شرح زيارة عاشوراء

الشيخ أبي المعالي الكلباسي

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

الشيخ أبي المعالي الكلباسي


المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: ٢٩٦

قال : قلت : هلكنا.

قال : ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام» (١).

وكذا ما في «الوسائل» في كتاب الزكاة في باب استحباب الصدقة في الليل عن العلل ، بالإسناد عن سفيان بن عيينة (٢) ، قال : «رأى الزهري عليّ بن الحسين عليهما السلام ليلة [باردة مطيرة] وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي ، فقال له : يا بن رسول الله ، ما هذا؟

قال : اُريد سفراً اُعدّ له زاداً أحمله إلى مكان [موضع] حريز ... إلى أن قال : فلمّا كان بعد أيام قال له : يا بن رسول الله ، لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً؟

قال : بلى يا زهري ، ليس ما ظننت ولكنّه الموت ، وله كنت أستعد ...» (٣).

وكذا ما في «الوسائل» في كتاب القضاء ، [عن «معاني الأخبار» ، و] عن «العلل» بالإسناد عن ابن أبي عمير ، عن عبد المؤمن الأنصاري ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ قوماً رووا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنّ اختلاف أُمّتي رحمة.

فقال : صدقوا.

فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟

قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنّما أراد قول الله عزّ وجلّ : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ((٤) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم

__________________

(١) تهذيب الأحكام: ٤: ٢٠٣/٢.

(٢) في كتاب الزكاة في باب استحباب الصدقة في الليل عن العلل: بالإسناد عن سفيان بن عيينة ، بالعين المهملة المضمومة والمثناتين من تحت ومنّون. منه عفي عنه.

(٣) وسائل الشيعة: ٩: ٤٠١ ، الباب ١٤ من أبواب الصدقة ، الحديث ٥.

(٤) التوبة ٩: ١٢٢.

٨١

فيعلموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد» (١).

ولكن يمكن أن يقال : إنّ الظاهر والغالب الإصابة وبروز الخطأ في بعض الأحيان لا يوجب رفع الظن كما أن بروز الكذب عن الشخص في بعض الأوان لا يوجب رفع الظنّ بصدقه أو رفع الظن بصدق أمثاله فيما لم يثبت الكذب فيه ، وكما أن بروز

__________________

(١) وسائل الشيعة: ٢٧: ١٤٠ ، الباب ١١ من أبواب القاضي ، الحديث ١٠.

وقد روي في الكافي والفقيه بالإسناد عن أبي بصير ، قال: «سألت أبا عبدالله عليه السلام فقلت: متى يحرم الطعام والشراب على الصائم ، وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟

فقال: إذا اعترض الفجر وكان كالقبطيّة البيضاء، فثمّ يحرم الطعام ويحلّ الصيام وتحلّ الصلاة صلاة الفجر

قلت: فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟

فقال: هيهات، أين تذهب تلك صلاة الصبيان».

قوله: «كالقبطيّة» ـ بكسر القاف وسكون الباء الموحدة وتشديد الياء ـ منسوبة إلى القبط ، ثياب بيض رقاق تتّخذ بمصر ، وقد يضمّ القاف ، نظير: سهلى ودهرى ، كما يقتضيه كلام صاحب الصحاح.

وعن شيخنا البهائي: «القبط: بكسر القاف».

وذكر في القاموس: أنّ القبط ـ بالكسر ـ أهل مصر ، وإليه ينسب الثياب القبطيّة ، وبالضمّ على غير قياس.

وذكر في المغرب نقلاً: أنّ القبطي ـ بضمّ القاف ـ واحد القباطي ، وهي ثياب بيض دقيقة رقيقة تعمل وتتّخذ بمصر ، نسبت إلى القبط بالكسر والتبعيّة ، كما في دهرى نسبة إلى الدهر ـ بالفتح ـ. يقال: رجل قبطي بالكسر على الأصل.

قوله: «في وقت» أي وقت الصلاة.

وبعد فالأمر في الحديث ليس من باب حمل اللفظ على خلاف المراد. ذكرناه من باب المناسبة والمشابهة. منه رحمه الله.

٨٢

التجوز في بعض المواضع لا يوجب الفتور في ظهور الحقيقة لا في كلام المتجوز ولا في كلام غيره فيما لم يثبت فيه الحال ، فالاستناد إلى فهم سيف بن عميرة لا بأس به بنفسه.

إلّا أنّه يتطرّق الكلام بما مرّ.

وبعد ما مرّ أقول : إنّه كان المناسب له الاستناد في عدم جواز حمل التكبير على الركعتين بأن مقتضى صدر رواية «كامل الزيارة» وكذا صدر رواية «المصباح» ، وكذا فعل صفوان رواية عن الصادق عليه السلام تأخّر الصلاة عن الزيارة ولو حمل التكبير على الركعتين يصير مقتضاه تأخر الزيارة عن الركعتين ، وهو مخالف لما ذكر بخلاف ما لو حمل على ظاهره ، فإنّه يصير مقتضاه تأخر الصلاة عن الزيارة ، وهو موافق لما ذكر فهو الأرجح.

قوله : «فلابد من حمل الركعتين على التكبير» لا يذهب عليك أنّه لو تمّ التمسّك بالوجوه المتقدّمة إنّما يتمّ في عدم حمل التكبير على الركعتين ، لكن لا يتأتّى منها لزوم حمل الركعتين على التكبير ، كيف وهو قد احتمل السهو في الركعتين ، بل الحمل على السهو أولى وأقرب من حمل الركعتين على التكبير لعدم اتّفاق مثل استعمال الركعتين في التكبير في الأخبار وقوة احتمال السهو والنسيان في الإنسان.

