شرح زيارة عاشوراء

الشيخ أبي المعالي الكلباسي

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

الشيخ أبي المعالي الكلباسي


المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: ٢٩٦

فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا : تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هاهنا ، وأومأ إليه أبو عبد الله الصادق عليه السلام وأنا معه.

قال : فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ، ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، وودّع في دبرها أمير المؤمنين عليه السلام ، وأومأ إلى الحسين عليه السلام بالتسليم منصرفاً وجهه نحوه ، فودّع فكان فيما دعاه في دبرهما :

يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، يا مُجِيبَ دَعوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يا كاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبِينَ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، يا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأعْلىٰ ، وَبِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ ، وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفي الصُّدُورُ ، يا مَنْ لَا يَخْفىٰ عَلَيْهِ خافِيَةٌ ، وَيا مَنْ لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْواتُ ، وَيا مَنْ لَا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ، وَيا مَنْ لَا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ، يا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْتٍ ، وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ ، وَيا بَارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ في شَأْنٍ ، يا قاضِيَ الْحاجاتِ ، يا مُنَفِّسَ الْكُرُباتِ ، يا مُعْطِيَ السُّؤُلَاتِ ، يا وَلِيَّ الرَّغَباتِ ، يا كافِيَ الْمُهمّاتِ ، يا مَنْ يَكْفي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَكْفي مِنْهُ شَيْءٌ في السَّمٰواتِ وَالْأََرْضِ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ ، وَبِحَقِّ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبيِِّكَ ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، فَإِنّي بِهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ في مَقامي هٰذا ، وَبِهِمْ أَتَوَسَّلُ ، وَبِهِمْ أَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ ، وَبِحَقِّهِمْ

٤١

أَسْأَلُكَ وَاُقْسِمُ وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ وَبِالْقَدْرِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالَّذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمِينَ ، وَبِهِ أَبَنْتَهُمْ وَأَبَنْتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْعالَمِينَ حَتّىٰ فاقَ فَضْلُهُمْ فَضْلَ الْعالَمِينَ جَمِيعاً.

أسأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنّي غَمّي وَهَمّي وكَرْبي ، وَتَكْفِيَني الْمُهِمَّ مِنْ اُمُوري ، وَتَقْضي عَنّي ديوني ، وَتُجِيرَني مِنَ الْفَقْرِ ، وَتُجِيرَني مِنَ الْفاقَةِ ، وَتُغْنِيَني عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَتَكْفِيَني هَمَّ مَنْ أَخافُ هَمَّهُ ، وَجَوْرَ مَنْ أَخافُ جَوْرَهُ ، وَعُسْرَ مَنْ أَخافُ عُسْرَهُ ، وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ ، وَشَرَّ مَنْ أَخافُ شَرَّهُ ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ ، وَبَغْيَ مَنْ أَخافُ بَغْيَهُ ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخافُ سُلْطانَهُ ، وَكَيْدَ مَنْ أَخافُ كَيْدَهُ ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخافُ بَلاءَ مَقْدُرَتَهُ عَلَيَّ ، وَتَرُدَّ عَنّي كَيْدَ الْكَيَدَةِ ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ.

اللّهُمَّ مَنْ أَرادَني فَأَرِدْهُ ، وَمَنْ كادَني فَكِدْهُ ، وَاصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمانِيَّهُ ، وَامْنَعْهُ عَنّي كَيْفَ شِئْتَ وَأَنّىٰ شِئْتَ.

اللّهُمَّ اشْغَلْهُ عَنّي بِفَقْرٍ لَا تَجْبُرُهُ ، وَبِبَلاءٍ لَا تَسْتُرُهُ ، وَبِفاقَةٍ لَا تَسُدَّها ، وَبِسُقْمٍ لا تُعافِيهِ ، وَذُلٍّ لَا تُعِزُّهُ ، وَبِمَسْكَنَةٍ لَا تَجْبُرُها.

اللّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيهِ الْفَقْرَ في مَنْزِلِهِ ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ في بَدَنِهِ حَتّىٰ تَشْغَلَهُ عَنّي بِشُغْلِ شاغِلٍ لَا فَراغَ لَهُ ، وَأَنْسِهِ ذِكْري كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ ، وَخُذْ عَنّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ

٤٢

جَوارِحِهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ في جَمِيعِ ذٰلِكَ السُّقْمَ وَلَا تَشْفِهِ حَتّىٰ تَجْعَلَ ذٰلِكَ لَهُ شُغْلاً شاغِلاً بِهِ عَنّي وَعَنْ ذِكْري ، وَاكْفِني يا كافِيَ ما لَا يَكْفي سِواكَ فَإِنَّكَ الْكافي لَا كافي سِواكَ ، وَمُفَرِّجٌ لَا مُفَرِّجَ سِواكَ ، وَمُغِيثٌ لَا مُغِيثَ سِواكَ ، وَجارٌ لَا جارَ سِواكَ ، خابَ مَنْ كانَ جارُهُ سِواكَ ، وَمُغِيثُهُ سِواكَ ، وَمَفْزَعُهُ إِلىٰ سِواكَ ، وَمَهْرَبُهُ إِلىٰ سِواكَ ، وَمَلْجَأُهُ إِلىٰ غَيْرِكَ ، وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوقٍ غَيْرِكَ ، فَأَنْتَ ثِقَتي وَرَجائي وَمَفْزَعي وَمَهْرَبي وَمَلْجأي وَمَنْجايَ ، فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ ، وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ ، وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ وَأَتَوسَّلُ وَأَتَشَفَّعُ.

