الأزمنة والأنواء

أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل [ إبن أجدابي ]

الأزمنة والأنواء

المؤلف:

أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل [ إبن أجدابي ]


المحقق: الدكتور عزّة حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دارابي رقراق للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 99544-0-5074-4
الصفحات: ١٩٤

باب معرفة الأصل في حساب الأزمنة

الزمان ينقسم عند جميع الأمم بأربعة أقسام :

القسم الأوّل منها يسمّى ساعة ، والثاني يسمّى يوما ، والثالث يسمّى شهرا ، والرابع يسمّى سنة.

فأمّا الساعة فهي جرذ من أربعة وعشرين جزءا من الزمان الجامع الليل والنهار جميعا.

وأمّا اليوم فيستعمل على وجهين : أحدهما أن يجعل اسما للنهار خاصة. والوجه الآخر أن يكون اليوم اسما للمدّة الجامعة للزمانين جميعا ، أعني الليل والنهار.

ويختلف في ابتدائه (١). فأمّا العرب فابتداء اليوم عندهم من غروب الشمس ، وانقضاؤه عند غروبها مرة ثانية. وأمّا العجم فابتداء اليوم عندهم من طلوع الشمس إلى طلوعها مرة أخرى.

واليوم قسمان : ليل ونهار. وهما يتساويان في المقدار تارة ويختلفان أخرى. فإذا كانت الشمس في أوّل الحمل أو في الميزان كانا متساويين (٢). وإذا كانت الشمس في نصف الفلك الشمالي ، وهو من الحمل إلى آخر السّنبلة ، وهو من الميزان إلى آخر الحوت ، كانت مدّة الليل أطول.

__________________

(١) أنظر القانون المسعودي ٦٣ ، ٦٤.

(٢) ويكون هذا في الانقلابين الربيعي والخريفي. تحل الشمس بأول برج الحمل فيكون الانقلاب الربيعي ، ويتساوى الليل والنهار. وحين تحل الشمس بأول برج الميزان يكون الانقلاب الخريفي ، ويتساوى الليل والنهار أيضا.

٤١

وأمّا الشهر فاختلف حساب الامم فيه (١). فمنهم من يجعل الشهر مدّة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى أن يفارقها مرة أخرى (٢). وذلك تسعة وعشرون يوما ، ونصف يوم ، وثلثا ساعة على التقريب ، إلّا أنّ إثبات هذا الكسر غير ممكن ، فأسقطوه من بعض شهورهم ، وأكملوا في بعضها يوما. فصار بعض شهورهم ثلاثين يوما ، وبعضها تسعة وعشرين يوما لا غير. وهذا مذهب العرب والعبرانيين من العجم واليونانيين (٣).

ومنهم من لا يعتبر مسير القمر ، ويبني حسابه على مسير الشمس (٤) بمقدار برج من بروج الفلك. وذلك ثلاثون يوما ، وثلث يوم ، وسدس يوم على التقريب. وهذا مذهب الروم والسّريانيين والقبط (٥).

وأمّا السّنة فهي المدّة الجامعة للفصول الأربعة التي هي الربيع والصيف والخريف والشتاء. ومقدارها عند الروح والسّريانيين اثنا عشر شهرا شمسية ، قد أكمل الكسر في بعضها فصار أحدا وثلاثين يوما ، وأسقط من بعضها فصار ثلاثين يوما لا غير. ومقدارها عند القبط اثنا عشر شهرا شمسية ، قد أسقط الكسر من جميعها ، فصار كلّ شهر منها ثلاثين يوما ؛ ويزيدون على ذلك خمسة أيام تسمّى (٦) النّسيء (٧) عوضا من الكسور التي أسقطت من كلّ شهر.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الأمة ، وهو غلط.

(٢) أنظر القانون المسعودي ٦٧ ـ ٦٨.

(٣) المصدر نفسه ٦٩.

(٤) أنظر القانون المسعودي ٦٧ ـ ٦٨.

(٥) المصدر نفسه ٦٩.

(٦) في الأصل المخطوط : يسمى ، وهو غلط.

(٧) يريد المؤلف بالنسيء هاهنا كبس الأيام الخمسة التي تزيد عن شهور سنة القبط وإلحاقها سنتهم. وكانوا يلحقونها في كل سنة بعد شهر مسرى ، وهو آخر شهور سنتهم ، ويسمون ذلك (أبو غمنا) أي الشهر الصغير. وكانوا يكبسون أرباع اليون الزائدة في كل أربع سنين. فيكون (أبو غمنا) ستة أيام كل أربع سنوات.

(أنظر لذلك الآثار الباقية ٤٩ ـ ٥٠ ، والقانون المسعودي ٧٦).

٤٢

ومقدار السّنة عند العرب اثنا عشر شهرا قمرية. وكذلك هي عند العبرانيين واليونانين. إلّا أن هؤلاء يزيدون في كلّ ثلاث سنين من سنيهم شهرا ، فتكون الثالثة من سنيهم أبدا ثلاثة عشر شهرا قمرية يسمّونها الكبيسة. وربما كانت زيادتهم لهذا الشهر في مد سنتين ، لأنهم يفعلون ذلك في كلّ تسعة عشر سنة تسع مرات (١). يفعلون ذلك في السّنة الثالثة من هذا الدور ، وفي السنة السادسة منه ، وفي السّنة الثامنة منه ، وفي السّنة الحادية عشرة ، وفي السنة الرابعة عشرة ، وفي السنة السابعة عشرة وفي السّنة (٢) التاسعة عشرة ، وهي آخر الدّور ، ثم يبتدئون دورا ثانيا ، فيفعلون فيه كما فعلوا في الدّور الذي قبله. وهذا الدّور هو الذي يسمّى بلغة الروم فيلبس (٣).

