شرح زيارة عاشوراء

الشيخ أبي المعالي الكلباسي

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

الشيخ أبي المعالي الكلباسي


المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: ٢٩٦

[التنبيه] الخامس عشر :

في خروج الصلاة عن الزيارة

أنه لا إشكال في رجحان السلام الطويل مع انضمام أخواته (١) المختتمة بالسّجدة ودعائها ، بل الظاهر اختصاص الزيارة بها وخروج الصلاة عن الزيارة ، ويرشد إليه قول أبي جعفر عليه السلام لعلقمة في رواية «كامل الزيارة» و «المصباح» : «وإن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل» ، حيث إنّ الظاهر أنّ المراد من الزيارة تلك الأقوال ، أعني السّلام وأخواته (٢) ، وأما كون المراد هو مجموع الأقوال والصّلاة ، فهو خلاف الظاهر ، ويرشد إليه أيضاً استعمال الزيارة في الأقوال في رواية صفوان في كلام الإمام وصفوان وسيف بن عميرة.

أمّا الأوّل (٣) : فهو قول أبي عبد الله عليه السلام : «تعاهد هذه الزيارة وزر به» ، وقوله عليه السلام : «يا صفوان وجدت هذه الزيارة مضمونه بهذا الضمان» ، وقوله عليه السلام : «وقد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ أن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة ، من قرب أو بعد ، ودعا بهذا الدعاء» ، وقوله عليه السلام : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة».

ولو قيل : إنّ المقصود بالزيارة فيما ذكر هو مجموع الأقوال والصلاة.

قلت : إنه خلاف الظاهر ، كما مر.

وأما الثاني (٤) : فهو قول صفوان : «وزرت مع سيّدي أبي عبد الله عليه السلام إلى هذا

__________________

(١) مراده بأخواته اللعن المكرّر مائة مرّة ، والسلام المكرّر مائة مرّة ، وقوله : «اللّهمّ خصّ أنت».

(٢) مراده بأخواته ما ذكر في الحاشية السابقة.

(٣) مراده به كلام الإمام عليه السلام.

(٤) مراده به كلام صفوان.

١٨١

المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا ، ودعا بهذا الدعاء عند الوداع بعد أن صلّى كما صلّينا ، وودّع كما ودّعنا».

وأمّا الأخير (١) : فهو قول سيف بن عميرة : «فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ، ثم صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام».

ولا يذهب عليك أنّه لا مجال لاحتمال استعمال الزيارة في مجموع الأقوال والصلاة في الأخيرين.

لكن نقول : إنّ الظاهر أنّ الزيارة حقيقة في مشاهدة الإنسان أو الأعم ، ومن الأخير ما يقال : «زرنا مكتوبك» ، فإطلاق الزيارة على مجموع السّلام وأخواته من باب المجاز ، فعلى ما ذكرنا فلا بأس بالاقتصار على السّلام وأخواته وعدم الإتيان بالصّلاة ، وأما قصد توظيف السّلام واخواته مع العلم بعدم توظيفه من باب التصديق وتصوّر التوظف مع العلم بعدم توظيفه ، فلا مجال لحرمته ، فينحصر أمر الحرمة فيما لو كان الاذعان بالتوظيف مستنداً إلى مدرك فاسد غير معتبر شرعاً اجتهاداً كان أو تقيداً أو خيالاً من عند النفس ، فالصّلاة من باب المستحبّ في المستحبّ ، أي يستحبّ الزيارة ويستحبّ أيضاً إردافها بالصّلاة ، لكن ترتب المثوبات الموعودة منوط بالإتيان بالصّلاة.

وربما قيل نقلاً : إنه لا كلام في كون الصلاة جزء الزيارة.

وليس بشيء ، لما يظهر ممّا سمعت من عدم دخول الصّلاة في مفهوم الزيارة ، بل عدم اشتراط الزيارة بالصّلاة ، لرجحانها في حدّ نفسها.

وبعد هذا أقول : إن مقتضى ما رواه علقمة عن أبي جعفر عليه السلام ، على ما رواه في

__________________

(١) مراده به كلام سيف بن عميرة.

١٨٢

«كامل الزيارة» من قوله عليه السلام : «فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيّئة ، ورفع لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام» ، وقوله عليه السلام ـ على ما في «المصباح ـ : «فإنك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة» من المثوبات الموعودة على الزيارة ، ومع هذا الظاهر أنّ الزّوار من الملائكة إنّما يأتون بالزيارة نفسها دون الصلاة ، فمورد الدعاء بما يدعو به الملائكة وهو مورد المثوبات الموعودة هو الأقوال لا مجموع الأقوال والصلاة.

