أن) أخرى. فإما أن تقول : إن قوله : (إِلَّا وَحْياً)(٤) في تقدير : إلا أن يوحي : فكان قوله : (أو يرسل) في تقدير : أو أن يرسل ، ليكون التقدير : إلا وحيا ، أو كلاما من وراء حجاب ، أو إرسال رسول. أو يكون (يرسل) ، محمولا على (أن) من غير أن يكون محمولا على (وحي) ، مدلولا عليه ، لكن تضمر (أن) ، كما أضمرت في : تسمع بالمعيدي. وإن لم يكن قبله مصدر. [روى] سيبويه :

٥٢ ـ للبس عباءة ، وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف (٥)

قال : التقدير : للبس عباءة ، وأن تقر عيني ، فهو كقولك : (أو يرسل رسولا) وقال تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ)(٦) فإما أن يكون التقدير : بعد إيمانهم وأن شهدوا ، فحذف (أن). أو أن يكون التقدير : بعد أن آمنوا ، وشهدوا. لأن ذكر المصدر ذكر الفعل مع (أن). ألا ترى أنه تعالى قال : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(٧) ف (أن) مع ما بعده في تقدير المصدر. والتقدير : يبين الله لكم الضلالة. وإذا بيّن الضلالة فقد بيّن الهدى. وإذا كان كذلك ، لم يكن قوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) محمولا على إضمار (لا) ، ولا محمولا على إضمار المضاف ، لأن الحمل على الظاهر أولى ، وأحرى. فقد ثبت بهذا جواز إضمار (أن). وقد حكى أحمد بن

__________________

ينظر : مجمع البيان ٤ : ٥٥٤ ، وتفسير القرطبي ٨ : ٣٣ ، ٣٤.

(١) البيت من الطويل ، للحصين بن الحمام المري ، في : الكتاب ٣ : ٥٠ ، والمفضليات ٦٦ ، والخزانة ٣ : ٣٢٤. ٤٢ : سورة الشورى ٥١.

(٢) الكتاب ٣ : ٤٩.

(٣) ٤٢ : سورة الشورى ٥١.

(٤) ٤٢ : سورة الشورى ٥١.

(٥) البيت من الوافر ، لميسون بنت بحدل الكلبية في : الكشاف ٢ : ٢٨٤ ، ٤ : ٤٥٧ ، (شرح شواهد الكشاف) ، والمغني ١ : ٢٦٧ ، وشرح شذور الذهب ٣١٤ ، والخزانة ٨ : ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، ٥٧٤.

وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٤٥ ، والتحصيل ٣٩٤ ، والمقتضب ٢ : ٢٧ ، وابن يعيش ٧ : ٢٥ ، والجمل ١ : ١٣١ ، وعمدة الحافظ ٣٤٤ ، وشفاء العليل ٢ : ٩٣٧ ، وهمع الهوامع ٤ : ١٤١.

(٦) ٣ : سورة آل عمران ٨٦.

(٧) ٤ : سورة النساء ١٧٦.

١٠٩

يحيى (١) أنهم قالوا : خذ اللّصّ قبل يأخذك (٢) ، فحذف (أن) أي : قبل أن يأخذك. وأبو الطيب (٣) قد استعمل إضمار (أن) في مواضع من أشعاره. قال :

٥٣ ـ وكلّما لقي الدينار صاحبه

في ملكه افترقا من قبل يصطحبا (٤)

وغيره : فتسمع بالمعيدي. في تقدير : سماعك بالمعيدي ، وقد قالوا فيه قولا آخر. وهو : أن العرب تضع الجملة الاسمية موضع الجملة الفعلية ، والفعلية موضع الاسمية. قال الله تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ)(٥) فقوله : (فهم فيه سواء) : جملة من مبتدأ ، وخبر ، في موضع جملة فعلية في [٢٥ / ب] موضع النصب ، منصوبة ، جواب النفي. وتقديره : فيستووا. وقال تعالى : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ)(٦). أي : فتستووا. وقال : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٧). أي : فتستووا. وقال : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ). وتقديره : أم صمتم.

[قال الشاعر] :

ما علم ذي ولد : أيث

كله أم الولد اليتيم (٨)

أي : أم ييتم الولد. وجاء بالعكس من ذلك ، في قوله : تسمع بالمعيدي ، فوضع الفعلية موضع الاسمية. [قال الشاعر] :

٥٥ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٩)

فوضع الاسمية موضع الفعلية ، لأن : حلقي شرق مبتدأ ، وخبر. تقديره : لو شرق حلقي بغير الماء.

ولو : تختص بالأفعال ، فجاء هكذا. [قال الشاعر] :

٥٦ ـ ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ ، فهلا نفس ليلى شفيعها (١٠)

وتقديره : فهلا تشفع نفس ليلى. فهلا ولو لا بمعناها يختصان بالفعل. قال الله تعالى : (لَوْ لا

__________________

(١) هو : أبو العباس ، أحمد بن يحيى (ت ٢٩١ ه‍). المعروف بثعلب. كان إمام الكوفيين في النحو ، واللغة في زمانه ، ينظر : طبقات النحويين واللغويين ١٤١ ، ونزهة الألباء ١٧٣ ، وإنباه الرواة ١ : ١٣٨.

(٢) مجالس ثعلب ١ : ٣١٧.

(٣) أي : المتنبي.

(٤) البيت من البسيط ، في : ديوانه ١ : ١١٦.

(٥) ١٦ : سورة النحل ٧١.

(٦) ٣٠ : سورة الروم ٢٨.

(٧) ٧ : سورة الأعراف ١٩٣.

(٨) البيت من مجزوء الكامل ، لم أهتد إلى قائله.

(٩) البيت من الرمل ، لعدي بن زيد العبادي ، في : ديوانه ٩٣ ، والبيان والتبيين ٢ : ٣٥٩ ، والأغاني ٢ : ١١٤ ، واللسان (غصص) ٧ : ٦١ ، والخزانة ٨ : ٥٠٨ ، ١١ : ١٥٢ ، ٣٠٣.

وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ١٢١ ، والمغني ١ : ٢٦٨ ، وشفاء العليل ٣ : ٩٦٩.