فَأَسْأَلُكَ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، وَلَكَ الشُّكْرُ وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكىٰ وَأنْتَ الْمُسْتَعانُ ، فَأَسْأَلُكَ يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَن تَكْشِفَ عَنّي غَمّي وَهَمّي وَكَرْبي في مَقامي هٰذا كَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فاكْشِفْ عَنّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ ، وَفَرِّجْ عَنّي كَما فَرَّجْتَ عَنْهُ ، وَاكْفِني كَما كَفَيْتَهُ ، واصْرِفْ عَنّي هَوْلَ ما أَخافُ هَوْلَهُ ، وَمَؤُنَةَ ما أَخافُ مَؤُنَتَهُ ، وَهَمَّ ما أَخافُ هَمَّهُ بِلَا مَؤُنَةٍ عَلىٰ نَفْسي مِنْ ذٰلِكَ ، وَاصْرِفْني بِقَضاءِ حَوائِجي ، وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ مِنْ أَمْرِ آخِرَتي وَدُنْيايَ.

يا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيا أَبا عَبْدِ اللهِ ، عَلَيْكُما مِنّي سَلَامُ اللهِ أَبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما ، وَلَا فَرَّقَ بَيْني وَبَيْنَكُما.

اللّهُمَّ أحْيِني حَياةَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَأَمِتْني مَماتَهُمْ ، وَتَوَفَّني عَلىٰ مِلَّتِهِمْ ، وَاحْشُرْني في زُمْرَتِهِمْ ، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً في

٤٣

الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَيا أَبا عَبْدِ اللهِ ، أَتَيْتُكُما زائِراً وَمُتَوَسِّلاً إِلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُما ، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُما إِلَى اللهِ تَعالىٰ في حاجَتي هٰذِهِ فاشْفَعا لي فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجاهَ الْوَجِيهَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسِيلَةَ ، إِنّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما مُنْتَظِراً لِتَنَجُّزِ الْحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللهِ بِشَفاعَتِكُما إِلَى اللهِ في ذٰلِكَ فَلَا أَخِيبُ يا رَبّ ، وَلَا يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً خائِباً خاسِراً ، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً راجِحاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ حَوائِجي وَتَشَفَّعاً لي إِلَى اللهِ ، أَنْقَلِبُ عَلىٰ ما شاءَ اللهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ، مُفَوِّضاً أَمْري إِلَى اللهِ ، مُلْجِأً ظَهْري إِلَى اللهِ ، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللهِ ، وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفىٰ ، سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ لي وَراءَ اللهِ وَوَراءَكُمْ يا سادَتي مُنْتَهىٰ ، ما شاءَ اللهُ كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ أَسْتَوْدِعُكُمَا اللهَ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي إِلَيْكُما.

انْصرَفْتُ يا سَيِّدي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَايَ ، وَأَنْتَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ يا سَيِّدَيَّ ، وَسَلَامي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ ما اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، واصِلٌ ذٰلِكَ إِلَيْكُما غَيْرُ مَحْجُوبٍ عَنْكُما سَلَامي إِنْ شاءَ اللهُ ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشاءَ ذٰلِكَ وَيَفْعَلَ فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

انْقَلَبْتُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائِباً حامِداً لِلّهِ تَعالىٰ ، شاكِراً راجِياً لِلْإِجابَةِ ، غَيْرَ آيِسٍ وَلَا قانِطٍ آئِباً عائِداً راجِعاً إِلى زِيارَتِكُما ، غَيْرَ راغِبٍ عَنْكُما وَلَا عَنْ زِيارَتِكُما ، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إنْ شاءَ اللهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

٤٤

يا سادَتي (١) رَغِبْتُ إِلَيْكُما وَإِلىٰ زِيارَتِكُما بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فِيكُما وَفي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا فَلَا خَيَّبَنِيَ اللهُ ما رَجَوْتُ وَما أَمَّلْتُ في زِيارَتِكُما ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

قال سيف بن عميرة : فسألت صفوان فقلت له : إن علقمة بن محمّد الحضرمي لم يأتنا بهذا عن أبي جعفر عليه السلام إنّما أتانا بدعاء الزيارة.

فقال صفوان : وردت مع سيدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا المكان ، ففعل بمثل الذي فعلناه في زيارتنا ، ودعا بهذا الدعاء عند الوداع بعد أن صلى صلينا ، وودع كما ودعنا.

ثم قال لي صفوان : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : تعاهد هذه الزيارة ، وادع بهذا الدعاء ، وزر به ، فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة ، وسعيه مشكور ، وسلامه واصل غير محجوب ، وحاجته مقضية من الله بالغاً ما بلغت ولا يخيّبه.