بقي أنّه قد تقدّم أنّ الظاهر خروج السجدة ، بل الدّعاء بالتخصيص عن الزيارة.

لكن نقول : إنّه لا بدّ من الإتيان بهما في ترتّب المثوبات الموعودة.

تذييلان

أحدهما : فيما لو أراد شخص الاقتصار على بعض أجزاء السّلام الطويل أو أراد ترك بعض إخوانه أو الصّلاة.

أنه لو أراد الشخص الإقتصار على بعض أجزاء السّلام الطويل قليلاً كان أو كثيراً ، أو أراد ترك بعض أخواته ، بناء على دخولها في الزيارة والظاهر أنه لا إشكال في الدخول أو أراد ترك الصّلاة بناء على دخولها في الزيارة فهل يصحّ ذلك أم لا؟

أقول : إنّه ربّما جرى العلّامة النجفي في «كشف الغطاء» على جواز القناعة في المندوب ببعض أجزائه فيما لم يثبت عدم استحباب بعض الأجزاء ، نظراً إلى انحلال الأمر إلى تعدّد الأمر.

وليس بالوجه ، فلا يتجه الصحة في الفروض المذكورة.

١٨٣

ثانيهما : فيما لو تعذّر بعض أجزاء السّلام الطويل أو بعض اخواته أو الصّلاة.

أنّه لو تعذّر بعض أجزاء السّلام الطويل أو تعذّر بعض أخواته أو تعذّر الصّلاة بناء على دخولها في الزيارة فهل يصحّ الإتيان بالباقي؟

أقول : إنّ الأمر يبتني على تمامية قاعدة الميسور والمعسور في باب المستحبات بعد تماميتها من أصلها ، وقد حررنا في الأصول عدم تماميتها من أصلها.

١٨٤

[التنبيه] السادس عشر :

في خروج دعاء الوداع عن الزيارة

وإناطة قضاء الحاجة بالإتمام به

أنه لا إشكال في خروج دعاء الوداع ، أعني دعاء صفوان عن الزيارة ، بل مقتضى ما ذكر في رواية مالك برواية كامل الزيارة ، ورواية قيس برواية «المصباح» من ثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف غزوة وغيرها ، هو ترتب الجزاء والثواب على الزيارة بالاستقلال ولا إشكال.

لكن مقتضى ما رواه صفوان إناطة قبول الزيارة وترتّب الثواب وقضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، حيث إنّ مقتضى قول الصادق عليه السلام في رواية «المصباح» : «يا صفوان ، تعاهد هذه الزيارة ، وادع بهذا الدعاء ، وزر به ، فإنّي ضامن على الله تعالى لكلّ من زار بهذه الزيارة ، ودعى بهذا الدعاء ، من قرب أو بعد ، أنّ زيارته مقبولة ، وأن سعيه مشكور ، وسلامه واصل غير محجوب ، وحاجته مقضيّة من الله تعالى بالغاً ما بلغت ، ولا يخيبه».

وكذا الحال في قوله عليه السلام : «وقد آلى الله على نفسه عزّ وجلّ إن من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة ، من قرب أو بعد ، ودعا بهذا الدعاء ، قبلت زيارته ، وشفّعته في مسألته بالغاً ما بلغت ، وأعطيته سؤله ، ثم لا ينقلب عنّي خائباً ، وأقلبه مسرور العين ، قريراً عينه بقضاء حاجته ، والفوز بالجنة والعتق من النار ، وشفّعته في كل ما شفع ، خلا ناصب لنا» ، كما أنّ مقتضى قوله عليه السلام في آخر ما رواه صفوان : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء ، وسل ربّك حاجتك تاتك من الله ، والله غير مخلف وعده رسوله» ، إناطة قضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، ففي باب إناطة قضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، ورواية صفوان خالية

١٨٥

عن معارضة رواية «كامل الزيارة».

ولو قيل : إنّ المقصود بالدعاء في الفقرات المذكورة هو نفس الزيارة ، كيف وبيان الزيارة من أبي جعفر عليه السلام في رواية «كامل الزيارة» و «المصباح» إنما وقع بعد سؤال علقمة من الصادق عليه السلام عن دعاء يدعو به إذا لم يزره من قريب ويومي إليه من بعد البلاد.

