الأزمنة والأنواء

أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل [ إبن أجدابي ]

الأزمنة والأنواء

المؤلف:

أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل [ إبن أجدابي ]


المحقق: الدكتور عزّة حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دارابي رقراق للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
ISBN: 99544-0-5074-4
الصفحات: ١٩٤

باب

في معرفة بروج القمر ومنزلته

إذا أردت ذلك فخذ ما مضى من أيام الشهر العربي إلى اليوم الذي تريد معرفة برج القمر فيه ، فاضربها في ثلاثة ، ومعنى ذلك أن تزيد عليها مثليها (١). ثم ألق ما تجمّع سبعة سبعة وأعط لكلّ سبعة ألقيتها برجا. وابدأ بالبرج الذي فيه الشمس حينئذ ، فالبرج الذي يفنى عليه العدد هو برج القمر في الوقت الذي حسبت ، قطع منه (٢) بقدر ما بقي معك دون سبعة. إن بقي واحد فهو في آخر السّبع الأوّل من البرج الذي انتهيت إليه. وإن بقي اثنان فهو في آخر السّبع الثاني منه. وكذلك ما بقي على نحو هذا. وإن لم يبق شيء دون سبعة فالقمر في آخر البرج الذي انتهيت إليه.

وإن أردت أن تعلم بأي منزلة القمر فخذ الأيام الماضية من الشهر العربي ، فعدّ على عددها منازل ، وابدأ بمنزلة الشمس ، فالمنزلة التي ينتهي إليها حسابك هي منزلة القمر تلك الليلة ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مثلها ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : منها ، وهو غلط.

١٠١

باب

معرفة الطالع والساقط والمتوسط

أمّا الطالع (١) فهو الظاهر فوق الأرض من أفق المشرق. والساقط هو الغائب في أفق المغرب. والمتوسّط الذي يكون في خطّ وسط السماء.

فإذا أردت أن تعرف أين خطّ وسط السماء فقف معتدلا واستدبر القطب حتى يكون محاذيا لما بين كتفيك بالسواء ، فما كان تلقاء وجهك من السماء مارّا إلى سمت رأسك فهو خطّ وسط السماء. والمنزلة التي تصير في ذلك الموضع هي منزلة وسط السماء. وإذا صارت الشمس في ذلك الخطّ فقد انتهت إلى غاية ارتفاعها في السماء ، وعن ذلك يكون زوالها وزوال سائر الكواكب.

واعلم أن الطلوع الذي (٢) تذكره العرب في أسجاعها وحساب أزمنتها هو الذي يكون عند طلوع الفجر. وكذلك السقوط الذي يذكرونه في الأنواء وحساب الأزمنة هو الذي يكون وقت طلوع الفجر. ولكلّ منزلة من منازل القمر في السّنة طلوع وسقوط.

فإذا حلّت الشمس بمنزلة من المنازل سترت المنزلة التي تحلّ (٣) بها ، ومنزلة قبلها ، وظهرت المنزلة التي قبلهما (٤) طالعة بالغداة مع طلوع الفجر. فلا تزال طالعة مع الفجر وفي حدوده إلى انقضاء ثلاثة عشر يوما. ثم تتقدّم (٥) الفجر

__________________

(١) أي النجم الطالع ، أو المنزلة الطالعة.

(٢) في الأصل المخطوط : التي ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : تحد ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : قبلها ، وهو غلط.

(٥) في الأصل المخطوط : قبلها ، وهو غلط.

١٠٢

بالطلوع شيئا شيئا ، حتى ترى في وسط السماء عند طلوع الفجر ، وذلك بعد إحدى وتسعين ليلة من وقت طلوعها. ثم ترى ساقطة في المغرب عند طلوع الفجر ، وذلك بعد أحد وتسعين يوما من وقت توسّطها فيكون بين طلوع المنزلة وسقوطها ستة أشهر. ثم لا ترى طالعة بالغداة ، ولا ساقطة فيها ، إلى مثل اليوم الذي طلعت فيه ، أو سقطت ، من السّنة الماضية.

فإذا أردت أن تعرف الطالع والمتوسّط في أيّ وقت شئت فاعرف منزلة الشمس في ذلك الوقت ، واجعل منها ابتداء عدّك ، فالمنزلة الثامنة من منزلة الشمس هي التي تكون في وسط السماء عند غروب الشمس ، والخامسة عشرة هي التي تكون طالعة من المشرق عند غروب الشمس ، وهي نظير الشمس ، والثامنة عشرة هي التي تتوسّط السماء في وقت السّحور الأوّل والأذان ، والعشرون من منزلة الشمس هي التي تتوسّط السماء عند طلوع الفجر ، والسابعة والعشرون هي الطالعة بالغداة مع طلوع الفجر ، ونظيرها هي الساقطة حينئذ ، وهي الثالثة عشرة من منزلة الشمس.

١٠٣

باب

ذكر أوقات الليل وتقدير

ما يمضي منه بمسير المنازل

اعلم أن الليل في قول بعض أهل العلم محسوب من غروب الشمس إلى طلوعها. وهو مذهب أهل الحساب. وقيل إن الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وعلى هذا القول عامّة العلماء لأن حكم الليل في الصيام والصلاة ينقضي بطلوع الفجر.