يا صفوان ، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام ، مضموناً بهذا الضمان ، وعلي بن الحسين عن أبيه الحسين

__________________

(١) قوله: «يا سادَتي» إمّا بتشديد الياء من باب المثنّى ، أو بالتخفيف بكون الياء ياء المتكلّم ، وعلى التقديرين الأمر في الثالثة من باب المجاز بكونه جمعاً للسيّد ، كما هو مقتضى كلام صاحب المصباح ، أو جمعاً للسائد ، كما هو مقتضى كلام صاحب القاموس ، فالأمر نظير قوله سبحانه: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) [التحريم ٦٦ : ٤] وغيره ممّا استعمل فيه الجمع في الآيتين مجازاً بناءً على كون أقلّ الجمع ثلاثة كما هو المشهور المنصور ، وحرّرناه في الاُصول.

وأمّا قوله عليه السلام : «يا سادَتي» سابقاً ، فهو بالتخفيف ، والجمع فيه مستعمل على وجه الحقيقة ، منه عفي عنه.

٤٥

مضموناً بهذا الضمان ، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان ، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين مضموناً بهذا الضمان ، وأمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله مضموناً بهذا الضمان ، ورسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل مضموناً بهذا الضمان ، وجبرئيل عن الله عزّ وجلّ مضموناً بهذا الضمان.

وقد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ أن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفّعته في مسألته بالغاً ما بغلت ، وأعطيته سؤله ، ثم لا ينقلب عني خائباً ، وأقلبه مسروراً قرير العين بقضاء حاجته ، والفوز بالجنة والعتق من النار ، وشفّعته في كل من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت ، آلى الله تعالى بذلك على نفسه وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك.

ثم قال جبرئيل : يا رسول الله إن الله أرسلني إليك سروراً وبشرى لك ، وسروراً وبشري لعليّ وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة ، فدام يا محمّد سرورك وسرور عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم إلى يوم البعث.

ثم قال لي صفوان : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء وسل ربك حاجتك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده ورسوله صلى الله عليه وآله بمنه والحمد الله» (١).

فيما قاله محمّد بن المشهدي

وقال محمّد بن المشهدي صاحب المزار الكبير (٢) نقلاً في زيارة سيّد الشهداء يوم عاشوراء من قريب أو بعيد تقول : السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَبا عَبْدِ اللهِ.

__________________

(١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٧٧.

(٢) المزار : ٤٨٠.

٤٦

ثم ذكر الزيارة إلى قوله : وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ.

قال : ثم تقول : اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ إلى آخره ، تقول ذلك مائة مرة ، ثمّ تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ إلى آخره ، يقول ذلك مائة مرة.

قال : ثمّ تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي إلى آخره.

قال : ثم تسجد وتقول : اللّهمَّ لَكَ الْحَمْدُ إلى آخره ، وختم الكلام.

وأنت خبير بأن مقتضاه خلوّ الزيارة عن الصلاة.

وقال نقلاً أيضاً (١) عند ذكر زيارات أمير المؤمنين عليه السلام : روى محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، قال : «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما ورد أبو عبد الله عليه السلام ، فزرنا أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام وقال : نزور الحسين بن عليّ عليهما السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال صفوان : وردت مع سيّدي أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليه ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدعاء ، بعد أن صلّى وودّع.

ثمّ قال لي : يا صفوان ، تعاهد هذه الزيارة ، وادع بهذا الدعاء ، وزرهما بهذه الزيارة ، فإنّي ضامن على الله لكلّ من زارهما بهذه الزيارة ، ودعا بهذا الدعاء ، من قُربٍ أو بُعدٍ ، أنّ زيارته مقبولة ، وأنّ سعيه مشكور ، وسلامه واصل غير محجوب ، وحاجته مقضيّة من الله بالغاً ما بلغت ، وأنّ الله يخيبه.

يا صفوان ، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن أبيه عليّ بن الحسين ، وعليّ بن الحسين عن أبيه الحسين ، والحسين عن أخيه الحسن ، عن أمير المؤمنين مضموناً بهذا الضمان ، وأمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وآله ،

__________________

(١) أي محمّد بن المشهدي في مزاره : ٢١٤.

٤٧

عن جبرئيل عليه السلام مضموناً بهذا الضمان. قد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ أنّ من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشوراء ، ودعاء بهذا الدعاء قبلت زيارته ، وشفّعته في مسألته بالغاً ما بلغت ، وأعطيته سؤله ، ثمّ لا ينقلب عنّي خائباً ، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حوائجه ، والفوز بالجنة والعتق من النار ، وشفّعته في كلّ من شفع له ما خلا الناصب لنا أهل البيت. آلى الله تعالى بذلك على نفسه ، وأشهد ملائكته على ذلك.

وقال جبرئيل : يا محمّد ، إنّ الله أرسلني إليك مبشّراً لك ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة ، فدام سرورك يا محمّد وسرور عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولدك وشيعتكم إلى يوم البعث.

وقال صفوان : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزره بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء ، وسل ربّك حاجتك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده ورسوله صلى الله عليه وآله بمنّه ، والحمد لله. وهذه الزيارة : السلام عليك يا رسول الله ...؟ إلى آخر الزيارة (١).

وهي مذكورة في «البحار» (٢) و «تحفة الزائر» إلى آخر تلك الزيارة ، وهو قوله : فإِنّي عَبْدُ اللهِ وَوَلِيُّكَ وَزائِرُكَ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ.

ثم قال (٣) : وصل ستّ ركعات صلاة الزيارة وادع ما أحببت.