وإنما فعلوا ذلك ليستوي لهم حساب القمر مع حساب الشمس ، فتكون شهورهم ثابتة (٤) في الأزمنة غير منتقلة عن أوقاتها من الفصول الأربعة. وذلك أن السّنة إذا جعلت اثني عشر شهرا قمريّة كانت أنقص من السّنة الشمسية بأحد عشر (٥) يوما على التقريب ، فتصير شهورها لأجل ذلك دائرة في الفصول الأربعة ، غير مستقرة فيها ، يكون الشهر منها في زمن شدّة البرد ، ثم يرى بعد ذلك في زمن شدّة الحرّ.

__________________

(١) أنظر تفصيل ذلك وإيضاحه في الآثار الباقية ٥٣ ـ ٥٥.

(٢) في الأصل المخطوط : سنة ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : القنقلس ، ولم أدر ما هو ولم أجده في المظان التي رجعت إليها ، وأغلب الظن أنه غلط ، صوابه ما أثبتناه ، وأخذناه عن القانون المسعودي ٩٣ لأبي الريحان البيروني.

قال البيروني : «... فيسمي اليهود دور التسعة عشر محزورا. وكل دور من الأدوار المنسوبة إلى فيلبس وشيعته المذكورة في تاريخ المجسطي يشتمل على أربعة محازير فيكون سنوها ستا وسبعين ...»

وفيلبس هذا هو ملك مقدونية على الأغلب ، وهو أبو الإسكندر الكبير المقدوني.

(٤) في الأصل المخطوط : تانية ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : بإحدى عشرة ، وهو غلط

٤٣

وقد كانت العرب في الجاهلية تفعل مثل هذا ، وتزيد في كل ثالثة من سنيها شهرا (١) ، على نحو ما ذكرناه عن العبرانيين واليونانيين.

وكانوا يسمّون ذلك النّسيء. وكانت سنة النّسيء ثلاثة عشر شهرا قمريّة. وكانت شهورهم حينئذ غير دائرة في الأزمنة ، كان لكلّ (٢) شهر منها زمن معلوم لا يعدوه. فهذا كان فعل الجاهلية حين أحدثوا النّسيء ، وعملوا به. فلما جاء الله تعالى بالإسلام بطل ذلك ، وحرم العمل به ، فقال : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)(٣). وقال عزوجل (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ)(٤). فسنة العرب اليوم اثنا عشر شهرا قمريّة دائرة في الأزمنة الأربعة.

__________________

(١) أشار إلى ذلك أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية ٦٢ وأوضحه ، قال «وكانوا في الجاهلية يستعملونها على نحو ما يستعمله أهل الإسلام (أي الشهور). وكان يدور حجهم في الأزمنة الأربعة. ثم أرادوا أن يحجوا في وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وغير ذلك ، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة ، وفي أطيب الأزمنة وأخصبها. فتعلموا الكبس من اليهود المجاورين لهم (أي في يثرب كما ذكر في القانون المسعودي). وذلك قبل الهجرة بقريب من مائتي سنة. فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهرا بشهورها إذا تم .. ويسمون هذا من فعلهم النسيء ، لأنهم كان ينسئون أول السنة في كل ستين أو ثلاث شهرا ، على حسب ما يستحقه التقدم». وانظر أيضا الآثار الباقية ١١ ـ ١٢ ، ٣٢٥ ، والقانون المسعودي ٩٢ ، ١٣١ والتفسير الكبير لفخر الدين الرازي ٤ / ٤٤٧.

هذا وقد أنكر المستشرق الأستاذ كرلونلين الإيطالي مسألة النسيء بمعنى كبس الشهور عند العرب لموافقة السنة الشمسية ، وناقش الآراء والروايات الوارد بذلك ، وردها كلها. ومنها آراء أبي الريحان البيروني ، في كتابه «علم الفلك ، تاريخه عند العرب في القرون الوسطى»

وقال نلينو : (ص ٩٢ ـ ٩٣) «فلا مرية أن هذه الأخبار بوجود الكبس وكيفيته عند عرب الجاهلية جميعها من باب مجرد الظن والتخمين ، ذهب إليه الفلكيون في عهد لم يقف فيه أحد على حقيقة النسيء. وقال أيضا في آخر كلامه على هذا الموضوع (ص ١٠٤): «فاتضح مما تقدم أن معرفة حقيقة النسيء قد اندرست تماما نحو منتصف القرن الأول للهجرة ، كما اندرست معرفة غيره من آثار الجاهلية».

وانظر الصفحات ٨٧ ـ ١٠٤ من كتاب نلينو المذكور ، ففيه تفصيل وبيان يحسن الاطلاع عليهما :

(٢) في الأصل المخطوط : كل ، وهو غلط.