(١٠) البيت من الطويل ، للصمة القشيري ، في : الخزانة ٣ : ٦٠ ، ٨ : ٥١٣ ، ١٠ : ٢٢٩ ، ١١ : ٢٤٥ ، ٣٠٣.

وبلا نسبة في المغني ١ : ٧٤ ، ٢٦٩ ، ٣٠٧ ، ٢ : ٥٨٣.

١١٠

يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ)(١). فوضع الاسمية موضع الفعلية فافهم هذا. ولنعد إلى ما كنا فيه ، فنقول : إن المبتدأ مرفوع بالعامل الخاص بالأسماء الذي لا يشاركه فيها غيره بعد أن خرّجنا عليه : تسمع بالمعيدي.

[فإن قلت] : إذا أثبتم أن هذا المعنى عامل ، فلم عمل الرفع دون النصب ، والجر؟!.

[قلت] : إن العامل المعنوي ، أول العوامل ، لأن المعنى تقرر قبل اللفظ ، والرفع أول الحركات ، فما أليقه بالأول!. [فإن قلت] : وما الدليل على أن الرفع أول الحركات؟!. [قلت] : لأنه لا يجيء منصوب ، ولا مجرور إلا تقدمه مرفوع ، نحو قولهم : ضرب زيد عمرا. وضرب زيد غلام بكر. [فإن قلت] : فأنتم تقولون : إن زيدا قائم. والمنصوب هنا قبل المرفوع. [قلت] : هذا كلام جاء مشبّها بفعل مقدم مفعوله على فاعله ، وليس كلامنا في امتناع ذا ، وإنما كلامنا في الأصول. ولا خلاف في أن الفاعل قبل المفعول. فإذا جاء المفعول مقدما على الفاعل ، فذاك من باب التقديم ، والتأخير ، والمجاز ، وغير ذلك. ألا ترى أنه قد جاء قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(٢) وقوله : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) [٢٦ / أ](٣) فهذا كقولك : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(٤). والتقدير : إنما الآيات عند الله ، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون ، وما يشعركم ، من باب التقديم ، والتأخير. قال الفرزدق :

٥٧ ـ وما مثله في النّاس إلّا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (٥)

وتقديره : وما حيّ مثله في الناس يقاربه إلا مملّكا أبو أمه أبوه. فقدم ، وأخر ، وفصل ، وقدم المستثنى على المستثنى منه. وقال أيضا :

٥٨ ـ لبسن الفرند الخسروانيّ فوقه

مشاعر من خزّ العراق المفوّف (٦)

التقدير : لبسن مشاعر. ويجوز أن يكون تقديره : وفوقه المفوف من خز. ويجوز أن يكون محمولا على موضع قوله : من خز ، لأن التقدير : وفوقه الخز المفوف.

[قال الشاعر] :

٥٩ ـ هيهات ما سفهت أميمة رأيها

فاستجهلت. حلماؤها سفهاؤها

__________________

(١) ٥ : سورة المائدة ٦٣.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١٢٤.

(٣) ٢٠ : سورة طه ٦٧.

(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٠٩.

(٥) البيت من الطويل ، عزي للفرزدق ، ولم أجده في ديوانه ، وهو بهذه النسبة في : أسرار البلاغة ٢٠ ، وكشف المشكل ٢ : ٥٤٤ ، والانتخاب ١٨٨ (ضمن مجلة المورد / عدد (٣) سنة ١٩٨٣ م).

وبلا نسبة في الخصائص ١ : ١٤٦ ، ٣٢٩ ، ٢ : ٣٩٣.

(٦) البيت من الطويل ، في ديوانه ٢ : ١١٥.

الفرند : الثوب من الحرير (معرب). المزهر ـ للسيوطي ١ : ٢٨٦. الخسرواني : المنسوب إلى خراسان.

المشاعر : اللباس مما يلي شعر الجسد. المفوف : المخطط.

١١١

حرب تردّد بينهم بتشاجر

قد كفرت آباؤها أبناؤها (١)

فحلماؤها سفهاؤها : مبتدأ ، وخبر. وفي (استجلهت) ضمير يعود إلى (أميمة). وأما قوله : كفّرت آباؤها أبناؤها (ف) كذلك. أي : آباء الحرب أبناؤها ، أي : شيوخها بمنزلة شبانها ، لم تؤثر فيهم الحرب ، بل هم على حالتهم ، إذ كانوا شبانا. فليس قوله (حلماؤها) : بدلا من (أميمة) على تقدير : هيهات ما سفهت أميمة ، حلماؤها ، فاستجهلت سفهاؤها. وكذلك ليس قوله : آباؤها : مرتفعة بتشاجر ، لأن الحمل على الظاهر أولى من حمله على التشاجر ، لأن التشاجر مصدر ، ولا يفصل بينه وبين ما عمل فيه ، لأنه من صلته.

[وقال الشاعر] :

٦٠ ـ رحلت سميّة غدوة ، أجمالها

غضبى عليك ، فما تقول بدالها

هذا النّهار بدا لها من همّها

ما بالها بالليل زال زوالها (٢)

فإن قوله ، النهار : ظرف. وكأنه قال : بدا لها من همها في النهار ، ما بالها بالليل ، يأتيني خيالها زال الله زوالها كما بدا لها في النهار. أي : لا أتانا بالليل خيالها ، كما بدا لها في النهار ، عن إتيانها إيانا. فقدم ، وأخر. وهذا أكثر من أن أحصيه لك. فالأصل : تقديم الفعل ، ثم البداية بالمرفوع ، ثم المنصوب. فالرفع أول ، وما ذكرت مجاز ، فثبت أنه وجب للمبتدأ الرفع لما ذكرناه. [فإن قلت] : ما أنكرتم أن يكون المبتدأ [٢٦ / ب] مرفوعا بغير ما ذكرتم ، ولكن بما ذكره : الكسائي ، والفراء ، وهو : أن المبتدأ يرتفع بالخبر ، والخبر يرتفع بالمبتدأ (٣) ، فهما يترافعان. فإذا قلنا : زيد قام ، ارتفع زيد بما يعود إليه من (قام) ، وارتفع (قام) ، لأنه مبني على زيد.