قال : ثم قل : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ ، عَلَيْكَ مِنّي سَلَامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

قال : ثم أومئ إلى الحسين عليه السلام وقل : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ

__________________

(١) أي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام. منه عفي عنه.

(٢) بحار الأنوار: ٩٧: ٣٠٥.

(٣) أي محمّد بن المشهدي في مزاره: ٢٢١.

٤٨

يَابْنَ رَسُولِ اللهِ.

[يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَيا أَبا عَبْدِ اللهِ] ، أَتَيْتُكُما زائِراً وَمُتَوَسِّلاً إِلى اللهِ رَبّي وَرَبَّكُما ، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُما إِلَى اللهِ في حاجَتي هٰذِهِ فاشْفَعا لي فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجاهَ الْوَجِيهَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسِيلَةَ في ذلِكَ ، إِنّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما مُنْتَظِراً لِتَنَجٌّزِ الْحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللهِ بِشَفاعَتِكُما لي إِلَى اللهِ في ذٰلِكَ فَلَا أَخِيبُ ، وَلَا يَكُونُ مُنْقَلَبي عَنْكُما مُنْقَلَباً خائِباً خاسِراً ، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً راجِحاً مُفْلِحاً مُسْتَجاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ الْحوائِج ، فَاشْفَعا لي إِلَى اللهِ ، انْقَلِبُ عَلىٰ ما شاءَ اللهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ، مُفَوِّضاً أَمْري إِلَى اللهِ ، مُلْجِأً ظَهْري إِلَى اللهِ ، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللهِ ، وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفىٰ ، سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ لي وَراءَ اللهِ وَوَراءَكُمْ يا سادَتي مُنْتَهىٰ ، ما شاءَ رَبّي كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، [وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ أَسْتَوْدِعُكُمَا اللهَ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي إِلَيْكُما].

يا سَيِّدي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَايَ ، وَأَنْتَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ يا سَيِّدَيَّ ، سَلَامي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ ما اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، واصِلٌ ذٰلِكَ إِلَيْكُما غَيْرُ مَحْجُوبٍ عَنْكُما سَلَامي إِنْ شاءً اللهُ ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشاءَ ذٰلِكَ وَيَفْعَلَ فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

انْقَلِبُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائِباً حامِداً لِلّهِ شاكِراً راضِياً مُسْتَيْقِن لِلْإِجابَةِ ، غَيْرَ آيِسٍ وَلَا قانِطٍ آئِباً عائِداً راجِعاً إِلىٰ زِيارَتِكُما ، غَيْرَ راغِبٍ عَنْكُما ، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إنْ شاءَ اللهُ إِلَيْكُما.

٤٩

يا ساداتي رَغِبْتُ إِلَيْكُما بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فِيكُما وَفي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا فَلَا خَيَّبَنِيَ اللهُ في ما رَجَوْتُ وَما أَمَّلْتُ في زِيارَتِكُما إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

قال : ثم انتقل إلى القبلة وقل : يا اللهُ يا الله ُ يا الله ُ ، يا مُجِيبَ دَعوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، ... إلى قوله : وَاصْرِفْني بِقَضاءِ حَاجتي ، وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيايَ وَآخِرَتي ، يا أَرْحَمَ الرّاحمينَ.

قال : ثم تلتفت إلى أمير المؤمنين وتقول : السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَميرَ الْمؤْمِنينَ ، وَالسَّلَامُ عَلىٰ أَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْن ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، لَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزيارَتِكُما ، وَلَا فَرَّقَ اللهُ بَيْني وبَيْنَكُما ، ثم تنصرف؟ انتهى (١).

تحرير الكلام في المقام

وأنت خبير بأن هذه الرواية ساكتة عن كيفية الزيارة في فعل صفوان.

أقول : إن في رواية كامل الزيارة بيان للزيارة صدراً في قوله عليه السلام : «وأومئ إليه بالتسليم ، واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلَّ بعده ركعتين» ، وذيلاً في قوله عليه السلام : «إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام ، وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول».

وفي رواية «المصباح» عن محمّد بن إسماعيل أيضاً بيان للزيارة صدراً في قوله عليه السلام : «وأومئ إليه بالسلام ، واجتهد في الدعاء على قاتليه ، وصل من بعد ركعتين» ، وذيلاً في قوله عليه السلام : «إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء إليه بعد التكبير هذا القول».

__________________

(١) هذا نهاية ما ذكره محمّد بن المشهدي في مزاره.

٥٠

وكل من الصدرين (١) ظاهر المعنى ولا إشكال فيه ، ومقتضى كل منهما تأخر الركعتين عن الزيارة ، وعلى هذا المنوال الحال في قضية صفوان المدلول عليها في رواية «المصباح» بقوله : «فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ثمّ صلّى ركعتين وودّع في دبرهما أمير المؤمنين وأومئ إلى الحسين عليه السلام منصرفاً بوجهه نحوه وودّع في دبرها».

بناءً على أن الظاهر كون الإيماء بعد الركعتين للوداع لا للزيارة ، بل لا إشكال فيه ، فمقتضاها تأخر الركعتين عن الزيارة أيضاً ، وليس فيما رواه في المزار الكبير (٢) مخالفة لذلك ، بل هو خال عن بيان كيفية الزيارة بالكلية ، كما سمعت.