قوله : «لأن قلت» في قوله : «وقلت عند الإيماء إليه» عطف على «تومئ»

قد ظهر فيما تقدم فساد هذا الوجه لفظاً ومعنى.

وإن قلت : إن فساد المعنى إنما يلزم على تقدير كون الغرض اتحاد الزيارة والصلاة ، وأما لو كان الغرض تعدد الزيارة والصلاة فلا يلزم فساد المعنى.

قلت : إنه لو كان الغرض تعدد الزيارة والصلاة يلزم مخالفة الذيل للصدر لاقتضاء الصدر كفاية وحدة الزيارة والصلاة واقتضاء الذيل تعدد الزيارة والصلاة.

اللهم إلّا أن يبنى على تعدد الزيارة والصلاة ، لكنه خلاف ما يقتضيه الصدر

٨٣

من كفاية وحدة الزيارة والصلاة وعدم الحاجة إلى التعدّد مع أن مقصوده التوفيق بين الصدر والذيل.

قوله : «مخالفاً للصدر لاقتضاء الصدر» ، أعني قوله عليه السلام : «وأومئ إليه بالسلام واجتهد على قاتله بالدعاء وصلى بعده ركعتين» ، كون الركعتين في آخر الأمر واقتضاء الذيل ، أعني قوله : «وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول» كون الزيارة بعد الركعتين.

قوله : «وذيله» ، أي حكاية سيف بن عميرة مع صفوان لاقتضاء الذيل كون الركعتين في آخر العمل واقتضاء قوله عليه السلام : «وقلت ...» ، كون الزيارة بعد الركعتين ، لكنّك خبير بأن واقعة سيف بن عميرة مع صفوان واقعة في رواية «المصباح» ، وأما «كامل الزيارة» فهو خال عن تلك الواقعة.

قوله : «وأمّا على تقدير ذكر كلمة من» ، فكذلك كما لا يخفى لوضوح اقتضاء قوله : «وقلت» تأخر الزيارة عن الركعتين وهو خلاف ما يقتضيه الصدر بناء على ما زعمه من اشتمال رواية «كامل الزيارة» على واقعة سيف بن عميرة مع صفوان.

وبعد هذا أقول : إنّ الوجه المذكور بعد ضعفه بما يظهر ممّا سمعت آنفاً من أن غاية الأمر لزوم حمل الركعتين على التكبير أو السهو ، ولا يتعيّن الأوّل يضعف بما سمعت الإيراد به سالفاً من ندرة التجوز بالكلّ عن الجزء واحتمال السهو في الركعتين كما ذكره ، فلا ينتهض البناء على التجوز في الركعتين عن التكبير كما هو مقتضى كلامه.

وبما تقدّم ينهدم بنيان ما جرى عليه بعض الأعلام المتقدّم من كون المدار على التكبير مرّات متعدّدة ، وإن كان الأحوط مائة مرّة بملاحظة ما ذكره الكفعمي (١)

__________________

(١) في كتابة جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية ، المشهور بالمصباح: ٥٦٤.

٨٤

من اعتبار مائة مرّة والزيارة من السلام إلى السجدة ودعائها ، حيث إن الابتداء فيه بالتكبير مبني على جعل قوله عليه السلام : «فقل» في رواية «المصباح» معطوفاً على قوله عليه السلام : «تومئ» ، وقد مر تضعيفه ، وتقديم الزيارة فيه على الصلاة مبني على حمل الركعتين في رواية «كامل الزيارة» على التكبير ، وقد مرّ تزييفه.

وربّما جرى بعض أيضاً على طرح الاتّحاد بين ذيل رواية «كامل الزيارة» وصدر رواية «المصباح» وفعل صفوان بكون «بعد ُ» مبنيّاً على الضمّ مضافاً إلى محذوف ، نحو : (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) (١) ، وكون الركعتين إما مفعولاً لـ (صليت) المقدّر هاهنا لوضوحه ودلالة القرينة عليه أو نحو ذلك ، ومقتضاه كون قوله عليه السلام : «من بعد الركعتين» أو بإسقاط الواو جملة معترضة في البين ، وربما يشعر به قوله عليه السلام : «وصلّى من بعدُ ركعتين» في رواية «المصباح» (٢) ، لكون «بعد» فيه مبنيّاً على الضمّ.

لكن نقول : إنّ الوجه المزبور بعد عدم صحته لو كان النسخة : «بعدُ» بدون الواو و «من» ، فتدبّر (٣) في مخالفة الظاهر بمكان لا أحسب أن يتحقّق ما يكون أشدّ مخالفة للظاهر منه في مورد.

والبعض المذكور جرى على طرح الاتّحاد أيضاً بين ذيل رواية «المصباح» وصدرها ، وصدر رواية «المصباح» وصدرها ، وصدر رواية «كامل الزيارة» وفعل صفوان بجعل قوله عليه السلام : «فقل» معطوفاً على قوله عليه السلام : «تومئ» ، بل جعل هذا

__________________

(١) الطور ٥٢ : ٢٦.

(٢) قوله: «في رواية المصباح» ، وكذا قوله عليه السلام: «وصلِّي بعد ركعتين» في صدر رواية كامل الزيارة على ما عندي من النسخة ، كما مرّ ، منه رحمه الله.

(٣) قوله: «فتدبّر» إشارة إلى إمكان اطّراد الوجه المشار إليه على تقدير كون النسخة بدون الواو ومن ، غاية الأمر كون المخالفة للظاهر أشد. منه رحمه الله.