[قلت] : إن هذا قول ساقط ، وذلك ، لأنك ، إذا قلت : زيد قائم ، وزعمت أنهما يترافعان ، فلم كان يرتفع في قولك : زيد أبوه قائم. والعائد إليه من الجملة ، ليس بمرفوع. فعلى هذا ، الكلام يؤول إلى الفساد ، لأن الشيء إذا كان مربوطا بغيره ، وغيره مربوط به كان من الدور (٤) ، فيكون ساقطا.

[فإن قلت] : إنكم تقولون في قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٥) ، إن قوله : (أَيًّا ما) منصوب ب (ادْعُوا) و (تَدْعُوا) مجزوم بقوله (أَيًّا ما) ، فربطتم أحد الشيئين بصاحبه ، فلم أنكرتم منا ذلك في هذه المسألة؟!

__________________

(١) البيتان من الكامل ، عزاهما ابن منظور ، للفرزدق. اللسان (ك ف ر) ٥ : ١٤٨ ، وليسا في ديوانه.

وبلا نسبة في : مجالس ثعلب ٥٧ ، وكشف المشكل ٢ : ٩٩ ، والمقرب ١ : ١٣٠.

(٢) البيتان من الكامل ، للأعشى ، في : ديوانه ٢٧ ، والعقد ٥ : ٣٠٧.

(٣) ثمار الصناعة ٨٢ ، والإنصاف (مسألة ٥) ١ : ٤٤ ، ٤٩.

(٤) الدور ، عند الحكماء ، والمتكلمين ، والصوفية : توقف كل من الشيئين على الآخر. وبينوه بقولهم : إذا توقف (أ) على (ب) و (ب) على (أ) ، كان (أ) مثلا موقوفا على نفسه ، وهذا يستلزم التسلسل ، وهو محال. ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون ٤٦٧ ، ٤٦٨.

(٥) ١٧ : سورة الإسراء ١١٠.

١١٢

[قلت] : إن أبا إسحاق (١) زعم أن قوله : (أيّاما) منصوب بمضمر. أي : أيا تريد ، أو غير ذلك. وكان هذا يقويه وقف يعقوب (٢) ، حين وقف ، فقرأ : (قل ادعوا الله أو ادعوا الرّحمن أيّا) (٣) ثم يبتدئ ، فيقول : (ما تدعوا فله الأسماء الحسنى). أي : أيا يكون ، فينصب (أيا) بمضمر. وهذا الذي تجنّبه لازم له في (ما) لأن قوله (ما تدعوا) ، ما : منصوب بتدعوا ، وتدعوا مجزوم به. ويكون (ما) على قراءته شرطا. قال : وكنا قديما على هذا ، فإذا هو يذكر هذه المسألة ، فوقع لأبي إسحاق ما قالوا في باب : هند ، ودار ، وإن الحركة في (دار) لا اعتداد به ، ف (دار) بخلاف قدم. وقال أبو علي في قوله : زيد لقيته ، وعمرا كلمته ، إن اختياره النصب هو الوجه.

ولا يلزمه قول الزيادي (٤) : إنك لو قلت : زيد لقيته ، وعمرا كلمته ، كان محالا ، لأن الإعراب لم يظهر في لقيته ، فلا اعتداد به ، فكذا ، لا اعتداد بإعراب (ما) حيث لم يظهر فيه الإعراب ، فافترق الحال بينه ، وبين (أيّ). وأجازوا : أيا تضرب يأتك. فنصبوا (أيا) بالفعل. ولو قيل : أيّهم يأت تضرب ، لم يكن في (أي) إلا الرفع. فلم يجيزوا نصب (أي) بالجواب ، لأن نصبه يوجب تقديم الجواب [٢٧ / أ] عليه. وتقديم الجواب ، يوجب رفع الجواب. وأجازوا نصبه بالشرط ، دون الجواب. وهذا المعنى يلزم أيضا في الشرط ، إلا أنه ربما يقال : إن (أيّا) مع الشرط كالشيء الواحد ، لا يقدر انفصال كل واحد منهما عن صاحبه. والجواب قد ينفصل ، فيضمر لدلالة ما تقدم من الكلام عليه ، نحو : أضرب إن ضربت. وأنت ظالم إن فعلت. فأما إلزام الكسائي ما ألزم ، فليس بلازم ، لأن قولك : أيّهم تضرب ، وإن كان منصوبا ب (تضرب) وجزم (تضرب) به ، في المعنى تدافع بهذا اللفظ سائغ. ألا ترى أنه جاء : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(٥) و (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها)(٦) فمن حيث النظر إلى كون الفعل ، والفاعل ، فالفاعل مقدم على المفعول ، ومن حيث النظر إلى الكناية ، فلا بد من تقديم المكنيّ عنه. فكذا هاهنا : أيّهم تضرب ، من حيث النصب ، هو في نية التأخير ، ومن حيث الجزم ، هو في نية التقديم. فأما : زيد قائم ، فهو يربط أحدهما بصاحبه ، فيرتفع ، ولا يثبت. [فإن قلت] : فإن الذي ذكرناه أولى مما ذكرتموه ، لأنكم تدّعون معنى يرفع المبتدأ وذاك المعنى يزول ، فلا يصلح أن يكون عاملا ، لأن العامل يقتضي المعمول. كقولنا : ذهب زيد. ذهب

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه ـ للزجاج ٢ : ٢٦٤ ، وفيه : (فأعلمهم الله أن دعاءهم الرحمن ، ودعاءهم الله يرجعان إلى شيء واحد ، فقال : (أيا ما تدعوا) المعنى : أي أسماء الله تدعوا (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

(٢) هو : أبو محمد ، يعقوب بن إسحاق بن زيد ، الحضرمي (ت ٢٠٥ ه‍). أخذ القراءة عن : سلام الطويل ، ومهدي بن ميمون ، وأبي الأشهب العطاردي ، وآخرين. روى القراءة عنه : زيد ابن أخيه (أحمد) ، وكعب بن إبراهيم ، وعمر السراج ، وآخرون ، كان عالما بالعربية ، ووجوهها ، والقرآن ، واختلافه. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٨٦ ـ ٣٨٩ ، والبلغة ٢٨٧.