لكن مقتضى كل من الذيلين (٣) تأخر الزيارة عن الصلاة.

إلا أن الذيل في رواية «المصباح» ظاهر أيضاً وخال عن الإشكال ، هذا بناء عن أنه لا إشكال في كون قوله عليه السلام : «فقل» جواباً للشرط ، لكن لو كان معطوفاً على قوله عليه السلام : «تومئ» كما جرى عليه بعض الأعلام ، كما يأتي ، فمقتضاه تأخر الركعتين عن الزيارة ، وأما ذيل كامل الزيارة ، فقوله :«وقلت» معطوف على قوله : «وصيلت» ، ولا مجال للعطف على قوله : «تومئ» ؛ إذ لا مجال لدخول أنْ المصدرية على الفعل الماضي ، مع أن قوله : «من بعد الركعتين» ينافي ذلك للزوم كون الركعتين بعد الركعتين.

إلّا أن يقال : إنه مبني على اتحاد الركعتين في الصدر والذيل ، وأما على تقدير التعدد فلا محذور في الباب من هذه الجهة ، إلّأ أنه يلزم مخالفة الذيل للصدر لاقتضاء الصدر كون المدار على اتحاد الزيارة والصلاة ، واقتضاء الذيل بتعدد الزيارة

__________________

(١) مراه بالصدرين : صدر ما ذكره عن كامل الزيارة ، وصدر ما ذكره عن المصباح.

(٢) يعني به محمّد بن المشهدي الذي تقدّم ذكر عبارته.

(٣) مراده بالذيلين: ذيل ما ذكره عن كامل الزيارة ، وذيل ما ذكره عن المصباح.

٥١

والصلاة ، بأن أومئ وصلى وأومئ وصلى أيضاً ، وقوله : «بعد الركعتين» ، هكذا مرسوم في النسخة التي عندي من كامل الزيارة.

وكذا في متن «البحار» ، والنسخة التي عندي من«البحار» قوبلت مع نسخة المؤلف العلّامة ، على ما كتب في آخر الكتاب ، لكن في الفوق وبعد ، نقلاً عن بعض النسخ ، لكن حكى بعض الأعلام عن بعض نسخ «البحار» أن المرسوم في المتن كان وبعد ، وكان مرسوماً بين السطور بدل الواو نقلاً عن بعض النسخ ، إلّا أنه يمكن أن يكون رسم الواو في هذه النسخة بين السطور من باب إفادة كون المرسوم في بعض النسخ : ومن بعد.

فيما ذكره العلّامة المجلسي قدس سره في «البحار»

من وجوه الاحتمال في ذيل رواية كامل الزيارة.

قال العلّامة المجلسي قدس سره في «البحار» ، قوله عليه السلام : «إذا أنت صليت الركعتين».

أقول : في العبارة إشكال وإجمال ويحتمل وجوهاً :

الأوّل : أن يكون المراد فعل تلك الأعمال والأدعية قبل الصلاة وبعدها مكرراً.

الثاني : أن يكون المراد الإيماء بسلام آخر بأي لفظ أراد ثم الصلاة ثم قراءة هذه الأدعية المخصوصة.

الثالث : أن يكون المراد بالسلام قوله : «السلام عليك» إلى أن ينتهي إلى الأذكار المكررة ثم يصلي ويكرر كُلاً من الدعائين مائة بعد الصلاة ويأتي بما بعدهما.

الرابع : أن يكون الصلاة بعد تكرار الذكرين مائة ثم يقول بعد الصلاة : «اللهم خص أنت أول ظالم» إلى آخر الأدعية.

الخامس : أن تكون الصلاة متوسطة بين هذين الذكرين لقوله عليه السلام : «واجتهد على

٥٢

قاتله بالدعاء وصل بعده» (١).

السادس : أن تكون الصلاة متصلة بالسجود (٢) ، ولعل هذا أظهر ، لمناسبة السجود بالصلاة ، ولأن ظاهر الخبر كون الصلاة بعد كل سلام ولعن.

واحتمال كون الصلاة بعد الأذكار من غير تكرير بعدها ، بعيد جداً.

ثم اعلم أن في «المصباح» ومزار السيّد (٣) مكان قوله عليه السلام : «من بعد الركعتين» قوله : «من بعد التكبير» ، فلعلّ المراد بالتكبير الصلاة مجازاً.

وعلى التقادير العبارة في غاية التشويش ، ولعلّ الأحوط فعل الصلاة في المواضع المحتملة (٤) [انتهى كلام «البحار»].

تمهيد مقدمة لشرح كلام العلّامة المجلسي قدس سره في «البحار»

وشرح كلامه وكلامه في شرح الحال من باب شرح الإجمال بالإجمال ، بل بمزيد الإجمال ، بل كمال الإجمال يبتني على تمهيد مقدمة : هي أنه لو قيل : «أعط زيداً وعمرواً خمسة دراهم».

فهل العطف ظاهر في إعطاء كل من المتعاطفين أعني زيداً وعمرواً خمسة دراهم.

أو ظاهر العطف يقتضي التجزئة بإعطاء زيد درهماً وإعطاء عمرو أربعة دراهم.

أو إعطاء زيد درهمين وإعطاء عمرو ثلاثة دراهم.

__________________

(١) قوله : «الخامس» أنت خبير بأنّ المناسب بحسب الترتيب أن يقدّم هذا الوجه على الوجه الرابع. منه رحمه الله.