٨٥

ظاهراً ، وهو مدفوع بما تقدّم.

وجرى في «الدرّ المنثور» (١) على وجه نفي البعد على كون قوله عليه السلام في ذيل رواية «المصباح» : «فقل» محرّف «فقلت» بناء على أن المعهود المتعارف بين الإماميّة هو تأخير الصلاة عن الزيارة من باب طرح الإتحاد بين الذيل المذكور ، أعني ذيل رواية «المصباح» وصدرها وصدر رواية «كامل الزيارة» وفعل صفوان.

وأنت خبير بأن الوجه المذكور إن كان المقصود به مجرّد الاحتمال المساوي فلا عبرة به ، وإن كان الغرض الاحتمال القريب من باب انصراف المطلق إلى بعض الأفراد ، أعني انصراف نفي البعد إلى القرب فليس بشيء.

وقد بنى الكفعمي (٢) على أن المدار على الإيماء بالسلام المختصر والاجتهاد في اللعن على قاتل سيّد الشهداء والصلاة ركعتين والتكبير مائة مرّة والزيارة المشهورة بتمامها والصلاة ركعتين أيضاً ، لكنّه عبّر عنهما بركعتي الزيارة ، وظاهره كون الصلاة الثانية هي صلاة الزيارة وكون الصلاة الأولى من باب الاحتياط ، فالمرجع إلى القول بتأخر صلاة الزيارة عن الزيارة.

وربما احتمل أن تكون الركعتان الأوليان من باب استحباب الصلاة في مطلق الزيارة وأن تكون الركعتان الأوليان والركعتان الأخيرتان من باب استحباب الركعات الأربع في يوم عاشوراء ، كما أن في كلامه نوع إشارة إليه ، حيث إنه قال بعد دعاء الهدية : «ويستحب أن يصلّي أيضاً في يوم عاشوراء أربع ركعات».

أقول : إن كلام الكفعمي في باب البعيد (٣) وهو ساكت عن حال القريب ،

__________________

(١) ستأتي الإشارة إلى هذا الكتاب ومؤلّفه.

(٢) في كتابه جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية ، المشهور بالمصباح :٥٦٤.

(٣) حيث إنّه قال ما نصّه: «فمن أراد ذلك ، وكان بعيداً عنه عليه السلام ، فليبرز إلى الصحراء ...».

٨٦

والاحتمال الأوّل إنما ينتهض في حق البعيد لو ثبت استحباب الصلاة في مطلق الزيارة ولو في حقّ البعيد مقدمة على الصلاة ، وإلّا فلو لم يثبت استحباب الصلاة في مطلق الزيارة حتى زيارة عاشوراء أو ثبت الإطلاق المذكور ، لكن لم يتم شموله للبعيد أو تم شموله للبعيد ، لكن لم يتمّ تقدّم الصلاة على الزيارة في حقّ البعيد ، فلا يتمّ الاحتمال المذكور.

نعم ، مقتضى كلام ابن زهرة والسيّد الداماد ، بل الشهيد في «الذكرى» استحباب الصلاة في باب الزيارة مطلقاً كما يأتي ، لكن مقتضى كلامهم تقدّم الصلاة على الزيارة في حق البعيد ، وبعد انتهاض إطلاق استحباب الصلاة في مطلق الزيارة ولو في حق البعيد مقدّمة على الصلاة لا بدّ من تقييده بما دل على استحباب الصلاة في زيارة عاشوراء مؤخّرة عن الزيارة ، كما هو المفروض بناء على حمل المطلق على المقيد في المندوبات.

وأما الاحتمال الثاني فهو خلاف الظاهر إذ الظاهر من قوله : «أيضاً» في قوله : «ويستحب أن تصلّي أيضاً في يوم عاشوراء أربع ركعات» هو كون الصلاة الأربع المذكورة أخيراً غير الصلوات الأربع الاُولى ، وما ذكره المحتمل من أن قوله : «ويستحب أن يصلّي أيضاً في يوم عاشوراء أربع ركعات» نوع إشارة إلى كون الجمع بين الركعتين الأوليتين والركعتين الأخيرتين من باب استحباب الصلوات الأربع ، ظاهر الضعف.

وبالجملة قال الكفعمي : «وقل بعدهما ـ يعني الركعتين الأخيرتين ـ:

اللّهُمَّ إِنّي لَكَ صَلَّيْتُ ، وَلَكَ رَكَعْتُ ، وَلَكَ سَجَدْتُ ، وَحْدَكَ لَا شَريكَ لَكَ ، لِأَنَّهُ لَا يَجوزُ الصَّلَاةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إِلَّا لَكَ ، لِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَبْلِغْهُمْ أَفْضَلَ السَّلَامِ وَالتَّحِيَّةِ ، وَارْدُدْ عَلَيَّ مِنْهُمْ السَّلَامَ. اللّهُمَّ وَهاتانِ الرَّكْعَتانِ هَدِيَّةٌ مِنّي إِلى سَيّدي مَوْلَايَ

٨٧

الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. اللّهُمَّ صَلُّ عَلى مُحَّمَدٍ وَآلِهِ ، وَتَقَبَّلْهُما مِنّي ، وَأَجْزِني عَلَيْهِما أَفْضَلَ أَمَلي وَرَجائي فيكَ وَفي وَليِّكَ ، يا وَلِيَّ الْمُؤْمِنينَ.

فقال : ويستحبّ أن تصلّي أيضاً في يوم عاشوراء أربع ركعات ، وقد مر كيفية فعلهما في فصل الصلوات ، ثمّ ادع بعد هذه الزيارة هذا الدعاء المروي عن الصادق عليه السلام (١) وذكر دعاء الوداع ، أعني دعاء صفوان.