(٣) برواية : رويس ، وكذلك وقف : حمزة ، والكسائي. التيسير ٦١ ، وإتحاف الفضلاء ٢٨٧.

(٤) هو : أبو إسحاق ، إبراهيم بن سفيان ، الزيادي (ت ٢٤٩ ه‍). أخذ عن : الأصمعي ، وغيره ، وأخذ عنه : أبو العباس ، المبرد ، وغيره. له : (كتاب النقط والشكل) ، و (كتاب تنميق الأخبار). ينظر : أخبار النحويين البصريين ٦٧ ، وطبقات النحويين واللغويين ٩٩ ، ومراتب النحويين ٧٥.

(٥) ٢ : سورة البقرة ١٢٤.

(٦) ٦ : سورة الأنعام ١٥٨.

١١٣

يقتضي الفاعل. وتعرية الاسم ، لا يقتضي شيئا. والمبتدأ يقتضي الخبر. والخبر يقتضي المبتدأ ، فقولنا أولى.

[قلت] : إنك ، لو تشبثت بهذا لأبطلت قواعد العرب ، وذلك ، لأنه يكون الأمر ، مرة محمولا ، على اقتضاء العامل معموله ، ومرة محمولا على اقتضاء المعمول عامله. ألا ترى قولهم : الأسد الأسد ، وقولهم : إياك وزيدا ، وقولهم : رأسك والحائط ، وقال تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)(١).

وقال : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ)(٢). فرفع الأوليين ، يقتضي عاملا ، فإما أن يكون : فالأوليان آخران يقومان مقامهما ، وإما أن يكون : فليقم الأوليان. وذلك أكثر من أن أحصيه لك ، أعني اقتضاء المعمول العامل ، ولعله في كلامهم أكثر من اقتضاء العامل المعمول.

باب خبر المبتدأ

[قال أبو الفتح] : وهو كل ما أسندته إلى [٢٧ / ب] المبتدأ ، أو حدّثت به عنه.

[قلت] : الخبر مرفوع عندنا بالابتداء. وذهب المبرد (٣) ، وابن السري (٤) إلى أن الابتداء قد عمل في المبتدأ. والابتداء ، والمبتدأ جميعا رفعا الخبر. قالا : وذلك بمنزلة النار ، والقدر ، والماء. ألا ترى أن النار تحمي القدر. والنار ، والقدر ، جميعا تحميان الماء. ونظيره من كلامهم : لم يضرب زيد. لم : عملت في : يضرب ، فجزمته ، ثم : لم ، مع يضرب : رفعا الفاعل. والقول قول سيبويه : من أن الابتداء كما عمل في الاسم ، عمل في الخبر (٥) ، لأن كل ما كان عاملا في الأول من هذا النحو ، عمل في الثاني. ألا ترى أن قولك : ظننت زيدا قائما ، لما نصب (ظننت) الأول ، نصب الثاني.

وكذلك : إن زيدا قائم ، لما عمل (إنّ) في الأول ، عمل في الثاني. وكذلك : كان زيد قائما ، لما عمل (كان) في الأول ، عمل في الثاني. فكذا هاهنا. فأما قولهم : لم يضرب زيد ، ف (لم) : ليست من عوامل الأسماء ، وإنما هي من عوامل الأفعال ، وكان قبل دخولها : يضرب زيد ، فعل ، وفاعل ، عمل الأول في الثاني. فدخلت (لم) في الفعل ، وأدى ما اقتضاه. فليس هو مما نحن فيه بشيء.

[قال المبرد] : لو كان العامل الابتداء ، لم يجز أن يدخل عليه عامل آخر. ألا ترى أن [٢٧ / ب] [ظننت (٦)] لما كان عاملا ، لم يدخل عليه عامل آخر.

__________________

(١) ٤ : سورة النساء ١٧٠ ، وينظر : إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

(٢) ٥ : سورة المائدة ١٠٧ ، وينظر : إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٥٢٦.

(٣) المقتضب ٤ : ١٢٦ ، إذ جاء ما نصه : (فأما رفع المبتدأ فبالابتداء. ومعنى الابتداء : التنبيه ، والتعرية عن العوامل غيره .. والابتداء ، والمبتدأ يرفعان الخبر).

(٤) الأصول ١ : ٦٣ ، وفيه : (هما مرفوعان أبدا. فالمبتدأ رفع بالابتداء ، والخبر رفع بهما).

(٥) الكتاب ٢ : ١٢٦ ، ١٢٧ ، وقد ذكر الشارح كلام سيبويه بالمعنى ، ونصه : (فالمبتدأ : كل اسم ابتدئ ليبنى عليه كلام. والمبتدأ ، أو المبني عليه رفع. فالابتداء لا يكون إلا بمبني عليه ... وذلك قولك : عبد الله منطلق ، ارتفع عبد الله ، لأنه ذكر ليبنى عليه المنطلق ، وارتفع المنطلق ، لأن المبني على المبتدأ بمنزلته).

(٦) الأصل غير واضح.

١١٤

[قلت] : هذا لا يصح من أبي العباس ، لأنه سلّم أن الابتداء عامل. ولا يصح من غيره أيضا ، لأنا ذكرنا أن الابتداء عامل معنوي. فإذا جاء عامل لفظي ، تسلط عليه ، وكانت الغلبة له فاعرفه.

والله أعلم.

[قال أبو الفتح] : وهو على ضربين : مفرد ، وجملة. فإذا كان الخبر مفردا ، فهو المبتدأ في المعنى ، وهو مرفوع بالمبتدأ. [فإن قلت] : ما الدليل على أن أصل خبر المبتدأ : المفرد. وأن الجملة إذا وقعت خبرا له كانت في تقدير المفرد ، وهلا قلتم : إن الجملة أصل كما أن المفرد أصل؟!.