(٢) قوله: «متّصلة بالسجود» والغرص الاتّصال من جانب السبق. منه رحمه الله

(٣) مراده من مزار السيّد: مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس.

(٤) بحار الأنوار: ٩٨: ٣٠١ ، الباب ٢٤.

٥٣

وهكذا إلى أن ينتهي بإعطاء زيد أربعة دراهم وإعطاء عمرو درهماً.

أو العطف مردد بين تكرير إعطاء الكل والتجزئة بوجوهها؟

الأظهر الأوّل نظراً إلى أن الغالب في استعمالات حروف العطف في باب عطف المفرد على المفرد كون العطف بعد تمامية الكلام بالمعطوف عليه ، نعم قد يعطف بالواو ما لا يستغني عنه ، نحو «اختصم زيد وعمرو» ، و «جلس زيد وعمرو» ، بل يختص بالواو من بين حروف العطف بذلك ، ومن هذا ما عن الأصعمي من أنه قال في قول امرئ القيس : «بسقط اللوى بين الدخول فحومل» أن الصواب أن يقال : بين الدخول وحومل ، لكن قد تعطف بأم المتصلة أيضاً مما لا يستغنى عنه نحو «سواء علي أقمت أم قعدت» ، فعطف ما لا يستغنى عنه بالواو بعيد نادر في استعمالات الواو ، وبعد ندرة هذا الاستعمال بالنسبة إلى سائر حروف العطف فلا مجال للإجمال في المثال المذكور فضلاً عن التجزئة المترددة بين الأقسام.

هذا كله لو كان التجزئة غير محتاجة إلى التكسير ، وأما لو احتيج إلى التكسير نحو أعط زيداً وعمرواً درهماً ، فخلاف الظاهر في التجزئة أزيد.

هذا كتبته في سوابق الأحوال.

وتحرير الحال أن يقال : إن عطف المفرد على المفرد هل يقتضي إناطة الحكم باجتماع المفردين المتعاطفين ، أو يقتضي استقلال كل من المفردين في تعلق الحكم إليه ، مثلاً لو قيل : «أعط زيداً وعمرواً درهماً» ، هل يقتضي العطف إعطاء الدرهم إلى زيد وعمرو معاً ، فلكل منهما نصف درهم ، أو يقتضي إعطاء الدرهم إلى كلٍ من زيد وعمرو بالاستقلال.

الظاهر الاتفاق على الاستقلال لو قيل بالإضمار ، أعني إضمار العامل في المعطوف عليه للمعطوف بأن صار الأمر من باب عطف الجملة على الجملة ، كأن أضمر لفظ أعط عاملاً لعمرو في المثال المذكور ، وهو أعني الإنفاق المشار إليه

٥٤

مقتضى التعليل الآتي من الشيخ (١) ، فالنزاع إنما يتأتى لو قيل بكون العامل في المعطوف عليه أو قيل يكون العامل في المعطوف هو الواو.

ومقتضى بعض كلمات ابن هشام في «المغني» (٢) في فاتحة واو المفرد أعني كون الأمر في الباب ، أعني عطف المفرد على الخلو عن الإضمار.

لكن الشهيد في «التمهيد» نقل قاعدة وهي إذا قلت : «قام زيد وعمرو» ، فالصحيح أن العامل في الثاني هو العامل في الأوّل بواسطة الواو ، وثاني الأقوال أن العامل فعل آخر مقدر بعد الواو ، والثالث أن الواو نفسها ، إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة ما إذا حلف أن لا يأكل هذا الرغيف وهذا الرغيف ، وعلى الأوّل لا يحنث إلّا بأكلهما جميعاً ، كما لو عبر بالرغيفين ، فعلى القول بأنه مقدر يكون كل منهما محلوفاَ عليه بانفراده فيجب بأكل كل منهما (٣).

وبالجملة فمقتضى ما صنعه المحقّق في «الشرائع» (٤) ، حيث جرى على أنه لو قال : «لا أكلت هذا الخبز وهذا السمك» لا يحنث إلّا بأكلهما ، تعليلاً بأن الواو

__________________

(١) وقد روي في التهذيب في زيادات الحجّ ، وفي الاستبصار في كتاب الحجّ ـ باب إتمام الصلاة في الحرمين ، في ذيل ما رواه بالإسناد عن عليّ بن مهزيار ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه قال : «فإذا انصرف من عرفات إلى منى، وزرت البيت فرجعت إلى منى ، فأتمّ الصلاة تلك الثلاثة أيّام ، وقال بإصبعه ثلاثاً» ، والأمر فيه من باب عطف الجملة على الجملة ، وصريح النصّ كون الأمر من باب الاستقلال. منه رحمه الله.

(٢) مغني اللبيب: ١: ٤٦٣.

(٣) تمهيد القواعد: ٥٠٨ ، القاعدة ١٨٦.

(٤) شرائع الإسلام: ٣: ٧١٦ ، حيث قال في المسألة الحادية عشر: «لو قال : لا أكلت هذين الطعامين لم يحنث بأحدهما ، وكذا لو قال: لا أكلت هذا الخبز وهذا السمك لم يحنث إلّا بأكلهما؛ لأنّ الواو العاطفة للجمع ، فهي كألف التثنية. وقال الشيخ: لو قال: لا كلّمت زيداً وعمراً ، فكلّم أحدهما ، حنث؛ لأنّ الواو ينوب مناب الفعل ، والأوّل أصحّ».