قوله (٢) : «ويستحب أن تصلّي أيضاً في يوم عاشوراء أربع ركعات» ظاهره بمقتضى ذكر دعاء الوداع بعد ذلك هو استحباب الإتيان بتلك الصلوات الأربع بعد الصلاة الثانية ، لكن ظاهر قوله : «ثمّ ادع بعد هذه الزيارة بهذا الدعاء» هو كون الدعاء بعد الزيارة من دون تخلل الركعات الأربع ، وعلى هذا يكون قوله : «ويستحب» من باب الجملة المعترضة ، لكنّه بعيد.

وبالجملة : فقد عدَّ في فصل الصلوات من الصلوات صلاة عاشوراء ، وحكاه عن ابن فهد في موجزه ، قال : «وصلاة عاشوراء أربع مفصولة يحسن ركوعها وسجودها ويقرأ في الاُولى بعد الحمد الجحد ، وفي الثانية التوحيد ، وفي الثالثة الأحزاب ، وفي الرابعة المنافقون أو ما تيسر ، ثمّ يسلّم ويحوّل وجهه نحو قبر الحسين عليه السلام ويزوره. قاله ابن فهد في موجزه» (٣).

أقول : إن ظاهر كلامه أن ما ذكره بيان الكيفية الواقعية لا الاحتياط ، مع أنه لم يرد رواية تطبق ما ذكره ولم يذكره بطريق الرواية ، كيف والإشكال في عدم مداخلة كل من الصلاتين في الزيارة واقعاً ، ومع هذا لا دليل على ما ذكره من العدد في باب

__________________

(١) جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية ، المشهور بالمصباح: ٥٦٧.

(٢) أي قول الكفعمي.

(٣) جنّة المأوى الواقية وجنّة الإيمان الباقية ، المشهور بالمصباح: ٤٧٥.

٨٨

التكبير ومع هذا لو كان غرضه إدراج الصلوات الأربع بين الصلاة الأخيرة ودعاء الوداع فضعفه ظاهر ، إذ لا ريب في عدم دخولها في الزيارة ، فلا مجال للاحتياط بها فضلاً عن القول بدخولها في الزيارة.

وقد ذكر المحقّق القمّي : «أن الأظهر كون المدار وفاقاً لما ذكره الكفعمي على الإيماء بالسلام المختصر والصلاة ركعتين والزيارة المشهورة بتمامها والصلاة ركعتين أيضاً ودعاء الوداع ، وذكر أن الأوْلى تقديم الزيارة السادسة لأمير المؤمنين عليه السلام بصلواتها الستّ على زيارة عاشوراء على الكيفية المذكورة بملاحظة فعل صفوان المحكي عن أبي عبد الله عليه السلام.

وأنت خبير بأن الكفعمي ذكر الاجتهاد في اللعن على قاتل سيّد الشهداء عليه السلام بعد السلام المختصر ، وذكر أيضاً التكبير مائة مرة قبل الزيارة المشهورة (١) ، وكلام المحقّق (٢) المشار إليه خال عنهما كما ترى ، مع أن ظاهر كلامه قضية التعبير بالأظهر أن ما ذكره من باب بيان كيفية الزيارة واقعاً ، فمقتضاه مداخلة كل من الصلاتين معاً في الزيارة مع وضوح عدم مداخلة إحداهما ، أمّا الاُولى أو الثانية بلا شبهة. نعم ، الاحتياط يقتضي الإتيان بهما معاً ، مضافاً إلى أن ما ذكره من أولوية تقديم الزيارة السادسة يظهر ما فيه بما يأتي.

وبعد ما مرّ أقول :إنّ الكفعمي (٣) قد اعتبر بين الصلاة والتكبير أن يندب الزائر على سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ، ويبكي عليه ، ويأمر من في داره بذلك ممّن لا يتقيه ، ويقيم في داره مع من حضره المصيبة بإظهار الجزع عليه ، وأن يعزي بعضهم بعضاً بالمصاب بالحسين عليه السلام فيقولون : أعظم الله أجورنا وأجوركم

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إليه عن المصباح: ٥٦٤

(٢) المراد به المحقّق القمّي ، الذي تقدّم آنفاً نقل كلامه.

(٣) تقدّمت الإشارة إليه في نقل كلامه من المصباح: ٥٦٤.

٨٩

بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد عليهم السلام ، ومقتضاه إناطة ترتّب الثواب على الزيارة ، بل مقتضاه بلا كلام إناطة صدق الزيارة بما ذكر ، وهو (١) مأخوذ من رواية مالك برواية «كامل الزيارة» ، ورواية عقبة برواية «المصباح» ، لكن لم يذكر المحقّق القمّي فيما نسب إليه ووافقه اعتبار ما ذكر ، إلّا أنّه لم يذكر أيضاً فيما نسب إليه ووافقه الاجتهاد في اللعن والتكبير مائة مرّة أيضاً كما مر ، فيمكن أن يكون إسقاط ما ذكر من باب الغفلة لا من باب استفادة عدم القول باعتبار ما ذكر من الكفعمي.

أقول : إن سؤال مالك وعقبة (٢) يحتمل فيه أن يكون غرضه عن الزيارة في يوم عاشوراء ، وأن يكون عن عمل يوم عاشوراء ، والأوّل (٣) أظهر بلا إشكال لكونه بعد بيان ثواب زيارة عاشوراء ، لكن الثاني يناسب عدم دخول الندبة وأخواتها في الزيارة.

