العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٥

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي

العقد الثّمين في تاريخ البلد الأمين - ج ٥

المؤلف:

تقي الدين محمّد بن أحمد الحسني الفاسي المكّي


المحقق: محمّد عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-2553-2

الصفحات: ٤٩٤

على ولاية مكة مدة ، وفى مدة ولايته لمكة ، عمّر المسجد الذى أحرمت منه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ، بعد حجها مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا المسجد بالتّنعيم ، وهو المسجد الذى يقال له مسجد الهليلجة. وعمارته لهذا المسجد ، فى سنة تسع عشرة وستمائة ، وعمّر فى ولايته على مكة أو فيما بعدها ، الدّار التى يقال لها دار سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، فى الزقاق المعروف بزقاق الحجر ، وتاريخ عمارته لها فى المحرم سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، واستناب الملك المسعود نور الدين ، هذا على بلاد اليمن ، لما توجه منها قاصدا الديار المصرية ، فى نصف رمضان سنة عشرين وستمائة ، نيابة عامة ، خلا صنعاء ، فإنه استناب فيها بدر الدين حسن بن على بن رسول ، أخا نور الدين هذا ، وجرى بين نور الدين وبين مرغم الصوفى ، لما دعا إلى نفسه ، حرب ، غلبه فيه نور الدين ، ولما عاد الملك المسعود من الديار المصرية ، قبض على نور الدين فيما قيل ، وعلى أخيه حسن ، وأخيه فخر الدين أبى بكر ، وشرف الدين موسى ، تخوفا منهم ، لما ظهر منهم من النجابة فى غيبته ، فإن نور الدين غلب مرغما كما ذكرنا ، وبدر الدين غلب الشريف عز الدين محمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة ، وبعث بهم إلى الديار المصرية مستحفظا بهم ، خلا نور الدين ، فإنه على ما قيل أطلقه من يومه ، لأنه كان يأنس به كثيرا ، واستخلفه وجعله أتابك عسكره ، فلما عزم الملك المسعود على التوجّه من اليمن ، إلى الديار المصرية والشامية ، استناب نور الدين هذا مرة ثانية على جميع البلاد ، وقال له : إن متّ ، فأنت أولى بملك اليمن من إخوتى ، لخدمتك لى ونصحك لى ، وإن عشت فأنت على حالك ، وإياك أن تترك أحدا من أهلى يدخل اليمن ، ولو جاء الملك الكامل والدى مطويا فى كتاب. وسار الملك المسعود إلى مكة ، فمات بها.

فلما بلغ نور الدين خبر موته ، أضمر الاستقلال بملك اليمن ، وأظهر أنه نائب للملك المسعود ، ولم يغيّر سكّة ولا خطبة ، وجعل يولّى فى الحصون والمدن من يثق به ، ويعزل من يخشى منه خلافا ، ويعمل على من ظهر منه عصيان ، حتى يقتله أو يأسره ، ولما استوسق له الأمر فى البلاد التهامية ، واستقرت قواعده فيها ، قصد حصن تعز فحاصره حتى أجهد أهله ، بحيث إنهم ابتاعوا حنطة بثلاثين ألف دينار ملكية ، وذلك فى سنة ست وعشرين وستمائة.

وفى سنة سبع وعشرين ، تسلّم حصن التّعكر (١) وحصن خدد (٢) ، وتسلم صنعاء

__________________

(١) تعكر : بضم الكاف ، وراء : قلعة حصينة عظيمة مكينة باليمن من مخلاف جعفر مطلّة على ذى جبلة.

٣٦١

وأعمالها ، واستناب بها ابن أخيه أسد الدين محمد بن الأمير بدر الدين حسن ، ثم سلم إليه الأمير نجم الدين أحمد بن زكى ، براش ، لما اضطرب أمره ، حين حاصره فيها نور الدين.

فلما كان سنة تسع وعشرين وستمائة ، دعا نور الدين إلى نفسه ، وأمره بالخطبة له والسّكّة ، وقيل إن ذلك كان فى سنة ثلاثين.

وفى سنة إحدى وثلاثين ، بعث إلى الخليفة المستنصر العباسى ، والد الخليفة المستعصم أبى أحمد عبد الله ، خاتمة خلفاء بنى العباس ، الذى يترّحم عليه خطباء اليمن على منابرهم ، هدية عظيمة وسأله أن يقلده بلاد اليمن ، ويكتب له بذلك ، ويرسل به إليه تقليدا وخلعة ، فعاد إليه الجواب ، بأن التشريف والتقليد ، يصل إليه فى عرفة ، فخرج من اليمن على النّجب يريد الحج ، فحجّ ، فلم يصله شىء ، ورجع إلى اليمن ، وهو متغير من راجح بن قتادة ، لكونه لم يواجهه لما حج وفر منه.

ولما وصل إلى اليمن ، وصله ما طلبه من الخليفة ، فى سنة اثنتين وثلاثين فى البحر على طريق البصرة ، مع رجل يقال له معالى ، والسلطان نور الدين فى الجند ، فصعد الرسول المنبر ، وقال : يا نور الدين! الديوان السعيد يقريك السّلام ، ويقول : قد تصدّقنا عليك باليمن ، وألبسه الخلعة على المنبر.

ولم يزل نور الدين يستزيد فى الولايات ، حتى ملك من عدن إلى عيذاب ، وكان المقوّى له على طلب السلطنة ، إشارات من صاحبى عواجة ، الشيخ البجلى والفقيه الحكمىّ ، ومنامات رآها ، منها المنام الذى أشرنا إليه ، وجرى بينه وبين الملك الكامل ، والد الملك المسعود حروب بسبب مكة ، وجرى ذلك بينه وبين الملك الصالح ، بن الملك الكامل أخى الملك المسعود.

وأوّل ملكه لمكة ، فى سنة تسع وعشرين وستمائة ، وذلك أنه بعث فى هذه السنة إلى مكة ، أميرا يقال له ابن عبدان ، مع الشريف راجح بن قتادة ، وبعث معهما خزانة كبيرة ، فنزلوا الأبطح وحصروا الأمير الذى بمكة من جهة الملك الكامل ، وكان يقال له ظغتكين ، وأرسل الشريف راجح بن قتادة إلى من مع طغتكين ، وذكرهم إحسان نور الدين إليهم ، أيام ولايته على مكة ، نيابة عن الملك المسعود ، فمال إليه رؤساؤهم ، فلما أحسن بذلك طغتكين ، هرب إلى ينبع ، وعرف الملك الكامل الخبر ، فجهز جيشا كثيفا

__________________

(٢) خدد : حصن فى مخلاف جعفر باليمن.

٣٦٢

من مصر ، وأمر الشريف أبا سعد صاحب ينبع ، والشريف شيحة أمير المدينة ، أن يكونا مع عسكره ، ففعلا.

فلما وصل العسكر إلى مكة ، قاتلوا راجحا وابن عبدان ، فقتل ابن عبدان ، وانكسر أهل مكة ، واستولى عليها طغتكين ، وأظهر حقده فى أهلها.

فلما كانت سنة إحدى وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين ، عسكرا جرارا وخزانة عظيمة ، إلى راجح بن قتادة ، فنهض راجح بمن معه من العسكر المنصورى ، وأخرجوا من بمكة من عسكر صاحب مصر.

فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين بخزانة كبيرة ، إلى راجح بن قتادة ، على يد ابن النصيرى ، وأمره باستخدام الجند ، ليمنعوا العسكر المصرى الواصل إلى مكة من دخولها ، فوصل ابن النصيرى إلى راجح ، فى وقت لم يمكنه فيه استخدام من يقوى به على مقاومة العسكر المصرى ، وكان العسكر المصرى خمسمائة فارس ، فيه خمسة من الأمراء ، مقدمهم الأمير جفريل ، ففر راجح وابن النصيرى إلى اليمن.

فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين ، أرسل السلطان نور الدين عسكرا ، مقدمه الشهاب ابن عبدان ، ومعه خزانة إلى راجح ، ليستخدم بها عسكرا ، ففعل. فلما صاروا قريبا من مكة ، جهز إليهم العسكر المصرى ، فالتقوا بمكان يقال له الخريقين ، بين مكة والسّرّين ، فانهزمت الأعراب ، وأسر ابن عبدان ، وبعث به جفريل إلى الديار المصرية مقيدا.

فلما كانت سنة خمس وثلاثين ، توجه السلطان نور الدين إلى مكة فى ألف فارس ، وأطلق لكل جندى يصل إليه من أهل مصر المقيمين بمكة ، ألف دينار وحصانا وكسوة ، فمال إليه كثير من الجند ، فأرسل إليه راجح بن قتادة ، فواجهه فى أثناء الطريق ، وحمل إلى راجح النقّارات والكؤوسات ، واستخدم من أصحابه ثلاثمائة فارس ، وسار راجح مسايرا للسلطان على الساحل ، ثم تقدم إلى مكة ، فلما تحقق جفريل وصول الملك المنصور ، أحرق ما كان معه من الأثقال ، وتقدم إلى الديار المصرية ، فبعث راجح إلى السلطان يخبره الخبر وهو بالسّرّين ، فبشره بذلك ، فقال له السلطان : من أين جئت؟ قال : من مكة ، قال : ومتى خرجت من مكة؟ قال : أمس العصر ، قال له : ما أمارة ذلك؟ قال : هذا كتاب من الشريف راجح ، فكثر تعجب السلطان من سرعة سيره ، وأمر السلطان الأمراء والمماليك ، أن يخلعوا عليه ما كان عليهم من الثياب ، فخلعوا عليه ما أثقله. وسار السلطان من فوره إلى مكة ، فدخلها معتمرا فى شهر رجب ، وتصدق فى مكة

٣٦٣

بأموال جزيلة ، وأنفق على عساكره ، وجعل فيها رتبة مائة وخمسين فارسا ، وجعل عليهم ابن الوليدى وابن التعزى ، وفى هذه الوقعة يقول الأديب جمال الدين محمد بن حمير يمدح الملك المنصور بقصيدة ، منها [من البسيط] :

من ذا يلوم أميرا فرّ من ملك

لا ذاك ذاك ولا كالخنصر العضد

ولم يزل عسكر المنصور بمكة ، حتى خرجوا منها فى سنة سبع وثلاثين ، لما وصل الأمير شيحة صاحب المدينة إلى مكة ، فى ألف فارس ، من جهة صاحب مصر.

ثم إن السلطان نور الدين ، جهّز ابن النصيرى والشريف راجحا إلى مكة فى عسكر جرار ، فلما سمع بهم شيحة وأصحابه ، خرجوا من مكة هاربين ، فتوجّه شيحة إلى مصر قاصدا صاحبها الملك الصالح نجم الدين أيوب ، فجهز معه عسكرا ، فوصلوا إلى مكة فى سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وحجّوا بالناس.

فلما كانت سنة تسع وثلاثين ، جهّز السلطان نور الدين جيشا كثيفا إلى مكة ، فلما علم بهم العسكر المصرى الذى بمكة ، كتبوا إلى ملكهم صاحب مصر ، يطلبون منه نجدة ، فأرسل إليهم مبارز الدين على بن الحسين بن برطاس ، وابن التركمانى ، فى مائة وخمسين فارسا ، فلما علم بذلك عسكر صاحب اليمن ، عرفوه الخبر ، وأقاموا بالسرين ، فتجهز السلطان بنفسه إلى مكة ، فى عسكر جرار ، فلما علم المصريون بقدومه ، خرجوا هاربين ، وأحرقوا ما فى دار السلطنة بمكة ، فدخلها السلطان نور الدين ، وصام بها شهر رمضان ، وأرسل السلطان نور الدين إلى أبى سعد صاحب ينبع ، فلما أتاه أكرمه وأنعم عليه واستخدمه ، واشترى منه قلعة ينبع ، وأمر بخرابها ، حتى لا تبقى قرارا للمصريين ، وأبطل السلطان نور الدين من مكة سائر المكوسات والجبايات والمظالم ، وكتب بذلك مربّعة ، وجعلت قبالة الحجر الأسود ، ورتّب فى مكة مملوكه الأمير فخر الدين الشلاح وابن فيروز ، وجعل الشريف أبا سعد بالوادى مساعدا لعسكره الذين بمكة ولم تزل مكة فى ولاية الملك المنصور ، وبها نوابه حتى مات ، إلا أن الشريف أبا سعد ، تغلب على نائبه ابن المسيب ، الذى ولى مكة بعد الشلاح ، وأظهر أبو سعد أنه إنما تغلب على ابن المسيب ، لما رأى منه من الخلاف فى حق الملك المنصور.

وممّا صنعه الملك المنصور من المآثر بمكة : أنه أرسل بقناديل من الذهب والفضة للكعبة ، فى سنة اثنتين وثلاثين ، على يد ابن النصيرى ، وعلق القناديل فيها ، وعمر بها المدرسة التى له بالجانب الغربى من المسجد الحرام ، ملاصقة لمدرسة الزنجيلى ، وتاريخ عمارتها سنة إحدى وأربعين وستمائة.

٣٦٤

وذكر الجندى : أن ملوك الأرض غبطوه على هذه المدرسة. وله مدارس أخر باليمن ، منها مدرستان أنشأهما بمغربة تعز : الوزيرية ، والغرابية ـ فالوزيرية سميت بمدرس كان بها ، يقال له الوزيرى ، والغرابية سميت بمؤذن كان بها يقال له الغراب ـ ومدرسة بعدن.

وأما المساجد ، فلا تكاد تحصى على ما قيل ، وكان فى بدايته حنفى المذهب ، ثم صار شافعيّا. وسبب انتقاله إلى مذهب الشافعى على ما قيل ، أنه رأى النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : يا عمر! صر إلى مذهب الشافعى ، أو كما قال. فأصبح ينظر فى كتب الشافعى ويعتمد مذهبه ، وكان ذا هيبة ، شجاعة وإقدام وحزم وعزم ، دانت له البلاد والعباد ، وأدرك فى نفسه المراد.

وقضى الله له بالشهادة ، وذلك أنه توفى مقتولا فى ليلة السبت ، تاسع ذى القعدة ، سنة سبع وأربعين وستمائة بقصر الجند ، قتله مماليكه بتشجيع ابن أخيه الأمير أسد الدين محمد بن الحسن فيما قيل : لكون عمه أراد عزله من صنعاء ، وكانت إقطاعه ، ليولّيها الملك المنصور لابنه الملك المظفر يوسف.

