تاريخ صفد

محمّد بن عبد الرحمن الحسيني العثماني

تاريخ صفد

المؤلف:

محمّد بن عبد الرحمن الحسيني العثماني


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: التكوين للتأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٠

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

بعد ما تحدث ابن شداد عن تحرير صفد من قبل السلطان الظاهر بيبرس قال :

«ثم رتب السلطان فيها واليا ... وجعل فيها أربعة وخمسين مملوكا من مماليكه ، وأقطعهم في بلدها إقطاعا ، وقدم عليهم الأمير علاء الدين كندغدي ، وولى في قلعتها مجد الدين الطوري ، وصير نيابته في بلدها إلى الأمير عز الدين أيبك العلائي» (١).

إن رواية ابن شداد هذه رواية شاهد عيان ، تفيد أن الظاهر بيبرس قرر إقامة نيابة (أو مملكة) فيها ذات كيان خاص حسب الأعراف التي سادت العصر الأيوبي ، وعين لمدينة صفد ، واليا ولقلعتها حاكما وترك فيها شحنة عسكرية.

والنائب «هو لقب على القائم مقام السلطان في عامة أموره أو غالبها» (٢) ، وجرت العادة أن يكون على النواب «مثل ما على السلطان ويزدادون أن من حقهم مراجعته إذا أمر بما يخالف المصلحة» (٣).

وبالنظر لإحداث نيابة صفد وجدتها ولطبيعة العصر المملوكي يلاحظ وجود خلاف في المصادر حول حدودها ومدى اتساع رقعتها ، وقد عدها محمد ابن أبي طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة إحدى ممالك بلاد الشام الثماني في العصر المملوكي ، وهي : دمشق وحمص وحلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك وغزة ، وقد ذكر شيخ الربوة شيئا من تاريخ صفد وعدد بعض الأعمال المضافة إليها لكنه ، لم يذكر لها حدودا واضحة (٤).

وبعد شيخ الربوة تحدث ابن فضل الله العمري عن صفد وبيّن

٣

حدودها في كتابة التعريف بالمصطلح الشريف وهو أقدم كتاب في بابه ، وخصها بقوله :

«وأما بلاد صفد : فحدها من القبلة الغور حيث جسر من وراء طبرية ومن الشرق الملاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس ، ومن الشام نهر ليطاني ومن الغرب البحر ، وولاياتها : الشقيف وهو الشقيف الكبير المسمى بأرنون وهو قلعة منيفة منيعة ، ولها بر له وال ، وولاية جينين ، وولاية عكا ، وولاية الناصرة ، وولاية صور» (٥).

وعدد صدر الدين محمد بن عبد الرحمن العثماني في كتابه تاريخ صفد الذي نقدم له أعمال نيابة صفد التي تكونت منها وأفاد أن حدودها «وقد امتدت من عثليت» (٦). ونقل أحمد بن علي القلقشندي في كتابه صبح الأعشى ما ذكره ابن فضل الله العمري دونما إضافات (٧).

ووصف خليل بن شاهين الظاهري نيابة صفد في كتابه زبدة كشف الممالك لكنه لم يبين حدودها (٨). هذا ويلاحظ أن ابن فضل الله العمري حين جعل من الليطاني حد المملكة الشمالي لم يعرف أن عمل الشقيف وقع إلى الشمال من هذا النهر ، أضف إلى هذا أن طبرية كلها كانت تابعة لصفد مع معظم منطقة الناصرة ومرج ابن عامر وثلاثة أرباع عمل عثليت ، وعلى هذا فإن جسر الصنبرة لم يمثل حدها الجنوبي ، ويبدو أن ابن فضل الله العمري كان ينقل ما جاء في مصادر مبكرة ، أضف إلى هذا كله أن «حولة» بانياس مثلت الحد الجنوبي الشرقي لنيابة صفد وليس الحد الشرقي.

وعلى هذا يبدو أن حدود نيابة صفد كانت في أقصى اتساعها في العصر المملوكي كما يلي : حدها من الغرب البحر المتوسط ، ومن الشمال حوض نهر الزهراني ، ومن الشرق طرف مرجعيون امتدادا حتى نهر الحاصباني ، ثم مجرى نهر الأردن حتى جسر الصنبرة ، ومن الجنوب أطراف مرج ابن عامر حتى البحر المتوسط.

٤

ومن الواضح أن أراضي نيابة صفد هذه قد احتلت مكانا استرتيجيا في وسط بلاد الشام ، وكانت تمتلك من الموارد والإمكانات ما يقوم بأودها ويمكنها من شغل دورها الذي أقيمت بالأصل لأدائه في مواجهة مملكة عكا وبقية الممتلكات الصليبية في ساحل الشام لكي تتفرغ دمشق للقيام بأعباء التصدي للخطر المغولي.

ومن الممكن تقسيم أراضي النيابة إلى الأقسام الجغرافية التالية :

(أ) السهل الساحلي.

(ب) الهضاب والمرتفعات الجبلية.

(ج) السهول الداخلية.

(د) منخفض الغور.

ومن المقرر أن السهل الساحلي هو جزء من سهول الشام الساحلية ، وهو يمتد باتجاه الشمال الشرقي من جانب والجنوب الغربي من الجهة المقابلة ، وتتخلله بعض الرؤوس والخلجان البحرية مثل : رأس صور ، ورأس الناقورة ، وخليج عكا ، وخليج عثليت.