وعلى الأوّل يمكن أن يكون قول أبي جعفر عليه السلام : «إذا كان كذلك برز إلى الصحراء ...» إلى قوله : «ثمّ ليندب الحسين عليه السلام» ، بيان للزيارة ، وقوله عليه السلام : «ثمّ ليندب الحسين عليه السلام» من باب إفادة فائدة زائدة ، وعلى هذا لابد أن يكون قوله : «وأنا الضامن» ، عود إلى حال الزيارة ، فقوله عليه السلام : «ثمّ ليندب» ، في الحقيقة جملة معترضة في البين ، ويمكن أن يكون قوله عليه السلام : «ثمّ ليندب الحسين عليه السلام» من باب تتمّة شرح الزيارة ، وعلى هذا قوله عليه السلام : «وأنا الضامن» متعلّق بتمام ما تقدّم عليه ومنه الندبة وأخواتها ، لكن الثاني أظهر لتلائم أجزاء الكلام على الثاني بخلاف الأوّل

__________________

(١) ما ذكره الكفعمي في مصباحه.

(٢) مالك في رواية كامل الزيارة ، وعقبة في رواية المصباح.

(٣) مراده بالأوّل: الاحتمال الأوّل ، وهو كون السؤال عن الزيارة في يوم عاشوراء ، حيث كان الاحتمال الثاني هو كون السؤال عن عمل يوم عاشوراء.

٩٠

للزوم كون قوله : «ثمّ ليندب» من باب الجملة المعترضة وهو خلاف الظاهر ، مع أنّه على الثاني يكون السؤال عن كيفية التعزية مربوطة ببيان الضمان والسؤال عن الضمان والجواب عنه ، وأما على الأوّل يكون السؤال المذكور أعني السؤال عن كيفية التعزية غير مربوطة بما ذكر وإنّما يكون مربوطة بالجمل المعترضة وهو خلاف الظاهر.

فعلى الأوّل يلزم عدم ارتباط قوله عليه السلام «ثمّ ليندب الحسين عليه السلام» بسابقه وكذا عدم ارتباط قوله : «وأنا الضامن» ، إذ على الأوّل لا يكون مربوطاً بسابقه المتصل به ، بل يكون مربوطاً بالسابق المنفصل ، وكذا عدم ارتباط السؤال عن كيفية التعزية بسابقه.

لكن نقول : إن الأوّل مقتضى فهم المشهور ، حيث إنه لم أظفر بمن جرى غير الكفعمي على اعتبار الندبة وأخواتها في مفهوم الزيارة أو على اعتبارها في تطرّق الثواب ، مضافاً إلى اعتضاد الأوّل بخلو رواية علقمة وفعل صفوان عن الندبة وأخواتها ، وإن أمكن القدح في دلالة فعل صفوان : بأن الظاهر أنه لم يكن في يوم عاشوراء ، فلا يتأتّى الاعتضاد.

وربما احتمل : أن يكون قوله : «وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك» متعلقاً بإقامة العزاء والتلاقي بالبكاء وتعزية البعض بعضاً ، فاسم الإشارة إشارة إلى القريب المتصل بملاحظة موافقة الضمير في [قوله]: «فعلوا» مع الضمير في [قوله]: «يتلاقون» في الجمعية وانفراد الضمائر السابقة على الضمير في «يتلاقون» ، وكذا السؤال عن كيفية التعزية بعد ذلك.

وهو مردود : بأن الثواب المشار إليه في قوله : «جميع هذا الثواب» هو الثواب المعهود المتقدم على الزيارة ، فلا مجال لكون الضمان على إقامة العزاء ، مع أن جمعية الضمير في [قوله]: «يتلاقون» إنّما هو في رواية «كامل الزيارة» ، وأمّا رواية

٩١

«المصباح» ففيها : «وليعزّ بعضهم بعضاً» وهو خال عن «يتلاقون» ، وأما السؤال عن كيفية العزاء فهو يرشد إلى مداخلة إقامة العزاء في المضمون عليه ولو بدخولها في الزيارة ، ولا يرشد إلى كون المضمون عليه خصوص إقامة العزاء (١).

__________________

(١) وينبغي أن يعلم أنّ المتعارف في الزيارة من البعيد الجهر ، لكن تعيّن الجهر في حقّه خالٍ عن الوجه. اللّهمّ إلّا أن يقال بانصراف أخبار الزيارة إلى الجهر ، لكنّه لا يتمّ بناء على عموم أخبار الزيارة للقريب لو تعيّن الإخفات في حقّ القريب. منه رحمه الله.

٩٢

تنبيهات

[التنبيه] الأوّل :

فيما ذكره العلّامة المجلسي قدِّس سرُّه في الاحتياط في زيارة عاشوراء

إن العلّامة المجلسي قدِّس سرُّه قد حكم فيما تقدّم من كلامه في «البحار» بأنه لعلّ الأحوط فعل الصلاة في المواضع المحتملة (١) ، وشَرَحَ في «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» حال هذا الإجمال وبين مواضع الاحتمال ، قال : «مؤلف يد كه : ن عبارة حديث تشويش عظيمي دارد وقابل احتمال بسيار هست ا اوّل زياره : السلام عليك يا أبا عبد الله تا وآل نبيّك بخواند ونماز زيارت را بكند وباز همان زيارت را اعاده كند بهتر است وا بعداز صد مرتبة لعنت بار د نماز بكند وبعد از صد مرتبة سلام بار د نماز بكند ومتصل بسجدة ، وبعد از سجده نيز نماز بكند شايد بجميع احتمالات عمل كرده باشد وا أول يكي از زيارات بعيده را بعمل آورد ونماز بكند وبعد از اين اعمال را بجا آورد ظاهراً كافي باشد» (٢).