قلت : إن مقتضى ما ذكره صفوان بعد اعتراض علقمة في باب دعاء الوداع من أنّ الصادق عليه السلام فعل مثل ما فعله صفوان ، ودعا بدعاء الوداع ، وقال : «تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء» ، كون المقصود بالدعاء المشار إليه في هذه الفقرة هو دعاء الوداع بلا إشكال فيه أصلاً ، فمقتضى السياق كون المقصود بالدعاء في الفقرتين الأولين من الفقرات المذكورة هو دعاء الوداع أيضاً ، بل الفقرة الأخيرة لا مجال لاحتمال كون المقصود بالدعاء فيه هو نفس الزيارة.

وربما يتوهّم : عدم مزاحمة رواية صفوان لرواية مالك وقيس في باب اختصاص ترتب الثواب بالزيارة.

ويضعف : بأنّ مقتضى الفقرتين الأوليين المتقدّمتين من رواية صفوان هو إناطة ترتب الثواب وقضاء الحاجة بالاتمام بالدعاء ، لأخذ قبول الزيارة وشكر السعي وقضاء الحاجة في الأولى في الجزاء على الزيارة والدعاء ، وأخذ قبول الزيارة وقضاء الحاجة والفوز بالجنّة والعتق من النّار وغيرها في الثانية في الجزاء على الزيارة والدعاء ، وإن أمكن كون الأمر في الاُولى من باب اللّف والنشر المرتب ، بكون ترتّب قبول الزيارة وشكر السعي في جزاء الزيارة وكون قضاء الحاجة في جزاء دعاء الوداع.

١٨٦

[التنبيه] السابع عشر :

في أنّه إذا كان للزائر حاجة فليسأل الله سبحانه قضائها

بعد الفراغ عن دعاء الوداع

أنه إذا كان للزائر حاجة فليسأل الله سُبحانه قضائها بعد الفراغ عن دعاء الوداع ، قضيّة ما رواه صفوان في آخر ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام في رواية «المصباح» ومحمّد بن المشهدي ، حيث روي عنه عليه السلام أنّه قال : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت ، وادع بهذا الدعاء ، وسل ربّك تأتك من الله ، والله غير مخلف وعده رسوله».

وربّما يدعى قضاء الاستقراء بكون وقت الدعاء بعد إتمام العمل أو حين الإتمام.

١٨٧

[التنبيه] الثامن عشر :

في أنّه لا فرق في استحباب زيارة عاشوراء

بين الرّجال والنساء، والعبيد الأحرار، والبلّغ وغير البُلّغ

أنه لا فرق في استحباب الزيارة المبحوث عنها بين الرجال والنساء والأحرار والعبيد ، لأصالة الاشتراك.

وهل يطرد الاستحباب في غير البالغ؟

الأظهر القول به.

إلّا أن يقال : بالانصراف إلى البالغ ، بل الأوجه القول بهذا المقال.

لكن نقول : إنّه يمكن دعوى القطع بعدم الفرق ، بل لا إشكال في القطع بعدم الفرق ، بل على هذا المنوال الحال في سائر المستحبات.

١٨٨

[التنبيه] التاسع عشر :

في استبعاد العقل ترتّب المثوبات الموعودة

على زيارة عاشوراء في حقّ القريب

إنّه ربّما تتوحش النفس ويستبعد العقل ترتّب المثوبات الموعودة في باب القريب ، كما ذكر في رواية «كامل الزيارة» تارة من ثواب ألفي ألف حجّة ، وألفي ألف عمرة ، وألفي ألف غزوة ، وثواب حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين.

وما ذكر فيها أخرى من ثواب ألف ألف حجّة ، وألف ألف عمرة ، وألف ألف غزوة كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وثواب مصيبة كل نبيٍّ ورسولٍ وصديق وشهيدٍ مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

وما ذكر فيها ثالثة من ثواب ألف ألف حسنة ، ومحو ألف ألف سيئة ، ورفع مائة ألف ألف درجة ، والكون كمن استشهد مع سيّد الشهداء عليه السلام حتى يشارك معهم في درجاتهم ولا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتابة ثواب زيارة كلّ نبي ورسول وزيارة كلّ من زار سيّد الشهداء عليه السلام منذ يوم قتل صلوات الله عليه.

وكذا ما ذكر في رواية «المصباح» تارة من كتابة مائة مائة ألف درجة ، والكون كمن استشهد مع سيّد الشهداء عليه السلام حتى يشارك معهم في درجاتهم ولا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتابة ثواب كل نبي وكلّ رسول وزيارة كلّ من زار سيّد الشهداء عليه السلام منذ يوم قتل ، وما ذكر فيها أخرى من ثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة وثواب كل حجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم الصّلاة والسّلام.