وبشكل عام ، كان السهل الساحلي خصبا ، وفير المياه ، كثير المزروعات ، أضف إلى ذلك أن البحر وفر لسكانه موارد رزق من أسماكه ، ومما حمل على ظهره من تجارات وبضائع.

ونظرا لقرب المنطقة الجبلية من البحر المتوسط فقد كانت هي أيضا تملك إمكانات زراعية جيدة ، ويلاحظ أن إمكانات السهول الداخلية كانت هي أيضا جيدة تتدفق فيها المياه ، وتتمتع بمناخ مناسب لإنتاج أنواع كثيرة من المزروعات (٩).

اكتملت رقعة نيابة صفد بعد عام ٦٩٠ ه‍ / ١٢٩١ م إثر تحرير عكا وعثليت وتصفية الوجود الصليبي. وقد تألفت من الأقسام الإدارية

٥

التالية : بر صفد (الزنار) ، الناصرة ، اللجون ، جينين ، عكا ، صور ، والشقيف ، ومرجعيون ، وأرض الجرمق ، وطبرية ، وتبنين وهونين ، والشاغورين ، ومعليا ، وعثليت ، ومرج ابن عامر ، والإقليم (١٠) ، وكان يتبع كل واحد من هذه الأقسام مجموعة من القرى (١١).

وشهدت نيابة صفد مثل غيرها من مناطق بلاد الشام نشاطا اقتصاديا زراعيا وتجاريا وحرفيا ، ذلك أن تمركز الحاميات العسكرية داخل صفد والحركات والتنقلات المستمرة للقوات ولا سيما قبل تحرير عكا شجعت على قيام تجارة نشطة وتأمين السلع والأسواق للقوات.

ولا شك أن احتياجات القوات إلى الأسلحة الفردية والجماعية والعتاد واللباس والخيول ومختلف أنواع الحيوانات قد قدمت حوافز على النشاط التجاري والصناعي. أضف إلى هذا أن قرب صفد من دمشق ومن بقية مدن فلسطين والوحدة بين بلاد الشام ومصر ، قد مكنا من نقل البضائع من الشام إلى مصر وبعض منتجات مصر إلى الشام.

ولا شك أن التوسع العمراني في صفد وتحويلها من قرية إلى بلدة كبيرة ـ مع أعمال ترميم القلعة والأسوار وبناء بعض المعاهد الدينية والمساجد ـ أوجدا فرص للعمل ويسرا وجود طائفة من محترفي صناعة البناء (١٢).

وعلى العموم ارتبطت الحياة الاقتصادية في نيابة صفد ، مثلها في بقية أجزاء الدولة المملوكية ، بالأرض إلى أبعد الحدود. وفي تاريخ الشرق في مختلف العصور كانت السلطة هي الملّاك الأكبر للأرض ، وهي بالتالي المستغل الذي يتولى إنشاء القنوات والسدود والترع وغير ذلك. وما تمتلكه الدولة لم يشكل القطاع الأعظم من الأرض فحسب بل الأحسن. وكانت الدولة تحصل على منتجات الأرض عن طريق حصص رجالاتها وعن طريق الضرائب وغير ذلك ، ومن هذه المنتجات كان إنفاق الدولة. ففي أوائل التاريخ الإسلامي كانت المواد العينية

٦

تشكل جزءا هاما من أعطيات الجند ، واستمر هذا الحال طوال العصر الأموي والجزء الأكبر من العصر العباسي. وفي عصر التحكم البويهي عندما صار رجالات الجند هم الطبقة العليا المتصرفة بشؤون الدولة صار هؤلاء ملاكا للأرض ومستغلين لها ، إنما مقابل خدمات عسكرية بحكم الاختصاص والوظيفة ، ويعدّ هذا بداية ما عرف باسم «الإقطاع العسكري».

وتطور نظام الإقطاع العسكري وأرسيت قواعده خلال العصر السلجوقي. وقد طبق السلاجقة هذا النظام في بلاد الشام إثر دخولها في حوزتهم في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر للميلاد ، وعن السلاجقة ورث الأيوبيون ومن بعدهم المماليك هذا النظام.

وكان للسلاجقة سياسة دينية خاصة ، فاهتموا برجال الدين وبإقامة المؤسسات الدينية. وترافق هذا مع نشاط التصوف وانتشاره فقاد هذا كله إلى قيام ما يمكن دعوته باسم «الإقطاع الديني» ، حيث حصرت الوظائف الدينية بأسر محددة وباتت الوظائف والمناصب يتم توارثها بشكل منتظم. وكما سيطر الإقطاع العسكري على معظم الأراضي الصالحة للزراعة ، شاركه الإقطاع الديني وجاء بعده بالمنزلة. على أن معظم ممتلكات هذا الإقطاع عرفت باسم الأوقاف محافظة بذلك على تسمية قديمة متوارثة (١٣).

إن استيلاء الإقطاع العسكري والديني على الجزء الأعظم من الأراضي الزراعية لم يلغ الملكية الفردية الخاصة ، أضف إلى هذا أن الإقطاع العسكري لم يكن في غالب الأحيان تملكا دائما للأرض بل استغلالا. فالقاعدة قضت بإعطاء الأرض بدلا من الأعطيات ونظيرا للخدمة العسكرية ، ولهذا غالبا ما حملت في العصر المملوكي اسم «الخبز أو الأخباز».