__________________

(١) تقدّم هذا الكلام في نقل كلام المجلسي ، وهو في بحار الأنوار: ٩٨: ٣٠١.

(٢) ترجمة العبارة الفارسيّة المذكورة في المتن: يقول المؤلّف: «لمّا كانت عبارة الحديث مرتبكة وفيها تشويش كبير ، وتحتمل احتمالات كثيرة ، فلو تقرأ الزيارة أوّلاً من: السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ حتّى: وَآلَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، ثمّ تؤدّي ركعتي الزيارة ، ثمّ تعيد هذه الزيارة نفسها مرّة اُخرى ، فذلك أفضل ، ولو تصلّي مرّة اُخرى بعد اللعن مائة مرّة ، وكذلك بعد السلام مائة مرّة ، ثمّ توصلها بالسجدة ، ثمّ تصلّي بعد السجدة كذلك ، فلعلّك تكون»

٩٣

الإيراد على كلام المجلسي قدِّس سرُّه

ويرد عليه :

أوّلاً : إنّه لم يأت بالإتيان بالزيارة قبل الصلاة وبعدها ، وهو الوجه الأوّل من الوجوه المذكوره في «البحار» ، فضلاً عمّا ذكرناه من الوجوه ، فمن أين يتأتى الإتيان بجميع الاحتمالات بما ذكره.

وثانياً : إنّ ما ذكره أخيراً هو الوجه الثاني من الوجوه المذكورة في «البحار» ، فكان عليه ذكره في أجزاء الاحتياط والإتيان بجميع الاحتمالات ، أعني قبل قوله : «شايد بجميع احتمالات عمل ده باشد» (١).

نعم ، لمّا كان هذا الوجه مطابقاً لظاهر الرواية كان إظهار كفايته ثانياً مناسباً.

وثالثاً : إنّ قوله : «وباز همان زيارت را اعاده كند بهتر است» (٢) ، وكان المناسب أن يقول : «وبعد از اين اين اعمال را بعمل آورد» (٣) ، كما ذكره في الوجه الأخير إذ الإقتصار على تكرار السلام الطويل أعني القطعة الأولى من الزيارة لا مجال له.

وإن قلت : إن مراده أوّل أقسام التجزئة ، أعني ثالث الأقسام المذكورة في «البحار».

قلت : إن على هذا كان المناسب ذكر الإتيان باللعن وما بعده ، فقد ظهر بما ذكرناه هنا وفي الوجه الأوّل أنه قد أسقط من الوجوه المذكورة في «البحار» أوّلها وثالثها ،

__________________

«قد عملت بالاحتمالات كلّها ، ولو اُتي أوّلاً بواحدة من هذه الزيارات (الزيارات عن بُعد) وصلّى ثمّ ائتي بهذه الأعمال ، فالظاهر أنّها تكفي».

(١) ترجمة: «فلعلّك تكون قد عملت بالاحتمالات كلّها».

(٢) ترجمة: «ثمّ تعيد هذه الزيارة نفسها مرّة اُخرى ، فذلك أفضل».

(٣) ترجمة: «وبعد هذا يأتي بهذه الأعمال».

٩٤

فمن أين يتأتّى الإتيان بجميع الاحتمالات.

ورابعاً : إنّ وجوه التجزئة خلاف الظاهر ، بل غير قابل للاحتمال ، فلا وقع للإتيان بها تحصيلاً للاحتياط.

وخامساً : إن قوله : «بهتر است» (١) ، غير مناسب إذ لم يظهر المفضل عليه ، فلا يتّجه التفضيل.

إلّا أن يقال : إن الغرض التفضيل بالنسبة إلى ما يقتضيه ظاهر الرواية.

لكن يظهر بما سمعت ما في تفصيل الصورة المذكورة ، فكان المناسب أن يذكر أوّلاً كفاية ما ذكره أخيراً ويذكر أن الإتيان بالزيارة قبل الصلاة وبعدها أولى ويذكر أن الاحتياط في الإتيان بهذين الوجهين مع الوجوه الأربعة المتطرقة على التجزئة.

وسادساً : إن قوله : «ومتصل بسجدة» (٢) ، غير مناسب أيضاً ، وكان المناسب أن يقول ، «وقبل از سجده» (٣).

نعم ، الغرض الاتصال من جانب السبق إن عم الإتصال للسبق واللحوق وهو نظير ما ذكره من استحباب كون الغسل في ليال القدر مقارناً للغروب بناءً على كون الغرض المقارنة من جانب اللحوق ، وهو قد عبر بالإتصال بالسجدة أيضاً فيما تقدم من كلامه في «البحار».

وسابعاً : إن الاحتياط بإتيان الصلاة بعد السجدة كما ذكره في قوله : «وبعد از سجده» (٤) ، مبني على الاحتمال الشايع الذي جعله في «البحار» بعيداً جداً ،

__________________

(١) ترجمة: «أفضل».

(٢) ترجمة: «ثمّ توصلها بالسجدة».

(٣) ترجمة: «وقبل السجود».

(٤) ترجمة: «وبعد السجود».

٩٥

وذكرنا أنه لا مجال له ، فإدراجه في أجزاء الاحتياط ليس بشيء.

وثامناً : إن الاحتياط بإتيان الصلاة بعد السلام المكرر ، لعلّه في حكم الصلاة بعد السجدة ، بناء على خروج الدعاء بالتخصيص عن الزيارة ، كما لعلّه الظاهر ويأتي.