(٣) تمام الآية : (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، يُحِلُّونَهُ عاماً ، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً ، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ ، فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ ...) سورة التوبة ٩ / ٣٧.

(٤) تمام الآية : «..... فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ ٩ أَنْفُسَكُمْ ...» سورة التوبة ٩ / ٣٦.

٤٤

باب ذكر أيام السنة العربية

وأسماء شهورها

السنة العربية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وخمس (يوم) وسدس يوم ، وذلك أحد عشر (١) جزءا من يوم ، على أن اليوم ثلاثون جزءا. ويجتمع من هذه الأجزاء يوم كامل ، وذلك في الأكثر من ثلاث سنين إلى ثلاث سنين. ففي كلّ سنة ثالثة من سني العرب يوم زائد يجعل في آخر ذي الحجّة. وتسمّى تلك السّنة كبيسة. ويكون أيامها ثلاثمائة يوم وخمسة وخمسين يوما.

وشهور العرب اثنا عشر شهرا ، وهذه أسماؤها وعدّة أيام كلّ شهر منها (٢).

أوّلها المحرّم ، وهو ثلاثون يوما. ثم صفر ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم ربيع الأوّل ، وهو ثلاثون يوما ، ثم ربيع الآخر ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم جمادى الأولى ، وهو ثلاثون يوما. ثم جمادى الآخرة ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم رجب ، وهو ثلاثون يوما. ثم شعبان ، وهو تسعة وعشرون يوما. ثم رمضان ، وهو ثلاثون يوما. ثم شوّال ، وهو تسعة وعشرون يوما ، ثم ذو القعدة ، وهو ثلاثون يوما. ثم ذو الحجّة ، وهو تسعة وعشرون يوما. وإذا كانت السّنة كبيسة كان ذو الحجّة ثلاثين يوما.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : إحدى عشر ، وهو غلط.

(٢) أنظر الآثار الباقية ٦٠ ، ٦١ ، ٦٩ ، ٣٢٥ ، ٣٣٥.

٤٥

فهذا الذي رسمه أهل الحساب في مقادير الشهور العربية (١) ؛ وهو مبنيّ على حساب المفارقة (٢).

ولم تكن العرب تعمل به ، وإنما كان اعتمادهم على الأهلّة. فكانوا يفتحون الشهر إذا رأوا الهلال ، ويجعلون ابتداءه من أوّل الليلة التي ظهر فيها الهلال. وكانوا يسمّون تلك الليلة غرّة الشهر لكون الهلال في أوّلها كالغرّة في وجه الفرس. ثم لا ينقضي الشهر عندهم حتى يروا الهلال كرّة أخرى ، فيبتدئون حينئذ شهرا ثانيا.

قال الشاعر :

إذا ما سلخت الشّهر أهللت مثله

كفى قاتلا سلخي الشّهور وإهلالي (٣)

يقال : سلخت الشهر إذا خرجت منه. وانسلخ الشهر إذا انقضى. وأهللت الهلال إذا رأيته. فهكذا كانت العرب تعمل في حساب شهورها.

__________________

(١) وهو ليس بواقع دائما ، ولا يوافق الرؤية ، رؤية هلال الشهر ، على الأكثر. وقد رد أبو الريحان البيروني على أهل الحساب في هذا الموضوع ، وبين غلطهم ، وحمل عليهم حملة منكرة لفعلهم هذا ، وقال فيهم : «ثم منذ سنين نبتت نابتة ونجمت ناجمة ونبغت فرقة جاهلية ، فنظروا إلى أخذهم بالتأويل ...»

أنظر الآثار الباقية ٦٤ ـ ٦٨ ، وسيشير المؤلف إلى ذلك بعد قليل.

(٢) أي مفارقة كل شهر ما قبله بزيادة يوم أو نقصانه ، كما ذكر المؤلف. فتكون ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة ، وكل شهر ناقص منها يتلو تاما. وهو ليس بواقع دائما كما قلنا آنفا. الآثار الباقية ٦٥.

(٣) في الأصل المخطوط : هللت ، وهو غلط ، والتصويب من اللسان. وفيه أيضا : قائلا ، وهو تصحيف. والبيت في اللسان (سلخ).

وقال في اللسان : «التهذيب : يقال سلخنا الشهر ، أي خرجنا منه ، فسلخنا كل ليلة عن أنفسنا جزءا

٤٦

ثم جاء الإسلام فثبّت ذلك ، وألزم به في الصّوم والفطر والحجّ. ووقع عليه التعويل والاحتساب به في التاريخ ، وفيما يحدث (١) (في) شهور العرب من المواقيت والآجال التي تجري بين الناس. قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ، قُلْ : هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»)(٢) وقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ذكر شهر رمضان : لا تصوموا حتّى ترووا الهلال ، ولا تفطروا حتّى تروه. فإن غمّ عليكم فاقدروا له (٣) ، وفي رواية أخرى «فأكملوا العدّة ثلاثين» ، وهي مفسّرة للرواية الأخرى (٤).

فحساب المفارقة ربما وافق الرؤية ، وربما خالفها (٥). وخلافه لها هو الأكثر. فيكون أوّل الشهر في حساب المفارقة متقدّما للرؤية بيوم في الأغلب ، وربما تقدّمها بيومين ، وهو قليل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مجدد ، وهو تصحيف.

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٨٩.