٧

والقاعدة في الإقطاع العسكري عدم التوريث ، لكن حدث وخرقت هذه القاعدة ، ولهذا كان بعض سلاطين المماليك يلجأون إلى إعادة مسح الأرض وحصرها في سجلات ومن ثم إعادة توزيعها ، وهذا ما كان يطلق عليه اسم «الروك» (١٤). وتشير الأخبار المرتبطة ببدايات ظهور نيابة صفد أنه في سنة ٦٦١ ه‍ / ١٢٦٢ م أغارت قوات الظاهر بيبرس على الناصرة ، وجبل طابور فحررت بعض الأراضي هناك ، وطردت المتسلطين عليها من الفرنجة ، وقام الظاهر بيبرس بمنح هذه الأراضي إقطاعا لأمراء قواته ، وكتب لهم مناشير بذلك (١٥).

وبعد تحرير صفد سنة ٦٦٤ ه‍ / ١٢٦٦ م أقطع السلطان الظاهر بيبرس صفد والأراضي المحيطة بها لمن أبقاه فيها من الأمراء والجند ، وقدرت قيمة هذا الإقطاع آنذاك بمبلغ ثمانين ألف درهم (١٦). وبعد تحرير عكا أعطى السلطان عددا من الأمراء المماليك إقطاعات من أراضيها (١٧).

وتفيد مختلف الأخبار أن المماليك طبقوا نظام الإقطاع العسكري في مختلف النيابات الشامية ومنها صفد ، وجاء التطبيق بإعطاء بعض الإقطاعات للجند والأمراء مقابل خدماتهم العسكرية. كما أن السلطنة كانت تنتزع الإقطاع من بعض الأمراء وتمنع التوريث. ففي سنة ٧٢٧ ه‍ / ١٣٢٦ م كتب الأمير سيف الدين أرقطاي نائب صفد إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون يشكو من نجم الدين فيروز ، وكان من أمراء صفد ، وأمر السلطان باعتقال فيروز في قلعة صفد وبذلك قطع خبزه ، أي انتزع منه ليعطى إلى غيره. وفي السنة نفسها نقل إلى صفد الأمير أيبك البكتوتي من القاهرة ، ومنح إقطاع فيروز (١٨). هذا ويلاحظ أن الأمراء الذين كانوا يخدمون في نيابة صفد أو سواها لم تنحصر إقطاعاتهم حيث تمركزوا ، بل غالبا ما كانت موزعة على أكثر من موقع ، وجاء هذا الإجراء لمنع التوريث والاستبداد في منطقة محددة

٨

ولأن الأمراء كانوا يتدرجون في المناصب ، وكانت خدماتهم غير مستقرة في مكان واحد (١٩).

هذا واعتادت السلطنة المملوكية منح بعض مشايخ البدو (العشير) إقطاعات لقاء خدمات محددة أو لإسهامهم في بعض الحملات ، إنما يبدو أن هذه الإقطاعات جاءت عن طريق التمليك الذي يمكن توريثه.

ولم يقتصر هذا الإجراء على مشايخ البدو ، وإنما شمل أمراء المماليك ، فبعدما حرر الظاهر بيبرس قيسارية وأرسوف سنة ٦٦٣ ه‍ / ١٢٦٥ م «أمر بكشف قيسارية وعمل متحصلها ، فعملت بذلك أوراق ، وطلب قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال بها ، بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه وتبقى للولد منهم وولد الولد ، وما يدوم إلى آخر الدهر ، ويبقى إلى الأبد» (٢٠).

ويبدو أن هذه الأراضي قد كانت ممتلكة من قبل بعض الإقطاعيين الفرنجة ، وأن هؤلاء هربوا منها مع الذين كانوا يتولون حراستها إلى يافا وعكا ، فأقدم السلطان على تمليكها حسب قاعدة الصوافي التي عرفها التاريخ الإسلامي منذ العصر الراشدي.

وعلى هذا يمكن القول : إن أراضي الامتلاك كانت إما مملّكة حديثا لأمراء المماليك وهي هنا من أحسن الأراضي أو مما توارثه أفراد من السكان تملكوه ، ومن المرجح أن الملاك والمقطعين ـ على حد سواء ـ كان يأتيهم نتاج الأراضي دونما عناء ، وأن الفلاحين وإن لم يعدوا من أقنان الأرض عاشوا ظروفا كانت بعيدة عن الإنسانية والعدل. ويقول التاج السبكي :

«ومن قبائح ديوان الجيش إلزامهم الفلاحين في الإقطاعات بالفلاحة ، والفلاح حر لا يد لآدمي عليه ، وهو أمير نفسه ، وقد جرت عادة الشام بأن من نزح دون ثلاث سنين يلزم ويعاد إلى القرية قهرا ، ويلزم بشد الفلاحة ، والحال في غير الشام أشد منه فيها» (٢١).