٥٥

للجمع وهي حينئذٍ كألف التثنية ، القول بالأوّل.

وهو مقتضى صريح الشهيد في «الدروس» (١) في كتاب النذر ، قال : قاعدة الجمع بين شيئين أو أشياء بواو العطف يصير كل واحد منهما مشروطاً بالآخر قضية الواو ، فلو قال : «لا أكلت الخبز واللحم والفاكهة» أو «لآكلنّها» ، فلا حنث إلّا بالثلاثة ولا بر إلّا بها.

ويقتضي القول بذلك ما أورد به صاحب «المدارك» (٢) على الاستدلال على كون الوضوء واجباً غيرياً ، بقوله عليه السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» ، حيث إن المشروط ينعدم عند عدم الشرط ، بأن المشروط وجوب الطهور والصلاة معاً ، وانتفاء هذا المجموع يتحقق بانتفاء أحد جزئيه ، فلا يتعين انتفائهما.

وغرضه أن المشروط وجوب مجموع الطهور والصلاة ، فمقتضى انتفاء المشروط بانتفاء الشرط هو انتفاء المجموع قبل الوقت لا انتفاء كل من الأمرين ، فغاية الأمر بثبوت عدم وجوب الطهور والصلاة معاً قبل الوقت ، ولا يثبت انتفائهما حتى يثبت عدم وجوب الوضوء فالأمر على ذلك من باب الاستغراق المجموعي ، ويمكن أن يكون من باب الاستغراق الأفرادي.

كما هو صريح «الذخيرة» (٣).

لكنه خلاف الظاهر.

نعم لو كان الأمر من باب الاستغراق الأفرادي يصلح المقصود بناء على كون النفي في المفهوم راجعاً إلى العموم ويكون الأمر من باب سلب العموم.

__________________

(١) الدروس: ٢: ١٧١.

(٢) مدارك الأحكام: ١: ١٠ ، حيث قال: «وعلى الثاني: إنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معاً ، وانتفاء هذا المجموع يتحقّق بانتفاء أحد جزأيه ، فلا يتعيّن انتفاؤهما معاً».

(٣) ذخيرة المعاد: ١: ٢.

٥٦

لكن الأظهر أن النفي في المفهوم لا يرجع إلى المقيد فالنفي الوارد على العموم لعموم السلب بالسنبة إلى الأفراد لو كان العموم من باب الاستغراق الأفرادي ، وبالنسبة إلى الأجزاء لو كان العموم من باب الاستغراق المجموعي.

ويقتضي القول بذلك أيضاً ما جرى عليه المحقّق القمّي (١) وبعض من تأخر عنه في باب الترجيح ، من أن المدار في قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما في الحديث وأورعهما» على الزيادة في العدالة والفقاهة والصادقية والورع ، فالمرجح أمر واحد ، لا الزيادة في كل من الأمور المذكورة ، فيكون المرجح أمور أربعة ، كما رجحناه في محله.

ومقتضى ما عن الشيخ (٢) من أنه لو قال : «لا كلّمت زيداً وعمرواً» ، فكلّم أحدهما حنث ، تعليلاً بأن الواو تنوب مناب الفعل ، هو القول بالثاني.

وكيف كان فالحق في المقام أن الإضمار في المضمار خلاف الظاهر ولا داعي إلى ارتكابه.

لكن الظاهر في مثل «أعط زيداً وعمرواً» هو استقلال كل من زيد وعمرو في وجوب الإعطاء إليه ، مع فرض خلو الكلام عن الإضمار ، نعم قد يكون الأمر مبنياً

__________________

(١) المراد به صاحب القوانين في قوانين الاُصول: ٤٧٤.

(٢) في المبسوط: ٦: ٢٣١ ، حيث قال: «... فحلف لا أكلت هذين الرغيفين ، ولا لبست هذين الثوبين لم يحنث حتّى يأكلهما ، فإن أكل أحدهما لم يحنث. وقال بعضهم: يحنث إذا أكل أحدهما ؛ لأنّ أصله أن القرب من الحنث حنث ، والأوّل أصحّ عندنا ، فإن حلف لا كلّمت زيداً وعمرواً ، فكلّم أحدهما ، حنث.

والفرق بينهما أنّهما يمينان؛ لأنّه حلف لا كلّم زيداً ولا كلّم عمرواً، وإنّما دخلت الواو نائبة مناب تكرير الفعل ، كأنّه أراد أن يقول: والله لا كلّمت زيداً ولا كلّمت عمرواً ، فقال: وعمرواً ، فلهذا حنث ، وليس كذلك في الأوّل لأنّها يمين واحدة».

٥٧

على الإناطة ، نحو الأسكنجبين هو الخل والسكر ، والبيت هو السقف والجدران ، لكن هذا من جهة قيام القرينة الخارجية.

ثم إنه لو قيل : «لا آكل اللحم ولا الخبز» ، فهل يتأتى الحنث بأكل اللحم أو الخبز على القول بعدم الحنث لو قيل : «لا آكل اللحم والخبز» ، بناء على كون الأمر من باب الإضمار ، أو لا؟ فالأمر في المثالين سواء ، ربما يظهر من بعض الكلمات القول بالأول ، لكن مقتضى بعض كلمات ابن هشام كون الأمر من باب عطف المفرد على المفرد وخلو الحال عن الإضمار ، وعلى هذا يتأتى الحنث بأكل اللحم والخبز على الأظهر دون ما جرى عليه الشهيد في التمهيد.