فمن قال إن الليل من غروب الشمس إلى طلوعها جعل الليل أسباعا ، قدر كلّ سبع من طلوع منزلتين أو توسّط منزلتين لأن الطلوع من غروب الشمس إلى طلوعها أربع عشرة منزلة ، وبمثل ذلك تتوسط من غروب الشمس إلى طلوعها. ومن قال إن الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر جعله أسداسا ، لكل سدس منزلتان. وذلك كله على التقريب ، لا على الحقيقة أعني تقدير الليل بالمنازل.

فإذا أردت أن تعلم ذلك الوقت أو المنزلة الغاربة فاستدلّ بأيّ دليل تمكنت لك معرفته على قدر ما مضى من الليل وما بقي منه. فأمّا المنزلة الغاربة فتعدّ من منزلة الشمس إليها ، وتسقط من حسابك واحدا أبدا. فما بقي فهو عدّة ما مضى من الليل لكلّ منزلة ساعة ، والساعة نصف سدس الليل ، على أن الليل محسوب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وإن شئت فعدّ من المنزلة الغاربة إلى المنزلة التي تسقط عند طلوع الفجر ، وهي المنزلة الثالثة عشرة من منزلة الشمس ، وأسقط من حسابك أيضا واحدا. وما بقي فهو عدّة الساعات الباقية من الليل إلى طلوع الفجر.

١٠٤

وأمّا المنزلة الطالعة فعدّ من نظير منزلة الشمس إليها ، وتسقط من حسابك واحدا. وما بقي فهو عدّة ما مضى من الساعات المتقدّم ذكرها. وإن شئت فعدّ من المنزلة الطالعة إلى المنزلة التي تطلع في تلك الأيام مع طلوع الفجر ، وهي السابعة والعشرون (١) من منزلة الشمس ، وأسقط من حسابك أيضا واحدا وما بقي فعلى عدّته بقي من الساعات إلى طلوع الفجر.

وأما المنزلة المتوسّطة فتعدّ من منزلة الشمس إليها وتسقط من الجميع ثمانية أبدا. وما بقي فهو عدد الساعات الماضية من الليل. وإن شئت فعدّ من المنزلة المتوسّطة إلى المنزلة التي تتوسّط السماء عند طلوع الفجر ، وهي العشرون من منزلة الشمس ، وأسقط من ذلك واحدا ، فيكون الباقي عدّة ما بقي من الليل إلى طلوع الفجر.

فأمّا أوقات الليل فأوّلها العشاء ، وآخر العشاء عند مغيب الشّفق. ثم الهدوء وهو حين يهدأ الناس وينامون. والوهن ، والهزيع (٢) من أوّل الليل إلى نحو من ثلثه.

ويقال : عسعس الليل إذا أقبل بظلمته. ويكون عسعس أيضا بمعنى ولّى وأدبر ، وهو من الأضداد.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : الهريع ، وهو تصحيف.

١٠٥

ويقال غسق الليل وأغسق ، وغطش وأغطش ، وعشي وأعشى ، ودجا وأدجى. كلّ ذلك بمعنى أظلم. فأمّا سجا فبمعنى سكن. يقال : سجا الليل وغيره إذا سكن. قال الله عزوجل : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)(١) وقال تعالى في غسق الليل ، وهي ظلمته : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(٢). وقال عزوجل : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٣) يريد الليل إذا دخل بظلمته. ومعنى «وقب» دخل. ويقال أيضا : غبش (٤) وأغبش إذا أظلم. وقيل : بل الغبس والغبش (٥) ظلمة يخالطها ضوء ، ويكون ذلك في آخر الليل وفي أوّله ، والغبس ، بالسين غير المعجمة ، أيسرهما ضوءا.

وجون الليل وسطه ، وكذلك جوز كل شيء وسطه.

وآناء الليل ساعاته ، الواحد إنّي (٦) ، وكذلك آناء النهار.

وجبهة الليل أوّل مآخيره.

والسّحر الوقت الذي يلي الفجر من الليل.

والفجر أوّل ضوء يبدو من الصباح ، وهما فجران. فالأوّل منهما يسمّى (٧) ذنب السّرحان (٨) لدقّته ، وهو بياض يرى (٩) في الأفق غير معترض ، ويسمّى

__________________

(١) سورة الضحى ٩٣ / ١ ـ ٢.

(٢) سورة الإسراء ١٧ / ٧٨.

(٣) سورة الفلق ١١٣ / ٣.

(٤) في الأصل المخطوط : عبش ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : الغبش والعبش ، وهما تصحيف.

(٦) وأني وإني أيضا (أنظر اللسان : أنى).

(٧) في الأصل المخطوط : سمي.

(٨) السرحان : الذئب.

(٩) في الأصل المخطوط : شرق.

١٠٦

الفجر الكاذب ، وهو لا يحرّم على الصائم شيئا. وأما الفجر الثاني فهو البياض المستطير المعترض في الأفق. ويسمّى الفجر الصادق ، وهو الصبح ، وبه يحلّ وقت الصلاة ، ويحرم الأكل على الصائم.

وأوقات الفجر السّدف والغلس ، وهما امتزاج سواد الليل ببياض الصبح. وكذلك الغبس والغبش أيضا (١) وقد يعبّر بالسّدف عن الظلام المحض. وكذلك الغبس والغبش. تكون هذه الألفاظ من الأضداد.