٩

ويقول الشاعر الصفدي عمر بن أحمد بن عبد الله بن حلاوات واصفا أحوال صفد بعد ما توجه إليها بكتمر الحاجب كاشفا سنة ٧٠٢ ه‍ / ١٣٠٢ م :

يا قاصدا صفدا فعد عن بلدة

من جور بكتمر الأمير خراب

لا شافع تغني شفاعته ولا

جان له مما جناه مناب

حشر وميزان وشر وصحائف

وجرائد معروضة وحساب

وبها زبانية تبث على الورى

وسلاسل ومقارع وعقاب

ما فاتهم من كل ما وعدوا به

في الحشر إلا راحم وهاب (٢٢)

أما بالنسبة لأملاك الأوقاف فإنها بخلاف غيرها من أوقاف نيابات الشام أحدثت كلها في العصر المملوكي ، وظهرت مع ظهور النيابة إثر تحرير أراضيها من الصليبيين ، ولذلك فإن تاريخ جل هذه الأوقاف يعود إلى عهدي الظاهر بيبرس والأشرف خليل بن قلاوون ، وكانت الأوقاف إما بعض الأراضي الزراعية أو بعض الممتلكات في المدن وسواها ، وقصد منها تأمين التمويل اللازم لسداد نفقات الموقف عليه بشكل دائم ، وكانت الأوقاف إما خاصة تؤدي خدمات محصورة أو عامة تؤدي خدمات اجتماعية وخيرية عامة.

وقد أوقف الظاهر بيبرس عدة قرى على بعض مزارات الأنبياء والأولياء والصحابة ، فقد أوقف قرية قديتا في بر صفد على مزار الشيخ خضر ، وأوقف ثلاثة أرباع قرية الحقاب وهي إلى الجنوب من صفد ، على مزار الشيخ علي المجنون وكان ممن حضر وقائعه ، والربع الباقي على شيخ آخر حضر أيضا وقائعه اسمه إلياس ، وأوقف قرية حطين على مزار النبي شعيب ، وقرية فرعيم وهي إلى الشمال الشرقي من صفد على قبر خالد بن الوليد.

وأوقف الأشرف خليل بن قلاوون عدة قرى على قبر أبيه قلاوون في القاهرة (٢٣).

١٠

وأنتجت أراضي صفد أنواعا متعددة من المحاصيل الزراعية مما شهرت به بلاد الشام لا سيما السواحل المتوسطية من حبوب وخضار وزيتون وقطن وقصب سكر ، وتوزعت هذه المزروعات على المناطق متأثرة بالتربة والمناخ والتضاريس.

ويبدو أن الحبوب من قمح وشعير وقطاني (عدس وحمص وكرسنة) قد زرعت في جميع المناطق ، وأن القمح والشعير كانا أهم محاصيل نيابة صفد ، فالقمح هو مادة التموين الرئيسة والشعير أساسي في أعلاف الحيوانات (٢٤).

وقد زرعت بعض أراضي نيابة صفد بالرز خاصة في المناطق التي وقعت بين الحولة وطبرية مع سهل الحولة نفسه وقرب قناة صور ، وكان رز صفد يصدر إلى دمشق. وزرع القطن في مرج بني عامر ، وفي ساحل عكا ، وفي بر صفد ، وشهر قطن صفد بجودته (٢٥).

ووجدت مزارع لقصب السكر في ساحل عكا وساحل صور ، وشهرة عكا قديمة في إنتاج السكر مع جودة هذا السكر (٢٦). وشهرت أراضي نيابة صفد بزراعة الزيتون بشكل مكثف في الجليل والساحل (٢٧). وأنتجت نيابة صفد مختلف أنواع الفواكه والخضراوات والورد والرياحين التي أنتجتها بلاد الشام ، وكان من بين الفواكه : التين والعنب والرمان والقراصيا والبطيخ والبرقوق والمشمش والدراقن والتوت والتفاح والكمثرى والسفرجل والجوز واللوز والبندق والإجاص والعناب والزعرور والأترج والليمون والكباد والنارنج والموز ، ومن الرياحين الآس والورد والنرجس والبنفسج والياسمين (٢٨).

وكانت بعض هذه المنتجات تصنّع ، مثل استخراج الزيت من الزيتون وصنع الدبس وماء الورد والزهر مع تصنيع بعض الفواكه والاستفادة

١١

من القطن في صناعة النسيج. ولم تقتصر صناعة النسيج على القطن وقد كانت هنالك الأصواف ، وكان الكتان يزرع أيضا في الجليل ، وكما أن سهل الحولة كان ينتج الحلفاء بكثرة ، وكانت تستخدم في صناعة الحصر.

وزرع بعض سكان المرتفعات الحشيشة واعتصروا مادتها وخزنوها لتباع كمادة مخدرة ، كما أن الثروة الحراجية كانت كبيرة في نيابة صفد في المناطق الساحلية (٢٩).

ويحدثنا النويري أن القاعدة في الزراعة «بسائر بلاد الشام أن كل فلاح يقسم الأراضي التي بيده إلى شطرين ، فيزرع شطرا ويريح شطرا ويتعاهده بالحرث لتقرع الشمس باطن الأرض ، ثم يزرعه في القابل ، ويريح الشطر الذي كان به الزرع ، هذا دأبهم خلافا لأراضي الديار المصرية فإنها تزرع كل سنة» وكانت غالبية الزراعات بعلية وأقلها هو الذي اعتمد على السقي وكان الزرع في نيابات الشام إما «شتويا أو صيفيا ، ويعنون بالشتوي القمح والشعير والشوفان والفول والحمص والعدس والكرسنة والجلبان والبستيلة وهي التي تسمى بمصر البسلي وبالساحل الطرابلسي الحلبة ، ويعنون بالصيفي : الذرة والدخن والسمسم والأرز والحبة السوداء ، والكسبرة والمقاثي (القثاء) والوسمة (ورق النيل للصباغة) والقرطم (حب العصفر) والقطن والقنب» (٣٠).