(٣) أنظر الحديث في الأنواء ١٢٩ ، والنهاية ٣ / ١٩٣ ، ٢٦٢ ، واللسان (قدر ، غمم).

غم عليكم : يريد غم عليكم الهلال ، أي إذا حال دون رؤيته غيم أو غيره فلم ير ، من غممت الشيء إذا غطيته. وفاقدروا له : أي قدر روا له المسير والمنازل (الأنواء ١٢٩).

والتقدير له كما ذكر ابن قتيبة «أن يكون إذا غم على الناس ليلة ثلاثين ، في آخر شعبان ، بأن تعرف مستهله في شعبان لليلته. ويعلم أنه يمكث فيها سنة أسباع ساعة من أولها ، ثم يغيب. وذلك في أدنى مفارقته للشمس. ولا يزال في كل ليلة يزيد على مكثه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة. فإذا كان في الليلة السابعة غاب في نصف الليل. وإذا كان في ليلة أربع عشرة طلع مع غروب الشمس ، وغرب مع طلوعها. ثم يتأخر طلوعه عن أول ليلة خمس عشرة ستة أسباع ساعة. ولا يزال في كل ليلة يتأخر طلوعه عن الوقت الذي طلع فيه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة إلى أن يكون طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة. فإن لم ير صبح ثمان وعشرين علم أن الشهر ناقص ، وعدته تسعة وعشرون يوما. وإن رئي علم أن الشهر تام ، وعدته ثلاثون».

الأنواء ١٢٩ ـ ١٣٠ والأزمنة ٢ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

(٤) ذكر ابن قتيبة أن هذا حديث آخر من رواية ابن عباس ناسخ للحديث الأول الذي هو من رواية ابن عمر. الأنواء ١٢٩ والأزمنة ٢ / ٣٦٧. وانظر فصل (ذكر القمر) من باب النجوم السيارة الآتي من هذا الكتاب.

(٥) شرح أبو الريحان البيروني ذلك في تفصيل وفضل بيان في الآثار الباقية ٦٥ ـ ٦٦ ، قال : «فأما أصحاب الهيئة ومن تأمل الحال بعناية شديدة فإنهم يعلمون أن رؤية الهلال غير مطرد على سنن واحد ، لاختلاف حركة القمر المرئية بطيئة مرة وسريعة أخرى ، وقربه من الأرض وبعده ، وصعوده في الشمال والجنوب ، وهبوطه فيهما ، وحدوث كل واحد من هذه الأحوال له في كل نقطة من فلك البروج. ثم بعد ذلك لما يعرض من سرعة غروب بعض القطع من فلك البروج ، وبطء بعض ، وتغير ذلك على اختلاف عروض البلدان ، واختلاف الأهوية .. وتفاوت قوى بصر الناظرين إليه في الحدة والكلال ... وإن ذلك كله يتفنن بتزايد عروض البلدان وتناقصها ، فيكون الشهر تاما في البلدان الشمالية مثلا ، وناقصا هو بعينه في الجنوب منها ، وبالعكس. ثم لا يجري ذلك فيها على نظم واحد ، بل يتفق فيها أيضا حالة واحدة بعينها لشهر واحد مرارا متوالية وغير متوالية ..»

٤٧

باب ذكر أس السنة العربية

الأسّ معناه الأصل. فاسّ السّنة عدد يتّخذ أصلا لمعرفة أوائل شهورها. ويسمّى علامة السّنة أيضا.

فمن أهل الحساب من يعتبر (١) أسّ السّنة بأوّل يوم منها ، فيجعل الاسّ واحدا إن كان أوّلها يوم الأحد ، ويجعلها اثنين إن كان أوّلها الاثنين ، وثلاثة إن كان أوّلها الثّلاثاء. ثم على هذا المثال بقيّة الأيام.

ومنهم من يعتبر أسّ السّنة بآخر يوم من السّنة التي قبلها. وهو في العربية آخر يوم من ذي الحجّة ، وفي العجمية (٢) آخر يوم من أيلول. فإن كان آخر يوم من السّنة الأحد كان أسّ السّنة الداخلة واحدا ، وإن كان آخرها يوم الاثنين كان أسّ السّنة الداخلة اثنين. ومحصول ذلك أنّ أسّ السّنة هو عدد ما مضى من قبلها من أيام الأسبوع ، على أن أوّل الأسبوع يوم الأحد. وبهذا المذهب أخذنا في كتابنا هذا.

فإذا أردت معرفة أسّ السّنة العربية فخذ ما مضى من سني (٣) الهجرة بالسّنة التي تريد معرفة أسّسها (٤) ، فأسقط منها أربعمائة وعشرين. وما بقي فألقه ثلاثين ثلاثين. وخذ لكلّ ثلاثين ألقيتها خمسة ، واعرف ما يجتمع

__________________

(١) في الأصل المخطوط : تعتبر.

(٢) يريد المؤلف بالسنة العجمية السنة الرومية أو السريانية ، كما يذكر في آخر. باب ذكر أيام السنة الشمسية). وهو يريد هاهنا السنة السريانية المستعملة في المشرق العربي ، ويذكر المؤلف العجم والعجمية غير مرة في كتابه ، ويقصد بذلك غير العرب بصورة عامة ..