وأخباره كثيرة ، وسيرته شهيرة ، وقد أتينا على عيون منها كافية ، ونسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير وعافية ، ولا منافاة بين نسبته إلى غسّان ، ونسبته إلى التركمان ، لأنه يجوز أن يكون أحد أجداده ، نزل فى بلاد التركمان ، فنسب إليهم ، وسرت هذه النسبة إلى أولاده من بعده ، والله أعلم.

٢١٨٦ ـ عمر بن على بن عمر الهيثمى السحولى :

نزيل مكة. سمع بمكة على الآقشهرى : الموطأ ، رواية يحيى بن يحيى ، بقراءة إبراهيم بن يونس البعلبكّىّ ، فى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وكان صالحا خيرا ، جاور بمكة سنين ، وتزوج فى مكة بامرأة من أهلها ، يقال لها عائشة [.....](١) الزاهدية ، فولدت له شيخنا أبا الطيب محمد بن عمر السحولى السابق ذكره وخبره ، وكان جدّى القاضى أبو الفضل يشكره لمرافقته له فى رحلته ، وكانت رحلة القاضى أبى الفضل من مكة فى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة ، وغاب عنها سنة أربعين وسبعمائة ، فاستفدنا من هذا حياة عمر فى هذا التاريخ ، وأظنّه مات بعد ذلك بكثير ، والله أعلم ، وبلغنى أنه توفى باليمن.

__________________

٢١٨٦ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

٣٦٥

٢١٨٧ ـ عمر بن على بن مرشد بن على الحموىّ الأصل ، المصرى المولد والدار ، أبو حفص ، ويقال أبو القاسم ، بن أبى الحسن شرف الدين المعروف بابن الفارض ، الشاعر المشهور الملقب بسلطان العشاق :

ذكره ابن مسدى فى معجمه ، وقال : برع فى الأدب ، وكان فصيح العبارة ، دقيق الإشارة ، وقد سمع من أبى محمد القاسم بن على بن عساكر وغيره ، وحدث. سألته عن مولده ، فقال : فى ذى القعدة من سنة ست وستين وخمسمائة بالمعزية ، وتوفى رحمه‌الله بها فى يوم الثلاثاء الثامن من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، وقد جاور بمكة مدة ، ورجع فانقطع بالجامع الأزهر ، وهناك سمعت شيئا عليه من روايته وشعره ، قال : وكان أبوه فارضا على يدى الحاكم بمصر ، من أهل العلم والطب.

وذكره الرشيد العطار فى مشخته ، وقال : يعرف بابن المفرّض هكذا ، والفارض أصح ، كان حسن النظم متوقد الخاطر ، وكان يسلك طريق التصوف ، وينتحل مذهب الشافعى ، والأصل فيه من حماة ، أقام بمكة مدة ، وصاحب جماعة من المشايخ ، ثم عاد إلى بلده وأقام بها إلى أن مات.

وذكره الشيخ عبد الله اليافعى فى تاريخه ، وذكر له حكاية بليغة فى مبدأ حاله ، منها أنه وصل إلى مكة فى الحال مع بعض المشايخ وأقام بها اثنتى عشرة سنة ، وفتح عليه ، ونظم فيها ديوانه المشهور.

ثم قال : ومن المشهور أنه وقع للشيخ الدين السّهروردىّ قبض فى بعض حجّاته ، فخطر بقلبه : ترى هل ذكرت فى هذا الموسم؟ فسمع قائلا يقول : من فطيمة فى سوق الغزل!. فأتى إليه الشيخ شرف الدين بن الفارض المذكور فأنشده ، وقيل إن الشيخ شهاب الدين ، استنشده من قريضه قصيدة ، فأنشده قصيدة مفتتحها [من البسيط](١) :

__________________

٢١٨٧ ـ انظر ترجمته فى : (تكملة المنذرى ٣ / ٢٥٨٦ ، تكملة ابن الصابونى ٢٧٠ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٤ ـ ٤٥٦ ، مختصر أبى الفداء ٣ / ١٦٤ ، تاريخ الإسلام للذهبى ١٢٣ ـ ١٢٤ ، العبر ٥ / ١٢٩ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٦٦ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٤٣ ، لسان الميزان ٤ / ٣١٧ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، حسن المحاضرة ١ / ٢٤٦ ، مجالس المؤمنين للشوشترى ٢ / ٥٦ ـ ٥٧ ، شذرات الذهب ٥ / ١٤٩ ـ ١٥٣ ، روضات الجنات للخونسارى ٥٠٥ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٦٨).

(١) ديوان ابن الفارض ١٤٤.

٣٦٦

ما بين معترك الأحداق والمهج

أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج

ثم استمر فى إنشادها إلى أن قال [من البسيط](٢) :

أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه

قول المبشّر بعد اليأس بالفرج

لك البشارة فاخلع ما عليك لقد

ذكرت ثمّ على ما فيك من عوج

فقام الشيخ شهاب الدين ، وتواجد هو ومن عنده من شيوخ الوقت الحاضرين ، وكان المجلس عامرا ، شيوخ أجلاء وسادة من الأولياء ، فخلع عليه هو والحاضرون ، فبلغ أربعمائة خلعة. انتهى.

وذكره الذهبى فى الميزان ، وقال : ينعق بالاتحاد الصريح فى شعره ، وهذه بلية عظيمة ، فتدبّر نظمه ولا تستعجل ، ولكنك حسن الظن بالصوفية ، وما ثم إلا زىّ الصوفية ، وإشارات مجملة ، وتحت الزى والعبارة ، فلسفة وأفاعى ، فقد نصحتك ، والله الموعد. انتهى.

وذكره فى العبر فقال : حجّة أهل الوحدة ، وحامل لواء الشعراء. وسئل عنه شيخنا العلامة المحقق الحافظ أبو زرعة أحمد بن الحافظ زين الدين بن الحسين العراقى ، فقال : وأما ابن الفارض ، فالاتحاد فى شعره ظاهر ، وأمرنا أن نحكم بالظاهر ، وإنما يؤوّل كلام المعصومين. انتهى باختصار.

وسئل عنه شيخنا الإمام الأصولى البارع ، ولىّ الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمى المالكى ، قاضى المالكية بالقاهرة ، عن ابن عربى الصوفى السّابق ذكره ، فذكر من حاله أشياء ، واستطرد فى كلامه إلى ابن الفارض هذا ، لأنه قال فيما أنبأنا به ، إذنا مشافهة : وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة ، وما يوجد من نسخها بأيدى الناس ، مثل الفصوص ، والفتوحات لابن عربى ، والبدّ لابن سبعين ، وخلع النعلين لابن قسىّ ، وعين اليقين لابن برّجان ، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض ، والعفيف التلمسانى وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب ، وكذا شرح ابن الفرغانى للقصيدة التائية ، من نظم ابن الفارض ، فالحكم فى هذه الكتب كلها وأمثالها ، إذهاب أعيانها متى وجدت ، بالتحريق بالنار والغسل بالماء ، حتى ينمحى أثر الكتابة ، لما فى ذلك من المصلحة العامة فى الدين ، بمحو العقائد المضلة. إلى آخر كلامه السابق فى ترجمة ابن عربى.

__________________

(٢) ديوان ابن الفارض ١٤٧.