١٨٩

وما ذكر فيها ثالثة من كتابة مائة ألف ألف درجة والكون كمن استشهد مع الحسين عليه السلام حتى يدرك في درجاتهم لا يعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتابة ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كلّ من زار الحسين عليه السلام مُنذ يوم قُتل عليه السلام ، بل على ذلك المنوال الحال فيما ذكر في رواية محمّد بن المشهدي في باب الجزاء من قبول الزيارة وشكر السعي ووصول السّلام وقضاء الحاجة بالغة ما بلغت والفوز بالجنّة والعتق من النار وغير ذلك مما ذكر في تلك الرواية ، وإن كان التوحّش والاستبعاد مما ذكر في تلك الرواية أقلّ ، إذ قبول الزيارة وقضاء الحاجة ووصول السّلام وأمثالها ليس مما يتوحش منه النفس وتستبعده ، نعم الفوز بالجنة مثلاً تتوحش منه النفس وتستبعده.

أقول : إنّ التوحّش والاستبعاد يطرّد في جميع المثوبات الجليلة الكثيرة الموعودة في الأخبار على الأعمال الخفيفة القليلة في كثير من الموارد ، وهذا من مشكلات الشريعة ، نظير مسألة الطّينة (١).

__________________

(١) هذا منه إشارة إلى أخبار الطينة الواردة في بيان طينة المؤمن وطينة الكافر ، وقد وردت في هذه المسألة أخبار كثيرة تصل إلى حدّ الاستفاضة ، بل يمكن القول ببلوغها التواتر المعنوي ولا أقلّ من التواتر الإجمالي ، فقد عقد لها الشيخ الكليني رحمه الله في اُصول الكافي باباً مستقلاً أسماه بـ (باب طينة المؤمن والكافر) ، وضمّنه مجموعة من الأخبار ، فراجع اُصول الكافي : ٢: ٣.

كما عقد لها العلّامة المجلسي رحمه الله في بحاره باباً أسماه بـ (باب طينة المؤمن وخروجه من الكافر ، وبالعكس) ، وضمّنه عدداً كبيراً من الأخبار ، فراجع بحار الأنوار : ٦٤: ٧٧.

وقد أشار إلى هذه الأخبار العلّامة الطباطبائي في الميزان ، وقال ما نصّه ـ ولِنعم ما قال ـ: «ويناسب المقام عدّة من أخبار الطينة ، كما رواه في البحار عن جابر بن عبدالله ، قال : «قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله : أوّل شيء خلق الله ما هو؟

فقال : نور نبيّك يا جابر ، خلقه الله ثمّ خلق منه كلّ خير ... الخ»

١٩٠

بل حكى الفاضل التقي المجلسي قدس سره في شرح مشيخة الفقيه عن شيخنا البهائي الحكم بطرح الأخبار المذكورة ، حيث إنه حكى عنه أنه قال في الدرس : «إنا نعلم قطعاً إن أمثال هذه الأخبار كاذبة ، فإنه ورد أنّ ثواب إطعام المؤمن ألف ألف حجة ، فحينئذٍ لايبقى للحجّة مقدار».

إلا أن الفاضل المذكور حكى أنه ذكر لشيخنا البهائي أنه لا يمكن إنكار أمثال هذه الأخبار ، فإنها متواترة معنىً ، قال : وقلت أنتم تروون أنّ ضربة عليّ عليه السلام أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة وتعتقدونه ، ولا شك أنّ ذلك بسبب علوّ شأنه عليه السلام ، بل كل فعل من أفعاله كذلك ، وكذلك كلّ واحد من الأئمّة صلوات الله عليهم بالنظر إلى غيرهم فأيّ استبعاد في أن يكون ثواب خلّص أوليائهم كذلك ، كما وقع في إطعام المسكين واليتيم والأسير ، وهذه المثوبات العظيمة وكانت فضة الخادمة فيهم ، مع أنه فرق بين الثواب الاستحقاقي والتفضّلي.

قال : فاستحسن كلامي ولم يتكلّم بما كان يتكلّم قبله.

لكن فيما ذكره الفاضل المشار إليه مجال المقال ، ويمكن أن يقال : إنّ العقل لا يستبعد في المقام ترتّب المثوبات المذكورة على الزيارة لأنّه من باب الجزاء على ما تحمله سيّد الشهداء عليه السلام في سبيل الله وحراسته الدين بنفسه وماله وعياله بما تقاسر الألسن والأقلام عن تقريره وتحريره.