(٣) في الأصل المخطوط : سنين ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : اسمها ، وهو تصحيف.

٤٨

لك من الحساب واحفظه ؛ وما لم يتمّ ثلاثين فلا تأخذ له شيئا ، ولكن ألقه ثمانية ثمانية. فما بقي من واحد إلى ثمانية فاضربه في أربعة ؛ معنى ذلك أن تزيد عليه ثلاثة أمثاله. ثم انظر ما يجتمع منه. فإن كان أكثر من أحد عشر ، أو أقلّ من اثنتين (١) وعشرين ، فزد عليه واحدا. وإن كان أكثر من اثنتين (١) وعشرين فزد عليه اثنين. ثم أضف إليه ما حفظته من الحساب المأخوذ من كل ثلاثين ، وألق الجميع سبعة سبعة. فما بقي من واحد إلى سبعة فهو أسّ السّنة العربية التي حسبت لها محقّقا إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : اثنتي ، وهو غلط.

(١) في الأصل المخطوط : اثنتي ، وهو غلط.

٤٩

باب

في علامات الشهور العربية

ومعرفة أوائلها

اعلم أنّ علامة الشهر هو أسّه الذي يعرف به أوّله ، وهو عدّة ما يفضل من أيام الشهور التي قبله إذا ألقيت أسابيع ، وأضيف إلى ذلك أسّ الشهر الأوّل ، وهو المحرّم. ولمّا كان المحرّم أوّل شهور السّنة ، ولم يكن قبله شهر يستخرج منه أسّه جعلت علامته واحدا ، لأن الواحد أوّل الأعداد ، فجعل علامة لأوّل الشهور.

فإذا أردت أن تعرف علامة شهر غيره فانظر ما مضى قبله من الشهور. فكلّ شهر عدّته ثلاثون فخذ منه اثنين ، وكلّ شهر عدّته تسعة وعشرون فخذ منه واحدا ، ولا تأخذ من الشهر الذي تريد معرفة علامته شيئا ، وأضف ما أخذت من الشهور بعضه إلى بعض ، وزد عليه علامة المحرّم التي هي واحد ، ثم ألق ما يجتمع سبعة سبعة. فما بقي دون سبعة أو سبعة فهي علامة الشهر الذي حسبت له.

فإذا عرفت علامة الشهور ، وأردت أن تعرف أوائلها ، فخذ علامة الشهر الذي تريد معرفة أوّله ، وأضفها إلى أسّ السّنة التي منها ذلك الشهر ، وألق من مجموعها سبعة إن كان فيه أكثر ، وما بقي فعدّ على عدده من يوم الأحد ، فاليوم الذي ينتهي إليه حسابك هو أوّل ذلك الشهر على المفارقة ، وربما كان موافقا للرؤية.

٥٠

باب

معرفة الكبيسة من سني العرب

إذا أردت ذلك فاستخرج أسّ السّنة التي تريد أن تعرف أكبيسة هي أم لا. ثم زد عليه أربعة ، وألق مما (١) يجتمع سبعة إن كان فيه أكثر ، وما بقي فاحفظه. ثم استخرج أسّ السّنة التي بعدها ، وقايس بينه وبين ما حفظت من أسّ السّنة الأولى بعد أن زدت عليه أربعة ، فإن اتّفقا فالسنّة التي زدت على أسّها أربعة غير كبيسة ، وإن اختلفا فهي كبيسة. وليس يكون اختلافهما (٢) أبدا إلا بزيادة واحدة في أسّ السّنة الثانية ، فتصير هذه الزيادة مثلا على زيادة الكبيس في السّنة الأولى.

واعلم أن في كل ثلاثين سنة من سني العرب إحدى عشرة (٣) كبيسة وهي السّنة الثانية من كل ثلاثين ، والسّنة الخامسة والثامنة ، والعاشرة ، والثالثة عشرة ، والسادسة عشرة ، والتاسعة عشرة ، والحادية والعشرون. والرابعة والعشرون ، والسابعة والعشرون والتاسعة والعشرون (٤) فإذا ألقيت سني الهجرة ثلاثين ثلاثين ، حتى يكون الباقي منها ثلاثين أو دونها كان الكباس من السنين الباقية معك على ما سمّيت لك. فاعلم ذلك.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : ما ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : اختلافها ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : عشر ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط.

٥١

باب ذكر أيام السنة الشمسية

السّنة الشمسيّة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم. وهي مدّة قطع الشمس الفلك. وذلك وقت حلولها بأوّل جزء من برج الحمل (١) إلى وقت حلولها به مرة أخرى. وهذا الوقت هو ابتداء سيرها في الفلك. وكلما حلّت الشمس برأس الحمل فقد انقضت سنة من سني الشمس ، ودخلت سنة أخرى.

وسنة الشمس هذه منقسمة أرباعا. فالربع الأوّل منها يسمّى الربيع ، والربع الثاني منها يسمّى الصيف ، والربع الثالث منها يسمّى الخريف ، والربع الرابع يسمّى الشتاء.

واعلم أنّ الروم والسّريانين والقبط بنوا حساب أزمنتهم على مسير الشمس. فجعلوا مدّة سنتهم ثلاثمائة يوم وخمسة وستين يوما. وزادوا والمكان الربع الذي فس سنة الشمس يوما في كلّ سنة رابعة. فاتّفق حسابهم وحساب الشمس ، لأن كلّ أربع سنين من سنيهم مساوية (٢) في عدّة الأيام لأربع سنين شمسية ؛ وصارت شهورهم من أجل ذلك ثابتة في أزمنة الشمس ، غير منتقلة عن مواضعها منها.