[قلت] : إن الجملة المركبة من المبتدأ ، والخبر ، كالجملة من الفعل ، والفاعل. فكما أنك إذا قلت : قام زيد. قام : أحد جزءي الجملة. وزيد : أحد جزءيها. فالمبتدأ ، والخبر أيضا جزءان [٢٨ / أ].

فقولك : زيد أبوه قائم. زيد : أحد الجزءين. وأبوه قائم : هو الجزء الثاني ، لأن هذا نظير ذاك.

فقولك : أبوه قائم ، في تقدير مفرد. فعلمت أن خبر المبتدأ أصله الإفراد. والمفرد في خبره ضربان : مشتق ، وغير مشتق. فالمشتق : هو المشتق من الفعل. ك (قائم) من (قام) ، ومضروب ، من : (ضرب). تقول : زيد قائم ، وزيد مضروب. ففي (قائم) و (مضروب) ضميران يرجعان إلى المبتدأ ، لأنهما مشتقان من الفعل. فكما لا بد للفعل من فاعل : مظهرا ، أو مضمرا ، فكذا ما كان جاريا عليه.

فإذا قلت : زيد قائم ، فتقديره : زيد قائم هو. ألا ترى أنك لو وضعت موضعه ظاهرا ، فقلت : زيد قائم أبوه ، ارتفع أبوه ب (قائم) فثبت ، أنه إذا لم يظهر فاعله كان فيه. فاسم الفاعل متضمن للضمير. ولكنه ضمير مخالف لما يتضمنه الفعل. ألا ترى أنك إذا سميت رجلا ب (قائم) صرفته وأعربته. ولو كان الضمير الذي فيه بمنزلة الضمير الذي في الفعل منعته الصرف ، ولم تعربه ، وحكيت ، لأنك ، لو سميت ب (ضرب) ، وفيه الضمير ، حكيت ، لأنه تسمية بالجملة ، فتجب حكايته. كما قالوا : برق نحره ، وتأبط شرا ، وبنو شاب قرناها. وإذا كان كذلك ، فقول الفراء (١) ، في قوله تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ)(٢) : إنه آن من يئين ، سمي الوقت بالفعل : باطل. لأنه لا يخلو : إما أن يكون سمي ب (آن) وفيه ضمير الفاعل ، فحينئذ يحكى. أو سمي به وليس فيه ضمير ، فيعرب. فليس للبناء وجه ، وليس فيه ضمير الفاعل ، فما باله مفتوحا؟. فالقول في (الآن) وبنائه ، قول أبى علي (٣) ، من أنه بني لتضمنه لام التعريف ، إذ هو معرفة ، وليس فيه لام التعريف ، وليس هذا الذي فيه تعريفا. لأن لام التعريف ، مثل قولهم : رجل والرجل. ولسنا نعرف (آن)

__________________

(١) لم أجده في معاني القرآن. وقد نقل الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٣ : ٢٤ ، أن الفراء يذهب إلى أن (الآن) إنما هو (أأن) كذا وكذا ، وأن الألف ، واللام دخلت على جهة الحكاية.

(٢) ١٠ : سورة يونس ٩١.

(٣) الإنصاف (مسألة ٧١) ٢ : ٥٢٣ ، ونص قول أبي علي : (إنما بني ، لأنه حذف منه : الألف ، واللام ، وضمن الاسم معناهما ، وزيدت فيه : ألف ، ولام أخريان).

١١٥

للتنكير ، ثم عرف ، فقيل : الآن كرجل والرجل. [فإن قلت] : فإن يزيد بن القعقاع المدني (١) روي عنه : (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ)(٢) فهلا كان ذلك دليلا لقول الفراء من أن [٢٨ / ب] (الآن) ، أصله : آن ، سمي به؟!.

[قلت] : هذا غير معروف ، ولا يثبت بمثله الأصول. على أنه إن صح فهو : ك (أين) وآن : ك (عاب) و (عيب) وليس من (الآن) في شيء. فالضمير الذي في (قائم) ليس على حد الضمير الذي في الفعل ، لما ذكرنا ، ولأن اسم الفاعل بضميره ، لا يكون صلة لموصول. لا تقول : جاءني الذي قائم. كما يكون الفعل صلة للذي في قولك : جاءني الذي قام. فعلمت بذلك ، أن الضمير الذي في قائم ، مطّرح ، لأنهم ثنّوها ، وجمعوها على حد تثنية الأسماء ، وجمعها. أعني الأسماء غير المشتقة. فقالوا : قائمان ، وقائمون. ولم يكن ليكون مثل : يقومان ، ويقومون. لما ذكرناه من تمام الذي ب (يقومان ، ويقومون) ، ونقصانه ، في نحو : قائمين ، وقائمين. فهذا الضمير مطرح. وإنما يرتفع به الظاهر ، أعني باسم الفاعل إذا جرى خبرا على المبتدأ ، نحو : زيد قائم أبوه. أو صفة لموصوف ، نحو : مررت برجل قائم أبوه. أو صلة لموصول ، نحو : الذي قائم أبوه في الدار. أو حالا لذي حال ، كقولك : مررت بزيد قائما أبوه. فيقوى حين جرى على ما تقدم عليه مشابهته بالفعل. وأما غير المشتق ، فعلى ضربين : ضرب : هو هو ، وضرب : منزّل منزلته ، فالذي هو هو : زيد أخوك. فالأخ زيد ، وزيد الأخ. فهذا لا ضمير فيه عندنا (٣) ، لأنه ليس بمشتق. والذي هو منزل منزلته ، قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)(٤) فأزواج النبي نودين بأمهات للمؤمنين في الحقيقة ، لأنه قال : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)(٥). ولسن ولدن المؤمنين ، رضي الله عنهن ، ولكنهن بمنزلة أمهاتهم ، في امتناع التزوج بهن ، وحرمتهن عليهم ، كما هو شأن الأمهات. فأما قوله ، عليه السّلام : (ذكاة الجنين ذكاة أمه) (٦) فقد زعموا أنه من هذا الباب. أي : ذكاة الجنين ، نزّلت منزلة ذكاة أمه. وهذا ، وإن احتمله اللفظ. فالحمل على أن يكون : ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. يعني

__________________

(١) هو : أبو جعفر ، يزيد بن القعقاع (ت ١٢٨ ه‍ ، أو ١٣٠ ه‍). أخذ القراءة عن : مولاه (عبد الله بن عياش) ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة. روى القراءة عنه : نافع المدني ، وأبو الحارث ، عيسى بن وردان ، وأبو عمرو ، وآخرون. كان إمام أهل المدينة في القراءة ، فسمي : القارئ. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٨٢ ـ ٣٨٤.