__________________

«أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة متظافرة ، وأنت إذا أجلت نظرة التأمّل والإمعان فيها وجدتها شواهد على ما قدّمناه ، وسيجئ شطر من الكلام في بعضها. وإيّاك أن ترمى أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم ومنابع الحكمة بأنّها من اختلاقات المتصوّفة أوهامهم ، فللخلقة أسرار ، وهو ذا العلماء من طبقات أقوام الإنسان لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة منذ أخذ البشر في الانتشار ، وكلّما لاح لهم معلوم واحد بان لهم مجاهيل كثيرة ، وهي عالم الطبيعة أضيق العوالم وأخسّها ، فما ظنّك بما ورائها ، وهي عوالم النور والسعة» ـ الميزان : ١: ١٢١.

١٩١

ولنعم ما حكى عنه رُوحي وروح العالمين له الفداء :

تركتُ الناس كلا في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

وإن قطّعتني في الحبّ إربا

لما حنّ الفؤاد إلى سواكا

نعم يستبعد العقل ترتّب المثوبات المذكورة في باب الأعمال القليلة في سائر الموارد ، ويرشد إلى ما ذكرنا أنّه ربّما يتحمّل شخص شدّة في المراحل العادية خدمة لشخص والشخّص الثاني يبذل أموالاً كثيرة مجاناً لكلّ واحد من أقربائه وأحبّائه بملاحظة ما تحمله الشخص الأوّل من الشدّة.

ويمكن أن يقال : إنّه لو بذل عبد من عبيد السّلطان جميع ما أمكنه وتمكن منه وإن كان قليلاً فأبذل السلطان سلطنته إليه لا يضائق عنه العقل ولا يحكم بردائه ما صنعه وركاكته ، بل يحكم بحسنه ، بل يحكم بكونه في غاية حسن المكافاة وقد بذل سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء جميع ما تمكّن منه في سبيل الله مع شرافة نفسه وشرافة أنفس سائر الشهداء الذين شهدوا عنده ولاسيّما أقربائه وكذا شرافة أهله الأسرآء بعده روحي وروح العالمين له الفداء أو بشرافة الشخص ودنوها يختلف حال عمله من حيث العلوّ والدنوّ ، وبهذا يختلف أجر عمله كما أنّه يختلف الخضوع عند الله سُبحانه باختلاف عز الشخص وذلّة فقد يكون شيء من العزيز موجباً للطف الله سبحانه إليه دون الذّليل لكون الشيء المشار إليه موجباً لشدّة الخضوع من العزيز دون الذليل ، والمثوبات المذكورة من باب المكافاة لما بذله سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء قليل من كثير ما يتمكّن منه الله سبحانه مع سعة رحمته ووفور فضله ومما يختلف به حال المكافاة سعة أمر الشخص وضيقه ، فمقتضى ما ذكرنا في باب العبد والسلطان ، كفاية نفس بذل سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ما بذله في رفع الاستبعاد وبملاحظة غاية شرافة نفس سيّد الشهداء وشرافة أهله وعياله وكذا ساير الشهداء وسعة رحمة الله سبحانه غاية السعة

١٩٢

يزيد رفع الاستبعاد ويتناقص الاستبعاد.

لكن هذا الوجه كالوجه السابق يختصّ بالمثوبات المذكورة في باب زيارة سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء.

ويمكن أن يقال : أنه قد جرت العادة واستمرة سيرة الناس على إعطاء الكثير بالقليل ، مثلاً ربما يعطي الشخص خمسين درهماً بإهداء ما يكون قيمته عشرين درهماً ويغمض عن خمسين درهماً لو كانا ديّانا باهداء ما ذكر ، ومن قبيل الأخير حال أرباب الدّيوان ، حيث إنّ الشخص المستولي على الوظيفة الدّيوانية ربما يقصد إمساك مبلغ وباهداء ما دون المبلغ بدرجات يتجاوز عما قصده ويعطي ما قصد إمساكه ، والسرّ فيه أنّ النفس تقبل ويتطرّق عليه الحبّ بواسطة الإهداء ، ولما أقبلت وتطرق عليها الحبّ ، فيقدم على السّماحة والإغماض على حبّ الإقبال وتطرق الحبّ ، وهذا الوجه لا يختص بمثوبات زيارة سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء ، بل يعم غيرها.

إلاّ أن يقال : إنّ الوجه المذكور لا بأس به فيمن يكون إعطائه على حسب اقتضاء الميل ، وأما الله سبحانه فلمّا كان إعطائه وإغماضه على حسب اقتضاء الحكمة ومقدار استعداد العمل فيما لا يكون الأمر فيه من باب التفضّل ، بل ليس التفضّل إلّا على وجه يقتضيه الحكمة ، فلا يتجه الوجه المذكور في المثوبات المذكورة من جانبه سُبحانه بإزاء الأعمال القليلة.