__________________

(١) في الأصل المخطوط بعد هذا : إلى وقت حلولها بأول جزء من برج الحمل ، وهي زيادة لا لزوم لها ، ونراها من ضلال النسخ.

(٢) في الأصل المخطوط : متساوية ، وهي تصحيف.

٥٢

إلّا أنهم لم يجعلوا ابتداء سنتهم موافقا لابتداء سنة الشمس بل افتتح كلّ فريق منهم السّنة في وقت من سنة الشمس غير موافق لأوّلها. فكان افتتاح السّريانيين سنتهم في الربع الثالث من سنة الشمس ، وهو فصل الخريف (١) ، والشمس حينئذ ببرج الميزان. وكانت الروم في أوّل أمرها موافقة لهم على ذلك ، ثم افتتحت الروم السّنة بعد ذلك في الربع الآخر من سنة الشمس ، وهو فصل الشتاء (٢) ، والشمس حينئذ ببرج الجدي. وافتتحت القبط سنتها (٣) في الربع الثاني من سنة الشمس ، وهو فصل الصيف (٤) والشمس حينئذ ببرج السّنبلة.

وإنما خصصنا هؤلاء بالذكر ، دون غيرهم من العجم (٥) ، لأن حسابهم هو المحفوظ في بلاد المسلمين ، والمستعمل فيها. وأشهر ذلك وأغلبه على استعمال الناس حساب الروم والسّريانيين (٦). وعليه اعتمدنا في كتابنا هذا في تحديد (٧)

__________________

(١) قال المسعودي في التنبيه والإشراف ١٥ في تعليل ذلك :

«ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لأن جميع الثمار فيه تستكمل ، والبذور فيه تبذر. وإنما سمي الخريف لأن الثمار تخترف فيه ، أي تجتني. والعرب تسميه الوسمي بالمطر الذي يكون فيه وذلك أن أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة ، وقد يبست بالصيف ، فتسميه بهذا الإسم لأنه يسم الأرض. وهو يبتدئون من الأزمان بهذا الفصل لأن المطر الذي به عيشهم فيه يبتدئ».

(٢) افتتح الروم سنتهم بهذا الفصل بسبب ميلاد المسيح ، عليه‌السلام. ذكر المؤلف ذلك في آخر الباب التالي ، وهو (باب في تاريخ الروم والسريانيين ...) وقال" «وكان أول شهر دخل بعد مولد المسيح يناريه ، فجعل أول السنة في التاريخ المنسوب إليه».

(٣) في الأصل المخطوط : سنينها ، وهو تصحيف.

(٤) قال المسعودي في الإشراف والتنبيه ١٥ في تعليل ذلك : «ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي ، لأنه الوقت الذي فيه كمال طول النهار ، وأن مد النيل بمصر فيه يكون».

(٥) يريد المؤلف بالعجم غير العرب من الأمم.

(٦) اشتهر حساب الروم وشاعت أسماء شهورهم في المغرب العربي. واشتهر حساب السريان وشاعت شهورهم في المشرق العربي. وسيذكر المؤلف ذلك بعد قليل. والسريان هم نصارى الشام والعراق (الآثار الباقية ٥٩).

وقال أبو الريحان البيروني : «وقد اشتهرت هذه الشهور (أي السريانية) حتى استظهر بها المسلمون ، وقيدوا بها ما احتاجوا إليه من أوقات الأعمال». الآثار الباقية ٦٠.

(٧) في الأصل المخطوط : تجديد ، وهو تصحيف.

٥٣

أوقات تداخل الفصول (١) ، وأوقات الطلوع والسقوط ، وغير ذلك مما يحدث في الأزمنة ، ويختصّ بوقت من أوقات السّنة.

وإذا وقع لنا ذكر السّنة العجمية فمرادنا بذلك سنة الروم والسّريانيين وشهورهم. وهم متّفقون في حسابهم ، ليس بينهم اختلاف ، إلا في أسماء الشهور. فإن السّريانيين يسمّونها بلغتهم ، والروم يسمّونها بلغتهم. وهي مستعملة في بلاد المسلمين بكلتا اللغتين. فأهل الشام والجزيرة يستعملونها بلغة السّريانيين ، وأهل الأندلس وصقلّية وإفريقيّة وما اتّصل بها يستعملونها بلغة الروم. وسنذكر أسماءها بلغة الفريقين (٢). ثم نذكر أسماء شهور القبط (٣) التي يستعملها أهل مصر ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) أي دخول الفصول.

(٢) ذكر المؤلف ذلك في (باب تاريخ الروم والسريانيين وأسماء شهورهم وهو الباب التالي وذكره أيضا في (باب معرفة الشهور الشمسية وأسمائها عند الأعاجم وما يحدث في كل شهر منها من طلوع المنازل وسقوطها) وهو الباب الأخير من الكتاب.

(٣) ذكر المؤلف ذلك في الباب الأخير من الكتاب أيضا مفرقا في الأوقات التي تدخل فيها شهور القبط من شهور السريان.