٣٦٧

أنشدنا الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن إسماعيل الطبرى ، إذنا عن قريبه الإمام رضىّ الدين أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبرى ، قال : أنشدنا الحافظ محمد ابن يوسف بن مسدىّ ، إجازة ، إن لم يكن سماعا ، قال : أنشدنا أبو القاسم المفرض لنفسه [من الطويل](٣) :

أخذتم فؤادى وهو بعضى فما الذى

يضرّكم لو كان عندكم الكلّ

وماذا عسى عنّى يقال سوى غدا

بنعم له شغل نعم لى بها شغل

إذا أنعمت نعم علىّ بنظرة

فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل

ومن لم يجد فى حبّ نعمى بنفسه

وإن جاد بالدنيا إليه انتهى البخل

ومن هذه القصيدة مما لم يروه ، وهو (٤) :

فإن شئت أن تحيى سعيدا فمت به

شهيدا وإلا فالغرام له أهل

فمن لم يمت فى حبه لم يعش به

ودون اجتناء النّحل ما جنت النّحل

ومنها وما أحسنه :

نصحتك علما بالهوى والذى أرى

مخالفتى فاختر لنفسك ما يحلو

٢١٨٨ ـ عمر بن قيس المكىّ ، ويعرف بسندل أخو حميد بن قيس القارى :

روى عن عطاء بن أبى رباح ، وعمرو بن دينار ، والزهرى ، ونافع ، ومولى عمر ، وطائفة.

روى عنه ابن عيينة ، وابن وهب ، ومحمد بن بكر البرسانى ، وآخرون ، منهم : الأوزاعى ، وهو من أقرانه ، وعمرو بن قيس الرازى.

روى له ابن ماجة (١).

__________________

(٣) ديوان ابن الفارض ١٣٤.

(٤) ديوان ابن الفارض ١٣٤.

٢١٨٨ ـ انظر ترجمته فى : (تهذيب التهذيب ٧ / ٤٩٠).

(١) ثلاثة أحاديث : الأول : فى كتاب إقامة الصلاة ، حديث رقم (١٢٢٢) من طريق : عمر ابن شبة بن عبيدة بن زيد حدثنا عمر بن على المقدمى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا صلى أحدكم فأحدث فليمسك على أنفه ثم لينصرف. حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا عمر بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه.

الثانى : فى كتاب المناسك ، حديث رقم (٢٩٨٩) من طريق : هشام بن عمار حدثنا ـ

٣٦٨

ضعفه ابن معين وغيره. وقال أحمد والنسائى : متروك. وقال البخارى : منكر الحديث.

٢١٨٩ ـ عمر بن أبى ليلى المكى :

يروى عن محمد بن كعب. روى عنه أهل الحجاز. ذكره ابن حبّان هكذا فى الطبقة الثالثة من الثقات.

٢١٩٠ ـ عمر بن محمد بن أحمد بن منصور ، بهاء الدين الهندى الحنفى :

نزيل الحرم النبوى. كان عالما بالفقه والأصول والعربية ، مع حلم وأدب ، وعقل راجح وحسن خلق ، جاور بالمدينة مدّة ، وحجّ فى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، فسقط عن مركوبه إلى الأرض ، فيبست أعضاؤه وبطلت حركته ، وحمل إلى مكة ، وتأخر عن الحج ، ولم يقم بعده إلا قليلا ، وانتقل إلى رحمه‌الله تعالى.

ذكره ابن فرحون فى كتابه «نصيحة المشاور». ومنه لخصت هذه الترجمة ، إلا أنه لم يقل: وسبعمائة ، بعد سنة ثمان وخمسين ، ولابدّ من ذلك ، وإنما تركه لوضوحه فى كتابه.

٢١٩١ ـ عمر بن محمد بن أبى بكر بن على بن يوسف الأنصارى الذّروىّ الأصل ، المكىّ المرشدىّ المعروف بابن الجمال المصرى ، يلقب بالشجاع :

عنى بالعلم قليلا وبالتجارة ، وسافر لأجلها إلى بلاد شتّى ، وكان ينسخ ، وليس بخطه بأس ، وتردّد إلى مكة للحج والتجارة غير مرّة ، منها فى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ، وكان قد أودع شيئا من دنياه مع بعض المسافرين ، ففات غرقا ، فعظم أسفه عليه ، وتعلّل لأجل ذلك ، حتى مات فى يوم الخميس السابع والعشرين من ذى الحجة ، من سنة ثلاث

__________________

ـ الحسن بن يحيى الخشنى حدثنا عمر بن قيس أخبرنى طلحة بن يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : الحج جهاد والعمرة تطوع.

الثالث : فى كتاب الأطعمة ، حديث رقم (٣٢٦٩) من طريق : محمد بن أبى عمر العدنى حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها ، قال سفيان : سمعت عمر بن قيس يسأل عمرو بن دينار أرأيت حديث عطاء لا يمسح أحدكم يده حتى يلعقها أو يلعقها عمن هو؟ قال : عن ابن عباس ، قال : فإنه حدثناه عن جابر قال : حفظناه من عطاء عن ابن عباس قبل أن يقدم جابر علينا وإنما لقى عطاء جابرا فى سنة جاور فيها بمكة.

٢١٨٩ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٦ / ١٣١).

٢١٩١ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٦ / ١١٧).

٣٦٩

وعشرين وثمانمائة بمكة المشرفة ، ودفن بالمعلاة ، وهو فى عشر الأربعين أو بلغها.

٢١٩٢ ـ عمر بن محمد بن أبى بكر بن ناصر بن أحمد العبدرى الشيبى الحجبى المكى ، يلقب بالسراج :

إمام الحنفية بمكة ، ولى ذلك بعد أبى الفتح الحنفى ، فى سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، حتى مات فى آخر ذى القعدة سنة تسع وسبعين وسبعمائة بخليص ، وهو قادم إلى مكة ، فحمل إلى مكة صحبة الرّكب ، ودفن بالمعلاة عند والده ، فى العشر الأول من ذى الحجة ، وولى الإمامة بعده الشيخ شمس الدين محمد الخوارزمى ، المعروف بالمعيد ، السابق ذكره ، وكان قرأ على المعيد فى العربيّة ، وعلى الشيخ ضياء الدين الهندى فى الفقه ، وسمع من الشيخ خليل ، ومولده فى أوائل جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وصاهر القاضى شهاب الدين بن ظهيرة ، على ابنته أم الحسين.

٢١٩٣ ـ عمر بن محمد بن على بن عطية ، يكنى أبا حفص بن أبى طالب المكى :

ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد ، وقال : سمع أباه ، وأبا حفص عمر بن شاهين ، ويوسف بن القواس ، كتبت عنه وكان صدوقا ، سكن ناحية باب الطاق ، سألته عن مولده فقال : فى سنة ست وستين ، وثلاثمائة ، ومات فى شهر ربيع الآخر ، سنة خمس وأربعين وأربعمائة. انتهى.