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى الإستقراء في القرآن ورود ثلاثة أقسام من العذاب على قوم لوط : الصّيحة ، وانقلاب الأرض ، وتماطر الأحجار ، مع كفاية واحدٍ منها في تحقّق الهلاك ، وكل ما يمكن أن يكون مصلحة في تعدد العذاب ، يتأتّى نظيره في باب المثوبات الجزيلة على الأعمال القليلة ، فالتوقف في باب تلك المثوبات أولى من طرحها ، والحكم بكذب تلك الأخبار كما هو مقتضى ما تقدم

١٩٣

حكايته عن شيخنا البهائي.

تذييلٌ :

في اشتراط المثوبات المشار إليها بتطرّق البكاء حال الزّيارة

مقتضى ما رواه في كامل الزيارة و «المصباح» إناطة المثوبات المشار إليها بتطرق البكاء حال الزيارة ، لقول أبي جعفر عليه السلام : «حتى يظلّ عنده باكياً» ، بعد قوله عليه السلام : «من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء» بأن حضر قبره الشريف ، ويكفي في البكاء صدق الاسم للاطلاق.

إلّا أن يقال : إنه لا يكفي مجرّد صدق الاسم ، بل لابدّ من شمول الاطلاق ، كما هو الحال في سائر موارد الاطلاق ، فلو كان من القلّة على مقدار لا يشمله الاطلاق لا يكفي ، وإن تأتّى صدق الاسم.

وإن قلت : إنّ مقتضى معنى : «ظلّ باكياً» هو استغراق النهار بالبكاء ، كما يقال : «ظلّ زيد متفكّراً» ، والمعنى المداومة على التفكّر في النهار ، نظير : «إن بات زيد متفكّراً» ، بمعنى المداوة على التفكّر ، قضيته أنّ معناه البيتوتة بالتفكّر ، ومعناه المداومة في الليل على التفكّر.

قلت : إنّ «ظلّ» وإن يشتمل في إتيان الفعل بالنهار على وجه الاستيعاب ، كما إن (بات) يستعمل في اتيان الفعل في الليل على وجه الاستيعاب ، بل ظاهر «القاموس» و «المجمع» : كون «ظلّ» حقيقة فيما ذكر ، لكنه قد يستعمل بمعنى صار مجرّداً عن الزمان ، نحو قوله تعالى : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً) (١) ، والأمر في المقام من قبيل الأخير بلا شبهة ، كيف واشتراط البكاء في تمام يوم عاشوراء في

__________________

(١) النحل ١٦: ٥٨.

١٩٤

ترتب الثواب على الزيارة التي تتحصّل في قليل من الزمان مقطوع العدم ، بل استغراق اليوم بالبكاء غير ممكن ، كيف واستغراق تمام الزيارة بالبكاء نادر ، بل نظير الاشتراط المذكور مفقود الأثر في الشريعة.

ثمّ إنّ العلّامة المجلسي قدس سره قال في «زاد المعاد» ترجمة لقوله عليه السلام : «حتى يظل باكياً» (يا كريان شود) بالمثناة التحتانية وهو من سهو القلم ، والصّواب (تا كريان شود) بالمثناة الفوقانية ، كما في «تحفة الزائر».

١٩٥

[التنبيه] العشرون :

في استحباب زيارة عاشوراء في غير يوم عاشوراء

أنه لا إشكال في اطّراد استحباب الزيارة المتقدّمة في غير يوم عاشوراء من سائر الأّيام ، لقول أبي جعفر عليه السلام في آخر ما رواه علقمة على مارواه في «كامل الزيارة» : «يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله» ، ويرشد إليه قول الصادق عليه السلام لصفوان على مارواه في «المصباح» ، وكذا محمّد بن المشهدي : «يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة ، فزر بهذه الزيارة من حيث كنت».

إلّا أن يقال : إنّ العموم فيه من حيث المكان لا الزمان ، والعموم من جهة لا يستلزم العموم من جهة أخرى.

إلّا أن يقال : إنّ مقتضى أمثال تلك القضية الشرطية تكرّر الجزاء بتكرّر الشرط ، ومتقضاه اطّراد الاستحباب في عموم الأزمان فضلاً عن الأيّام ، ويظهر الحال بملاحظة ما حرّرناه في منطوق القضية الشرطية في باب مفهوم الشرط في الأصول ، ويرشد إليه أيضاً قول الصادق عليه السلام لصفوان : «يا صفوان ، تعاهد هذه الزيارة» ؛ إذ الظاهر كون الغرض من التعاهد (١) المداومة ، نظير قوله ـ نقلاً ـ : «إذا رأيتم الرجل»

__________________

(١) قال في المصباح : «تعهّدته : حفظته. قال ابن فارس : ولا يقال : تعاهدته ؛ لأنّ التفاعل لا يكون إلّا من اثنين. وقال الفارابي : تعهّدته أصلح من تعاهدته» ، انتهى. وفي بعض الأخبار : «تعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاح أنفسكم تزدادوا يقيناً» ، وقد وقع التعاهد أيضاً في طائفة من كلمات الفقهاء في باب استحباب تعاهد النعال في المساجد ، وفرّع الشهيد الثاني الإيراد بأنّ التعهّد أفصح ، إلّا أنّ التعهّد في الطائفة المشار إليها من باب المتابعة للرواية. منه رحمه الله.