وتاسعاً : إن استظهار كفاية الإيماء بالسلام بإحدى الزيارات البعيدة في الصورة الأخيرة كما ترى لعدم اختصاص الزيارة بالبعيد كما يظهر مما يأتي ولو كان الزيارة من القريب فكون الإيماء بالسلام بالزيارة البعيدة غير مناسب ، والظاهر أنه زعم اختصاص الزيارة بالبعيد ، كما هو مقتضى صدر رواية كامل الزيارة وصدر رواية «المصباح» وآخر رواية علقمة كما يأتي ويمكن أن يكون الاستظهار المذكور من العلّامة المشار إليه في زاد المعاد مبنياً على اختصاص الكتاب بالتعرض لزيارة البعيد كما يرشد إليه قوله في الباب الحادي عشر بعد الفراغ عن الزيارة الجامعة الكبيرة «مؤلف ويد إين كامل ترين زياراتست از براي دور ونزديك وون منظور عمده در اين رسالة زيارات بعيد است زيارت وداع را ذكر نكرديم» (١) ، ولكن نقول : إنه لو كان الأمر مبنياً على حسبان اختصاص الزيارة بالبعيد أو على اختصاص الكتاب بزيارة البعيد لكان كفاية الزيارة البعيدة بلا إشكال ولا يناسب الاستظهار والمظهر عن احتمال عدم الكفاية ، فكان المناسب استظهار كفاية الإيماء بالسلام المختصر.

وعاشراً : إن التعبير بالكفاية في استظهار كفاية كون الإيماء بالسلام بإحدى الزيارات البعيدة ظاهر في كون إحدى الزيارات البعيدة أقل ما يكفي ، مع أن أقل ما يكفي هو السلام المختصر ، فكان المناسب أيضاً استظهار كفاية الإيماء بالسلام المختصر من جهة التعبير بالكفاية ، مضافاً إلى جهة اعتبار الزيارة البعيدة لعدم (٢)

__________________

(١) ترجمة العبارة الفارسيّة المذكورة في المتن: يقول المؤلّف: «هذه أكمل زيارة عن قرب وبعد ، وبما أنّ الغرض من هذا الكتاب هو ذكر الزيارات عن بعد فلم أذكر الوداع».

(٢) تعليل لقوله: «مضافاً». منه رَحمَه اللهُ.

٩٦

مناسبة اعتبار الزيارة البعيدة في المقام ، كما سمعت لعدم (١) مناسبة التعبير بالكفاية ، وقد ظهر بما تقدم أنه لم يأت بالوجه الأوّل والثالث من الوجوه المذكورة في «البحار» وأتى بالوجه الذي حكم ببعده جداً في «البحار» مع اختلال بعض كلماته في المقام.

وإن شئت كما التوضيح أقول : إنه كان المناسب في الوفاء بأداء المقصود أن يقول : «مؤلف ويد عبارت حديث تشويش عظيمي دارد قابل احتمال بسيار هست ا اوّل يكي از زيارات بعيدة را بجا آورد ونماز بكند بعد از آن اين اعمال را بجا آورد ظاهراً كافي باشد وا اين أعمال را قبل از نماز وبعد از نماز بعمل آورد بهتر است وا هر دو صورت مذكور را معمول دارد وهم السلام عليك يا أبا عبد الله تا وآل نبيك بخواند ونماز زيارة را بكند وبقية أعمال را بعمل آورد وهم نماز را بعد از صد مرتبه لعن وبعد از صد مرتبة سلام وهم قبل از سجده متصلة بها شايد بجميع احتمالات عملكرده باشد» (٢) ، وبهذا ظهر لك شرح ما تقدم من كلامه في «البحار».

ومن باب مزيد التوضيح في شرح كلامه المذكور أقول : إن الاحتياط على حسب ما ذكره من الاحتمالات بالإتيان بالزيارة بتمامها قبل الصلاة وبعدها والإتيان بالسلام بأي نحو كان والصلاة والزيارة بتمامها والإتيان بالسلام الطويل ، أي الجزء الأوّل

__________________

(١) تعليل لقوله: «وكان المناسب». منه رَحمَه اللهُ.

(٢) ترجمة العبارة الفارسيّة المذكورة في المتن: يقول المؤلّف: «لمّا كانت عبارة الحديث مرتبكة وفيها تشويش كبير ، وتحتمل احتمالات كثيرة ، فلو تقرأ إحدى الزيارات (الزيارة عن بُعد) ، ثمّ تصلّي ركعتي الزيارة ، ثمّ تأتي بهذه الأعمال ، فالظاهر أنّها تكفي ، ولو تأتي بهذه الأعمال قبل الصلاة وبعدها فهو أفضل ، ولو تعمل بكلتا الصورتين ، وكذلك تقرأ السلام وتصلّي بعد اللعن مائة مرّة ، وبعد السلام مائة مرّة ، وكذلك قبل السجدة المتّصلة بها ، فقد عملت بالاحتمالات كلّها.

٩٧

من الزيارة والصلاة واللعن والسلام المكررين والدعاء بالتخصيص والسجدة ، والإتيان بالسلام واللعن المكررين والصلاة والسلام المكررين والدعاء بالتخصيص والسجدة ، والإتيان بالسلام واللعن المكررين والصلاة والسلام المكررين والدعاء بالتخصيص والسجدة ، فقد بان أن الصلاة المتكررة من باب الاحتياط اثني عشر صلاة.