٢١٩٤ ـ عمر بن محمد بن على بن فتّوح ، سراج الدين أبو حفص الشافعى المقرى الدمنهورى :

نزيل مكة. سمع من الشريف موسى بن على بن أبى طالب الموسوى : الموطأ ، رواية يحيى بن بكير ، وعلى أبى العباس الحجّار ، ووزيرة بنت المنجّا : صحيح البخارى ، وعلى حسن بن عمر بن على الكردى : مسند الدارمى ، وعلى جماعة بالقاهرة وبدمشق ، على النجم محمد بن محمد بن عبد القاهر العسقلانى : الموطأ ، رواية يحيى بن أبى مصعب ، وعلى جماعة بدمشق وبمكة ، على الرضى الطبرى : صحيح ابن حبان ، وتفقه على جماعة ، منهم العلامة نور الدين على بن يعقوب البكرى.

وأذن له فى الإفتاء جماعة من الأكابر ، آخرهم العلامة شمس الدين الأصفهانى ، وقرأ

__________________

٢١٩٣ ـ انظر ترجمته فى : (تاريخ بغداد ١١ / ٢٧٥).

٢١٩٤ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات القراء لابن الجزرى ١ / ٥٩٧).

٣٧٠

على قاضى القضاة علاء الدين القونوىّ : مختصر ابن الحاجب ، وعلى قاضى القضاة جلال الدين القزوينى : التلخيص فى علم المعانى والبيان ، وصحبه مدة ، واستفاد منه وعظم به ، وأخذ العربية عن الإمام شرف الدين محمد بن على الحسنى الشاذلى ، وأقرأ القراءات على شمس الدين بن الشوّاء ، ثم قرأ أيضا على التقى الصايغ وغيره ، وحدث وأفتى ودرّس وأقرأ ، وانتفع به جماعة ، وجاور بمكة مدة ، وتأهّل فيها إلى أن مات بها ، فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، ودفن بالمعلاة. ومولده بعد الثمانين وستمائة.

نقلت مولده ووفاته وشيوخه فى العلم ، من ذيل طبقات القراء للذهبى ، الظاهر أنه من إملاء العفيف المطرى ، وقال : أقرأ القراءات ، بالحرمين الشريفين وأفاد ، وكان ضنينا بعلمه ، وخلّف جملة من الكتب والدنيا ، ولم يعمل فيها خيرا ، وهلكت بعده ، [فلم](١) ينتفع به ولا بها ، سامحه الله وغفر له.

وهكذا ذكر وفاته شيخنا ابن سكر فيما وجدت بخطه ، وذكر أنه توفى فى يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المذكور ، أعنى شهر ربيع الأول ، ودفن فى عصر يومه بالمعلاة ، قريبا من الفضيل بن عياض ، وذكر شيخنا الحافظ العراقى ، أنه توفى فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بمكة ، وهذا وهم ، وقال : برع فى النحو والقراءات والحديث والفقه ، وكان جامعا لعلوم. وقرأت عليه عشر ختمات ، لأبى عمرو وابن كثير ونافع ، وعنه أخذت النحو.

وذكر لى شيخنا أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطى ، أنه قرأ عليه ختمات ، لهؤلاء ولابن عامر ، وأنه تزوج رقية بنت الإمام شهاب الدين الحنفى ، وكان لجدى به خصوصية ، وكذلك الضياء الحموى ، واستولى الضياء على تركته لأنه أوصى إليه ، وقد حدثنا شيخنا الإمام أبو اليمن الطبرى عنه.

٢١٩٥ ـ عمر بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد بن ميمون التوزرى الإمام أبو البركات القسطلانى المكى :

إمام مقام المالكية بالحرم الشريف. سمع بالحرم الشريف من أبى عبد الله بن أبى الفضل المرسى : الجزء الثانى والثالث والرابع من صحيح مسلم ، من تجزئة أربعة ، وأظنّه سمع الجزء الأول ، إلا أنّى لم أجد سماعه له ، والسماع بقراءة الفقيه سليمان بن خليل ، فى

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منقول من طبقات القراء ، ووضعناه ليستقيم المعنى.

٣٧١

ذى القعدة سنة تسع عشرة وستمائة ، وبخط عبد الله بن محمد بن أبى بكر الطبرى ، وترجمه : بالفقيه الإمام ، إمام مقام المالكية. ولم أتحقق متى كانت ولايته للإمامة ، لأنّى وجدت بخط الجدّ أبى عبد الله الفاسى ، ورقة ذكر فيها وفاته ومولده : وأخبرنى أبو المعالى محمد بن شيخنا أبى بكر محمد بن أحمد القسطلانى ، وهو ابن ابنته ، أنه صلّى فى مقام المالكية سنة ست عشرة وستمائة.

ووجدت بخط جدى على بن أبى عبد الله الفاسى أنه ولى الإمامة فى سنة أربع عشرة ، بعد امتناعه منها ، وإكراهه عليها ، والله أعلم بالصواب.

وكانت وفاته بين الظهر والعصر ، من يوم الأربعاء رابع صفر سنة أربع وأربعين وستمائة بمكة ، ومولده فى السابع عشر من شوال ، سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، كذا وجدت بخط الجد أبى عبد الله ، وذكر أنه وجد ذلك بخط شيخه أبى بكر القسطلانى ، يعنى قطب الدين ، ووجدت أنا ذلك بخط أبى بكر المذكور.

وأخبرنى شيخنا عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى ، أن الإمام تقىّ الدين القسطلانى ، كان يحفظ «الجواهر» لابن شاس ، وأنه كان جالسا عند سيدى الشيخ خليل المالكى ، فجاء إليه شيخنا شمس الدين بن سكر بشىء ترجمه فيه وترجم أباءه ، وقرأ ذلك عليه ، فلما وصل إلى تراجم الإمام أبى البركات عمر هذا ، قال الشيخ خليل : إنه فوق ذلك. انتهى.

ومن المشهور أن شيخنا ابن سكر ، يبالغ غالبا فى ألقاب آحاد الناس ، فما بالك بالإمام أبى البركات عمر القسطلانى على جلالة قدره! ومن المعلوم ورع الشيخ خليل المالكى ، رحمهم‌الله تعالى ونفعنا بهم.

أنشدنى غير واحد من شيوخى إذنا ، عن الحافظين : قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبى ، وأبى الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمرىّ ، إجازة إن لم يكن سماعا ، قالا : أنشدنا الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن القسطلانى ، إمام المالكية بمكة المشرفة ، قال : أنشدنا أبو الحسين بن جبير الكيلانى [من الكامل] :

نزل البلاء بجسم كلّ من هو

متفلسف فى دينه متزندق

بالمنطق اشتغلوا فقيل حقيقة

إن البلاء موكل بالمنطق

نقلت هذين البيتين من خط جدى أبى عبد الله الفاسى ، وذكر أنه وجدهما بخط شيخه أبى بكر القسطلانى ، قال : وأظن أنى سمعت منه من غير تحقيق.

٣٧٢

٢١٩٦ ـ عمر بن محمد بن مفرّج القابسى

: إمام المالكية بالحرم الشريف. سمع منه أبو بكر يحيى بن سعدون القرطبى ، ومن ترجمة يحيى فى تاريخ القطيعى ، استفدت ذلك.