١٩٦

يتعاهد صلاته».

وكذا قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور المعروفة (١) : «ويكون منه التعاهد للصّلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين».

وكذا قوله عليه السلام في تلك الصحيحة : «مواظباً على الصّلوات ، متعاهداً لأوقاتها في مُصلاّه» ، بل مقتضى هاتين الفقرتين مرادفة التعاهد والمداومة.

أمّا الثانية فالأمر فيها ظاهر ، وأمّا الأولى فلأن الظاهر أنّ قوله عليه السلام : «إذا واظب عليهن» من باب التفسير ، بمعنى أن التعاهد إنما يتحقّق في صورة المواظبة لا من باب تقييد التعاهد بالمواظبة ، ويلزمه كون التعاهد أعم من المواظبة.

إلّا أن يقال : إنّ غاية الأمر كون الغرض المداومة على الزيارة في جميع أيّام عاشوراء لا المداومة في جميع الأيّام ، بل نقول هذا هو الظاهر ، إذ الظاهر من بيان الثواب والجزاء بعد ذلك هو كونه لأصل الزيارة في يوم عاشوراء ، وأما لو كان الغرض المداومة في جميع الأيّام فالثواب إمّا لنفس المداومة أو كلّ يوم على تقدير ، وعلى هذا يلزم الإغماض عن الثواب على الأصل وهو الزيارة في يوم عاشوراء والتعرض للثواب على الفرع وهو المداومة على الزيارة.

إلّّا أن يقال : إنّ الغرض الثواب على كل يوم ولو بدون المداومة فيتأتى ذكر الثواب على الأصل ، ولا يلزم الإغماض عن الأصل والتعرّض للفرع.

لكن نقول : إنّه على هذا يلزم ذكر الأصل بتبع ذكر الفرع وفي ضمن ذكر الفرع ، وهو بعيد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧:٣٩١ ، الباب ٤١ من أبواب الشهادات ، الحديث ١.

١٩٧

تذييلان

أحدهما : في تبديل بعض الكلمات على تقدير إيقاع زيارة عاشوراء في غير عاشوراء

أنّ مقتضى كلام العلّامة المجلسي قدس سره في «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» أنه على تقدير إيقاع الزيارة المتقدّمة في غير يوم عاشوراء يلزم أن يقال مكان «هذا» فيما يقال : اللّهُمَّ إِنّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ (يوم قتل الحسين عليه السلام) ، قال : «و در حيدث تجويز كردن اين زيارت در هر وقت وارد شده أست ا در غير روز عاشوراء كند بجاى : اللّهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أمية يوم قتل الحسين .

وسبق إلى تلك المقالة في «البحار» ، قال : «قوله عليه السلام : «أن تزوره في كل يوم» ، يستلزم الرخصة في تغيير عبارة الزيارة كأن يقول : اللّهُمَّ إِنَّ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ.

ومقتضى ما ذكر أن يقال موضع «هذا» «في» هذا يوم فرحت به آل زياد (ويوم قتل الحسين) فكان على العلّامة المشار إليه الإشارة إليه.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه بعد تبديل «هذا» بـ (يوم قتل الحسين) في : «اللّهمّ إنّ هذا يوم» بكون «هذا» في «وهذا يوم فرحت» إشارة إلى يوم قتل الحسين ، ولا حاجة إلى التبديل (١) ، ولعلّ هذا كان عذر العلّامة المشار إليه في عدم الإشارة

__________________

(١) وعن بعض المنع عن التبديل المذكور بملاحظة لزوم البدعة ، وليس بشيء ، وقد حكى السيّد السند شارح الصحيفة السجّاديّة في شرح قول مولانا سيّد السجّاد عليه آلاف التحيّة من ربّ العباد إلى يوم التناد في الدعاء عند ختم القرآن : «اللّهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد صلى الله عليه وآله مجملاً، وألهمته علم عجائبه مكملاً، وورثنا علمه مفسّراً، وفضّلتنا على مَن جهل علمه، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق مَن لم يطق حمله» ينبغي تبديل قوله عليه السلام :»

١٩٨

إلى ما ذكر.