شرح كلام العلّامة المشار إليه في «البحار»

إذا عرفت ما سمعت فنقول : إن القول أن المقصود به الزيارة المذكورة مركب من خمس قطعات : (السلام الطويل) ، و (اللعن المكرّر مائة مرة) ، و (السلام المكرر مائة مرة) ، و (الدعاء بالتخصيص) ، و (السجدة).

والسلام (١) ، في قوله (بالسلام) إما أن يكون متحداً مع القول المذكور المركب من القطعات المذكورة ، أو يكون مختلفاً معه ، والوجوه المحتملة المذكورة في «البحار» دائرة بين اتحاد السلام والقول وتكرار القول في كل من المتعاطفين ، أي عند الإيماء وبعد الركعتين كما في الوجه الأوّل ، فالمدار فيه على الإيتان بالزيارة والصلاة بعدها وتكرار الزيارة بعد الصلاة.

وبعبارة أخرى : المدار فيه على الإتيان بالصلاة بين الزيارتين الكاملتين وتغاير السلام والقول والإتيان بالزيارة بتمامها بعد الركعتين ، بناء على كون العبارة (بعد الركعتين) أو (وبعد الركعتين) لو صح كون الواو حالية ، إلّا أن الواو الحالية إنما

__________________

(١) أي وكلمة السلام ، في قول صاحب بحار الأنوار المتقدّم.

٥٨

تدخل على الجملة الإسمية أو الفعلية ، كما هو المرجع في الوجه الثاني ، فالمدار فيه على الإتيان بالسلام بأي نحو كان والصلاة بعدها والإتيان بالزيارة بتمامها بعد الصلاة والتجزئة بجعل ما يقال عند الإيماء هو القطعة الأولى (١) وما يقال بعد الصلاة هو القطعات الأربعة (٢) الباقية (٣).

أو ما يقال عند الإيماء هو القطعتان الأوليان (٤) وما يقال بعد الصلاة هو القطعات الثلاث (٥) الباقية (٦).

أو ما يقال عند الإيماء هو القطعات الثلاث (٧) الأولى وما يقال بعد الصلاة هو القطعتان (٨) الباقيتان (٩).

أو ما يقال عند الإيماء هو القطعات الأربعة (١٠) الأولى وما يقال بعد الصلاة هو القطعة الأخيرة ، أي السجدة المشتملة على الدعاء (١١).

__________________

(١) مراده بذلك: السلام الطويل.

(٢) مراده بذلك: اللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة ، واللعن بالتخصيص ، ودعاء السجود.

(٣) هذا هو الوجه الأوّل.

(٤) مراده بذلك: السلام الطويل ، واللعن المكرّر مائة مرّة.

(٥) مراده بذلك: السلام المكرّر مائة مرّة ، واللعن بالتخصيص ، ودعاء السجود.

(٦) هذا هو الوجه الثاني.

(٧) مراده بذلك: السلام الطويل ، واللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة.

(٨) مراده بذلك: اللعن بالتخصيص ، ودعاء السجود.

(٩) هذا هو الوجه الثالث.

(١٠) مراده بذلك: السلام الطويل ، واللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة ، واللعن بالتخصيص.

(١١) هذا هو الوجه الرابع.

٥٩

وهذه الوجوه الأربعة هي المدار في الوجوه الأربعة الأخيرة المذكورة في «البحار» (١).

لكن الظاهر أن السجدة خارجة عن القول وإن كانت مشتملة على الدعاء ، بل لعل الظاهر أن الدعاء بالتخصيص (٢) خارج أيضاً عن الزيارة ، فلا يتجه الوجه الرابع من الوجوه التي ذكرناها وهو الوجه الأخير من الوجوه المذكورة في «البحار» (٣) ، إذ لا يبقى لما بعد الصلاة شيءٌ من القول ، وهو خلاف قضية العطف ، بل لعله لا يتجه الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرناها وهو الوجه الرابع من الوجوه المذكورة في «البحار».

وأما احتمال كون ما يقال عند الإيماء هو تمام القطعات الخمس (٤) فلا مجال له ، إذ لا يبقى لما بعد الصلاة شيءٌ ، وهو خلاف قضية العطف ، وهذا هو الوجه السابع الذي جعله (٥) بعيداً جداً ، كيف وقد سمعت عدم اتجاه الوجه السادس ، بل الوجه الرابع قضيته عدم بقاء شيء لما بعد الصلاة وهو خلاف قضية العطف بناء على خروج السجدة ، بل خروج الدعاء بالتخصيص (٦) عن القول.

__________________

(١) والتي تقدّم ذكره في نقل عبارة صاحب البحار ، وهي الوجه الثالث والرابع والخامس والسادس.

(٢) أي قوله عليه السلام: «اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ ...».

(٣) وهو الوجه السادس.

(٤) وهي: السلام الطويل ، واللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة ، واللعن بالتخصيص ، ودعاء السجود.

(٥) يعني صاحب بحار الأنوار.

(٦) أي قوله: «اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ ...».

٦٠