٢١٩٧ ـ عمر بن محمد بن مسعود بن إبراهيم النشاوري اليمنى المعروف بالعرابىّ :

نزيل مكة. كان ذا خط جيد من الصلاح والخير ، وللناس فيه اعتقاد ، وكان مقصودا بالزيارة والفتوح من أماكن بعيدة ، وكان الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة ، يعتقده ويزوره كثيرا ، ويرجع إليه فى بعض ما يقول ، واتفق فى سنة ست وعشرين وثمانمائة ، أنه خالف صاحب هذه الترجمة فيما ذكره له ، فتأثر لذلك خاطر الشيخ عمر ، وأفهم أنه يتغير حال الشريف حسن فى ولايته ، فبلغ ذلك الشريف حسنا ، فأتاه مستعطفا له ، وسائلا له فى أن لا يتغير عليه حاله ، فقال له : فات الأمر ، فقدّر أن الشريف تخوف من الأمراء الذين قدموا للحج فى السنة المذكورة ، ولم يجتمع بهم ، ومضوا لمصر وبعضهم عليه متغير ، وحصل فى خاطر السلطان بمصر ما قوّى حنقه على الشريف حسن ، فعزله عن إمرة مكة ، بالسيد نور الدين على بن عنان ، وجهز معه عسكرا من الترك ، فتسلموا مكة فى جمادى الأولى من سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، بعد أن بان عنها الشريف حسن قبل الموسم من السنة الماضية ، وبعد أن بان عنها نوابه ، لّما سمعوا باقتراب العسكر من مكة ، وقد جاور الشيخ عمر العرابى ، بمكة سنين كثيرة ، لعلّها تقارب العشرين ومضى منها للمدينة النبوية زائرا غير مرة ، آخرها فى سنة ست وعشرين ، وسافر فى سنة تسع عشرة وثمانمائة إلى اليمن ، وعاد فيها إلى مكة ، وأخذ باليمن عن جماعة من الصالحين ، منهم الشيخ أحمد الحرضى المقيم بأبيات حسين ونواحيها ، كان من جلة أصحابه ، ذا حظ من العبادة ، منوّر الوجه ، حسن الأخلاق والمعاشرة ، ابتنى منزلا على المروة قبيل موته بسنين ، وبه مات ، فى آخر اليوم السابع والعشرين من رمضان ، يوم الأربعاء قبيل الغروب ، سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، ودفن بكرة يوم الخميس بالمعلاة ، بعد الصلاة عليه ، خلف مقام به إبراهيم عليه‌السلام ، وخرجوا من باب الجنائز بوصية منه ، وكثر الازدحام على نعشه ، رحمه‌الله تعالى.

__________________

٢١٩٧ ـ انظر ترجمته فى : (الضوء اللامع ٧ / ١٣١).

٣٧٣

٢١٩٨ ـ عمر بن محمد المعيدى ، أبو حفص الشيخ الصالح :

ذكره المنذرى فى التكملة ، وقال : كان أحد المشهورين بالصلاح والديانة والخير ، وذكر أنه توفى فى الثالث من رجب ، سنة سبع وتسعين وخمسمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة.

٢١٩٩ ـ عمر بن محمد المسجدىّ اليمنىّ :

توفى فى ثامن عشر ذى الحجة ، سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بمكة ، ودفن بالمعلاة ، ومن حجر قبره نقلت هذه الترجمة ، وترجم فيه : بالشيخ الصالح.

٢٢٠٠ ـ عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف بن زهرة القرشى الزهرى :

هكذا ذكره الذهبى فى التجريد ، وقال أدرك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد فتح دمشق ، وولى فتوح الجزيرة. ولم يذكره الأربعة.

٢٢٠١ ـ عمر بن مكى بن على الخوزى ، أبو حفص ، الملقب بالسّراج ، الفقيه الشافعى :

ذكر ابن النجار ، أنه قرأ المذهب والأصول والخلاف والجدل ، وكان متعبدا زاهدا سالكا طريق الزهد والخلوة ، مداوما على الصيام والصلاة ، زاهدا فى المناصب ، مع اشتهار اسمه وعلوّ رتبته ، ومضى إلى مكة ، فحج وجاور بها على أحسن طريقة وأجمل سيرة ، إلى أن توفى بها. انتهى.

وذكره جماعة ، منهم الإسنائى فى طبقاته ، وقال بعد ان ذكر كلام ابن النجار : هذا والرّباط المشهور بمكة عند باب إبراهيم ينسب إليه. انتهى.

وما ذكره فى نسبته الرباط المذكور ، يمكن أن يصح باعتبار سكنى المذكور فيه ، وأما باعتبار أنه وقفه فلا ، لأن واقفه هو الأمير زين الدين قرامرز محمود بن قرامرز الأفزرى ، واقف الدار المعروفة بدار المؤذنين بسوق الليل ، وتاريخ وقفهما فى سنة سبع عشرة وستمائة بمكة ، فى غالب ظنى بالنسبة إلى الرباط ، فإن فى حجره ما يشبه ذلك. وأما الدار فحجرها صريح فى ذلك ، وشرطهما واحد ، وهو أنهما وقف على الصوفية الغرباء المجردين ، وقد سبق فى المقدمة.

__________________

٢٢٠٠ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٦ / ١٣٧ ، الإصابة ٥ / ٥٩٥ ، التجريد ١ / ٤٣٠ ، أسد الغابة ٤ / ٨١).

٢٢٠١ ـ انظر ترجمته فى : (طبقات الشافعية ١ / ٢٣٩).

٣٧٤

والخوزىّ : بخاء معجمة مضمومة وواو ساكنة ثم زاى.

وتوفى فى صفر سنة سبع وعشرين وستمائة ، على ما ذكر ابن النجار ، قال : وأظنه جاوز الستين.

ووجدت فى حجر قبره بالمعلاة ، أنه توفى ليلة الأربعاء سادس عشر المحرم سنة سبع وعشرين ، وترجم فيه : بالشيخ الفقيه الإمام العالم العامل الزاهد الورع ، شيخ الطريقة ، معدن الحقيقة ، قدوة السالكين ، كهف الفقراء والمساكين ، سراج الدين ، مفتى الفريقين ، ثم كنّاه ونسبه كما ذكرناه ، واقتصر ابن النجار فى نسبه على : عمر بن مكى ، فقط.

٢٢٠٢ ـ عمر بن أبى معروف المكى :

عن الليث ، لا يعرف ، منكر الحديث ، قاله ابن عدىّ. وروى عنه أبو حنيفة محمد بن ماهان. ذكره هكذا الذهبى فى الميزان.

٢٢٠٣ ـ عمر بن نهبان :

[حجازى ، روى عن أبى ثعلبة الأشجعى ، وأبى هريرة. روى عنه أبو الزبير. قال أبو حاتم: لا أعرف أبا ثعلبة. وذكره ابن حبان فى الثقات. كذا قال المزى فى تهذيب الكمال.

قال ابن حجر فى التهذيب : وقال البخارى : لا أدرى من عمر ، ولا من أبو ثعلبة. ووقع عند أحمد فى مسنده عن حماد بن مسعدة عن ابن جريج ، عن أبى الزبير ، عن عمرو بن نبهان ، عن أبى هريرة (١). والصواب هو الأول](٢)

__________________

٢٢٠٢ ـ انظر ترجمته فى : (لسان الميزان ٤ / ٣٣٢ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٢٢٤ ترجمة ٦٢١٩).

٢٢٠٣ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٦ / ١٣٨ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٥٠٠).