إلّا أن يقال : إنّ «هذا» موضوع للإشارة إلى القريب و (يوم قتل الحسين) المبدل إليه بعيد بالإضافة إلى «هذا» في «وهذا يوم» فلايصحّ الإشارة به إليه ، فلابدّ من التبديل.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المصرّح به في النحو كثرة استعمال (ذا) و (ذاك) و (ذلك) في كل من القريب والبعيد والمتوسّط.

إلّا أن الكلام في كونه حقيقة أو مجازاً.

وعلى أيّ حال ، فلا بأس باستعمال «هذا» في البعيد ، ولا حاجة إلى التبديل بلا إشكال ، ومقتضى ما ذكر أيضاً تبديل «أتيتكما» في دعاء الوداع في : «يا أمير المؤمنين ، ويا أبا عبد الله ، أتيتكما زائراً» بـ: (توجّهت إليكما).

بل الشيخ قدس سره في «التهذيب» في باب من بعدت شقته وتعذّر عليه قصد المشاهد بعد أن روى عن أحمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبدالله عليه السلام : إذا بعدت بأحدكم الشقّة ، ونأت به الدار ، فليعلو أعلى منزله ، وليصلّ ركعتين ، وليومِ بالسلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا».

وقال قدس سره : «وتسلّم على الأئمّة عليهم السلام من بعيد كما تسلّم عليهم من قريب ، غير إنّك لا يصحّ أن نقول : أتيتك زائراً ، بل تقول في موضعه : قصدت بقلبي زائراً ؛ إذ عجزت من حضور مشهدك ووجّهت إليك سلامي لعلمي بأنّه يبلغك صلّى الله

__________________

«وورثنا علمه» وقوله عليه السلام : «وفضّلتنا» ونحو ذلك من الألفاظ بألفاظ تناسب حالة الداعي.

وحكى السيّد السند الشارح المشار إليه : بأنّ الأوْلى تبديل الضمير فقط ، فيقال في قوله : «إنّك أنزلته على نبيّك مجملاً» ثمّ إعادة سائر الضمائر إليه ، وأن يقال : «وفضّلتهم وقوّيتهم عليه لترفعهم»؛ لما في ذلك من إبقاء المعنى على أصله. منه رحمه الله.

١٩٩

عليك ، فاشفع لي عند ربّك عزّ وجلّ ، وتدعو بما أحببت» (١).

ومقتضى صريحة القول بالتبديل ، بناء على كون العبارة المذكورة من الشيخ قدس سره ، كما جرى عليه في «البحار» و «تحفة الزائر» و «زاد المعاد» (٢) ، وهو الأظهر ، لأنه روى تلك الرواية في «الكافي» عن عدّة من الأصحاب ، عن أحمد بن محمّد ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦: ١٠٣ ، باب من بعدت شقته وتعذّر عليه قصد المشاهد ، الحديث ١.

(٢) ونظير ما صنعه الشيخ من تبديل بعض أجزاء الحديث بناءً على كون العبارة المذكورة من الشيخ ما صنعه الصدوق في كتاب الحجّ في باب القِران بين الأسابيع ، حيث قال : «وقال زرارة : ربّما طفت مع أبي جعفر عليه السلام وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثمّ ينصرف ويصلّي الركعات ستّاً ، وكلّما قرن الرجل بين طواف النافلة صلّى لكلّ اسبوع ركعتين» ، فإنّ قوله : «وكلّما قرن ...» من الصدوق وليس من الرواية ، كما نصّ عليه المحدّث القاشاني في حاشية الوافي ، وفي حاشية الفقيه تعليقاً على الكلام المذكور (من كلام المصنّف).

وفي الأخبار ما يدلّ عليه.

وروي في التهذيب في باب الوكالات عن محمّد بن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام في رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات ، هل لها أن تطالب زوجها بصداقها أو قبض أبيها قبضها؟

قال عليه السلام : إنّ كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّة في حجره، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، ليس له أن يدع كلّه، وذلك قول الله عزّ وجلّ: (إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [البقرة ٢: ٢٣٧]» ، يعني الأب ، والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».

قال العلّامة المجلسي في بعض تعليقات التهذيب : «الظاهر أنّه يعني قوله : ومتى طلّقها قبل الدخول ، من كلام الصدوق ، وإن كان مضمون الروايات ، وظنّ الشيخ أنّه تتمّة الخبر ، ويحتمل أن يكون من كلام الشيخ على بعد. منه رحمه الله.

٢٠٠