وشهور القبط هي :

توت ، بابه ، هتور ، كيهك ، طوبه ، أمشير ، برمهات ، برمودة ، بشنس ، بونه ، أبيب ، مسرى.

وأنظر الآثار الباقية ٤٩ ـ ٥٠ ، ونهاية الأرب ١ / ١٥٩ ـ ١٦١.

والقبط يبدءون سنتهم بشهر توت ، ودخوله يوافق أبدا يوم ٢٩ آب.

٥٤

باب

في تاريخ الروم والسريانيين وأسماء شهورهم

قد ذكرنا أنّ السّنة عند الروم والسّريانيين ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم مثل سنة الشمس سواء. فأمّا شهورهم فهي اثنا عشر شهرا استوفوا فيها أيام السّنة ، فصارت مختلفة في العدّة. وهذه أسماؤهم بلغة كل فريق منهم (١) ، وعدّة أيام كلّ شهر منها.

أوّلها : تشرين الأوّل بلغة السّريانيين ، واسمه بلغة الروم أكتوبر ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثم تشرين الثاني ، واسمه بلغة الروم نونبر ، وهو ثلاثون يوما.

ثم كانون الأوّل ، واسمع بلغة الروم دجنبر ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثم كانون الآخر ، واسمه بلغة الروم يناريه ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثم شباط ، وهو بلغة الروم فبراريه ، وهو ثمانية وعشرون يوما.

ثم آذار ، واسمه بلغة الروم مارسه ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثم نيسان ، واسمع بلغة الروم أبريل وهو ثلاثون يوما.

ثمّ أيّار ، واسمه بلغة الروم مايه ، وهو أحد وثلاثون يوما.

__________________

(١) أسماء الشهور السريانية بعضها عبراني الأصل ، أخذوها من اليهود ، لأن السريان مزجوا بين شهور الروم وشهور اليهود (أنظر الآثار الباقية ٥٩). أما أسماء شهور الروم فإن أصولها لاتينية.

وانظر لأسماء شهور السريان الآثار الباقية ٥٩ ـ ٦٠ ، ونهاية الأرب ١ / ١٦٠ ـ ١٦٣ ، ولأسماء شهور الروم الآثار الباقية ٥٠ ـ ٥١ ، ونهاية الأرب ١ / ١٦٠ ـ ١٦١.

وانظر أيضا (باب معرفة الشهور الشمسية وأسمائها) في هذا الكتاب ، وهو آخر أبوابه.

٥٥

ثم حزيران ، واسمه بلغة الروم يونيه ، وهو ثلاثون يوما.

ثم تمّوز ، واسمه بلغة الروم يوليه ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثمّ آب ، واسمه بلغة الروم أوسه ، وبعضهم يسمّيه أغشت ، وهو أحد وثلاثون يوما.

ثمّ أيلول ، واسمه بلغة الروم شتنبر ، وهو ثلاثون يوما

واعلم أنّهم لما وجدوا في أيام السّنة كسرا ، وهو الربع الزائد على ثلاثمائة وخمسة وستين يوما أسقطوا ذلك الكسر ، لأن إثباته يؤدّي إلى فساد واختلاط في حساب الشهور. إذ لو ثبت في آخر شهر لانكسر سائر الشهور التي بعده ، ولم يقع تداخلها (١) في أوائل الأيام. ثم لم يسقطوا هذا الكسر إسقاط ترك وإلغاء ، لأن ذلك يخلّ بالغرض الذي قصدوه من مواطأة (٢) حساب الشمس ، ولكنهم جعلوه موقوفا ينتظرون اتّحاده ، لأنه يزيد في كل سنة رابعة (٣) من سنيهم يوما ، ويجعلونه في آخر شباط ، ويسمّون تلك السّنة كبيسة (٤) فتكون (٥) أيام السّنة الكبيسة ثلاثمائة يوم وستة وستين يوما ويكون شباط فيها تسعة وعشرين يوما (٦).

__________________

(١) يعنى دخول الشهور ، أي ابتداؤها.

(٢) في الأصل المخطوط : مواطلة ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : أربعة ، وهو غلط.

(٤) أنظر الآثار الباقية ١٠.

(٥) في الأصل المخطوط ، فيكون.

(٦) وقد ذكر أبو الريحان البيروني علة جعل الكبس في شباط فقال : «وإنما أضيف ـ الكبس إلى شباط دون غيره من الشهور لأن آذار الأول وهو شهر كبس اليهود في العبور (العبور كبس شهر واحد في كل مائة وعشرين سنة) يقع فيه وحواليه».

أنظر الآثار الباقية ٢٥٢.

وذكر أيضا علة جعل شباط ثمانية وعشرين يوما : «ثم إنهم كانوا قصدوا قبل ذلك كبش شهر بيوم في كل أربع سنين. فراموا تمييزه من سائر الشهور لمخالفة عدد أيامه عدد أيامها في كل حال من حالتي السنة ، وامتنع المرام فيه لو كان زائدا (أي ٣١ يوما) أو تاما (أي ٣٠ يوما) أو ناقصا (أي ٢٩ يوما) ، وأمكن فيه لو كان قاصرا عن الناقص بيوم ، أو مزيدا على الزائد بيوم. لكن القاصر أقرب إلى الشهر الحقيقي الذي هو القمري ، ويزداد اقترابا منه ومن الشهر الشمسي في سنة الكبس. والمزيد على الزائد أبعد عنه ، ويزداد عند الكبس تباعدا عن كليهما. فاستقر الأمر على أن جعلوه لذلك ثمانية وعشرين يوما». أنظر القانون المسعودي ٧٤ ـ ٧٥. وانظر لذلك أيضا الآثار الباقية ٢٥١.