(٢) ٣٦ : سورة يس ١٩. وينظر : المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة ٣ : ١٧٤.

(٣) يعني : عند البصريين. أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى أن خبر المبتدأ ، إذا كان اسما محضا (أي : جامدا) فقد تضمن ضميرا ، يرجع إلى المبتدأ ، نحو : زيد أخوك. والى ذلك ذهب من البصريين : علي بن عيسى ، والرماني. الإنصاف (مسألة ٧) ١ : ٥٥ ، ٥٦.

(٤) ٣٣ : سورة الأحزاب ٦.

(٥) ٥٨ : سورة المجادلة ٢.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٤٩ ، وسنن الدارمي ١ : ١٢ ، وسنن أبي داود ٣ : ١٣٧ ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ٤ : ١٦٢ ، وينظر : اللسان (ذكا) ١٤ : ٢٨٨.

١١٦

يذكّى كما ذكّي [الآخر](١) بدلالة الرواية الأخرى. ذكاة الجنين ذكاة أمه ، بالنصب. على أن يكون التقدير : أن يذكى الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المصدر ، فصار التقدير : ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه ، فحذف المثل المضاف [٢٩ / أ] وأقيم المضاف إليه مقامه ، فصار : ذكاة الجنين ، ذكاة أمه. كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢). فقوله : ذكاة أمه ، منصوب بقوله : ذكاة الجنين.

لأن ذكر المصدر ، ذكر أن مع الفعل ، كما أن ذكر أن مع الفعل ، ذكر المصدر. وقد تقدم بعض ذا. فذكاة الجنين : مبتدأ ، وذكاة أمه : منصوب به. والخبر مضمر استغني عنه ، لطول الكلام ، بما في صلة الموصول ، وهم مما يستغنون بطول الكلام عن ذكر الخبر. قالوا : لو لا زيد لهلك عمرو. فلم يذكروا خبر زيد. والتقدير : لو لا زيد بالحضرة لهلك عمرو. فاستغنوا عن ذلك الخبر ، بطول الكلام ، لما طال الكلام ، بجواب لو لا. ومما جاء من ذلك في الشعر ، [قول الشاعر] :

٦١ ـ علين بكديون ، وأبطنّ كرّة

فهنّ إضاء صافيات الغلائل (٣)

ويروى : طلين. يصف دروعا ، وأنهن قد طلين بالزيت ، ظاهرها ، وباطنها بالبعرات ، لأنه إذ ذاك أشد ما يكون. فالدروع حينئذ ، بمنزلة الغدران ، صافيات الغلائل. ويروى الغلاغل. فقد يكون : جمع : غلغلة ، وقد يكون جمع : غلالة : وهي التي تحتها. والغلاغل أيضا : الماء الذي تحت الأشجار. والكرّة : البعر. والإضاء : الغدران. وهو قد أنشد هذا البيت ، ولم يفسره. والله أعلم.

[قال أبو الفتح] : وأما الجملة ، فهي : كل كلام مفيد ، مستقل بنفسه. وهي على ضربين : جملة مركبة من : مبتدأ ، وخبر. وجملة مركبة من : فعل ، وفاعل. ولا بد لكل واحدة من هاتين الجملتين ، إذا وقعت خبرا عن المبتدأ ، من ضمير يعود إليه منها. تقول : زيد قام أخوه. فزيد مرفوع بالابتداء ، والجملة بعده خبر عنه. وهي مركبة من فعل ، وفاعل. [قلت] : إنما كان الضمير في الجملة لا بد منه ، لأن الجملة أجنبية من المبتدأ. فإذا جاء الضمير ربطها به ، وكان كالجزء منه.

والجملة إذا وقعت خبرا عن المبتدأ ، فليست بأصل ، وإنما هي مقدرة تقدير المفرد ، لأن المبتدأ ، والخبر ، نظير الفعل ، والفاعل. فقولك : زيد قائم. نظير قولك : قام زيد فكما أن قام زيد جزءان ، فكذلك : زيد قائم. فإذا قلت : زيد قام أخوه ، أو قلت : زيد أبوه قائم ، فالجملة في تقدير المفرد ، حتى يكون الكلام من جزءين ، ويكون طبقا للجملة الأخرى. ألا ترى أن الجملة الأخرى جزءان ، فمن المحال أن تكون هذه ثلاثة أجزاء فإذن هذان الجزءان المركب منهما الخبر في تقدير جزء واحد.

[٢٩ / ب] [فإن قال قائل] : فإن الفاعل قد جاء أيضا ، جملة. قال تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ

__________________

(١) الأصل غير واضح.

(٢) ١٢ : سورة يوسف ٨٢.

(٣) البيت من الطويل ، للنابغة الذبياني ، في : ديوانه ٧١ ، واللسان (وضا) ١ : ١٩٥ ، و (كرر) ٥ : ١٣٧ ، و (غلل) ١١ : ٥٠٢ ، والخزانة ٣ : ١٦٧.

وبلا نسبة في ابن يعيش ٥ : ٢٢.

كديون : دردي الزيت ، تجلى به الدروع.