فإذا انتشر ضياء الفجر ، وانبسط نوره حتى (٢) تظهر الشخوص ، فذلك (٣) الإسفار. ويقال : قد أسفر الصبح إسفارا إذا غلب ضوأه على الظلمة. ويقال حينئذ : قد انبلج الصبح انبلاجا ، وانفلق انفلاقا ، وانصدع انصداعا. والفلق : الصبح (٤) ، وهو الصديع أيضا.

ويسمّى سواد الليل الخالص الخيط الأسود. ويسمّى الممتزج منهما البريم والشّميط ، شبّه بشمط الشّعر ، وهو اختلاط سواده ببياض الشّيب. وأما البريم فهو خيط يفتل من خيطين ، أحدهما أسود ، والآخر أبيض فشبّه به ضوء الفجر المختلط بالظلمة.

__________________

(١) شرحهما المؤلف آنفا غير بعيد.

(٢) في الأصل المخطوط : حين

(٣) في الأصل المخطوط : كذلك

(٤) في الأصل المخطوط : للصبح.

١٠٧

باب في أوقات الصلوات

أوّل وقت الظهر إذا زالت الشمس عن خطّ وسط السماء وأخذ الظلّ في الزيادة. وذلك أن الشمس إذا طلعت كانت الظلال ممتدّة إلى جهة المغرب. وكلما (١) ارتفعت الشمس نقص الظلّ ، وانحرف إلى جهة الشمال ، حتى تصير الشمس في خط وسط السماء ، فيقف الظلّ حينئذ عن النقصان. ويسمّى ذلك ظلّ نصف النهار.

ومعرفتك لذلك بأن تقيم شخصا معتدلا ، عودا أو غيره ثم تقيس من أصله إلى منتهى ظله ، ثم تصبر قليلا ، وتعاود قياس ظله ، كما فعلت أوّل مرّة ، فإنه وجدته قد نقص عن الأول فالشمس لم تزل بعد ، ولم تصر (٢) في خط وسط السماء ، وإن وجدته مثل الأوّل فأنت في نصف النهار ، والشمس في وسط السماء فاحفظ مقدار الظل حينئذ ، فهو مقدار نصف النهار وقيل : هو الذي تزول الشمس عليه بالزيادة ، وعليه (٣) تعتبر أوقات الصلوات.

ثم تزول الشمس عن خط وسط السماء ، وتنحطّ إلى وجهة المغرب ، وذلك عند انقضاء الساعة السادسة من النهار ودخول الساعة السابعة. فيزيد الظلّ حينئذ ، وينتقل إلى جهة المشرق ، ويسمّى فيئا ، لأنه فاء ، أي رجع من جانب إلى جانب. وذلك أوّل وقت الظهر وسمّيت ظهرا لأن وقتها يدخل في الظّهيرة والظهيرة أشدّ أوقات النهار حرّا ، وهي وقت القائلة (٤).

__________________

(١) في الأصل المخطوط : كلما ، بدون واو.

(٢) في الأصل المخطوط : ولم يصر ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : عليه ، بدون واو.

(٤) القائلة : بمعنى القيلولة هاهنا ، وهي نومة نصف النهار.

١٠٨

ثم تزداد الشمس انحطاطا ، والظلّ زيادة. فإذا صارت زيادة الظل على ما كان عليه في نصف النهار فتلك وسط الظهر ، وهو الوقت المستحب لصلاة الجماعة. وإذا صارت الزيادة مثل طول الشخص فذلك آخر وقت الظهر ، وهو نفسه أوّل وقت العصر ، يكون مشتركا بينهما.

فإذا زاد الفيء على طول الشخص شيئا خرج وقت الظهر واختصّ الوقت بالعصر. ثم إذا بلغت زيادة الفيء مثل طول الشخص كان ذلك آخر وقت العصر. وسمّيت (١) العصر عصرا باسم الوقت الذي يصلّي فيه. والعصر عند العرب العشاء وابتداؤه من وقت امتداد الظلال وانكسار حرّ النهار. يقال : جئتك عصرا أي عشاء حين راح النهار.

ووقت المغرب إذا غابت الشمس ، لا تؤخّر (٢) عن ذلك إلّا لضرورة ، ولذلك سمّيت صلاة المغرب ، لأنها تصلّى عند مغرب الشمس ، وهو مغيبها. يقال : غربت الشمس غروبا ومغربا أيضا.

وأوّل وقت العشاء إذا غاب الشفق الأوّل ؛ وهو الحمرة الباقية بعد الشمس في أفق المغرب. وآخر وقتها إذا غاب الشفق الثاني ، وهو البياض الباقي بعد الحمرة ، وهو يغيب عند مضيّ ثلث الليل. وقيل : إنه يغيب في نصف الليل ، فآخر العشاء على هذا القول نصف الليل.

وأوّل وقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني ، وهو البياض الساطع المعترض في الأفق ، وآخر وقتها الإسفار الأعلى الذي يقرب من طلوع الشمس.

__________________

(١) أنث الفعل على معنى صلاة العصر.

(٢) لا تؤخر : أي الصلاة لا تؤخر.