وكان وكلاء المقطعين يخرجون نحو الحقول والمزارع مع اقتراب نضوج المحصولات «فيحفظون الزراعة من التطرف إلى شيء منها ، ويلازمونها إلى أن تحصد وتنقل إلى البيادر ، فعند ذلك يخرج الأمر بحفظ ما يصل إلى البيادر ، ويأخذون في الدراس». ويتبع ذلك التذرية ثم قسمة الغلال ، وتتم القسمة إما «مناصفة ، وذلك في أراضي السقي ، ومثالثة ومرابعة ، وهو في غالب البلاد ، ومخامسة ومسادسة وذلك في المزارع والنواحي الخالية من السكان التي يزرعها المستكرون ، ومسابعة

١٢

ومثامنة ، وذلك في النواحي المجاورة لسواحل البحر».

ويعني هذا أن حصة الفلاح الرسمية تراوحت بين نصف المحصول إلى ثمنه وغالبا ما كانت ربعه ، لكن هذا كان نظريا فقط. فقد جرت العادة على مشاطرة الفلاح بحصته بحجة تقصيره في زراعة بعض أجزاء الأراضي وتبويره لها ، وإثر ذلك يؤخذ مما بقي له عشره كصدقة ، وبعد هذا كله يستوفى منه ما تراكم عليه من ديون سالفة ، مما يفيد بالمحصلة أن الفلاح كان يحصل على نسبة ضئيلة جدا من الغلال (٣١). ويدل هذا على أن أحوال الفلاحين كانت في غاية السوء ، وقد دفع سوء الحالة هذه الفلاحين إلى الهرب من القرى والمزارع ، والهجرة إلى المدن ، مما نجم عنه نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة جدا.

وأتى القلقشندي على ذكر المواشي في بلاد الشام ، فعدد «الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير» كما أشار إلى الوحوش فسمى «الغزلان والأرانب والأسود وكثيرا من أنواع الوحوش المختلفة» وقال : «وأما طيوره [الشام] ففيه الإوز والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع» (٣٢).

وهنالك من الأخبار ما يشير إلى وجود الإبل في نيابة صفد عند بعض أمراء الدولة وعند القبائل البدوية (العشير) ، كما أنه كثرت تربية البقر والجواميس في المناطق الساحلية ، أما تربية الأغنام فقد انتشرت في غالبية المناطق ، وملكت نيابة صفد ثروة سمكية جيدة من البحر المتوسط والبحيرات والمياه الداخلية (٣٣).

ووجدت في بعض مدن نيابة صفد صناعات لنسج الحرير والأصواف والكتان ، مع بعض الصناعات الأخرى ، مثل اللباد وسروج الخيل ، كما توفرت الطواحين التي أديرت بقوة الماء (٣٤).

وكانت عكا مقر مملكة القدس اللاتينية الثانية ولذلك كانت نشطة تجاريا إلى أوسع الحدود ، لكن السلطان الأشرف خليل أمر بهدمها إثر

١٣

تحريرها ، ولا شك أن هذا أوقف نشاطها البحري والتجاري الخارجي ، على أنه يبدو أن عكا استردت نشاطها وغدت ميناء نيابة صفد في القرن الثامن ه / الرابع عشر م ، «يقصدها تجار لفرنج بالبضائع ، ويأخذون منها القطن ، وتضمن بخمسين ألف درهم» (٣٥).

وقد كان هنالك حركة تجارية بين نيابة صفد ودمشق ، ولذلك توفرت بعض الخانات على الطرق الواصلة بينهما. وتوفرت الأسواق داخل صفد وفي بعض القرى والبقاع لتوفير الحاجيات والسلع لسكان النيابة ، إنما من الصعب الحديث عن أنواع التجارات وحجمها وكميات الأموال (٣٦).

وكانت نيابة صفد أول نيابة أنشئت في فلسطين لتأدية أغراض عسكرية وأمنية ولذلك أقيمت فيها جميع الوظائف التي عرفتها الإدارات المملوكية في النيابات وكان هيكلها الاداري مثله من النواحي العسكرية والمدنية مثل هياكل إدارات نيابة دمشق وحلب والكرك وطرابلس وحماة ، والخلاف فقط تعلق بالإدارات الدينية ، وهذا ما يلاحظه الانسان لدى دراسته للأوضاع الادارية في نيابة القدس.

وسلف أن نقلنا في مطلع هذا الفصل عن ابن شداد أن الظاهر بيبرس أحدث مع انشاء نيابة صفد ثلاث وظائف هي : النائب ، والوالي ، ووالي القلعة ، وكانت هذه الوظائف هي محور العمل الإداري في كل نيابة.