١١٧

ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣٥) (١) ، فقوله : ليسجننه ، في موضع الرفع : فاعل بدا. فكيف زعمت أن الجملة من الفعل ، والفاعل ، لا تكون من ثلاثة أجزاء ، وكذا جاء أيضا ، فيما قام مقام الفاعل ، نحو قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(٢)(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا)(٣). ألا ترى أن الجملة في موضع الرفع ، أقيم مقام فاعل (قيل). فهذا نظير قولهم : زيد أبوه قائم. فالجملة في كلا البابين أصل. [قلت] : إن الجمل نكرات. ولا تكون فاعلة ، إذا لا فائدة فيها. أعني في الإخبار عما لا يعرف ، ولا يضبط ، ولأن الفاعل يضمر ، والمضمر أعرف المعارف. فلا تقوم الجملة مقامه. فلا يجوز أن يكون الفعل ، في قوله : (بدا لهم) مسندا إلى قوله : (ليسجننّه) ، لأن قوله : (ليسجننّه) جملة. وإذا كان كذلك ، ففاعل بدا : مضمر ، دل عليه بدا ، لأن (بدا) فعل ، والفعل يدل على المصدر ، فكأنه قال : ثم بدا لهم بداء. [قال الشاعر] :

٦٢ ـ أظنّك ، والموعود حق لقاؤه

بدا لك من تلك القلوص بداء (٤)

وقال : إذا كان غدا ، فائتني. أي : إذا كان ما تريد غدا فائتني. فأضمر. وكذلك قوله : (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض). أي : وإذا قيل لهم القول. وذكر الفعل ذكر المصدر. وقد مضى بعض ذلك. [قال الشاعر] :

٦٣ ـ وما أراها تزال ظالمة

تظهر لي قرحة وتنكؤها (٥)

فأراها ، أي : فأرى الرؤية ، فأضمر المصدر. وأراها اعتراض. وتقديره : وما تزال ظالمة أراها ، وأظنها. وليس هذا كقوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(٦) ، لأن نراك ، هناك عدّي إلى كاف المخاطب ، فلا بد للمفعول الأول ، وهو الكاف من المفعول الثاني ، وهو الجملة التي بعده. وإذا عدي إلى أحد المفعولين. لم يكن اعتراضا ، ولم يكن ملغى. ألا ترى أنك ، إذا قلت : زيد خلت قائم ، لم تنصب ب (خلت) أحد المفعولين ، فثبت أن (أراها) في البيت ، أي : أرى الرؤية ، وهي اعتراض ، ملغى. [قال الشاعر] :

٦٤ ـ وما خلت أبقى بيننا من مودة

عراض المذاكي المسنفات [٣٠ / أ] القلائصا (٧)

__________________

(١) ١٢ : سورة يوسف ٣٥.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١١.

(٣) ٢ : سورة البقرة ١٣.

(٤) البيت من الطويل ، لمحمد بن بشير الخارجي ، في : اللسان (بدا) ١٤ : ٦٦ ، والخزانة ٩ : ٢١٣ ، ٢١٥.

وبلا نسبة في : الخصائص ١ : ٣٤٠ ، وأمالي القالي ٢ : ٧١ ، وشرح شذور الذهب ١٦٧ ، والمغني ٢ : ٣٨٨ ، وهمع الهوامع ٤ : ٥٢.

(٥) البيت من المنسرح ، لابن هرمة ، في ديوانه ٤٨.

وبلا نسبة في : المغني ٢ : ٣٩٣ ، وهمع الهوامع ٢ : ٦٦ ، والخزانة ٩ : ٢٣٧.

(٦) ١١ : سورة هود ٢٧.

(٧) البيت من الطويل ، للأعشى ، في ديوانه ١٥١.

المذاكي : / الخيل التي بلغت أسنانها ، ومنه المثل : (جري المذكيات غلاب) اللسان (ذكا) ١٤ : ٢٨٨ ، المسنفات : المتقدمات ، ومنه : فرس مسنفة ، إذا كانت تتقدم الخيل في سيرها. العباب : الفاء (سنف) ٢٩٥.

القلائص : جمع قلوص ، من الإبل : الشابة. التاج (قلص) ١٨ : ١١٩.

١١٨

فخلت ملغى. والتقدير : ما أبقى من مودة عراض المذاكي ، يعني التقدم في الحرب ف (أراها) في البيت [كقول الشاعر] :

٦٥ ـ هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب (١)

أي : يدرس الدرس. ولا يكون : يدرس القرآن ، لأنه إذا تعدى إليه باللام ، لم يتعد إليه الثاني بلا لام. كما أن قوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)(٢) فيمن قرأ : (ولكلّ وجهة) بالإضافة (٣) ، يكون للمصدر ، لأنه لا يكون للوجهة ، لما ذكرنا. فثبت أن قوله : (ثمّ بدا لهم) أي : ثم بدا لهم بداء. كما أن قوله :

٦٦ ـ فجال على وحشيّه ، وتخاله

على ظهره سبّا جديدا يمانيا (٤)

أي : تخال الخيل ، والظن. [فإن قلت] : فهل يجوز أن تتعرى الجملة من الضمير العائد إلى المبتدأ؟!.

[قلت] : لا ، فإن لم يكن ظاهرا ، فهو مضمر. وقد ذكر أبو الفتح هذا من كلامهم : (السّمن منوان بدرهم) (٥) على أن التقدير : منه ، فحذف للعلم به. فلا بد من الضمير لربط الثاني بالأول.

[فإن قلت] : في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٦) فالذين كفروا : اسم إن. وهو بمنزلة المبتدأ. وقوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) : جملة. لأن سواء مبتدأ ، وخبره أأنذرتهم أم لم تنذرهم. وليس في الجملة ما يعود إلى سواء ، لا ظاهرا ، ولا مضمرا. أما الظاهر فلا إشكال فيه. وأما المضمر ، فإن كل شيء في الكلام قد استوفى ما يقتضيه. ففي أين يقدر ذلك؟! [قلت] : إن هذا الكلام ، محمول على المعنى. فالذي قدره في الحجة ، أنه في تقدير : سواء عليهم الإنذار ، وترك الإنذار ، ولو ذكر هكذا لم يحتج في الإنذار إلى عائد يعود منه إلى سواء. قال : فسواء مبتدأ. وما بعده في تقدير المفرد ، خبر عنه (٧). والمفرد إذا لم يكن اسم فاعل ، لم يحتج إلى ذكر يعود منه إلى الأول. ورأيت في بعض كلامه ، أن قولهم : سواء علي : أقمت ام

__________________

(١) البيت من البسيط ، بلا نسبة في : الكتاب ٣ : ٦٧ ، والتحصيل ٤٠٦ ، ورسالة الغفران ٢٥٥ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ٢ : ٥٩٦ ، واللسان (سرق) ١٠ : ٧٧ ، وهمع الهوامع ٤ : ٢٠٥ ، والخزانة ٢ : ٣ ، ٥ : ٢٦٦ ، ٩ : ٤٨ ، ٦١ ، ٥٤٧.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١٤٨.