١٠٩

باب

في معرفة سمت القبلة في جميع الأفق

اعلم أن الجهات أربع : جهة المشرق ، وجهة المغرب ، وجهة الشّمال ، وجهة الجنوب.

فجهة المشرق هي التي تطلع منها (١) الشمس في جميع أيام السنة. وهي من مشرق الشمس الأعلى ، وهي أقصى مطالعها الصيفية ، إلى مشرق الشمس الأسفل ، وهو أقصى مطالعها الشّتوية. وأوسط هذه الجهة يسمّى مشرق الاستواء ، وهو مطلع الشمس في زمن الاعتدال ، ويسمّى نقطة المشرق.

وجهة المغرب مقابلة لجهة المشرق. وهي من مغرب الشمس الأعلى ، (وهو أقصى مغاربها الصيفية ، إلى مغرب الشمس الأسفل) ، وهو أقصى مغاربها الشّتويّة. وأوسط هذه الجهة يسمّى مغرب الاستواء ، ويسمّى أيضا نقطة المغرب.

وجهة الشّمال عن يسارة مستقبل المشرق. وهي من مطلع الشمس الأعلى إلى مغربها الأعلى. وأوسط هذه الجهة يسمّى نقطة الشّمال ، وهو موضع القطب الأعلى الذي يدور عليه بنات نعش الصغرى. وأقرب كواكبها إليه الجدي.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : بها.

١١٠

وجهة الجنوب مقابلة لجهة الشمال ، وهي (من) مطلع الشمس الأسفل إلى مغربها الأسفل. وأوسط هذه الجهة يسمّى (١) نقطة الجنوب ، وهو موضع القطب الأسفل. وليس يرى هذا القطب في أقاليمنا هذه ، ولكنه في مقابلة القطب الأعلى وموازيه.

وآفاق الأرض محيطة بمكة ، شرّفها الله تعالى ، من جميع هذه الجهات. فمنها المشرّق عنها ، ومنها المغرّب ، ومنها المحاذي لها من جهة الشّمال ، ومنها المحاذي لها من جهة الجنوب. وجميع ذلك ثمانية آفاق : ثلاثة منها مغرّبة ، وثلاثة مشرّقة ، وواحد من ناحية الشّمال ، وآخر من ناحية الجنوب.

فمن الثلاثة المغرّبة واحد على خط مكّة ، شرّفها الله تعالى ، وهو أوسطها. والآخران مائلان عن خطها ، أحدهما مما يلي الشمال ، والآخر مما يلي الجنوب. وكذلك الآفاق الثلاثة المشرّقة ، أحدها (٢) وهو الأوسط على خط مكّة ، شرّفها الله والآخران مائلان عن خطها ، أحدهما إلى ناحية الشّمال ؛ والآخر إلى ناحية الجنوب.

فأمّا الأفق الغربي المائل عن خط مكّة ، شرّفها الله ، إلى جهة الشّمال فسمت الشمس فيه إلى مطلع الشمس الأسفل وما يقاربه ؛ وذلك تلقاء جدار البيت ، حرسه الله تعالى ، الذي فيه الميزاب. ويستدلّ على القبلة في هذا الأفق بأن يجعل الجدي حذاء المنكب الأيسر ، وقلب العقرب إذا طلع تلقاء الوجه وأمّا في النهار فتجعل الشمس إذا استوت في وسط السماء على طرف الحاجب الأيمن. وفي هذا الأفق من البلدان مدينة الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبيت المقدس ، حرسهما الله تعالى ، ومصر الإسكندريّة وطرابلس الغرب وإفريقيّة والأندلس وصقلّية.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : تسمى ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : أحدهما ، وهو غلط.

١١١

وأمّا الأفق الغربي الذي هو على خط مكّة شرّفها الله ، فقبلته إلى مشرق الاستواء وما يقاربه تلقاء الرّكن الغربي من البيت. وفي هذا الأفق بلاد الحبشة وما وراءها من بلد السّودان ، وما يوازي ذلك من سائر أرض المغرب (و). في حدود هذا (١) الأفق أسوان التي هي آخر عمل مصر.

وأمّا الأفق الغربيّ المائل عن خط مكّة ، شرّفها الله تعالى ، إلى جهة الجنوب فقبلته إلى مطلع الشمس الأعلى وما يتّصل به ، وذلك تلقاء جدار الكعبة الآخذ من الرّكن الغربيّ إلى الرّكن اليماني. وفي هذا الأفق بلد غانة وما يتّصل به من أرض المغرب. وفيه أيضا بلد النّوبة والحبشة ومغارب أرض اليمن.

وأما الأفق المحاذى لمكّة من جهة الجنوب فالقبلة إلى القطب الشّمالي وما يتصل به تلقاء الرّكن اليماني من البيت وفي هذا الأفق وسط بلاد اليمن.

وأما الأفق الشرقي المائل عن خط مكّة إلى جهة الجنوب فقبلته إلى مغرب الشمس الأعلى وما يتّصل به ، وذلك تلقاء جدار البيت الآخذ من الرّكن اليماني إلى الركن الأسود (٢). وفي هذا الأفق من البلدان مشارق أرض اليمن وبلد الشّحر (٣) وبلد الهند وما وراء من بلدان الصين الجنوبية.