والنيابة هي الوظيفة الأولى ، يمثل صاحبها السلطان ، ويكون مسؤولا عن شؤون الدولة وتصريف أمورها ، ويتم تعيين النائب من قبل السلطان بمرسوم (تقليد شريف) يصدر في القاهرة ، وكانت صلاحيات النائب شبه مطلقة.

وكان أول من تولى نيابة صفد الأمير عز الدين أيبك العلائي بعد تحرير صفد في ١٨ شوال ٦٦٤ ه‍ / ٢١ تموز / يوليو ١٢٦٦ م (٣٧) ، وقد

١٤

تقلب على النيابة منذ هذا التاريخ وحتى سنة ٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م ، تاريخ سقوط بلاد الشام للحكم العثماني ، أكثر من مئة وسبعة وعشرين نائبا ، ثلاثة عشر منهم مرتين وواحد ثلاث مرات واثنان أربع مرات. فخلال مدة قرنين ونصف القرن عاشتها نيابة صفد تم تغيير النواب فيها أكثر من مئة وستا وأربعين مرة ، ومرد هذا يعود إلى طبيعة السلطنة المملوكية بشكل عام ، وإلى ما شهدته من اضطراب مستمر وعدم استقرار ، وعلى هذا لم ترتبط أمور العزل والتعيين بالكفاءة والعجز بل ارتبطت بالتغيرات التي شهدها مركز الدولة ، فبعض الأمراء جرى تعيينهم للتخلص من معارضتهم للسلطان كالأمير سيف الدين الأبو بكري الذي رفض قبول هذا التعيين سنة ٧٣٢ ه‍ / ١٣٢٢ م (٣٨) ، والأمير أرغون شاه الذي بعث نائبا إلى صفد سنة ٧٤٧ ه‍ / ١٣٤٦ م لتعاليه على السلطان نفسه ، وتكبره على الأمراء ، وفحشه في مخاطبتهم ، وخشية من فتنة قد يحدثها في القاهرة (٣٩) ، والأمير أحمد الساقي الذي أبعد إلى نيابة صفد سنة ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٨ م لأنه كان صاحب فتن (٤٠).

وكان بعض الأمراء يرسلون نوابا إلى صفد غضبا عليهم لا خشية منهم مثل الأمير سيف الدين طغاي الخاصكي ، وكان ذا حظوة لدى السلطان الناصر محمد بن قلاوون فغضب عليه فنفاه نائبا إلى صفد سنة ٧١٨ ه‍ / ١٣١٨ م (٤١) ، والأمير الحاج آل ملك الذي كان نائبا للسلطنة في مصر ، فعزل وأرسل نائبا إلى دمشق ، وفي الطريق إليها لحقه أمر آخر بتعيينه نائبا لصفد ، وكان ذلك سنة ٧٤٦ ه‍ / ١٣٤٥ م (٤٢).

وجرى تعيين بعض النواب استرضاء لهم في بعض حالات العصيان ، ففي سنة ٨٦٥ ه‍ / ١٤٦١ م أقدم السلطان خشقدم على تعيين الأمير تمراز الأشرفي نائبا لصفد ذلك أنه اتفق مع الأمير جانم نائب دمشق على العصيان وحضر بالعساكر إلى مصر ، لذلك أرضي بنيابة صفد ، وبذلك أضعف السلطان حركة العصيان (٤٣).

١٥

وكان مما ابتليت به السلطنة المملوكية لا سيما في عقودها المتأخرة بيع المناصب والرشوة ، وشمل ذلك الوظائف العسكرية والإدارية والدينية.

فقد دفع مقبل الرومي سنة ٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٣ م مبلغ ٠٠٠ ، ١٢ دينار ثمن تولي نيابة صفد (٤٤). ودفع سنة ٨٩٢ ه‍ / ١٤٨٧ م بلبان الإينالي مبلغ ٠٠٠ ، ٢٠ دينار مقابل تولي نيابة صفد (٤٥). وبذل سنة ٩١٨ ه‍ / ١٥١٢ م الأمير طرباي مبالغ كبيرة للحصول على هذا المنصب (٤٦).

ومما يثير الدهشة أن شراء المناصب أخذ منذ أيام السلطان الصالح اسماعيل بن محمد قلاوون (٧٥٣ ـ ٧٥٥ ه‍ / ١٣٥٢ ـ ١٣٥٤ م) سمة قانونية في الدولة المملوكية حيث تأسس أيام هذا السلطان ديوان خاص عرف باسم ديوان البذل.

وازدادت مكانة هذا الديوان مع ازدياد الضائقة المالية لدى السلطنة ، وهو يدل على حالة التفكك والضعف التي آلت إليها أحوال دولة المماليك قبل سقوطها. هذا وإن في ضخامة المبالغ التي بذلت في سبيل منصب نيابة صفد ما يشير إلى أهميته وحساسيته (٤٧).

وكان نائب صفد يعتمد في دخله على ما كان يصله من الإقطاعات المخصصة لمنصبه ، وإذا لم يكفه ذلك ولم يف بحاجته كان يزاد من أموال الخاص السلطاني ، فهذا ما حدث سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م عندما زيد الأمير علم الدين سنجر الحموي ـ وعرف بأبي خرص ـ من الخاص السلطاني ، وتكرر في الأمر سنة ٧٣٧ ه‍ / ١٣٣٦ م عندما زيد الأمير طشتمر البدري الساقي ـ الملقب بحمص أخضر ـ من الخاص السلطاني (٤٨).