٥٦

وأمّا السّنة التي ليست بكبيسة فأيامها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما لا غير ، وشباط فيها ثمانية وعشرون يوما لا يزيد عليها شيئا :

فأمّا قولهم في السنة الأولى سنة ربع ، وفي الثانية سنة نصف ، وفي الثالثة سنة ثلاثة أرباع ، فليس معناه أنّ ثمّ ربعا أو نصفا مثبتا في آخر شباط ، وإنما هي تسمية يتوصّل بها إلى معرفة السّنة الرابعة الكبيسة التي فيها زيادة يوم. فإذا قال القائل : هذه سنة ربع ، فكأنه قال هي السّنة الأولى ، وكذلك قوله : سنة نصف كقوله السّنة الثانية ، وقوله سنة ثلاثة أرباع كقوله السنة الثالثة.

واعلم أنّ الروم يؤرّخون بملك ذي القرنين (١) ، كما يؤرّخ المسلمون بهجرة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكان ملك ذي القرنين في سنة خمسة آلاف ومائة وثمان وتسعين من سني آدم ، عليه أفضل السلام. وكان أوّل أكتوبر في تلك السنة يوم الاثنين ، وكانت سنة نصف. فأوّل شهور السّنة عند الروم في حساب ذي القرنين أكتوبر ، وهو تشرين الأوّل ؛ وكذلك هو عند السّريانيين. فكلما دخل أكتوبر فقد مضت سنة من سنيهم ، ودخلت أخرى.

__________________

(١) المقصود بذي القرنين هاهنا هو الإسكندر الكبير المكدوني (الآثار الباقية ٣٦ ـ ٣٧ ، وكان مولد المسيح ، عليه‌السلام ، في سنة ثلاثمائة واثنتي عشرة من ملك ذي القرنين ، كما يذكر المؤلف بعد قليل.

٥٧

وللروم أيضا تاريخ آخر ، ميلاد المسيح ، عليه‌السلام. وأوّل (١) السّنة فيه يناريه. وذلك أن مولد المسيح ، عليه‌السلام ، كان في خمسة ق وعشرين من دجنبر ، وهو كانون الأوّل في سنة ثلاثمائة واثنتي عشرة (٢) من ذي القرنين. وكان أوّل شهر دخل بعد مولد المسيح يناريه ، فجعل أوّل السّنة في التاريخ المنسوب إليه.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : فأول ، وما أثبتناه أجود.

(٢) في الأصل المخطوط : عشر وهو غلط.

٥٨

باب

معرفة مبلغ سني ذي القرنين

فإذا أردت ذلك فخذ سني الهجرة ، ولا تحسب السّنة التي أنت فيها (أو) فاحسبها فيها. ثم ألق من جملتها أربعمائة وثلاثا وستين سنة. وما بقي فانقص من كل ثلاث وثلاثين سنة (منه) سنة واحدة فإن لم يبلغ ما بقي معك ثلاثا وثلاثين فلا تنقص منه شيئا ، وزد (١) عليه ألفا وثلاثمائة واثنين وثمانين. فما اجتمع فهو عدّة سني ذي القرنين في الوقت الذي حسبت (٢) له ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : وزدت ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : حسب ، وهو غلط. وقد درج المؤلف على استعمال ما أثبتناه في أواخر بعض أبواب الكتاب. أنظر مثلا آخر (باب ذكر أس السنة العربية) ص ٤٠ وانظر كذلك آخر الباب التالي.

٥٩

باب

ذكر السنة العجمية

فخذ سني الهجرة ، ولا تحسب السّنة التي أنت فيها ، حتى يدخل فيها تشرين الأوّل. ثم ألق من جملتها أربعمائة وثلاثا وخمسين وما بقي فزد عليه مثل ربعه ، وإن وقع في ذلك كسر فأسقط الكسر ولا تعتدّ به. ثم ألق ما يجتمع سبعة سبعة ، فما بقي من واحد إلى سبعة فهو أسّ السّنة العجمية الداخلة في السّنة التي أنت فيها من سني الهجرة. فإذا دخلت سنة سبع وتسعين وأربعمائة فاجعل ما سقط من سني الهجرة أربعمائة وأربعا وخمسين. ثم زد (١) على ما بقي (مثل) ربعه بغير كسر. ثم كلما مضى بعد ذلك ثلاث وثلاثون سنة فزد في الإسقاط واحدا.

وإن شئت فخذ سني ذي القرنين بالسنة التي تريد معرفة أسّها (٢). فألق من جملتها ألفا وثلاثمائة واثنين وسبعين وزد على ما بقي مثل ربعه (بغير) كسر. وألق ما يجتمع سبعة سبعة. فما بقي من واحد إلى سبعة فهو الأسّ للسّنة التي حسبت لها محقّقا إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : زدها ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : اسمها ، وهو تصحيف.

٦٠