وأمّا الأفق الشرقي الذي على خط مكّة فقبلته إلى مغرب الاستواء وما يقرب منه (٤) تلقا الرّكن الأسود من البيت. ومن بلدان هذا الأفق مدينة الطائف وبلد اليمامة ، وما يتّصل بذلك من جزيرة العرب.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : هذه ، وهو غلط.

(٢) الركن الأسود : أي الركن الذي فيه الحجر الأسود.

(٣) في الأصل المخطوط : السخر : ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : منها ، وهو غلط.

١١٢

وأما الأفق المائل عن خط مكّة إلى جهة الشّمال فقبلته إلى مغرب الشمس الأسفل (١) وما يدانيه ، وذلك تلقاء جدار الكعبة الذي فيه بابها. وفي هذا الأفق مدن العراق ، منها بغداد والبصرة والكوفة ، وفيه أيضا بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان ويستدلّ على القبلة (٢) في هذا الأفق بجعل الجدي حذاء المنكب الأيمن.

وأمّا الأفق المحاذي لمكّة ، شرّفها الله تعالى ، من جهة الشّمال فقبلته إلى القطب الجنوبي وما يقاربه. وفي هذا الأفق بلد قرقيسيا (٣) ونصيبين ورأس العين وما اتّصل بذلك من بلاد الجزيرة.

فهذا بيان سمت القبلة في جميع الآفاق المحيطة بمكّة.

فأمّا قول عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجّه نحو البيت» (٤) فليس معناه أن ذلك في جميع آفاق الأرض. وإنما يصحّ استعماله في نواحي المدينة ، وسائر الأفق المغرّب عن مكّة المائل عن خطّها إلى جهة الشّمال ، لأن القبلة في هذا الأفق فيما بين مشرق الإسواء ومغرب الشمس الأسفل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : للأسفل ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : هذه القبلة.

(٣) في الأصل المخطوط : قرقيسا ، وهو تصحيف.

وقرقيسيا : بلد في الجزيرة ، وهي كوره من كور ديار ربيعة (أنظر معجم ما استعجم ١٠٦٦) ، والبلدان.

(٤) يروى هذا القول لعمر وابن عمر أيضا.

روى الترمذي في سننه (٢ / ١٧٤): «وقال ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة ، إذا استقبلت القبلة». وروى البيهقي في ٢ / ٩ عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب ، قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت» ، وهذا أقرب إلى رواية المؤلف.

وقال ابن لا أثير في النهاية ٣ / ٢٥٤ في شرحه : «أراد به المسافر إذا التبست عليه قبلته. فأما الحاضر فيجب عليه التحري والاجتهاد. وهذا إنما يصح لمن كانت القبلة في جنوبه أو في شماله. ويجوز أن يكون أراد به قبلة أهل المدينة ونواحيها ، فإن الكعبة جنوبها».

١١٣

وقد يصحّ أن يستعمل قول عمر رضي‌الله‌عنه ، في غير هذا الأفق من الأرض ، ويكون التوجه والتحديد مختلفا (١). وذلك أن الأفق الشرقيّ المائل عن خط مكّة إلى جهة الشّمال الذي فيه أرض العراق قبلته فيما بين المشرق الأسفل ومغرب الاستواء ، والأفق الشرقي المائل عن خطّ مكّة إلى جهة الجنوب قبلته فيما بين المشرق الأعلى ومغرب الاستواء ، والأفق الغربيّ المائل عن خطّ مكّة إلى جهة الجنوب قبلته فيما بين مشرق الاستواء ومغرب الشمس الأعلى ، والأفق المحاذي لمكّة من جهة الجنوب قبلته فيما بين مشرق الشمس ومغربها الأعليين ، والأفق المحاذي لمكّة من جهة الشّمال قبلته فيما بين مشرق الشمس ومغربها الأسفلين (٢) ؛ فقد صارت هذه الآفاق الستة يصحّ أن يقال إن قبلتها فيما بين المشرق والمغرب ، ولكن التوجّه مختلف.

ولا يصحّ أن يقال ذلك في الأفقين (٣) الباقيين فاعلم ذلك إن شاء الله.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مخلفا ، وهو تصحيف

(٢) في الأصل المخطوط : الأعليين ، وهو غلط

(٣) في الأصل المخطوط : إلا في الأفقين ، وورود إلا هاهنا غلط يحيل المعنى. وأنظر أيضا اللسان والتاج (قبل).

١١٤

باب

في ذكر الرياح وأسمائهن وتحديد مهابهن

الرياح أربع : الصّبا والدّبور والشّمال والجنوب. فالصّبا تهبّ من مشرق الاستواء ، وهو وسط المشرقين. والدّبور تهبّ من مغرب الاستواء ، وهو وسط المغربين ، مقابلة للصّبا. والشّمال تهبّ من ناحية القطب الأعلى. والجنوب تهبّ من ناحية القطب الأسفل مقابلة للشّمال. فهذه حدود الرياح عند أهل الحساب وعلماء العجم (١).

وكلّ ريح هبّت (٢) بين حدّ من هذه الحدود فهي عندهم منكبة غير أصلية. والعرب تسمّيها نكباء لأنها نكّبت عن مهابّ الرياح ، أي عدلت. وجمع النّكباء نكب.