(٣) وهي قراءة : ابن عباس ، وابن عامر. مختصر في شواذ القرآن ١٠ ، والبحر المحيط ١ : ٤٣٧ ،

(٤) البيت من الطويل ، لسحيم عبد بني الحسحاس ، في : ديوانه ٣٠ ، وابن يعيش ١ : ١٢٤.

وبلا نسبة في شرح اللمع ـ لابن برهان ٢ : ٥٩٧.

الوحشي : الجانب الأيمن من كل شيء. اللسان (وحش) ٦ : ٣٦٩. السب : الثوب الرقيق ، وجمعه : سبوب ، وسبائب ، وفي الحديث : (ليس في السبوب زكاة). اللسان (سبب) ١ : ٤٥٤.

(٥) المقتصد ١ : ٢٨٠ ، ٢٨١ ، وشرح شذور الذهب ١٨٢ ، ٢٥٦.

(٦) ٢ : سورة البقرة ٦. وينظر : إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ١٣٤.

(٧) الحجة ـ لأبي علي الفارسي ١ : ١٥٠ ، وفيه : (ونظير ما قلنا أيضا في المبتدأ قوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) ألا ترى أن الذكر يرجع إلى هذا المبتدأ أيضا على المعنى).

١١٩

قعدت ، في تقدير : سواء علي القيام ، والقعود. قال : فالقيام مبتدأ ، والقعود : عطف عليه ، وسواء : خبر مقدم. فعلى هذا ، يكون في الآية : الإنذار مبتدأ ، وترك الإنذار عطف عليه ، وسواء خبر مقدم عليه. وهذا منه رحمه الله ، وجهان ، جوزهما في المسألة ، وليس ينقض أحدهما صاحبه. وإياك والتقدم عليه ، ما أمكن ، فإنه بعيد الغور. ألا ترى أنه منع من أن يكون قوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(١) منصوبا بصيام مضمر دلّ عليه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(٢) ، لأن ذكر الصيام ، ذكر المصدر.

والمصدر موصول ، فلا يجوز حذفه ، وإبقاء صلته ، لأن بعض الاسم ، لا يحذف. واحتج في ذلك بما ذكر صاحب الكتاب (٣) من أن [قول الشاعر] :

٦٧ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمرو أبيك إلّا الفرقدان (٤)

إنه لا يكون إلا أن يكون الفرقدان ، لأنه لا يحذف الموصول. ذكر هذا في الحجة (٥). ثم ذكر ، وهو يرد على أبي إسحاق (٦). أن (أياما) ، ينتصب بصيام مضمر دل عليه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) لأن جريه في أول الكلام ، دليل على ذلك. كما قال : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ)(٧) إن (إذ) محمول على مقت آخر دون ما تقدم ، لأنه لا يخلو قوله : (إِذْ تُدْعَوْنَ) إما أن يكون محمولا على قوله ((لَمَقْتُ اللهِ)) أو يكون على قوله ((مَقْتِكُمْ)) أو يكون على آخر فلا يكون محمولا على قوله : (لَمَقْتُ اللهِ) لأن : (مقت الله) مصدر أخبر عنه بقوله : (أَكْبَرُ) فلا يكون (إذ) منه في شيء ، لأن الصلة ، لا يفصل بينها ، وبين موصولها الخبر ، لأنه لا يخبر عن الاسم ، وقد بقيت منه بقية. ولا يكون محمولا على قوله : (مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، لأنهم مقتوا أنفسهم فيها ودعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يكون ظرفا له. فثبت أنه على آخر ، فأضمر لجري ذكره ، أولا. أي : مقته إياكم إذ تدعون. كما أن قوله : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ)(٨) متعلق ب (يكلم) ، مضمر ، دون قوله : (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ)(٩) ، لأن جريه ، خارج الصلة ، دل على تقديره بعد الصلة.

وهذا يطول ، وفيما ذكرنا كفاية ، فدل على أن التقدم عليه لا يجازف فيه ، بل يتأمل في كلامه ، وسيأتيك من هذا أكثر من هذا.

__________________

(١) ٢ : سورة البقرة ١٨٤.

(٢) ٢ : سورة البقرة ١٨٣.

(٣) الكتاب ٢ : ٣٣٤ ، ٣٣٥.

(٤) البيت من الوافر ، لعمرو بن معديكرب الزبيدي ، في : ديوانه ١٨١ ، والكتاب ٢ : ٣٣٤ ، والتحصيل : ٣٦٣ ، والبيان والتبيين ١ : ٢٢٨ ، والحضرمي بن عامر ، في : حماسة البحتري ٢٣٤ ، والخزانة ٣ : ٤٢١ ، ٤ : ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، ٩ : ٣٢١ ، ٣٢٢.

وبلا نسبة في : معاني القرآن ـ للأخفش ١ : ١١٦ ، والمقتضب ٤ : ٤٠٩ ، والزاهر ٢ : ٤٠٥ ، وأمالي المرتضى ٢ : ٨٨ ، والإنصاف ١ : ٢٦٨ ، وابن يعيش ٢ : ٨٩ ، والأشموني ٢ : ٤٧١ ، وهمع الهوامع ٣ : ٢٧٣.

(٥) الحجة ، لأبي علي الفارسي ١ : ١٦.

(٦) مجمع البيان ٢ : ٢٧٢ ، إذ ذهب أبو إسحاق إلى أن (أياما) انتصب على الظرفية ، وكأن التقدير : كتب عليكم الصيام في أيام ، والعامل فيه : الصيام ، وتقديره : كتب عليكم أن تصوموا أياما.

(٧) ٤٠ : سورة غافر ١٠.

(٨) ٣٣ : سورة الأحزاب ٥٣.

(٩) ٤٢ : سورة الشورى ٥١.

١٢٠