(١) أخرجه أحمد بن حنبل فى المسند ، حديث رقم (٨٢٢٠) من طريق : حماد بن مسعدة حدثنا ابن جريج عن أبى الزبير عن عمرو بن شهاب عن أبى هريرة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن. فقال رجل : أو ثنتان يا رسول الله؟ قال : أو ثنتان ، فقال رجل : أو واحدة يا رسول الله ، قال : أو واحدة.

وفى مسند أحمد ، حديث رقم (٢٦٦٧٨) من طريق : حماد بن مسعدة قال : حدثنا ابن جريج عن أبى الزبير عن عمر بن نبهان عن أبى ثعلبة الأشجعى قال : قلت : مات لى يا رسول الله ولدان فى الإسلام فقال : من مات له ولدان فى الإسلام أدخله الله عزوجل ـ

٣٧٥

٢٢٠٤ ـ عمر بن يزيد الكعبى الخزاعى :

ذكره ابن عبد البر هكذا ، وقال : قال : كنت مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان مما حفظت من كلامه ، أنه قال : «أسلم سلّمهم الله من كلّ آفة إلا الموت ، فإنه لا يسلم منه معترف به ولا غيره ، وغفار غفر الله لهم ، ولا حىّ أفضل من الأنصار». انتهى.

* * *

من اسمه عمرو

٢٢٠٥ ـ عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشى الأسدى :

هاجر إلى الحبشة ، ومات بها ، ذكره ابن عبد البر بمعنى هذا.

٢٢٠٦ ـ عمرو بن أوس الطائفى المكى الثقفى :

روى عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة ، وعبد الرحمن بن أبى بكر ، وعبد الله بن عمر ، وأبى رزين العقيلى ، وغيرهم.

روى عنه النعمان بن سالم ، ومحمد بن سيرين ، وأبو إسحاق السّبيعىّ ، وعمرو بن دينار. روى له الجماعة.

قال ابن أبى لبيبة : سألت أبا هريرة عن شىء فقال : ممن أنت؟ فقلت : من ثقيف ، قال: تسألنى وفيكم عمرو بن أوس!.

قال صاحب الكمال : مات قبل سعيد بن جبير. وقتل سعيد بن جبير سنة خمس

__________________

ـ الجنة بفضل رحمته إياهما. قال : فلما كان بعد ذلك لقينى أبو هريرة قال : فقال : أنت الذى قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الولدي ما قال : قلت : نعم ، قال : فقال : لئن قاله لى أحب إلى مما غلقت عليه حمص وفلسطين.

(٢) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل. وما أوردناه من تهذيب التهذيب.

٢٢٠٤ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٥٧٦٧ ، الاستيعاب ترجمة ١٩٠٦ ، أسد الغابة ترجمة ٣٨٤٩).

٢٢٠٥ ـ انظر ترجمته فى : (الاستيعاب ترجمة ١٩١٢ ، الإصابة ٢ / ٥٢٤ ، أسد الغابة ٤ / ٨٦ ، جمهرة نسب قريش ١ / ٤٥٠).

٢٢٠٦ ـ انظر ترجمته فى : (تهذيب التهذيب ٨ / ٦).

٣٧٦

وتسعين. ولم يذكر صاحب التهذيب أنه مكى ، وإنما ذكر ذلك صاحب الكمال.

وقال الكاشغرى فى اختصاره لأسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن الأثير : عمرو بن أوس الثقفى ، نزل الطائف ، وقدم فى ثقيف ، ذكره هكذا الكاشغرى قال : وهو تابعى.

٢٢٠٧ ـ عمرو بن أراكة الثقفى :

سمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينهى عن المثلة ويأمر بالصدقة. يعدّ فى البصريين ، ذكره ابن عبد البر.

٢٢٠٨ ـ عمرو بن أبى أثاثة بن العزّى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدىّ بن كعب القرضى العدوى :

كان من مهاجرى الحبشة ، وهو أخو عمرو بن العاص السهمى لأمه ، لأن أمهما النابغة بنت حرملة. ذكره الزبير وابن عبد البر بمعنى هذا ، وكذلك الذهبى ، وذكر أنه أخو عقبة بن نافع الفهرى لأمه أيضا. وقال بعد أن نسبه : وقيل عروة ، فاستفدنا من هذا الخلاف فى اسمه.

٢٢٠٩ ـ عمرو بن تميم :

يروى عن ابن الزبير ، عداده فى أهل مكة ، روى عنه عثمان بن الأسود ، ذكره هكذا ابن حبّان فى الطبقة الثالثة من الثقات.

٢٢١٠ ـ عمرو بن الحارث ، ويقال عامر بن الحارث ، بن زهير بن أبى شدّاد ابن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشى الفهرى.

كان قديم الإسلام بمكة ، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، فى قول ابن إسحاق والواقدى. ولم يذكره ابن عقبة ، ولا أبو معشر ، فيمن هاجر إلى أرض الحبشة ، وذكره ابن عقبة فى البدريين.

__________________

٢٢٠٧ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٥٧٧٦ ، الاستيعاب ترجمة ١٩١١ ، أسد الغابة ترجمة ٣٨٥٥).

٢٢٠٨ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٥٧٧٢ ، الاستيعاب ترجمة ١٩٠٧ ، أسد الغابة ترجمة ٣٨٥١ ، التجريد ١ / ٤٣٠).

٢٢٠٩ ـ انظر ترجمته فى : (الجرح والتعديل ٦ / ٢٢٢).

٢٢١٠ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ٥٨١٥ ، أسد الغابة ترجمة ٣٨٩٥ ، الاستيعاب ترجمة ١٩٢٦ ، طبقات ابن سعد ٤ / ١٦١ ، المنتظم ٢ / ٣٧٦).

٣٧٧

٢٢١١ ـ عمرو بن الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن عايذ بن مالك بن جذيمة ، وهو المصطلق بن سعد بن كعب بن عمرو المصطلقى الخزاعى :

أخو جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن عايذ ، زوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى عنه أبو وائل شقيق بن سلمة ، وأبو إسحاق السّبيعى ، ذكره هكذا ابن عبد البر وساق له بسنده حديث «تالله ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا ، إلا بلغته البيضاء وسلاحه ، وأرضا تركها صدقة».

وقال صاحب التهذيب ، بعد أن نسبه كما ذكر ابن عبد البر : وله ولأبيه صحبة ، عداده فى أهل الكوفة ، وكان أبوه صهر عبد الله بن مسعود ، وذكر روايته عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وغيره.

٢٢١٢ ـ عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومى ، يكنى أبا سعيد :

رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسح برأسه ودعا له بالبركة فى صفقته وبيعته ، وخطّ له دارا بالمدينة ، ثم نزل الكوفة ، وابتنى بها دارا وسكنها ، وولد له بها ، وهو أول قرشى اتخذ بالكوفة دارا ، وكان له فيها قدر وشرف ، وولى إمارة الكوفة لبنى أميّة.

وكان من أغنى أهل الكوفة ، وبها مات سنة خمس وثمانين ، على ما قال البخارى وغيره ، وله عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث ، وعن أبى بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب ، وغيرهم من الصحابة ، رضى الله عنهم.

روى عنه ابنه جعفر ، والحسن البصرى. وروى له الجماعة.

رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نعلين مخصوفتين ، وكان حين قبض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ابن اثنتى عشرة سنة على ما قيل ، وشهد القادسية وأبلى فيها ، وهو أخو سعيد بن حريث السابق ذكره ، وكان على ما ذكر محمد بن سيرين ، تزوج بنت عدى بن حاتم ، على حكم عدىّ. فندّمه الناس قالوا : لعله يحكم فيكثر ، فحكم عدى بثنتى عشرة أوقية. فأرسل إليها عمرو ببدرة فيها عشرة آلاف. انتهى.

وذكره الزبير بن بكار ، فقال : هو اول قرشى اعتقد بالكوفة مالا ، كان اشترى من السائب بن الأقرع كنز النّخيرجان ، فربح فيه مالا عظيما ، ثم كان له بعد بالكوفة قدر وشرف ، وكان بلى الكوفة ، وبها ولده. انتهى.

__________________

٢٢١١ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٤ / ٦١٨ ، أسد الغابة ٤ / ٨٦).

٢١٢ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٥٨٢٤ ، الاستيعاب ترجمة ١٩٢٨ ، أسد الغابة ترجمة ٣٩٠٢ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١٧).

٣٧٨

٢٢١٣ ـ عمرو بن حسن الجمحى المكى :

قاضى مكة. ولى قضاءها وهو شاب ، فحمدت ولايته ، والذى ولاه ذلك ، أمير مكة محمد بن إبراهيم الإمام ، بإشارة عمرو بن قيس المكى ، المعروف بسندل ، ذكر الفاكهى خبر ولايته ، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة ، قال :

حدثنى عبد الله بن أحمد بن زكريا قال : سمعت غير واحد من المكيين يقول : إن محمد بن إبراهيم ـ إذ كان أمير مكة ـ أراد أن يستقضى على مكة قاضيا ، فأراد أن يبعث إلى المدينة يؤتى برجل يستقضيه ، فبلغ ذلك عمر بن قيس سندل ، فأتاه فقال : بلغنى أنك تريد أن تبعث إلى المدينة ، تستقضى علينا منها إنسانا ، فكيف تفعل هذا وعندنا من يصلح للقضاء! قال : ومن هو؟ قال : كل من بها من قريش يصلح ، فإن شئت فاجلس لى فى المسجد ، فأول فتى يطلع عليك فاستقضه ، فهو يصلح ، فقال له : تعالى العشية حتى تجلس معى ، فلما كان بالعشىّ ، جلس محمد بن إبراهيم فى المسجد ، مما يلى دار الندوة ، وجلس معه عمر بن قيس ، فطلع من باب بنى جمح ، عمرو بن حسن الجمحى ، وهو شاب عليه ثوبان ممصّران ، وله جمّة قد رجّلها ، وعليه نعلان ، لكل واحدة منهما رأس ، فقال له : هذا؟ قال : نعم. هذا يصلح ، قال : فاستقضه فى دينك ، وفى رقبتك إثمه ، قال : نعم ، فأرسل إليه ، فقال : قد رأيت أن أوليّك القضاء ، فتولّه. قال : قد قبلت. ثم ذهب إلى أبويه وهما حيّان ، فقال لهما : إن الأمير قد ولانى القضاء ، وليس يستقيم أمرى إلا بخصلة ، إن أجبتمانى إليها ، وليت ، وإلا تركت الولاية ، قالا : وما هى؟ قال : لا تسألانى عن شىء من أمرى ، ولا تذكران لى إنسانا يخاصم عندى ، ولا تشفعان عندى فى شىء ، فإن ضمنتما لى هذا دخلت. قال : فأوثقاه أن لا يكلماه فى شىء ، فولّى وجلس ، فكان أهل مكة يقولون : لم نر قاضيا مثله. انتهى.

وقال الفاكهى فى الترجمة التى ذكر فيها قضاة مكة من أهلها من قريش : وكان من قضاة مكة ، أبو الوضىّ الجمحى ، وقد كتبنا قصته فى موضع غير هذا. انتهى.

٢٢١٤ ـ عمرو بن الحمق بن كاهن ، ويقال ابن كاهل ، بن حبيب بن عمرو ابن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب الخزاعى :

ذكره ابن عبد البر ، مقتصرا على بعض نسبه ، وقال : من خزاعة ، عند أكثرهم ،

__________________

٢٢١٤ ـ انظر ترجمته فى : (الإصابة ترجمة ٥٨٣٤ ، الجرح والتعديل ٦ / ٢٢٥ ، الاستيعاب ترجمة ١٩٣١ ، أسد الغابة ترجمة ٣٩٠٨).

٣٧٩

ومنهم من ينسبه فيقول : عمرو بن الحمق ، والحمق هو سعد بن كعب ، هاجر إلى النبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الحديبية. وقيل : بل أسلم عام حجة الوداع ، والأول أصح ، صحب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحفظ عنه أحاديث ، وسكن الشام ، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها.

روى عنه جبير بن نفير ، ورفاعة بن شداد ، وغيرهما. وكان ممن سار إلى عثمان ، وهو من الأربعة الذين دخلوا عليه الدار ، فيما ذكروا ، ثم صاروا من شيعة علىّ رضى الله عنه. وشهد معه مشاهده كلها : الجمل وصفين والنهروان ، وأعان جحش بن عدى ، ثم هرب فى زمن زياد إلى الموصل ، ودخل غارا ، فنهشته حية ، فقتلته ، فبعث إلى الغار فى طلبه ، فوجده ميتا ، فأخذ عامل الموصل رأسه ، وحمله إلى زياد ، فبعث به زياد إلى معاوية ، وكان أول رأس حمل من بلد إلى بلد فى الإسلام ، وكانت وفاته سنة خمسين ، وقيل : بل قتله عبد الرحمن بن عثمان الثقفى ، عمّ عبد الرحمن بن أم الحكم. انتهى.

وقيل : قتل بالحرّة ، قتله عبد الرحمن بن أم الحكم ، ذكره خليفة بن خياط ، قال : وقيل قتله عبد الرحمن الثقفى سنة خمسين قبل الحرّة ، وقال أيضا : قتل بالموصل سنة إحدى وخمسين.

وروى عنه ، أنه سقى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبنا ، فقال : «اللهم أمتعه بشبابه» فمرت به ثمانون سنة ، لم ير شعرة بيضاء.

ومن حديثه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ما قال صالح بن أحمد بن عبد الله العجلىّ ، عن أبيه : «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله» وحدّث : «ما من رجل أمّن رجلا على دمه فقتله ، فأنا برىء من القاتل ، وإن كان المقتول كافرا».

وذكر العجلىّ عن أبيه : أنه ليس لعمرو بن الحمق ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، غير هذين الحديثين ، والحديث الثانى منه ، ما أخرجه النسائى (١) ، وابن ماجة (٢) ، من رواية رفاعة بن شدّاد القتبانىّ. وروى عنه جبير بن نفير ، وغيرهما.

__________________

(١) فى الكبرى ، حديث رقم (٨٦٧٠) من طريق : عمرو بن على قال : حدثنا يحيى قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شدّاد عن عمرو بن الحمق قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من آمن رجلا على نفسه ثم قتله أعطى لواء غدر يوم القيامة.

(٢) فى سننه ، كتاب الديات (٢٦٨٨) من طريق : محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شداد القتبانى قال : لو لا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعى لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده سمعته يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة.

٣٨٠