وقد اختلفت الحكاية عن العرب في تحديد مهابّ الرياح. فحكى ابن الأعرابيّ (٣) أن مهبّ الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا ، ومهبّ الصّبا من مطلع الثّريّا إلى بنات نعش ، ومهبّ (٤) الشّمال من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر ، ومهبّ الدّبور من مسقط النّسر إلى مطلع سهيل.

__________________

(١) أنظر الأنواء ١٥٨ ـ ١٦٩ والأزمنة ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٨٥ ، والآثار الباقية ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) في الأصل المخطوط : هب ، وهو غلط

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي ، من علماء الكوفة المشهورين (٢٣١) ترجمته في الفهرسة ٦٩ ، وطبقات النحويين للزبيدي ٢١٣ ـ ٢١٥ ، وتاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ، وإناه الرواة ٣ / ١٢٨ ـ ١٣٧ ، ومعجم الأدباء ـ ١٩٦ ١٨ / ١٨٩ وبغية الوعاة ٤٢ ـ ٤٣ ..

(٤) في الأصل المخطوط : مهاب ، وهو غلط.

١١٥

وذكر ابن كناسة عن خالد بن صفوان (١) أنه قال : مهبّ الصّبا ما بين مطلع الشّرطين إلى القطب ، ومهبّ الشّمال ما بين القطب إلى مسقط الشّرطين ، ومهبّ الدّبور ما بين مسقط الشّرطين إلى القطب الأسفل ، ومهبّ الجنوب ما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشّرطين.

وذكر الأصمعي (٢) وأبو زيد الأنصاري (٣) في تحديد الرياح نحوا مما قاله أهل الحساب.

قال الأصمعي : معظم الرياح أربع. وحدّهن بالبيت الحرام ، حرسه الله تعالى. فقال : القبول التي تأتي من قبل الكعبة ، شرّفها الله تعالى ، وهي الصّبا. والدّبور التي تأتي من دبر الكعبة ، والشّمال التي تأتي من قبل الحجر (٤) ، والجنوب من تلقائها ، يريد تلقاء الشّمال. قال وكلّ ريح انحرفت ، فوقعت بين ريحين من هذه الرياح فهي (٥) نكباء.

وقال أبو زيد مثل ذلك.

وأنشدوا لذي الرّمّة يذكر الرياح الأربع والنّكب :

__________________

(١) هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري ، من فصحاء العرب ، ولد ونشأ بالبصرة ، وكان يجالس الخلفاء ، وأدرك خلالة أبي العباس السفاح العباسي. ترجمته في وفيات الأعيان (١ / ٢٤٣) في ترجمة أبي بردة الأشعري) ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٩٥ ، ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، ومعجم البلدان.

(٢) هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي ، اللغوي البصري المشهور (٢١٦). ترجمته في الفهرست ٥٥ ـ ٥٦ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٨٣ ـ ١٩٢ وأخبار النحويين البصريين ٤٥ ـ ٥٢ ، وتاريخ بغداد ١٠ / ٤١٠ ـ ٤٢٠ ، وانباه الرواة ٢ / ١٩٧ ـ ٢٠٥ ، وطبقات القراء ١ / ٤٧٠ ، وبغية الوعاة ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٣) هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري ، اللغوي البصري المشهور (٢١٥). ترجمته في الفهرست ٥٤ ـ ٥٥ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وأخبار النحويين البصريين ٤١ ـ ٤٥ ، وتاريخ بغداد ٩ / ٧٧ ـ ٨٠ وإنباه الرواة ٢ / ٣٠ ـ ٣٥ وطبقات القراء ١ / ٣٠٥ ، وبغية الوعاة ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٤) منطقة عند وادي القرى في شمال الحجاز ناحية.

(٥) في الأصل المخطوط : وهي ، وهو غلط.

١١٦

أهاضيب أنواء وهيفان جرّتا

على الدّار أعراف الجبال الأعافر (١)

وثالثة تهوي من الشّام حرجف

لها سنن فوق الحصى بالأعاصر (٢)

ورابعة من مطلع الشّمس أجفلت

عليه بدقعاء المعا وقراقر (٣)

وحنّت بها النّكب السّواقى فأكثرت

حنين اللّقاح القاربات العواشر (٤)

أراد بالهيفين الجنوب والدّبور ، لأن العرب تصفهما بالحرّ ، والهيف الريح الحارّة.

والتي «تهوي من الشام» هي الشّمال ، وتسمّى الريح الشآمية لأن مهبّها من بلاد العرب (٥) مما يلي الشام.