وعرف النظام المملوكي التدرج في الرتب العسكرية ، وكان أعلى الرتب إمرة مئة وتقدمة ألف ، وحامل هذه الرتب كان تحت إمرته مئة أمير وألف مقاتل ، وجرت العادة أن يتولى نيابة صفد من حمل هذه الرتبة العالية وكان آخر من وليها من مقدمي الألوف الأمير أزدمر المسرطن (٤٩).

١٦

ومر بنا أنه أحدث مع منصب النيابة منصب الولاية ، ومن المرجح أن النائب كان مسؤولا عن حكم النيابة جميعها ، لكن مسؤولية الوالي لم تتعد مدينة صفد ، وكان الذي يشغل هذا المنصب من العسكريين ذوي المراتب الدنيا وغالبا ما كان من أمراء العشرات. وعني الوالي بشؤون الأمن والإدارة ، وعندما غدت نيابة صفد تضم أكثر من مدينة ، وتتألف من عدة إدارات صار لكل إدارة واليها الخاص ، وعلى هذا تعدد الولاة في النيابة الواحدة (٥٠).

والإشارات التاريخية إلى الذين تولوا منصب ولاية مدينة صفد وغيرها من الولايات قليلة جدا ، وعلى العموم كان تعيين والي صفد يجري من قبل السلطان ، ففي سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٠ م نقل السلطان قلاوون الأمير سيف الدين بلبان الجوادي من ولاية مدينة صفد إلى «خزاندارية» قلعتها ، ونقل سنة ٦٧٩ ه‍ / ١٢٨١ م الأمير علم الدين سنجر الكرجي من نيابة القلعة إلى ولاية المدينة (٥١). ومثلما حصر السلطان بنفسه أمر تعيين ولاة مدينة صفد ونقلهم اندرج هذا على ولاة المناطق الإدارية التابعة للنيابة ، ففي سنة ٦٧٩ ه‍ / ١٢٨١ م ولى السلطان قلاوون الأمير بدر الدين بن درباس ولاية جينين ومرج ابن عامر ، وبعد تحرير عكا سنة ٦٩٠ ه‍ / ١٢٩١ م نقل السلطان الأشرف خليل الأمير سنجر الصوابي من ولاية صفد وعين بدلا عنه الأمير علم الدين أيدغدي الألدكزي (٥٢).

وكانت وظيفة نيابة قلعة صفد قد أحدثت مع تأسيس النيابة ، وهي نيابة مستقلة لا تخضع لصلاحيات نائب صفد ، بل تتبع السلطنة مباشرة.

وكانت الواجبات الملقاة على عاتق متوليها صيانة القلعة ، وحفظ الذخائر والأعتدة المخزونة فيها ، وعدم التصرف بها إلا بأمر السلطان بالذات ، وكان على نائب القلعة مراقبة نائب صفد وإخبار السلطان بحركاته ونواياه ، ومنعه من التمرد والاستقلال. وتمركز في القلعة عدد من الجند

١٧

كانوا تحت إمرة نائبها يتولون حمايتها ، كما حوت قلعة صفد جامعها الخاص ، وحوت سجنا كان يودع به كبار معارضي السلطنة ، ولم تكن قلعة صفد في القلعة الوحيدة في النيابة ، بل وجد إلى جانبها عدد من القلاع كان أهمها في الأراضي الفلسطينية قلعة قاقون (٥٣) ، التي شكلت الخط الدفاعي الأول عن صفد ، ضد مملكة عكا الصليبية.

ويلاحظ مستعرض تاريخ السلطنة المملوكية أن وظيفة أتابك قد شغلها الشخص التالي في المرتبة للسلطان ، وكانت هذه الوظيفة قد نشأت في العصر السلجوقي (٥٤) وتطورت لتعني في الدولة المملوكية قيادة العساكر السلطانية ، وقد عرفتها نيابة صفد ، إنما ليس بشكل دائم كما يبدو.

وكان من بين الذين شغلوا منصب الأتابك ومقدمية العساكر في نيابة صفد جمال الدين أيدغدي سنة ٦٨٨ ه‍ / ١٢٨٩ م ، والأمير غرس الدين خليل بن شاهين الشيخي سنة ٨٤٢ ه‍ / ١٤٣٩ م ، والأمير يشبك الفقيه سنة ٨٤٩ ه‍ / ١٤٤٦ م ، والأمير خاير بك النوروزي سنة ٨٥٨ ه‍ / ١٤٥٤ م ، والأمير جمال الدين يوسف بن يغمور ، والأمير قاني باي طاز في ستينات القرن التاسع ه / الخامس عشر م ، والأمير أزدمر الإبراهيمي الطويل سنة ٨٧٤ ه‍ / ١٤٧٠ م (٥٥).