وأما ما ذكره العلّامة المجلسي قدس سره في «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» فهي ترجع إلى عشر صلوات ، لكن ركعتان من العشرة في الصورة الأولى مما ذكره من الصور ليست من باب تكرار الزيارة ولا تدخل في صور التجزية وركعتان منها في الصورة الأخيرة مما ذكره من الصور وقد سمعت أن هذه الصورة لا مجال لها ، وحكم ببعده جداً في «البحار».

والعلّامة المشار إليه في الكتابين (١) قد اسقط ركعتين من الصورة المتروكة وهي صورة الإتيان بالزيارة قبل الصلاة وبعدها.

وبعد ذلك أقول : إنه كان المناسب تصوير الاحتياط بما يشتمل على ما يقتضيه رواية «المصباح» ولا جدوى في تصوير الاحتياط بما يشتمل على وجوه الاحتمال المتصورة في رواية كامل الزيارة فالاحتياط يقتضي اعتبار التكبير قبل الزيارة حسب ما يقتضيه ذيل رواية «المصباح» ويكفي في التكبير الإتيان به مرة واحدة ، ولكن اعتبر بعض الأعلام الإتيان به مرات متعددة بل جرى الكفعمي على الإتيان به مائة مرة ، فالأحوط الإتيان بالمائة.

__________________

(١) مرادة العلّامة المجلسي ، وفي الكتابين: زاد المعاد ، وتحفة الزائر.

٩٨

تحقيق الكلام في الاحتياط في المقام

وتحقيق الكلام في الاحتياط في المقام : أنه لابد في تشخيص الأحوط والأخذ بالاحتياط من تصوير الاحتياط في العمل برواية كامل الزيارة وكذا تصوير الاحتياط في العمل برواية «المصباح» ثم تصوير الجمع بين الإحتياطين.

فلابد من نشر الكلام في مقامات ثلاثة :

[المقام] الأوّل : في الاحتياط في العمل برواية كامل الزيارة

فنقول : إن رواية كامل الزيارة يدور الأمر فيها بين ثبوت الواو العاطفة قبل ، بعد ، وسقوطها ، وعلى الأوّل إما أن يكون قوله عليه السلام : «وقلت» معطوفاً على قوله : «صليت» ، أو قوله عليه السلام : «تومئ» ، إما على تقدير ثبوت الواو وكون قوله : «وقلت» معطوفاً على قوله : «صليت» فإما أن يتّحد الإيماء أو يتعدد.

وعلى الأوّل المدار على الزيارة والصلاة والزيارة ، وعلى الثاني المدار على السلام والصلاة والزيارة والصلاة والزيارة ، وعلى التقديرين وأن يتأتّى احتمال التجزية بأقسامها ، لكنه خلاف ظاهر بل خلاف المقطوع به فلا حاجة إلى تحرير الحال بناء على ذلك الاحتمال.

وأما على تقدير ثبوت الواو وكون قوله : «فقلت» ، معطوفاً على قوله عليه السلام : «تومئ» ، فلابد من تعدد الركعتين وإلّا يلزم كون الركعتين بعد الركعتين بتوسط الزيارة على تقدير اتحاد الإيماء وبتوسط السلام والزيارة على تقدير تعدد الإيماء ، وعلى تقدير تعدد الركعتين إما أن يتحد الإيماء أو يتعدد.

وعلى الأوّل لابدّ في إحراز مصداق الرواية من الصلاة أخيراً بعد أمرين ـ أعني الصلاة والزيارة ـ ولا خفاء في إمكان تقدم كل منهما على الآخر ، فالمدار على الصلاة والزيارة والصلاة ، والمدار على الزيارة والصلاة والصلاة.

٩٩

وعلى الثاني لابد في إحراز مصداق الرواية من الصلاة أخيراً بعد أمور ثلاثة ـ أعني السلام والزيارة والصلاة ـ ولا خفاء في إمكان تقدم كل من الأمور الثلاثة على أخويه ، وكذا تقدم كل من الأخوين على الآخر.

فالمدار على السلام والزيارة والصلاة والصلاة على تقدير تقدم السلام على أخويه مع تقدم الزيارة على الصلاة.

والمدار على السلام والصلاة والزيارة والصلاة على التقدير المذكور مع تقدم الصلاة على الزيارة.

والمدار على الزيارة والسلام والصلاة والصلاة على تقدير تقدم الزيارة على أخويه مع تقدم السلام على الصلاة.

والمدار على الزيارة والصلاة والسلام والصلاة على التقدير المذكور مع تقدم الصلاة على السلام.

والمدار على الصلاة والزيارة والسلام والصلاة على تقدير تقدم الصلاة على أخويه مع تقدم الزيارة على السلام.

والمدار على الصلاة والسلام والزيارة والصلاة على التقدير المذكور مع تقدم الصلاة على الزيارة ، وأما على تقدير سقوط الواو فإما أن يكون قوله عليه السلام : «وقلت» ، معطوفاً على قوله : «صليت» ، أو يكون معطوفاً على قوله عليه السلام : «تؤمى»

وعلى الأوّل لابد من تعدد الإيماء وإلا يلزم أن يكون الركعتان بعد الركعتين بتوسط الزيارة ، وعلى تقدير التعدد إما أن يتحد الركعتان أو يتعددان ، وعلى الأوّل المدار على السلام والصلاة والزيارة ، وعلى الثاني المدار على السلام والصلاة والصلاة والزيارة. وعلى الثاني إما أن يتحد الإيماء (١) أو يتعدد.

__________________

(١) قوله: «وعلى الثاني: إمّا أن يتّحد» أي على تقدير كون قوله عليه السلام: «وقلت» معطوفاً»

١٠٠