والتي «من مطلع الشمس» الصّبا ، وتسمّى القبول وتسمّى الريح الشرقية. وكانت العرب تجعل بيوتها بإزاء الصّبا ومطلع الشمس والصّبا يتبرّك بها ، وهي ريح النصر (٦) التي نصر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور (٧)» والصّبا ريح أهل نجد ، وبها يمطرون.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : أهاضيب ، وهو تصحيف. وفيه أيضا : الجبال والأبيات من قصيدة لدى الرمة مطلعها :

أشاقتك أخلاق الرسوم الدواثر

بأدعاص حوضى المعنقات النوادر

والأهاضيب : الأمطار ، واحدها أهضوبة والحبال : حبال الرمل. وأعرافها : أعاليها. يريد رمال الأعالي. والأعافر : الحمر ، واحدها أعفر ، من العفرة ، وهي لون التراب والرمل الضارب إلى الحمرة. الحرجف : الريح الشديدة الباردة. والسنن : الإسم من استنت الريح ، إذا اسرعت واشتد هبوبها. والأعاصير : جمع إعصار ، وهو التراب والعجاج يرتفع مع الرياح. وأجفت به : أي طيرته وأقبلت به. والدقعاء : التراب والمعا وقراقر : موضعان. والسوافي : التي تسفي التراب. واللقاح : جمع لقحة ، وهي الناقة التي وضعت جنينا. والقاربات : التي قرين الماء. والعواشر : التي ترد الماء العشر ، أي في اليوم العاشر من شربها.

والقصيدة في ديوان ذي الرمة ٢٨٢ ـ ٣٠٢ ، والأبيات الأربعة في الآثار الباقية ٣٤٠ ، والأنواء ١٥٩ ، والأزمنة ٢ / ٧٨.

(٢) في الأصل المخطوط : بين بدل سنن ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : وأربعة ، وهو غلط.

وفيه أيضا : أحبلت بدل أجفلت ، وهو تصحيف.

وفيه أيضا : برقعاء ، وهو تصحيف.

وفيه أيضا : وفرافر ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : القاربان ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : المغرب ، وهو تصحيف.

(٦) يعني بالنصر هاهنا نصر يوم الخندق ، حين هبت ريح شديدة في يوم شات ، فجعلت تكفى قدورهم ، وتقلب أبنيتهم ، فضعفوا وارتحلوا من الليل عن المدينة خائبين. أنظر الآثار الباقية ٢٥٥.

(٧) أنظر الحديث في النهاية ٢ / ١١ ـ ١٢ ، والآثار الباقية ٢٥٥ ، واللسان (دبر).

١١٧

وأمّا الدّبور فهي الريح الغربية ، وتسمّى محوة ، لمحوها الآثار بشدّة عصوفها. هذا قول أبي زيد الأنصاري. وزعم الأصمعي أن محوة من أسماء الشّمال. والدّبور أقلّ الرياح هبوبا. وهي الريح العقيم ، لأنها لا تستدرّ السحاب ولا تلقح الشجر.

وأما الجنوب فهي الريح اليمانية ، لأن مهبّها من بلاد العرب مما يلي اليمن. ومن أسمائها الأزيب (١) والنّعامى والهيف. والجنوب ريح أهل الحجاز ، بها يمطرون ، وإياها يستطيبون. وأمّا غير أهل الحجاز فليست الجنوب بموافقة لهم ، وهي في الضّرر كالأخت الدّبور. ومتى اشتدّ هبوبها كدّرت الهواء والماء ، وأثقلت الحواسّ ، وخوّرت (٢) الأبدان وأرخته وأهعل مصر يسمّونها المريسيّة (٣). وإذا دامت عليهم أهلكتهم.

وأمّا الشّمال فمن (أسمائها) الحدواء (٤) والمسع (٥). قال الأصمعي : ومحوة اسم للشمال ، لأنها تمحو السحاب. وهذا القول إنما يصحّ على مذهب أهل الحجاز ، لأنهم يمدحون الجنوب ، ويذمّون الشّمال. وأمّا بلادنا نحن فمن شأن الشّمال (فيها) إثارة السحاب وإدرار الغيث. وكذلك هي عند غير أهل الحجاز من العرب. والشّمال

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الأرتب ، وهو تصحيف.

وقال الزبيدي في التاج : الأزيب كالأحمر : الجنوب ، هذلية ، به جزم المبرد في كامله ، وابن فارس والطرابلسي». أنظر التاج واللسان : زيب ، والأزمنة ٢ / ٧٧. ويعني بالطرابلسي هاهنا أبا إسحاق ابن الأجدابي مؤلف هذا الكتاب.

(٢) في الأصل المخطوط : تورث ، وهو تصحيف.

وخورت الأبدان : أي أضعفتها وأورثت فيها فتورا

(٣) في الأصل المخطوط : المريسة ، وهو تصحيف.

والمريسية : ريح جنوبية تهب من قبل مريس ، وهي أدنى بلاد النوبة التي تلي أرض أسوان من صعيد مصر في أعالي النيل. وهي ريح باردة تقطع الغيوم وتصفي الهواء وتقوي حرارة الأبدان ويقع الوباء إذا دامت المريسية في مصر. كما يقع الوباء في العراق إذا دامت الريح في أيام البوارح. وأيام هبوب المريسية في مصر مقابلة لأيام البوارح ببغداد. لأن المريسية تهب في مصر في كانون الأول ، والبوارح في العراق تهب في حزيران والبوارح تدوم أربعين يوما ، والمريسية أربعين.

أنظر الإشراف والتنبيه ١٧ ـ ١٨ واللسان (مرس).

(٤) في الأصل المخطوط : الحوما ، وهو تصحيف.

وسميت الشمال حدواء لأنها تحدو السحاب ، أي تسوقه وتدفعه (الأنواء ١٦٠ ـ ١٦١ ، واللسان : حدا).