وتمركز في نيابة صفد قوة عسكرية لم تكن بالكبيرة ، مهامها الأساسية الحفاظ على الأمن والدفاع قبل تحرير عكا ، وتوزعت هذه القوة بين القلاع والمدن ، وتألفت من نوعين من الجند هما : مماليك النائب والأمراء ، وشكلوا الحرس الخاص لكل منهم ، وكان عددهم ألفا. وأجناد الحلقة ، وهم فئة من الجند كانوا في البداية يشكلون جند السلطان المختارين ، ثم تطور الأمر بعد الظاهر بيبرس فصار اللفظ يدل على الجيش المملوكي عامة بعناصره المملوكية الأصل وغيرها ، وبلغ عدد هؤلاء في نيابة صفد ألفا أيضا (٥٦) ، وكان يلحق بهذين النوعين

١٨

من الجند القوات المساعدة أو الرديفة والمتطوعة ، وكانت هذه القوات تجند من قبل قبائل العرب والتركمان وقت الحاجة بشكل مؤقت لتأدية خدمات محددة (٥٧).

وعرفت نيابة صفد وظيفة الحجابة ، وكان صاحبها من حيث المبدأ من أمراء المئات ومقدمي الألوف ويساعده حاجبان كل واحد منهما برتبة «أمير عشرة» وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكبا غير النائب وغيره ، وهو نائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهم أو متصيد أو غير ذلك ، وإليه ترد المراسيم السلطانية ، بقبض نائب السلطنة إذا أراد السلطان القبض عليه ، ويكون هو المتصدي لحال البلد إلى أن يقام لها نائب (٥٨).

وممن تولى نائب الحجابة في صفد في النصف الأول من القرن الثامن ه / الرابع عشر م الأمير صارم الدين الصفدي ، والأمير بيبرس الذي تولاها مرتين أيام الناصر محمد بن قلاوون. وكان حاجب صفد سنة ٧٥٣ ه‍ / ١٣٥٢ م اسمه ناصر الدين بن محمد البخاتي وفي سنة ٨٠٤ ه‍ / ١٤٠١ م علاء الدين علي بن بهادر بن عبد الله الدواداري ، ومن سنة ٨١٢ ه‍ / ١٤١٠ م وحتى سنة ٨٢١ ه‍ / ١٤١٨ م شاهين بن عبد العزيز ، وفي سنة ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م خاير بك النوروزي وفي سنة ٨٨٢ ه‍ / ١٤٧٧ م محمود بن الدواداري (٥٩).

وقد تدل المعلومات المتوفرة حول هؤلاء الحجاب وبعد المدد التاريخية بين واحد وآخر أن شغل هذه الوظيفة لم يكن دائما في نيابة صفد.

وعرفت نيابة صفد وظائف عسكرية أخرى كان منها منصب الدوادار وتعني «ممسك الدواة» وأطلق على حامل دواة السلطان أو الأمير ، ويبدو أن هذه الوظيفة لم تملك سمة الديمومة في صفد ، وجاء في الأخبار فقط أنه في سنة ٧٥٣ ه‍ / ١٣٥٢ م كان اسم الدوادار شهاب الدين أحمد ، وفي سنة ٧٩١ ه‍ / ١٣٨٩ م كان يلبغا السالمي (٦٠).

١٩

ومنها منصب الخزندار وهو المسؤول عن خزائن قلعة صفد ومحتوياتها من أسلحة وأعتدة وغير ذلك ، ومثل الوظيفة السالفة يبدو أنها شغلت أحيانا فقط ، فالذي ذكرته المصادر هو أن السلطان قلاوون نقل سيف الدين بلبان الجوادي سنة ٦٧٨ ه‍ / ١٢٨٠ م من ولاية المدينة إلى خزندارية قلعة صفد.

وكان لنيابة صفد إدارتها المدنية أيضا ، وقد شغلها «أرباب الأقلام».

وتصدر هؤلاء «ناظر النظار» أو «ناظر المملكة» وكانت وظيفته الإشراف على جميع الدواوين ، ولذلك حمل لقب (وزير) أحيانا. وكان يعين من قبل السلطان ، وكانت مهامها استشارية أكثر منها تنفيذية ، تعتمد على قوة شخصية شاغل الوظيفة وحكمته وعمق تجربته ، وتولى هذه الوظيفة عماد الدين محمد بن النويري مرتين خلال العقد الثاني من القرن الثامن ه / الرابع عشر م وكريم الدين أكرم الصغير سنة ٧٢٣ ه‍ / ١٣٢٣ م (٦١).

وكان ديوان الإنشاء أهم دواوين الإدارة المدنية ، وقد تولاه موظف عرف باسم «كاتب السر». وكان يفترض فيه معرفة القرآن والحديث والسيرة والتاريخ والحكم والأمثال ، وأن يكون على درجة كبيرة من الفصاحة والبلاغة (٦٢). ومن الذين تولوا هذا الديوان في نيابة صفد : شهاب الدين أحمد بن غانم سنة ٧٠٠ ه‍ / ١٣٠٠ م ، والشيخ الزين بن العسال سنة ٨٢٥ ه‍ / ١٤٢١ م ، والشيخ جمال الدين الحسناوي سنة ٨٢٩ ه‍ / ١٤٢٥ م ، والقاضي جمال الدين الباعوني سنة ٨٣٨ ه‍ / ١٤٣٤ م (٦٣).

وكان من بين أهم الموظفين في هذا الديوان كتّاب الدرج (دست) أو الموقعون ، ولعل أشهر الذين تولوا هذا المنصب في أوائل القرن الثامن للهجرة / الرابع عشر للميلاد المؤرخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي.

وارتبط بديوان الإنشاء البريد ، وهو مرفق هام من مرافق الدولة ،

٢٠