ويمكن أن تقرأ الكلمة في متن الكتاب : الجربياء ، وهي من أسماء الشمال أيضا ومعناها الباردة التي ترمي بالجريب وهو التراب والحصى (الأزمنة ٢ / ٧٧ ، واللسان : جرب).

(٥) في الأصل المخطوط : الميع ، وهو تصحيف.

والمسع يقال لها النسع أيضا (الأنواء ١٦٢ ، واللسان مسع ، نسع).

١١٨

يشتدّ هبوبها بالنهار. فإذا كان الليل لانت وسكنت. والجنوب تهبّ بالليل. تقول العرب : «إن الجنوب قالت للشّمال : إن لي عليك فضلا ، أنا أسري ، وأنت لا تسرين (١). فقالت الشّمالك الحرّة لا تسري (٢)». ولذلك سمّوا الشّمال مؤوّبة والتّأويب : سير النهار ، والسّرى (٣) : سير الليل. قال الهذليّ (٤)

قد حال بين دريسيه مؤوّبة

مسع لها بعضاه الأرض تهزيز (٥)

__________________

(١) في الأصل المخطوط : لا تسيرين ، وهو تصحيف.

(٢) أنظر القول في الأنواء ١٦١.

(٣) في الأصل المخطوط : والسير ، وهو تصحيف.

(٤) هو المتنخل الهذلي ، واسمه مالك بن عمرو بن عثم ، وهو شاعر جاهلي. ترجمته في الشعراء ٦٢ ـ ٦٤٧ ، والأغاني ٢٠ / ١٤٥ ـ ١٤٧ ، والمؤتلف ١٧٨ ـ ١٧٩ ، اللآلي ٧٢٤ ، والاقتضاب ٣٦٣ ، والخزانة ٢ / ١٣٥ ـ ٣٧ ، والعيني ٣ / ٥١٧

(٥) في الأصل المخطوط : دريسه. بعصاه تهرير ، وهي تصحيف.

والبيت من قصيدة للمتنخل مطلعها ، وصلة البيت قبله :

لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم

قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز

لو أنّه جاءني جوعان مهتلك

من بؤّس النّاس عنه الخير محجوز.

 .................

قد حال دون .......

الدريس : الثوب الخلق. والعضاه : كل شجر له شوك.

والقصيدة في ديوان الهذليين ٢ / ١٥ ـ ١٧. والبيت وحده في الأنواء ١٦١ ، والأزمنة ٢ / ٧٧ ، واللسان (مسع) وفيه أن ابن بري ذكر أن البيت لأبي ذؤيب الهذلي.

١١٩

باب في معنى النوء

النجوم التي تنسب إليها الأنواء هي منازل القمر الثمانية والعشرون ومعنى النّوء أن يسقط النجم منها في المغرب بالغداة ، وقد بقي من الليل غبش يسير ، ويطلع آخر يقابله تلك الساعة من المشرق. والذي ناء منهما في الحقيقة هو الطالع ، لأن النّوء في اللغة النهوض ولكن العرب قلبت ذلك ، فجعلت النّوء للساقط منهما ، لا للطالع فإذا قالوا : ناء نجم كذا فمعناه سقط بالغداة (١).

وإنما فعلوا ذلك لأن النّوء ، وإن كان معناه في كلامهم النهوض ، فإنما هو نهوض المثقل الذي كأنه يميله شيء ، ويجذبه إلى أسفل. فالساقط من النجوم هو الذي مال وسفل. فلذلك نسبوا النّوء إليه. وقد حكى الفرّاء (٢) أن النّوء يكون بمعنى السقوط والميلان فمعنى قولهم ناء الكوكب ينوء ، أي مال ساقطا في المغرب ولم يستعملوا ذلك إلّا في سقوطه بالغداة.

فإذا ناء النجم من هذه النجوم فمدّة نوئه ثلاثه عشر يوما إلّا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما ، خصّت بذاك لشرف نوئها عندهم. فما كان في هذه الثّلاثة عشر يوما من مطر أو ريح أو برد فهو منسوب إلى ذلك النجم الساقط بالغداة. ويسمّى ذلك هيجا (٣). إلا أن يكون الهيج بارحا ، والبارح (٤) ريح السّموم فإنه ينسب إلى الطالع (٥). فإذا سمعتهم ينسبون الحرّ إلى الثّريا ، أو إلى الجوزاء ؛ أو إلى

__________________

(١) أنظر لذلك الأنواء ٧ ـ ٨ ، والأزمنة ١ / ١٨ ـ ١٨١ ، واللسان (نوأ).

(٢) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ، نحوي كوفي مشهور (٢٠٧). ترجمته في الفهرست ٦٦ ـ ٦٧ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٤٣ ـ ١٤٦ ، وتاريخ بغداد ١٤ / ١٤٩ ـ ١٥٥ ، ومعجم الأدباء ٢٠ / ٩ ـ ١٤ ، وبغية الوعاة ٤١١.

(٣) الهيج : المطر والريح والبرد ، كم ذكر المؤلف. ويقال : يومنا يوم هيج. أي يوم غيم ومطر.

(٤) في الأصل المخطوط : بارجا والبارج ، وهما تصحيف.

(٥) أنظر تفصيل ذلك في الأنواء ٨٨ ـ ٨٩.

١٢٠